شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (223)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في باب حفظ العلم في حديث أبي هريرة في أطراف الحديث، أسلفتم ذكر ثلاثة مواضع لهذا الحديث، بقي ثلاثة أخرى، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم عليه.

 أما بعد،

 فالموضع الرابع: من مواضع تخريج الإمام البخاري لهذا الحديث في كتاب الحرث والمزارعة، في باب ما جاء في الغرس، قال -رحمه الله-: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «يقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث، والله الموعد» «يقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث والله الموعد»، يفهم من هذا أنه.

المقدم:......

نعم؛ لأن مسألة كثرة الحديث أو الوصف بكثرة الحديث، تحتمل أمرين.

 المقدم: إما المدح أو التهمة.

 نعم إما المدح، وإما أنه يتهم، وحاشا أبا هريرة -رضي الله عنه وأرضاه-، لكنه فهم من ذلك أنه يتهمونه، يعني مثل ما جاء في حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- في حديث اقتناء الكلب، المأذون باقتنائه، في حديث أبي هريرة زيادة أو زرع، قال ابن عمر: وكان صاحب زرع، يعني بعض الناس يفهم من هذا أن أبا هريرة ذكر هذا؛ لأنه صاحب زرع، ويحتاج إلى كلب الزرع، ولو لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإنما قاله إما من باب القياس أو من باب أن كلب الحراسة يشمل، لكن الحراسة أصلها مأخوذة من كلب الزرع، وابن عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- يريد أن يبين أن أبا هريرة حفظ هذه اللفظة، ولم يحفظها غيره؛ للاهتمام بها والعناية بشأنها، هو مهتم بهذه اللفظة؛ لأنه محتاج إليها، بينما الذي لا يحتاج إلى الشيء قد لا، قد يغيب عن باله.

 فقوله: «والله الموعد» لأن هذه اللفظة تحتمل المدح والقدح، نعم فالله الموعد يعني يبين أنه متأكد مما يرويه، ويتدين بذلك، ويرجو ثوابه من الله -جلا وعلا-، ويقولون: «ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه؟ وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم»، الترجمة الحرث والمزارعة، باب ما جاء في الغرس، قال ابن حجر: وغرضه منه هنا قوله: «وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم» فإن المراد بالعمل الشغل في الأراضي بالزراعة والغرس على ما تقدم.

والموضع الخامس: في كتاب المناقب بابٌ بغير ترجمة، وهذا الباب تالٍ لباب سؤال المشركين أن يريهم النبي -صلى الله عليه وسلم- آية فأراهم انشقاق القمر؛ لأنه تقرر مرارًا، أقول: قررنا مرارًا تبعًا لأهل العلم في الشروح أن الباب إذا كان بغير ترجمة فهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله، فلا بد من ذكر الباب الذي قبله؛ لنرى ما الرابط بين الحديث والترجمة السابقة، الباب السابق سؤال المشركين أن يريهم النبي -صلى الله عليه وسلم- آية، فأراهم انشقاق القمر.

 قال -رحمه الله-: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا بن أبي الفديك عن بن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: «قلت: يا رسول الله، إني سمعت منك حديثًا كثيرًا فأنساه. قال: ابسط رداءك فبسطته فغرف بيديه، ثم قال: ضمه، فضممته فما نسيت حديثًا بعدُ»، قال ابن حجر: باب كذا في الأصول بغير ترجمة، وكان من حقه أن يكون قبل البابين اللذين قبله؛ لأنه ملحق بعلامات النبوة، قوله: وكان من حقه أن يكون قبل البابين اللذين قبله، نحتاج إلى ذكر البابين، الباب الذي قبله مباشرة باب سؤال المشركين أن يريهم النبي -صلى الله عليه وسلم- آية فأراهم انشقاق القمر، والذي قبله باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146]، الآن الحديث علاقته المترجم عليه بباب بغير ترجمة حديث الباب حديث أبي هريرة، علاقته بالترجمة التي قبله مباشرة أو بالتي قبلها؟

 المقدم: بالذي قبله مباشرة.

 الذي قبله مباشرة باب سؤال المشركين أن يريهم النبي -صلي الله عليه وسلم- آية فأراهم انشقاق القمر.

 المقدم: فيه علاقة بما بعدها الذي هو آية بسط الرداء.

 لا نحن ما نتحدث.. باعتبارهما حديثًا واحدًا؟

المقدم: نعم.

باعتبارهما حديثًا واحدًا؟ لكن ما.. الباب الذي قبله باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} [البقرة:146]، وأبو هريرة ما الذي جعله يحدث؟ {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} [البقرة:159].

 المقدم: لولا الآية نعم.

 نعم فعلاقته بهذا مع أن ابن حجر يقول: علاقته ليست بهذا ولا بهذا، الأصل أن يكون قبل هذين البابين، يقول ابن حجر: وكان من حقه أن يكون قبل البابين اللذين قبله؛ لأنه ملحق بعلامات النبوة، فيه أعلام من أعلام النبوة على ما سيأتي، وهو كالفصل منها، كالفصل من علامات النبوة، لكن لما كان كلٌّ من البابين راجع إلى الذي قبله، وعلامات النبوة سهل الأمر في ذلك.

 والموضع السادس: في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الحجة على من قال: إن أحكام النبي-صلى الله عليه وسلم- كانت ظاهرة، وما كان يغيب بعضهم عن مشاهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمور الإسلام، الكتاب كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، والباب باب الحجة على من قال: إن أحكام النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت ظاهرة، ما مفاده؟

الأخ الحاضر:......

نعم ظاهرة للجميع، كلٌّ يسمع كلٌّ يفهم، والناس فيه على حد سواء، يعني ظهورها بحيث تكون لدى الخاص والعام على حد سواء، وأبو هريرة يقول: إنه كان يحضر ويلزم، وغيره يشتغل، وما كان يغيب بعضهم عن مشاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمور الإسلام قال: حدثنا علي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا الزهري أنه سمع من الأعرج يقول: أخبرني أبو هريرة قال: «إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله الموعد، إني كنت امرأً مسكينًا ألزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على ملئ بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فشهدت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم» إلى آخره، والمناسبة ظاهرة، حيث كان يشهد النبي -عليه الصلاة والسلام- في حين أن المهاجرين والأنصار يغيبون عن مشاهده -عليه الصلاة والسلام-؛ للزراعة والتجارة.

 والحديث مخرج في صحيح مسلم، فهو متفق عليه.

 

المقدم: قال -رحمه الله تعالى-: وعنه -رضي الله عنه- قال: «قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثًا كثيرًا أنساه قال: ابسط رداءك، فبسطته فغرف بيديه ثم قال: ضمه، فضممته، فما نسيت شيئًا بعده».

راوي هذا الحديث هو صاحب الشأن والقصة وحافظ الأمة أبو هريرة الدوسي مر ذكره مرارًا

 وهذا الحديث في ضمن الترجمة السابقة، باب حفظ العلم، بل هو جزء من الحديث السابق، ولذلك جعل من أطرافه، وجمع بينهما كما في الموضع الثالث من مواضع تخريجه عند الإمام البخاري، وتقدمت الإشارة إلى ذلك.

 ومناسبة الحديث للترجمة ظاهرة، حيث نفى أبو هريرة النسيان بعد بسط ردائه، وهذا هو الحفظ بعينه، نعم إذا انتفى النسيان ثبت الحفظ، وقال العيني: مطابقة هذا الحديث للترجمة بطريق الالتزام، والحديث الماضي بطريق المطابقة، في الحديث الماضي يقول: ويحفظ ما لا يحفظون، والترجمة باب حفظ العلم هذا بالمطابقة، والحديث الثاني حينما نفى النسيان «فما نسيت» هذا من باب الالتزام، من لازم عدم النسيان الحفظ.

 والحديث الثالث وهو أيضًا لأبي هريرة الذي يليه، يقول العيني: يدل على أنه لم يحدث بجميع محفوظه، ودلالته على الترجمة بالمطابقة يدل على أن عنده حفظًا كثيرًا للعلم، فلم يحدث به؛ لعدم تعينه عليه على ما سيأتي.

 عندنا دلالة التزام ودلالة مطابقة، والدلالة الثالثة من أنواع الدلالات التضمن، أنواع الدلالات كما يقول أهل العلم: ثلاث، مطابقة كدلالة القلم على جميع أجزائه، إذا قلت: قلم.

المقدم: يدل على كل.

 يدل على جميع أجزائه، يدل على الغطاء الأعلى والأسفل، والريشة التي يكتب بها.

المقدم: والحبر بداخله.

 ومخزن الحبر وغيره، هذا قلم، بجميع محتوياته تكون الدلالة مطابقة، وتضمن دلالة القلم على بعض أجزائه كالغطاء مثلاً، إذا قلت: قلم معناه أن فيه غطاءً، هذا إذا كان مما يحتاج إلى غطاء، ودلالة الالتزام إذا قلت: قلم دل على أن له صانعًا، دلالة القلم على صانعه هذه دلالة التزام، قوله: «قلت يا رسول الله»، ويروى: «قلت: لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-» كذا في الكرماني، وهي رواية ابن عساكر كما في شرح القسطلاني.

 «إني أسمع منك»؛ السماع هو الأصل في الرواية، وهو أعلى طرق التحمل؛ لأن طرق التحمل عند أهل العلم ثمانٍ، السماع من لفظ الشيخ وهو أعلاها، وهو الموجود عندنا الآن، إني أسمع منك، والقراءة على الشيخ الذي يسمونه العرض، والإجازة، والمناولة، والوصية، والإعلام، والوجادة، السماع من لفظ الشيخ، والقراءة على الشيخ الذي هو العرض، والإجازة، والمناولة، والمكاتبة، والوصية والإعلام، والوجادة، طرق التحمل ثمانٍ، وأعلاها السماع من لفظ الشيخ، وهو الأصل، الأصل أن الشيخ يحدث والتلميذ يتلقى، ويقول أبو هريرة: «إني أسمع منك»، والسماع من لفظ الشيخ هو أعلى طرق التحمل، وأعلاه أعلى ما في السماع من لفظ الشيخ كما يقرر أهل العلم، أعلى ما فيه الإملاء، كون الشيخ يملي إملاءً لا يحدث من حفظه؛ لأن الضبط في حال الإملاء وحضور الذهن عند كل من الشيخ والطالب أكثر منه في حال...

 المقدم: التحديث المجرد.

 التحديث من الحفظ، هذا بالنسبة لغيره -عليه الصلاة والسلام-.

حديثًا كثيرًا موصوف وصفته، حديث موصوف، وكثيرًا صفته؛ لأن الحديث باعتباره كونه اسم جنس يطلق على القليل والكثير، أنساه صفة أخرى، والنسيان جهلٌ بعد العلم، والنسيان جهلٌ بعد العلم، والفرق بينه وبين السهو أنه زوال عن الحافظة والمدركة، والسهو: زوال عن الحافظة فقط، النسيان يعني محو بالكلية، والسهو زوالٌ عن الحافظة، لكن مع بقائه في المدركة، القوة المدركة في ذهن الإنسان؛ لأن عندك حافظة قريبة، وقوة مدركة وراء هذه الحافظة، إذا ضُبط في الحافظة، والمدركة هذا يسمى نسيانًا أو سهوًا أو ضبطًا وإتقانًا، يعني لا هذا ولا هذا، لكن إذا عزب عن الحافظة، وبقي في المدركة يسمى سهوًا؛ لأنه مجرد ما ينبه يتذكر، لكن إذا نسي..؟

المقدم: نسيان.

 هذا نسيان زوال عن الاثنتين عن الحافظة والمدركة خلاص ما يتذكر، لكن أي إنسان ما يعرض له مثل هذا؟

 المقدم: بلى.

 نعم يقال: هل تعرف فلانًا؟ يقول: لا أعرفه، ثم يذكر به الذي حضر في المجلس الفلاني، والذي من صفته كذا ما يتذكر.

 المقدم: فإذا رآه؟

 لا إلى هذا الحد، إلى هذا الحد ما يتذكر، فمثل هذا نسيان عزب عن الحافظة والمدركة، لكن إذا قيل: تعرف فلانًا؟ قال: والله ما أعرف، ثم قيل: الذي رأيناه في المكان الفلاني قال: نعم، أعرفه، هذا يسمى سهوًا وليس بنسيان؛ لأنه عزب عن الحافظة، وبقي في المدركة، هذا الفرق بينهما عندهم، ثم السهو والخطأ إما أن يتنبه صاحبه بأدنى تنبيه، والخطأ لا يتنبه له، يعني السهو يتنبه له، والخطأ لا يتنبه له يستمر عليه، قاله الكرماني، ونقله عنه العيني.

 وقال العيني: ويقال المأتي به إن كان على جهة ما ينبغي فهو الصواب، وإن كان لا على ما ينبغي ينظر، فإن كان مع قصد من الآتي به يسمى الغلط، يعني يقصد أن يتكلم بهذا الكلام المخالف للصواب، هذا غلط، خطأ، هذا غلط، يخرج منه غير المقصود، وهو سبق اللسان مثلاً، وإن كان من غير قصد منه فإن كان يتنبه بأيسر تنبيه فهو السهو وإلا فهو الخطأ، والنسيان حالة تعتري الإنسان من غير اختياره توجب غفلته عن الحفظ، والغفلة ترك الالتفات؛ بسبب أمر عارض، الغفلة ترك الالتفات بسبب أمر عارض، وعلى كلِّ حال النسيان والغفلة من القوادح في الراوي، لكن إذا كثر وفحش، أما مجرد وجود الأصل وجود النسيان والغفلة فهذا لا ينفك منه أحد.

 قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة: وفي رواية فقال: «ابسط رداءك» في المصباح: «بسط الرجل الثوب بسطًا، وبسط يده مدها منشورة، وبسطها في الإنفاق جاوز القصد، وبسط الله الرزق كثره، ووسعه، والبساط معروف، وهو فعال بمعنى مفعول» يعني البساط بمعنى مبسوط مثله كتاب بمعني مكتوب، وفراش بمعنى مفروش، ونحو ذلك، والجمع بسط، والبسطة السعة، والبسيطة الأرض، والرداء بالمد ما يرتدى به مذكر، يعني يقابله الإزار، فالرداء يغطي أعلى البدن، والإزار يغطي أسفل البدن، ولا يجوز تأنيثه، قاله ابن الأنبارى، والتثنية رداءان بالهمز، وربما قلبت الهمزة واوًا فقيل: رداوان، والجمع أردية مثل سلاح وأسلحة.

 فبسطته قال العيني: عطفٌ على ابسِط، ابسط فبسطته، يقول العيني: هو عطف على ابسِط.

 المقدم: ابسِط أم ابسُط الأصح يا شيخ بضم السين؟

 بسط مثل كتب، يعني اكتُب ابسُط، تراجع هذه ما تحتاج إلى ضبط، وينظر ميزانها الصرفي، وعطف الخبر على الإنشاء فيه خلاف، بسطته خبر، وابسط إنشاء لأنه أمر، عطف الخبر على الإنشاء فيه خلاف، والذي يمنع عطف الخبر على الإنشاء يقدر، لما قال له: «ابسط رداءك» امتثلت أمره فبسطته، فبسطته معطوفٌ على المقدر امتثلت أمره.

 قال أي أبو هريرة: «فغرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» قال ابن حجر: لم يذكر المغروف منه، وكأنها كانت إشارة محضة، يعني ما فيه شيء يغرف منه، بالهواء من الهواء غرف، إشارة محضة، بيديه كلتيهما، وفي بعض بيده، قال القسطلاني: من فيض فضل الله، فجعل الحفظ كالشيء الذي يغرف منه، ورمى به في ردائه، ومثل بذلك في عالم الحس، يعني ما اكتفى بالكلام مثل به غرف بيديه، ولا شك أن في هذا معجزة، معجزة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك أدخل الحديث في علامات النبوة كما تقدم في أطرافه، ثم قال -عليه الصلاة والسلام- لأبي هريرة: «ضُمّهُ» لفظة ضمه الميم ماذا عليها عندك؟

 المقدم: مشددة ومفتوحة.

 طيب، وفيها كلام كثير لأهل العلم، بالهاء مع ضم الميم تبعًا للضاد وفتحها، مع ضم الميم ضُمُّهُ وهي إما تبع للضاد، أو تبع للهاء على الخلاف الذي يأتي بين العيني وابن حجر، مع ضم الميم تبعًا للضاد وفتحها، وهي رواية أبي ذر يعني بالهاء ضمه؛ لأن الفتح أخف الحركات، ويجوز كسرها، الأصل أنها ساكنة، لكن هل يمكن أن ينطق بها ساكنة؟

المقدم: صعب.

 إلا إذا فك الإدغام، وهنا لا يأتي، لا يمكن فكه؛ لأن الحرف المشدد عبارة عن حرفين أولهما ساكن، لو قيل: اضممه كان الفعل ساكنًا، وهذا الأصل في الأمر أنه يبنى على ما يجزم به مضارعه، والمضارع يجزم بالسكون، هنا أدغم، أدغمت الميم في الميم؟ فاحتيج إلى التحريك، احتيج إلى التحريك، والساكن إذا حرك إما أن يحرك بالاتباع للحرف الذي قبله، أو بعده، وهو هنا مرفوع كلاهما مرفوع، أو يحرك بالفتح ضُمه، أو يحرك بالكسر؛ لأن الساكن إذا حرك، حرك بالكسر، إذا حرك الساكن من الأفعال يحرك بإيش؟ يرفع اللهُ، يرفع اللهُ بالكسر، والأصل أن الكسر لا يدخل الأفعال؛ لأن القارئ أو الناظر إذا رأى الفعل مكسورًا عرف أنه مجزوم؛ لأنه لو كان عرف أنه ساكن؛ لأنه لو كان مرفوعًا ما فيه ما يمنع من رفعه لرفع، ولو كان منصوبًا ما فيه ما يمنع من نصبه، فلما حرك بحركة لا تناسب الفعل عرف أنه ساكن، ولذلك يحركون الساكن مع الوصل بالكسر، يرفع الله، متى أضع العمامة؟ نعم يحركونه بالكسر، لكن كيف يأتي مثل هذا؟

 ضمهِ ضمهِ كذا؟ هم يريدون هذا، إذا حُرك حرك بالكسر وفك الإدغام فيصير اضممه، وفك الإدغام.. يعني بفك الإدغام، يعني بالضم والفتح والكسر، وفك الإدغام، فيصير اضممه، والهاء فيه ترجع إلى الحديث، كذا في القسطلاني، وفي فتح الباري: ضم، نعم بدون هاء، وللكشميهني والباقين ضمه، وهو بالفتح ويجوز ضمها وقيل: يتعين لأجل ضمة الهاء ويجوز كسرها لكن مع إسكان الهاء، وكسرها، ومثل هذا التركيب من المواضع المشكلة، ويكثر فيها الكلام جدًّا لأهل العلم، ويأتي هذا في الأمر كما هنا ويأتي في المضارع المجزوم، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم»، فيحتاج إلي مزيد من البسط.

المقدم: نرجئ هذا البسط إن أذنتم إن شاء الله في الحلقة القادمة.

 أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلي ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا يتجدد بكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب المتابعة، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.