التعليق على الموافقات (1426) - 06

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:

فقال المؤلف –رحمه الله- في النوع الخامس في العزائم والرخص:

"المسألة الثامنة: كل أمرِ شاقٍّ جعل الشارع فيه للمكلَّف مخرجًا، فقصد الشارع بذلك المخرج أن يتحراه المكلَّف إن شاء، كما جاء في الرخص شرعية المخرج من المشاق، فإذا توخى المكلف الخروج من ذلك على الوجه الذي شُرع له كان متمثلاً لأمر الشارع".

ممتثلاً..ممتثلاً.

ماذا؟

ممتثلًا.

"كان ممتثلاً لأمر الشارع، آخذًا بالحزم في أمره، وإن لم يفعل ذلك وقع في محظورين؛ أحدهما".

إذا حمل نفسه على العزيمة الشاقة فلابد أن يقع في محظورين، فإذا ترخص والمشقة تُقدَّر بقدرها، وإذا ترك الترخص مع اتصاف العزيمة بالمشقة فلابد أن يقع في محظورين: أولاً: أن الشارع قصد هذه الرخصة وطلب من المكلَّف أن يفعلها وإلا لم يشرعها.

الأمر الثاني: أن حمله نفسه على العزيمة الشاقة يُؤدي به ذلك إلى الانقطاع والملل والسآمة، بل قد يتطرق إلى نفسه كراهية هذا العمل وهو في الأصل مشروع، إن كره ما أنزل الله وقع في حرجٍ عظيم.

"أحدهما: مخالفته لقصد الشارع، كانت تلك المخالفة في واجبٍ أو مندوبٍ أو مباح.

والثاني: سد أبواب التيسير عليه، وفقد المَخرج عن ذلك الأمر الشاق، الذي طلب الخروج عنه بما لم يشرع له، وبيان ذلك من أوجه:

أحدها: أن الشارع لمَّا تقرر أنه جاء بالشريعة لمصالح العباد، وكانت الأمور المشروعة ابتداءً".

قد يقول قائل: هذه العزائم الشاقة لماذا تُوجد في الشرع؟ لماذا تُوجد والمطلوب ممن تشق عليه هذه العزيمة أن يترخص؟ قد يُوجد من المكلفين من لا يشق عليه ارتكاب العزيمة، قد يُوجد من يتلذذ بارتكاب العزيمة، ولو كانت عند غيره بالنسبة لغيره شاقة، فمثلاً الصيام في الهواجر صيام النوافل، وإلا فالفرض لا مندوحة لأحدٍ فيه ولا خيار لأحد، يُوجد من يتلذذ بالصيام في أطول الأيام وفي أشد الحر، لكن الذي يشق عليه يترخص ويُفطر، وإن كان مسافرًا، والرخصة مُسببة بالسفر، فإن شق عليه الصيام في السفر، جاء قوله –عليه الصلاة والسلام-: «لَيْسَ مِنَ الْبَرِّ الصيام في السفر» وإن زادت المشقة عصى، وفي الحديث الصحيح «أولئك العصاة، أولئك العصاة».

وقد يُوجد من يتلذذ بهذه العبادات بحيث لا تشق عليه، بل يشق عليه تركها؛ ولذلك شُرِعت والأصل العزيمة.

"وكانت الأمور المشروعة ابتداءً قد يعوق عنها عوائق من الأمراض والمشاق الخارجة عن المعتاد، شرع له أيضًا توابع وتكميلاتٍ ومخارج، بها ينزاح عن المكلف تلك المشقات، حتى يصير التكليف بالنسبة إليه عاديًّا ومتيسرًا، ولولا أنها كذلك لم يكن في شرعها زيادةٌ على الأمور الابتدائية، ومن نظر في التكليفات أدرك هذا بأيسر تأمل، فإذا كان كذلك، فالمكلَّف في طلب التخفيف مأمورٌ أن يطلبه من وجهه المشروع؛ لأن ما يطلب من التخفيف حاصلٌ فيه حالاً ومآلاً على القطع في الجملة".

لابد أن تُطلب الرخص من الوجوه الشرعية، لا تُطلب الرخص من غير الوجوه الشرعية، ونجد الناس أو كثيرًا من الناس يطلب رخصًا من غير وجوهها، ومن غير اعتمادٍ على أدلتها، وإنما هي بتتبع الرخص من قِبل زلات أهل العلم، وأقوالهم المرجوحة، فمثل هذا مذموم.

"فلو طلب ذلك من غير هذا الطريق، لم يكن ما طلب من التخفيف مقطوعًا به ولا مظنونًا، لا حالاً ولا مآلاً، لا على الجملة ولا على التفصيل؛ إذ لو كان كذلك لكان مشروعًا أيضًا، والفرض أنه ليس بمشروع، فثبت أن طالب التخفيف من غير طريق الشرع لا مخرج له".

بلا شك؛ لأنه إذا طلب التخفيف في قولٍ مرجوح، المسألة مُفترضة في مسألةٍ يختلف فيها أهل العلم بين قولٍ راجح وآخر مرجوح، الراجح فيه شيءٍ من المشقة، والثاني فيه يُسر، فإذا طلب الرخصة والتخفيف والتيسير من الأقوال المرجوحة حينئذٍ يكون طلبها من الوجه غير المشروع؛ لأن الحق واحد، والحق هو في القول الراجح من حيث الدليل هو الحق، أما القول المرجوح فهو لا شك أنه وإن كان قائله مجتهدًا، أهلًا للنظر والاجتهاد، واستفرغ وسعه وبذل جهده ونظر في دليل المسألة وأداه اجتهاده إلى هذا يُؤجر على هذا، لكن يبقى أنه قولٌ مرجوح، والحق مع الراجح، فإذا طلبه في الأقوال المرجوحة طلب الرخص من غير وجوهها الشرعية.

"والثاني: أن هذا الطالب إذا طلب التخفيف من الوجه المشروع، فيكفيه في حصول التخفيف طلبه من وجهه، والقصد إلى ذلك يُمنٌ وبركة، كما أن من طلبه من غير وجهه المشروع يكفيه في عدم حصول مقصوده شؤم قصده".

نعم، لو سأل عن معاملة، فقال له أحد العلماء: هذا العقد مُحرَّم، ثم ذهب إلى آخر، وقال: حلال، إن أخذ بالقول الثاني وفي قرارة نفسه أن الحق مع الأول هو طلب الرخصة، لكنه من غير وجهها، وإن أخذ بالقول الأول وهو فيه مشقة على نفسه؛ لأنه يُريد إمضاء هذه المعاملة، مثل هذا يسهل عليه قبول الحق؛ لأنه ترك شيئًا لله وسوف يُعوضه الله خيرًا منه، ويكون عادةً له وديدنًا، ويُوطن نفسه على هذا، وبعد ذلك يكون ذلك المسلك من أيسر الأمور على نفسه، نعم.

طالب:........

يُعوض عنه ما دام ثبت أنه يُعان يُعوض عنه.

"ويدل على هذا من الكتاب قوله تعالى: { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُ } [الطلاق:2-3] ومفهوم الشرط من لا يتقي الله لا يجعل له مخرجًا.

خرَّج إسماعيل القاضي عن سالم بن أبي الجعد، قال: جاء رجلٌ من أشجع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الجهد، فقال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: «اذهب فاصبر» وكان ابنه أسيرًا في أيدي المشركين، فأفلت من أيديهم، فآتاه بغنيمة، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: «طيبة» فنزلت الآية: { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } [الطلاق:2] الآية".

خرَّج له؟

طالب:........

نعم، مَن رواه؟

طالب:........

نعم، على كل حال الحديث ضعيف، لكن معناه صحيح، الصبر لا شك أن نتائجه طيبة، فكيف بالشكر؟ وذكر ابن القيم أن شخصًا أسره العدو، فكتب لصاحبٍ له، فقال له: احمد الله، فقال: الحمد الله، ثُم قُيد مع شخصٍ آخر، فكان لا يستطيع قضاء حاجته إلا بحضور هذا الشخص، فكتب لصاحبه، فقال له: احمد الله، فحمد الله، ثُم ابتُلي صاحبه الذي قُيد معه باستطلاق البطن إسهال صار يجره في كل لحظة لقضاء حاجته، فكتب لصاحبه يشكو إليه، فقال: احمد الله، فكأنه فاق قال: الآن كأنه يعني ضاقت به الأرض بما رحبت، ووجد في نفسه أنه كيف يحمد الله على هذه الحال التي وصلت إلى هذا الحد؟ فقال له صاحبه: احمد الله على أنك لست مثله، فرجع إلى نفسه وحمد الله من صدق، وقرارة قلبه، فانفك القيد، فخرج يمشي { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا} [الطلاق:2].

"وعن ابن عباس أنه جاءه رجلٌ، فقال له: إن عمي طلق امرأته ثلاثًا، فقال: إن عمك عصى الله فأندمه، وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجًا، فقال: أرأيت إن أحلها له رجل؟ فقال: من يُخادع يخدعه الله".

طلق امرأته ثلاثًا، والطلاق الثلاث بدعي صاحبه عاصي السُّنَّة أن تُطلَّق المرأة واحدة في طهرٍ لم يُجامعها فيه هذه السُّنَّة أو حامل، أما أن تُطلَّق ثلاثًا مجموعة فهذه بدعة يستحق عليها التعزير؛ ولذا أمضاها عمر -رضي الله تعالى عنه-.

فهذا ضيق على نفسه، وعصى الله –جلَّ وعلا- وحصل له الندم بسبب ذلك، ثم قال: أرأيت إن أحدٌ أحلها له شخص؟ وقد جاء لعن المُحلِّل والمُحلَّل له، وإذا نُكحت بهذا القصد لا تحل، ولو كانت في الظاهر نكحت زوجًا غيره من يُخادع الله يخدعه بلا شك.

نعم الحيل التي يُتَوصل بها إلى تحليل المُحرَّم أو ترك الواجب هذه حيل اليهود التي يُتَوصل إلى ارتكاب مُحرمات أو التنصل من الواجبات هذه حيل اليهود.

أما الحيل التي يُتَوصل بها إلى فعل الواجب أو ترك المحظور هذه هي الحيل الشرعية، يعني شخص مُنع من الصلاة، فتحايل إلى أن وصل المسجد، وصلى مع الناس. هذه حيلة شرعية، شخص مُنِع من الهجرة فتحايل إلى أن هاجر إلى بلاد المسلمين هذه حيلة شرعية، وقد نُص عليها في القرآن، ولو قيل: إنه لم يُنص على حيلةٍ شرعية إلا مثل هذه هذا هو الذين لا يستطيعون حيلة ما عُذِر مِن ترك الهجرة إلا من لا يستطيع الحيلة، فإذا كانت الحيلة للوصول إلى فعل الواجب أو ترك المُحرَّم هذه حيلة شرعية، وعكسه هي حيل اليهود «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل».

طالب:........

قصدهم بذلك ذم الحيل الممنوعة، وبيان الحيل الشرعية.

ومنهم من ألَّف في الحيل الممنوعة، ووجد من الحيل ما أقسم ابن القيم عليها أن الشيطان لا يعرف مثلها، حتى أتوا مثل هؤلاء ويفتحوا له بعض الأبواب، يعني الذي ضاقت بها الحيلة آذاها زوجها، وضيق عليها الحياة، ورفض أن يُطلِّق، وأن يُخالع أفتاها بعضهم أن ترتد لتحرم عليه، هذه أعظم من حيل اليهود، وقال أهل العلم في ذلك كلامًا قويًّا، بعضهم من أفتى بهذا فقد كفر، قاله ابن المبارك وغيره، هناك حيل شيطانية بلا شك ابن القيم ذكر كثير منها.

"وعن الربيع بن خَيثم"

خُثيم.

"وعن الربيع بن خُثيم في قوله: { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا } [الطلاق:2] قال: مِن كل شيءٍ ضاق على الناس.

وعن ابن عباس: من يتق الله يُنجه من كل كربٍ في الدنيا والآخرة.

وقيل: من يتق الله والمعصية يجعل له مخرجًا إلى الحلال.

وخرَّج الطحاوي عن أبي موسى، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثَلَاثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ: رَجُلٌ أَعْطَى مَالَهُ سَفِيهًا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ } [النساء:5] وَرَجُلٌ دَايَنَ بِدَيْنٍ وَلَمْ يُشهِد، وَرَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ فَلَا يُطَلِّقُهَا»".

هذا الحديث عند الحاكم وغيره، لكنه ضعيف.

طالب:........

صححه الحاكم ونُوزِع في تصحيحه.

طالب:........

ماذا تقول؟

طالب:........

هذا متكلمٌ فيه الحديث، الحديث مُضعَّف عند أهل العلم، لكن لو ثبت لا تُستجاب لهم الدعوة في هذه الأبواب، يعني «ثَلَاثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ: رَجُلٌ أَعْطَى مَالَهُ سَفِيهًا» يدعو الله– جلَّ وعلا- أن يرد عليه هذا المال، وقد فرَّط بأن أعطاه السفيه والله –جلَّ وعلا- نهاه عن ذلك { وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ } [النساء:5] لا تُستجاب دعوته، ومثله رجلٌ أمره الله بالإشهاد { وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ } [الطلاق:2] وفرَّط باع بدون إشهاد، فسأل الله –جلَّ وعلا- أن يرد عليه قيمة هذا المبيع أو السلعة وما أشبه ذلك، مثل هذا يَرد فيه الحديث، ومثله من كان له امرأة ودعا عليها أو دعا لها أو فيما يخصها مثل هذا لو ثبت الخبر حُمل على هذا؛ لأنهم يدعون الله في كل شيء ولا يستجيب لهم.

"ومعنى هذا أن الله لمَّا أمر بالإشهاد على البيع، وأن لا نؤتي السفهاء أموالنا حفظًا لها، وعلمنا أن الطلاق شُرع عند الحاجة إليه، كان التارك لما أرشده الله إليه قد يقع فيما يُكره، ولم يجب دعاؤه؛ لأنه لم يأتِ الأمر من بابه.

والآثار في هذا كثيرةٌ تدل بظواهرها ومفهوماتها على هذا المعنى، وقد رُوي عن ابن عباس أنه سُئل عن رجلٍ طلق امرأته ثلاثًا، فتلا: { إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [الطلاق:1] حتى بلغ: { يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا } [الطلاق:2] وأنت لم تتق الله لم أجد لك مخرجًا.

وخرَّج مالكٌ في (البلاغات) في هذا المعنى أن رجلاً أتى إلى عبد الله بن مسعود، فقال: إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات، فقال ابن مسعود: فماذا قيل لك؟ قال: قيل لي: إنها قد بانت مني، فقال ابن مسعود: صدقوا، من طلَّق كما أمره الله فقد بيَّن الله له، ومن لبس على نفسه لبسًا؛ جعلنا لبسه به، لا تلبسوا على أنفسكم ونتحمله عنكم، كما هو تقولون".

"هو كما تقولون".

"هو كما تقولون".

نعم هكذا ينبغي أن يكون حال المُفتي إذا استُفتي، أن يبحث عن خلاص نفسه قبل أن يبحث عن خلاص سائله، عليه أن يسعى في تخليص نفسه، وبعض الناس على حساب ذمته يُسهل للناس، ويُيسر عليهم، ويُخالف النصوص، ويرتكبون المُحرمات ويُبيحها لهم؛ من أجل التيسير على الناس، وهو بذلك يُوبق نفسه –نسأل الله العافية-.

"وتأمل حكاية أبي يزيدٍ البُسطامي حين أراد أن يدعو الله أن يرفع عنه شهوة النساء، ثم تذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل ذلك، فأمسك عنه، فرُفع عنه ذلك، حتى كان لا يُفرق بين المرأة والحجر".

كل هذا من أجل أن يتفرغ للعبادة، لكن الشرع ورد بخلاف ذلك، والنكاح من سُنن المرسلين، وهي سُنَّة محمد –عليه الصلاة والسلام- من رغب عنها كما قال: «فليس مني»، لكنه لمَّا وقف عند فعله –عليه الصلاة والسلام- رأى أنه –عليه الصلاة والسلام- لم يفعل ذلك ما دعا هذه الدعوة فأمسك عنها، أُجيبت هذه الدعوة تحقيقًا لرغبته ولو لم يدعو به؛ لوقوفه مكافأةً له على وقوفه هذا، وإلا فالأصل هو ما دعا، لكن هذه الدعوى كمال أم نقص؟ بالنسبة لبعض الناس كمال، وبعض الناس نقص، نعم من يخشى على نفسه من العنت ودعا بهذه الدعوة خشية أن يقع في المحرم، هذا هدفٌ صحيح ومقصدٌ صحيح، لكن لو دعا بما هو أكمل من هذا بأن يعصمه الله من الحرام، وبذل الأسباب، ولم يرتكب ما يمنع هذه العصمة، واقتدى بالنبي– عليه الصلاة والسلام-هذا لا شك أن هذا أكمل.

وأبو يزيد كما هو معروف من المتصوفة، لكنه في كثيرٍ من أحواله على الجادة على الحق، نعم عنده مُخالفات، لكنها ما تصل به إلى أن تكون بدعته مُغلَّظة، منهم أيضًا مثل أبو سليمان الداراني شيخ الإسلام يُشيد بهم كثيرًا هؤلاء يقول: تُعرض علي النكتة من نُكت من قوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل الكتاب والسُّنَّة، وقال الجُنيد: مذهبنا مُقيدٌ بالكتاب والسُّنَّة، فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يُقتدى به في طريقنا هذا.

على كل حال فيهم أُناس منصفون معتدلون يعملون بالكتاب والسُّنَّة، وفيهم أيضًا غُلاة تنصلوا من التكاليف، وخرجوا على الأوامر والنواهي هؤلاء معروفٌ شأنهم.

طالب:........

المسألة مسألة حاجة يمكن لا رغبة له في النساء، مع ما شُغل به من علم هذه مُفاضلة، هناك مُفاضلة بين العبادات، من تركها رغبةً عن السُّنَّة هذا يُبدَّع ويُقدح فيه، لكن من تركها يقول: والله أنا ما عندي وقت، أنا عندي علم، وعندي والله دعوة، وعندي كذا، والرغبة إلى النساء أقل عندي، مثل هذا الأمر إليه.

"والثالث: أن طالب المخرج من وجهه طالبٌ لما ضمن له الشارع النُّجح فيه، وطالبه من غير وجهه قاصدٌ لتعدي طريق المخرج، فكان قاصدًا لضد ما طُلب، من حيث صد عن سبيله، ولا يتأتى من قِبل ضد المقصود إلا ضد المقصود، فهو إذًا طالبٌ لعدم المخرج، وهذا مقتضى ما دلت عليه الآيات المذكور فيها الاستهزاء والمكر والخداع، كقوله: { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ } [آل عمران:54].

وقوله: { ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ } [البقرة:15].

وقوله: { يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ } [البقرة:9]".

القراءة التي اعتمدها المؤلف.

طالب: { وَمَا يَخۡدَعُونَ } [البقرة:9] قراءة نافع.

نعم.

"ومنه قوله تعالى: { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥ } [الطلاق:1].

وقوله: { فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا } [الفتح:10]. { مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَا } [فصلت:46].

إلى سوى ذلك مما في هذا المعنى، وجميعه مُحقق، كما تقدَّم من أن المتعدي على طريق المصلحة المشروع ساعٍ في ضد تلك المصلحة، وهو المطلوب.

والرابع: أن المصالح التي تقوم بها أحوال العبد لا يعرفها حق معرفتها إلا خالقها وواضعها، وليس للعبد بها علمٌ إلا من بعض الوجوه، والذي يخفى عليه منها أكثر من الذي يبدو له، فقد يكون ساعيًا في مصلحة نفسه من وجه لا يوصله إليها، أو يوصله إليها عاجلاً لا آجلاً أو...".

نعم يطلب أمرًا له فيه مصلحة فيما يبدو له ويظهر له، لكن هذا الأمر له حِكم وعلل متعددة، هو نظر إليه من زاويةٍ تنفعه مع أنه من وجوهٍ أخرى فيه ما يشتمل على ضرره، فهو يرجو مصلحة نفسه، وقد تتحقق له هذه المصلحة المرجوة، لكن الضرر الحاصل من الوجوه الأخرى قد لا يتنبه له.

فمثلاً رجل بحث عن امرأة، فوجد امرأةً جميلة فأقدم على الزواج بها؛ لأن هذه مصلحته، لكن فيها أوصاف، وفيها أيضًا سجايا وطبائع، وجُبلت على أمور تضره، وهو لم يبحث عنها، ولم يسأل عنها، عَمي عن السؤال عن بقية الأمور؛ لأنه لحظ هذا الجانب الذي يُريده، مثل هذا يُؤتى من حيث لا يحتسب، وقد يتضرر بهذه المرأة أكثر مما ينتفع بها.

لكن لو كان له مطالب ومنها: الخدمة في البيت -مثلاً- وفي المزرعة، وتربية الأولاد، والجمال، والمال، والنَّسب والحسب، والدين، ثم ذهب فرأى الدين على أكمل ما يُرام ونسي البقية، فأقدم عليها من أجل دينها هذه نفعها مُحقق، وضررها مُحتمل؛ لأن ضررها متعلق بأمور الدنيا، والدنيا أمرها يسير بالنسبة للآخرة، ولا شك أنه عند وضعه للشروط التي يُريدها إذا جاء التطبيق يغيب عن باله كثير من الأمور، فقد يغيب عن باله ما يضره، وقد يغيب عن باله ما لا يضره وينتبه لِما ينفعه، فمن هذا الباب.

"أو يوصله إليها ناقصةً لا كاملة، أو يكون فيها مفسدةٌ تُربي في الموازنة على المصلحة، فلا يقوم خيرها بشرها، وكم من مدبرٍ أمرًا لا يتم له على كماله أصلاً، ولا يجني منه ثمرةً أصلاً، وهو معلومٌ مُشاهدٌ بين العقلاء؛ فلهذا بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، فإذا كان كذلك، فالرجوع إلى الوجه الذي وضعه الشارع رجوعٌ إلى وجه حصول المصلحة والتخفيف على الكمال، بخلاف الرجوع إلى ما خالفه، وهذه المسألة بالجملة فرعٌ من فروع موافقة قصد الشارع أو مخالفته، ولكن سيق لتعلقه بالموضع في طلب الترخص من وجهٍ لم يؤذن فيه، أو طلبه في غير موضعه، فإن من الأحكام الثابتة عزيمةً ما لا تخفيف فيه ولا ترخيص، وقد تقدَّم منه في أثناء الكتاب في هذا النوع مسائل كثيرة".

يعني لا تخفيف فيه خاص يخصه، ولا ترخيص فيه بأن يكون ورد فيه نص خاص يُخفف من هذه العزيمة، لكن النصوص العامة قد تتناول ما يشق من هذا الأمر الذي لا تخفيف فيه.

"ومنها ما فيه ترخيص، وكل موضعٍ له ترخيصٌ يختص به لا يتعدى.

وأيضًا فمن الأحوال اللاحقة للعبد ما يعده مشقةً، ولا يكون في الشرع كذلك، فربما ترخص بغير سبب شرعي، ولهذا الأصل فوائد كثيرةٌ في الفقهيات، كقاعدة المعاملة بنقيض المقصود، وغيرها من مسائل الحيل، وما كان نحوها".

نعم من الأحوال اللاحقة للعبد ما يعده مشقة؛ لأن المشقة واليُسر أمور نسبية، بعض الناس إذا جاء من الدوام مثلاً وليس فيه علة يسمع الأذان لصلاة العصر أو الإقامة لصلاة العصر يقول: { وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖ } [الحج:78] الآن أنا جئت من الدوام ثماني ساعات، طالعين من البيت نحتاج إلى راحة، وغيره ممن يعمل نفس العمل، وقد يكون أشق من عمله ينتظر هذه الصلاة بفارغ الصبر؛ ليرتاح بها، فهذه أمور نسبية بحسب ما عوَّد الإنسان نفسه وجبَله عليها، فالذي يُعوِّد نفسه على الرخص والتسهيلات والتيسير يشق عليه كل شيء، والذي يُعوِّد نفسه على العزائم، ويحملها على الشدائد المحتملة التي في حدود التكليف الشرعي مثل هذا تسهل عليه.

ومَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ
 

طالب: الذي يأخذ علاجًا يتعذر عليه أخذه أثناء عمله؛ لأنه يصرف عن العمل، فإذا جاء داره وأكل طعام الغذاء وأخذ هذا العلاج، هذا العلاج فيه منوم؟

على قدر الحاجة إليه، إذا كانت حاجته إلى هذا العلاج مما لا تقوم صحته إلا به فلا مانع، عذر هذا.

"المسألة التاسعة: أسباب الرخص ليست بمقصودة التحصيل للشارع، ولا مقصودة الرفع؛ لأن تلك الأسباب راجعةٌ إلى منع انحتام العزائم التحريمية أو الوجوبية، فهي إما موانع للتحريم أو التأثيم، وإما أسبابٌ لرفع الجناح أو إباحة ما ليس بمباح، فعلى كل تقدير إنما هي موانع لترتب أحكام العزائم مطلقًا، وقد تبين في الموانع أنها غير مقصودة الحصول ولا الزوال للشارع، وأن من قصد إيقاعها رفعًا لحكم السبب المحرِّم أو الموجب، ففعله غير صحيح، ويجري فيه التفصيل المذكور في الشروط، فكذلك الحكم بالنسبة إلى أسباب الرخص، من غير فرق".

نعم؛ لأن العزيمة هي الأصل، وأما الرخصة فجيء بها رفعًا للمشقة اللاحقة بالمكلَّف.

بقي كم ورقة؟

طالب: بقيت المسألة العاشرة، والحادية عشرة.

يعني بقي درس في المجلد، ونقف على المصالح، يكون الدرس الأسبوع القادم آخر شيء.

طالب: إن شاء الله.

الأسبوع القادم نُكمل الجزء.

طالب:........

نعم.

طالب:........

يعني استجاب العدو، لا هذا لا يُنظر إليه في الشرع أبدًا ... النظر النظر للأدلة في المسائل كلها.

طالب:........

{ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ } [النساء:59] أما من عداهم فما له قيمة، وجوده مثل عدمه، المرد في هذا إلى الله ورسوله، إلى قال الله، وقال رسوله، إلى الكتاب والسَّنَّة.

طالب:........

لكن ما لهم نهاية إذا نزلت درجة ينزلون درجتين ما ينتهون، ما هو بحل هذا أبدًا ما فيه مثل أطر الناس على الحق، ومع ذلك ينزل بعض الناس درجة، لكن أنت إن نزلت من نفسك درجة ينزلوا درجتين وثلاثًا إلى أن ينتهوا، ما ينتهي الناس أبدًا.

اللهم صلِّ على محمد.

طالب:.........

لا يأخذ المصالح، لكن الأصول التي عليها جُل الاعتماد عند الإمام هذه.

أستغفر الله..أستغفر الله.

الله يعينكم..الله يعينكم.

أستغفر الله..أستغفر الله..أستغفر الله.

"