شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (263)

 

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، مع بداية هذه الحلقة نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: لازلنا في أول حديث من كتاب الوضوء، في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- لعلنا نستكمل مع الإخوة والأخوات.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد،

فقد مضى الكلام على الترجمة الكبرى، والترجمة الفرعية، والرابط بين الحديث والترجمة، والآن في شرح ألفاظ الحديث، قوله:« لَا تُقْبَلُ» قال ابن حجر: كذا في روايتنا بالضم على البناء لما لم يُسمَّ فاعله، وأخرجه المصنف في ترك الحيل عن إسحاق بن نصر، وأبو داود عن أحمد بن حنبل كلاهما بلفظ:« لا يَقبل الله»، بناء الفعل للمجهول هنا ما فائدته؟

المُقَدِّم: «لَا تُقْبَلُ».

نعم؛ لأنَّ من الأغراض التي من أجلها يُبنى الفعل للمجهول فيحذف الفاعل منها العلم به، «لَا تُقْبَلُ» معلوم من الذي له القبول والرد؟

المُقَدِّم: الله سبحانه وتعالى.

الله- جلَّ وعلا-، خُلِقَ الإنسان ضعيفًا.

المُقَدِّم: الخالق هو الله.

الخالق هو الله- جلَّ وعلا-، كما أنَّه قد يُحذف للجهل به، سُرِق المتاع، إذًا من سرقه؟ وهناك أغراض كثيرة لبناء الفعل للمجهول ذُكرت في كتب العربية.

المراد بالقبول «لَا تُقْبَلُ» هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء، يقول: وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة، يقول: ولمَّا كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عُبِّر عنه بالقبول مجازًا، وأمَّا القبول المنفي في مثل قوله- عليه الصلاة والسلام-: « من أتى عرافًا لم تُقبل له صلاة» فهو الحقيقي؛ لأنَّه قد يصح العمل، ويتخلف القبول لمانع؛ ولهذا كان بعض السلف..، لهذا كان يقول بعض السلف: لئن تُقبل لي، لئن تُقبل لي صلاة واحدة أحب إليَّ من جميع الدنيا، قاله ابن عمر قال: لأنَّ الله تعالى يقول: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]، وقال العيني بعدما ذُكر من كلام الحافظ من غير عزو يعني بحروفه ذكره، من غير عزو؛ لأنَّه متى يعزو؟ العيني ينقل كثيرًا عن ابن حجر، لكن متى يعزو؟ إذا أراد الرد.

المُقَدِّم: إذا بغى الرد.

ولا يعزو صراحة، بل يقول..

المُقَدِّم: قال أحدهم.

 قال بعضهم، نعم، يقول: والتحقيق هاهنا أنَّ القبول يراد به شرعًا حصول الثواب، وقد تخلف عن الصحة بدليل صحة صلاة العبد الآبق، وشارب الخمر مادام في جسده شيء منها، والصلاة في الدار المغصوبة على الصحيح عند الشافعية أيضًا. وأمَّا ملازمة القبول للصحة ففي قوله- عليه الصلاة والسلام-:« لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار»، والمراد بالحائض من بلغت سن المحيض، فإنَّها لَا تُقْبَلُ صلاتها إلا بالسترة، ولا تصح ولَا تُقْبَلُ مع انكشاف العورة، والقبول يفسر بترتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء، فقوله- عليه الصلاة والسلام-: « لا يقبل الله صلاة مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» عام في عدم القبول في جميع المُحدثِين، في جميع أنواع الصلاة.

والمراد بالقبول وقوع الصلاة مجزئة لمطابقتها للأمر، فعلى هذا يلزم من القبول الصحة ظاهرًا وباطنًا، وكذلك العكس. الآن هل من لزوم القبول الصحة؟ نعم، حكمًا فقهيًّا صحيح، لكن قد يقبل الله العمل من جاهل عُذِرَ بجهله مثلًا، لكنه ليس بصحيح ظاهرًا، وقد يصح العمل ولا يكون مقبولًا، فلا تلازم بينهما على ما سيأتي بيانه.

المُقَدِّم: لكن هذا مرادهم المراد الفقهي؟

نعم الظاهر، الحكم الظاهر.

المُقَدِّم: الظاهر.

 نعم، يعني لو أنَّ جاهلًا صلى صلاة أسقط منها ركنًا أو شرطًا.

المُقَدِّم: الفقهاء يقولون: صلاتك غير صحيحة.

«صلِّ فإنَّك لم تصلِّ»، وأمَّا ما عند الله- جلَّ وعلا- من القبول المعني به ترتيب الثواب على العبادة، هذا يتولاه الله- جلَّ وعلا-، ونُقل عن بعض المتأخرين- تبع كلام العيني- أنَّ الصحة عبارة عن ترتب الثواب والدرجات على العبادة، والإجزاء عبارة عن مطابقة الأمر فهما متغايران، أحدهما أخص من الآخر، ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، فالقبول على هذا التفسير أخص من الصحة، فكل مقبول صحيح ولا عكس.

الخلاصة، الحاصل أنَّ نفي القبول يطلق ويراد به نفي الصحة كما هنا، يطلق ويراد به نفي الصحة كما هنا، ويطلق ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة كما في «لا يقبل الله صلاة العبد الآبق، ولا من في جوفه خمر»، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]، إذ لم يقل أحد من أهل العلم بإعادة عبادة الفاسق، بل عباداته صحيحة مجزئة مسقطة للطلب، والمنفي القدر الزائد على ذلك، يعني يأتي نفي القبول في النصوص ويُراد به نفي الصحة، كما هنا« لا يقبل الله صلاة مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»، نعم، وكما في « لَا تُقْبَلُ صلاة حائض إلا بخمار»، يُطلق نفي القبول مع وجود الصحة، العبادة صحيحة، لكن نفي القبول يُراد به نفي الثواب المرتب على العبادة، مثل:« لا يقبل الله صلاة عبد أبق ولا من في جوفه خمر»، { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] ما فيه أحد من أهل العلم قال: إنَّ الفُساق يلزمهم إعادة العبادات حتى يكونوا من المتقين، لكن قد يقول قائل: كيف نفرق بين النصوص هذه؟ ما الضابط لهذا الأمر؟ هناك ضابط؟

أقول: الفرق بين الأمرين يُمكن أن يرجع إلى قاعدة شرعية هي كما قال الحافظ ابن رجب في قواعده، القاعدة التاسعة في العبادات الواقعة على وجه محرم، إن كان التحريمُ عائدًا إلى ذات العبادة على وجه يختص بها لم يصح، يعني لم تصح هذه العبادة، إذا كان التحريم عائدًا إلى ذات العبادة على وجه يختص بها لم تصح، وإن كان عائدًا إلى شرطها فإن كان على وجه يختص بها فكذلك أيضًا، وإن كان لا يختص بها ففي الصحة روايتان، أشهرهما عدمها.

يعني الخلاصة أنَّه إذا كان النهي عائدًا إلى ذات العبادة أو إلى شرطها لم تصح، وإن عاد إلى ما ليس بشرطٍ فيها يعني أمرًا خارجًا عن العبادة وعن شرطها.

المُقَدِّم: الصواب أنَّها لم تصح.

ففي الصحة وجهان، واختار أبو بكر عدم الصحة، وخالفه الأكثرون، يعني أنَّها تصح، من أمثلة الأول، صوم يوم العيد، فلا يصح بحال، لماذا؟

المُقَدِّم: في ذاتها.

ذات العبادة، نعم، ومن أمثلة الثاني: الصلاة بالنجاسة أو بغير سترة، وأشباه ذلك؛ لأنَّ النهي عاد إلى شرط العبادة، وللثالث أمثلة.

المُقَدِّم: الذي هو خارج عنها.

لا.

المُقَدِّم: الشرط.

الشرط الذي..

المُقَدِّم: لا يتبعها.

لا يختص بها، أمثلة كثيرة الوضوء بالماء المغصوب، واحد سرق ماءً، فتوضأ به هل الماء خاص بالعبادة، أو يُمكن أن يُشرب، يُمكن أن يُتبرد به، يُمكن أن يُغسل به ثوب مثلًا؟

المُقَدِّم: الصلاة في المكان المغصوب.

في الدار المغصوبة، في ثوب الحرير، والثالث الذي هو عائد للشرط الذي لا يختص بها، منها الوضوء بالماء المغصوب، والصلاة في الثوب المغصوب، والحرير، والدار المغصوبة.

وللرابع: لا، من الخارج، أمثلة منها الوضوء من الإناء المحرم، وصلاة من عليه عمامة حرير، أو غصب ، أو في يده خاتم ذهب أو غير ذلك، يعني فرق بين أن يستر بدنه.

المُقَدِّم: كاملًا.

بما فيه العورة المشترط سترها للصلاة التي هي شرط.

المُقَدِّم: وبين أن يُغطي رأسه.

بحرير، أو مغصوب، وبين أن يُغطي رأسه أو يلبس خاتم ذهب وهو محرم، هذا عاد إلى الشرط، وهذا عاد إلى أمر خارج.

المُقَدِّم: لو نزع العمامة أو الخاتم ما تأثر.

نعم، ما تأثرت الصلاة.

المُقَدِّم: بخلاف ما لو نزع الثوب الحرير الذي يغطي العورة.

نعم، فالخلاصة أنَّه إذا عاد النهي إلى ذات العبادة، أو إلى شرطها...

المُقَدِّم: فلا تصح.

فالصلاة غير صحيحة، إذا عاد إلى أمر خارج فالصلاة صحيحة مع الإثم. ونأتي إلى «لا يقبل الله صلاة مَنْ أَحْدَثَ» هذا عاد إلى إيش؟ الشرط، عاد إلى شرطها وهو الحدث، وكذلك «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» ستر الرأس شرط بالنسبة لمن بلغت المحيض. وأمَّا بالنسبة لمن في جوفه خمر، العبد الآبق هل له علاقة بالصلاة؟ لا علاقة له؛ إذًا القبول هنا يُراد به نفي الثواب، أم يُراد به نفي الصحة.

« لَا تُقْبَلُ صلاة» نكرة في سياق النفي فتعم جميع ما يُطلق عليه اسم الصلاة.

المُقَدِّم: لكن تطبيقات هذه ذكرتها عن ابن رجب في القواعد يا شيخ؟

نعم في قواعده، في القاعدة الثامنة.

المُقَدِّم: على أساس لو أراد أحد...

في القاعدة التاسعة، نعم القاعدة التاسعة، وابن رجب- رحمه الله- وضحها، أجملها.

المُقَدِّم: وضحها.

نعم، وهذه يحتاج إليها كل طالب علم.

المُقَدِّم: يعني يا ليت الإخوة لو أرادوا الرجوع إليها؛ لأنَّها مهمة أيضًا في تطبيقات كثيرة ليست في هذا الباب فقط.

كثيرة جدًّا، النصوص في هذا الباب كثيرة؛ لأنَّ مذهب الظاهرية أنَّ البُطلان ملازم للنهي، كل من ارتكب محرمًا في صلاته بطلت صلاته، لتضاد الأمر والنهي، عندهم الأمر والنهي متضادان، ولو كان النهي لا علاقة له بالعبادة.

أهل العلم، الجمهور يفرِّقون بين ما يختص بالعبادة، وبين ما هو جزء منها، وبين ما هو ركن لها، أو شرط لها، يعني تبطل ببطلانه، تبطل ببطلانه، فمثل هذا لا شك أنَّ له أثرًا في هذه العبادة، وأمَّا الأمور خارجها فلا يُشترط لصحة الصلاة أن لا يكون متلبسًا بمعصية.

المُقَدِّم: وشرح القواعد يا شيخ، من شرحها؟

شرح مطبوع ما فيه، لكن سُجِّل عليها أشرطة لبعض المشايخ ومع ذلك ليست كاملة.

المُقَدِّم: السعدي- رحمه الله- ما شرحها يا شيخ؟

لا لا، اختصرها، وليس باختصار أيضًا، هو تجريد للقواعد يعني يأتي إلى رأس القاعدة ...

المُقَدِّم: يجردها.

يجردها ويجعلها في مصنف كأنَّه للمراجعة، ما ألَّفه تأليفًا، إنَّما هو للمراجعة.

المُقَدِّم: ومع ذلك أُخرج.

أُخرج، واعتني به، ووضع فيه دروس، ومع ذلك الكتاب حقيقة ولو أنَّ ابن سعدي ألَّف في القواعد، يعني صاغ القواعد بأسلوبه المتميز- رحمه الله-.

المُقَدِّم: رحمه الله.

أو وضح هذه القواعد بأمثلة يبسطها كعادته، لأبدع، لكنه في هذا الكتاب إنَّما هو كالتذكرة، ولم يألِّفه قصدًا لإفادة طلاب العلم؛ لأنَّه ما يتصرف في القاعدة بحروفها، يذكرها، ويجردها عن الأمثلة التي طالب العلم بأمس الحاجة إليها، فليست بمصنف، فأنا أعتبرها تذكرة يتذكر فيها الشيخ القواعد، جردها في كراسة عنده، فتلقَّاها الناس ثقة بالشيخ وحققوها وطبعوها ودرسوها، والشيخ لا شك أنَّه محل ثقة.

المُقَدِّم: رحمه الله.

رحمة الله عليه.

يقول: «صلاة» نكرة في سياق النفي، فتعم جميع ما يُطلق عليه اسم الصلاة كالفرائض والنوافل المعتادة وغيرها، والجنازة، والخلاف في سجود الشكر والتلاوة هل يسميان صلاة أو لا يسمى صلاة إلا ركعة كاملة فأكثر؟ على ما سيأتي تقريره- إن شاء الله تعالى-.

« مَنْ أَحْدَثَ» أي من وجد منه الحدث، والمراد به الخارج من أحد السبيلين، قاله الحافظ، وقال العيني: الحدث عبارة عما نقض الوضوء، وهو بموضوعه يُطلق على الأكبر كالجنابة والحيض والنفاس، والأصغر كنواقض الوضوء، وقد ذكر الفقهاء أنَّ الحدث وصف حكمي مقدر قيامه بالأعضاء على معنى الوصف الحسي، وينزلون الوصف الحكمي منزلة الحسي في قيامه بالأعضاء، وفسر البهوتي في شرح الزاد الحدث بأنَّه الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها.

وصف حكمي قائم بالبدن، يعني صلاة مَنْ أَحْدَثَ، لكن قوله: (ما الحدث)، تفسير أبي هريرة على ما سيأتي لا شك أنَّه اقتصار على بعض الأمثلة، والمُحدث من لزمه لصلاة ونحوها وضوء أو غُسل أو هما أو تيمم، قاله في حاشية ابن القاسم على الروض.

« حَتَّى يَتَوَضَّأَ» أي بالماء أو ما يقوم مقامه، وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعًا «الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين» فأطلق الشارع على التيمم أنَّه وضوء؛ لكونه قام مقامه، ولا يخفى أنَّ المراد بقبول صلاة من كان محدثًا فتوضأ أي مع باقي الشروط، مع باقي شروط الصلاة، يعني ليست هذه هي الغاية الوحيدة «حَتَّى يَتَوَضَّأَ» ليست هي الغاية الوحيدة، وإنَّما هي من الغايات التي تصحح الصلاة كسائر الشروط.

يقول: وما أحدثت توضأت، أنت صليت عريان مثلًا، الصلاة صحيحة؟ لأنَّ الله يقول:« لا يقبل صلاة مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»، هذا خاص بالحدث، وهناك شروط أخرى متعلقة بأمور أخرى لم يتعرض الحديث لها نفيًا ولا إثباتًا.

وفي عمدة القاري قوله: «حَتَّى يَتَوَضَّأَ» نفي القبول إلى غاية وهي الوضوء، وما بعد الغاية مخالف لما قبلها، فاقتضى قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقًا، ودخل تحت الصلاة الثانية قبل الوضوء لها ثانيًا، وتحقيقه أنَّ لفظ «صلاة» اسم جنس فيعم الضمير في قوله: «حَتَّى يَتَوَضَّأَ» يرجع إلى قوله: «مَنْ أَحْدَثَ»، وبهذا ينتهي الحديث، وما بعده مدرج.

المُقَدِّم: نعم، قال رجل.

قال الكرماني: والظاهر أنَّه من همام، « قال رجل من حضرموت» يقول الكرماني: حضرموت بفتح المهملة وسكون المعجمة، وفتح الميم اسم بلد باليمن، وقبيلة أيضًا، وهما اسمان جعلا اسمًا واحدًا، الأصل أنَّه مركب من كلمتين، حضر، وموت، اسمان جعلا اسمًا واحدًا، والاسم الأول منه مبني على الفتح على الأصح؛ لأنَّه مركب تركيبًا مزجيًّا، يُبنى على الفتح، إذ قيل ببنائهما حضرَموتَ كأحد عشرة، نعم، إذ قيل ببنائهما، وقيل بإعرابهما، فيُقال: هذا حضرُموتٍ.

المُقَدِّم: ومررت بحضرِموتٍ.

نعم، ورأيت، أو ودخلت حضرَموتٍ، نعم، برفع الراء وجر التاء، هذا حضرُموتٍ، وقال الزمخشري: فيه لغتان:

-       التركيب ومنع الصرف، التركيب يقتضي بناء الجزء الأول على الفتح، ومنع الصرف بناءً على جره بالفتحة، دخلتُ، أو مررتُ بحضرَ، التركيب، إذا قلنا مركب بنينا الجزء الأول على الفتح، مررتُ بحضرَموتَ إذا منعنا من الصرف.

المُقَدِّم: فتح الجزأين.

لا، الثاني مضاف إليه، لكنه مع ذلك ممنوع من الصرف؛ للعلمية والتأنيث، بقعة.

-       وثانيها: الإضافة، فإذا أضفته جاز في المضاف إليه الصرف وتركه، المضاف إليه يجوز فيه الصرف وتركه، فتقول: مررتُ بحضرَموتٍ، أو مررتُ بحضرَموتَ، ويجوز الصرف؛ لأنَّك تطلق اللفظ وتريد به المكان، فيكون هناك علة واحدة العلمية دون التأنيث، وإذا تركت الصرف، منعته من الصرف أردت البقعة فيكون فيه العلمية والتأنيث، ظاهر أم ليس بظاهر؟

يقول: فإذا أضفته جاز في المضاف إليه الصرف وتركه، واضح أم لا؟ الأول: حضرَ هذا مبني؛ لأنَّه مركب.

المُقَدِّم: مركب.

نعم، وإذا قلنا بعدم التركيب أعربناه، فنقول: هذا حضرُموتٍ مثلما تقدم.

« مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟»، وفي رواية: « فما الحدث؟ قال أبو هريرة: هو فساء» بضم الفاء والمد، «أو ضراط» بضم الضاد، وهما يشتركان في كونهما ريحًا خارجًا من الدبر، لكنَّ الثاني مع صوت، والأول بدونه، قاله الكرماني والقسطلاني.

قال ابن بطال: أجمعت الأُمَّة على أنَّه لا تُجزئ صلاة إلا بطهارة على ما جاء في الحديث، وأمَّا قول أبي هريرة:« الحدث فساء أو ضراط» فإنما اقتصر على بعض الأحداث؛ لأنَّه أجاب سائلًا سأله عن المصلي يُحدث في صلاته، فجوابه خرج على ما يسبق المصلي من الأحداث في صلاته؛ لأنَّ البول والغائط والملامسة غير معهودة في الصلاة، ولم يقصد به إلا تعيين الأحداث، والأحداث التي أجمع العلماء على أنَّها تنقض الوضوء سوى ما ذكره أبو هريرة، البول، والغائط، والمذي، والودي، والمباشرة، وزوال العقل بأي حال زال، والنوم الكثير، والأحداث التي اختلف في وجوب الوضوء منها، القبلة، والجسة، ومس الذكر، والرعاف، ودم الفصد وما يخرج من السبيلين نادرًا غير معتاد مثل سلس البول والمذي، قال: المذي هنا وهناك، ذكره في المجمع عليه والمختلف، لماذا؟

نعم، هو مجرد خروج المذي ناقض للوضوء، لكن كونه لا ينقطع دائم مثل سلس البول، لا ينقض على الخلاف، ودم الاستحاضة والدود يخرج من الدبر وليس عليه أذى، هذه الأمور والمباحث كلها ستأتي إن شاء الله تعالى في أبواب الوضوء، وستأتي مذاهب العلماء فيها في مواضعها إن شاء الله تعالى.

قال ابن حجر: فسر أبو هريرة الحدث بالأخف، يعني هذه أخف الأحداث، تنبيهًا به على الأغلظ؛ ولأنَّهما قد يقعان في أثناء الصلاة أكثر من غيرها، لكن ماذا عن النوم؟ لو نام وهو ساجد، أليس أخف مما ذكره أبو هريرة؟

المُقَدِّم: بلى.

لماذا؟ لأنَّ غاية ما يقع من النائم ما ذكره أبو هريرة، ويقع من المصلي أيضًا، فكلام ابن حجر فيه ما فيه، فسر أبو هريرة الحدث بالأخف تنبيهًا به على الأغلط؛ ولأنَّهما قد يقعان في أثناء الصلاة أكثر من غيرها، وأمَّا باقي الأحداث فمختلف فيها بين العلماء كمسِّ الذكر، ولمس المرأة، والقيء ملء الفم، والحجامة، فلعل أبا هريرة كان لا يرى النقض بشيء منها، وعليه مشى المصنف كما سيأتي في باب من لم يرَ الوضوء إلا من المخرجين.

المُقَدِّم: طيب ابن حجر يا شيخ قبل قليل قرر هذا؟

كيف ابن حجر؟

المُقَدِّم: ابن حجر؟

نعم.

المُقَدِّم: ما يُمكن يُقال: إنَّ مذهبهم لا يرى النقض بالنوم اليسير مثل نوم الصلاة وغيرها؟

ليس مسألة النوم اليسير حتى الإنسان لو استغرق في سجوده، لماذا قلنا إنَّه ناقض؟ لأنَّ النوم مظنة حدث، كما في الحديث: « النوم وكاء السه» فإذا نامت العينين استطلق الوكاء، فإذا كانت الغاية، الغاية أشد من الوسيلة، فقوله تنبيهًا بالأخف على الأغلظ، لو كان كذلك لنبه بالنوم الذي هو مظنة حدث، ولعل أبا هريرة لا يرى مثلًا النقض بالنوم كما سيأتي بيانه وذكر المذاهب فيه.

وقيل: إنَّ أبا هريرة اقتصر بالجواب على ما ذكره؛ لأنَّ السائل كان يعلم ما عدا ذلك، وفيه بُعد، يعني كيف يعلم بعض الأحداث الناقضة، ولا يعلم أنَّ الفساء والضراط تنقض الوضوء؟ لا شك أنَّ هذا فيه بُعد، واستدل بالحديث على بُطلان الصلاة بالحدث، سواءٌ كان خروجه اختياريًّا أم اضطراريًّا.

وفي شرح الكرماني فإن قلت: ما بال الصلاة التي تكون بالتيمم هل تكون مقبولة؟ قلت: التيمم قائم مقام الوضوء وبدله، فله حكمه، واقتصر على حكم الوضوء؛ نظرًا إلى كونه الأصل.

 وفيه من الفقه أنَّ الصلوات كلها مفتقرة إلى الطهارة، ويدخل فيها صلاة الجنائز، والعيدين، وغيرها. وفيه أنَّ الطواف لا يجزئ بغير طهور؛ لأنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- سمَّاه صلاة فقال: «الطواف صلاة إلا أنَّه أباح فيه الكلام»، يقول: فيه أنَّ الصلوات كلها مفتقرة إلى الطهارة، ويدخل فيها صلاة الجنائز، إلا بالوضوء، ولا يُعدل عن الوضوء إلا عند عدم الماء، أو عدم القدرة على استعماله، وبعض أهل العلم وإليه ميل شيخ الإسلام أنَّه إذا خُشي أن تُرفع الجنازة تيمم وصلى، وهذا الحديث ردٌّ عليه؛ لأنَّ الوضوء شرط، ولا يُعدل عنه إلا مع عدمه أو عدم القدرة عليه. وفيه أنَّ الطواف لا يجزئ بغير طهور؛ لأنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- سمَّاه صلاة فقال: « الطواف صلاة إلا أنَّه أباح فيه الكلام».

ويقول العيني: قلتُ: اشتراط الطهارة للصلاة، للطواف، اشتراط الطهارة للطواف بخبر الواحد زيادة على النص، وهي نسخ، يعني عندهم، عند الحنفية زيادة على النص نسخ، فلا يثبت به، وقوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] هذا أمر بالطواف، وليس فيه طهارة.

الطهارة ثبتت بهذا الخبر، وهو خبر واحد في مقابل نص قطعي، وهذا عندهم نسخ؛ لأنَّه زيادة على النص فيكون نسخًا، والآحاد لا ينسخ القطعي، ومع ذلك النبي- عليه الصلاة والسلام- طاف متوضئًا طاهرًا، وقال:« خذوا عني مناسككم»، والأدلة على هذا تأتي في مكانها، إن شاء الله تعالى.

يقول العيني: قلتُ: اشتراط الطهارة للطواف بخبر الواحد زيادة على النص، وهو نسخ فلا يثبت به، وهو قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ} [الحج:29]، غير أنَّا نقول بوجوبها. يقولون بوجوب الطهارة، الحنفية لخبر الواحد، لكنهم لا يرونها شرطًا، ومعنى الحديث الطواف كالصلاة، والتشبيه في الثواب دون الحكم؛ لأنَّ التشبيه لا عموم له، ألا ترى أنَّ الانحراف والمشي فيه لا يفسده؟ يعني بخلاف الصلاة، والحديث مُخرَّج عند الترمذي وابن حبان والحاكم، واختلفوا في رفعه ووقفه، صححه جمع من أهل العلم، وسيأتي في مكانه، إن شاء الله تعالى.

المُقَدِّم: شكر الله لكم، وجزاكم خيرًا، أيُّها الإخوة والأخوات انتهت حلقتنا في هذا الحديث من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لنا بكم لقاء لاستكمال بإذن الله ما تبقى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.