أثر الفتن على الأمة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:

فقد كنا نقرأ في النصوص والأحداث والوقائع والتواريخ عن الفتن أشياء نظرية فتؤثر فينا كما أثرت فيمن قبلنا ثم باشرها المسلمون واقعًا عمليًّا في هذا العصر ويسرت القنوات الفضائية رؤيتها عيانًا ومشاهدة فهل أثر ذلك في قلوبنا ورجوعنا إلى الله جل وعلا موقف لا أنساه عُرض في قناة المجد في حرب العراق رجل يحمل يدًا وضلوعًا يسمونها العوام يد بجنبه رافعها كذا والله الذي لا إله غيرها إني ظننتها يد كبش فإذا هي بيد مسلم ويعرض مثل هذا والناس يشاهدونه عِيانًا في وقت الطعام في وقت الغداء ووقت العشاء كان الناس إذا سمعوا النصوص وجلت قلوبهم وارتعدت فرائصهم وإذا قرؤوا ما قرؤوا كذلك أما الآن فالناس يشاهدون ويباشرون هذه الفتن وتجدهم في لهْوهم وغفلتهم وإعراضهم عن الله جل وعلا فما الذي دهى القلوب وما الذي غطاها وغشى على العيون فتشاهد الجثة كأنها ضحية نسيكة ما تؤثر في شيء إطلاقًا ويطل الرجل المسلم في القبر الذي هو أول منازل الآخرة كأنه -كما قال بعضهم- حفرة زيت غيار لا تتأثر القلوب ولا تجل ولا ترجع إلى الله ولا تحاسب النفس ﭹﭺ ﭻﭼ ﭿ        المطففين: ١٤  ران على قلوبهم وغطاها وغشاها كسبهم ولا يكاد يسلم من هذا إلا القليل النادر الذي يسلم من المعاملات المحرمة ومن السرقات والغصوب والمظالم لا يسلم من تنقية دخله ومعاشه كلنا واقع في هذا لأن الراتب في مقابل أجرة في مقابل وقت وإذا دققنا النظر في هذا وجدنا أنفسنا متورطين في ما نكسبه فتجد المسلمين بجموعهم الغفيرة بعلمائهم بفقهائهم بدعاتهم بعبادهم يرفعون أكفهم في أوقات الإجابة ويدعون فلا يستجاب لهم لماذا؟ النبي عليه الصلاة والسلام ذكر الرجل أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب يا رب يا رب أشعث أغبر مسافر له دعوة مستجابة ويمد يديه ورفع اليدين من أسباب الإجابة ويدعو بيا رب يا رب الذي قرر أهل العلم أن من كررها خمس مرات استجيب له كما في آخر سورة آل عمران لكن هناك مانع أنّى يستجاب له استبعاد! لماذا؟ لأن مطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذِي بالحرام فأنى يستجاب له هذا الذي جعلنا لا لا نتعظ ولا ندكر نقرأ القرآن وتمر بنا آيات الوعد والوعيد وكأن شيئًا لم يكن وجاء في وصف المؤمنين المخلصين المخبتين الأنفال: ٢  والواحد منا يقرأ القرآن أو يقرأ جريدة لا فرق نسأل الله جل وعلا أن يصلح قلوبنا وأعمالنا كثير منا ظاهره صالح صورته حسنة لكن «إن الله جل وعلا لا ينظر إلى صوركم وأبدانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ولا يعني هذا أن الإنسان يخالف في ظاهره ويشير إلى صدره ويقول التقوى هاهنا هذا ليس بصحيح عليه أن يلتزم ظاهرًا وباطنًا لأن بعض الناس إذا قيل له لماذا تخالف لماذا تعصي؟ قال المظاهر ما هي ما تضر التقوى هاهنا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لكن أين التقوى الذي مفادها وحدّها فعل الأوامر واجتناب النواهي مظاهر الفسق وعلاماته عليه ظاهرة ويقول التقوى هاهنا كما قال من قال وهو من الصحابة وقد شرب الخمر المائدة: ٩٣  قال له عمر لو اتقيت الله ما شربت الخمر الشرط هذا غير متحقق والذي يقول التقوى هاهنا لو اتقى الله ما حلق لحيته ولا أسبل ثوبه ولا ظهرت عليه علامات الفسق فيقول المظاهر لا تضرك لا المظاهر لها دلائل على الباطن وهو جزء من المركب الذي هو التقوى من ظاهر وباطن وتعامل الناس إنما هو على الظاهر هذه مقدمة حقيقة قدمتها بين يدي هذه المحاضرة لنلقي السمع لما يقال وما يذكر في هذا الشأن لأننا قرأناه نظريًا ثم عشناه واقعًا عمليًا والفتن من حوالينا ليست ببعيدة منا ونعيش فتن ونحن في بلادنها هذه محيرة وإن لم تكن بالسيف والسنان لأن فتنة الدين أعظم وأشد كما قال الله جل وعلا:      ﭜﭝ البقرة: ١٩١  يعني صرف الناس عن دينهم أعظم من قتلهم لأنه بصرفه عن دينه يخسر آخرته وإن كسب شيئًا من حطام الدنيا وقتله يخسر دنياه وأي نسبة الدنيا من الآية ما فيه نسبة وليعش الإنسان خمسين ستين ثمانين مائة سنة ثم ماذا؟ إذا مات كأنها لحظة يذكر في أخبار السابقين عن نوح عليه السلام أنه كما تعلمون عاش في الدعوة تسعمائة وخمسين سنة وقبل الدعوة قرون لكن يذكر أنه سئل كيف رأيت الدنيا قال كمن دخل من باب وخرج من باب هذه الدنيا لا تسوى شيء هي مزرعة للآخرة من عمرها بطاعة الله جل وعلا وحقق الهدف الذي من أجله خلق ليبشر بالسعادة الأبدية في الآخرة وإلا فهي في حقيقتها لا تزن عند الله جناح بعوضة بمتعها كلها خل عندك من المليارات ومن القصور ومن الأثاث ومن السيارات ومتع الدنيا كلها موجودة لكن ما استفدت منها فيما يقربك إلى الله جل وعلا وما استعملتها في تحقيق الهدف الذي من أجله خلقت هذه الدنيا لا شيء وجاء عند الترمذي وإن تكلم فيه من تكلم «الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم» فاحرص أن تكون ذاكرًا لله جلّ وعلا عالمًا أو متعلمًا والله المستعان بعد هذا ندخل في عنوان الدرس الذي يسمونه محاضرة ومعلوم أن هذه التسمية بناؤها المفاعلة وهي تكون من طرفين يعني إذا اشترك الناس كلهم في الكلام واحد يتكلم واحد يرد وكذا مفاعلة تكون من طرفين فأكثر ولذلك لا تجدونها في كلام المتقدمين إنما عندهم الدروس والتعليم فيه كتاب متقدم اسمه محاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء والشعراء هي على أصلها بين أكثر من طرف المحاضرات كالمحاورات وقد تأتي المفاعلة على غير بابها فتكون من طرف واحد تكون من طرف واحد مثل سافر مسافرة مفاعلة من طرف واحد تقول طارق النعل وعاقب اللصّ من طرف واحد تأتي على غير بابها ولعل منها ما يذكر في هذا الشأن من المحاضرة ونحوها فالأمر سهل يعني الأمر خفيف لكن مثل هذا الكلام يستفيد منه طالب العلم أثر الفتن على الأمة الأثر كما قال أهل اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي وهو من أوائل من صنف في اللغة يقول الأثر بقيّة ما ترى من كل شيء وما لا يُرى بعدما يبقي علقة الأثر البقية الأحقاف: ٤  يعني بقية علم أثارة لبن يعني بقية ما في الإناء ولو كان يسيرًا وما لا يرى يعني انتهى بعدما يبقي عُلْقة تدل عليه مثل أثر القدم على الأرض الرجل لا يُرى الواطئ سواء كان إنسان أو حيوان أو ما أشبه ذلك أو طير لا يُرى وما لا يُرى بعد أن يبقي عُلْقة يعني شيء يتعلق به كما يقول العرب البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير وأثر الحديث أن يأثره قوم عن قوم أي يحدث به في آثارهم أي بعدهم أن تأثر حديث عن شخص تنقله عنه ما تنقله عنه وهو موجود بعدما ينصرف عن المجلس أو عن البلد أو الدنيا تأثر يعني تروي عنه بعد أن بقيت بعده ما تنقله عنه فالأثر بالتحريك ما بقي من رسم الشيء وسنن النبي صلى الله عليه وسلم آثاره سنن النبي عليه الصلاة والسلام آثاره يعني لأنها بقيت بعده وينسب من يعتني بها إليها فيقال أثري يعني له عناية بالأثر له عناية بالحديث وانتسب كذلك جماعة من العلماء فيقال لواحدهم الأثري.

يقول راجي ربه المقتدري   ج

 

عبد الرحيم بن حسين الأثري

لعنايته بالأثر يقول أبو هلال العسكري في كتابه الفروق اللغوية الفرق بين الأثر والعلامة أن أثر الشيء يكون بعده أن أثر الشيء يكون بعده وعلامته تكون قبله تقول الغيوم والرياح علامات المطر ومواقع ومدافع السيول آثاره لأنها تبقى بعده بعض الأشياء أثرها بالغ وبعضها متوسط وبعضها خفيف ومن آثار أهل العلم ما يتركونه بعدهم من مصنفات وطلاب وغير ذلك مما يبقى بعدهم ويجري لهم أجورهم وهم متفاوتون فمنهم من يصنف المئات ومنهم من يصنف العشرات ومنهم من يصنف كراسات ورسائل صغيرة وكلها آثار ومنهم من يترك الآلاف من الطلاب الآخذين عنه ومنهم من يترك المئات ومنهم من يترك العشرات إلى آخره وكل منهم سواء المستقل والمستكثر له أجر من أفاده إلى يوم القيامة وهذا يتسلسل فهذه آثار العلماء هناك آثار لغيرهم من المصلحين في جوانب الإصلاح ومن وغيرهم من غير المصلحين من المفسدين ونحوهم سواء كان كان الإفساد في باب العلم أو في باب العمل لهم آثار فأئمة الإسلام لهم أثر ولهم سنن حسنة تجري أجورها لهم إلى يوم القيامة وقل مثل هذا في من له أثر سيء في الأمة «فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» الرسول يقول: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» لأنه أثّر وله أثر أثرٌ حسن «ومن دل على هدى فله مثل أجر فاعله» وقال في المقابل «ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» نسأل الله العافية رؤوس البدع الذين ألفوا وصنفوا وناظروا ونافحوا وناضلوا عن بدعهم بدعهم مقررة إلى إلى وقتنا هذا منذ مآت السنين فكل من تأثر بهذه الكتب عليه وزرها والله جل وعلا يقول:     الليل: ٤  والموفِّق والهادي هو الله جل وعلا، الفتنة كما قال الأزهري وغيره جماع معنى الفتة الابتلاء والامتحان والاختبار الابتلاء والامتحان والاختبار وأصلها مأخوذ من الفتن وهو إذابة الذهب والفضة بالنار ليتميز الرديء من الجيد زاد الراغب الأصفهاني ثم استعمل في إدخال الإنسان النار والعذاب الأصل في اختبار الفتنة في اختبار الذهب والفضة لأنها هي التي تحتاج إلى اختبار حديد ما يحتاج تختبره حديد لكن ذهب وفضة تتفاوت أقيامها إذا كانت خالصة من الشوائب تتفاوت أقيامها فتحتاج إلى اختبار فتعرض على النار ثم استعمل في إدخال الإنسان النار والعذاب البروج: ١٠  ابتلوهم وامتحنوهم واختبروهم في أديانهم وصرفوهم   البروج: ١٠  في قصة الصبي الذي تكلم وهو رضيع وهي جزء من قصة أصحاب الأخدود لمّا آمن الناس بسبب الغلام وقصته مشهورة في الصحيح خدّوا الأخاديد شقوا في الأرض أخاديد وجمعوا الحطب الكثير وأوقدوا النيران العظيمة وفتنوا الناس فمن رجع عن دينه تركوه ومن أصر على ذلك ألقوه في النار هذه فتنة يقول الراغب ثم استعمل في إدخال الإنسان النار والعذاب وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب فتنة فتستعمل فيه وتارة في الاختبار ﮉﮊ طه: ٤٠  وحديث الفتون مشهور حديث الفتون الطويل مشهور لكنه ضعيف عند أهل العلم ذكره الحافظ ابن كثير وغيره في تفسير سورة طه لكنهم نصوا على ضعفه قال ابن فارس الفاء والتاء والنون أصل صحيح يدل على ابتلاء واختبار ومن ذلك الفتنة يقال فتنت أفتن فتنًا وفتنت الذهب بالنار إذا امتحنته وهو مفتون وفتين وأعظم الفتن ما كان في الدين في قصة أصحاب الأخدود امرأة تكأكأت ترددت أن تقتحم غمرات النار لأن معها طفل رضيع خافت عليه أكثر من خوفها على نفسها فتكلم الطفل قبل أوان كلامه وهو أحد الثلاثة الذين تكلموا في المهد كما جاء في الحديث الصحيح وإن جاءت الزيادة على ثلاثة في نصوص أخرى لكن هذا منهم وهو منصوص عليه في الصحيح قال لأمه اصبري فإنك على الحلق فاقتحمت النار هذه إن خسرت الدنيا فقد فازت لأنها زحزحت عن نار الآخرة وإن اقتحمت نار الدنيا مثل ما أسلفنا مهما بلغت لو عمر الإنسان ما عمر نوح فمآله إلى الموت ثم بعد ذلك يجازى بعمله إن خيرًا فخير وإن شرا فشر      ﭜﭝ البقرة: ١٩١  هذه فتنة إلقاؤها في النار فتنة وصرفها عن دينها فتنة ولا شك أن فتنتها في دينها وصرفها عنه أعظم من قتلها ولذا يقول:      ﭜﭝ البقرة: ١٩١  فهي أعظم منه وأعظم من التناحر وأعظم من الحروب والدمار في البلدان ومن أعظم الفتن التي مرت بالأمة فتنة البدع المغلظة التي أذهبت التي أدت إلى ذهاب العقائد الصحيحة من واقع المسلمين وحلت محلها البدع والشرك كما قال جل وعلا:      ﭜﭝ البقرة: ١٩١  والفتنة هنا هي الشرك في قول أكابر المفسرين من آثار الفتن وعواقبها السيئة في الأمة أن يتفرق الناس جماعات وأحزاب وأفراد ويتعامى عامة الناس عن رؤية بصائر الحق وعلاماته لأنهم إذا تفرقوا ما صار لهم قدوة يقتدون به وإمام يأتمون به         الروم: ٣٢  يظنون أنهم على الحق دون من سواهم وعامة الناس تبع لرؤسائهم ويعقب ذلك ضعف في الإيمان والتدين والعلم والعبادة ويقل الخير في الناس إذا تفرقوا أحزاب كل حزب يرى أنه على الحق وينفِّر ويحذر من غيره لا شك أن هذا سبيل إلى ضعف التدين في النفوس وضعف الأمة بعامتها حتى يكون الناس في أمر مريج مختلط لا يتمكن فيه العبد من التعبد وإقامة شعائر الإسلام من كثرة هذه الفتن وآثارها لأنهم ينشغلون بأسبابها ومسبباتها عن ما خلقوا من أجله وإذا ضعف الإيمان واندرس في قلوب المؤمنين ومن قلوب الناس حل مكانه الجهل ومن آثارها تباعد الأخيار وعلماء الناس امتثالاً لحديث «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع بها شعف الجبال» فإذا وجدت هذه الفتن وخشي العالم على دينه خشي العابد على دينه فإنه يعتزل امتثالاً لهذا الحديث وإذا اعتزل الأخيار من يبقى في الأقطار والبلدان والأقاليم؟ اعتزل الأخيار ماذا يبقى في محافل الناس ومجتمعاتهم؟ يبقى الأشرار وإذا خلا المجتمع من العلماء والعبّاد والأخيار حل بهم الدمار والهلاك لأنهم تعرض لهم النوازل فلا يجدون من يحلها لهم ولا يجدون من يجيبهم عنها والعزلة لا شك أنها مطلوبة إذا خشي الإنسان على دينه وفيها الحديث الصحيح في البخاري وغيره: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن» وهذا إذا خشي على نفسه وخشي أن يتأثر بما عند الناس وضعف تأثيره فيهم أما من استطاع أن يؤثر في الناس ويردهم إلى جادة الصواب ويكف عنهم الشرور فإن هذا يتعين في حقه الخلطة يخالط الناس ويصبر على أذاهم وينفعهم وإذا خلا مجتمع من المجتمعات من خياره من علمائه من عباده من قادته من دعاته فإن الناس حينئذٍ يتحولون إلى جماعات وأحزاب متنافرة متناحرة بالأهواء والعصبيات لأن المسألة افترضت في مكان ما فيه علماء اعتزل العلماء ولا فيه دعاة اعتزلوا لأن الدعاة جزء من العلماء والعلماء في الأصل هم الدعاة بالأهواء والعصبيات الجاهلية المقيتة كما قال جل وعلا: الأنعام: ٦٥     ﯜﯝ      الأنعام: ٦٥  وهذا لا يحتاج إلى وقت طويل كان الناس على قلب رجل واحد وإذا رأى المسلم أخاه بش في وجهه وتمنى له الخير ثم تفرقت القلوب فصار كل واحد لا يثق بالآخر وإن كانت المظاهر متحدة والعقائد واحدة والسلوك واحد هناك اختلاف في بعض وجهات النظر أدّى إلى تفرق في القلوب وتراشق بالألسنة فحصلت الفرقة وقال بعضهم قبل ذلك قال الله تعالى: ﯛﯜ         المؤمنون: ٥٣  وقال جل وعلا: ﭘﭙ ﭚﭛ    الأنفال: ٤٦  ترجم الإمام البخاري في صحيحه فقال: باب ما يكره من التنازع باب ما يركه من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه الأنفال: ٤٦  ومن طاعة الله وطاعة رسوله الاجتماع على ولي الأمر وعدم عصيانه وشق الطاعة ما أمر بالمعروف أما إذا أمر بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه وآثر بعض الصحابة العزلة لما قتل عثمان رضي الله عنه وأرضاه وما حصل بعده فهذا سعد بن أبي وقاص وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة خرج من المدينة وسكن خارجها عند إبله كما جاء في الصحيح من حديث ابنه عامر أن عمر بن سعد ابنه جاء إليه وقال له الناس يقتسمون الملك الناس يقتسمون الملك وأنت باقي هنا عند إبلك فدفع في صدره ونهره ثم ماذا؟ الملك ثم ماذا؟ وش بعد الملك موت ثم بعده نعيم أو عذاب لكن هنا الإنسان يحفظ لسانه ويحفظ يده وسيفه وسنانه عن أن يريق به دم مسلم أو يتكلم ويستطيل في عرض مسلم هذه السلامة «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» تعرّب يعني لحق بالبادية سلمة بن الأكوع ولِيم على ذلك وقيل له قال له الحجاج وغيره ارتددت؟ فقال إن النبي عليه الصلاة والسلام أذن له وسكن الربذ وتزوج فيها وابتعد عن المدينة لما حل بها من فتن بدأت بمقتل أمر المؤمنين عمر بن الخطاب وهو الباب الذي كسر فتتابعت الفتن بعده على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الصحيح من حديث حذيفة ثم مقتل عثمان وإذا أراد الإنسان أن ينظر الخطورة البالغة في الفتن يقرأ في قصة مقتل عثمان رضي الله عنه الصحابة متوافرون يعني ربع قرن بعد وفاته عليه الصلاة والسلام حصل ما حصل يقتل الخليفة صائم يتلو القرآن في بيته وهو من خيار الناس في العلم والدين والعبادة والخلق والبذل في نصر الإسلام ويقتل بين ظهراني الصحابة ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً ويدفن بالليل وينزل عليه في قبره من يتصور هذا الأمر المهول لكنها الفتن إذا انطلقت شرارتها فنعوذ بالله جل وعلا من آثارها وأنت ترون ما يدور حولنا في الأقطار من قتل وانتهاك للأعراض ونهب للأموال وإخافة للسبل وغير ذلك مما يترتب عليها فعلى العقلاء والعلماء والولاة أن يسعوا في دفع الأسباب التي تنشأ عنها هذه الفتن قبل وقوعها من أراد أن ينظر في مقدار الأهوال التي تنشأ عن هذه الفتن فليقرأ ما كتبه المؤرخون ابن كثير وابن الأثير وغيرهما في قصة سقوط بغداد على أيدي التتار وكم قتل فيها في غضون ثلاثة أيام مليون وثمانمائة ألف شخص اختفى الناس في القبور والسبب في ذلك الغفلة والإعراض عن دين الله من أراد أن ينظر هذه الأهوال فليقرأ ما كتب في النجوم الزاهرة في الجزء الثاني عشر صفحة مائتين وأربعين وما بعدها عن فتنة تيمور لما قدم إلى دمشق أمور مهولة لا يطيق العقل البشري تحمل السماع فضلاً عن أن يكون طرفًا فيها أقام تيمور خارج دمشق وحاصرها ثم أرسل إلى واليها قال أخرج لنا من يتفاوض معنا انتقى الوالي ثلاثة من أهل العلم قال تفاوضوا معه فقال اجمعوا لنا ألف ألف دينار يعني مليون دينار ذهب وننصرف عنكم جمعوا لهم المبلغ ووضعوه بين يديه قال هذا ديناركم وهذا في صرفكم أما الدينار عندنا فزنته كذا ومقداره كذا فيريد ثلاثين ضعف عما جاؤوا به فرجعوا ليجمعوا هذا المبلغ وكل شخص باع جميع ما يملك من أجل أن يوفر هذا المبلغ ووضع بين يديه فقال الآن أعطيتمونا هذا فأحضروا لنا الخارطة خارطة دمشق لنوقع عليها أحضروها فكان عنده مجموعة من القواد فقسّم دمشق بعدد هؤلاء القواد الذين عندهم وقال لكل واحد منهم لك هذه الناحية ولك هذا القسم اصنع به ما شئت فدخل كل قائد بمن معه وفعلوا الأفاعيل في أهلها شيء لا يطاق ذكره ولا سماعه ومن أراد التفصيل يرجع إلى ما ذكرت النجوم الزاهرة في الجزء الثاني عشر صفحة مائتين وأربعين وما بعدها يأتون بقطع من الخرق ويضعون فيها الغبار الناعم جدًا ويجعلونها مثل الكمامات على الناس ليستنشقوا هذا الغبار الناعم ورأينا في أحداث بغداد في الحرب الأخيرة من يصب الماء في مناخر الناس وهم مستلقين على ظهورهم ولكل قوم وارث إذا كاد أن يموت تركوه وعلقوهم في السقوف وفعلوا ما فعلوا ثم في النهاية قتلوا الرجال واستاقوا النساء والذراري والعبيد ثم بعد ذلك ما بقي إلا آثار في دمشق فسلطوا عليها عبيدهم التتار فأحرقوها إحراق والسبب في ذلك الإعراض عن الدين والآن كما يقول الناس التاريخ يعيد نفسه ماذا يصنع في بلاد الشام؟ وماذا صُنع في بلاد الرافدين؟ وغيرها من البلدان قبلها نسأل الله جل وعلا أن يدفع عنا الفتن والمحن الظاهرة والباطنة وأن يقينا شر الأسباب التي يباشرها بعض من ينتسب إلى إلى الإسلام التي يُخشى من عواقبها اعتزل أبو بكرة الفتنة في الجمل وقعة الجمل اعتزل مستدلاً بحديث «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» عائشة رضي الله عنها ما خرجت لتقاتل علي رضي الله عنه وأرضاه ما خرجت لتقاتل علي وقد استشيرت بعد مقتل عثمان في من يولى فقالت علي رضي الله عنه وأرضاه ولما أقبلت على جملها قال علي بن أبي طالب والله إنها لزوجته في الدنيا والآخرة يعني النبي عليه الصلاة والسلام ولكن الله ابتلاكم هي خرجت تنظر ماذا حصل وماذا صنع علي في قضية عثمان ومقتل عثمان بس لكنها الفتن إذا بدأت ما انتهت تطيش العقول والأحلام خاصة الناس وعلماؤهم وحكماؤهم وفقهاؤهم لا يستطيعون أن يقدموا ولا يؤخروا إذا بدأت فكيف بعامة الناس الذين يتبعون كل ناعق استدل أبو بكرة بحديث «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» لما مات كسرا ولوا ابنته فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» فلم يلبثوا إلا يسيرًا حتى زال ملكهم ويأتي من يأتي ممن ينتسب إلى العلم والدعوة الحديث في البخاري يقول لا الحديث ما هو بصحيح يرده الواقع وش الواقع اللي يرد حديث «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» قال إنديراغاندي حكمت الهند أكثر من مليار وقال ونجحت في حكمها وتاتشر ملكت الإنجليز وسيرتهم على الجادة يسمونها المرأة الحديدية وغولدمائير هزمت العرب نعوذ بالله من الخذلان بمثل هذا يرد الحديث الصحيح من آثارها وهو مما مر ذكره تسلط الأعداء وتداعي الشانئين على بيضة الإسلام كما في حديث «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها» قيل أمن قلة يا رسول قال: «لا، أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل» المسلمون الآن ثلث سكان الأرض وعلى أقل تقدير الربع قل مليار ونصف أو أكثر من المسلمين لما صاروا غثاء كغثاء السيل ضربت عليهم الذلة حتى سلط عليهم من ضربت عليهم الذلة والمسكنة اليهود نسبتهم واحد من ألف من المسلمين وضربت عليهم الذلة والمسكنة وحبلهم مع الله منقطع وما بقي إلا حبل من الناس اتصالهم بالقوى من أمريكا وغيرها ما بقي إلا حبل من الناس وسلطوا أخس أمة وأذل أمة سلطت على خير أمة أخرجت للناس لماذا؟ لأنها ابتعدت عن دينها «إذا تبايعتم بالعينة وأخذت بأذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلّط الله عليكم ذلا لا يرفعه إلا أن تراجعوا دينكم» ومن آثارها أن تتعطل الجمع والجماعات والأحكام والحدود وتضيع الحقوق وتتقطع السبل ويحل الخوف محل الأمن والفقر وتنتهك الأعراض وتنهب الأموال وتزهق النفوس ومن آثارها على الأمة أن يدخل في صفوفها ويتغلغل من لا يرقب فيهم إلّاً ولا ذمة يدعي الإسلام وهو في الحقيقة يكيد للإسلام وأهله وهو مع العدو في حقيقته ولذا إذا قرأنا في التاريخ نجد أن المنافقين يتربصون بالأمة مثل هذه الأحداث ويكونون بمثابة العيون للأعداء ومن آثارها أن تروج سوق الناعقين بالباطل وعلماء السوء تروج سوق الناعقين بالباطل وانظر إلى وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة تجد أن هذا الكلام واقع هؤلاء الناعقين بالباطل هم الذين حذرنا الله منهم كما قالت عائشة رضي الله عنها هم الذين يتتبعون المتشابه تجدهم في كتاباتهم يستدلون بأشياء متشابهة ولا يجمعون أطراف الأدلة في المسألة الواحدة كما كان يفعل أهل البدع المرجئة اعتمدوا على نصوص الوعد وأهملوا نصوص الوعيد الخوارج عملوا بنصوص الوعيد وتركوا نصوص الوعد ووفق الله أهل السنة أن جمعوا بين نصوص الوعد والوعيد وتوسطوا وهذه سمتهم هؤلاء الكتاب تجدهم يتشبثون ببعض المتشابه من النصوص ويتركون المحكم من آثارها وعواقبها على الأمة أنها إذا نزلت لا تخص الظلمة والمتسببين فيها بل تعم الجميع الصالح والطالح    ﯸﯹ الأنفال: ٢٥  تصيب الذين ظلموا كما أنها أيضًا تعم الصالحين الأنفال: ٢٥  وفي الحديث الصحيح قال الصحابة: أنهلك وفينا الصالحون، قال: «نعم إذا كثر الخبث» وهذا هو الذي نخشاه في مجتمعنا الصالحون كثر العلماء متوافرون الدعاة إلى الخير موجودون العبّاد والزهاد لهم وجود ولله الحمد لكن الذي يخشى منه كثرة الخبث الذي يسعى إليه بعض من يكتب وبعض من يفتي وبعض من يتسبب في إضلال الناس وحرفهم وصرفهم عن الصراط المستقيم جاء في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم» قالت قلت يا رسول الله كيف بأولهم وآخرهم وفيهم سوقتهم وباعتهم يعني ما لهم دخل في هذا الغزو وليس لهم دور فيه قال: «يبعثون على نياتهم» لو افترض أن هذا الجيش برعاة غنم ليس لهم أدنى علاقة في هذا الجيش وحصل الخسف تنجو الغنم ورعاتها معهم وهذا من شؤم المعاصي قال: «يبعثون على نياتهم يبعثون على نياتهم» لكنها الفتن إذا حلت حصدت الأخضر واليابس ومحقت الصالح والطالح ومن آثارها أن يقع القتل بين الناس فلا يدري القاتل كيف قَتَل ولا المقتول لمَ قُتِل فيكثر الهرج كما في الحديث الصحيح من حديث أبي موسى والهرج القتل بلسان الحبشة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيمَ قَتل ولا المقتول فيمَ قُتل» فقيل كيف يكون ذلك؟ فقال: «الهرج القاتل والمقتول في النار القاتل والمقتول في النهار» «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» إذا وجدت هذه الفتن ورأيناها وشاهدناها يمكن الشخص ما عنده نية يقتل أحد لكن إذا قابله شخص معه سلاحه بادره لئلا يقتله فينجو من قتله وقد يبادره وهو لا يريد قتله بمجرد أن معه سلاح فطلبًا لسلامة نفسه يبادره بالقتل وخشية القتل ولو غلب على الظن أنه يقتل لا يجوز له أن يقتل مسلمًا ولو أكره على القتل أن يقتل مسلم لا يجوز له أن يمتثل هذا الإكراه ليفتدي نفسه بنفس معصومة بقتل مسلم كما هو الحاصل من بعض الشرط الممتثلين لأوامر بعض الظلمة والطغاة يظنون أن هذا إكراه الإكراه لا يدخل في هذا الباب لأن حياتك ليست بأولى من حياة أخيك فيجب عليك أن تمتنع عن قتل المسلم ولو قتلت «ولا يزال المسلم في فسحة من أمره أو من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا» فالإكراه لا يدخل في القتل ولو قُتل الشخص وقد سلمت يده من دم مسلم إذا وجدت هذه الفتن وكثر الهرج والقتل فما الذي ينبغي للمسلم الذي يستطيع أن يدفع عن المسلمين قبل وقوع الفتن والأمل معقود بالله جل وعلا ثم بتظافر جهود العلماء مع الولاة في دفع الأسباب التي تنشأ عنها هذه الفتن هذا هو المتعين لكن إذا وقعت الفتن فالذي يستطيع رفعها يتعين عليه والذي يستطيع تخفيفها يتعين عليه والذي لا يستطيع شيئًا من ذلك عليه أن يعتزل ويتعبد كما جاء في الحديث الصحيح: «العبادة في الهرج» يعني في القتل «كهجرة إلي» «العبادة في الهرج كهجرة إلي» وأبواب العبادة مفتوحة ولله الحمد يتعبد الإنسان بما افترض الله عليه ويتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه بنوافل الصلاة والصدقة والصيام والذكر والتلاوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر استطاعته فيكون كمن هاجر إلى النبي عليه الصلاة والسلام والمتمسك بالسنة في آخر الزمان له أجر خمسين من الصحابة أجر خمسين من الصحابة قد يقول قائل أُمرنا بالتعوذ من الفتن نعوذ بالله من الفتن في كل صلاة تتعوذ من فتنة المحيا وفتنة الممات هناك فتن لا ينفك عنها المرء فتنة الإنسان في نفسه وماله وولده وجاره وماله مما يشغله عن عبادة ربه يقول النبي عليه الصلاة والسلام هذه تكفرها الصلاة والصدقة والقرآن هذه أمرها سهل لكن الإشكال في الفتن التي تموج كموج البحر هذه على الإنسان إذا حلّت أن يتعبد فالعبادة في وقت الهرج كهجرة إليه صلى الله عليه وسلم فيكون حلسَ بيته يصوم ويصلي ويتصدق ويذكر ويتلو القرآن وكم من شخص منتسب إلى طلب العلم عنده من الغفلة عن هذه الأمور تجده ينشغل بخير بطلب علم مثلاً لكن ليس له نصيب في التعبد ليس عنده مزيد على ما افترض الله عليه «وما تقرب إلي عبدي بأحب إلي مما افترضته عليه» هذا أمر قدر واجب على كل مسلم لكن «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها» إلى آخر الحديث نكتفي بهذا والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.