شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (257)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

في بداية حلقتنا نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال -رحمه الله تعالى-: عن علي -رضي الله عنه- قال: «كنت رجلًا مذاءً، فأمرت المقداد أن يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله فقال: فيه الوضوء».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فراوي الحديث أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- وزوج ابنته، من السابقين الأولين، رجح جمعٌ أنه أول من أسلم، وهو أحد العشرة، مات في رمضان سنة أربعين، وهو يومئذٍ أفضل الأحياء من بني آدم بإجماع أهل السنة، وله ثلاث وستون سنة على الأرجح.

 وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال، يقول العيني: أي هذا بابٌ في بيان الشخص الذي استحيا من العالِم أن يسأل عنه بنفسه، فأمر غيره بالسؤال عنه، ووجه المناسبة بين البابين هذا الباب باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال، والباب الذي قبله باب الحياء في العلم، وجه المناسبة ظاهر؛ لأن كلًّا منهما مشتمل على الحياء، في الباب السابق تقول أم سلمة: أولًا: يقول مجاهد: لا يتعلم العلم مستحيٍ ولا مستكبر، وقالت عائشة نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.

وأيضًا في حديث أم سلمة قالت: «جاءت أم سليم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسلٍ إذا احتلمت».

وعلي -رضي الله تعالى عنه- استحيا أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- بنفسه، فأمر المقداد، أم سليم لم تستحِ من السؤال؛ لأن الله لا يستحي من الحق، وعلي -رضي الله تعالى عنه- استحى فأمر المقداد، لكن هذا الحياء لم يمنعه من السؤال سواء كان بنفسه أو بواسطة غيره.

المقصود أن الحكم الشرعي لا يُستحيا منه سواء توصل الإنسان إليه بنفسه أو توصل إليه بواسطة غيره، فالحياء لا يمنع من هذا.

المقدم: ثم استحياء علي-رضي الله عنه- لقضية بسيطة، لمكان ابنته منه.

من أجل المصاهرة كما سيأتي.

مطابقة الحديث للترجمة ظاهر باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال، الحديث «كنت رجلًا مذاءً، فأمرت المقداد أن يسأل»، فأمر غيره، أمر المقداد أن يسأل.

قول: «كنت رجلًا»، رجلًا خبر كان، و«مذاءً» بالنصب صفته، وهو على وزن فعال بالتشديد للمبالغة في كثرة المذي. وقد مذا الرجل يمذي من باب ضرب يضرب كذا في عمدة القاري، وقال الكرماني: المذي ماءٌ رقيقٌ يخرج عند الملاعبة والتقبيل لا بشهوة، ولا تدفق، ولا يعقبه فتور، وربما لا يُحس بخروجه.

قال: وهو في النساء أكثر منه في الرجال.

وفي ( المذْي ) سكون الذال وكسرها (المَذْي والمَذِيّ) مع تشديد الياء وتخفيفها، والأولان مشهوران، وأولهما أفصحهما وأشهرهما سكون الذال (مذْيُ). والودي ماءٌ يخرج بعد البول، ويكون من البرودة، انتهى من شرح الكرماني.

يقول: «فأمرت المِقْداد» (بكسر الميم وسكون القاف) وبالمهملتين ابن عمرو بن ثعلبة البهراني الكندي، ويقال له: (ابن الأسود)، هو المقداد بن عمرو، يقال له: ابن الأسود، واشتهر بهذا الانتساب؛ لأن الأسود بن عبد يغوث رباه أو تبناه أو حالفه أو تزوج بأمهِ، المقصود له به رابطة قوية فنسب إليه. ويقال له: الكندي؛ لأنه أصاب دمًا في بهران، فهرب منهم إلى كندة، فحالفهم، ثم أصاب منهم دمًا، فهرب منهم إلى مكة فحالف الأسود.

وهو قديم الصحبة من السابقين في الإسلام، قيل: إنه سادس ستة شهد بدرًا، مات قريب المدينة، وحُمل على رقاب الرجال إليها سنة ثلاثة وثلاثين في خلافة عثمان.

الآن أصله من بهران، أصاب فيهم دمًا فهرب منهم إلى كندة، فيقال: بهراني باعتبار الأصل.

المقدم: والكندي.

والكندي باعتبار أنه آل أمره إليهم، ثم هرب إلى مكة فحالف الأسود بن عبد يغوث.

على كل حال كل هذا كان قبل إسلامه. هذه القضايا قبل إسلامه. وعلى هذا هل هو مولى أم عربي؟ هو مولى؛ لأنه كندي بالولاء، وانتسابه إلى الأسود أيضًا بالولاء، ولذلك ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- على حديث ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بنت عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب.

المقدم: باب الأكفاء.

باب الأكفاء في الدين؛ لأنها كانت تحت المقداد، والمقداد مولى، فالكفاءة في الدين.

يقول: أن يسأل النبي-صلى الله عليه وسلم«فأمرت المقداد أن يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله»، فسأله عن أي شيء؟

عن حكم المذي، وهل يوجب الوضوء؟ يقول: سألته الشيء، وسألته عن الشيء سؤالًا، يعني سأل يتعدى بنفسه سألته الشيء، سألته المال، سألته المسألة، يتعدى بنفسه، ويتعدى بعن. سألته عن...

المقدم: عن المسألة.

سألته عن الشيء سؤالًا. {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}[المعارج:1].

المقدم: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}[المعارج:1].

يتعدى بالباء أو لا يتعدى....؟

المقدم: هنا مقدرة..

يعني الباء بمعنى عن. هل نستطيع أن نقول: سأل في الآية متعدية بنفسها ونقول الباء زائدة؟

لا يمكن، لماذا؟ لأنهم لا يسألون العذاب، سأل سائل عذابًا واقعًا ما يمكن، وإن كانوا استعجلوا العذاب، لكن السائل يسأل عن العذاب، فقالوا: إن (الباء) هذه بمعنى عن، والحروف ينوب بعضها عن بعض. على طريقة شيخ الإسلام -رحمه الله- وهو أن تضمين الأفعال أولى من تضمين الحروف. فنأتي فنضمن سأل فعلًا يتعدى بالباء. كيف نضمن سأل معنى فعل يتعدى بالباء؟ كيف نقول: نأتي ببديل عن سأل يمكن أن يتعدى بالباء؛ ليكون كلام شيخ الإسلام مطردًا؟ يعنى {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ"} [سورة طه 71].

الذين يقولون: إن تقارض الحروف وتضمين الحرف معنى حرف آخر يقولون: أصلبنكم في جذوع على جذوع النخل، وينتهي الإشكال عندها، ولكن على رأي شيخ الإسلام..؟

المقدم: يضمن صلب معنى فعل آخر.

ولأدخلنكم في جذوع النخل، وهذا مبالغة في النكاية، كأنهم يريدون من شدة صلبهم وربطهم على هذه الجذوع أنهم دخلوا فيها من شدة الربط، وهذا ممكن، لكن هنا؟ هو يبقى أن كلام شيخ الإسلام أغلبي، وليس بكلي؛ لأنه في الغالب والأولى أن يضمن الفعل، ولا يضمن الحرف، إذا أمكن ذلك، وإلا تضمين الحرف معروف حتى عند أئمة اللغة.

 «كنت» وفى رواية عند الشيخين، عن علي -رضي الله عنه- قال: «كنت رجل مذاءً، فاستحييت أن أسال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد فسأله، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ».

وللبخاري: «اغسل ذكرك وتوضأ».

ولمسلم: «توضأ، وانضح فرجك».

في شرح ابن بطال يقول: إنما استحيى علي -رضي الله عنه- أن يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمكان ابنته. وهذا الحياء محمود؛ لأنه لا يمتنع به من تعلم ما جهل، يعني علي ما قال: استحييت فتركت، فأمرت المقداد، وبعث بمن يقوم مكانه في ذلك، ففيه الحياء من الأصهار في ذكر أمور الجماع وشبهه، وفيه قبول خبر الواحد باعتبار أن الخبر لما جاء الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى علي بواسطة المقداد قبله.

وفي فتح الباري يقول: استدل به بعضهم على جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع، وهو خطأ. ففي النسائي: أن السؤال وقع وعلي حاضر. يعني المظنون في نقل المقداد من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى علي، هل يحتمل أن المقداد يخطئ في خبره في نقله؟ هذا مظنون، لكن لو سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل مباشرة وأجابه فهذا مقطوع به.

لكن يقول ابن حجر: استدل بعضهم به على جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع، وهو خطأ، ففي النسائي أن السؤال وقع وعليٌّ حاضر.

ومع ذلك الخبر المظنون إذا صح عن الخبر الواحد فإنه حجة ملزمة، لا يلزم أن نبحث عن المقطوع، لا يلزم أن نبحث عن المقطوع. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فيه» (أي في المذي) «الوضوء» أي لا الغسل، والتقدير يجب فيه الوضوء. وقال الكرماني: فيه الوضوء يحتمل كونه مبتدأً وخبرًا، وأن يكون مبتدأً أو فاعلاً وخبره أو فعله محذوف أي واجب أو يجب، ولفظة فيه متعلق بقال.

فإن قلت: (وهذه الأسئلة من صنيع الكرماني) فإن قلت: هذا القدر الذي هو لفظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- نقله علي بسماعه من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو من المقداد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فيه الوضوء». هل هذا من نقل علي، أو من المقداد؟

أولًا الحديث الذي معنا من مسند علي أم من مسند المقداد؟

المقدم: مسند علي.

مسند علي -رضي الله عنه- قال: وجعل المقداد من متن الخبر، لا من سنده، فهو من مسند علي.

يقول: فإن قلت: هذا القدر الذي هو لفظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «فيه الوضوء» نقل علي بسماعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو من المقداد؟ قلت: ظاهر السياق، أنه سمعه من الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث لم يقل: "قال المقداد قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ولئن سلمنا عدم ظهوره، فحكمه حكم مرسل الصحابي.

يعني لو قدرنا أن عليًّا نقل هذا الكلام فسأله فقال: «فيه الوضوء». نقله عن المقداد، ولم يذكر المقداد.

هل علي ينقل عن المقداد أو ينقل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ؟

المقدم: كلا الأمرين محتملان، إن كان جلس فهو ينقل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

نعم، على ما ذكر الحافظ ابن حجر في رواية النسائي أنه واقع، يكون ما فيه إشكال. ولو قلنا: إنه بواسطة المقداد، ونقله علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة، وأسقط المقداد فمرسل صحابي، ومرسل الصحابي حجة، نقل عليه الإجماع، أما الذي أرسله الصحابي، فحكمه الوصل على الصواب.

على كل حال تقدم في رواية النسائي أن السؤال وقع وعلي حاضر.

 قال الكرماني: فيه جواز الاستنابة في الاستفتاء، فيه جواز الاستنابة في الاستفتاء، لكن على المنيب أن يُفهم النائب، وعلى النائب أن يستفصل من المنيب؛ لأن بعض الناس يأخذ طرف السؤال من غير أن يتثبت، فيأتي الجواب غير مطابق. فلا بد في حال الإنابة وكثره الوسائط؛ لأنه احتمال أيضًا أن النائب ينيب وهكذا، ولكن مع كثرة الوسائط لا بد من التثبت. ولذا الكثير من المفتين -وهذا هو الأصل أنه- يتثبت من السائل إذا لم يكن صاحب الواقعة عليه أن يتثبت من صاحبها، أو إذا اقتنع بأن السائل تثبت من صاحبها يكفى؛ لأن الأخبار إذا صحت ملزمة.

كثير من أهل العلم إذا سئل يسأل: هل الواقعة لك أو لغيرك؟ إن كانت له استفصل منه وتثبت، وإن كانت لغيره قال: دع صاحب السؤال يسأل، أو دعه يحضر، أو استفهم منه أو استفصل، اسأله هل المراد كذا أم كذا؟ فالاستفصال والتثبت لا بد منه؛ ليأتي الجواب مطابقًا.

في شرح العيني يقول: فيه دليلٌ على أن المذي لا يوجب الغسل، بل يوجب الوضوء، فإنه نجس. ولهذا يجب منه غسل الذكر.

والمراد منه عند الشافعي غسل ما أصابه منه.

واختلف عن مالك في غسل الذكر كله.

وفى شرح بن دقيق على العمدة إحكام الأحكام، وفى شرح ابن دقيق على العمدة يقول: قد يتمسك به، أو تمسك به من يقول، أو تُمسك به في قبول خبر الواحد من حيث إن عليًّا -رضي الله عنه- أمر المقداد بالسؤال؛ ليقبل خبره. وإلا لو كان ما يقبل خبره لكان أمره بالسؤال عبثًا، ليقبل خبره، والمراد بهذا ذكر صورة من الصور التي تدل على قبول خبر الواحد، وهى فرد من أفراد لا تحصى.

والحجة تقوم بجملتها لا بفرد معين منها؛ لأن إثبات ذلك بفرد معين إثبات للشيء بنفسه، وهو محال. لماذا؟ لأنه دور. وإنما تذكر صورة مخصوصة للتنبيه على أمثالها لا للاكتفاء بها، فليعلم بذلك. أو فليعلم ذلك، كيف؟ حينما يقول أهل العلم: في الحديث دليل على قبول خبر الواحد. هل يكون فيه دليل لو لم يرد إلا هذا الخبر؟

المقدم: لو لم يرد إلا هو؟

إلا هذا الخبر، فيه دليل أم لا؟

المقدم: بلى.

الآن نحن نستدل على قبول خبر الواحد بخبر واحد. نستدل على الشيء بنفسه.

المقدم: يقتضي الدور.

فيلزم عليه الدور، أي حينما يأتي له نظائر في الصحيح في غير عشرات الأمثلة فيها كلها قبول خبر الواحد، ثم يقول أهل العلم: في الحديث دليل على قبول خبر الواحد، هل هم يستدلون بهذا الخبر بمفرده أو بمجموع ما ورد.

المقدم: دليل من ضمن الأدلة.

نعم دليل من ضمن أدلة؛ لأننا لو استدللنا على قبول خبر الواحد بهذا الخبر، وهو خبر واحد.

المقدم: لاقتضى الدور، التسلسل.

لاقتضى عليه الدور لنستدل على قبول خبر واحد بخبر واحد، فلا يتم الاستدلال به على الخصم.

ظاهر الكلام أم ليس ظاهر؟

المقدم: بلى.

وكلامه نفيس جدًّا يقول: قد تمسك به من يقول بقبول خبر الواحد، حيث إن عليًّا -رضي الله عنه- أمر المقداد بالسؤال؛ ليقبل خبره، والمراد بهذا ذكر صورة من الصور التي تدل على قبول خبر الواحد، وهو فردٌ من أفراد لا تحصى. والحجة تقوم بجملتها لا بمفرد معين منها؛ لأن إثبات ذلك بفرد معين إثباتٌ للشيء بنفسه، وهو محال. لماذا؟ لأنه دور، والدور ترتيب شيء على شيء مترتب عليه. فنحن نرتب قبول خبر الواحد على هذا الخبر. والخبر إنما يتم قبوله إذا قبلنا الخبر.

متى نقبل الخبر؟ إذا قبلنا خبر الواحد، ويكون دليلاً على قبول خبر الواحد هذا الخبر الذي نستدل به على قبول خبر الواحد، ويلزم عليه الدور. وإنما تذكر صورة مخصوصة للتنبيه على أمثاله لا للاكتفاء بها، فليعلم ذلك.

سيأتي الكلام على أحكام الحديث في كتاب الوضوء والغسل، إن شاء الله تعالى.

وهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في ثلاثة مواضع:-

الأول هنا في كتاب العلم، باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال، تقدمت الإشارة في كلام العيني أن المذي نجس.

المقدم: تقدمت متى؟

قريبًا نعم كلام العيني هنا.

المعلق: الكلام على غسله.

وفيه دليل على المذي لا يجب الغسل، بل يجب الوضوء فإنه نجس. ثم بعد ذلك الخلاف في نجاسته معروف. ثم من يقول بنجاسته هل هي نجاسة مخففة يكتفى فيها بالنضح كما جاء في بعض الروايات، أو لا بد من غسلها كالبول، مسألة يأتي إن شاء الله تفصيلها.

أقول: هذا الحديث خرجه الإمام البخاري في ثلاثة مواضع الأول: هنا في كتاب العلم في باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال.

قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد لله بن داود عن الأعمش عن منذر عن الثوري عن محمد بن الحنفية، قال: عن على قال: «كنت رجلًا مذاءً، فأمرت المقداد......» الحديث، وسبق ذكر المناسبة، وأنها ظاهرة.

 الموضع الثاني: في كتاب "الوضوء"، باب من لم يرَ الوضوء إلا من المخرجين من القبل والدبر.

قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن منذر أبي يعلى الثوري، عن محمد بن الحنفية قال: «قال على: كنت رجلًا مذاءً، فاستحييت أن أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: فيه الوضوء».

قال الحافظ: أورده هنا لدلالته على إيجاب الوضوء من المذي وهو خارج من أحد المخرجين، الترجمة باب من لم يرَ الوضوء إلا من المخرجين القبل والدبر. وهنا قال: فيه الوضوء، فأورده هنا؛ لدلالته على إيجاب الوضوء من المذي وهو خارج من أحد المخرجين.

الموضع الثالث: في كتاب "الغسل" باب غسل المذي والوضوء منه، قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا زائدة عن أبى حصين عن أبى عبد الرحمن علي -رضى الله عنه- قال: «كنت رجلًا مذاءً، فأمرت رجلًا يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- لمكان ابنته فسأله، فقال: توضأ واغسل ذكرك».

المناسبة ظاهرة، باب غسل المذي والوضوء منه. توضأ الوضوء منه واغسل ذكرك، باب غسل المذي، والمناسبة ظاهرة، قال ابن حجر: قوله: توضأ هذا الأمر بلفظ الإفراد يشعر بأن المقداد سأل لنفسه، ويحتمل أن يكون سأل لمبهم أو لعلي، فوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- الخطاب إليه، والظاهر...

المعلق: بحكم أنه السائل.

والظاهر أن عليًّا كان حاضرًا السؤال، فقد أطبق أصحاب المسانيد والأطراف على إيراد الحديث في مسند علي. ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه في مسند المقداد. ويؤيده ما في رواية النسائي من طريق أبى بكر بن عياش عن أبي حصين في هذا الحديث عن علي فقال: فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله، فسأله.

ووقع في رواية مسلم فقال: «يغسل ذكره ويتوضأ» بلفظ الغائب.

جاء أيضًا أنه أمر عمارًا أن يسأل، فكأنه أمر المقداد فتأخر المقداد عليه مثلًا، أو أمر عمارًا أن يسأل النبي- عليه الصلاة والسلام-، فتأخر عليه، فأمر المقداد، فجاءا جميعًا بالجواب، وقد يكون حاضرًا كما في السنن أنه حاضر حينما سأل المقداد. وفي بعض الروايات: فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم-، لعله لما أراد أن يتأكد ويستثبت من ذلك وعرف النبي بطريقة أو بأخرى أنه هو المسؤول عنه ينتهي الحياء في مثل هذا الحال إذا عرف.

المقدم: في بعض الألفاظ: يغسل ذكره وأنثييه.

جاء في بعض الروايات في السنن: اغسل ذكرك وأنثييك.

المقدم: سنأتي عليها إن شاء الله في كتاب الوضوء.

أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الأخوة والأخوات بهذا نصل في ختام هذه الحلقة من شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

توقفنا عند الحديث مائة وسبعة بحسب المختصر، مائة واثنين وثلاثين في الأصل، نتابع بإذن الله ما تبقى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم.

 

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.