هدي النبي في رمضان (29)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم إلى هذا اللقاء في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان هذا البرنامج الذي نستضيف فيه فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله فحيى الله فضيلته وأهلاً وسهلاً به معنا في هذا اللقاء، حياكم الله يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

أيها الإخوة تتصرم أيام رمضان وها نحن في ختام هذا الشهر الكريم نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا إلى خير ختام وأن يختم لنا هذا الشهر العظيم بقبول من لدنه إنه سميع مجيب وأن يعفو عن الزلل والتقصير، أيها الإخوة في ختام رمضان ما الذي يشرع للمسلم نهاية هذا الشهر الكريم لو تحدثتم حفظكم الله يا شيخ عبد الكريم حول هذا الأمر.

الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن شهر رمضان ينتهي بغروب الشمس ليلة عيد الفطر ويثبت ذلك بأحد أمرين سبق الحديث عنهما في إثبات دخول الشهر الأول رؤية هلال شوال من قبل عدلين من المسلمين ولا يكتفى بواحد كدخول الشهر الثاني إن لم ير الهلال فبإكمال عدة رمضان ثلاثين يوما كما قال -عليه الصلاة والسلام- «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» فإذا لم تتم الرؤية لا بد من إكمال العدة لأن الأصل بقاء الشهر فإذا ثبت خروج الشهر بالرؤية أو بإكمال العدة فإن هذا لا يعني أن المسلم استراح من عناء العبادة فعمر المسلم كله موسم للعبادة كما قال -جلَّ وعلا-: { وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ } الحجر: ٩٩  ومن المؤسف أن يوجد في المجتمعات الإسلامية بل من كثير ممن ينتسب إلى هذا الدين من ينظر إلى هذا الموسم العظيم على أنه عبئ ثقيل يثقل كاهله فبمجرد ما ينتهي الشهر المبارك يرجع إلى ما كان يزاوله قبل رمضان من تفريط في الواجبات ومن مزاولة لفعل بعض المحرمات مثل هذا يغلب على الظن والعلم عند الله سبحانه وتعالى أن عمله في قبوله نظر؛ لأن من علامة قبول العمل الصالح إتباعه بالأعمال الصالحة وقد كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده وهؤلاء هم الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة هؤلاء الصحابة ومن سار على هديهم { يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّ قُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ } المؤمنون: ٦٠  ولذا عائشة -رضي الله عنها- لما سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- أهم الذين يزنون ويسرقون؟ قال: «لا يا ابنت الصديق هم الذين يصومون ويصلون ومع ذلكم يخافون ألا تقبل منهم هذه الأعمال» { يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ }المؤمنون: ٦٠  يعني من الأعمال الصالحة { وَّ قُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ } المؤمنون: ٦٠  من الرد هذا مع إحسان العمل والله المستعان، روي عن علي -رضي الله عنه- قال كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل ألم تسمعوا الله -عزَّ وجل- يقول: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ } المائدة: ٢٧  وعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ لأن الله تعالى يقول: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ } المائدة: ٢٧  وقال ابن دينار: الخوف من العمل ألا يتقبل أشد من العمل، قال عبد العزيز بن أبي رواد أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا؟، قال بعض السلف كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، ذكر هذه الآثار وغيرها الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في لطائف المعارف فإذا انتهى الشهر شرع أمور: أولاً التكبير في ليلة العيد لقوله تعالى{ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ } البقرة: ١٨٥  قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى ﰄ { وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ } الأعلى: ١٥  قال ذكر الله وهو ينطلق إلى العيد، وجاء في حديث أم عطية في صحيح البخاري كنا نؤمر أن نخرج الحيّض فيكبرن بتكبيرهم وعن عبد الله بن عمر أنه كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتى يأتي المصلى ثم يكبر بالمصلى حتى إذا جلس الإمام ترك التكبير، وأما إحياء ليلة العيد بالقيام دون غيرها فالخبر الوارد فيها ضعيف الخبر الوارد فيها ضعيف رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت مرفوعًا «من أحيى ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» وفي إسناده عمر بن هارون ضعيف قال ابن حجر حديث مضطرب الإسناد ورواه الحسن بن سفيان عن عبادة وفي إسناده بشر بن رافع متهم بالوضع وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة من طريق بقية بن الوليد وهو كثير التدليس ورواه معنعنا، المقصود أن الحديث لا يثبت فلا يثبت في إحياء ليلتي العيدين حديث.

فضيلة الشيخ أثابكم الله، آثار المداومة على الأعمال الصالحة خاصة ونحن نوشك أن نودع هذا الشهر العظيم الذي فيه ما جاء من إقبال النفوس على الخيرات واستمرارها في طيلة هذا الشهر الكريم، ترى ما هو الأثر الذي يترتب على المداومة على الخير وعلى الأعمال الصالحة؟

المداومة على الأعمال الصالحة لها آثار كثيرة تعود على العامل نفسه وتتعداه إلى غيره منها دوام اتصال القلب بخالقه مما يعطيه قوة وثباتًا وتعلقا بالله -عزَّ وجل- وتوكلاً عليه ومن ثم يكفيه الله ما يهمه كما قال -جلَّ وعلا-{ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓ } الطلاق: ٣ ، ثانيًا تعهد النفس عن الغفلة وترويضها على لزوم الخيرات حتى تسهل عليها ومن ثم تصبح ديدنا لها لا تنفك عنها رغبة فيها، ثالثًا: أنها سبب لمحبة الله تعالى للعبد وولايته كما قال -صلى الله عليه وسلم- «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها إن سألني ولئن استعاذني لأعيذنه» خرجه البخاري وغيره، من آثار هذ المداومة أن المداومة سبب للنجاة من الشدائد ففي حديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن» فقلت بلى فقال «احفظ الله يحفظ احفظ الله تجده أمامك تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة» الذي لا يقدم في وقت الرخاء فإنه لا يلاحظ ولا تكون له نجاة في الشدائد، المداومة على الأعمال الصالحة سبب لحسن الختام معروف أن شب على شيء شاب عليه ومن شاب على شيء مات عليه غالبًا المداومة على الأعمال الصالحة سبب لحسن الختام؛ وذلك لأن المؤمن يصبر على أداء الطاعات كما يصبر عن المعاصي والسيئات محتسبًا الأجر على الله -عزَّ وجل- فيقوى قلبه على هذا وتشتد عزيمته على فعل الخيرات فلا يزال يجاهد نفسه فيها فيوفقه الله -عزَّ وجل- لحسن الخاتمة كما قال -جلَّ وعلا-{ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ } إبراهيم: ٢٧  وأيضًا لزوم الطاعات ولزوم الطاعات في العمر كله سبب الذي هو الاستقامة كما في قوله -جلَّ وعلا- { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ } فصلت: ٣٠  تتنزل عليهم الملائكة يعني عند الموت ألا تخافوا يعني مما أمامكم فأنتم في مأمن من الخوف{ وَلَا تَحۡزَنُواْ } فصلت: ٣٠  على ما خلَّفتم لأنكم تعوضون خيرا منه والله المستعان.

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفعنا بما قلتم إنه سميع مجيب، فضيلة الشيخ يحسن هنا أيضًا أن نسأل عن أسباب الثبات المعينة على المداومة على هذه الخيرات وعلى هذه الأعمال الصالحة.

من أهم الأسباب صدق اللجأ إلى الله -عزَّ وجل- بأن يثبت الله الإنسان في الحياة الدنيا وفي الآخرة ليثبت على فعل الخيرات التي روض نفسها عليها خلال هذا الشهر العظيم، من أسباب الثبات أيضًا البعد عن المجتمعات التي تزيّن له القبائح ولزوم الصالحين { وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ }الكهف: ٢٨  فإذا صدق الإنسان اللجأ إلى الله -عزَّ وجل- وسأله بصدق لا شك أنه يوفق إلى الله سبحانه وتعالى لا يخيبه ولا يخيب طلبه إضافة إلى أنه إذا قطع الأسباب التي تجعله يعود إلى ما كان عليه قبل رمضان من معاصي ومنكرات وتفريط عن الطاعات إضافة إلى بذل السبب بصحبة الأخيار الذين يعينونه على الطاعة إذا ذكر ويذكرونه إذا نسي والله المستعان.

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفع بما قلتم ذكر الموت فضيلة الشيخ وتذكر أن الإنسان لا يدري متى يلقى الله -عزَّ وجل- لعلكم تتحدثون عن أهمية الإكثار من ذكر هاذم اللذات كما أوصى بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-.

انتهاء الشهر هذه مناسبة جيدة التي تناسب ذكر انتهاء الشهر، أولاً انتهاء اليوم مقدمة لانتهاء الشهر وانتهاء الشهر مقدمة لانتهاء العام وانتهاء العام مقدمة لانتهاء العمر، لانتهاء العمر فهذه المناسبة التي هي انتهاء هذا الشهر يتذكر بها الإنسان مما يتذكر انتهاء عمره فيكون دائمًا على ذكر هاذم اللذات لأنه إذا أكثر من ذكره فلا شك أنه لن يسترسل في مزاولة المعاصي ولن يقصر في واجبات والله المستعان.

 

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفع بما قلتم إنه سميع مجيب، أيها الإخوة المستمعون الكرام نسأل الله تبارك وتعالى أن يختم لنا هذا الشهر الكريم وأن يختم لنا حياتنا بخير إنه ولي ذلك والموفِّق إليه، بهذه الكلمات من فضيلة الشيخ نصل إلى ختام هذه الحلقة نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بها، شكر الله لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير ما بيّن ووضع ولكم مستمعينا الكرام نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"