شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الاعتكاف - 10

 

المقدم:

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 أما بعد...

 فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا وسهلًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذا اللقاء الجديد في برنامجكم شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، أرحِّب بكم، كما أرحِّب بمعالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير- وفقه الله– عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء،  فمرحبًا بكم فضيلة الشيخ، وأهلًا وسهلًا.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا يزال الكلام في حديث عائشة من كتاب الاعتكاف، وتوقف الحديث -معالي الشيخ- حول الأوجه الإعرابية في "وإن كان رسول الله "، فلو تفضلتم بإتمام الحديث في هذا -وفقكم الله-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..

ففي الحلقة السابقة ذكرنا أن "إن" هي المخففة من الثقيلة، وأن اللام لازمة في خبرها؛ للتفريق بينها وبين إن النافية، ونُكمل ما يتعلق بهذا الموضوع من كلام ابن مالك في شواهد التوضيح، والتصحيح على مشكلات الجامع الصحيح، وهذا الكتاب كتاب نفيس يحتاجه كل من يحتاج البخاري؛ لأن في البخاري- صحيح البخاري- ما يُشكِل على طلاب العلم من جهة العربية.

المقدم: نعم.

ذكرنا في المناسبات أن اليونيني قرأ البخاري على ابن مالك، فاستفاد ابن مالك الرواية، واستفاد اليونيني اللغة وحل المشكلات، هذه المشكلات دوِّنت، أو دوّنها ابن مالك أو غيره، هذا من كلام ابن مالك.

المقدم: نعم.

في هذا الكتاب النفيس فأجاب عن كل ما أشكل على اليونيني.

المقدم: اسم الكتاب المشكلات.

شواهد التوضيح والتصحيح على مشكلات الجامع الصحيح.

 المقدم: نعم.

والكلام في الإشكالات العربية في العربية، لا في الأسانيد ولا في المعاني.

المقدم: نعم.

إلا ما يفهم من المعنى المراد التابع للإعراب.

المقدم: نعم.

في شواهد التوضيح لابن مالك في البحث الحادي عشر في استعمال إن المخففة المتروكة العمل عاريًا ما بعدها من اللام الفارقة، وذكر في كلام ابن مالك: "وتلزم اللام إذا ما تُهمل "، كلام ابن مالك "وتلزم اللام إذا ما تُهمل ابن مالك نفسه في شواهد التوضيح، في هذا المبحث يذكر استعمال إن المخففة يعني من الثقيلة المتروكة العمل، عاريًا ما بعدها من اللام الفارقة، وسبق أن أشار إلى أنها تترك هذه اللام عند أمن اللبس، وربما استغني عنها إن بدا ما ناطق أراد معتمدًا يعني إذا أُمِن اللبس.

المقدم: نعم.

فذكر أمثلة لما تركت فيه هذه اللام لأمن اللبس يقول: منها قول عبد الله بن بسر:"إن كنا فرغنا في هذه الساعة". وقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «وايم الله إن كان لخليقًا  للإمارة »، « وإن كان لمن أحب لمن أحب الناس إلي»، فيها اللام لخليقًا ولمن.

المقدم: نعم.

فكيف يذكر أنه عاري ما بعدها؟ الجواب أن اللام لام القسم؛ يعني واقعة في جواب القسم، ما وقعت في جواب إن أو في خبر إن، في الموضعين قد يقول قائل: الأول واضح القسم «وايم الله إن كان لخليقًا  للإمارة »، لكن الثاني ما هو واضح « وإن كان لمن أحب لمن أحب الناس إلي».

ما فيه قسم،  نعم؟

المقدم: نعم.

نقول: فيه قسم؛ لأن العطف على نية تكرار العامل، فكأن القسم مذكور في الجملة الثانية، وقول معاوية -رضي الله عنه-: إن كان من أصدق هؤلاء المُحدثين، إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين؛ يعني كعب الأحبار، وقول نافع، فكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يعطي عن الكبير والصغير -يعني صدقة الفطر - يعطي عن الكبير والصغير حتى إن كان يعطي عن بني.

يقول ابن مالك: قلت: تضمنت هذه الأحاديث استعمال إن المخففة.

المقدم: المتروكة.

المتروكة العمل عاريًا ما بعدها من اللام الفارقة لعدم الحاجة إليها؛ وذلك لأنه إذا خففت إن صار لفظها كلفظ إن النافية، فيخاف التباس الإثبات بالنفي عند ترك العمل، فألزموا تالي ما بعد المُخففة اللام المؤكدة  مميزةً لها، ولا يُحتاج إلى ذلك إلا في موضعٍ صالحٍ للنفي والإثبات، لكن في الموضع الذي لا يصلح للنفي ما نحتاج إليها؛ لعدم اللبس.

 المقدم: نعم.

فلو لم يصلح الموضع للنفي جاز ثبوت اللام وحذفها، فمن الحذف ذكر أمثلة فذكر الأخبار التي سقناها في أول المبحث.

 المقدم: كنا فرغنا في هذه الساعة حديث ابن مسعود.

نعم، وإلى آخره .. وايم الله إلى آخره، فمن الحذف ثم ذكر الأخبار السابقة بمطلع الكلام، ومنه قراءة أبي رجاء: "وإن كل ذلك لمَا متاع الحياة الدنيا".

المقدم: بالتخفيف وليس..

نعم، وذكر قول الطرمّاح بن حكيم المذكور في كلام الأشموني آنفًا، وثلاثة أبيات بعده لا نطيل بذكرها، ثم قال: وقد أغفل النحويون التنبيه على جواز حذف اللام عند الاستغناء عنها، قد أغفل النحويون التنبيه على جواز حذف اللام عند الاستغناء عنها؛ بكون الموضع غير صالح للنفي، وجعلوه عند ترك العمل لازمة على الإطلاق، ليجري الباب على سننٍ واحد، وحاملهم على ذلك عدم الاطلاع على شواهد السماع، فبينت إغفالهم، وأثبت الاحتجاج عليهم لا لهم، وأزيد على ذلك أن اللام الفارقة إذا كان بعد ما ولي إن نفيٌ.. وأزيد على ذلك أن اللام الفارقة إذا كان بعد ما ولي إن نفي، واللبس مأمونٌ.

المقدم: وأزيد على ذلك من كلامك ولا كلام الأشموني؟

الشيخ: لا، من كلام ابن مالك.

المقدم: وأزيد على ذلك من كلام من يا شيخ؟ وأزيد.

وأزيد على ذلك هذا من كلام ابن مالك.

 المقدم: نعم.

وأزيد على ذلك أن اللام الفارقة إذا كان بعد ما ولي إن نفي، واللبس مأمون فحذفها واجب، يعني ما يكفي أنه يجوز حذفها. يقول: يجب حذفها كقول الشاعر:

إن الْحق لَا يخفى على ذِي بَصِيرَة ****وَإِن هُوَ لم يعْدم خلاف معاند

ومثله:

أما إن علمت الله ليس بغافلٍ**** نهانا اصطباري إن بليت بظالم.

 يقول حذفها واجب، اللام حذفها واجب الآن؛ لأن إن هذه وليها نفي، ولو كانت نافية لما وليها نفي؛ لأن نفي النفي إثبات، لكان الكلام على خلاف مراد المتكلم أظن هذا الكلام ظاهر؟

المقدم: نعم.

 "ليدخل عليّ رأسه" اللام سبق الحديث عنها واقعة في خبر إن المخففة، وسبق الحديث عنها بشيء من التفصيل، "وهو في المسجد " جملة حالية أي معتكف، "وأنا في الحجرة".

قال الكرماني: فيه أن الاعتكاف لا يصح في غير المسجد، وإلا لكان يخرج منه لترجيل الشعر

قال: وفيه أن إخراج البعض لا يجري مجرى الكل؛ ولهذا لو حلف لا يدخل بيتًا فأدخل رأسه لم يحنث، نعم؟

المقدم: نعم.

فيه أن الاعتكاف لا يصح في غير المسجد، وإلا ماله داعي يخرج رأسه فقط يخرج بجملته، وإلا لكان يخرج منه لترجيل الشعر، وفيه أن إخراج البعض

المقدم: لا يجري 

لا يجري مجرى الكل، ولهذا لو حلف لا يدخل بيتًا فأدخل رأسه لم يحنث، لكن هذا الصنيع إنما هو للحاجة، وإلا هل يسوغ لإنسان أن يفرش داخل المسجد عند باب المسجد، ويخرج رأسه لينظر الغادي والرائح، ويقول: أنا معتكف في المسجد.

المقدم: خلاف مقصود الاعتكاف.

بلا شك لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك قلنا: إنه لم يخرج، ولهذا لو حلف لا يدخل بيتًا فأدخل رأسه لم يحنث، يقول ابن حجر: حتى يخرج رجليه، ويعتمد عليهما، حتى يسمى خارجًا عن المسجد. طيب العكس الرجلان خارج المسجد، وبقية البدن داخل المسجد قلنا: إن الرأس..

المقدم: لا يخرج.

أخذًا من هذا الحديث لا يُسمى خارج المسجد، لكن لو كان الأمر بالعكس الرجلان خارج المسجد وبقية البدن داخل المسجد.

المقدم: ينظر للسبب.

على هيئة راكع أو ساجد مثلًا يعني معتمد على رجليه خارج المسجد، وبقية بدنه داخل المسجد يعني مقتضى كلامهم أن ابن حجر يقول حتى يخرج رجليه ويعتمد عليهما.

 المقدم: هذا معتمد عليهما كون الساجد.

أنه خارج المسجد

المقدم: لكن لو كان لحاجة لضيق المسجد، لكثرة المصلين، فاضطر إلى أنه بعد وضوئه لم يجد مكانًا ثم لم يجد إلا في الصفوف الأولى..

يأتي الحاجة، وما هو أشد من الحاجة سيأتي إن شاء الله، وفي التوضيح لابن الملقن: وفيه دلالة على إباحة غسل المعتكف رأسه؛ لأنه في معنى الترجيل (فأرجله)، قال في المصباح المنير: رجلت الشعر ترجيلًا سرحته سواء كان شعرك سواء كان شعرك أو شعر غيرك، وترجلت إذا كان شعر نفسك، ورجل الشعر رجلًا من باب تعب فهو رجِل ورجْل بالكسر والسكون، والسكون تخفيف فهو رجل، وإذا قيل: رجْل تخفيف لذا شعَر

المقدم: شعر

يقال شعْر أي ليس شديد الجعودة، ولا شديد السبوطة بل بينهما.

وفي القاموس المحيط: شعر رجل وكجبل رجَل وكتف رجِل بين السبوطة والجعودة، وقد رجل كفرح ورجلته ترجيلًا، ورجل رجْل، ورجل رجل الشعر ورجْله، ورجُله جمعه أرجال ورجالا.

 المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بكم معالي الشيخ أسأل الله– عز وجل -أن ينفعنا بما سمعنا، وبما قلنا، إنه جواد كريم، أيها الإخوة المستمعون الكرام، بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة، نتقدم في ختامه بالشكر الجزيل لمعالي الشيخ الدكتور عبدالكريم بن عبد الله الخضير-وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، شكر الله لفضيلته، وجزاه الله عنا خيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.