شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الحج - 01

 المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب الحج ضمن شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، ونشكر له تقبله بقبول دعوتنا، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: نبدأ في حلقات هذا البرنامج من شرح كتاب الحج في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح بقول المصنف -رحمه الله-: كتاب: الحج

فلعلنا نبدأ بالحديث حول هذه اللفظة، أحسن الله إليك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب: الحج

تبعًا للأصل، تبعًا لصحيح البخاري -رحمه الله- يقول الحافظ ابن حجر: وفي ورواية الأصيلي: المناسك؛ ليشمل الحج والعمرة، في رواية الأصيلي، أما في سائر الروايات كلها كتاب الحج.

الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- قدم كتاب الحج على الصيام؛ لما اتفق عليه -رحمه الله- مع الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان»، فعلى هذا بنى على هذه الرواية التي اتفق على تخريجها الإمامان البخاري ومسلم، بنى الإمام البخاري ترتيب الكتاب.

ومن المعلوم أن الجمهور جمهور المصنفين من الفقهاء والمحدثين كلهم يقدمون الصيام على الحج، بناءً على ما جاء في صحيح مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر بتقديم الصوم على الحج.

قال: فقال رجل يستدرك على ابن عمر.

المقدم: الصوم والحج.

والحج وصيام رمضان.

المقدم: هذه في الرواية الثانية يستدرك عليه؟

يستدرك عليه في الرواية التي تفرد بها مسلم، وقع في صحيح مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر بتقديم الصوم على الحج، يعني الجادة عند أهل العلم عند الجمهور تقديم الصوم على الحج، أما الإمام البخاري فقدم الحج على الصيام بناءً على الرواية المتفق عليها.

قال: فقال رجل: والحج وصيام رمضان، فقال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنكر على هذا المستدرك، مع أنه ثبت عنه كما في الصحيحين الرواية على ضوء هذا الاستدراك، بتقديم الحج على الصيام.

يقول ابن حجر: "في هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى" الآن عندنا الرواية المتفق عليها، والرواية التي تفرد بها مسلم، يعني عند الجمهور التقديم لما اتفق عليه الشيخان، ثم ما تفرد به البخاري، ثم ما تفرد به مسلم.

المقدم: إلا هنا.

هذا رأي الجمهور.

أول من صنف في الصحيحِ ... محمد وخص بالترجيحِ

يقول الحافظ -رحمه الله- العراقي:

وأرفع الصحيح مرويهما

 يعني المتفق عليه،

 ثم البخاري فمسلم فما شرطهما حوى إلى آخره.

المقصود أن المتفق عليه عند أهل العلم أن المتفق عليه بين الشيخين مقدم على ما يتفرد به البخاري، وما يتفرد به البخاري مقدم على ما يتفرد به مسلم، فإذا طبقنا هذه القاعدة اتجه لنا صنيع الإمام البخاري بتقديم الحج على الصيام؛ لأن تقديم الحج على الصيام متفق عليه، بينما تقديم الصيام على الحج من أفراد مسلم، يعني لو طبقنا هذه القاعدة لصوبنا صنيع الإمام البخاري، لكن أهل العلم عندهم أيضًا مخرج من مثل هذا، يقولون: قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقًا، مثال ذلك حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- مخرج في مسلم، مع أن حديث ابن مسعود وحديث أسامة وأحاديث أخرى في الصحيحين، وفي البخاري أيضًا، بعضها من مفردات البخاري، وبعضها متفق عليه، وفي حديث جابر: صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، وفي غيره ما يدل على أذانين وإقامتين، وبصيغ أخرى، فقدم حديث جابر على غيره.

المقدم: لأنه.

عرض له ما يجعله فائقًا؛ لأن جابر -رضي الله تعالى عنه- بالنسبة لحجة الوداع ضبطها وأتقنها من خروجه- عليه الصلاة والسلام- من بيته إلى أن رجع إلى بيته، فبينما غيره من الصحابة ضبط شيئًا، وغاب عنه أشياء، فقدم حديثه هذا من أجل أن ننظر لما معنا، فأهل العلم ليس من فراغ أن يقدموا الصوم على الحج، مع أن هذا متفق عليه، وذاك من أفراد مسلم؛ لأنه يعرض للمفوق –المرجوح- ما يجعله فائقًا، يعني راجحًا.

يقول ابن حجر: في هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى، يعني إنكار ابن عمر على المستدرِك حينما قال له: والحج وصيام رمضان، قال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج، ابن حجر يقول: هذا الاستدراك يدل على أن رواية البخاري مروية بالمعنى، وأن الصواب تقديم الصيام على الحج.

مروية بالمعنى إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر، حنظلة ما سمع رد ابن عمر على المستدرِك، إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس، أو حضر ذلك ثم نسيه.

يقول: ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر -رضي الله عنهما- سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- على الوجهين، ونسي أحدهما عند رده على الرجل، ووجه بعده أن تطرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي الذي هو حنظلة أولى من تطرقه إلى الصحابي، يقول: كوننا نقول: حنظلة نسي أفضل من أن نقول: إن ابن عمر نسي.

يقول: وكيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج؟ فدل على أن حنظلة مرة يرويه بالتقديم، بتقديم الصوم، ومرة يرويه بتقديم الحج، وهمًا منه، لكن لو قال قائل: إن هذه الواو لا تقتضي الترتيب، فمرة يقدم الحج، ومرة يقدم الصوم، المسألة ما تحتاج إلى ترتيب، ممكن؟

المقدم: ممكن.

لكن غالبًا في مثل هذه الأمور التي من الإسلام بالمكان المعلوم.

المقدم: يأتي ترتيبها بناءً على أهميتها.

يأتي ترتيبها على أهميتها، كما جاء في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} [سورة البقرة 158] النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رقي الصفا قال: «أبدأُ بما بدأ الله» وفي رواية: «ابدؤوا» أمر «بما بدأ الله به» فلا شك أن الأولية لها دخل في الأولوية، هذا مقرر عند أهل العلم، لكن إذا أشكل لا شك أن الواو لمطلق الجمع، إذا لم يكن هناك مخرج.

يقول: وكيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج، ويؤيده ما وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة، أفيقال: إن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه؟ هذا مستبعد، والله أعلم.

وأبدى النووي سببًا آخر في إنكار ابن عمر على الراوي بأن ابن عمر أراد تأديب هذا الراوي، ابن عمر عند النووي يرويه على الوجهين، لكن كيف ينكر ابن عمر على الراوي هذا وجهًا ثبت عنده عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ورواه عنه بالأسانيد الصحيحة؟ يقول النووي .. ، أبدى النووي سببًا آخر في إنكار ابن عمر على الراوي بأن ابن عمر أراد تأديب الراوي.

المقدم: لماذا يستدرك ... ؟

نعم، وأنه ليس له أن ينكر ما لا علم له به، وأنه عند ابن عمر على الوجهين، هذا رأي الإمام النووي، مع أن الاحتمال الذي استبعده ابن حجر السابق أن يكون ابن عمر سمعه على الوجهين ثم نسي، هذا أيضًا موجود عند النووي.

ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- لما أراد أن يؤدب هذا الرجل الذي استدرك عليه، ترى هذا فيه درس، درس لطلاب العلم، يعني قد يسلكه بعض الشيوخ مع طلابه، إذا رأى في طالب استشراف لمثل هذه الاستدراكات، وشم منه أنه يريد الاستدراك لذات الاستدراك؛ لأنه قد يشم من بعض الناس مثل هذا، فمثل هذا يؤدب بالرد.

المقدم: لكن بشرط أن يكون الرد صحيحًا والأصل صحيحًا.

أن يكون الوجهان صحيحين.

لكن الإمام البخاري اعتمد رواية تقديم الحج، وأيد ذلك بقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [سورة آل عمران 97].

المقدم: هذا البخاري؟

البخاري قال: كتاب الحج، باب وجوب الحج وفضله، وقول الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} فالآية مشعرة بعظم شأن الحج، وقد ورد أحاديث وآثار تدل على ذلك مما لم يرد نظيره في الصيام؛ لأن تذييل الآية بقوله -جل وعلا-: {وَمَن كَفَرَ} يعني هل هناك .. ، هل يمكن أن يقال: لا رابط بين الجملتين؟ الواو استئنافية ومن كفر... أو أنه لا بد من ارتباط الصدر مع العجز؟ لا بد من هذا.

وأبدى الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح نقلًا عن شيخه السراج البلقيني في مناسبات الأبواب لصحيح البخاري فقال: "واختلفت النسخ في الصوم والحج أيهما قبل الآخر، وكذا اختلفت الرواية في الأحاديث، وترجم عن الحج بكتاب المناسك ليعم الحج والعمرة" هذا كلام ابن حجر، نقلًا عن شيخه البلقيني، لكن أولًا نعرف أن النسخ، عامة النسخ على وجه الأرض من صحيح البخاري ترجمتها كتاب الحج، وأكثر الرواة على هذا، ولم يقل: كتاب المناسك إلا على ما تقدم الأصيلي.

الأمر الثاني: أن قوله: اختلفت النسخ في الصوم والحج أيهما قبل الآخر مع أن عامة النسخ على تقديم الحج على الصيام.

يقول: "وكذلك اختلفت الرواية في الأحاديث" الأحاديث اختلفت في تقديم الحج وتقديم الصيام.

"وما يتعلق بهما، وكان في الغالب من يحج يمر بالمدينة الشريفة" هذه في المناسبات، في ترتيب الأبواب، يقول: غالب من يحج يمر بالمدينة الشريفة، فذكر ما يتعلق بزيارة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما يتعلق بحرم المدينة.

قلت – القائل ابن حجر-: "ظهر لي أن يقال في تعقيبه الزكاة بالحج" يعني ابن حجر لا يراه معتمدًا على الرواية.

المقدم: وإنما لمعنىً آخر.

نعم، لمعنى أدركه برأيه.

يقول: "ظهر لي أن يقال في تعقيبه الزكاة بالحج أن الأعمال لما كانت بدنية محضة، ومالية محضة، وبدنية مالية معًا رتبها كذلك، فذكر الصلاة؛ لأنها.

المقدم: بدنية محضة.

ثم الزكاة؛ لأنها.      

المقدم: مالية.

مالية محضة، ثم الحج.

المقدم: بينهما، مشتركًا.

بينهما مشترك، ولما كان الصيام هو الركن الخامس المذكور في حديث ابن عمر: «بني الإسلام على خمس» عقب بذكره، وإنما أخره لأنه من التروك؛ والترك وإن كان عملًا أيضًا لكنه عمل النفس لا عمل الجسد، فلهذا أخره؛ لأنه قد يقول قائل: ما دام الصيام بدني؛ لأن الترك عمل، والعمل للبدن، لماذا ما عقبه بالصلاة لأنها بدنية؟ نعم قبل الزكاة لأنها مالية.

قال: "والترك وإن كان عملًا لكنه عمل النفس لا عمل الجسد" يعني كالصلاة "فلهذا أخره، وإلا لو كان اعتمد على الترتيب الذي في حديث ابن عمر لقدم الصيام على الحج"؛ لأن ابن عمر أنكر على من روى عنه الحديث بتقديم الحج على الصيام، لكن كيف يقدم الصيام على الحج وروايته للحديث بتقديم الحج على الصيام؟ هذا يمكن أن يفعله ثالث، طرف ثالث، يعني شخص خارج عن هذه الروايات، لكن شخص يروي الحديث، يبني ترتيب الكتاب على روايته، لا على رواية غيره، لا شك أن الترك عمل، ولذا يقول الصحابي:

لما قعدنا والنبي يعملُ ... فذاك منا العمل المضللُ

المقدم: فجعل الترك عملًا.

تركهم لمشاركة النبي -عليه الصلاة والسلام- في بناء المسجد عمل "فذاك منا العمل المضلل".

يقول: "وهو وإن كان ورد عن ابن عمر من طريق أخرى كذلك، فذلك محمول على أن الراوي روى عنه بالمعنى، ولم يبلغه نهيه عن ذلك، والله أعلم".

ثم إن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- رتب أبواب الحج على مقاصد متناسبة، فبدأ بما يتعلق بالمواقيت، يعني بعد وجوب الحج، وكيفية الحج الماشي والراكب وعلى الرحل، وفضل الحج المبرور ... إلى آخره، بدأ بما يتعلق بالمواقيت، لماذا؟ لأنه يبدأ بها فعلًا، فليبدأ بها قولًا، فبدأ بما يتعلق بالمواقيت، ثم بدخول مكة، يعني كأنه سائر يرسم صورة لمطبق، فبدأ بما يتعلق بالمواقيت، ثم بدخول مكة، وما معها، ثم بصفة الحج، ثم بأحكام العمرة، ثم بمحرمات الإحرام، ثم بصفة الحج، ثم بأحكام العمرة، ثم بمحرمات الإحرام.

طيب بدأ بصفة الحج، والأصل أن العمرة تكون قبل، وبهذا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابة أن يتحللوا من حجهم، ويجعلوها عمرة، فلو ذكر أحكام العمرة قبل أحكام الحج...

المقدم: كان وفقًا للترتيب.

للترتيب، لكن هل معنى هذا أن البخاري يرى التمتع أو يرى الحج الإفراد، أو يرى.. على ما سيأتي تقريره، يأتي رأيه في المسألة، لكن بدأ بالحج لأهميته، ثم ثنى بأحكام العمرة؛ لأنها أقل في الأهمية من الحج الذي هو ركن الإسلام، ثم بمحرمات الإحرام؛ لأن الأصل في الحج أن يكون خاليًا من هذه المحرمات، هذا الأصل، ولذلك حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذي يشرحه للناس مثلًا، ويجعله منسكًا، ويعتمد عليه منسكًا، ويقتصر عليه في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- من خروجه من بيته إلى رجوعه إليه يكفي منسكًا أم ما يكفي؟

المقدم: يكفي، يكفي.

طيب هل نقول: إن الناس يفترض فيهم أن يكونوا مثل النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يرتكبون محظورات؟ كيف نعرف أحكام المحظورات؟ حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- خالية تمامًا من المحظورات، فلا بد من ذكر المحظورات؛ لأنه لا بد أن يقع فيها بعض الجهال.

"ثم بمحرمات الإحرام، ثم بفضل المدينة، ومناسبة هذا الترتيب غير خفية على الفطن" قاله الحافظ.

أقول: بدأ الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بحكم الحج، فقال: "باب: وجوب الحج وفضله" واستدل بآية آل عمران {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} الآية، بدأ بحكم الحج فقال: باب وجوب الحج وفضله، لماذا؟

المقدم: الأصل ذكر الحكم، التأكيد على وجوب الحج.

لا، عندهم أن الحكم فرع عن التصور.

المقدم: الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

يعني هل نتصور الحج أولًا ثم نحكم عليه؟ أو نبين حكمه وأهميته في الشرع؛ ليكون دافعًا إلى معرفة صفته؟ وأما قولهم: إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره لما يحتاج إلى حكم؛ لما يخفى حكمه من حيث الاستدلال، يعني لو جاء شخص قال: ما حكم حجي يا شيخ مثلًا؟

المقدم: لازم نتصور حجه.

لا بد أن نتصور حجه لكي نحكم عليه، لكن لو قال لنا: ما حكم الحج؟ وما صفته؟ قلنا: الحج ركن من أركان الإسلام وصفته كذا؛ لأن الحكم إنما يحتاج إلى تأخيره إذا كان هذا الحكم مبنيًّا على التصور، لكن حكم الحج معلوم من الدين بالضرورة، معلوم بالضرورة من دين الإسلام، فلا ينبني هذا الحكم على تصور الحج، ولذا قدمه الإمام البخاري.

أقول: بدأ الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بحكم الحج فقال: باب وجوب الحج وفضله، واستدل بآية آل عمران، ولا شك أن الحج ركن من أركان الإسلام، لم يختلف في ذلك أحد من أهل العلم، ومن جحده كفر إجماعًا، من جحد وجوب الحج كفر إجماعًا، لا يتردد في كفره، واختلف فيمن تركه من غير جحد.

المقدم: نعم بمجرد الترك.

مجرد الترك، مقر، معترف بأن الحج ركن من أركان الإسلام وتركه، من غير جحد لوجوبه مع القدرة عليه، فحكم بكفره بعض العلماء، هذه رواية معروفة عن الإمام أحمد، وقول لأصحاب مالك، يعني ككفر تارك بقية الأركان، المعروف أن من لم يأت بالشهادتين الركن الأول متفق عليه أنه ما دخل في الإسلام أصلًا، «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» إذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا بها دماءهم.

الركن الثاني الصلاة من جحد وجوبها أو وجوب أي ركن من الأركان يكفر إجماعًا، لكن الكلام في تركها مع الإقرار بوجوبها جاءت الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تدل على كفره، كفر تارك الصلاة «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»

بالنسبة لبقية الأركان الزكاة والصوم والحج مسألة خلافية، فالقول بكفره رواية عن الإمام أحمد، وقول عند أصحاب مالك، لكن المرجح عند جماهير أهل العلم أنه لا يكفر، لكنه على خطر عظيم، يعني من ترك الركن الذي هو جانب الشيء الأقوى من تُرك ركنه يكاد أن يتهدم، وليس معنى هذا أنه إذا قيل: إن تارك الزكاة أو تارك الصيام أو تارك الحج لا يكفر أن هذا تقليل من شأنه أبدًا، ليس هذا معناه التقليل من شأنه، لكن المسألة مسألة حكم شرعي، فمثل هذا ينبغي أن ينتبه له، وعلى المعتمد عند جمهور أهل العلم أنه لا يكفر، لكنه على خطر عظيم، وقد جاء من قول عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه كتب إلى الأمصار عمر بن عبد العزيز: انظر إلى من كان ذا جدة فلم يحج فاضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين.

وجاء في المرفوع من حديث أبي أمامة وحديث حذيفة وحديث أبي هريرة من طريق متعددة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا، وإن شاء نصرانيًّا» والحديث مضعف بجميع طرقه عند أهل العلم مضعف، له طرق كثيرة تدل على أن له أصلًا كما يقول الحافظ ابن حجر في التلخيص.

 لكن ابن الجوزي أدخله في الموضوعات.

المقدم: أحسن الله إليكم.

الذين كتبوا من بعض الكتاب المعاصرين مع كل أسف ممن ينتسبون إلى دائرة الإسلام، وكتبوا أن الحج أشبه ما تكون بطقوس وثنية، وأخرجوا في هذا روايات وكتابات، هل هؤلاء يدخل حكمهم فيمن جحد وجوب الحج؟

لا شك أن مثل هذا خطر عظيم، وسيأتي النقل عن القرطبي في أن هذا قول لبعض الملاحدة، سيأتي النقل عن القرطبي في هذا، وأنه ينافي المروءة، رجل معروف بحشمته وهيبته يتجرد من ثيابه، رجل يسعى سعيًا شديدًا، وهذا خلاف يعني الوقار، رجل يرمي شيء من غير مرمى، فهذا عبث، يعني قيل هذا، لكل قوم وارث، وسيأتي النقل عن القرطبي في هذه المسألة.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، ولعلنا نستكمل -بإذن الله- ما تبقى من الكلام حول الحج وأحكامه، وكتاب الحج أيضًا وشرح أحاديث في حلقات قادمة.

أيها الإخوة والأخوات، بإذن الله سيكون لنا لقاءات متكررة لشرح كتاب الحج من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع ضيفنا الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شكر الله له. شكرا لكم على طيب المتابعة.

نسأل الله أن يتقبل من حجاج بيته وأن يوفقهم ويسددهم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.