شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (170)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرحُ كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع هذه الحلقة يسُرُّنا أن نرحب بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير؛ فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حَيَّاكُم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في حديث أبي موسى -رضي الله عنه- في باب تعليم الرجل أَمَتَهُ وأهله، لعلنا نستكمل ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث.

الحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد فقد مضى الحديث عن أول.. الكلام عن أول الحديث، وشرعنا في المراد بأهل الكتاب، ولا مانع من أن نُعيد بعض ما تقدم للربط؛ فلفظُ الكتاب وإن كان عامًا؛ لأن أل هذه إن كان المراد بها الجنس فهي عامة، وإن كان المراد بها العهد فلا بُد من مُخَصِّص، فلفظُ الكتاب هذا الأصل أنه عام؛ لأن أل إذا أُطلقت ما لم يكُن ثَمَّ معهود فهي جنسية، وهي تقتضي العموم؛ لكن المراد به خاص، والمُخَصِّص عُرف استعمال الشارع بالتوراة والإنجيل، فقط تظاهرت به نصوص الكتاب والسنة، حيث يُطلق أهل الكتاب. يقول الكرماني: ولعلّ ذلك؛ لأن غير اليهود والنصارى لم يُوجدوا زمان البعثة المباركة؛ مع أنه قد يوجد بقايا ممن هو على ملة إبراهيم.

المقدم: ملل أخرى؟

نعم، بقايا من أهل الكتاب، ويقول: ولعل ذلك؛ لأن غير اليهود والنصارى لم يُوجدوا زمان البعثة المباركة، والمراد نصرانيٌّ تنصّر قبل البعثة، أو بلوغ الدعوة المعجزة إليه، أو بلوغ الدعوة قبل البعثة، أو بلوغ الدعوة والمُعجِزة إليه، ويهوديٌّ تهوَّد قبل ذلك أيضًا.

فإن قُلت ينبغي أن لا..–هذا كلام الكرماني- فإن قُلت: ينبغي ألا يكون الأجر مُضاعفًا إلا للنصارى؛ إذ لا ثواب على العمل بالدين المنسوخ، أجاب عن ذلك بقوله قلت: لا نُسَلِّم أن النصرانية ناسخة لليهودية، نعم لو ثبت ذلك لكان كذلك، قال ابن حجر: قِيل: المراد به هنا الإنجيل خاصة الكتاب، الإنجيل خاصة إن قُلنا: إن النصرانية ناسخة لليهودية كذا قرّره جماعة، ولا يُحتاج إلى اشتراط النسخ؛ لأن عيسى -عليه الصلاة والسلام- كان قد أُرسل إلى بني إسرائيل بلا خلاف؛ فمن أجابه منهم نُسِبَ إليه، ومن كذّبه منهم واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنًا؛ فلا يتناوله الخبر؛ لأن شرطه أن يكون مؤمنًا بنبيه، لكن ماذا عن يهوديٍّ آمن بعيسى؟ وهو يهوديّ، استمر على يهوديته وآمن بعيسى؛ لأن نُبُوة من تقدم من الأنبياء خاصة بأقوامهم، مجرد الإيمان بعيسى من قبل اليهود، أو بموسى من قبل النصارى، إيمان إجمالي فيما محله الإجمال، وتفصيلي فيما بلغهم؛ مثل: إيماننا بالأنبياء والرُسُل السابقين، فمن خواص النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه بُعِثَ للناس كافة، ولذا يترددون في كون أن النصرانية ناسخة لليهودية.

 يقول: نعم من دخل في اليهودية من غير بني إسرائيل، أو لم يكن بحضرة عيسى -عليه السلام- فلم تبلغه دعوته يَصدُق عليه أنه يهوديّ مؤمن؛ إذ هو مؤمن بنبيه موسى -عليه السلام-، ولم يكذب نبيًّا آخر بعده، فمن أدرك بعثة -محمد صلى الله عليه وسلم- ممن كان بهذه المثابة وآمن لا يُشكِل أنه يدخل في الخبر المذكور، يقول: ومن هذا القبيل العرب الذين كانوا باليمن وغيرها ممن دخل منهم في اليهودية، ولم تبلغهم دعوة عيسى -عليه السلام-؛ لكونه أُرسِل إلى بني إسرائيل خاصة؛ لو بلغتهم.

المقدم: هل يجب عليهم؟

هل يجب عليهم أن يتركوا اليهودية، ويدخلوا في النصرانية؟ هذا على الخِلاف في مسألة النسخ. الإشكال في اليهود الذين كانوا بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد ثبت أن الآية الموافقة لهذا الحديث؛ وهي قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص:54]، نزلت في طائفة آمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كعبد الله بن سَلام وغيره؛ ففي الطبراني من حديث رفاعةَ القُرَدِي قال: نزلت هذه الآية فيّ، وفيمن معي، وفيمن آمن معي، والنص القرآني: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص:54]، وهم من بني إسرائيل وهم يهود، وروى الطبرانيّ بإسناد صحيح عن علي بن رفاعة القُرَضي قال: خرج عشرة من أهل الكتاب منهم أبو رفاعة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فآمنوا به؛ فأُوذوا؛ فنزلت: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص:52] الآيات، فهؤلاء من بني إسرائيل، ولم يؤمنوا بعيسى؛ بل استمروا على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد ثبت أنهم يؤتون أجرهم مرتين، لكن مثل هؤلاء يُتصَوَّر أن لا تبلغهم دعوة عيسى؟ يُتصَوَّر؟ يبعُد تصوره.

قال الطيبي: يحتمل إجراء الحديث على عمومه؛ إذ لا يبعد أن يكون طريان الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- سببًا لقبول تلك الأديان وإن كانت منسوخة، يعني شخص على دين ويزعُم أنه على حق، يعني لو افترضنا أن يهوديًّا و نصرانيًّا في وقتنا هذا, وآمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وانتقل إلى الإسلام ودخل فيه؛ نقول: له أجر واحد باعتبار أن ديانته منسوخة وباطلة، أو له أجران؟ كونه على حق ولو عنده، ولذا جاء في شريعتنا ما يخص أهل الكتاب بأحكام لا يوجد مثلها عند غيرهم، فهم يزعُمُون أنهم على حق، ثم تنازلوا عن هذا الحق إلى الحق الصحيح، واتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- مثل هذا يقتضي أن يُعطَوا الأجر مرتين، فهل يستوي شخص آمن بنبي، وبكتاب، وعلى شريعة أصلها منزل من السماء بشخصٍ يعبُدُ وثنًا، أو لا دين له؟ الذي يعبُدُ الوثن مقتنع أن عبادته؟.. أو يعني سهل يعني أن يُدعى ويستجيب.

المقدم: صحيح.

أما بالنسبة للكتابيّ فأمره يختلف، ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- لما بعث مُعاذًا إلى اليمن قال له: «يا مُعاذ إنك تأتي قومًا».

المقدم: أهل كتاب.

أهل كتاب»، يعني اهتم لهم, فعندهم شُبه، وعندهم شيء يتمسكون به, بخلاف الطوائف الأخرى، يقول: يحتمل إجراء الحديث على عمومه؛ إذ لا يبعد أن يكون طريان الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- سببًا لقبول تلك الأديان وإن كانت منسوخة، انتهى. ويُمكن أن يُقال في حق هؤلاء الذين بالمدينة أنه لم تبلغهم دعوة عيسى- عليه السلام-؛ لأنها لم تنتشر في أكثر البلاد، فاستمروا على يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى -عليه السلام- إلى أن جاء الإسلام؛ فآمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فبهذا يرتفع الإشكال إن شاء الله تعالى. يعني إذا قُلنا: إن نبوة محمد -عليه الصلاة والسلام- ناسخة للأديان السابقة، وبمجرد بعثته بطلت الأديان هل يبقى لهذا الحديث معنى؟ لأن بُطلان أديانهم قبل مقالة هذا الحديث، قطعًا.

المقدم: بمجرد البعثة.

بمجرد البعثة، مجرد البعثة أبطل أديانهم، صحيح، لكن هل يُبطل مفهوم الحديث؟

المقدم: لا.

نعم. وقال القُرطبي: الكتابيُّ الذي يُضاعف أجره مرتين هو الذي كان على الحق في شرعه عقدًا وفعلاً؛ يعني في الاعتقاد، وفي الأعمال أيضًا إلى أن آمن بنبينا -صلى الله عليه وسلم- فيؤجر على اتباع الحق الأول والثاني: مُقتضاهُ أن من حرّف وبدّل أو عمل بـ..

المقدم: بالدين المحرف.

اليهودية والنصرانية بعد التحريف, أنه لا يدخل في هذا، مع أن النصوص التي جاءت في مُعاملة أهل الكتاب.

المقدم: لم تُفَرِّق.

نعم، جاءت ونزلت في وقت؛ يُخاطب هؤلاء المُحَرِّفِين؛ يعني التحريف موجود على وقت التنزيل، وجاءت النصوص بالأحكام التي تخُصُّهم؛ مع أنهم حَرَّفُوا قبل التنزيل. قال ابن حجر: ويُشكِل عليه أن النبي  -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى هِرَقل: «أسلم يؤتك الله أجرك مرتين»، وهِرَقل كان ممّن دخل في النصرانية بعد التبديل؟

المقدم: صحيح.

لا شك أن الآيات التي تُخاطب أهل الكتاب، والنصوص التي تُعامل أهل الكتاب مُعاملة تختلف عن غيرهم؛ نزلت في أقوامٍ بعد التحريف؛ ومع ذلك جاء التنصيص عليهم بأنهم أهل الكتاب، وبعد التحريف وجاء الشرع بجوازِ حل ذبيحتهم، ونكاح نسائهم، بعد التحريف؛ فلهم معاملة خاصة وإن كانوا قد حَرَّفُوا وبَدَّلُوا.

وقال ابن حجر في شرح حديث هِرَقل في أوائل الكتاب: إعطاؤه الأجر مرتين؛ لكونهِ مؤمنًا بنبيه، ثم آمن بمحمد- صلى الله عليه وسلم-، مُقتضى الإيمان المنصوص عليه آمن بنبيه؛ هل مُقتضاه الإيمان الذي توافرت شروطه بأركانه، وبجميع ما يطلبه، أو أنه مجرد التصديق بالنبي، واتباعه ولو على وجه؟ يقول: إعطاؤه الأجر مرتين, كونه مؤمنًا بنبيهِ، كيف نقول بأنه مؤمن بنبيه الإيمان التام الكامل وهو..

المقدم: وهو مُتَّبِع للحق.

نعم وهو ممن دخل النصرانية بعد التبديل.

المقدم: نعم، قد يكون يعتقد أن هذه النصرانية على حق؟

نعم، لكن على كلام القرطبي هو الذي كان على الحق في شرعه عقدًا وفعلاً، على الحق، وهذا مُشكِل. ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر له من جهة إسلامه، ومن جهة أن إسلامه يكون سببًا لدخول أتباعهِ في الإسلام، وعلى كل حال فقد خاطبه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالآية، وهي قوله -جل وعلا-: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]، فدخوله في الحديث لا إشكال فيه؛ يعني كدخوله في الآية، دلالة الآية في أهل الكتاب كدلالة الحديث والعكس؛ لأنه شرعٌ مُنَزَّل من عند الله سواء كان في القرآن، أو ثبت عمن لا ينطقُ عن الهوى. آمن بنبيه: أي بعيسى أو به وبموسى -عليهما السلام- قال الكرماني: فإن قلت: ما الفائدة في ذكر آمن بنبيه؟

المقدم: مع أنه من أهل الكتاب.

نعم؟

المقدم: مع قوله من أهل الكتاب.

نعم. يقول ما الفائدة في ذكر آمن بنبيه؛ إذ أهل الكتاب لا يكون إلا إذا كان مؤمنًا بنبيه؟ يقول الكرماني: فائدته الإشعار بعِلِّية الأجرين، يعني تنصيص على العِلَّة؛ يعني لو قال: أهل الكتاب إذا أسلموا لهم أجران، العِلَّة.

المقدم: من هم من أهل الكتاب أو أسلموا.

سواءً هذا أو هذا، لكن لما يُقال آمن بنبيه، وآمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم- عرفنا أن العِلَّة هي الجمع بين الدينين.

قلت: فائدته الإشعار بعِلّية الأجرين؛ أي سبب الأجرين الإيمان بالنبيين، أقول: وهل يطّرد مثل هذا، فيمن آمن بموسى, ثم بلغته دعوة عيسى -عليه السلام- فآمن به، ثم آمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم- يكون له ثلاثة أجور؟ أو هذا من خصائص الدخول في هذا الإسلام فهي في الدين فقط؟

المقدم: يبدو أنها من الخصائص لهذا الدين؟

يعني لو افترضنا أن شخصًا...

المقدم: كان على اليهودية.

انتقل من دين إلى دين، يعني مثل ما يُذكر عن سَلمَان.

المقدم: في بحثه.

في بحثه، فآمن بموسى، ثم آمن بعيسى، ثم آمن بمحمد -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: يحصل له الأجر في الثالث فقط؟

أو له أجران باعتباره كان من أهل الكتاب ثم آمن بمحمد، بغضّ النظر عن التفصيل في أهل الكتاب، يعني مُقتضى الحديث أن له أجرين، ومُقتضى التعليل أن له...

المقدم: أجرًا على.

ثلاثة، ثلاثة. ثم قال: هذا الكلام من عندي الأخير..، ثم قال الكرماني: فإن قلت: أهذا مُختص بمن آمن منهم في عهد البعثة، أم شاملٌ لمن آمن منهم في زماننا أيضًا؟ أهذا مختص بمن آمن منهم في عهد البعثة، أم شامل لمن آمن منهم في زماننا أيضًا؟ يقول: قلت مُختصٌّ بهم؛ لأن عيسى ليس بنبيٍّ لهم بعد البعثة، بل نبيهم محمد- صلى الله عليه وسلم- بعده، نبيهم محمد.

فإن قلت: إن هذا وجيه؛ مُختصٌّ بهم؛ لأن عيسى ليس بنبيٍّ لهم بعد البعثة، بل نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم- هم من أمة محمد؛ فإن أجابوا فهم من أمة الإجابة، وإن لم يجيبوا فمن أمة؟

المقدم: الدعوة.

الدعوة، فهم على كل حال من أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: بمجرد البعثة صاروا من الأمة؟

صاروا من الأمة.

المقدم: بمجرد البلوغ يا شيخ، بلغهم الخبر.

نعم. لكن لو افترضنا أن شخصًا بعد البعثة في أيامنا هذه يهودي أو نصراني أراد أن ينتقل إلى الدين الإسلامي، سيأتي ما يُشير إلى استمرار هذا الوعد إلى قيام الساعة، سيأتي، وإلا فمُقتضى قول الكرماني إنه خاص بأولئك الذين في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-. فإن قُلت: أَحُكم المرأة الكتابية حُكم الرجل الكتابي فيه؟ يقول الكرماني: قُلت: نعم هو كما هو مُطّردٌ في جُل الأحكام حيث يُذكر الرجال، وتدخُل النساء فيهم بالتبعية، لا شك أن خطاب الرجال يدخل فيه النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران:100]؛ يعني رجالاً؟

المقدم: ونساءً.

ونساءً, ومن أقوى الأدلة على هذا قوله -جل وعلا- في حق مريم -عليها السلام-: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:12]؛ فالأمر يخُصُّها، لكنها دخلت في القانتين الذي يشمل الرجال والنساء.

يقول ابن حجر: قد ورد مثل ذلك في حق نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ورد مثل ذلك في حق نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ يقول: لكون الوحي ينزل في بيوتهن؛ يعني في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب:31]، هل العلة لكون الوحي ينزل في بيوتهن؟ أقول:- كذا قال ابن حجر- والذي يظهر لي أن مُضاعفة الأجر مثل مُضاعفة العذاب في قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب:30]، يعني لما ضُوعِف العذاب يُضاعف الأجر؛ عدل من الله -جل وعلا-.

يقول الأَلُوسي في تفسيره: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا}: أي الذي تستحقه على ذلك فضلاً وكرمًا، {مَرَّتَيْنِ}: فيكون أجرها مُضاعفًا، وهذا في مقابلة {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}. أقول: ومن ذلك حديث ابن مسعود عند مسلم وغيره قال: دخلتُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يوعكُ فمَسِستُه بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لَتُوعَك وَعكًا شديدًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أجل، إني أُوعَكُ كما يُوعَكُ الرجلان منكم» قال: فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أجل»، فمن العدل الإلهي مثل هذا أنه إذا ضاعف العذاب ضعفين...

المقدم: ضاعف الأجر.

ضاعف الأجر، عدل من الله -جل وعلا- يقول ابن حجر: فإن قيل: فلمَ لمْ يُذكَرن في هذا الحديث فيكون العدد أربعة، الثلاثة في الحديث والرابع؟

المقدم: نساء النبي.

نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-. يقول : أجاب شيخُنا شيخُ الإسلام، من شيخُه شيخُ الإسلام؟ من؟

المقدم: من هو هذا الشيخ؟

من؟ ابن حجر، أجاب شيخنا شيخ الإسلام –مر بنا أكثر من مرة- سراج الدين البلقيني بأن قضيتهن خاصة بهن مقصورة عليهن، قضيتهن خاصة بهن مقصورة عليهن، وهي ثابتة، ومحفوظة في القُرآن، والثلاثة المذكورة في الحديث مُستمرة إلى يوم القيامة، مُستمرة إلى يوم القيامة، وهذا مصير من شيخنا إلى أن قضية مؤمني أهل الكتاب مُستمرة، وقد ادعى الكرماني اختصاص ذلك بمن آمن في عهد البعثة، يقول: وقد ادعى الكرماني اختصاص ذلك بمن آمن في عهد البعثة، وعَلَّلَ ذلك بأن نبيهم بعد البعثة إنما هو محمد -صلى الله عليه وسلم- باعتبار عُمُوم البِعثة. وقضيته أن ذلك أيضًا لا يتم لمن كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن خَصَّهُ بمن لم تبلغه الدعوة؛ فلا فرق في ذلك بين عهد وبعده، فما قاله شيخنا أظهر، والمراد بنسبتهم إلى غير نبينا إنما هو باعتبار ما كانوا عليه قبل ذلك..

الآن تقدم في كلام الكرماني أنه يقول: مُختص بمن كان على عهد النبي في عهد البعثة، وعَلَّلَ ذلك بأنه لأن عيسى ليس بنبي لهم بعد البعثة؛ بل نبيهم النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن شريعته نسخت الشرائع كلها، وابن حجر يقول: قضيته أن ذلك أيضًا لا يتم لمن كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن خصه بمن لم تبلغه الدعوة؛ فلا فرق في ذلك بين عهده وبعده؛ يعني أي اختص الحديث بمن كان على عهده -عليه الصلاة والسلام- وآمن به فور بلوغه الدعوة، يعني مُقتضى أنه لو سمع الدعوة ولا أجاب مباشرةً.

المقدم: تأخر.

نعم، تأخر، صار غير.. عيسى ليس بنبيٍّ له الآن، ارتفعت نبوته ببعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة لهذا، فإن أسلم بعد ذلك لم يكن له عذر.

المقدم: وهذا بعيد.

بعيدٌ جدًّا؛ لأن الحديث سياقه سياق الحثّ على الدخول في هذا الدين، فكيف نقول مثل هذا الكلام نصُدُّهم عنه؟ يقول: وقضيته أيضًا لا تتم لمن كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن خصّه بمن لم تبلغه الدعوة، لم تبلغ الدعوة ثم آمن فورًا لما بلغته، فلا فرق في ذلك بين عهده وبعده؛ يعني ما فيه فرق، فما قاله شيخنا أظهر؛ لأنه مستمر.

المقدم: صحيح.

نعم، مستمر إلى يوم القيامة، هذا الوعد مستمر إلى يوم القيامة. فما قاله شيخنا أظهر، والمراد بنسبتهم إلى غير نبينا إنما هو باعتبار ما كانوا عليه قبل ذلك، لكن جاءت النصوص بعد بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- بتسمية اليهود يهودًا، وبتسمية النصارى نصارى، مع أن ديانتهم منسوخة ببعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيدُل على أن قول الكرماني فيه ما فيه، فيه ضعف، وآمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.

المقدم: قبل يا شيخ أحسن الله إليك، في قوله: آمن بنبيه، هذا ما في الصحيح أيضًا ألفاظ آمن بعيسى، فيها بعض ألفاظ الصحيح ما أدري هل في البخاري أو مسلم؟

ألفاظ الحديث كثيرة، ويأتي الإشارة إلى شيء من هذا في تعلُّق الكرماني ببعض الألفاظ الواردة في هذا النص الذي معنا، نعم، مع أن بن حجر أجاب عليه بأنه في ألفاظ أخرى تَرِد عليه، فيأتي إن شاء الله تعالى.

المقدم: لكن تذكر في الصحيح أنه هناك لفظ آمن بعيسى هكذا؟

عند ذكر أطراف الحديث نذكرها إن شاء الله.

المقدم: أحسن الله إليك، لعلّنا إذًا نكتفي بهذا، على أن نَعِد الإخوة والأخوات باستكمال ما تبقّى من ألفاظ هذا الحديث.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نَصل وإياكُم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم شرحُ كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامعِ الصحيح.

نستكمل بإذن الله تعالى ما تبقّى من الحديث في حلقةٍ قادمة، وأنتُم على خير، والسلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه.