عمدة الأحكام من كلام خير الأنام صلى الله عليه وسلم

تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب

هذا الإمام عُرف بعلمه وعنايته بالقرآن والحديث، فكان يجلس بعد أن يصلي الصبح حتى تنتشر الشمس يلقن الناس القرآن الكبير منهم والصغير، وكان له صبر وجلد على هذا لا يوجد له نظير في عصره ولا ممن جاء بعده، ثم بعد ذلكم إذا انتشرت الشمس جدد الوضوء فأخذ يصلي إلى أن يقرب وقت النهي، وقد بالغوا في ذلك حتى قالوا: إنه كان يصلي في هذا الوقت ثلاثمائة ركعة، وعلى كل حال سواء ثبت عنه هذا العدد أو لم يثبت، فالأصل موجود، وهذا معروف عنه -رحمه الله تعالى-.
وكان مع ذلك قائماً بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير قيام، بل يصفه بعضهم بالتشديد في هذا الباب، فكان -رحمه الله- يغير بيده، وهذا هو المتعين مع الإمكان؛ لأن التغيير باللسان مرتبة مع عدم الاستطاعة.
هذا الإمام العظيم ألف كتباً نافعة منها هذا الكتاب المبارك، ومنها: (الكمال في أسماء الرجال) رجال الكتب الستة، كتاب عظيم مبارك، و(تهذيب الكمال) الذي يدور الناس في فلكه حسنة من حسنات هذا الكتاب، توفي -رحمه الله- بعد عمر حافل بالعلم والعمل سنة ستمائة، على رأس الستمائة -رحمه الله رحمة واسعة.
كتاب عمدة الأحكام مختصر، من المتون المختصرة التي دونت في العصور المتوسطة، و(عمدة الأحكام) إذا أطلقت انصرفت إلى الصغرى، كما أن سنن النسائي إذا أطلقت انصرفت إلى الصغرى أيضاً، وإلا فالحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي -رحمة الله عليه- له كبرى وصغرى، وعناية أهل العلم بالصغرى؛ لأنه اقتصر فيها على شرطه، وهو أن يكون الحديث مخرجاً في الصحيحين - وإن كان شرطه قد اختل نادراً، لكنه اختل غفلة وذهولاً - وقد كتب الله له القبول والرواج بين طلاب العلم منذ تأليفه إلى يومنا هذا، فقلّ أن تجد ترجمة من رجال أهل القرون من القرن السابع والثامن والتاسع إلى يومنا هذا إلا وتجد في ترجمته أنه حفظ العمدة، والمراد بها عمدة الأحكام هذه، إضافة إلى حفظه للقرآن والمتون المعتمدة المطروقة عند أهل العلم.
عمدة الأحكام من أنفع كتب الأحكام وأنفسها لطالب العلم، وهو أصحها حيث انتقاه مؤلفه من أحاديث الصحيحين، فمن أراد أن يقتصر على الصحيح فعليه بالعمدة، مع أنه لا يستغني عن الكتب الأخرى في أحاديث الأحكام مما هو أجمع من العمدة كالمحرر والبلوغ، وأجمع منهما المنتقى للمجد ابن تيمية. فالعمدة كل أحاديثها صحيحة، فيحرص عليها طالب العلم، والبلوغ فيه أحاديث لا توجد في العمدة مما يحتاجه طالب العلم، والمحرر فيه أحكام وتنبيهات على الأحاديث، وبيان لبعض العلل لا توجد في البلوغ، فلو أن طالب العلم أراد أن يجمع بين هذه الكتب في مصنف واحد، ويذكر زوائد كل واحد على الثاني فبهذه المعاناة تثبت هذه الفوائد.
من أعظم شروح عمدة الأحكام شرح ابن دقيق العيد (إحكام الأحكام)، وابن الملقن (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)، كتاب طيب، ومنها (تيسير العلام وفي موارد الأفهام من سلسبيل عمدة الأحكام)، و(كشف اللثام في شرح عمدة الأحكام)، من أنفس الشروح، وتأخر طبعه لنقص في أوائله يسير، ثم بعد ذلك طبع على نقصه. وشروح العمدة أكثر من عشرة، لكن من أنفسها وأجودها لطالب العلم المتأهل شرح ابن دقيق العيد، على صعوبة فيه، وتعقيد في عبارته ومآخذه، فشرح ابن الملقن على طوله أسهل من شرح ابن دقيق العيد، وحواشي الصنعاني على شرح ابن دقيق العيد مفيدة جداً تحل كثيراً من الإشكالات، فيعتني طالب العلم بهما، وشرح الشيخ ابن بسام شرح متوسط وسهل يدركه آحاد المتعلمين.
أنا معوّلي على النسخة التي بتحقيق أحمد شاكر وأخيه علي شاكر، طبعة نفيسة ومتقنة إلا أنها تخلو من التخريج والعزو للأحاديث، لكنها صحيحة في الجملة. فيستفاد من طبعة نظر الفريابي في العزو، مع ضم طبعة الشيخ أحمد شاكر إليها.
 
أما تحقيق سليم الهلالي على عمدة الأحكام فلم أره.