التعليق على شرح علل الترمذي لابن رجب (01)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.

 

قال أبو عيسى الترمذي –رحمه الله- : "وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان والتثبت عند السماع، مع أنه لم يسلم من الخطأ والغلط كبير من أحد الأئمة مع حفظهم."

بلا شك، من يعرى من الخطأ والنسيان، الإمام مالك نجم السنن حُفظت عليه أخطاء وأوهام، المسألة مفترضة في الإمام الحافظ الضابط المتقن، لكن ليس الافتراض يصل إلى حد العصمة؛ لأنه كما قال الإمام أحمد: ومن يعرى من الخطأ والنسيان. لا يمكن أن يسلم أحد، هذه طبيعة البشر، لكن العبرة بالقلة والكثرة.

طالب: "حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع قال: قال لي إبراهيم النخعي: إذا حدثتني فحدثني عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، فإنه حدثني مرة بحديث، ثم سألته بعد ذلك بسنين فلم يخرم منه حرفًا. حدثنا أبو حفص عمرو بن علي."

نعم ضابط أبو زرعة عمرو بن جرير البجلي يروي عن أبي هريرة، ويروي عنه عُمارة القعقاع وغيره، المقصود أنه ضابط ومتقن ومن رجال الصحيح  ممن جاز القنطرة.

طالب: "قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان عن منصور قال: قلت لإبراهيم النخعي: ما لسالم بن أبي الجعد أتم حديثًا منك؟ قال: لأنه كان يكتب."

لا شك أن ضبط الكتاب أوثق وأتقن الكتاب لا يتغير مع السنين، بخلاف ضبط الحفظ الذي يطرأ عليه ما يطرأ، وإن كان الناس يتفاوتون في هذا، والأصل في الحفظ حفظ الصدر، ولذا أنكر أبو حنيفة ومالك فيما يروى عنهما الرواية من الكتاب، قالا: لا بد أن يكون من محفوظه. ولا شك أن هذا قول فيه تشديد، ولذا لم يعتدَّ به عند أهل العلم، لكن ضبط الكتاب إن لم يكن فوق ضبط الصدر فليس دونه.

"حدثنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان بن عيينة قال: قال عبد الملك بن عمير: إني لأحدث بالحديث فما أدع منه حرفًا. حدثنا الحسين بن محمد البصري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة: ما سمعت أذناي شيئًا قط إلا وعاه قلبي.

حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: ما رأيت أحدًا أنص للحديث من الزهري."

أنص الحديث يعني يأتي به بتمامه بحروفه، ولا يوجد من يقاربه ويدانيه على هذا الكلام.

"أخبرنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا سفيان بن عيينة قال: قال أيوب السختياني: ما علمت أحدًا كان أعلم بحديث أهل المدينة بعد الزهري من يحيى بن أبي كثير."

يحيى بن أبي كثير من الحفاظ المتقنين المعروفين بقوة الحفظ والضبط والإتقان، وهو الذي يقول: لا يُستطاع العلم براحة الجسم. كما في صحيح مسلم عنه، ولذا الذي يمنّي نفسه بتحصيل العلم الشرعي من الكتاب والسنة وما يخدمهما معتمدًا على الوسائل ومعتمدًا على غيره في تحصيله لا يمكن، فالعلم متين رُتب عليه الثواب الجزيل، لابد فيه من التعب، لا بد من سهر الليالي، ولا بد من ظماء الهواجر، ولا بد من هجر الأصحاب والأحباب لتحصيله، أما الشخص الذي يتكئ على أريكته، وكل يوم له مع شلة ومرتب أموره كل ليلة مع ناس، طلعات واستراحات ووناسات لا يمكن، لا يُستطاع العلم براحة الجسم، ويقول: لماذا أشقي نفسي؟ أضغط زرًّا ويطلع لي ما أريد، لا لا لا يمكن، إذاً لا فرق بين العالم والعامي بـوجه من الوجوه، العامي يعرف تشغيل الآلات.

طالب: "حدثنا محمد بن إسماعيل: حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد قال: كان ابن عون يحدث، فإذا حدثته عن أيوب بخلافه تركه. فأقول: قد سمعته! فيقول: إن أيوب أعلمنا بحديث محمد بن سيرين.

أخبرنا أبو بكر بن علي بن عبد الله قال: قلت ليحيى بن سعيد: أيهما أثبت: هشام الدستوائي أو مسعر؟ قال: ما رأيت مثل مسعر، كان مسعر أثبت الناس.

حدثنا أبو بكر عبد القدوس بن محمد قال: وحدثنا أبو الوليد قال: سمعت حماد بن زيد يقول: ما خالفني شعبة في شيء إلا تركته."

نعم، ثقة بالحفاظ المتقنين الضابطين الذي يتهم نفسه؛ لما يعرف من القصور فيه، هذه هي الديانة بخلاف من ينبه على خطئه فيصر ولا ينثني عن خطئه، مثل هذا ينبغي أن يرد حديثه.

"قال أبو بكر: حدثني أبو الوليد قال: قال لي حمادة بن سلمة: إن أردت الحديث فعليك بشعبة. حدثنا عبد بن حميد حدثنا أبو داود قال: قال شعبة: ما رويت عن رجل حديثًا إلا أتيته أكثر من مرة."

ليتثبت.

"والذي رويت عنه عشرة حاديث أتيته أكثر من عشر مرار، والذي رويت عنه خمسين حديثًا أتيته أكثر من خمسين مرة. والذي رويت عنه مائةً، أتيته أكثر من مائة مرة !! إلا حيان البارقي، فإني سمعت منه هذه الأحاديث، ثم عدت إليه فوجدته قد مات."

الله المستعان.

"حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن أبي الأسود أخبرنا ابن مهدي قال: سمعت سفيان يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث.

حدثنا أبو بكر عن علي بن عبد الله قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ليس أحد أحب إلي من شعبة، ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان."

هما جبلان في الحفظ والضبط والاتقان، لكن سفيان يضم إلى هذا الضبط والحفظ والاتقان الفقهَ، ولا شك أن حديثًا يتداوله فقيه مع حفظه وضبطه وإتقانه أولى من حديث يتداوله شيخ، وإن كان حافظًا ضابطًا.

"قال علي: قلت ليحيى: أيهما كان أحفظ للأحاديث الطوال: سفيان أو شعبة؟ قال: كان شعبة أمر فيها، قال يحيى: وكان شعبة أعلم بالرجال فلان عن فلان، وكان سفيان صاحب أبواب.

طالب: ما المقصود شيخنا بصاحب أبواب؟"

ما معنى صاحب أبواب؟

طالب: .......................

كيف؟

طالب: .......................

نعم يحفظ ويعتني بأحاديث الأبواب التي يمكن أن تُصنّف على الأبواب الفقهية وشبهها، المقصود أنه صاحب فقه، هو إمام، أحد الأئمة الستة المعتبرين، كان له مذهب متبوع انقرض على رأس ثلاث مائة.

طالب: .......................

يعني أسرع سردًا.

"حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال: سمعت وكيعًا يقول: قال شعبة: سفيان الثوري أحفظ مني، ما حدثني سفيان عن شيخ بشيء فسألته إلا وجدته كما حدثني.

حدثنا عمرو بن علي قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: الأئمة في الحديث أربعة: سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وحماد بن زيد.

قال أبو عيسى: سمعت إسحاق بن موسى الأنصاري قال: سمعت معن بن عيسى القزاز يقول: كان مالك بن أنس يشدد في حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الباء والتاء ونحوهما."

هذا من شدة تحريه وضبطه واتقانه.

"أخبرنا أبو موسى حدثني إبراهيم بن عبد الله بن قريم الأنصاري قاضي المدينة قال: مر مالك بن أنس على أبي حازم وهو جالس فجازه، فقيل له، قال: إني لم أجد موضعًا أجلس فيه، وكرهت أن آخذ حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأنا قائم.

أخبرنا أبو بكر عن علي بن عبد الله قال: قال يحيى بن سعيد: مالك عن سعيد بن المسيب أحب إلي."

طالب: ......................

كيف؟

طالب: ...................

نعم، الله المستعان.

"مالك عن سعيد بن المسيب أحب إلي من سفيان الثوري عن إبراهيم النخعي.

قال يحيى: ما في القوم أحد أصح حديثًا من مالك بن أنس، كان مالك إماماً في الحديث. سمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان.

قال أحمد بن الحسن: وسئل أحمد بن حنبل عن وكيع وعبد الرحمن بن مهدي؟ قال أحمد: وكيع أكبر في القلب، وعبد الرحمن إمام.

سمعت محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان الثقفي البصري يقول: سمعت علي بن المديني يقول:"

نعم؟ لحظة لحظة.

طالب: .........................

ابن مهدي؟

طالب ..........................

نعم، يختلف الاجتهاد، ويتأثر الإنسان بما يسمع، يمكن في وقت من الأوقات مر عليه أحاديث كثيرة ما حصل فيها خطأ، لهذا قدمه، ومرة بالعكس على كل اجتهاد قابل للاختلاف.

طالب: ........................

أعد أعد يا محمد، أحمد بن حنبل

"قال أحمد بن الحسن: وسئل أحمد بن حنبل عن وكيع وعبد الرحمن بن مهدي؟ قال أحمد: وكيع أكبر في القلب، وعبد الرحمن إمام."

أكبر يعني أجل في القلب وأعظم، لكن عبد الرحمن بن مهدي إمام فـ..

أليس من العبارات المشكلة هذه يا شيخ؟

ماذا تحمل عليه؟

طالب: كيف تحمل؟ يعني ما معنى الأكبر هل الأفضل؟

يعني أعظم جلالة وقدرًا وكذا، لكن عبد الرحمن إمام في الحفظ والإتقان، تظنها مثل جواب الإمام مالك؟ لما سئل أمرني أبي، فنهتني أمي؟ قال: أطع أباك ولا تعصِ أمك. يمكن هذا؟ يمكن؟

طالب: لعله يمكن من الحيلة يا شيخ.

كيف من الحيلة؟

طالب: كذب و.....

أعوذ بالله الكذب كذب ! نسأل الله العافية.

طالب: أجل كيف تجيء يا شيخ؟ ما تجيء..

"سمعت محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان الثقفي البصري يقول: سمعت علي بن المديني يقول: لو حلفت بين الركن والمقام – لحلفت أني لم أر أحدًا أعلم من عبد الرحمن بن مهدي. قال أبو عيسى: والكلام في هذا والرواية عن أهل العلم يكثر، وإنما بينا شيئًا منه على الاختصار؛ ليستدل به على منازل أهل العلم وتفاضل بعضهم على بعض في الحفظ والإتقان، ومن تكلم فيه من أهل العلم لأي شيء تكلم فيه."

قال الشارح –رحمه الله- : "قد ذكرنا فيما تقدم أن الرواة ينقسمون أربعة أقسام:

أحدها: من يتهم بالكذب.

والثاني: من لا يتهم لكن الغالب على حديثه الوهم والغلط. وأن هذين القسمين يترك تخريج حديثهم إلا لمجرد معرفته.

والثالث: من هو صادق ويكثر في حديثه الوهم ولا يغلب عليه. وقد ذكرنا الاختلاف في الرواية عَنهُ وتركه.

والرابع: الحفاظ الذي يندر أو يقل الغلط والخطأ في حديثهم، وهذا هو القسم المحتج به بالاتفاق. وقد ذكر الترمذي حكم الأقسام الثلاثة فيما تقدم، وذكر هاهنا: حكم القسم الرابع وهم الحفاظ المتقنون الذين يقل خطؤهم، وذكر أنه لم يسلم من الغلط والخطأ.."

يكفي قف على القسم الرابع.