شرح الموطأ - كتاب الأشربة (1)

سم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب: الأشربة

باب: الحد في الخمر

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم، فقال: إني وجدت مع فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء، وأنه سائل عما شرب، فإن كان يسكر جلدته، فجلده عمر الحد تاماً.

وحدثني مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، أو كما قال، فجلد عمر في الخمر ثمانين.

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن حد العبد في الخمر، فقال: بلغني أن عليه نصف حد الحر في الخمر، وأن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر قد جلدوا عبيدهم نصف حد الحر في الخمر.

وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ما من شيء إلا الله يحب أن يعفى عنه ما لم يكن حداً.

قال يحيى: قال مالك: والسنة عندنا أن كل من شرب شراباً مسكراً فسكر أو لم يسكر فقد وجب عليه الحد.

نعم.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب: الأشربة

الكتاب مر تعريفه مراراً، والأشربة جمع الشراب، وهو مما يشرب من مباح أو حرام، وهو ما يقابل الطعام، الشراب هو السائل، وضده المتماسك هو الطعام، والأشربة تشمل الأشربة المباحة والمحرمة، إلا أنه يبحث في هذا الموضع الأشربة المحرمة، مما يترتب عليه الحد، ومما لا يصل إلى ما يجب فيه الحد.

يقول -رحمه الله تعالى-:

باب: الحد في الخمر

"حدثني مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم، فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء" الطلاء يعني ما يعتصر من الفواكه، ثم يطبخ، حتى يغلظ، فمنه ما يصل إلى حد الإسكار إذا حبس بعد ذلك أياماً، ومنه ما لا يصل إلى حد الإسكار إذا شرب فوراً، إلا أنه قد يعالج بمواد تحفظه، وبطريقة تحفظه إلى أن يصل إلى حد الإسكار فيستمر الأيام الطوال والأشهر ولا يسكر، ولو كان في الأصل مسكراً، مثل عصير العنب إذا وضعت فيه المواد الحافظة، وأحكم تعليبه في المعلبات الموجودة الآن لا يسكر، وغيره من الفواكه، لكن لو لم يحكم غطاؤه، أو لم يوضع عليه بعض المواد التي تحفظه الأصل فيه أنه مسكر، ولذا جاء تحريم النبيذ، ولو لم يصل إلى حد الإسكار عند جمهور أهل العلم خلافاً لأبي حنيفة، هنا الطلاء يطبخ من العصير، عصير الفواكه، وأكثر ما يكون من التمر والعنب، سئل عنه فجاء بالقاعدة، الجواب القاعدة العامة بغض النظر عن المادة التي استخلص منها، وإن كان الحنفية يخصون الخمر حقيقة الخمر بالعنب، والجمهور ينظرون إلى القاعدة الشرعية وهي الإسكار، فالخمر ما أسكر، وغطى العقل سواءً كان من العنب أو من التمر أو من أي مادة كان، ولو كان غراء مثلاً، أو كان حشيش مثلاً، أو غير ذلك، فالحشيشة محرمة بالإجماع فيما نقله جمع من أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام، وليست مادتها من العنب.

قد يقول قائل: إن البنج مثلاً يغطي العقل، ويستعمل بين المسلمين من غير نكير؛ لماذا لا يرتب عليه الحد ويحرم ويمنع؟ ليس فيه نشوة ولا طرب، والحاجة داعية إليه، فهو إلى النوم أقرب، ولذلك هو جائز عند عامة أهل العلم.

"أنه أخبر أن عمر بن الخطاب خرج عليهم، فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء، وأنا سائل" إيش؟ "وأنا سائل عما شرب، فإن كان يسكر جلدته، فجلده عمر الحد تاماً" لأنه وجد يسكر، فالمدار كله على الإسكار، العلة المؤثرة هي الإسكار، وهو تغطية العقل، فإذا وجد بأي مادة كانت.

"وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل" لأن الجلد في أول الأمر كان أربعين جلدة، فلم يرتدع الناس "فاستشار عمر -رضي الله تعالى عنه- الناس، فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين" لماذا؟ قال: "لأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد الفرية ثمانون جلدة" حد الفرية القذف ثمانون جلدة، أو كما قال، فجلد عمر في الخمر ثمانين.

ويختلف أهل العلم في حد الخمر هل هو الأربعون جلدة على ما كان عليه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وعهد أبي بكر، وصدر من خلافة عمر؟ أو هو الثمانون بما آل إليه الأمر في عهد عمر واتفق عليه الصحابة؟ أو يقال: إن الحد الأربعون والزيادة التعزير؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، وعلى كل حال الصحابة اتفقوا في عهد عمر على الثمانين، وكون الأربعين الثانية حد أو تعزير، المسألة محل نظر، لكن الأوجه من الاحتمالين أنها تعزير، والحد هو الذي استقر عليه الأمر في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وعهد أبي بكر أنه أربعون جلدة، ثم زاد عمر أربعون جلدة تعزيراً.

والتعزير في الخمر لا يقتصر على الثمانين، بل لو وجدت هذه الظاهرة وكثرت بين الناس، ولم يرتدع الناس بالثمانين لوصل الحد إلى القتل، في حديث معاوية وغيره أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شربها فاجلدوه، ثم إذا شربها فاجلدوه، ثم إذا شربها فاقتلوه)) مخرج في السنن عند الترمذي وغيره، والترمذي -رحمه الله تعالى- يقول: ليس في كتابي مما أجمع على ترك العمل به إلا هذا الحديث، وحديث جمع في المدينة بين الصلاتين بلا.... نعم؟ ليس فيه مما أجمع على ترك العمل به إلا هذين الحديثين.

هذا الحديث عند عامة أهل العلم منسوخ، ومن أهل العلم من يرى أنه محكم، وأن كل من تكرر منه الشرب أربع مرات يقتل، وللشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- رسالة اسمها: كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر، وابن حزم يرى أنه أيضاً محكم، وابن العربي أيضاً يميل إلى هذا، والسيوطي يميل إليه، وأنه يقتل في المرة الرابعة، المدمن يقتل.

شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رأيهم أنه لا مانع من قتله تعزيراً، لا على سبيل الحد، يقتل تعزيراً، فإذا لم يرتدع الناس بالحد للإمام أن يقتله، ولعل الفتوى بقتل المروج مروج المخدرات يرجع إلى مثل هذا؛ لأنه من الإفساد في الأرض.

طالب:......

كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر.

طالب:......

هو من سنة الخلفاء الراشدين بلا إشكال، وقد أمرنا بالاقتداء به، مع أبي بكر، لكن فيما لم يوجد فيه مرفوع، نعم؟

طالب:......

الأربعين؟ إيه، نعم؟

طالب:......

إي نعم إيه.

طالب:......

لا، فيه جلد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين، وجلد أبو بكر أربعين.

طالب:......

والله على حسب، إذا قلنا: إنه تعزير لا بد من النظر من جهات، النظر في المسألة من جهات.

طالب:......

إيه، إيه، هذا يدل على أنه تعزير، واحد أو اثنين يسكرون في المجتمع ما يضر.

طالب:......

وين؟

طالب:......

يدل على حتى أن القتل تعزير وليس بحد، يدل على أن القتل تعزير.

طالب:......

وبعضهم يقول: إن هذا ناسخ، ناسخ لحديث القتل، نعم؟

طالب:......

منهم من يقول: إنها إذا أفردت إذا كانت تسكر بحيث لو أفردت يعني بمفردها تلحق، يعني لو خلصنا هذه النسبة بمفردها، وشربها إنسان سكر يجلد، ومنهم من يقول: إنها استحالت فيما خلطت معه، فلا توجب السكر، لكن هل تعتبر طاهرة وإلا نجسة؟ عامة أهل العلم على أن الخمرة نجسة، وعلى هذا يتقى ما فيه نسبة الكحول المسكرة، بما لو أفردت.

طالب:......

إيه، لكن هل..؟ حرام لكن هل يوجب الحد؟ ما يوجب الحد إلا إذا أسكر، من أهل العلم من يقول: إنها استحالت، وينه؟ راحت، كما لو وضعت نقطة نجاسة في ماء، سطل ماء، وهذا جار على قول من يقول: إن الماء لا يتأثر إلا بالتغير، يعني مجرد مخالطة الماء للنجاسة أو السائل للنجاسة لا تؤثر فيه النجاسة إلا بالتغير.

طالب:......

وين؟

طالب:......

على القول بنجاسته هذا ظاهر، القول بطهارته وأنه استحال، استحالت هذه النسبة اليسيرة في الماء، وأنه..، على كل حال اتقاؤه اتقاء الشبهة، ولو كان واحد بالمائة.

قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن حد العبد في الخمر، فقال: بلغني أن عليه نصف حد الحر في الخمر" حد الحر {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [(4) سورة النــور] إذاً يكون حد العبد النصف الأربعون، "وأن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر قد جلدوا عبيدهم نصف حد الحر في الخمر" وكفى بهؤلاء الأئمة عمر وعثمان وعبد الله بن عمر مع أنهم من أهل التحري في هذا الباب، ومع ذلك جلدوا عبيدهم نصف حد الحر، فدل على أن حد الخمر يتنصف كحد الزنا والقذف.

قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ما من شيء إلا الله يحب أن يعفى عنه ما لم يكن حداً" الله -جل وعلا- عفو كريم، ويحب العافين عن الناس، نعم؟

طالب:......

لا، يجلد أربعين.

الله -جل وعلا- يحب العافين عن الناس، وكل شيء يحب الله -جل وعلا- أن يعفى عنه، ما لم يكن حداً؛ لأن تضييع الحدود لا شك أنه مفسدة عظيمة، وتعطيل لشرع الله -جل وعلا-.

"قال يحيى: قال مالك: والسنة عندنا أن كل من شرب شراباً مسكراً فسكر أو لم يسكر فقد وجب عليه الحد" لأن المدمن بعض المدمنين يصل إلى مرحلة أنه لا يؤثر فيه الخمر، لا يؤثر فيه، شرب ما يؤثر فيه، قد يقول قائل: إذا كان يعرف أنه لا يؤثر فيه لماذا يشرب؟

طالب:......

نعم البدن إذا اعتاده لا يصبر عنه، وأيضاً من باب العقوبة وإلا إذا كان لا يتلذذ به على حد زعمه، وإن كانت هذه لذة مجانين، يعني تعطيل العقل الذي شرف الله به وكرم به بني آدم، رفع هذه الميزة وهذا العقل الذي ميزه الله به عن الحيوانات لا شك أنه سخف، وإن استعمل من شخصيات كبار من المتقدمين والمتأخرين، لكن هذا لا شك أنه إلحاق للنفس العاقلة بالمجانين وبالبهائم، لا شك أن هذا نقص في العقل، وإن ادعى صاحبه أنه من أعقل الناس.

طالب:......

لا، المدمن، لا.

طالب:......

في بيته، هو اطلع عليه وإلا ما اطلع عليه؟

طالب:......

ما اطلع عليه بكيفه، أمره إلى الله -جل وعلا-، عامة أهل العلم على نجاسته، وإن كان الدليل لا يقوى على القول بنجاسته، لكن ما دام عامة أهل العلم عليه يمكن عندهم شيء ما اطلعنا عليه.

طالب:......

والله الاحتياط اجتنابه.

في المناظرة التي حصلت عند محمود بن سبكتكين مناظرة بين حنفي وإمام من أئمة الشافعية، محمود هذا كان حنفياً، فأراد هذا الشافعي وأظنه القفال أراد أن يحول السلطان من مذهب الحنفية إلى مذهب الشافعية، فأراد أن يصلي ركعتين عند السلطان تجعله يترك مذهب أبي حنيفة، فدعا بنبيذ فتوضأ به، النبيذ حلو، الحنفية يجيزون الوضوء بالنبيذ، فاجتمعت عليه الحشرات، الذبان وغير الذبان، وجاء بجلد ميتة، وجعل مكان السلخ إلى الظاهر والصوف والشعر إلى الداخل، فاجتمع عليه من الحشرات أكثر، ثم بعد ذلك نقر ركعتين؛ لأن الطمأنينة ليست بركن عند الحنفية، نقر ركعتين نقر، وبعد أن أنهى التشهد أحدث، ما سلم، فمحمود سأل الحنفي قال: الصلاة صحيحة عندكم وإلا ما هي بصحيحة؟ يعني مقتضى المذهب بالتجزئة لا بالمجموع، يعني يمكن أبو حنيفة لو شاف هذا قال: صلاته باطلة، نعم، بالتجزئة تصح، فتحول السلطان من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الإمام الشافعي.

بعض من يدافع عن مذهب الحنفية يقول: ثم ماذا إذا توضأ بنبيذ، النبيذ كحول، والكحول مطهر يزيد في الطهارة ولا ينقصها، وعلى كل حال إن ثبتت القصة فلا شك أن اجتماع هذه الأمور لا يقول به أبو حنيفة ولا من يقرب ولا يداني أبا حنيفة، ما يمكن أن يقول أبو حنيفة بهذه الصورة مجتمعة بصحة الصلاة، ولو صحح أفرادها؛ لأن بعض الأمور قد يغتفر بمفرده، لكن إذا انضم إلى غيره لا يغتفر؛ لأن الحركة والحركتين تغتفر عند جمهور أهل العلم، لكن إذا زاد منها هل يقال: يغتفر؟ فكون الأمور التي ليست من هديه -عليه الصلاة والسلام- يجتمع بعضها إلى بعض، ولو كانت مفرداتها قد يقول بها بعض أهل العلم، أو يلزم بها إلزام، فلا شك أن مثل هذه الصلاة لا تصحح.

طالب:......

السلام ما هو بواجب.

طالب:......

 

أحدث، ضرط، وخلاص وانتهى الإشكال، الله المستعان، وكل هذا من باب التنفير.