وصايا للشباب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

وبدون مقدمات نقول: خير ما يوجه إليه الشباب -في ظروفنا التي نعيشها وما قبل ذلك، وما بعده- إلى أمرين فقط، لكنهما أمران يحويان الدنيا والآخرة هما: العلم والعمل.

فإذا كانت الظروف قبل سنين لا تسمح لكثير من الناس بالتفرغ لهذين الأمرين؛ انشغالاً بأسباب المعيشة، فإن الناس قد كُفوا، أو جل الناس قد كفوا في هذه الأيام -ولله الحمد والمنة– ولا يدرك ما أقول إلا من كان عمره تجاوز الستين.

فقد مرت البلاد وغيرها من البلدان بفقر شديد، وانشغل الناس بتحصيل أسباب لقمة العيش، أما الآن -وقد وسع الله على المسلمين وفتحت لهم الدنيا- فإن عليهم أن يتجهوا إلى ما خلقوا من أجله، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وأن يمتثلوا أمر الله -جل وعلا-، بقوله: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [(6) سورة التحريم].

فعلى المسلم أن ينتبه لهذا الأمر، وأنه إنما خلق لتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات].

وعوداً على ما بدأنا به وهو التوجيه إلى العلم والعمل، إذ أن العمل وحده بدون علم قد يكون ضرراً ونقصاً على صاحبه، فقد يعبد الله -جل وعلا-، على غير ما شرعه في كتابه، أو في سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فيعبد الله على جهد، ويفسد أكثر مما يصلح، والعلم أيضاً من دون عمل كالشجر بلا ثمر، فلا بد من اقتران العلم بالعمل، واقتضاء العلم للعمل.

وكثير من طلاب العلم -ممن ينتسب إلى هذه الثلة التي فرغت نفسها لطلب العلم-، كثير منهم -لا شك أنهم- يسلكون السبيل والطريق الذي تكفل الله -جل وعلا- على لسان نبيه أن من سلكه سهل الله له به طريقاً إلى الجنة.

لكن بعض الناس يسلك سبيلاً طويلاً بعيداً شاقاً، وبعض الناس ييسر له السبيل، ويسهل عليه ويطلب العلم من أقرب وسائله وطرقه، ويختصر الوقت اختصاراً بيناً، ويكون ذلك -إذا هيأ الله -جل وعلا- من يأخذ بيده- من أول الطريق، ونلاحظ على كثير من طلاب العلم، ممن يتخرج في الكليات الشرعية بعد أن أمضى ستة عشر عاماً في الطلب يجده في النهاية لا يمكن أن يسمى ولا طويلب علم، بل هو إلى العامية أقرب؛ لأنه يعيش في مهامه وفي صحاري، وطرق متشعبة.

فطالب العلم يحتاج إلى من يأخذ بيده من أول الطريق، فإذا حث القرآن والسنة على العلم، ورفع منـزلة العلماء، فلننظر إلى أقرب طريق وأخصره لتحصيل هذا المطلوب العظيم الذي جاء الحث عليه في الكتاب والسنة، وإذا كان الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة فيما يعرفه أو فيما يعرفه الناس في حياتهم العادية -الطريق المستقيم والخط المستقيم والصراط المستقيم- يقولون: إنه أقرب طريق يوصل بين نقطتين، وأنت الآن في مكانك هذا تبحث إلى أقرب طريق يوصلك إلى الغاية، وهي الجنة، فكيف نسلك هذا الطريق المختصر القريب.

العلم الذي جاء الحث عليه في النصوص إنما هو علم الكتاب والسنة، قال الله، وقال رسوله، علم الصحابة، علم السلف، وأما التشعبات التي جاءت من بعد إذا كانت لا تخدم نصوص الوحيين وتعيننا على فهم الكتاب والسنة، وتعيننا على كيفية الإفادة من نصوص الكتاب والسنة، فإنها لا شك أنها من الصواد عن هذا الصراط وعن هذا الطريق.

كثير ممن ينتسب إلى طلب العلم وقد أمضى في العمر ستة عشر عاماً -على أقل تقدير-، وتخرج من كلية شرعية يجد نفسه كالتائه في الصحراء، إذا قيل له: ابدأ بطلب العلم من أول الطريق، فاقرأ من الأصول الثلاثة والقواعد الأربعة، هو قرأ الأصول الثلاثة في المرحلة الابتدائية لكن لطول العهد قد يكون نسيها؛ لأنه لم يراجعها، ولم يحضر شروحها عند أهل العلم ولم يقرأ شروحها المطبوعة ولا المسجلة، نسيها، يحتاج إلى أن يبدأ الطريق من أول خطوة؛ ليختصر له الطريق، فهو بين أمرين:

إما أن يقول أنا تخرجت في كلية شرعية وأنا شيخ بالمرسوم الملكي أنه تخرج من كلية الشريعة، يطلق عليه اسم شيخ، فيقف عند هذا الحد، ويستحيي ويستكبر ويستنكف من أن يطلب العلم من أول الطريق، ثم ذلك يستمر في هذه المهامة، وهذه المفازة لا يدري أين يذهب يميناً وشمالاً.

وإذا سمع كلاماً جميلاً لأهل العلم قال: لا بد أن أقرأ هذا الكتاب، ثم يسمع كلاماً يترك هذا الكتاب ويرجع إلى الثاني، ثم يسمع كلاماً عن كتب ابن القيم فيرجع إليها، ثم يسمع... وبهذا ينتهي عمره على لا شيء، العمر ينتهي على لا شيء ونجد كثير من طلاب العلم يتخبطون في قراءاتهم فلا ترتيب ولا تنظيم ولا اتباعاً للجادة المسلوكة عند أهل العلم.

فالعلم يحتاج إلى ترتيب يحتاج إلى جدولة، فهذا الشاب الذي قرب منه مفارقة عصر الشباب -بعد أن أمضى ستة عشر عاماً في الدراسة-، عنده بعض الخيوط التي يمكن أن يتشبث بها، وقد يشارك في بعض المسائل العلمية؛ لأنه درسها في الجامعة، مع أنه خفي عليه ما قبلها وما بعدها، فلا رابط بين العلم في صدره، مثل هذا يحتاج إلى أن يبدأ بطلب العلم من جديد، وليس بسر أن يقال: أن بعض الخريجين بالنسبة لبعض زملائهم ممن هم معهم على كراسي الدراسة أن بعضهم يصلح أن يكون شيخاً لبعض، لماذا؟

لأن هذا اهتم من أول الأمر ووجد من يوجهه في المرحلة المتوسطة في المعهد العلمي، في هذا المحضن الشرعي الذي نسأل الله -جل وعلا- له الاستمرار والقوة والمزيد من ترسيخ العلم والاهتمام بمتون العلم الأصلية، وهي موجودة -ولله الحمد- إلى الآن.

إذا وجد من يأخذ بيد طالب العلم من المرحلة المتوسطة ووجهه إلى من ينفعه الحضور عنده من أهل العلم، مثل هذا -في الغالب أنه- يسلك الطريق، لكن الإشكال فيمن لا ينتبه إلا بعد التخرج في الجامعة، ثم بعد ذلك توظف، قد يتوظف في القضاء، وقد يتوظف في منصب يقتضي أن يعرض نفسه للإفتاء، و قد يتوظف في الدعوة، ويعرض نفسه لأسئلة الناس، ثم بعد ذلك هو بين أمرين: إما أن يقول: لا أدري في جل المسائل، وهذا حرج كبير، أن يأخذ راتباً في مقابل لا أدري؛ لأنه إنما وظف في هذا المرفق لينفع الناس، أو تحمله نفسه الأمارة بالسوء والكبر والحياء العرفي، لا الحياء الشرعي، أن يفتي بغير، وهو في هذه الحالة يضل بنفسه ويضل الناس، فأنا أقول: من البداية يا أخوة، لا بد أن نمسك الطريق من أوله، ونطلب العلم على الجادة، ويكون همنا تحصيل علم الوحيين الكتاب والسنة، ولا يعني هذا أننا نقتصر على القرآن، صحيح البخاري، صحيح مسلم، إلى آخره، لا بد أن نقرأ ما يعيننا على فهم الكتاب والسنة، ونحن في قراءتنا للغة العربية أجرنا كمن يقرأ القرآن أو يفسر القرآن، لماذا؟

لأنه وسيلة، والوسائل لها أحكام المقاصد، أنت قرأت اللغة العربية من أجل أيش؟ من أجل أن تفهم الكتاب والسنة، لك أجر من يتعلم الكتاب والسنة، قرأت في علوم الحديث لكي تعرف ما يثبت وما لا يثبت من حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- لك أجر من يقرأ ويُقرأ الحديث؛ لأن الوسائل لها أحكام الغايات، قرأت في أصول الفقه لتعرف كيف تتعامل مع النصوص، نصوص الكتاب والسنة لك أجر من يتعلم ويعلم الكتاب والسنة؛ لأنك لا تتعلم هذا العلم بمفرده، نعم قد يكون بعض الناس يفني عمره بهذه الوسائل ولا يصل إلى الغايات.

مثل هذا محروم؛ لأن هذه وسائل، كمن يمشي من أجل الخُطا وأجر الخطا إلى المسجد، فإذا وصل باب المسجد وقف، ما دخل، فهذه وسيلة، وأجر الخطا إنما رتب من أجل الصلاة، فمن خرج إلى الصلاة لا ينهزه إلا الصلاة له بكل خطوة حسنة، فإذا اقتصر على الوسيلة مشى تطهر في بيته وخطا إلى المسجد خمسين خطوة مائة خطوة، ألف خطوة، ثم وقف عند الباب، نقول: هذا مثل من يتخصص باللغة العربية ولا يستعمل هذه اللغة في علم الكتاب والسنة وفهم الكتاب والسنة، وقل مثل هذا في كل العلوم الوسائل؛ لأن القصد من معرفة اللغة العربية فهم الوحيين، القصد من علوم الآلة عموماً كيفية التعامل مع نصوص الوحيين، فليكن همنا الكتاب والسنة، ولا يمنع ذلك، لا يعني هذا أني أقول للإخوان لا تقرؤا في اللغة العربية، لا تقرؤا في أصول اللغة ولا في علوم الحديث، ولا في قواعد التفسير، لا، هذه أمور لا بد منها لفهم الغاية التي هي نصوص الكتاب والسنة.

كيف يتعامل شخص ما عرف اللغة العربية مع كتاب أنزل بلغة العرب؟ كيف يفرق بين الحقائق الواردة في القرآن، الألفاظ الواردة في القرآن، كيف يتعامل معها على أنها حقائق لغوية أو عرفية أو شرعية؟

حتى يعرف هذه الحقائق.

فعلى طالب العلم أن يهتم بهذا غاية الاهتمام، ويأخذ منه ما يكفيه ولا يزيد على ذلك، قد تحتاج الأمة إلى متخصصين في اللغة العربية يفيدون أهل العلم فيما يحتاجون إليه من عويص المسائل ودقائق المسائل، لكن والحمد لله ما يكفي لفهم الوحيين أمره ميسور، يعني من قرأ الآجرومية مع شروحها وحواشيها، استفاد فائدة عظيمة، والآجرومية خمس ورقات ما تزيد، ثم إن أتبعها بالقطر، -قطر الندى- وألفية ابن مالك، فهذا نور على نور، لكن لا يكون على حساب نصوص الوحيين، ثم بعد ذلك إذا انتهى من الآجرومية، ثم القطر، ثم الألفية تطلعت نفسه إلى ما هو أعظم من ذلك من شروح المفصل، وشروح الكافي، وشروح كذا، لا، نقول: خذ من علم العربية ما يكفيك، وبعض الناس إذا قيل له علم العربية اقتصر على النحو، هذا الكلام ليس بالصحيح، العربية علوم وفروع متعددة، فطالب العلم يحتاج من علوم العربية كلها الاثني عشر علم، العلوم العربية الاثني عشر علماً ما يحتاج إليه، يحتاج علم النحو، يحتاج علم الصرف، يحتاج علم المعاني، البديع البيان، الوضع، الاشتقاق، إلى غير ذلك من العلوم، فقه اللغة، متن اللغة، يحتاج إلى العلوم كلها، لكن مع ذلك لا تكن هذه العلوم على حساب الوحيين، لا تكن هذه العلوم على حساب الوحيين.

قد يقول قائل: إن الجامعات في هذه البلاد وغيرها، فيها أقسام للغة العربية، فيها أقسام للغة العربية، معنى هذا تغلق هذه الأقسام؟ نقول: لا يا أخي، الأمة بأمس الحاجة إلى هذه الأقسام، لكن ما الذي يمنع أن يكون التطبيق في هذه الأقسام على الكتاب والسنة؟ يعني إذا شرح باب من أبواب النحو، قال نطبق على القرآن، ثم جاء بسورة الفاتحة، نستخرج من سورة الفاتحة، ما مر بنا في هذا الباب، ثم بعد ذلك الباب الثاني على مقطع من سورة البقرة، أو من قصار السور، والباب الثالث ... وهكذا.

وبهذا يفهم الكتاب القرآن العظيم، وبه يفهم، وترسخ لغة العرب؛ لأن القرآن بلغة العرب، قد يمر عليه في القرآن بعض الألفاظ التي فيها اختلاف مع اللغة العربية، فيما يقرر في قواعد العربية يوجد الشيء، كلمات يسيرة في القرآن، تختلف عما قرره النحاة، وعلى هذا لا بد أن نخضع النحو إلى أفصح الكلام ولا عكس، لا نتطلب إجابات وتقديرات، تبعد بنا على فهم القرآن، من أجل قواعد وضعها النحو، نقول: خير ما يضبط به علم النحو التطبيق على القرآن، التطبيق على القرآن، وفي شرح "الأزهرية" من بعيد أبعاد، أو هو شرح شذور الذهب، في آخره إعراب قصار السور، لتمرين الطلاب على إعراب القرآن وفهم اللغة في آن واحد.

فالآن لك عناية بالنحو، كثير من الطلاب يصاب بيأس بالنسبة لهذا العلم، لنقول: قرأت النحو، حفظت الآجرومية والقطر والشروح وبدأت بالألفية، لكن ما أشوف اللسان يتعدل، اللسان ما تعدل إلى الآن، نقول: يا أخي لا تيأس؛ لأنك بتعلمك هذا العلم، لا يلزم أن يقوم لسانك، إلا إن كنت خطيباً أو مدرساً أو شيء من هذا، أو تكثر القراءة في كتب على الشيوخ الذين يصححون لك ما تخطئ فيه، أما إذا لم تكن خطيب، ولا مدرس ولا تقرأ على المشايخ، ثق ثقة تامة أن لسانك لم يتعدل.

لكن ماذا بقي لك من علم النحو؟ بقي الفائدة العظمى، وهي فهم الكلام؛ لأن علم النحو يفيدنا أمرين: الأول تقويم اللسان، وفهم الكلام، أنت إذا قرأت في القرآن، أو في السنة، وقد عرفت قواعد اللغة العربية، قد تكون في قراءتك لها شيء من اللحن، ولا يتقوم لسانك بهذا، لكن أنت تفهم الفاعل من المفعول من الحال من التمييز من غيرها، ولكل كلمة في موقعها معنى خاص فلا ييأس من قرأ النحو على الجادة، من المتن، الطبقة الأولى إلى الثانية إلى الثالثة إلى أن ينتهي من هذا العلم، ويقول: أنا –والله- ما استفدت شيء، ومع الأسف أنه نجد هذا اليأس في نفوس كثير من طلاب العلم، ونقيم بعض الدروس في اللغة العربية، ونجد بعض الكبار يتخلف عنه، نقول له لماذا؟ يقول: والله ما أستطيع، حضرت الكتب ما استفدت، يا أخي ما تعرف تفرق بين التمييز والحال، قال: كتابة أعرب لك ما أنطق، قيل: ما يلزم يا أخي، أنت إذا ما استفدت الفائدتين لا تفوتك هذه الفائدة العظمى، وأنت بهذا تفهم الكلام -كلام الرب -جل وعلا-، وكلام النبي -عليه الصلاة والسلام- وكلام أهل العلم، ولا يمكن أن يزهد طالب العلم في علم العربية إلا إذا زهد في علوم الكتاب والسنة؛ لأنها بلسان العرب، بلسان عربي مبين.

فعلى الإنسان أن يحرص على هذا أشد الحرص وبعضهم يقول: نفهم كلام الله -جل وعلا-، بدون هذا التعقيد الذي في كتب النحو، فقل: يا أخي علم النحو لا يحتاج إلى تعقيد، ما يحتاج تقرأ بأوضح المسالك، كتاب معقد لا تقرأ فيه، تكتفي بالآجرومية والقطر، وما كتب عليهما، إن سمت همتك إلى الألفية بها ونعمت، وإلا أنا أضمن لك أن تتقن العربية بهذين الكتابين، مع شروحهما، بعض الأحكام الشرعية يتغير الحكم فيها تبعاً لتغير الإعراب، ومثَّل لهذا بحديث: ((ذكاة الجنين ذكاةُ أمه))، وبعضهم يرويه: ((ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه)) ويش الفرق، يقولون: ((ذكاة الجنين ذكاةُ أمه)) برفع الجزئين، قلنا: إن ذكاة الجنين هي ذكاة أمه، فلا يحتاج إلى تذكية، وبهذا قال الجمهور، لكن إذا قرأنا بالرواية الأخرى، النصب ((ذكاة الجنين ذكاةَ أمه)) قلنا: منصوب على نزع الخافض والتقدير: كذكاة أمه.

فيلزم أن يذكى مثل ذكاة أمه، وبهذا يقول الحنفية، تغير الحكم أو ما تغير؟ تغير الحكم، وأعظم من ذلك قول الأصمعي وجمع من أهل العلم قالوا: أن الذي يلحن في كلام النبي صلى الله عليه وسلم يخشى عليه أن يدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من كذب علي متعمداً فليتوأ مقعده من النار)) إذا قلت: ((إنما الأعمالَ بالنيات)) يعني أنت قلت على الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل، إذا قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمالَ بالنيات)) الرسول ما قال هذا الكلام، إنما قال: ((إنما الأعمالُ بالنيات)).

فنهتم لهذا الأمر، طالب العلم إذا تعلم النحو ما تعلم الصرف يقع في حرج كبير، الصرف لا بد منه، لكن لا يعني أننا نقرأ الشافية وشروح الشافية، لكننا نقتصر على المختصرات في هذا الفن، يحتاج طالب العلم –أيضاً- إلى علم البيان، وعلم البديع، وعلم المعاني، يحتاج إليها حاجة شديدة ماسة.

يعني كيف نستخرج إعجاز القرآن بغير هذه العلوم، لا بد أن نقرأ هذه العلوم لكي نعرف قيمة هذا الكتاب العظيم الذي تحدى به العرب، بعض الناس يقرأ القرآن وكأنه كلام عادي، كأنه كلام، وهذا الكلام ليس بصحيح، بل إذا عرف هذه العلوم وقرأها وجد أن القرآن لا يضاهيه أدنى أي كلام، والعرب الفصحاء تحداهم الله -جل وعلا- أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور، بسورة من مثله، ولكن هل ممكن أن يتحدى العرب أن يأتوا بآية، ما حصل هذا التحدي بآية، ما حصل، لكن آية تعادل أقصر سورة، يمكن أن يتحدى بها، أما مجرد آية، ثم نظر: مدهامتان، العرب لا يعجزون أن يقولون: ثم نظر، فلم يحصل التحدي بآية.

على كل حال طالب العلم طالب العلم لا بد أن تكون متكاملة وشاملة, ولذا يشترطون لمن يتصدى لتفسير القرآن أن يعرف جميع العلوم، أن يعرف جميع العلوم؛ لأنه قد يشكل عليه أشياء في تفسير القرآن لا يحلها إلا فقيه، لا يحلها إلا محدث، لا يحلها إلا لغوي، تشكل عليه بحيث لا يحلها إلا من علماء البلاغة، وهكذا.

فطالب العلم عليه أن يأخذ، ولا يعني أنه موغل في كل علم، بحيث يصير هو الهم أجمع، لا، يأخذ من كل علم ما يكفيه، وهناك مختصرات في سائر العلوم نافعة، وأهل العلم ما قصروا، رتبوا هذه الكتب وصنفوها وجعلوها على طبقات تناسب المتعلمين وطبقاتهم، فجعلوا للمبتدئين كتب، وجعلوا للمتوسطين وجعلوا للمتقدمين كتب، وكتب العلم التي تشرح موجودة، والأشرطة وكلام أهل العلم في هذا كثير.

وعلم العربية نحتاجه أيضاً في السنة، وعرفنا اختلاف الحكم تبعاً لاختلاف الإعراب، وعرفنا أن الخطر الذي عبر عنه الأصمعي وغيره بإدخال من يلحن في الحديث، بحديث ((من كذب))، نعم، قد يكون هذا غير متعمد فيخرج من هذا، لكنه كونه يُلصق بهؤلاء -ولو من وجه- أنه كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، الإنسان لا يريد أن يقع في هذا، ولو لم يكن عن قصد، وحديث: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) هذا مخيف، يعني ما يلزم أن تراه أنت، لو رآه غيرك أنه كذب، فأنت واقع في هذا الوعيد، وأنك أحد الكاذبين، والكاذب عليه من الله ما يستحق -كما جاء في النصوص-.

لا بد أن نتعلم العلم، وأنتم لا شك أنكم من طلاب العلم، وأخذتم منه بقسط كاف -إن شاء الله تعالى- لكن المزيد هو المطلوب، والله -جل وعلا- ما أمر نبيه من الاستفادة من شيء إلا من العلم، {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طـه].

فنحن بحاجة ماسة إلى الازدياد من العلم، بعض الناس يقول: أنا والله تخرجت، درست عشرين سنة، خمسة وعشرين سنة، والآن أحمل أعظم الشهادات، يعني إلى متى؟ نقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- قيل له: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طـه].

وبعض الناس يقول: أنا والله درست عشر سنين، عشرين سنة، ثلاثين سنة، وإذا سئلت عن شيء ما أقدرت، ما استفدت، فأترك.

نقول: يا أخي النتيجة ليست بيدك، النتيجة عند الله -جل وعلا-، عليك أن تبذل السبب، فبذل السبب منك مطلوب، ((من سلك طريقاً))، السبب سلوك الطريق، ابذل سلوك الطريق، فاسلك الطريق تضمن لك النتيجة، ((من سلك لك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)).

حضر معنا بعض عن المشايخ بعض الناس أدركناه في الخامسة والسبعين من العمر، درس على شيوخنا وعلى شيوخهم، وكان زميلاً لشيوخيهم، فدرس مع الشيوخ ومع شيوخهم، ودرس مع الطلاب وتأخر عنا في الطلب حتى مات، ما يقرب عن تسعين سنة، لكنه بالفعل ما أدرك شيء؛ لأنه إذا سمع شيئاً يحثه على العمل عمل به، فهذا مع صدق النية سهل الله -جل وعلا- به طريقاً إلى الجنة، فالنتيجة مضمونة، النتيجة في الآخرة مضمونة، لكن في الدنيا هل ضمن لك أن تكون عالم؟ لا ما ضمن لك أن تكون عالم؛ ولذا اليأس ما هو بوارد، ليس بوارد، لا في العلم ولا في العمل؛ لأن بعض الناس –أيضاً- بالنسبة للعمل، يقول: حاولت وعجزت، كيف حاولت؟ حاولت الإخلاص وما قدرت، يأتي كثير من طلاب العلوم الشرعية، والكليات، يقولون: والله نحن حاولنا الإخلاص، ومن شرط العلم الإخلاص؛ لأنه من أمور الآخرة المحضة، لا يجوز فيه التشكيك، فأخشى أن أكون من أول ما تسعر بهم النار، أترك طلب العلم، يقال له: لا تترك ولا تيأس، الترك ليس بحل، الترك ليس بحل، لكن عليك أن تجاهد، تجاهد نفسك، وحينئذ إذا علم الله منك صدق النية أعانك.

بعض الناس يقول: حاولت قيام الليل، وجاهدت نفسي وعجزت، نقول: السلف كابدوا قيام الليل سنين، ولا بد من تجاوز المرحلة، مرحلة الاختبار، فإذا تجاوزت مرحلة الاختبار ونجحت في الأخير تتلذذ، فالطلب في بداية الطلب، -طلب العلم شاق-، أقرانك وأقاربك في استراحات مبسوطين على ما قالوا، يتمشون وينبسطون ويتجاذبون أطراف الحديث وينظرون إلى أخبار العالم، وأنت جالس بزاوية في بيتك تقرأ كتاب أو في مسجد بين يدي الشيخ.

فالنفس فيها صراع، في أول الأمر، لكن هذه مرحلة امتحان، فإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله -جل وعلا-، وأخلصت وصدقت اللجأ إليه لا شك أنك تكون في نعيم، في جنة، لا يدركها أمثال هؤلاء، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- وكما قال من قبله، يعني هم في جنان لو يعلم بها الملوك لجالدوهم بالسيوف.

يعني عطاء أبي رباح، مبتلى بعلل كثيرة، بتشويه خَلقي وعلل في جميع أطرافه، وفي لونه وفي شكله وفي وجهه، وإذا جلس في المسجد الحرام، الملوك كأنهم أطفال بين يديه ما الذي رفع هذا؟ بما رفع مثل هذا؟ رفع بالعلم، فإذا أدركت مثل هذه الأمور، وقرأت ما أعد الله -جل وعلا- للعلماء العاملين، في كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أنك سوف تنسى كل ما يتلذذ به الناس من أمور دنياهم.

يعني في العام الماضي والذي قبله أيام سوق المساهمات، فقدنا بعض طلاب العلم، أين فلان؟ قالوا: والله انشغل بالمساهمات، وكان من الملازمين للدروس في جميع الأوقات، في النتيجة حصل ما حصل، يعني يا الله عاد حسب الأرباح والخسائر، ماذا خسر هذا الذي ترك الدروس؟ وما الذي خسره من ترك الأسهم؟ أعرف بعض طلاب العلم انشغلوا بهذا؛ نسيوا العلم، والله أننا نختبرهم في بعض المسائل الصغيرة التي كانوا يقررونها على الطلاب ويساعدون الشيخ في تقريرها نسوها، وبعضهم نسي القرآن، وبعضهم يصلي صلاة ببدنه، وليس للقلب أي نصيب، يعني ماذا خسر هذا الشخص في مقابل حطام الدنيا، خسر شيئاً عظيماً، بينما الذي لزم الدروس وأدرك من العلم ما أدرك وإذا ذهب إلى صلاته مرتاح مقبل على ربه، فهذا ما فاته شيء، الدنيا الحمد لله ملحوق عليه، لكن من الخاسر في الحقيقة؟ {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [(15) سورة الزمر] خسران، الخسران في القيامة، ما هو في الدنيا، قد يخسر الإنسان، قد تصيبه ضائقة مادية، قد يشتغل في تجارة ويخسر، لكن ليس هذا.

كل كسر فإن الدين يجبره

 

وليس لكسر قناة الدين جبران

فعلى الإنسان أن يُقبل إلى ما خلق من أجله، حصل هذا الهدف ثم بعد ذلك، {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] التي تستعين بها على تحقيق هذا الهدف، أما أن تجعل الدنيا هي الهدف، وقد رأينا من عوام المسلمين، والآن بعض علماء المسلمين -مع الأسف- وبعض طلاب العلم من ينطبق عليه: ((تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار تعس وانتكس – نسأل الله العافية – وإذا شيك فلا انتقش)).

نعرف من دهاتم، من عوام المسلمين تأتيهم بضائع من الشرق والغرب، ويخبرك بأسعارها وفوائدها في لحظة، ما يحتاج آلات، أفضل من الآلات، وأسرع من الآلات، لكن لا يعرف يقص أظافره، وإذا أصابته شوكة يطلب من يسعفه، وهذا حاصل بالفعل ما هو بخيال، إنما هذا حاصل بالفعل، ولبس الساعة سنين ثم خلعها ما يعرفها، ومع ذلك يخبرك عن أمور الدنيا بدقة.

فالمسلم مخلوق لتحقيق هدف، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] تحقيق العبودية، ومع ذلك هذه العبودية تحتاج إلى شيء من الدنيا، فينته لشيء من دنياه، كما قال الله -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص].

والحال الآن في وضع المسلمين العكس تماماً، كأنما خلقوا للدنيا ويحتاجون إلى من يقول لهم ويتعاهدهم "ولا تنس نصيبك من الدين" على العكس تماماً.

فعلى الإنسان أن ينتبه لنفسه قبل فوات الأوان، والآن أكثر الحضور -ولله الحمد- من الشباب الذين هم في عصر الإمكان.

الكلام عن الكتب وترتيب الكتب وماذا يقرأ، وماذا لا يقرأ، يعني فيه أشرطة سميت "كيف يبني طالب العلم مكتبته" وهذه موجودة في الأسواق، لسنا بحاجة إلى الكلام عليها مرة أخرى، العلم، وطالب العلم، والعالم، والذين أوتوا العلم قد رفعهم الله درجات، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] ودرجات عشرين سانتي مثل درج الدنيا، عشرين سانتي، الدرجة الواحدة؟ لا، الدرجة الواحدة ما بين السماء والأرض، ودرجات ما هي بدرجة ولا بدرجتين، ولا كذا، فننتبه لمثل هذا الأمر، هذا بالنسبة للعلم، هذه كلمة مختصرة.

بالنسبة للعمل يوجد في صفوف طلاب العلم -مع الأسف- أنه يأخذ العلم مجرداً، ويشكو من عدم ثباته في نفسه، ينسى العلم، نقول لك: يا أخي اعمل بهذا العلم ثم بعد ذلك يثبت، والعلم كما يقول علي رضي الله عنه "يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل"، وكم من شخص تعلم من العلوم الشيء الكثير، ثم بعد ذلك في النهاية نسي؟ لماذا؟ لأنه لا يعمل، العلم النظري المجرد لا يثبت، لو أن إنساناً أخذ مصنف ثلاثمائة صفحة -مثلاً-، في تعلم قيادة السيارة، في تفكيك المكينة وتفكيك كذا، يعني كل ما يتعلق بالسيارة، وقرأ الكتلوجات القديمة والحديثة وكذا، لكنه ما باشر ما معه مثلك ولا عنده، بيتعلم هذا، لا بد من العمل، لا بد من العمل، فالعمل يثبت به العلم، والأعمال متاحة في شرعنا ولله الحمد كثيرة جداً، يعني بعض الناس قد يصعب عليه ويشق عليه، أن يساعد الناس ببدنه، نقول: يا أخي ساعد الناس وابذل فيما تستطيع، برأيك -مثلاً-، إذا جاء أحد الناس يستشيرك امحضه النصيحة، العمل الخاص الذي لا يتعدى، صيام، النوافل قيام الليل، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي الناس بأمس الحاجة إليه الآن، المنكرات تزيد، المنكرات الآن في محافل المسلمين تزيد، فلا بد من التعاون على إزالتها، وإنكارها، لكن بطرق تترتب عليها المصلحة، ولا يترتب عليها أدنى مفسدة، والإنسان -ولله الحمد- في هذا البلد ما فيه أحد يمنعه لشخص رآه في طريقه إلى المسجد: صل يا أخي، صل جزاك الله خير، الآن الإقامة قربت والمسجد قريب وقد سمعت الأذان، ولا عذر لك، ورأس مالك الصلاة، أعظم أركان الإسلام، في أحد يمنعه من هذا، يرى شباب يلعبون كرة يقول لهم: صلوا، يرى صاحب محل مفتوح بعد الأذان، يقول له: سكر، ولو أن الناس تتابعوا على هذا وتعاونوا عليه ما وجدنا هذا التساهل الموجود في أسواق المسلمين ومحافلهم، فالاهتمام بهذا الشأن الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم المهمات وأولى الأولويات بالنسبة لجميع المسلمين؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وللسان ولله الحمد مستطاع بالأسلوب المناسب، الذي لا يترتب عليه مفاسد.

الأمة إنما فضلت على غيرها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شأنه عظيم، لماذا لعن، بأي شيء لعن بنو إسرائيل؟ {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [(79) سورة المائدةٍ]  كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، هذا السبب، فإذا وجدنا المنكر ولا ننكره لا يعني هذا أن يأخذ عصا ويضرب هذا، لا، لا أبداً، الشرع -ولله الحمد- جعل لك فسحة، لا تستطيع أن تغير بيدك، -وكل إنسان في بيته يستطيع التغيير بيده-، ومن له ولاية على شيء يستطيع التغيير بيده، لكن إذا لم يستطع فالخيار الثاني التغيير باللسان وهذا مقدور عليه في بلادنا -ولله الحمد- وليس مانع، ولا يوجد من يمنع من التغيير باللسان إذا لم يوجد هناك مشكلة، أو مفسدة أعظم من هذا التغيير، المقصود أن علينا أن نتكاتف على هذا المرفق العظيم و ننوء بالحمل مع إخواننا الرسميين ولعل الله -جل وعلا- أن يدفع عنا، فالمنكرات لا شك أنها سبب لمقت الله وغضبه، وفي الحديث الصحيح: ((أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث))، يعني عندنا صالحون كثر، -ولله الحمد-، عندنا علماء عاملون، وعندنا دعاة وقضاة وعندنا أخيار، عندنا زهاد وعندنا عباد، لكن الخبث كثر فيخشى علينا، ولا نستطيع أن نرد هذا الخبث إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولذلك قدم على الإيمان، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [(110) سورة آل عمران]، فقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصح بدون إيمان إلا أنه من أجل أننا فضلنا به على سائر الأمم قدم، وإلا فالأمم السابقة كلهم يؤمنون بأنبيائهم، يعني من كتب له اتباع الأنبياء يؤمنون.

أيضاً هناك أعمال خاصة على طالب العلم أن يلتزمها ليعان على طريقه ومشواره في طلب العلم، يستعين بقراءة القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل، وأيضاً يكثر من تلاوة القرآن ليحصل على الأجور العظيمة، بكل حرف عشر حسنات، كل حرف عشر حسنات، الإنسان في ربع ساعة يقرأ جزء يحصل له مائة ألف حسنة، وليكثر من هذا، ويجعل له وقت للتدبر، والنظر في كتاب الله والاعتبار، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر]  لا بد أن نعتبر، ولا بد أن نتذكر، لا بد أن نذكر أنفسنا ونذكر غيرنا بالقرآن، {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] لكن من الذي يتذكر؟ هو الذي يخاف الوعيد، أما الإنسان الغافل الساهي اللاهي، هذا نصيبه من هذا قليل، ومع الأسف أن البعض ممن ينتسب إلى طلب العلم عنده شيء من الجفا بالنسبة للقرآن، فتجده إذا تيسر له أن يحضر إلى المسجد قبل الإقامة، وصلى الركعتين إن بقي وقت أخذ مصحف، وقرأ ما تيسر ورقة أو ورقتين، ويكون القرآن عنده -على ما يقول الناس- على الفرغة، إن وجد وقت وإلا...

فهذه مشكلة يعايشها كثير من طلاب العلم حتى من الحفاظ، بعض الطلاب إذا ضمن حفظ القرآن انتهى، انتهى دوره، نقول له: لا يا أخي الآن جاء دورك، الآن جاء دور التلاوة التي رتب عليها أجر الحروف، وجاء دور الترتيل والتدبر والاستنباط والتذكر والتذكير بالقرآن، الآن جاء دوره، فأهل القرآن لهم هذه الخاصة، هم أهل الله، وهم خاصته، وينبغي أن يعرفوا بما لا يعرف به غيرهم، كما قال ابن مسعود: يعرف بصيامه يعرف بصلاته يعرف بقيامه، يعرف بتلاوته يعرف بنفعه الخاص والعام، يعرف بإقباله على الله -جل وعلا- إذا غفل الناس، فصاحب القرآن له شأن عظيم.

أيضاً مما يوصى به المسلم عموماً "لا يزال لسانه رطباً بذكر الله -جل وعلا-"، والذكر لا يكلف شيء، الذكر لا يكلف، يعني سبحان الله وبحمده "مائة مرة"، حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، سبحان الله وبحمده، بالتجربة تحتاج إلى دقيقة ونصف، تحتاج إلى دقيقة ونصف، ما يحتاج مثل الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا أن يأخذ الإنسان سيف ويقتل نفسه ليتوب الله عليه، ما يلزم هذا، دقيقة ونصف "سبحان الله وبحمده" حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، من لزم الاستغفار، -وللاستغفار فوائد، شيء لا يخطر على البال-، يعني له دور في شرح النفس، وطيب العيش، وكثرة المال والولد، والبركة في الرزق، ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، عشر مرات، كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل))، عشر مرات تقال بدقيقة، مائة مرة، عاد هذه أمر لا يكون أحد مثله إلا إذا أتى بمثله أو زاد، حرز من الشيطان، ومائة درجة، ويمحى عنه مائة سيئة، وكمن أعتق عشرة من ولد إسماعيل، أجور لكن -يا إخوان- الحرمان ليست له نهاية.

تجد كثير من الناس إذا ذهب إلى أمر من الأمور ووجد صاحب الأمر غير موجود، والله خرج مشوار يأتي بعد ربع ساعة، الربع الساعة خمسة عشر دقيقة هذه أثقل عليه في الانتظار من خمسة عشر سنة، تجده يتوهج ويتأسف ويتألم وشويه يخرج، وشويه يدخل ينتظر هنا، لماذا؟ ما عود نفسه على الذكر، يعني لو شرع في قراءة جزء من القرآن بربع ها الساعة، ألا يود أن يتأخر صاحبه حتى يكمل هذا الجزء، إذا كان له ورد ونصيب يومي من القرآن ألا يتمنى أن تتأخر الإقامة قليلاً حتى يكمل قراءته؟ هذا الحاصل يا إخوان، لكن الذي يفتقد القرآن لمجرد إمضاء وقته، ويتصل بالذكر في ذلك، ما يفلح، بس ينتظر الإقامة وينتظر في الباب متى يأتي الإمام لماذ؟ لأنه ما عود نفسه ولا تعرف على الله في الرخاء ليعرف في مثل هذه الشدائد، لكن لو تأخر الموظف الذي ينتظره عشر دقائق أو ربع ساعة أو تعود، كان لا يحفظ القرآن في جيبه جزء من القرآن قرأه يكفيه، مائة ألف حسنة أفضل من العمل الذي جاء من أجله، أفضل بكثير من العمل الذي جاء من أجله، لكن باعتبار ما عودنا أنفسنا على هذا نتضايق كثير، الإنسان في طريقه وفي مشواره رايح وجاي يضيع أكثر أوقات الناس في السيارات –الآن-، وكثير من الناس لا يحسن استغلال مثل هذه الأوقات، اقرأ قرآن، اذكر من الأذكار ما جاء الشرع بالحث عليه، اسمع أشرطة علمية تستفيد، المقصود: أن الإنسان يحفظ الوقت؛ لأن العمر هو عبارة عن هذه الأنفاس وهذه الدقائق، وقبلها الثواني وبعدها الساعات، هذا هو عمر الإنسان، بل هذا هو حقيقة الإنسان، فإذا ضيع الإنسان نفسه، فعلام يحاسب؟ إذا ضيع الإنسان نفسه يعني أنتهت بالكلية ما سوى شيء، وكم من شخص يمد له في العمر إلى مائة سنة، فإذا طلب من أهله وذويه ماذا أنجز خلال هذه السنة؟ والله ما يشوف شيء، وبعض الناس يبارك له في عمره.

عمر بن عبد العزيز مات ما كمل الأربعين، عمر بن عبد العزيز ما كمل الأربعين، شوف الذكر إلى الآن، -الذكر الحسن-، وكثير سعيد بن جبير ما كمل الخمسين، النووي ستة وأربعين، وملأ الدنيا، مساجد الدنيا كلها يقال: قال -رحمه الله تعالى-، فعلينا أن نحرص على هذا.

ثم قد يقول قائل: ما السبب في هذه البركة؟ أننا رأينا أناس طالت أعمارهم لكن ما كتب لهم مثل هذا الذكر الحسن، بحيث يقال على كل إنسان: رحمه الله؟ جاء شخص إلى هشام بن عبد الملك وقال له: إن أباك منحني قطعة أرض، ثم جاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فأخذها مني، قال: سبحان الله، الذي أعطاك الأرض ما قلت : رحمه الله، والذي أخذها منك تقول: رحمه الله، قال: وأيش أسوي، كل الناس تقول هذا، ما يذكر اسمه إلا رحمه الله.

فعلى الإنسان أن يحرص لتحقيق مثل هذه الأمور، وكم من شخص تجري أعماله بعد وفاته مئات السنين، لماذا؟ لأنه دل الناس على هدى، علم الناس الخير، ألف مصنفات يستفيد منها الناس وأجورهم ماضية، ((أو علم صالح ينتفع به)) و بعض الناس على العكس مئات السنين تجري عليهم الأوزار؛ لأن عملوا بدع وصنفوا كتب بدع فصار الناس يتأثرون بها فعليهم أوزارهم.

و((من سن -في الإسلام- سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة))، فعلينا أن نهتم بأنفسنا ونحتاط لها والموضوع المذكور في الإعلان موضوع متشعب، ولا ينتهي ولا ندري بما نبدأ ولا بما ننتهي، لكن لعل الأسئلة تبين شيء من المراد.

 

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.