التعليق على تفسير سورة الحجرات من تفسير الجلالين (01)

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فلست بحاجة إلى بيان أهمية القرآن لطالب العلم وأهمية حفظ القرآن وأهمية فهم القرآن وتدبر القرآن والعمل بالقرآن، لست بحاجة إلى بيان مثل هذا لأني أمام إخوة يعرفون أكثر مما أعرف في هذا، فلست بحاجة إلى شيء.. إلى بيان شيء من ذلك، وفهم القرآن إنما ينشأ عن التدبر المبني على مراجعة ما يشكل بمفرداته وغريبه ومشكل جمله وآياته، فطالب العلم المبتدئ إنما يوصى بمراجعة كتب الغريب غريب القرآن مع حفظه، أثناء حفظه يراجع كتب الغريب لأن مراجعة كتب التفسير قد تأخذ عليه وقتًا قد يعوقه دون حفظ القرآن في أقصر مدة وإلا فالأصل مراجعة كتب أهل التفسير كتب التفسير الموثوقه لفهم القرآن، إذ لا يتم فهمه إلا من خلال كلام أهل العلم الموثوقين المعروفين بسلامة المعتقد، وبإمكان طالب العلم في المرحلة الأولى أو في العرضة الأولى للقرآن أن يراجع كتب الغريب وإن رجع إلى كتب تفاسير مختصرة يفيد منها ما يخفى عليه من غريب ألفاظه فجيد من أنفع ما كتب في غريب القرأن: كتاب تفسير غريب القرآن للسجستاني، كتاب مختصر جدًا في جزء صغير يفيد طالب العلم وأيضًا كتب الغريب كثيرة لكن منها المطول ومنها المختصر هذا مختصر، أطول منه كتاب غريب القرآن لابن قتيبة، وبعد ذلك بعد معرفة الغريب لأنه مع الأسف لإهمال هذا الجانب من قبل بعض طلاب العلم أننا نجد منهم من هو في مرحلة متقدمة يُسأل عن كلمة غريبة في القرآن لا يجد لها جوابًا لأنه لم يهتم بهذا الباب، وقد يكون قد قرأ في كتب التفسير وراجع التفاسير لكنها ليست على طريقة مرتبة منظمة متدرجة، لأن التدرج في التحصيل في التفسير وغيره من الفنون التي ينبغي لطالب العلم أن يعنى بها لا بد من التدرج، فالتفسير علم من العلوم بل أهم العلوم لارتباطه بأهم الكلام وهو كلام الله –جل وعلا- فإذا عرفنا الغريب من كتب الغريب ثم بعد ذلك عرفنا المشكل في جمله وآياته، وفيه أيضًا المشكل لابن قتيبة، المشكل القرآن لابن قتيبة وفيه أيضًا كتب مغمور قد لا يعرفه كثير من طلاب العلم اسمه درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الإسكافي هذا كتاب نفيس في بابه لأنه يوجد اشكالات تمر على طالب العلم ولا يلتفت لها حتى إذا سئل عنها وقف لا يجد جوابًا، فهذه الكتب ينتبه لها، عناية أهل العلم في هذه البلاد منصبة إلى تفسير الإمام الحافظ ابن كثير –رحمه الله تعالى- وهو جدير بذلك وخليق بالعناية فتفسيره موثوق من إمام محقق وعمدته الأثر فخليق بالعناية لكن الإشكال أن كثيرًا من الدروس التي تقام في هذا التفسير إنما هي مجرد إمرار وتصحيح بعض العبارات وتقويم بعض الأخطاء النحوية وما أشبه ذلك، ولا يوجد تفسير بمعنى التفسير في دروس العلماء المعاصرين إلا القليل النادر لأنك إذا وضعت مقارنة بين دروس التفسير ودروس الحديث أو دروس الفقه أو دروس العقيدة ما وجدت نسبة، دروس التفسير قليلة التي ينبغي أن تسمى دروس تفسير، أما القراءات موجودة يعني يقرأ في التفاسير على المشايخ ويعلقون بما تيسر لكن تفسير بمعنى التفسير بمعنى جهد يصرف لكلام الله –جل وعلا- يليق به ما تجد شيء يشفي العليل أو يروي الغليل، فأنا منذ مدة شرعنا في وضع أو شرح لتفسير الجلالين ثم انقطع الدرس أخذ له مدة ثم انقطع وفكرنا في إعادته وقلنا أنه يمكن أن يوضع على شكل دورات علمية ويشرح هذا التفسير المختصر جدًا وهو أشبه ما يكون بالمتن الذي يمكن أن يشرح لطلاب العلم وعليه حواشي كثيرة منها حاشية الجمل وحاشية الصاوي وحواشي أخرى معروفة عند أهل العلم لكنها لا تسلم من مخالفات، وينقصها كثير من المباحث التي طالب العلم بأهم بأمس الحاجة إليها، وتفسير الجلالين لا يخفى على طلاب العلم أن فيه مخالفات عقدية تحتاج إلى بيان وتنبيه وإلا من خير ما يستفاد منه في تفسير القرآن لأنه تفسير متين متين جدًا أشبه ما يكون بالمتون، فإذا عني به طالب العلم وراجع عليه الحواشي وسأل عما يشكل عليه، ولعلنا نبدأ مثل ما أعلن الآن بتفسير سورة الحجرات لأن الكلام الذي لا يرتبط بكتاب ولا يمكن أن يخطم بخطام أو زمام قد تنتهي الدورة ونحن ما أكملنا السورة ما أكملنا السورة لأن طريقتنا في الشرح الاستطراد والاستطراد يأخذ من الوقت ما يأخذ فإذا ارتبطنا بكتاب ما رحنا لا يمين ولا شمال إلا بقدر الحاجة، فنتمكن بهذه الطريقة من تفسير هذه السورة كاملة –إن شاء الله تعالى- في الوقت المحدد.

 وتقديم هذه السورة أولاً لأهميتها، والقرآن كله مهم لكن هذه آداب، وطلاب العلم بأمس الحاجة إلى هذه الآداب في الظرف الذي نعيشه، ففيها أدب المسلم مع الله –جل وعلا- ، أدب المسلم مع النبي –عليه الصلاة والسلام- ، أدب المسلم مع أخوانه المؤمنين، أدب المسلم مع الخصوم، وكل هذا سيأتي -إن شاء الله تعالى- تفصيله بحسب ما يسعف به الوقت –إن شاء الله تعالى-.

البداية بهذه السورة لما ذكرنا لأنها مشتملة على آداب طالب العلم بأمس الحاجة إليها؛ لأننا نرى نوابت بين طلاب العلم وأمور ومشاحنات وبعض الكلام والتراشق به الذي لا يليق بطالب العلم الشرعي فيحتاج إلى مثل هذه التنبيهات، الأمر الثاني أنها على قول هي بداية المُفصَّل، قال بعض أهل العلم: بداية المفصل سورة الحجرات. ومنهم وهم الأكثر والمعتمد عند أهل العلم أن البداية من سورة ق وشذ من قال أن المفصل يبدأ من النبإ، فالأكثر على أن المفصل يبدأ من ق، ومنهم من قال الحجرات وشذ من قال أنه يبدأ من النبإ، ولعل السبب في الخلاف بين أهل العلم في بداية المفصل ما جاء في سنن أبي داود وابن ماجه من تحزيب الصحابة للقرآن، كانوا يحزبون القرآن على أسباع امتثالاً لقول النبي –عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو: «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد» فصاروا يقسمونه إلى سبعة أحزاب، فيقرؤون في اليوم الأول ثلاث، وفي اليوم الثاني خمس، وفي الثالث سبع وفي الرابع تسع وفي الخامس إحدى عشرة وفي السادس ثلاث عشرة وفي اليوم السابع المفصل، فإذا عددنا الثلاث الأولى الفاتحة البقرة آل عمران صار أول المفصل الحجرات وإذا قلنا أن الثلاث التي تقرأ في اليوم الاول البقرة وآل عمران والنساء صار أول المفصل ق، ولسنا بحاجة إلى تفصيل الثلاث والخمس والتسع والإحدى عشرة والثلاث عشرة ثم المفصل لكن منشأ الخلاف في عد الفاتحة، فمن عد الفاتحة في هذا التحزيب يكون أول المفصل الحجرات، ومن لم يعد الفاتحة في حصة اليوم الأول أو في حزب اليوم الأول يكون بداية المفصل عنده ق، ولا شك أن التقسيم المناسب أن لا تعد الفاتحة، فإذا عدت الفاتحة صار الفرق كبير بين الأول والثاني، لكن إذا لم نعد الفاتحة وقلنا البقرة وآل عمران والنساء هذه خمسة أجزاء، ثم بعد ذلك المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة خمسة متقاربة لكن لو جعلنا الفاتحة ضمن العدة في اليوم الأول لقلنا أن العدة في اليوم الأول أربع إلا ربع، والثاني يزيد عليه كثير، المقصود أن هذا هو منشأ الخلاف، الحافظ ابن كثير في تفسير سورة ق كأنه جعل القول أن الحجرات لا يلتفت إليه مع أنه فيه فضائل القرآن جعل له حظًا من النظر وقواه، ومنشأ الخلاف هو ما ذكرنا، فلهذين الأمرين اخترنا سورة الحجرات وترددت طويلاً هل يكون تفسير هذه السورة مرتبط بكتاب معين أو غير مرتبط فرأيت ارتباطه بتفسير الجلالين لأننا ننوي -إن شاء الله تعالى- اكماله بالتحشية والتعليق عليه وليكن هذا البداية -والله المستعان-.

ونبدأ بالمقصود فالتفسير هذا الذي بين أيدينا تفسير الجلالين مثل ما ذكرنا أنه تفسير أشبه ما يكون بالمتون تفسير مضبوط ابتدأه جلال الدين المحلي بدأ من تفسير سورة الكهف إلى الناس ثم فسر الفاتحة، ثم أكمله الجلال السيوطي فبدأ من أول البقرة إلى آخر الإسراء على نفس الطريقة ونفس النفس، والسيوطي أكمل تفسيره لنصف القرآن أو ما يقرب نصف القرآن في أربعين يومًا على هذه الطريقة المحررة المنقحة، لكن مثل ما ذكرنا مرارًا ليس معنى هذا أننا إذا أشدنا بكتاب أننا نرضاه من كل وجه لا، ذكرنا في مناسبات والآن نكرر ونعيد أن فيه مخالفات عقدية فلابد من التنبيه عليها، وبعضها قد لا يدركه كثير من طلاب العلم المتوسطين فلابد من الانتباه لمثل هذا، انتشر هذا التفسير انتشاراً واسعًا وصار بأيدي طلاب العلم المشرق والمغرب وصار له حظوة في دروس أهل العلم ولا يضاهيه في هذا إلا تفسير ابن كثير في بلادنا وما والاها وتفسير البيضاوي في مشارق الأرض ومغاربها، تفسير البيضاوي يكاد أن يكون لا يدانيه تفسير بين المسلمين ووضع له قبول لم يوضع لغيره، مع أنه فيه المخالفات الموجودة هنا في هذا التفسير، يعني فيه مخالفات عقدية وفيه أحاديث موضوعة لكنه من حيث الصناعة متن ميتن لا نظير له في سبكة ولذا وجد أو ذكر عليه أكثر من مائة وعشرين حاشية، أعني تفسير البيضاوي، طالب العلم كما يستفيد من تفسير ابن كثير وتفسير ابن جرير تفاسير الأئمة الموثوقين يستفيد أيضًا من هذه التفاسير في فهم القرآن من حيث الصناعة اللفظية يعني إذا احتجنا إلى فهم القرآن من مشكلة النبوة فإننا أيضًا نحتاج إلى فهمه من حيث الصناعة اللفظية فنحتاج إلى مثل هذه المختصرات وما كتب عليها من حواشي، والمبتدعة صنفوا كتب كثيرة في التفسير وفي شروح الأحاديث ويستفاد منها ويتقى ما فيها من مخالفات على أن يكون الذي يقرأ فيها إن كان بمفرده لابد أن يكون على وعي تام من هذه المخالفات، وإن كان يقرأ على شيخ فالشيخ يبين له –إن شاء الله تعالى- قد يسأل بعض طلاب العلم عن المفاضلة بين هذه المختصرات بما يقرأ طالب العلم هل يقرأ في الجلالين أو يقرأ في تفسير الشيخ ابن سعدي أو يقرأ في توفيق الرحمن لدروس القرآن للشيخ فيصل ابن مبارك، تفسير الشيخ ابن سعدي انتشر واشتهر بين طلاب العلم ولسنا بحاجة على بيان مزايا هذا التفسير من حيث السهولة تفسير سهل ومبسط ويشرح المعنى الإجمالي للجمل والآيات، وأما تفسير الشيخ فيصل بن مبارك مع الأسف أن كثير من طلاب العلم لا يعرف هذا التفسير فهو خلاصة عصارة لتفسير ابن جرير والبغوي وابن كثير يعني عصارة خلاصة من هذه التفاسير الثلاثة، فعلى طالب العلم أن يعنى به وقد قسمه الشيخ على دروس أكثر من ثلاث مائة درس فبإمكان طالب العلم أن يقرأ في كل في يوم درس من هذا التفسير ويقرأ ما يقابله من تفسير ابن سعدي، ويقرأ ما يقابله من تفسير الجلالين ويستفيد فائدة عظمى وما ينقص من هذا يكمله هذا؛ لأن كل واحد من هذه التفاسير له مزية يعني في الجلالين مزايا لا توجد عند الشيخ ابن سعدي والعكس، فكون الإنسان يجمع بين هذه التفاسير الثلاثة وكل هذه التفاسير الثلاثة لا تعادل تفسير واحد من التفاسير المتوسطة فضلاً عن المطولة، يعني بالإمكان في ساعة واحدة أن يقرأ نصيبه من التفاسير الثلاثة وكل التفاسير الثلاثة قد تعادل تفسير ابن كثير –رحمه الله- والكلام في كتب التفسير ومزاياها والتفريق بينها ذكرناه في مناسبات كثيرة

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- : "سورة الحجرات وهي مدنية ثماني عشرة آية ثماني عشرة آية" والعد يختلفون فيه تبعًا لخلافهم في البسملة هل هي آية أو ليست بآية، فمن عدها آية زاد آية في كل سورة من سور القرآن ومن قال أنها ليست بآية لم يعدها، والخلاف معروف ومبسوط في كتب العلم والذي يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- أنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور يعني على أنهم يجمعون على أنها بعض آية من سورة النمل ويتفقون على أنها ليست بآية من سورة التوبة، والخلاف فيما عدا ذلك من مائة وثلاث عشرة سورة هل هي آية أو ليست بآية منهم من يقول:هي مائة وثلاث عشرة آية، ومنهم من يقول بأنها ليست بآية مطلقًا، ومنهم من يقول هي آية واحدة نزلت للفصل بين السور، فالذي لا يعد البسملة يقول ثماني عشرة آية والذي يعدها يقول تسع عشرة آية، والسورة مدنية وجميع الآيات والقصص والحوادث التي حصلت فيها وأنزلت هذه الآيات بسببها إنما كانت بالمدينة.

يقول –رحمه الله تعالى- : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا} الكلام على البسملة تقدم في الكلام على سورة الفاتحة مع الاستعاذة وتفسير الفاتحة والتعليق عليه تفسير الفاتحة من الجلالين والتعليق عليه موجود في الأسواق على أربعة أشرطة فما نحتاج إلى.. نحيل على البسملة وتفسير البسملة والإستعاذة على ما في سورة الفاتحة.

يقول –رحمه الله تعالى- في قوله –جل وعلا- : "{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا} من قَدم بمعنى تقدمَ" من قَدَّمَ يعني المضعَّف فمضارعه يُقَدِّمُ قَدَّمَ يُقَدِّمُ {لَا تُقَدِّمُوا} المضارع من الرباعي يكون مضموم حرف المضارعة بمعنى تقدمَ والقراءة الأخرى جاءت بهذا اللفظ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقَدِّمُوا} والأصل لا تتقدموا، بتائين حذفت الأولى تخفيفًا أي لا تتقدموا بقول ولا فعل بين يدي الله ورسوله "{لَا تُقَدِّمُوا} شيئًا بين يدي الله ورسوله" أو لا تَقدموا أو لا تتقدموا أنتم بين يدي الله ورسوله، لا تتقدموا بشيءٍ، لا تقدموا شيئًا أو لا تتقدموا بشئٍ لا بقول ولا فعل، فيكون القراءتان مردهما إلى شيء واحد ومعناهما إذاً واحد {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدِي اللهَ وَرَسُولِهِ} المفعول حُذف لأنه ليس مقصود بذاته ليس المقصود فعل واحد وإنما المقصود النهي عن التقدم والتقديم بين يدي الله ورسله أيَّا كان كما في قوله: {يُحْيي وَيُمِيت} فعلان متعديان لم يذكر مفعول يحي ولا مفعول يميت لماذا؟ ليشمل كل ما يمكن أن يتناوله الفعل وهنا لم يذكر المفعول ليتناول كل ما ينطبق عليه هذا الفعل وينصرف إليه؛ لأنه لو ذكر المفعول صار له مفهوم ما معنى كون له مفهوم، معناه لا يجوز لنا أن نقدم ما ذكر ويجوز لنا أن نقدم ما عداه، فلما حذف المفعول صار أو سرح الذهن في هذا كل مسرح وذهب كل مذهب بمعنى أننا لا نقدم شيء ألبتة بين يدي الله ورسوله، فهنا من قدم على قول الله أو على قول رسوله قول أحد من الناس كائنًا من كان أو هوى النفس يدخل في الآية أو لا يدخل؟ يدخل لأنه مما يتناوله العموم لا تقدموا شيئًا كائنًا من كان ولو كان القول لأبي بكر وعمر، ولذا طالب العلم عليه أن يتجرد ويجعل المعول على النص من كلام الله وكلام رسوله –عليه الصلاة والسلام- وبعض طلاب العلم يورَد عليه النص ثم بعد ذلك يهجم عليه وعلى قلبه ما قرأه لأحد يثق به، يعني قرأت لشيخ الإسلام ابن تيمية كلام وشيخ الإسلام إمام محيط مطلع فالثقة به قد تجعل الإنسان أحيانًا يلغي فهمه أو يقرأ كلام لابن القيم –رحمه الله تعالى- فتجده يلغي فهم النص من أجل ما هجم عليه أو على قلبه من كلام شيخ الإسلام أو ابن القيم ونضرب المثال بهذين الإمامين لأنهما من الأئمة الموثوق بعلمهم من الذين يصدرون عن النصوص أما من تعلق بإمام وصار يقلده في كل ما يقول ويقدمه على النصوص فمثل هذا لا عبرة به، في حاشية الصاوي على الجلالين في تفسير سورة الكهف يقول: ولا يجوز الخروج عن مذاهب الأئمة الأربعة ولو خالفت الكتاب والسنة وقول الصحابي. يعني هل هذا من امتثال هذا النهي {لا تقدموا} لا والله ليس من امتثال النهي، وتجد الشخص المقلد لإمام من الأئمة إذا أورد عليه كلام بالنص تقول هذا الخبر وهذي الآية آية في كتاب الله يقول ولو الإمام أعرف هل هذا يخفى على الإمام أحمد؟ يعني هل هذه الآية ما مرت على الإمام أحمد؟ هل هذا الحديث ما ذكره.. ما مر على الإمام أحمد أنت تعرف الحديث والإمام أحمد ما يعرفه؟ يا أخي ما الإمام أحمد هل هو معصوم؟ الإمام أحمد إمام السنة بلا منازع ويحفظ سبع مائة ألف حديث أكثر مما تحفظه الآلات كلها الموجودة الآن الكمبيوترات كلها ما تحفظ مثل الإمام أحمد، ومع ذلك ليس بمعصوم وقد وجد في أقواله وفي مذهبه من الأقوال المرجوحة شيء كثير وإن كان الأقرب إلى الدليل لكن وجد أقوال مرجوحة كثيرة في مذهبه –رحمه الله- وليست بأكثر من المذاهب الأخرى عن الأقوال المرجوحة يقول لك هل أنت أعلم من مالك نجم السنن؟ نحن وأنت ومالك وأبو بكر وعمر كلنا تحت حكم الله وحكم رسوله، فطالب العلم عليه أن يتجرد فإذا جاءه النص عن الله وعن رسوله عليه أن يقف يقول ابن عباس –رضي الله عنهما- يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وتقولون قال أبو بكر وعمر؟ فكيف بمن يقول إذا قيل له قال رسول الله قال المذهب كذا المعتمد عندنا كذا وفي قضية عند شخص من القضاة أحضر له الدليل في صحيح البخاري قال هذا الذي عليه العمل وعليه المذهب وعليه أئمة االدعوة وعليه وعليه، هل هذا الكلام ينفع؟ ما ينفع يا أخي أنت أجب عن هذا الدليل افهم كلام الأئمة وأجب عن هذا الدليل فلابد أن يتجرد طالب العلم ولا يقدم بين يدي الله ورسوله قول أحد كائنًا من كان، وهذا الكلام في إطار المذاهب مذاهب الأئمة أئمة الهدى فضلة عن أئمة الضلال الذي تقول له يا أخي نصوص القرآن من أوله إلى آخره تنهى عن الشرك وتحكم على المشرك بأنه خالد مخلد ولا يغفر له  ومأواه النار -نسأل الله السلامة والعافية- ويقول لك لا شيوخنا عمرهم كله يطوفون على القبر فإذا.. من توفيق الله –جل وعلا- للإنسان أن يتجرد "{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا} من قدم بمعنى تقدم أي لا تتقدموا بقول ولا فعل سواء من صدر من تلقاء أنفسكم أو فيما تنقلونه عن غيركم" ما تقول يقال لك هذه الآية وهذا الحديث تقول قال شيخ الإسلام أو قال الإمام أحمد أو فلان أو علان يعني هذه الكتب كتب أهل العلم وإن كان عمدتها في الأصل الكتاب والسنة، لكن مع ذلك قد يغفل الإنسان عند التطبيق قد يخفى عليه الدليل قد يفهم الدليل على غير مراد الله ومراده رسوله قد يجتهد في فهم الدليل فلا يوفق في فهمه ورب مبلغ أوعى من سامع، ومع الأسف أن الناس على طرفي نقيض من الناس من إذا أورد إليه كلام أهل العلم قال نحن.. هم رجال ونحن رجال ويضرب بأقوالهم عرض الحائط بإطلاق، يا أخي أنت لا تستطيع فهم الكتاب والسنة إلا بعد أن تعنى بكلام أهل العلم ثم بعد ذلك إذا تولَّدت عندك الملكة لفهم النصوص من خلال الاطلاع على أقوال أهل العلم الذين يفهمون الكتاب والسنة بدءًا من الصحابة ثم من تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا، فمن الناس من طلاب العلم من يرمي بأقوال أهل العلم عرض الحائط وهذا إفراط، وعندنا أيضًا تفريط من يعتمد أقوال أهل العلم في مقابل النصوص، والخير في الوسط يعني يعرف لأهل العلم قدرهم وتفهم النصوص من خلال فهمهم إلا إذا اجتهدوا وأخطأوا فكلهم يؤخذ من قولهم ويترك إلا المعصوم –عليه الصلاة والسلام-

{بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ} بين يدي يعني أمام فالذي يكون بين اليدين الذي هو أمام، فلا تُقدموا أمام كلام الله –جل وعلا- وكلام رسوله –عليه الصلاة والسلام- المبلغ عنه أي بغير إذنهما، ما معنى بغير إذنهما؟ هناك أشياء واجتهادات لأهل العلم لا يدل عليها كتاب ولا سنة بالنص بالحرف إنما أُذن في بيان حكم هذه النوازل التي لم تدل عليها النصوص أذن في بيان أحكامها هذه النوازل بإلحاقها بأصولها التي دل عليها الكتاب والسنة بغير إذنهما، يعني هل أذن لأحد أن يتقدم بين يدي الله ورسوله لأن كلامه بغير إذنهما، بغير إذنهما ما معناه؟ معناه أن ظاهر اللفظ أنه هناك من يستثنى من أذن له أن يتقدم بين يدي الله ورسوله وسيأتي في سبب النزول نزول الآية أنها في الخيِّرين أبي بكر وعمر فإذا نزلت النهي في شأن أبي بكر وعمر فهل يتصور أن يأذن لغيرهما أن يتقدم بين يدي الله ورسوله؟ لا  ليس هذا للأشخاص إنما هو لفتح باب الإجتهاد الذي دل عليه الكتاب والسنة، فالأذن ليس للأشخاص إنما الأذن للإجتهاد المبني على الكتاب والسنة، فالاجتهاد مأذون به، القياس مأذون به، وأدلة القياس والاجتهاد ليست معروفة في كتب الأصول وفي حديث معاذ حينما بعثه النبي –عليه الصلاة والسلام- إلى اليمن قال: «بم تحكم؟» قال: أحكم بكتاب الله. هذا الأصل  قال: «فإن لم تجد؟» قال: فبسنة رسول الله. –عليه الصلاة والسلام- قال: «فإن لم تجد؟» قال: أجتهد رأيي. يعني هل يجتهد من فراغ؟ أو يجتهد اجتهاد مبني على قول الله وقول رسوله –عليه الصلاة والسلام- لا يمكن أن يجتهد من فراغ، وإلا لكان الناس كلهم مجتهدون، كان الناس كلهم مجتهدين وليس هذا مراد المؤلف بقوله: "بغير إذنهما" إنما إذنهما لمن بلغ مرتبة الاجتهاد وساغ له ذلك، وإلا فالمسائل المنصوص عليها سواء كانت في الكتاب والسنة بأعيانها يعني هذه المسألة تجد حكمها بلفظها في الكتاب والسنة كثير من المسائل لا تجد والنوازل لم ينص عليها بالكتاب بأعيانها، إنما نص على نظائرها نص على أصولها يشملها قواعد عامة تندرج تحتها هذه الفروع فهذا هو الأذن الذي أشار إليه المؤلف.

"{وَاتَّقُوا اللهَ} يعني حال امتثالكم بهذا النهي اتقوا الله -جل وعلا-" واتقوا الله فامتثلوا هذا النهي {إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ} لأقوالكم {عَلِيمٌ} بفعلكم ونياتكم" وفي هذا إثبات صفة السمع لله –جل وعلا- والعلم على ما يليق بجلاله وعظمته.

يقول المؤلف –رحمه الله- : "نزلت في مجادلة أبي بكر وعمر –رضي الله عنهما- عند النبي –صلى الله عليه وسلم- في تأمير الأقرع بن حابس أو القعقاع بن معبد" لما جاء وفد تميم على النبي –عليه الصلاة والسلام- قال أبو بكر: أمّر القعقاع بن معبد. قال عمر: أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر –رضي الله عنه- : ما أردت إلا خلافي فقال عمر: والله ما أردت خلافك. وهذا الاقتراح من الخيِّرين تقدم وتقديم بين يدي النبي –عليه الصلاة والسلام- فنزل بسببه الآية، فإذا كان هذا النهي نزل بسبب اقتراح من الخيرين فكيف بمن دونهما؟ فكيف بمن دونهم؟ وكثير من الناس يقدم بين يدي الله ورسوله في أقوال لا تستند إلى عقل ولا نقل، وتورد عليه النصوص الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة فيكون جوابه محض التعصب للأشياخ وللأعراف، فلا شك أن هذا شأنه عظيم، فإذا كان هذا النهي نزل بسبب المجادلة التي حصلت بين أبي بكر وعمر قال -رحمه الله- : "ونزل فيمن رفع صوته عند النبي –صلى الله عليه وسلم- : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} وهنا يكرر النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} كما قال في مطلع السورة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}  وياء حرف نداء وأي إنما يتوصل بها لنداء ما فيه أل" لأن ما فيه أل لا يمكن أن تدخل عليه ياء النداء.

وَشّـذَّ فِـي اضْـطِـرَارٍ جَـمْعُ يـا وَأَلْ     إِلّا مَعَ اللهِ وَمَـحْــكِــيِّ الْجُـمَـلْ

فاجتماع الياء ياء النداء مع أل شاذ إلا فيما استثني مع الله –جل وعلا- فتقول: يالله. فقط وحكي الجمل يعني إذا سميت بجملة فأنت ممكن أن تناديه، ويتوصل لنداء ما فيه أل بأي كما هنا "{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وكرر النداء مرة ثانية مع الوصف بالإيمان لإثارة الحمية الدينية للقلوب" يعني هذا النداء خاص بمن اتصف بهذا الوصف لأنه هو الذي يمتثل الأمر والنهي الذي آمن صدق وأيقن وأذعن صدق بقلبه وأقر بلسانه وعمل بجوارحه هذا هو الذي يمتثل، وأما من عداه فإنه لا يدخل في هذا النداء لأنه لا يمتثل ما يؤمر به ولا ينتهي عما ينهى عنه قال: "ونزل فيمن رفع صوته عند النبي –عليه الصلاة والسلام- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ } يعني إذا نطقتم فوق صوت النبي إذا نطق {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} إذا ناجيتموه" يعني إذا تكلم النبي –عليه الصلاة والسلام- فلتكن أصواتكم دون صوته في القوة "{وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} إذا ناجيتموه بل دون ذلك إجلالاً له وهيبة" ولا شك أن خفض الصوت يدل على الإجلال وعلى هيبة من يخاطب فتجد الإنسان بكل بساطة وبكل سهولة يرفع صوته على ولده لكنه لا يرفع صوته على أبيه وعلى الكبير وعلى من يعظمه لا تجده يرفع صوته ولذا جاء النهي عن رفع الصوت حال مخاطبة النبي –صلى الله عليه وسلم- فوق صوت النبي –عليه الصلاة والسلام- إذا نطق "{وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} حال سكوته إذا ناجيتموه {كَجَهْرِ بعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}" يعني مثل ما تخاطب زيد وعمرو تخاطب النبي –عليه الصلاة والسلام- لا لا يجوز هذا "بل دون ذلك إجلالاً له وهيبة" له –عليه الصلاة والسلام- ، لما نزلت هذه الآية ثابت بن قيس بن شماس خطيب النبي –عليه الصلاة والسلام- كان جهوري الصوت ومن مقتضى الخطبة رفع الصوت والنبي –عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم إذا خطب علا صوته، فثابت بن قيس الصحابي الجليل ثابت بن قيس بن شماس يرفع صوته لأنه خطيب ومن مقتضى الخطبة رفع الصوت، لما نزلت هذه الآية خاف خوفًا شديدًا أن يحبط عمله ثم بعد ذلك اعتزل وبقي في بيته وقيد نفسه، فسأله النبي –عليه الصلاة والسلام- لأنه جرت عادته –عليه الصلاة والسلام- أن يتفقد الصحابة فإذا تأخر أحد قال أين فلان فسأل عنه خشية أن يكون مريضًا أو به علة أو شيء من ذلك فقال جار له أنا آتي بخبره فذهب إلى بيته وقال هناك في بيت الفرس مقيدًا نفسه موثقًا نفسه يبكي فقيل له: ما شأنك؟ فقال: نزلت هذه الآية وأخشى أن أكون.. بل أنا المقصود فيها. فذهب إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- فأخبره الخبر فقال ائتي به، فذهب إليه وفك القيد عنه وذهب به إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- فبشره النبي –عليه الصلاة والسلام- بالجنة، قال: "ونزل فيمن رفع صوته عند النبي –صلى الله عليه وسلم- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} إذا نطقتم {فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} إذا نطق {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} إذا ناجيتموه {كَجَهْرِ بعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} بل دون ذلك إجلالاً له {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ}" أن تحبط يعني خشية أن تحبط لألا تحبط أعمالكم "{وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} أي خشية ذلك بالرفع والجهر المذكورين" {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}" هذا يدل على أن الإنسان قد يحبط عمله وهو لا يشعر وقد يخرج من الدين بالكلية وهو لا يشعر، وقد يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفًا –نسأل الله السلامة والعافية- فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، فمثل هذا لا شك أنه أمر مخيف لا سيما بالنسبة لمن يكثر منه الكلام والهزل قد يتكلم بكلمة ومن كثر كلامه كثر سقطه تكلم بكلمه يستدرج بالكلام إلى أن يقول كلام يحبط به عمله، {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} منهم من يقول وهذا اعتمده بعض المفسرين كالقرطبي وغيره أن الإنسان لا يخرج من الدين إلا بالقصد كما أنه لا يدخل فيه إلا بالقصد، مع أن دلالة الآية ظاهرة في أنه قد يحبط عمله وهو لا يشعر وإن كانت الآية فيما دون الخروج من الدين إلا أنه إذا اقترن بذلك الاستخفاف بحقه –عليه الصلاة والسلام- قد يخرج من الدين، إذا استخف بحقه وشأنه –عليه الصلاة والسلام- خرج من الدين لكن إن رفع صوته من غير قصد استخفاف فإنه ارتكب محرمًا {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} يعني هل ارتكاب المحرم محبط للعمل أو لا؟ أو لابد أن يكون هذا المحرم يصل بالإنسان أن يخرج من الدين فيحبط عمله؟ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [سورة الزمر:65] يعني وما دون الشرك يحبط العمل والا ما يحبط؟ عند المعتزلة يحبط العمل إذا ارتكب كبير خلاص انتهى خرج من الإيمان بالكلية إلا أنهم لا يحكمون عليه بالكفر كالخوارج إلا أنه يخرج خلاص حبط عمله وهو خالد في النار عندهم، -نسأل الله العافية- كقول الخوارج إلا أن الحكم عندهم في الدنيا يحبط العمل ويخرج من الإيمان لكنه لا يدخل الكفر فهو في منزلة بين المنزلتين. فهل في هذه الآية مستمسك للمعتزلة وللخوارج؟ أو ليس فيه مستمسك؟ وهل ارتكاب المحرمات محبط للحسنات كما أن السيئات.. الحسنات يذهبن السيئات بلا شك {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [سورة هود:114] فهل العكس صحيح وإلا لا؟ العكس صحيح عند المعتزلة ما فيه إشكال عندهم سيئة تحبط الحسنة، فهل هذا القول صحيح أو ليس بصحيح؟ {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} قلنا أن المعتزلة يرون أن الأعمال تحبط بمجرد ارتكاب كبيرة من الكبائر وليس هذا عند السنة، {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنّ السَّيِّئَاتِ} لكن العكس لا هناك ميزان له كفتان توضع فيه في إحدى الكفتين الحسنات وفي الأخرى السيئات وتكون المقاصة أما إحباط الأعمال بمجرد السيئات إلا الشرك {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} أما ما عدا ذلك فهو خاضع للمقاصة وليس هنالك إحباط بمجرد ارتكاب السيئات.

قال –رحمه الله- : "ونزل فيمن كان يخفض صوته عند النبي –صلى الله عليه وسلم- كأبي بكر وعمر وغيرهما –رضي الله عنهم- {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أَولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ} أي اختبر {اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} أي لتظهر منهم {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} يقول –رحمه الله تعالى- : ونزل فيمن كان يخفض صوته عند النبي –صلى الله عليه وسلم- كأبي بكر وعمر وغيرهما –رضي الله عنهم-" لما نزل مطلع هذه السورة آلى كل واحد من خيار الأمة كأبي بكر وعمر أن لا يكلم النبي –عليه الصلاة والسلام- إلا كأخ سرار يعني بحيث لا يسمع إلا من كان قريب منه جدًا كالمناجاة وهذا من سرعة امتثالهم لأوامر الله –جل وعلا- وقد عرفوا بذلك أعني الصحابة –رضوان الله عليهم- رجالاً ونساءً وليس لأحد خيرة فيمن جاء عن الله وعن نبيه –عليه الصلاة والسلام- {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ} الغض هو النقص من الشيء كغض البصر مثلاً {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ} [سورة النور:30] {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبَصَارِهِنَّ} [سورة النور:31] فهو النقص منه لا انعدامه بالكلية وهنا يغضون أصواتهم أي لا أنها تنعدم بالكلية بمعنى أنهم لا يتكلمون بحضرته –عليه الصلاة والسلام- أو لا يكلمونه إنما يتكلمون ويكلمونه مع خفض الصوت، والنقص منه كما هو الشأن في غض البصر، ليس المطلوب من الإنسان أن يغمض عينيه وإنما المطلوب منه أن ينقص من بصره ويخفض من بصره شيء بحيث لا ينظر إلى ما حرم الله عليه ولا يغمض عينيه بالكلية بحيث يتعرض إلى خطر من حفرة أو غيرها "{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أَولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ} اختبر" الامتحان والابتلاء والاختبار ألفاظ متقاربة المعاني وأصلها من امتحن الذهب وابتلاه واختبره إذا عرضه على النار فبان جيده من رديئه وهؤلاء الذين غضوا أصواتهم عند رسول الله امتحن واختبر الله –جل وعلا- "{قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} أي لتظهر منهم" ما الفائدة من قوله لتظهر منهم؟ أي لأن الله -جل وعلا- يعلم ما تنطوي عليه هذه القلوب من التقوى، لكن لتظهر ههذ التقوى للعيان كما أن الله –جل وعلا- يعلم ما يؤول إليه الناس في القيامة قبل الميزان ولكن وزن الأعمال لتظهر النتائج عيانًا وهنا تظهر نتيجة هذا الامتحان بالتقوى وتظهر نتائجه على الجوارح، قال: "لتظهر منهم {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}" لهم مغفرة لذنوبهم وستر لعيوبهم وأجر عظيم وهو الجنة، ونزل في قوم جاؤوا وقت الظهيرة والنبي –صلى اله عليه وسلم- في منزله فنادوه، جاء قوم من بني تميم من الأعراب في وقت الظهيرة والنبي –عليه الصلاة والسلام- في منزله نائم في القيلولة فنادوه نزل قوله –جل وعلا- : {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَآءِ الْحُجَرَاتِ} النداء من مقتضاه رفع الصوت بخلاف المناجاة التي تكون مع خفض الصوت  {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَآءِ الْحُجَرَاتِ} حجرات نسائه –صىل الله عليه وسلم- توزع هؤلاء على حجرات النساء التسع فصار عند كل حجرة واحد أو أكثر ينادون بأصواتهم يا محمد يا محمد، النبي –عليه السلاة والسلام- في حجرة من الحجرات عند واحدة من نسائه لكنهم لم يعلموا موقعه –عليه الصلاة والسلام- من هذه الحجرات فتوزعوا ولذا جاء قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَآءِ الْحُجَرَاتِ} وهو في حجرة واحدة –عليه السلاة والسلام- فتوزعوا على الحجرات فصاروا يصوتون وإن كانوا مجتمعين وراء آخر هذه الحجرات ونادوه –عليه الصلاة والسلام- صاروا من وراء الحجرات كلها، الاحتمال قائم أنه تفرقوا وتوزعوا على هذه الحجرات اجتمع كل فئة منهم حول حجرة من حجراته –عليه الصلاة والسلام- كل طائفة حول حجرة فصاروا ينادون يا محمد يا محمد –عليه الصلاة والسلام- ويحتمل أنهم اجتمعوا كلهم وراء آخر الحجرات ويصح حينئذ أنهم وراء الحجرات ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ لأنه قيل هذا وقيل هذا واللفظ يحتمل  "{مِنْ وَرَآءِ الْحُجَرَاتِ}  حجرات نسائه –عليه الصلاة والسلام-" والحجُرات بضم الجيم وقد تفتح حُجَرات وقد تسكّن جمع حجْرة ومنهم من يقول أن الحجرات جمع حُجَر والحُجَر جمع حُجْرة وجاء في الحديث الصحيح في قيامه –عليه السلاة والسلام- قال: «أيقضوا صواحب الحُجَر» وفي بعض الروايات: «صواحب الحُجَرات» فالحجرات أو الحُجرات جمع حُجَر أو حُجرة  والحجر جمع حجرة فإما أن يكون الحجرات جمع للحجرة أو جمع الجمع، والحجرة أصلها من التحجير وهي القطعة المعروفة ذات الحدود من الأرض التي يبنى عليها ما يحجر أي يمنع من لدخول إليها والخروج منها إلا مع بابها، حجرات نسائه –صلى الله عليه وسلم- جمع حجرة وهي ما يحجر عليه من الأرض بحائط ونحوه وكان كل واحد منهم نادى خلف حجرة، لأنهم لم يعلموه في أي حجرة منادات الأعرابي بغلظة وجفاء، فيقولون يا محمد، والغلظة موجودة إلى الآن عند كثير من الناس تجده ينادي الشيخ الجليل الكبير يا فلان، نعم الغلظة موجودة لكن على كل إنسان ما يناسبه من خطاب بالشرع، فعلى المنادي أن يلتمس أفضل الألفاظ التي ينادي بها الكبير وعلى الكبير أن يرفق ويلطف بالجاهل ويعلمه بالأسلوب المناسب لا يقابله بمثل أسلوبه لأن بعض الناس ما يتحمل مثل هذه الألفاظ فإذا نودي يا محمد ما رد، وهذا اسمه محمد الآن، كل إنسان له ما يناسبه من خطاب الشرع فهذا المنادي عليه أن يبحث عن الألفاظ المناسبة اللائقة بهذا الكبير، والكبير عليه أيضًا أن يرفق بهذا الجهل ويعلمه بالأسلوب المناسبن، وكان كل واحد منهم نادى خلف حجرة وهذا ظاهر من حيث المناداة من وراء الحجرات يعني تمت من وراء كل حجرة حجرة نادى وراء كل حجرة حجرة جمع أو واحد على حسب العدد القادم من البادية، أو يكون من وراء آخر حجرة من هذه الحُجر وهذا أنسب لرفع الصوت يقول: "لأنهم لم يعلموه في أي حجرة مناداة الأعرابي بغلظة وجفاء {أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} فيما فعلوه" لا يعقلون نعم تصرفهم يدل على أنهم لا يعقلون هم لهم قلوب ولهم عقول لكن تصرفهم هذا تصرف من لا عقل له فنزلوا منزلة من لا عقل له أكثرهم ما قال جميعهم كلهم لا يعقلون ما دام حصل منهم النداء الذي هو دلالة على عدم العقل ومظنة لعدمه قال: {أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} أولاً نُسب النداء إلى الجميع ولو لم يكن من الجميع ينسب إلى الجميع باعتبار أن منهم من نادى ومنهم من وافق وسكت ولا أنكر فهذا ينسب إليه الفعل لأنه ما أنكر ولا تصرف تصرف يليق بمقامه –عليه الصلاة والسلام- فينسب إليه الفعل تبعًا له، وكون {أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} لا يعرفون محلك الرفيع –عليه الصلاة والسلام- وما يناسبه من التعظيم بل منهم من يعرف منزلته –عليه الصلاة والسلام- لكنه جامل جامل غيره وإذا كان رئيسهم ومقدمهم يا محمد يا محمد جاء ليفاخر ويكاثر فما بالك بمن دونه نعم من الاتباع من قد يكون أعقل من المتبوع لكنه لا يكون عنده من الجرأة والقدرة على الإنكار على هذا الكبير فينسب إليه الفعل لأنه لم ينكر وقد يخرج من كونه لا يعقل لأن مداراة الكبير نعم في بعض الأحوال قد تكون مطلوبة لأنه قد يتصرف تصرف أشد وأشنع لأن شخص ينادي يا محمد يا محمد من وراء الحجرات وهو كبيرهم ومقدمهم ورئيسهم ويطالبه ويناديه من أجل المفاخرة واالمكاثرة مثل هذا لو أنكر عليه منكر ممكن يوقع به ويبطش به فمثل هذا قد يجامله بعضه فينسب غليه الفعل لعدم الإنكار ولا يسلب عن العقل؛ لأن المداراة أحيانًا تكون مطلوبة، وفُرق بين المناداة فأضيفت إلى الجميع وفرق في سلب العقل فنسب إلى الأكثر دون الكل "{أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} فيما فعلوه" من مناداتك مع الجفاء والغلظة  "لا يعقلون محلك الرفيع" سيد ولد آدم –عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق وأشرف الخلق وأكمل الخلق وأشجع الخلق وأتقاهم وأخشاهم لله –جل وعلا- "محلك الرفيع وما يناسبه يناسب هذا المحل الرفيع من التعظيم {وَلَوْ أَنَّهُم صَبَرُوا}" انتظروا ما صوتوا ولا نادوا يا محمد يا محمد انتظروا "{وَلَوْ أَنَّهُم صَبَرُوا} أنهم في محل رفع بالابتداء وقيل فاعل لفعل مقدر أي ثبت" أنهم صبروا يقول الجملة في محل رفع بالابتدا لو أنهم صبروا {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} الجملة في محل رفع ابتدائية وجوابها خبرها {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} وقيل فاعل لفعل مقدر أي ثبتَ فيكون التقدير ولو ثبت أنهم صبروا ولو حصل أنهم صبروا "{حَتَّى تَخْرَجَ إِلَيْهِمْ} انتظروا {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لمن تاب منهم" بعض طلاب يأتي إلى الشيخ ليقرأ أو ليسأل في وقت غير مناسب فيطرق الباب ويقال له الشيخ الآن مرتاح أو مشغول فيقول: لا لا عندنا عمل ضروري لكن لو صبر  لكان خيرًا له، بعض الطلاب يأتي والشيخ بيده المصحف يقرأ فيشير إليه أن انتظر حتى أكمل الآية أكمل السورة انتظر فما يصبر وإذا ذهب من عند الشيخ قال إن الشيخ يقول انتظر اصبر ويقول الشيخ مشغول وهو جالس يقرا القرآن، يعني هذا تصور بعض الأخوان حتى من طلاب العلم يظن أن القرآن ما هو بشغل لأنه ما عود نفسه على أن يفرض للقرآن جزء ونصيب من وقته من سنام وقته ما يكون فضلة بل يقدم على غيره يجي يقول أبقرأ معي كتاب أبقرأ على الشيخ ويقول الشيخ لا انتظر أنا بيدي حزب من القرآن ما كملته، النبي –عليه الصلاة والسلام- انتظره الصحابة طويلاً لأنه جاءه من يشغله عن حزبه فأكمله، فالقرآن مقدم على كل شيء {وَلَوْ أَنَّهُم صَبَرُوا حَتَّى تَخْرَجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} إذا كنت طالب ومشغول وظروف الحياة ما تسمح لك أنك تنتظر إذا ًالشيخ أكثر منك شغل لا تظن الشيخ فاضي بعد لا شغل له أكثر منك شغل، المقصود أن في مثل هذه المواقف لابد من الصبر والشيخ إذا اضجر ما أعطى بشر  "{وَلَوْ أَنَّهُم صَبَرُوا حَتَّى تَخْرَجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لمن تاب منهم" وغفور رحيم لكل من تاب إليه وأناب وأتى بالتوبة النصوح بشروطها المعروفة عند أهل العلم بأن يقلع عن الذنب فورًا ويعزم أن لا يعود ويندم على مات مخلصًا في ذلك لله –جل وعلا- ، نشوف هذه الأسئلة التي جاءت من الخارج من الإمارات.

يقول: سؤالي من كان في مجلس يتلى فيه أحاديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- وانشغل بالتحدث في أمور الدنيا فهل هذا يعتبر من رفع الصوت على النبي –عليه الصلاة والسلام- ؟

أولاً أهل العلم يرون أن رفع الصوت بحضرته في حياته –عليه الصلاة والسلام- هذا هو الأصل في النص، وأجروا ذلك أيضًا بعد وفاته –عليه الصلاة والسلام- بأن لا يرفع الصوت قرب قبره –عليه الصلاة والسلام- وسمع عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- من يرفع.. رجلين يرفعان أصواتهما بحضرة.. بقرب قبره –عليه السلاة والسلام- فسألهما أمن أهل المدينة هما أم لا؟ فأخبرا أنهما ليسا من أهل المدينة، فقال: لو كنتم من أهل المدينة لأوجعتكما ضربًا. فهذا أيضًا بقربه –عليه الصلاة السلام- لا ينبغي رفع الصوت، والإمام مالك –رحمه الله- يرى أنه في مجلس التحديث لا ينبغي أن يرفع الصوت فوق صوت المحدث لأن المحدث يتكلم بكلام النبي –عليه الصلاة والسلام- فصوته الذي يؤدى بها كلام النبي –عليه الصلاة والسلام- بمنزلة صوت النبي –عليه الصلاة والسلام- فعلى هذا ينبغي لطالب العلم أن يتأدب فلا يرفع الصوت خلال أو أثناء قراءة الحديث ونكتفي بهذا والله أعلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.

"