شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1428 هـ) - 13

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في بداية الحلقة نرحب بضيف البرنامج الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في حديث عائشة -رضي الله عنها- في باب صيام يوم عاشوراء، لعلنا نستكمل ما تبقى، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

في آخر الحلقة السابقة ذكرنا ما قاله ابن القيم في مراتب صوم يوم عاشوراء.

يقول: أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، يعني الأكمل، المرتبة الأولى: صيام ثلاثة أيام، التاسع والعاشر والحادي عشر، والثانية: أن يصام التاسع والعاشر، والتاسع أفضل من الحادي عشر، لماذا؟

المقدم: للنص: «لئن بقيت إلى قابل».

النص: «لأصومن التاسع».

وصيام الحادي عشر للمخالفة، ولقوله: «صوموا يومًا قبله و بعده»، «أو يومًا قبله أو بعده».

يلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم -يعني يتم به، إفراد العاشر يتم به إدراك سنة صوم يوم عاشوراء لكن لا يتم به مخالفة أهل الكتاب، وامتثال الأمر: «صوموا يومًا قبله أو بعده» لكن الذي يُسأل عنه كثيرًا: هل بالفعل الثلاثة أكمل بناءً على رواية (الواو) التي تقتضي الجمع، «صوموا يومًا قبله ويومًا بعده»، وهي في المسند والسنن؟ وأما رواية (أو) التي في الصحيح، رواية (أو)، «صوموا يومًا قبله أو بعده» هذه في الصحيح، فابن القيم -رحمه الله- حينما يقول: الأكمل الثلاثة اعتمادًا على رواية (الواو) التي تقتضي الجمع مع أن رواية (أو) لا تعارضها.

المقدم: أصح.

هي أرجح بلا شك، لكنها لا تعارضها من حيث اللغة؛ لأن (أو) قد تأتي بمعنى (الواو)، وربما عاقبت (الواو) يعني قد تأتي للتخيير، قد تأتي للإباحة، قد تأتي للتقسيم، قد تأتي للشك، لقد قد تأتي بمعنى (الواو)، ابن القيم إما أن يقول: إن (أو) هنا بمعنى (الواو)، وعلى هذا يكون عمل بجميع النصوص؛ لأنه لو رجح الرواية الصحيحة، الأصح، رواية (أو) «أو يومًا بعده»، مقتضى الترجيح أن يلغي الرواية الثانية، لكن إذا قلنا: إن (أو) هنا بمعنى (الواو)، بمعنى (الواو) اجتمعت الروايات كلها، ويتجه قول ابن القيم: أكملها أن يصام يومًا قبله ويومًا بعده لا سيما عند الشك في دخول الشهر، عند الشك في دخول الشهر إذا صمت من باب الاحتياط وعملًا بهذه الرواية لتدرك العاشر بيقين.

يلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، عليه أكثر الأحاديث، لكن إذا شككت في دخول الشهر، ثم بعد ذلك الحساب جارٍ على أن الشهر ناقص -شهر ذي الحجة-، فهل الأفضل أن تصوم التاسع والعاشر، أو تصوم العاشر والحادي عشر، يعني الأحوط؟ إذا كان شهر ذي الحجة ناقصًا، وأُدخل الشهر بالحساب -كما هو المعمول به الآن، يعني بالتقويم- ولا أُعلن عن الدخول الشرعي لهلال المحرم، فماذا يفعل المكلف في مثل هذه الصورة؟ كثير من الناس إلى اليوم التاسع يسألون متى دخل الشهر؟ لكن افترض أن شخصًا ما وصل إلى الحقيقة، وعنده التقويم شهر ذي الحجة (29)، يوم الثلاثاء (29) ذي الحجة، يوم الأربعاء (1) محرم، هل الأفضل في مثل هذه الصورة أن يصوم التاسع والعاشر، أو يصوم العاشر والحادي عشر؟ هو يقول: لن أصوم ثلاثة أيام، ظروفي ما تمكنني أن أصوم ثلاثة أيام، فهل نقول: صم العاشر والحادي عشر باعتبار أن ذا الحجة ناقص؟ لتدرك العاشر بيقين؛ لاحتمال أن يكون شهر ذي الحجة كاملًا، ثم تكون صمت الثامن والتاسع، بخلاف ما إذا لو كُمل الشهر بالحساب، وعليه التقويم، إذا كمل شهر ذي الحجة (30)، نقول: صم التاسع والعاشر، وأنت حينئذ أدركت العاشر بيقين، فإن كان بالفعل كاملًا صمت التاسع والعاشر، وإن كان ناقصًا تكون صمت العاشر والحادي عشر.

يلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم، وقلنا: إنه تتحقق فيه الأحقية بموسى، ولا تتحقق فيه مخالفة أهل الكتاب، فهي مرتبة مفضولة.

وأما إفراد التاسع -يقول ابن القيم- فمن نقص فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع، والله الموفق للصواب، وقد سلك بعض أهل العلم مسلكًا آخر، فقال: قد ظهر أن القصد مخالفة أهل الكتاب -وهذا أيضًا تقدم في الحلقة السابقة-، قد ظهر أن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة، مع الإتيان بها، وذلك يحصل بأحد أمرين: إما بنقل العاشر إلى التاسع -يعني ما يدرى، وعد النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه إن بقي، ولم يبق، وتأويل كلامه: «لئن بقيت» التطبيق، والتطبيق ما حصل-، إما بنقل العاشر إلى التاسع، أو بصيامهما معًا -وهذا غيب-، فيبقى أن المجزوم به العاشر، وقد فعله، والتاسع وقد تمناه -إذًا، إذا نحقق بالفعل صوم العاشر، والتاسع بالأمنية والهم-، إما بنقل العاشر إلى التاسع، أو بصيامهما معًا، وقوله: «إذا كان العام القابل صمنا التاسع» يحتمل الأمرين -إما أن يصوم التاسع مقتصرًا عليه، أو يضمه إلى العاشر-، فتُوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يتبين لنا مراده، فكان الاحتياط صيام الأمرين معًا، والطريقة التي ذكرناها أصوب -فيما تقدم-، ومجموع أحاديث ابن عباس يدل عليها، أو عليها تدل؛ لأن قوله في حديث أحمد: «خالفوا اليهود، وصوموا يومًا قبله ويومًا بعده»، راوي الحديث هو ابن عباس، الذي يُفهم من كلامه أن عاشوراء هو اليوم التاسع، هو الذي روى حديث، المخرج في المسند: «خالفوا اليهود، وصوموا يومًا قبله ويومًا بعده»، وهو أيضًا راوي حديث الترمذي: أمرنا بصيام عاشوراء يوم العاشر، فيبين صحة الطريقة التي سلكناها، والله أعلم.

يعني ابن القيم يقول: هذا من دقة فهم ابن عباس، ولا تتضح دقة فهم ابن عباس إلا إذا كان الذي سأله يريد أن يقتصر على التاسع، فقال ابن عباس، يريد أن يقتصر على العاشر.

المقدم: ففهم من حاله ذلك، فأمره بالتاسع.

بالتاسع، مع أن العاشر في ذهنه، ما يحتاج إلى أن ينبه عليه.

قوله: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية.

يقول القسطلاني: يحتمل أنهم اقتدوا في صيامه بشرع سالف، يحتمل أنهم اقتدوا في صيامه بشرع سالف، ولذا كان يعظمونه بكسوة البيت الحرام -كسوة الكعبة- بكسوة الكعبة، البيت الحرام فيه، ونحوه في فتح الباري، يعني كأنه أخذه من ابن حجر.

يقول ابن حجر: ثم رأيت في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن ذلك، فقال: أذنبت قريش ذنبًا في الجاهلية، فعظم في صدورهم، فقيل لهم: صوموا عاشوراء، يكفر ذلك، هذا أو معناه.

يعني لماذا كان الجاهلية يصومونه، ومعروف أنهم لا يتدينون بدين؟ نعم منهم أفراد وأفذاذ على بقايا من دين إبراهيم -عليه السلام-، أو ممن تأثر بسفر أو نحوه بديانة أخرى، لكن الأصل في الجاهلية الجهل، لكن ما ذكره ابن حجر يقول: ثم رأيت في المجلس الثالث من مجالس الباغندي عن عكرمة أنه سئل عن ذلك، فقال: أذنبت قريش ذنبًا في الجاهلية، فعظم في صدورهم، فقيل لهم: صوموا عاشوراء، يكفر ذلك، هذا أو معناه، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه -يعني عاشوراء-، وزاد أبوا الوقت وذر، كيف؟ وزاد أبوا الوقت وذر وابن عساكر: في الجاهلية -كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه في الجاهلية، عندك أو ليس عندك؟ وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه في الجاهلية، في الأصل.

المقدم: بدون الجاهلية.

نعم؛ لأنها في بعض الروايات دون بعض، يقول: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه -أي عاشوراء-، زاد أبوا الوقت وذر -يعني أبو الوقت عبد الأول، وأبو ذر عبد بن أحمد الهروي، والقاعدة أنه إذا أُريد تثنية المتضايفين، يثنى المضاف- وابن عساكر: في الجاهلية، قال ابن حجر: أي: قبل أن يهاجر إلى المدينة.

المقدم: تكون جاهلية؟

يعني باعتبار أن الصبغة على عموم الناس، يعني الذين دخلوا في الإسلام؟

المقدم: قلة.

قلة.

ويقول ابن حجر: أي: قبل أن يهاجر إلى المدينة.

وتعقب العيني ابن حجر، بقوله: قلت: هذا كلام غير موجه -يعني غير متجه-؛ لأن الجاهلية إنما هي قبل البعثة، فكيف يقول: وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصومه في الجاهلية، ثم يفسره بقوله: أي قبل الهجرة؟ لأن الوصف في الجاهلية، يعني هل يوصف الإنسان بما يتعلق بعموم الناس أو بما يتعلق به خاصة؟

المقدم: ما يتعلق بعموم الناس.

يعني هل نقول: يعني قوله: في الجاهلية، أي: قبل الهجرة، عموم الناس يعني غالب الناس في جاهلية، ودخل الناس في دين الناس أفواجًا بعد الفتح، هذا ما يتعلق بعموم الناس، لكن ما يتعلق به -عليه الصلاة والسلام- قبل، بعد البعثة؟

المقدم: بعد البعثة ليست جاهلية.

فإذا وُصف أو ذُكر الظرف في أمر من الأمور يتعلق بشخص من الأشخاص، فهل يكون الظرف بالنسبة لهذا الشخص أو بالنسبة لعموم الناس؟ لو قيل مثلًا: إن عمر بن الخطاب كان في الجاهلية يفعل كذا؟

المقدم: المراد به قبل إسلامه.

إذًا ما يتعلق بالشخص نفسه، الظرف فيما يتعلق بالشخص نفسه.

المقدم: لكن في حق النبي -عليه الصلاة والسلام- يختلف يا شيخ، يظهر.

كيف؟

المقدم: لما يقول: كان يصومه -عليه الصلاة والسلام- بعد البعثة، فهذا حكم شرعي، تشريع، لكن قبل بعثته -عليه الصلاة والسلام-؟

كان يصومه في الجاهلية.

المقدم: بس يختلف لما نقول: في الجاهلية، وبعد مبعثه -عليه الصلاة والسلام-.

ما قيل: بعد مبعثه.

المقدم: إذًا يستبعد أن يكون يصومه، المراد به في الجاهلية.

قبل الهجرة.

المقدم: قبل الهجرة، وما يخص عموم الناس، يستبعد، خصوصًا في حق مثل هؤلاء العلماء، هم يعرفون أنه في صومه -عليه الصلاة والسلام- بعد بعثته تشريع.

يعني الكلام في هذه اللفظة: في الجاهلية، هل هي ثابتة ولا غير ثابتة؟ هي عند أبي الوقت وأبي ذر وابن عساكر، ولا توجد عند غيرهم، فإذا أثبتها، أثبتها ابن حجر، وعليها شرح؛ لأنه على رواية أبي ذر، وفسر الجاهلية بما قبل الهجرة، قال ابن حجر: أي: قبل أن يهاجر إلى المدينة، العيني تعقبه بقوله: قلت: هذا كلام غير موجه؛ لأن الجاهلية إنما هي قبل البعثة، فكيف يقول: وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصومه في الجاهلية، ثم يفسره بقوله: أي: قبل الهجرة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أقام نبيًّا في مكان ثلاث عشرة سنة، فكيف يقال: صومه كان في الجاهلية؟

أولًا: النظر في ثبوت لفظ: في الجاهلية، ثم بعد ذلك: إذا قلنا: في الجاهلية، معناه أنه يصومه مع قومه قبل البعثة، ويتجه كلام العيني، إن لم تثبت هذه اللفظة، وهي في كثير من الروايات غير موجودة، فلا داعي لكلام ابن حجر، ولا لكلام العيني، لكن هل كلام ابن حجر يمكن توجيهه؟ باعتبار أن عموم الناس في جاهلية، لكن الكلمة المتبادر منها والمفهوم عند عموم الناس أن الجاهلية ما كان قبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-.

يقول ابن حجر: وأفادت -يعني هذه اللفظة- تعيين الوقت الذي وقع فيه الأمر بصيام يوم عاشوراء.

يعني الرواية التي معنا: ليست لفظ: في الجاهلية، الرواية تقول: وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، هذه الرواية أفادت تعيين الوقت الذي وقع فيه الأمر بصيام عاشوراء، وقد كان أول قدومه المدينة، ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، يعني هل يعني يظهر من اللفظ أنه مجرد أن قدم المدينة أمر بصيامه؟ أو لما جاء في أول مناسبة له؟

المقدم: نعم، أول مناسبة.

يقول: وكان أول قدومه المدينة ولا شك، وأفاد تعيين الوقت الذي وقع فيه الأمر بصيام عاشوراء، وكان أول قدومه المدينة، ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول، فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية، وفي السنة الثانية فُرض شهر رمضان، فعلى هذا لم يقع الأمر بصيام عاشوراء إلا في سنة واحدة، إلا في سنة واحدة، ثم فُوض الأمر في صومه إلى رأي المتطوع، فعلى تقدير صحة قول من يدعي أنه كان قد فُرض ثم نُسخ فرضه بهذه الأحاديث الصحيحة، فعلى تقدير صحة قول من يدعي أنه كان قد فُرض، فقد نُسخ فرضه بهذه الأحاديث الصحيحة -فلما فُرض رمضان، في الحديث، تُرك، أو فلما فُرض رمضان تَرك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه، على هذا؛ يكون صيام عاشوراء فرض على القول بفرضيته، وأن الأمر أمر إيجاب سَنة واحدة، ثم نُسخ بالأحاديث الصحيحة التي تدل على أنه لا فرض إلا رمضان-، ونقل عياض أن بعض السلف كان يرى بقية فرضيته -فرضية عاشوراء، بعضهم يرى أنه استمر فرض عاشوراء- لكن انقرض القائلون بذلك، انقرض القائلون بذلك، ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه ليس بفرض، والإجماع على أنه مستحب -يعني الفرض نُسخ إلى بدل، وهو الاستحباب-، وكان ابن عمر يكره قصده بالصوم، ثم انقرض القول بذلك، انقرض القول بذلك -يعني القول باستمرار فرضية صوم يوم عاشوراء انقرض، والقول بكراهة قصده بالصوم أيضًا انقرض، فما بقي إلا الإجماع على أنه ليس بفرض، وأنه مستحب؛ كما قال ابن عبد البر.

قال العيني: ما ورد في صلاة ليلة عاشوراء، ما ورد في صلاة ليلة عاشوراء، ويوم عاشوراء، وفي فضل الكحل يوم عاشوراء لا يصح، ومن ذلك حديث جويبر عن الضحاك، أيضًا شيخ الإسلام قرر هذا كله، ونفى أن يكون ثبت في يوم عاشوراء شيء يخصه، وكذلك ابن القيم في المنار المنيف، على كل حال؛ العيني يقول- ما ورد في صلاة ليلة عاشوراء، ويوم عاشوراء، وفي فضل الكحل يوم عاشوراء لا يصح، ومن ذلك حديث جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رفعه: «من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدًا»، وهو حديث موضوع، يقول العيني: وضعه قتلة الحسين -رضي الله عنه-.

يعني تعظيمًا لهذا اليوم الذي قُتل فيه الحسين، كيف وضعه قتلة الحسين؟ يعني المفترض أن يقول: وضعه من غلا في الحسين.

المقدم: من غلا في الحسين.

نعم، الغلاة في الحسين.

ومن أغرب ما رُوي فيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في الصُّرَدْ: «أنه أول طائر صام عاشوراء»، وهذا من قلة الفهم، فإن الطائر لا يُوصف بالصوم، قال الحاكم: وضعه قتلة الحسين -رضي الله عنه-.

يقول العيني: إطلاق الصوم للطائر ليس بوجه الصوم الشرعي حتى ينسب قائله إلى قلة الفهم -يعني مجرد الامتناع عن الأكل، يعني ابن رجب ذكر بعض الأشياء أنه لوحظ أن بعض النمل وبعض كذا، تقدم له كذا، ما يأكل إلا إذا غابت الشمس، من هذا الكلام الذي قد يكون له حقيقة أو لا حقيقة له، وعلى كل حال كل هذا لا يدل على مشروعية شيء من ذلك حتى يثبت به النص؛ لأنه لا يتعبد الرب -جل وعلا- إلا بما شرعه النبي- عليه الصلاة والسلام-، وهذا مقتضى شهادة أن محمد رسول الله، تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله -جل وعلا- إلا بما شرع.

يقول العيني: إطلاق الصوم للطائر ليس بوجه الصوم الشرعي حتى ينسب قائله إلى قلة الفهم، وإنما غرضه أن الطائر أيضًا يمسك عن الأكل يوم عاشوراء تعظيمًا له، وذلك بإلهام من الله تعالى، فيدل ذلك على فضله بهذا الوجه. انتهى من العيني.

تُرك يوم عاشوراء، يعني تُرك الأمر بصيامه، أو تَرك يوم عاشوراء، أي: تَرك الأمر بصيامه لاختيار المكلف لا مطلقًا، بل إلى الندب، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه، هذه حقيقة المباح مستوي الطرفين، يقول في الحديث: فمن شاء صامه، ومن شاء تركه.

يعني رده إلى مشيئة المكلف، هذه حقيقة المباح، يعني الذي لا يثاب على فعله، ولا يثاب على تركه، لكن تقدم النقل عن ابن عبد البر الإجماع على أنه مستحب، الإجماع على أن صومه مستحب، هذا محل اتفاق وإجماع بين أهل العلم.

المقدم: فيه عندنا يا شيخ في المختصر أشار إلى الزوائد، هل ستشير إليها فيه؟

أي زوائد؟

المقدم: أشار إلى أثر معاوية بن أبي سفيان، ذكره في الزوائد، قال: عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- يوم عاشوراء عام حج على المنبر يقول: يا أهل المدينة! أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر».

هذا موجود في الأصل، ونحن نشرح المختصر.

المقدم: نعم، لكن لمَ جعله من الزوائد؟

ذكرنا مرارًا أن الزبيدي المختصِر لا ينظر إلى الرواة؛ لأن العد عند أهل العلم بالراوي، والزبيدي يعتمد اللفظ، فيكتفي ببعض الأحاديث عن بعض، ولذلك لو قارنت بين مجموع الأحاديث في المختصر، ألفين، كم؟ آخر حديث؟

المقدم: (2195).

طيب (2195) باعتبار المتون، لكن الذي حرره ابن حجر أن البخاري بدون تكرار ألفان وخمسمائة وحديثان، الآن زاد عندنا كم؟ ثلاثمائة حديث، ثلاثمائة حديث، هذه أحاديث عند ابن حجر؛ لأن الرواة يختلفون، بينما عند الزبيدي الذي ينظر إلى المتن يكتفي بحديث صحابة آخرين، ولذا مضمون حديث معاوية موجود في الأحاديث التي شُرحت.

المقدم: إذًا -إن شاء الله- الحلقة القادمة نبدأ بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-؟

إن شاء الله.

المقدم: شكر الله لكم أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لنا بكم لقاء -بإذن الله تعالى- في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب المتابعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.