ما يُروى عن الصحابي من أسباب النزول

ما يُروى عن الصحابي من أسباب النزول فهو مرفوع؛ لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- طرف في التنزيل سواء ذُكِر أو لم يُذكَر، وعليه حمل أهل العلم كلام الحاكم في قوله: (ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند)، حمله أهل العلم على أسباب النزول، ولذا يقول الحافظ العراقي:

وعَدُّ ما فسّره الصحابي

     رفعًا فمحمولٌ على الأسباب

وسبب حمله على أسباب النزول؛ أن الصحابي قد يجتهد ويفسر القرآن من غير رفعٍ للنبي –صلى الله عليه وسلم-، بل بما يعرفه من لغة العرب، أو بما استنبطه مما آتاه الله –سبحانه وتعالى- من فهم كابن عباس –رضي الله عنه- الذي دعا له النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يعلمه الله التأويل، فالذي يُؤثَر عن ابن عباس –رضي الله عنه- من التأويل من أثر هذه الدعوة من فهمه ليس بمرفوع، وليس له حكم الرفع. وأما الحاكم فكأنه نظر إلى أن التفسير بالرأي مذموم، والصحابة -رضوان الله عليهم- من أشد الناس تحريًّا وتثبتًا في تفسير القرآن من غير مستند فجعل تفسيرهم من قبيل المرفوع، قال أبو بكر الصديق-رضي الله عنه- لما سئل عن تفسير الأبّ في قوله تعالى: {وَفَٰكِهَة وَأَبّا} [عبس: 31] قال: (أيُّ سماء تظلّني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله برأيي؟!).

وإذا قلنا: إنه مرفوع، والنبي –صلى الله عليه وسلم- طرف في التنزيل، فكيف يُروى عن جمع من الصحابة أسباب مختلفة لنازل واحد؛ بأن يذكر عن ابن عباس –رضي الله عنه- سبب نزول، ويذكر عن ابن عمر –رضي الله عنهما- سبب نزول آخر؟، نقول: قد يتعدد سبب النزول لنازل واحد، فتنزل الآية مرتين –مثلًا- في قصتين متوافقتين يشملهما حكمها، وهذا المسلك يسلكه بعض العلماء صيانة للرواة الأثبات عن التوهيم، فقد ورد أن آيات اللعان، وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] نزلت في عويمر العجلاني –رضي الله عنه- وهي في (صحيح البخاري) [7304]، وورد أنها نزلت في هلال بن أمية –رضي الله عنه- [البخاري: 4747]، يقول بعض أهل العلم: النازل نزل بسبب أحدهما، فعندما حصلت القصة نزل القرآن على النبي –صلى الله عليه وسلم- مبينًا الحكم، فتلاه على الصحابة –رضوان الله عليهم-، وسمعه من سمعه منهم، فنقل السبب والمسبب، ثم حصلت قصة ثانية، فتلا النبي –صلى الله عليه وسلم- الآية، وسمِعها من لمن يسمعها قبل، فقال: «فأنزل الله –عز وجل-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}» إلى آخره، فيظن السامع الثاني أنها نزلت لأول مرة، وهي قد نزلت قبل ذلك.

وبعض العلماء يحكم بالترجيح في مثل هذا ويقول: الراجح هو المحفوظ وما عداه شاذ، لكن إذا أمكن صيانة الرواة بقدر الإمكان فلا يُعدل إلى الترجيح.