التعليق على تفسير القرطبي - سورة التحريم (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:

قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [سورة التحريم:2]

فيه ثلاث مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [سورة التحريم:2] تحليل اليمين كفارتها. أي إذا أحببتم استباحة المحلوف عليه، وهو قوله تعالى في سورة المائدة: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [سورة المائدة:89]. ويتحصَّل من هذا أن من حرَّم شيئا من المأكول والمشروب لم يَحرُم عليه عندنا، لأن الكفارة لليمين لا للتحريم على ما بيَّناه. وأبو حنيفة يراه يمينا في كل شيء، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرِّمه، فإذا حرم طعاما فقد حلف على أكله، أو أمة فعلى وطئها، أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نية، وإن نوى الظهار فظهار، وإن نوى الطلاق فطلاق بائن. وكذلك إن نوى ثنتين أو ثلاثا. أو قال.."

لماذا قال: وإن نوى الطلاق، فطلاق بائن؟ لأنه لفظ بالتحريم، هي عليه حرام، والرجعية لا تحرم عليه، لأنها زوجة مادامت في العدة، لكن إذا لم ينوِ شيئا، فهي يمين، يكفِّرها بكفارة اليمين المعروفة: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة أو ماذا؟ أو صيام ثلاثة أيام. عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.

بعض العامة يبادر بالصيام، فإذا حلف عنده أحد قال: أنت صائم ثلاثة أيام، يحسب الصيام هو الأول، لكنه هو الأخير. الذي لا يجد ما يكفِّر به من إطعام أو كسوة أو عتق، فإنه يصوم.

فإن نوى الظهار حرام عليه، بيَّت في نفسه أنها كمن تحرم عليه على التأبيد، كأمه وأخته، فهو ظهار. وإن نوى الطلاق فطلاق، وإن لم ينوِ شيئا وإنما قصد منع نفسه أو حثها على شيء، فإنما هو يمين، تكفِّره كفارة اليمين.

"وإن قال: نويت الكذب دين فيما بينه وبين الله تعالى. ولا يدين في القضاء بإبطال الإيلاء."

لأنه في القضاء، ما لهم إلا الظاهر. القضاة يحكمون عليه على ضوء ما تلفظ به، وأما فيما بينه وبين الله فهو يديّن. ولو قال لزوجته: طالق، وقال: إني ما أردت الطلاق، وإنما أردت أن أقول لها: طاهر، فسبق لساني إلى طالق. هذا يديَّن بينه وبين ربه، فإذا رفعته إلى القضاء، فإنما يؤاخَذ بما نطق به.

طالب: ..............

هدَّد.. لا، هذا ما هو بطلاق.

طالب: ..............

والله الذي يظهر أنه يؤاخذ بلفظه، لأن كل يدعي هذا.

"وإن قال: كل حلال عليه حرام، فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو، وإلا فعلى ما نوى. ولا يراه الشافعي يمينا ولكن سببا في الكفارة في النساء وحدهن. وإن نوى الطلاق فهو.."

لا يراه الشافعي يمينا ولكنه سبب في الكافرة. ليس بيمين لأنه لم يقترن بأحد حروف القسم الثالثة، فليس بيمين. ولا يمكن أن يقال من قال لزوجته: إن خرجت فأنت طالق، الذي يسمونه الحلف بالطلاق، أن يقال: أشرك. ما أشرك، ما يقال إنه حلف بغير الله، من حلف بالطلاق فقد كفر أو أشرك، لا، لم يقترن بحرف من حروف القسم، فليس بقسم وليس بيمين وإنما حكمه حكم اليمين لأن اليمين إنما يقصد منها الحث أو المنع. وكذلك مثل هذه التعليقات في الطلاق، يقصد منها الحث أو المنع فتكفّر بكفارة اليمين.

طالب: ولو نوى اليمين أحسن الله إليك ولو نوى اليمين؟

إذا نوى اليمين، حتى لو نوى اليمين، هو يكفر كفارة يمين.

طالب: أقصد في الإشراك، الحلف بغير الله.

لا، هو ما ينوي يمين، هو معناها، معنى اليمين الذي هو الحث. ما يمكن أن تكون يمينا إلا إذا اقترن بأحد الأحرف.

بعض الناس يطلب منه اليمين فيقول.. توجَد عند العامة: الله عظيم، الله العظيم الله العظيم. الله العظيم، هذه ليست بيمين، فإن كانت ظالما، فهو على ما يصدِّقه به خصمه، فإن كان مظلوما نفعه.

طالب: .............

هذه ما لها علاقة باليمين أصلا.

طالب: ..............

لا، هي العادة. والله العظيم، يسمعونها كثيرا فإذا قال: الله العظيم، ظنها من لا يحسن يمينا، وهي ليست بيمين.

"وإن نوى الطلاق فهو رجعي عنده، على ما تقد بيانه. فإن حلف ألا يأكله حنث ويبر بالكفارة.

الثانية: فإن حرَّم أمته أو زوجته فكفارة يمين، كما في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: إذا حرم الرجل عليه امرأته، فهي يمين يكفرها. وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب:21]."

والخلاف في هذه المسألة تقدم، وأن فيها ثمانية عشر قولا. والمعروف عند الحنابلة أنه ظهار، لكن المرجَّح أنه يمين ما لم ينوِ الطلاق أو الظهار.

"الثالثة: قيل: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كفَّر عن يمينه. وعن الحسن: لم يكفِّر، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر، وكفارة اليمين في هذه السورة إنما أمر بها الأمة. والأول أصح، وأن المراد بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-. ثم إن الأمة تقتدي به في ذلك. وقد قدمنا عن زيد بن أسلم أنه عليه السلام كفَّر بعتق رقبة. وعن مقاتل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعتق رقبة في تحريم مارية. والله أعلم. وقيل: أي قد فرض الله لكم تحليل ملك اليمين. فبين في قوله تعالى: {مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [سورة الأحزاب:38] أي فيما شرعه له في النساء المحللات. أي حلل لكم ملك الأيمان، فلَمْ تحرَّم مارية.."

فلِمَ.

"فلِمَ تحرِّم مارية على نفسك مع تحليل الله إياها لك. وقيل: تحلة اليمين الاستثناء، أي فرض الله لكم الاستثناء المخرج عن اليمين. ثم عند قوم يجوز الاستثناء من الأيمان متى شاء وإن تحلل.."

تحلل.

"وإن تحلل مدة.."

يعني متى ما ..أن له أن يقول: إن شاء الله، يخرج من عهدة اليمين، وعلى هذا لا تلزم كفارة أصلا. كل ما رأى أن الكفارة متجهة إليه قال: إن شاء الله، على هذا القول. لكن الصواب أن الاستثناء إنما ينفع إذا كان متصلا.

"وعند المعظم لا يجوز إلا متصلا، فكأنه قال: استثنِ بعد هذا فيما تحلف عليه. وتحلة اليمين وتحليلها بالكفارة، والأصل تحلُلَة.

تحلِلَة.

"والأصل تحلِلَة، فأدغمت. وتفعِلَة من مصادر فعّل، كالتسمية والتوصية."

سمّى ووصّى، تسمية وتوصية.

"فالتحلِّة تحليل اليمين. فكأن اليمين عقد والكفارة حل. وقيل: التحلة الكفارة، أي إنها تحل تُحل للمخالف.."

للحالف.

"أي أنها تُحِل للحالف ما حرَّم على نفسه، أي إذا كفَّر صار كمن لم يحلف. {وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ} [سورة التحريم:2] وليّكم وناصركم بإزالة الحظر فيما تحرمونه على أنفسكم، وبالترخيص لكم في تحليل أيمانكم بالكفارة، وبالثواب على ما تخرجونه في الكفارة."

طالب: ..............

هذا إقراره من قِبَل الشرع، كما في: «إلا الإذخر». اكتسب الشرعية في هذا الاستثناء من إقرار الشرع له.

طالب: ..............

ما يحمل عليه بقية.. لاسيما إذا طال الفصل. إذا قصر يحتمل، لكن إذا طال الفصل...

"قوله تعالى: وإذ أسر النبي إلى بعضه أزواجا.."

إلى بعض..

"{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} [سورة التحريم:3] أي واذكر إذ أسرَّ النبي إلى حفصة حديثا يعني، تحريم مارية على نفسه واستكتامه إياها ذلك. وقال الكلبي: أسرَّ إليها أن أباكِ وأبا عائشة يكونان خليفتي على أمتي من بعدي، وقاله ابن عباس. قال: أسرَّ أمر الخلافة بعده إلى حفصة فذكرته حفصة. روى الدارقطني في سننه عن الكلبي عن أبي صالح: عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} [سورة التحريم:3] قال: اطّلعت حفصة على النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أم إبراهيم فقال: «لا تخبري عائشة» وقال لها «إن أباكِ وأباها سيملكان أو سيليان بعدي فلا تخبري عائشة» قال: فانطلقت حفصة فأخبرت عائشة.."

الشيعة يؤثرون في كنيته -عليه الصلاة والسلام- أنه أبو إبراهيم، هروبا من أن يقولوا: أبو القاسم مع أنه هو الثابت في الأحاديث الصحيحة، لكن لا يعترفون بما نعترف به من السنة. فإن كان السبب أن أم القاسم وإخوانه وأخواته خديجة رضي الله عنها وأرضاها وأنهم يناوئون أزواجه -عليه الصلاة والسلام- وأما مارية، فليست من أزواجه إنما هي ملك يمين لأن أزواجه كما جاء في بعض النصوص داخلة، بل في الآية داخلات في آله. وهم يخرجون وهم يريدون أن يخرجوا الأزواج من الآل: اللهم صل على محمد وعلى آله محمد، في الروايات الصحيحة: «اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته». فدل على أنهم هم آله. وفي الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [سورة الأحزاب:33] والسياق في سياق أمهات المؤمنين. فمارية ما عنده مشكلة أنها تكون لها شأن أو لا يريدون إخراجها لأنها ليست بزوجة، فلا تزاحم من يدّعونه أنهم هم آل البيت، ويرون أن قصة الإفك والبراءة التي نزلت من السماء إنما هي في مارية وليست في عائشة. والله المستعان، ضلال مبين، نسأل الله العافية.

"فأخبرت عائشة فأظهره الله عليه، فعرَّف بعضه وأعرض عن بعض. قال أعرض عن قوله: «إن أباكِ وأباها يكونان بعدي». كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينشر ذلك في الناس. {فلما نبّأت به} أي أخبرت به عائشة لمصافاة كانت بينهما، وكانتا متظاهرتين على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-. {وأظهره الله عليه} أي أطلعه الله على أنها قد نبّأت به. وقرأ طلحة بن مصرِّف (فلما أنبأت) وهما لغتان: أنبأ ونبَّأ. ومعنى {عرّف بعضه وأعرض.. }"

ومعناهما: أخبرت. والإخبار والإنباء بمعنى واحد. (ولا ينبئك مثل خبير) وكذلك التحديث {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [سورة الزلزلة:4]. فالمعنى في الأصل واحد، وإن كان عند أهل الحديث في اصطلاحهم، في صيغ الأداء، التفريق بين التحديث والإخبار والإنباء، لمجرد الاصطلاح.

"عرف حفصة بعض ما أوحي إليه من أنها أخبرت عائشة بما نهاها عن أن تخبرها، وأعرض عن بعض تكرُّمًا، قاله السدي. وقال الحسن: ما استقصى كريم قط."

نعم، لا بد أن يعرض عن بعض الشيء. الكريم لا يستقصي في مطالبته بحقه، لا يستقصي ولا يستوعب، وكان في مقاصَّة كلامه اقتصر على بعض ما وُجِّه إليه دون بعض، إن كان في مال كذلك. المقصود أنه ما استقصى كريم قط، يعني ما يطالِب بكل شيء، ويحاسِب على النقير والقطمير، لا.

"قال الله تعالى: {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} [سورة التحريم:3] وقال مقاتل: يعني أخبرها ببعض ما قالت لعائشة، وهو حديث أم ولده ولم يخبِرها ببعض وهو قول حفصة لعائشة: إن أبا بكر وعمر سيملكان بعده. وقراءة العامة (عرَّف) مشددا، ومعناه ما ذكرناه. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، يدل عليه قوله تعالى: {وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} [سورة التحريم:3] أي لم يعرفها إياه. ولو كانت مخففة لقال في ضده وأنكر بعضا."

يعني، عرَف بعضه وأنكر بعضًا، لكن أعرض يقابله عرّف.

"وقرأ علي وطلحة بن مصرّف وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة والكلبي والكسائي والأعمش عن أبي بكر (عرَف) مخففة. قال عطاء: كان أبو عبد الرحمن السلمي إذا قرأ عليه الرجل (عرّف) مشددة حصبه بالحجارة. قال الفراء: وتأويل قوله عز وجل: (عرَف بعضه) بالتخفيف، أي غضب فيه وجازى عليه، وهو كقولك لمن أساء إليك: لأعرفنّ لك ما فعلت، أي لأجازينك عليه، وجازاها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن طلّقها طلقة واحدة. فقال عمر.."

على الخلاف تبعًا لما جاء في الروايات التي منها ما يدل على أنه طلقها ومنها ما يدل على أنه أراد طلاقها وعزم عليه، فجاءه جبريل، فقال: لا تطلقها، فإنها صوَّامة قوَّامة.

"فقال عمر: لو كان في آل الخطاب خير لما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طلقك. فأمره جبريل بمراجعتها وشفع فيها. واعتزل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- نساءه شهرا، وقعد في مشربة مارية أم إبراهيم حتى نزلت آية التحريم على ما تقدم. وقيل: همَّ بطلاقها حتى قال له جبريل: لا تطلقها فإنها صوَّامة قوَّامة وإنها من نسائك في الجنة، فلم يطلِّقها. {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ} [سورة التحريم:3] أي أخبر حفصة بما أظهره الله عليه. {قالت من أنبأك هذا} يا رسول الله عني. فظنت أن عائشة أخبرته، فقال -عليه السلام-: {نبأني العليم الخبير} أي الذي لا يخفى عليه شيء. و(هذا) سدَّ مسدَّ مفعولي (أنبأ) و(نبَّأ) الأول تعدى إلى مفعول، و(نبأ) الثاني تعدى إلى مفعول واحد، لأن نبّأ وأنبأ إذا لم يدخلا على المبتدأ والخبر جاز أن يكتفى فيهما بمفعول واحد وبمفعولين، فإذا دخلا على الابتداء والخبر تعدى كل واحد منهما إلى ثلاثة مفعولين. ولم يجز الاقتصار على الاثنين دون الثالث، لأن الثالث هو خبر المبتدأ في الأصل فلا يقتصر دونه، كما لا يقتصر على المبتدأ دون الخبر."

فكلٌّ من المبتدأ والخبر عمدة في الكلام، لا يجوز حذفه، فلا بد من إثباته، سواء كانت جملة ابتدائية، مبتدأ وخبر، أو كان أصلها مبتدأ وخبر ودخل عليها العامل.

"قوله تعالى: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [سورة التحريم:4] يعني حفصة وعائشة، حثهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم. {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [سورة التحريم:4] أي زاغت ومالت عن الحق. وهو أنهما أحبتا ما كره النبي -صلى الله عليه وسلم- من اجتناب جاريته واجتناب العسل، وكان عليه السلام يحب العسل والنساء. قال ابن زيد: مالت قلوبهما بأن سرهما أن يَحْتَبِس عن أم ولده، فسرهما ما كرهه رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وقيل: فقد مالت قلوبكما إلى التوبة. وقال: (فقد صغت قلوبكما) ولم يقل: فقد صغى قلباكما، ومن شأن العرب إذا ذكّروا الشيئين من اثنين جمعوهما."

ذكروا ذكروا.

"ومن شأن العرب إذا ذكَروا الشيئين من اثنين جمعوهما لأنه لا يُشكِل."

ما يُدخِل في لبس ما يُظَن أن هناك أكثر من قلبين في جوفين قال: {قُلُوبُكُمَا} [سورة التحريم:4] لن يظن ظان أن هاتين المرأتين لهما ثلاثة قلوب، أو أربعة أو أكثر. إنما لكل واحدة قلب، مثل هذا لا يُشكِل، فلا مانع من أن يُجمَع، لأن الجمع أخف من التثنية.

"وقد مضى هذا المعنى في المائدة في قوله تعالى: {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [سورة المائدة:38] وقيل: كلما ثبتت الإضافة فيه مع التثنية فلفظ الجمع أليق به، لأنه أمكن وأخف. وليس قوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [سورة التحريم:4] جزاء للشرط، لأن هذا الصغوَّ كان سابقا، فجواب الشرط محذوف للعلم به. أي إن تتوبا كان خيرا لكما، إذ قد صغت قلوبكما."

فالجملة ليست جوابا للشرط، وإنما هي علة، علة للشرط.

"قوله تعالى: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [سورة التحريم:4] أي تتظاهرا وتتعاونا على النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمعصية والإيذاء. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: مكثت سنة وأنا أريد أن.."

ليس المراد بالإيذاء الإيذاء المباشر الذي يتضرر به -عليه الصلاة والسلام- وإنما خلاف ما يهواه وما يتأذى به من طلب نفقة زائدة، أو ما أشبه ذلك. هذا يتأذى به، وإلا فالأذى المعروف الذي يتضرر به المؤذَى {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [سورة الأحزاب:57] ليس هذا هو المطلوب، وإنما إذا سُئل مزيد نفقة قد أعرض عن الدنيا وتجانف عنها، فإنه يتأذى بمثل هذا الطلب الذي يُنِم ويدل على أن صاحبه متعلق بالدنيا لاسيما وقد خيَّر نساءه، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.

طالب: ..........

إي، لكنه ما هو بظاهر، ليس بظاهر.

"وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجا.."

نعم، هكذا ينبغي أن يكون الصغير مع الكبير، لا يجرؤ عليه بمثل ما يفعل كثير الطلاب الآن، يجرؤون على الكبار ويتكلمون عليهم ويناقشونهم بقوة وحدة وأحيانا يطلقون بعض الألفاظ. ابن عباس ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام- حبر الأمة وترجمان القرآن، مكث سنة كما في الصحيح، يريد أن يسأل عمر عن المرأتين، ومع ذلك ما سنحت له الفرصة، حتى حج معه ولم يخاطبه أمام الناس، إنما لما أراد قضاء حاجته وانفرد عن الناس، سأله.

"حتى خرج حاجا فخرجت معه، فلما رجع فكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له، فوقفت حتى فرغ، ثم سرت معه فقلت: يا أمير المؤمنين، من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة. قال: فقلت له: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك. قال: فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه، فإن كنت أعلمه أخبرتك . . . وذكر الحديث. {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ} [سورة التحريم:4] أي وليه وناصره، فلا يضره ذلك التظاهر منهما. {وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة التحريم:4] قال عكرمة.."

من كان الله معه كان الله مولاه، لا يضره أحد، لو اجتمعت عليه أهل الدنيا لن يستطيعوا أن يصلوا إليه، والله معه {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سورة التوبة:40].

"قال عكرمة وسعيد بن جبير: أبو بكر وعمر."

يعني صالح المؤمنين.

"لأنهما أبوا عائشة وحفصة، وقد كانا عونا له عليهما. وقيل: صالح المؤمنين علي رضي الله عنه."

وجاء فيه حديث، لكنه ضعيف.

"وقيل: خيار المؤمنين. وصالح: اسم جنس كقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [سورة العصر:1-2] قاله الطبري. وقيل: صالح المؤمنين.."

الإنسان جنس، لأن فيه أل الجنسية فهو جنس الإنسان. يقول: صالح اسم جنس، كقوله (والعصر إن الإنسان) صالح فيه أل الجنسية، أو قام مقام أل الجنسية الإضافة المفرد المضاف يفيد العموم. إذا قلت: غفر الله ذنبك، يعني واحد من ذنوبك أو جميع الذنوب? جنس الذنوب، لأنه مفرد مضاف فيفيد العموم، كما لو قيل: غفر الله لك الذنب.

"وقيل: صالح المؤمنين هم الأنبياء، قاله العلاء بن زيادة وقتادة وسفيان. وقال ابن زيد: هم الملائكة. وقال السدي: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: صالح المؤمنين ليس لفظ الواحد وإنما هو صالحو المؤمنين: فأضاف الصالحين إلى المؤمنين، وكتب بغير واو على اللفظ لأن لفظ الواحد والجمع واحد فيه. كما جاءت أشياء في المصحف متنوَّع فيها."

متنوِّع.
"متنوِّع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط. وفي صحيح مسلم.."

إذا جاء الرسم على خلاف المشهور في العربية، فهل يُقرأ على الرسم أو يُقرأ على ما جاء في العربية؟ {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [سورة الكهف:64] تقرأها بدون ياء أو بياء؟ ويدعُ بضمة (ويدعُ الإنسان) الأصل أن فيها واو. ما دخل عليها من العوامل ما يقتضي حذف الواو، فهل نقرأ على الرسم أو نقرأ على مقتضى العربية؟ لأنه هنا ماذا يقول؟ وكُتِب بغير واو على اللفظ لأن لفظ الواحد والجمع واحد فيه، كما جاءت أشياء في المصحف متنوِّع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط. فهل يُقرأ على هذا أو ذا؟ إذا قال: صالح المؤمنين واحد، لكن يراد به الجنس، لأنه مفرد مضاف، فسواء قرأناه على الواحد أو على الجمع هي ضمة، إن أشبعتها صارت واو (وصالحوا المؤمنين) وإن لم تشبعها صارت ضمة وصار مفردًا. والإشباع جاء في بعض القراءات إنه من يتقي ويصبر.

"وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه قال دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه- وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب- فقال عمر: فقلت لأعلمن ذلك اليوم، قال فدخلت على عائشة فقلت.."

لأن الناس اجتمعوا حول المنبر وكلهم يقولون: طلَّق النبي -عليه الصلاة والسلام- نساءه، وانتشر في المدينة وفي بيوتها وبين أفرادها. هي مجرد إشاعة والإشاعات تنتشر بسرعة، لكنها لا تفيد العلم. الإشاعات ولو كثر ناقلوها، كما قال ابن حجر، فإنها لا تفيد العلم، ما لم تستند إلى شيء محسوس. وهو قال هذا الكلام عند شرح القصة، لأنه كل أهل المدينة يقولون: طلق نساءه، لكن اعتمدوا على أي شيء؟ إلى شيء محسوس أو على مجرد إشاعة أطلقها بعض الناس وتلقفها غيره؟ ودلت القرينة على أو دعمت القرينة هذه الإشاعة لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- آلى من نسائه شهرا واعتزل منهن، فقالوا: مادام اعتزل النساء فهو مطلِّق، ولكن هذا الكلام ليس بصحيح.

طالب: ............

أين؟

طالب: ............

لعل المسجد فيه خليط من الرجال والنساء، اجتمعوا حول المنبر.

"فقال عمر: فقلت لأَعْلَمَنَّ ذلك اليوم قال فدخلت على عائشة فقلت: يا بنة أبي بكر، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقالت: مالي ومالك يا ابن الخطاب! عليك بعيبتك! قال فدخلت على حفصة بنت عمر.."

تعني بنته، وتسمى عيبة لأن الذي يعيبها يعيب والدها. وهنا قال في الحاشية: أي عليك بوعظ بنتك حفصة. والعيبة وعاء يَجعل الإنسان فيه أفضل ثيابه ونفيس متاعه، فشَبَّهَت ابنته بها. هل هي تريد يعني السياق سياق مدح لابنته أو أنها تقول عليك الذي يخصك والذي يلحقك عيب وكلام فيه بسبه أصلحه وأما أنا عيبة أبي. العيب الذي يعيبني مرده إلى أبي، ليس عليك. أنت اهتم بنفسك وببنتك، إن كان فيها عيب فأصلحه.

طالب: ............

على عائشة. المقصود حتى الذي حول المسجد حول المنبر خليط.

طالب: ............

متى؟

طالب: ............

يعني تكون متقدمة.

" قال فدخلت على حفصة بنت عمر فقلت لها: يا حفصة، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم! والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك، ولولا أنا لطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبكت أشد البكاء، فقلت لها: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في خزانته في المشربة. فدخلت.."

يعني غرفة مرتفعة يسمونها مشربة.

"فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على أسكفة المشربة مدل رجليه على نقير من خشب، وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر. "

نقير فَعِيْل، بمعنى مَفْعُوْل. يعني منقور الجذع منقور يعني فيه في جوفه فراغ يستند إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ويرقى عليه.

"فناديت: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فلم يقل شيئا. ثم قلت: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فلم يقل شيئا. ثم رفعت صوتي فقلت: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئت من أجل حفصة.."

يعني شافعًا لها، والرسول -عليه الصلاة والسلام- آلى وحلف، فلا يريد أن يحنث في يمينه، لا من أجل عمر ولا من غيره.

"والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها، ورفعت صوتي فأومأ إلي أن ارقه، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير، فجلست فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم."

هذا أثاثه -عليه الصلاة والسلام: إزاره ليس عليه غيره وحصير ينام عليه ووسادة حشوها ليف، يعني خشن، وسقاء صغير. هذا أثاثه -عليه الصلاة والسلام- وهذا عيشه وغيره من ملوك الأرض يتمتعون بالأموال، «ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء». أشرف الخلق وأعلم الخلق وأتقاهم وأخشاهم لله، هذا عيشه. ليست من المناقِب أن تُفتح وتبسط الدنيا على زيد أو من المثالب أن يقَتَّر على فلان أو يُضَيَّق عليه رزقه، إنما العبرة بالتقوى.

"فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، ومثلها قرظا في ناحية الغرفة، وإذا أفيق معلق."

القَرَض نبْت تدبغ به الجلود، قبضة شعير وقَرَض في ناحية الغرفة، يدبغ به الجلد.

"قال فابتدرت عيناي. قال: «ما يبكيك يا ابن الخطاب»."

وإذا أُفَيْق معلَّق قال: هو الجلد الذي لم يتم دباغه.

"قلت يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى! وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته، وهذه خزانتك! فقال: «يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا» قلت: بلى. قال: ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول الله، ما يشق عليك من شأن النساء، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلما تكلمت- وأحمد الله- بكلام إلا رجوت أن يكون الله عز وجل يصدق قولي الذي أقول ونزلت هذه الآية، آية التخيير: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} [سورة التحريم:5] {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [سورة التحريم:4] وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله، أطلقتهن؟ قال: «لا» قلت يا رسول الله.."

تَظَاهَرَان يعني: ترتفعان وتترفعان عن سائر نسائه -عليه الصلاة والسلام- ليس من باب الكِبْر ولا الإعجاب ولا ازدراء الآخرين، وإنما هو أمر فطري وجبِلِّي. إذا كانت الواحدة بنت كبير القوم، فإنها لا شك أن الناس يرونها بمرأى غير ما ينظرون إلى غيرها، وهذه بنت أبي بكر وهذه بنت عمر، أفضل الأمة بعد نبيها.

"قلت: يا رسول الله، إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال: «نعم، إن شئت» فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه، وحتى كشر فضحك، وكان من أحسن الناس ثغرا. ثم نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ونزلت، فنزلت أتشبث بالجذع، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده. فقلت: يا رسول الله، إنما كنت في الغرفة تسعا وعشرين. قال: «إن الشهر يكون تسعا وعشرين» فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. ونزلت هذه الآية: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [سورة النساء:83] فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر، وأنزل الله آية التخيير. قوله تعالى: (وجبريل).."

حتى عائشة لما نزل النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد مضي تسعة وعشرين يومًا قالت له: إنك آليت شهرا، قال: «الشهر تسع وعشرون الشهر تسع وعشرون». فإذا حلف على شيء وحدد له مدة شهر، فغالب الأشهر تسعة وعشرون، فينظر في شهره الذي هو فيه، فإن كمُل فيُكَمِّل، وإن نقص يكفيه تسعة وعشرون، والشهر تسعة وعشرون.

طالب: ............

العسل هذا في الصحيحين. العسل ما فيه إشكال. قصة مارية أيضًا صحيحة وفيه السبب الثالث ضعيف.

طالب: ............

ما هو؟

طالب: ............

لا، ما هو الاستخلاف، الاستخلاف جاء في بعض طرق قصة حفصة وعائشة. المقصود أن الأسباب الثلاثة التي ذكرها المؤلِّف: العسل والمرأة أم إبراهيم مارية أو المرأة التي وهبت نفسها للنبي، لكن هذا ضعيف، ولا حظ له من النظر ويبقى الأول وهو الأصح والثاني يليه وكلاهما صحيح، ولا مانع أن يتعدد السبب والنازل واحد.

طالب: ............

إي حفصة يعني، مثل هذه ينبغي أن يُحرَص على معاشرتها وعدم طلاقها، لأنها تميزت بالدين.

طالب: ............

والله هو لو أكملت ثلاثين من باب الاحتياط، وإلا فينظر في النصف الثاني هل كامل أو ناقص ويكمِّل عليه خمسة عشر ثانية.

طالب: ............

لا، هذا مورود في هذه الآية، ما هي آية التخيير بين الدنيا، الحياة الدنيا وزينتها أو الله والدار الآخرة.

طالب: ............

إلا خيرهن بعد هذه القصة، لكن الواردة في قصة عمر لا.

"قوله تعالى: (وجبريل) فيه لغات تقدمت في سورة" البقرة". ويجوز أن يكون معطوفا على مولاه والمعنى: الله وليه وجبريل وليه، فلا يوقف على مولاه ويوقف على جبريل ويكون وصالح المؤمنين مبتدأ والملائكة معطوفا عليه. وظهير خبرا، وهو بمعنى الجمع. وصالح المؤمنين أبو بكر، قاله.."

ظهير فَعِيْل تصلح للواحد والمثنى والجمع والمذَكَّر والمؤَنَّث {إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة الأعراف:56] تصلح للمذكر والمؤنث والواحد والمثنى والجمع.

"قاله المسيب بن شريك. وقال سعيد بن جبير: عمر. وقال عكرمة: أبو بكر وعمر. وروى شقيق عن عبد الله.."

أبو وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود.

"بفي قول الله تعالى: عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قول الله تعالى إن الله هو مولاه.."

فإن فإن..

"{فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة التحريم:4] قال: إن صالح المؤمنين أبو بكر وعمر. وقيل: هو علي. عن أسماء بنت عميس قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وصالح المؤمنين علي بن أبي طالب). وقيل غير هذا"

على كل حال، أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر الطيار ثم تزوجها أبو بكر ثم علي، فتقول: صالح المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

"وقيل غير هذا مما تقدم القول فيه. ويجوز أن يكون وجبريل مبتدأ وما بعده معطوفا عليه. والخبر ظهير وهو بمعنى الجمع أيضا. فيوقف على هذا على مولاه. ويجوز أن يكون جبريل وصالح المؤمنين معطوفا على مولاه فيوقف على المؤمنين ويكون والملائكة بعد ذلك ظهير ابتداء وخبرا. ومعنى ظهير أعوان. وهو بمعنى ظهراء، كقوله تعالى: {وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً} [سورة النساء:69]."

بمعنى رفقاء.

"وقال أبو علي: قد جاء فعيل للكثرة كقوله تعالى: {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً  يُبَصَّرُونَهُمْ} [سورة المعارج:10-11] وقيل: كان التظاهر منهما في التحكم على النبي صلى الله عليه وسلم في النفقة، ولهذا آلى منهن شهرا واعتزلهن. وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا- قال- فقال لأقولن شيئا أضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها."

يعني ضربها في عنقها. عمر رضي الله عنه معروف في طبعه وشدته وقوته في الحق.

"فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: «هن حولي كما ترى يسألنني النفقة»."

ولا وَجَأ عنق أحد -عليه الصلاة والسلام.

فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده! فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده. ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين. ثم نزلت عليه هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ} [سورة الأحزاب:28] حتى بلغ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [سورة الأحزاب:29] الحديث. وقد ذكرناه في سورة "الأحزاب".

طالب: ............

إي مجموع القصة يدل على ذلك.

"قوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ} [سورة التحريم:5] قد تقدم في الصحيح أن هذه الآيات نزلت على لسان عمر رضي الله عنه. ثم قيل.."

وهذا من موافقاته، وموافقاته تزيد على العشرين. نُظمَت في قصيدة أسماها صاحبها: "الكوكب الأَغَرّ في موافقات عُمَر".

"ثم قيل: كل عسى في القرآن واجب إلا هذا. وقيل: هو واجب ولكن الله عز وجل علَّقه بشرط وهو التطليق ولم يطلقهن. {أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} [سورة التحريم:5]."

كل عسى في القرآن واجب إلا هذا: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ} [سورة التحريم:5] هل يجب تطليقهن؟ أو هل لزم تطليقهن؟ ما لزم في هذا الموضع، ليست بواجبة. وعسى من الله واجبة يعني، أوجبها الله على نفسه واطردت العادة في ذلك، لكن لا يجب على الله شيء، كما يجب على المخلوق. هنا عسى ليست واجبة، لأن الطلاق لم يجب عليه -عليه الصلاة والسلام- إنما عُلِّق بشرط وهو التطليق ولم يُطَلِّقهن، فالتبديل مُعَلَّق بشرط وهذا الشرط لم يتحقق ولم يحصل، وعلى هذا لم يحصل التبديل.

"لأنكن لو كنتن خيرا منهن ما طلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال معناه السدي. وقيل: هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، لو طلقهن في الدنيا أن يزوجه في الدنيا نساء خيرا منهن. وقرى"أن يبدله" بالتشديد والتخفيف. والتبديل والإبدال بمعنى، كالتنزيل والإنزال. والله كان عالما بأنه كان لا يطلقهن، ولكن أخبر عن قدرته، على أنه إن طلقهن أبدله خيرا منهن تخويفا لهن. وهو كقوله.."

وهذا من الأدلة على أن الله جل وعلا يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. الآن التبديل لم يكن، لكن لو كان، كان التبديل إلى الخير، إلى خير مما عنده من النساء، كما في قوله جل وعلا: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ} [سورة الأنعام:28] الكفار إذا دخلوا الجنة تمنوا الرد تمنوا الحياة ليستعتبوا ويرجعوا، لكن الله جل وعلا عَلِمَ أنهم لو ردوا لعادوا، علم شيئا لم يكن ولن يكون.

"وهو كقوله تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} [سورة محمد:38] وهو إخبار عن القدرة وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى: {مُسْلِمَاتِ} [سورة الأحزاب:35] يعني مخلصات، قاله سعيد بن جبير. وقيل: معناه مسلمات لأمر الله تعالى وأمر رسوله.."

يعني مستسلمات.

"{مُؤْمِنَاتِ} [سورة النساء:25] مصدقات بما أمرن به ونهين عنه {قَانِتَاتٌ} [سورة النساء:34] مطيعات."

لو قال قائل: إن التبديل بالخير بالأوصاف المذكورة الثمانية هذه الأوصاف موجودة في المبدَل، فوجودها في بدله، هل يقتضي أن يكون خيرا منه؟ نعم هي موجودة في المبدل، لكن توجد في المبدل الخير منه بصفة أوضح وأشهر وأدخَل في هذه الأوصاف.

"{قَانِتَاتٌ} مطيعات. والقنوت: الطاعة وقد تقدم. {تَائِبَاتٍ} [سورة التحريم:5] أي من ذنوبهن، قاله السدي. وقيل: راجعات إلى أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تاركات لمحابّ أنفسهن. {عَابِدَاتٍ} [سورة التحريم:5] أي كثيرات العبادة لله تعالى. وقال ابن عباس: كل عبادة في القرآن فهو التوحيد. {سَائِحَاتٍ} [سورة التحريم:5] صائمات، قاله ابن عباس والحسن وابن جبير. وقال زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن ويَمَان: مهاجرات. قال زيد: وليس في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- سياحة إلا الهجرة. والسياحة الجَوَلان في الأرض. وقال الفراء والقُتَبي."

يعني هذا هذا الذي هذه الأسفار التي ابتُلِيَ بها الناس، يزاولون فيها ما يزاولون باسم السياحة وباسم النزهة، وينتقلون من بلد إلى بلد، من بلاد الكفر وغيرها وينفقون الأموال الطائلة ويرتكبون ويرتكب نساؤهم وذراريهم مثل ما يرتكبون أو أشد، هذه ليست من الإسلام في شيء. الإسلام لا يحرم النزهة والمتعة والتلذذ بطيبات الدنيا، لكن تجاوز ذلك إلى المحرم هو الممنوع في الشرع ويبقى أن هناك ارتكاب لمحرم صرف ويسافر الإنسان من أجله لأمر محقَّق، وهناك أمور مظنونة، يعني هو ما راح يريد أن يفسد، لكن يغلب على الظن أنه سوف يقع شاء أم أبى فيما يخل بدينه ومروءته، فهذه المظَنة يعلق عليها الحكم.

"وقال الفراء والقتبي وغيرهما: سمي الصائم سائحا لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل من حيث يجد الطعام. وقيل: ذاهبات في طاعة الله عز وجل، من ساح الماء إذا ذهب. وقد مضى في سورة" براءة" والحمد لله. {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} [سورة التحريم:5] أي منهن ثيب ومنهن بكر. وقيل: إنما سميت الثيب ثيبا لأنها راجعة إلى زوجها إن أقام معها، أو إلى غيره إن فارقها. وقيل: لأنها ثابت إلى بيت أبويها. وهذا أصح."

هذا أظهر في ثيبات، لأنه يثاب إذا رجع. ثاب يعني رجع. والثيِّب التي تطلق من زوجها ويموت عنها زوجها تثوب وترجع إلى بيت أبويها. ويلاحَظ في السبعة الأوصاف أنها ذُكِرَت بدون عاطف بدون واو، لما جاء الثامن قال: وأبكارا. فمن أهل العلم من يثبت واوا يقال لها: واو الثمانية. لما عَدّ سبع عطف الثامن بالواو وأيضا: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} [سورة التوبة:112] إلى أن قال: {الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ} [سورة التوبة:112] الثامن في سورة الكهف: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ} [سورة الكهف:22] قالوا: هذه الواو واو الثمانية ولها أمثلة كثيرة في القرآن ولها أيضا في كلام العرب ما يدل عليها. وأنكرها جمهور أهل اللغة، ما فيه شيء اسمه واو ثمانية.

طالب: ............

سياحة يعني سجنه سياحة. ما هو قال إخراجه سجني سياحة يعني هذه نزهتي وهذه أمنيتي التي نتمناها ونتفرغ من جميع العلائق وأقبل إلى ربي وديني، يعني كما يستمتع الناس ويتلذذون بالسياحة، أنا أتلذذ بالسجن.

طالب: ............

لا، هو ما فيه سفر، الآن يسجن في بلد، في بلده يسجن، سجنه سياحة يعني كما يتلذذ السائح بالسفر والانتقال من بلد إلى بلد، أنا أتلذذ بالسجن، لأن فيه إقبال على الله جل وعلا كما يتلذذ العبَّاد بالاعتكاف. والناس في لهوهم وسمرهم وغفلتهم يتلذذون بهذا وهو يتلذذ بالخلوة بالله جل وعلا ويتلذذ بمناجاته والانكسار بين يديه.

"وقيل: لأنها ثابت إلى بيت أبويها. وهذا أصح، لأنه ليس كل ثيب تعود إلى زوج. وأما البكر فهي العذراء، سميت بكرا لأنها على أول حالتها التي خلقت بها. وقال الكلبي: أراد بالثيب مثل آسية امرأة فرعون، وبالبكر مثل مريم بنت عمران."

وقد جاء ما يدل على أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يتزوجهما في الجنة ثيبات وأبكار، ثيب مثل آسية امرأة فرعون والبكر مريم بنت عمران لأنها ليست ذات بعل.

"قلت: وهذا إنما يمشي على قول من قال: إن التبديل وعد من الله لنبيه لو طلقهن في الدنيا زوجه في الآخرة خيرا منهن. والله أعلم."

بركة، حسبك. اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه.

"