شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (22)

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-:

حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة، ولجعلتها على أساس إبراهيم، فإن قريشاً حين بنت البيت استقصرت، ولجعلت لها خلفاً».

وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا ابن نمير عن هشام بهذا الإسناد.

وحدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟» قالت: فقلت: يا رسول الله: أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت» فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أُرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك استلام الركنيين اللذين يليان الحِجْرَ إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم.

حدثني أبو الطاهر قال: أخبرنا عبد الله بن وهب عن مخرمة ح وحدثني هارون بن سعيد الأيلي قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت نافعاً مولى ابن عمر يقول: سمعت عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة يحدث عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية -أو قال بكفر- لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها من الحِجْر».

وحدثني محمد بن حاتم قال: حدثني ابن مهدي قال: حدثنا سليم بن حيان عن سعيد يعني ابن ميناء قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: حدثتني خالتي -يعني عائشة- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين باباً شرقياً وباباً غربياً، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة».

حدثنا هنّاد بن السري قال: حدثنا ابن أبي زائدة قال: أخبرني ابن أبي سليمان عن عطاء قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد أن يجرئهم -أو يحربهم- على أهل الشام، فلما صدر الناس قال: «يا أيها الناس أشيروا على في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها، وأصلح ما هو منها؟» قال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأي فيها، أرى أن تصلح ما وهى منها، وتدع بيتاً أسلم الناس عليه، وأحجاراً أسلم الناس عليها، وبعث عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده، فكيف بيت ربكم؟

إني مستخير ربي ثلاثاً، ثم عازم على أمري، فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء، حتى صعد رجل فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض، فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه، وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لولا أن الناس حديثٌ عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع، ولجعلت لها باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه» قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس، قال: فزاد فيه خمس أذرع من الحجر حتى أبدى أساً نظر الناس إليه، فبنى عليه البناء، وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعاً، فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين أحدهما يُدخل منه، والآخر يخرج منه، فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أسٍ نظر إليه العدول من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاد في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه، وسد الباب الذي فتحه، فنقضه وأعاده إلى بنائه.

حدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا محمد بن بكر قال: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن عطاء يحدثان عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة قال عبد الله بن عبيد: وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته، فقال عبد الملك: ما أظن أبا خبيب -يعني ابن الزبير- سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها، قال الحارث: بلى أنا سمعته منها، قال: سمعتها تقول: ماذا؟ قال: قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن قومك استقصروا من بنيان البيت، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريكِ ما تركوا منه» فأراها قريباً من سبعة أذرع، هذا حديث عبد الله بن عبيد وزاد عليه الوليد بن عطاء قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقياً وغربياً، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟» قالت: قلت: لا، قال: «تعززاً أن لا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط» قال عبد الملك للحارث: أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم، قال: فنكت ساعة بعصاه ثم قال: "وددت أني تركته وما تحمل".

وحدثناه محمد بن عمرو بن جبلة قال: حدثنا أبو عاصم ح وحدثنا عبد بن حميد قال: أخبرنا عبد الرزاق كلاههما عن ابن جريج بهذا الإسناد مثل حديث ابن بكر.

وحدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا عبد الله بن بكر السهمي قال: حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن أبي قزعة أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين يقول: سمعتها تقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر فإن قومك قصروا في البناء» فقال الحارث بن عبد الله ابن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا، قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير.

حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا أبو الأحوص قال: حدثنا أشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن يزيد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: «نعم» قلت: فلم لم يدخلوه في البيت؟ قال: «إن قومك قصرت بهم النفقة» قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: «فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا، ويمنعوا من شاءوا، ولولا أن قومك حديثٌ عهدهم في الجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألزق بابه بالأرض».

وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبيد الله يعني ابن موسى قال: حدثنا شيبان عن أشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن يزيد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحجر، وساق الحديث بمثل حديث أبي الأحوص، وقال فيه: فقلت: فما شأن بابه مرتفعاً لا يصعد إليه إلا بسلم؟ وقال: «مخافة أن تنفر قلوبهم».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا يحيى بن يحيى" وهو التميمي الذي مر ذكره مراراً، "قال: أخبرنا أبو معاوية" اسمه محمد بن خازم الضرير، "عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة -عن خالته عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة»" لولا حداثة عهد قومك بالكفر، القوم حديثوا عهدٍ بجاهلية تنكر قلوبهم مخالفة ما ألفوا، وهذا مراعاته شرعية، مراعاة مثل هذا الأمر شرعية، فيما تحتمله، مثل، أو فيما يحتمله الإبقاء في مثل هذا، فكون البيت تاماً على قواعد إبراهيم أولى؛ لكن كون القوم قصرت بهم النفقة، قصروا في بنائه عن تمامه، وعرف الحد المطلوب الذي يطاف حوله لا شك أن هذا قصور، والعبادة مع هذا القصور كاملة، يعني الطواف كامل من وراء الحجر؛ لكن لو كان الإبقاء على مثل هذا تأليفاً لهم، لو كان إبقاء مثل هذا تأليفاً لهم، وكان إبقائه مخلاً بالعبادة، بل مناقضاً للعبادة، فإن مثل هذا لا يُتألف عليه، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما فتح مكة أول ما بدأ به حطم الأصنام، ما قال: نتألفهم حتى يدخل الإيمان في قلوبهم؛ لأن إبقاء الأصنام مخل بأصل الدين، وعلى هذا ما يتعلق بالشرك، وحماية التوحيد لا مجاملة فيه، ولا تأليف عليه، بل تجب حمايته، يجب حماية جناب التوحيد، وسد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك، أما إذا كان التأليف في أمر خارج عن أصل العبادة في مكانها مثلاً أو في زمانها إذا كان يحتمل، فيما إذا لم يشترط المكان والزمان لصحة العبادة فيمكن التأليف عليه، فنفرق بين هذا وهذا؛ لأن بعض الناس يرى المنكر الأعظم، الشرك الأكبر ويقول: نتألف الناس، كيف نتألف الناس على الشرك الأكبر؟! ما الذي تخشاه بعد وقوع الشرك الأكبر؟! المداراة مطلوبة؛ لكن المداهنة محرمة {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [(9) سورة القلم] المداهنة لا تجوز بحال؛ لكن المداراة، وتأليف القلوب مطلوب، النبي -عليه الصلاة والسلام- يعطي المؤلفة قلوبهم من الزكاة، ويترك من هو أفضل منهم، يكل الأمر إلى ما وقر في قلوبهم من الإيمان القوي، بحيث لا يتعرض مثل هذا الإنسان لخلل في دينه إذا لم يعطَ، ويعطي من يخشى عليه، في الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطى رهطاً وسعدٌ جالس، فقال سعد: يا رسول الله مالك عن فلان فإني لا أُراه مؤمناً، فقال: «أو مسلماً» ثم أعاد ثانية: مالك عن فلان، فإني لا أُراه مؤمناً، فقال: «أو مسلماً» ثم قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إني لأعطي القوم،.... إني لأترك الرجل لما في قلبه من إيمان...» ويعطي القوم مخافة أن يكبوا على وجوههم في النار، مخافة أن يرتدوا نسأل الله السلامة والعافية، وهذا التأليف شرعي، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- تألفهم بترك الكعبة على هذا النقصان؛ لكن ما تألفهم بترك الأصنام، لذلك في كثيرٍ من المسائل يحصل خلاف بين جماعة مسجد مثلاً هل يزال هذا أو لا يزال؟ فبعض الناس يقول: اتركوه لا تشوش على الناس، المسألة مسألة شرعية، إذا كان تركه لا يخل بالعبادة اتركه، شخص محسن بنى مسجد وزخرفه، فهل يكلم في هذا أو لا يكلم؟ انتهى، قال واحد: ترى لو كلمتوه ما بنى مسجد ثاني، يترك أو لا يترك، يكلم يا أخي، المسألة مسألة شرعية؛ لأن الزخرفة مخلة بالصلاة، المقصود أن مثل هذه الأمور تحتاج إلى نظرٍ دقيق، فمنها ما يمكن أن يدارى فيه، والمداراة لها أصل شرعي، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في حق رجلٍ: «بئس أخو العشيرة» فلما استأذن وأذن له ودخل انبسط معه النبي -عليه الصلاة والسلام- في الكلام، وألان له القول، فمثل هذا يدارى فيه؛ لكن المداهنة لا تجوز بحال.

فقد يستدل بعض الناس في مثل هذا على إبقاء بعض الأمور التي تخل بأصل العبادة، وليس في هذا دليل على ما ذهبوا إليه، فأصل الدين لا مساومة عليه، الذي هو التوحيد والشرك، التوحيد لا بد من إقراره، والشرك لا بد من إنكاره، لو أن شخصاً دخل في الإسلام وحديث عهد به، فقال: أنا لا أستطيع أن أترك السجود لما اعتدت السجود له من غير الله -جل وعلا-، وهو يعترف "لا إله إلا الله محمد رسول الله" نقول: اتركه حتى يقر الإيمان في قلبك؟ لا؛ لكن لو قيل له: اختتن مباشرة بعد أن نطق بالشهادتين، ارتد، نقول: اترك هذا حتى يأتي وقته، حتى يدخل الإيمان في قلبه، فكل شيء له قدره، كل شيء يُنزل بمنزلته، يقول: «لولا حداثة عهد قومك بالكفر...» نعم.

طالب:.......

كذلك، لا تجوز المداهنة في هذا، هذا ترى ما له حقيقة، ليست له حقيقة إنما هو من تخويف الشيطان {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ} [(175) سورة آل عمران] المقصود أن مثل هذا لا نهاية له، فلو داهنا في مثل هذا، طُلب منا ما هو أعظم منه، ثم لزمنا أن نداهن فيه، إلى أن نخرج من الدين ونحن لا نشعر؛ لأن العدو لا يرضيه إلا أن تكون مثله {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [(120) سورة البقرة]

طالب: .... أركان الإسلام، يعني ..... الصلاة أو الصيام أو الحج؟

إيش فيها؟

طالب: ..........

ويترتب عليه شيء؟ هو مسافر هو؟

طالب:.......

وفي الوقت المتسع؟ يعني في أثناء الوقت الجائز؟ يعني بيؤخر الصلوات؟ لا، لا، ما يقبل منه؛ لأن الصلاة لا تصح إلا في وقتها.

"قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة»" في هذا مراعاة المصالح والمفاسد، فإذا اجتمع في الأمر مصلحة ومفسدة لا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح في الجملة، بحيث إذا تساوت المفسدة والمصلحة درئت المفسدة؛ لكن إذا كان المصلحة راجحة والمفسدة مغمورة لم ينظر إلى تلك المفسدة، وإلا فالأصل القاعدة المقررة عند أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وكذلك إذا اشتمل الأمر على مصلحتين فعله فيه مصلحة، وتركه فيه مصلحة، فتطلب أعلى المصلحتين، وقل مثل هذا إذا اشتمل فعله على مفسدة، وتركه على مفسده فتدرأ أعظم المفسدتين.

«لنقضت الكعبة» نقضتها: من نقض أحجارها بهدمها، «ولجعلتها على أساس إبراهيم» يعني على قواعده، «فإن قريشاً حين بنت البيت استقصرت» يعني قصرت، وذلكم بسبب قصور النفقة، «..استقصرت ولجعلت لها خلفاً».

قد يقول قائل: قريش قبيلة إن لم تكن أشرف القبائل، بل هي أشرف القبائل بكاملها تعجز عن بنيان الكعبة؟ تقصر منهم النفقة لا يستطيعون؟! هذا الحاصل، بإمكان شخص واحد يقوم بجميع نفقاتها؛ لكن لعلهم في ذلك الوقت عندهم شيء من الجدب، وعدم السعة في المال.

طالب:.......

لقلة المال الحلال، نعم.

طالب:.......

هو يذكر في السير يذكرونه.

"«ولجعلتها على أساس إبراهيم، فإن قريشاً حين بنت البيت استقصرت، ولجعلت لها خلفاً»" الخلف: الباب، الباب الثاني المقابل للباب الموجود، المقابل للباب القائم، باب يدخل معه، وباب يخرج معه.

قال: "وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا ابن نمير عن هشام بهذا الإسناد" بالإسناد السابق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

قال -رحمه الله-: "حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر" هذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، عبد الله بن عمر هو الذي يروي عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر عن عائشة، محمد بن أبي بكر الصديق، هذا الذي ولد في المحرم بذي الحليفة حينما حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومعه أصحابه سنة عشرٍ من الهجرة حجة الوداع، ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، وهذا ابنه عبد الله، ويأتي في الروايات الأخرى أن عبد الله بن أبي بكر الصديق، وهناك نسب إلى جده، وإلا فهو عبد الله بن محمد بن أبي بكر، فهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، "أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-" الآن سالم بن عبد الله يرويه عن من؟ عن سالم بن عبد الله أن عبد الله أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة، الآن بين عبد الله بن عمر وعائشة واسطة، يعني كأن الإسناد: عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر عن عائشة، هذا تركيب الإسناد؛ لأن سالم يروي عن أبيه، وابن عمر يرويه عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر عن عائشة -رضي الله عنها-، فكأن سالماً شهد القصة، قصة الإخبار، شهد عبد الله بن محمد بن أبي بكر وهو يحدث أباه بهذا الحديث.

"عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألم تري أن قومك..؟»" ألم تري هنا الاستفهام تقريري وإلا إنكاري؟ تقريري، وحينئذٍ يكون قوله: «ألم أتري؟» ألم تعلمي؟ خلاف أرأيت، أرأيتِ كذا بدون (لم) فيكون معناه حينئذٍ (أخبريني) أرأيت يعني أخبرني، وهنا: «ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟» يعني قصروا عنها، "قالت: فقلت: يا رسول الله، أفلا تردها على قواعد إبراهيم"؟ يعني اقتصر عن قواعد إبراهيم في جميع البيت؟ وإلا في الجهة الشمالية منه، جهة الحجر؟ وهل القواعد الأركان الأربعة أو القواعد أسس البيت كاملاً؟

طالب:.......

أسس البيت كامل، إذاً قصروا في جميع جوانبه، لماذا؟

طالب:.......

لا، هنا «حين بنوا اقتصروا عن قواعد إبراهيم» إذا قلنا: القواعد المراد بها الأربع، الزوايا الأربع، قلنا: التقصير في جهة، ولذا الجهة التي فيها الحجر لا تمسح، بينما الجهة الأخرى تمسح؛ لأنه على قواعد إبراهيم، وإذا قلنا: أن المراد بقواعد إبراهيم القواعد الشاملة لجميع البيت من جميع الجهات، وليست الزوايا فقط، قلنا: قصروا في جميعه بدليل؟.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

لا، لا، الشذروان من البيت، المحيط بالكعبة من جميع الجوانب، هذا من البيت، فيكون قصروا في جميع جدران البيت، لا في زواياه فقط، "«اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟» قالت: فقلت: يا رسول الله، أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لولا...»" تكررت هذه، وهي حرف امتناع لوجود، يمتنع من ردها لوجود المفسدة الناشئة عن حدثان القوم بالكفر «لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت» فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أُرى -ما أظن- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم".

هذا يرد على ما تقدم من أن التقصير حصل في جميع الجهات، ولا شك أن الشذروان من البيت عند جمهور أهل العلم، وأنه لا يجوز الطواف عليه، بل لا بد أن يكون الطواف دونه، "ما أُرى النبي -عليه الصلاة والسلام- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر -يعني في الجهة الشمالية جهة الشام- إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم" وجاء عن معاوية وبعض الصحابة أنهم كانوا يمسحون الأركان الأربعة، ويقولون: "ما كان شيء من البيت مهجوراً" وعدم مسحه هجرٌ له؛ لكن العبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

قال: حدثني أبو الطاهر قال: أخبرنا عبد الله بن وهب عن مخرمة ح وحدثني هارون بن سعيد الأيلي قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت نافعاً مولى ابن عمر يقول: سمعت عبد الله بن أبي بكر" هو عبد الله بن محمد بن أبي بكر نسب هنا إلى جده، "بن أبي قحافة يحدث عبد الله بن عمر" فحضر هذا التحديث كلٌ من سالم ونافع، "عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية»" يعني يمكن يؤخذ من هذا فائدة تربوية يستفيدها الدعاة والعلماء والآباء وغيرهم، كل من يزاول هذا الأمر حتى الأب يستفيد، إذا كان عنده جمع من الأولاد، عشرة، خمسة منهم من الأصل على الاستقامة، ونشأوا عليها، وخمسة منهم زاولوا ما زاولوا في أول العمر ثم تاب الله عليهم فتابوا، أولئك إيمانهم قديم، وما عرفوا جاهلية؛ لكن الآخرون؟ حديثو عهدٍ بالتزام واستقامة، هل يُراعى مثل هؤلاء أكثر مما يراعى أولئك؟

طالب:.......

نعم، حتى يثبت الإيمان في قلوبهم، حتى يبعد عهدهم بالجاهلية؛ لأن هؤلاء ما زال الجرح طري، ما زال المرض حديث، ما تماثلوا للشفاء التام، ثم بعد ذلك إذا أنس منهم وعرف منهم أنهم التزموا، وتركوا ما كانوا عليه، ولا تشرئب قلوبهم ولا نفوسهم إليه حينئذٍ يعاملون معاملة غيرهم.

طالب:.......

هو بعد الفتح بلا شك، هو الكلام هذا بعد الفتح.

طالب:.......

هم قريش الذين فتح النبي -عليه الصلاة والسلام- مكة، ومن عليهم بأنفسهم، هؤلاء ما زالوا..

طالب:.......

بما لا يخل بالعدل، يعني وإن كان بالإمكان أن الأب يراعي نفوسهم، ويسترضي إخوانهم، ويمكن أن يزيدهم تأليفاً لقلوبهم بعد إذن إخوانهم، ولا يشدد في الإنكار عليهم، ولا يأمرهم ما يأمر به، ولا يأطرهم على ما يأطر إخوانهم عليه حتى يشفوا تماماً من هذه الأمراض.

يقول: سمعت عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة يحدث عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لولا أن قومك حديثو عهدٍ بجاهلية -أو قال بكفر- لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله» كنز الكعبة هو ما يهدى إليها من أموال، ينفق في سبيل الله، والنفقة هذه حكمها حكم الوقف، يعني لا تنفق في غير ما صرفت له إلا إذا تعطلت المنافع، يعني ما صار يستفاد منها في هذا الموضع، فتصرف إلى جهة مماثلة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله»، بناء الكعبة في سبيل الله وإلا ليس في سبيل الله؟ سبيل الله إذا أطلق فالمراد به عند الجمهور الجهاد، فهل يقصد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينفق كنز الكعبة في الجهاد أو جميع سبل الخير في سبيل الله؟ والحج في سبيل الله، والعلم في سبيل الله، ومن سبيل الله بناء الكعبة الذي أهديت الأموال من أجلها «لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله»، والمصرف من مصارف الزكاة {وَفِي سَبِيلِ اللّهِ} [(60) سورة التوبة] عامة أهل العلم على أنه الجهاد، ولا يدخل فيه غيره، ومنهم من يرى العموم، فيرى التعليم في سبيل الله، والحج في سبيل الله، فكلٌ منهم يأخذ من الزكاة، والأحوط قول الجمهور في هذه المسألة.

طالب: ما يوضح هذا الحديث في سبيل الله آية الصدقة، ما يفسره؟

يعني يحمل سبيل الله على ما جاء في آية الصدقة في المصارف؟ يعني أنه الجهاد؟.

طالب: ... لأنه يشمل لأنه هنا سماه الرسول في سبيل الله

سمى الحج في سبيل الله؛ لكن عامة أهل العلم على أنه الجهاد خاصٌ به، عامة أهل العلم كل سياق أو كل ينص يحدده مناسبته، وسياقه، وسببه.

طالب:.......

نعم، علة، ولذلك: «ولجعلت بابها...» على طول، «لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها» يعني في عمرانها، في بنائها على قواعد إبراهيم، ولجعلتُ بابها بالأرض ليتاح الدخول لكل من شاء، «ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها من الحجر» ما أدخلت الحجر، ما قال: أدخلت الحجر؛ لأن الحجر فيه قدرٌ زائد على ما كان أخرج من البيت، يعني ستة أذرع أو سبعة أذرع، والذي من الحجر خمسة أو ستة على اختلاف بين ما جاء في الروايات.

طالب:.......

هو أكثر من ستة، إيه احتياطاً نعم، «ولأدخلت فيها من الحجر».

"وحدثني محمد بن حاتم قال: حدثني ابن مهدي قال: حدثنا سليم بن حيان عن سعيد يعني ابن ميناء، قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: حدثتني خالتي -يعني عائشة- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك»" بكفر، بجاهلية، والمعنى واحد، "«لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض -يعني الباب- وجعلت لها بابين، باباً شرقياً، وباباً غربياً»" الباب الموجود هو الباب الشرقي، ولجعل لها باب غربي مقابل للباب القائم، "«وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة»" لو ترك الإنسان ستة أذرع من الحجر، وطاف من داخل الحجر، يعني طاف، ترك ستة أذرع، وطاف من دونه، الآن هل يمكن الاختلاف في مثل هذا هل هو ستة أو سبعة أو خمسة؟ في أمرٍ يمكن الوصول فيه إلى الحقيقة؟ يمكن الاختلاف في مثل هذا؟ يعني بالإمكان أن نأتي بالمقياس ونقيس ونقف عليه بدقة، يعني إذا قيست أطوال المشاعر رغم أنها كبيرة، قيست قبل وجود الآلات الحديثة الدقيقة، كيف يقال: ستة أو سبعة؟ وندخل خمسة ندخل ستة؟ ألا يمكن الوصول إلى الحقيقة بما يرفع مثل هذا الاختلاف؟

طالب: ما نحتاج لأن الطواف....

من وراء الجدار، طيب لو طاف من دون الجدار، وترك ستة أذرع، بناءً على ما جاء في هذا الحديث؟ «وزدت فيها ستة أذرع»؟

طالب: يخشى أن يترتب عليه الدخول.

هو بيترتب عليه الدخول.

طالب: .........

يعني لا بد من وجود حاجز يعني، طيب ندخل الجدار شوية، بحيث يكون بقدر الكعبة،

طالب: يحدث فتنة.

صحيح يحذف؛ لأن هذا أي خلل في مثل هذه المواطن يحدث فتنة، وأصل العبادة قائم، يعني من دون خلل، ولذا لو طاف على الجدار، جدار الحجر، وهو خارج الكعبة، خارج قواعد إبراهيم عند الشافعية فيه وجهان: هل يصح الطواف أو لا يصح؟ والأكثر على أنه لا يصح، لا بد أن يطوف من وراء الجدار.

طالب: هذه المسألة ما زالت....... بحيث أنه لا يدخل عن ستة أذرع.

هو قال: الجدار، لو طاف على الجدار القائم الآن...

طالب: ... الجدار هذا بعد الستة

قطعاً بعد الستة، لو طاف يصح طوافه وإلا ما يصح؟

طالب:.......

عند الشافعية وجهان، والأكثر على أنه لا يصح حتى يكون الجدار داخل؛ لأن مثل هذا يقرره قولهم: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كغسل جزء من الرأس تبعاً للوجه، الآن لما قالوا: ستة أو سبعة، أو قالوا: خمسة أحياناً، ليش؟ لأنه نفترض أنه مثلاً خمسة وشيء جبر الكسر، أو حذفوا الكسر أحياناً، أو حسبوا من دون الشذروان اللي هو أساس الجدار المائل، حسبوا من دونه، أو من جدار الكعبة، فمثل هذا يوجد الخلاف.

طالب: ما يقال مفسدة الطواف.......

هذا وجه قول الأكثر أنه لا يصح إلا من وراء الحجر، من وراء الجدار، النووي يقول: "فإن طاف في الحجر وبينه وبين البيت أكثر من ستة أذرع ففيه وجهان لأصحابنا: أحدهما: يجوز لظواهر هذه الأحاديث، وهذا هو الذي رجحه جماعات من أصحابنا الخراسانيين، والثاني: لا يصح طوافه في شيء من الحجر، ولا على جداره، ولا يصح حتى يطوف خارجاً من جميع الحجر، وهذا هو الصحيح، وهو الذي نص عليه الشافعي، وقطع به جماهير أصحابنا، ورجحه جمهور الأصحاب، وبه قال جميع علماء المسلمين سوى أبي حنيفة".

«فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت» أو حين على اختلاف في النسخ «حيث بنت الكعبة».

قال: "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا ابن أبي زائدة قال: أخبرني ابن أبي سليمان عن عطاء قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير" احترق البيت، والسبب رميه بالمنجنيق على يد الحجاج، "احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد.." شوف الهدف، الهدف هذا سياسي وإلا ديني؟

طالب: سياسي.

نعم، سياسي مبناه على أمر ديني؛ لأنه يرى أنه هو الأحق، وأنه تمت له البيعة، المقصود أنه الظاهر منه سياسي، "يريد أن يجرئهم أو يحربهم" وفي نسخة: "أو يجربهم" يجرئهم، يعني الآن في السياسيات القديمة والحديثة، إذا قامت دولة جديدة خالفة لدولة سابقة، هل تذكر محاسن الدولة السابقة التي قامت على أنقاضها أو تذكر مساوئها؟ لا سيما الأمور المشاهدة تتركها ليشهدها الناس كلهم، فلا يلوموا الدولة الخالفة، المقصود أن ابن الزبير ترك الكعبة حتى قدم الناس الموسم، "يريد أن يجرئهم أو يحربهم" يجرئهم على أن يقدحوا فيمن فعل هذا، أو يحربهم: يستثير هممهم لحربهم، وإعانته عليهم "على أهل الشام، فلما صدر الناس" صدر الناس، انتهى الحج، وأرادوا أن يصدروا، صدر يعني أرادوا، قلنا مراراً: إن الفعل الماضي يطلق ويراد به إرادة الفعل، يطلق ويراد به الشروع في الفعل، ويطلق ويراد به الفراغ من الفعل وهو الأصل؛ لكن هنا إرادة الفعل، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [(98) سورة النحل] {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني أردتم، وهنا: "فلما صدر الناس" أرادوا الصدور، "قال: يا أيها الناس أشيروا عليّ في الكعبة" في مثل هذا الأسلوب من استدرار العواطف ما فيه، "أشيروا عليّ في الكعبة" وعلى الإمام أن يستشير أهل الرأي، وأهل الحل والعقد والمشورة، ولا يعتمد على نفسه فقط، نعم الرأي الأخير له بعد مشورة أهل الرأي؛ لكن يبقى أنه لا بد من الاستشارة، وقد أُمر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو المعصوم، "أشيروا عليّ في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها؟ أو أصلح -ما وهي منها؟- أو ما وهى منها" يعني أتركها على ما كانت عليه؟ أو أنقضها وأهدمها وأعيدها على قواعد إبراهيم، وما تمناه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أحقق هذه الأمنية بعد أن زالت المفسدة؟ أو أتركها على ما كانت عليه؟ يستشير، "قال ابن عباس: فإني قد فُرق -فرق يعني كُشف- لي رأي" ترجح عندي رأي، {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ} [(106) سورة الإسراء] يعني وضحناه، وكشفنا معانيه، وفي بعض النسخ: "فَرق" يعني خفتُ، جاءني الفَرَق وهو الخوف من نقضها، و"فُرق لي" يعني: كشف لي فيها رأي، وهذا أوضح من حيث المعنى، "أرى أن تصلح ما وهى منها، وتدع بيتاً أسلم الناس عليه" تتركه على بنائهم، وما تركه النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، "وتدع بيتاً أسلم الناس عليه، وأحجاراً أسلم الناس عليها، وبُعث عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-" هذه وجهة نظر قوية أيضاً، ولها حجتها، "فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده، فكيف بيت ربكم؟" يعني قياس المساجد على البيوت هل هو مطَّرد أو غير مطرد؟ إذا قلنا: أن بيت الله أحق لا شك أنه أحق بالتكريم وبالتعظيم وبالمراعاة والتنظيف.

طالب:.......

يعني لو احترق البيت لا بد من إصلاحه؛ لكن هل قياسه على بيت كل أحدٍ منا متجه؟ بمعنى أنه يتجه قول أبي حنيفة، قول الحنفية: إذا زخرفت البيوت فبيوت الله أحق وأولى بالزخرفة؛ لأنها أولها بالتشييد وأولى بالجمال، إذا شيدت البيوت فبيوت الله أولى منها، حتى لو... شوف كلام ابن الزبير: "لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده، فكيف بيت ربكم؟" يعني أولى بهذا الأمر، وأولى بالعناية؛ لكن هل هذا مطلق أو فيما يناسب بيت الله -جل وعلا-؟ وبما يناسب البيوت بحيث لا تتعدى فيها النصوص الشرعية؟ لا بد من مراعاة الضوابط الشرعية لعمارة المساجد، ولذا نهينا عن تشييد المساجد، وعن زخرفتها، زخرفتها من علامات الساعة، ويحدث هذا في آخر الزمان، وقد حدث.

"لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده، فكيف بيت ربكم؟" يعني يتم استدلال ابن الزبير بهذا لو أعاده كما هو من غير أثرٍ للاحتراق، يعني أزال ما سببه الاحتراق، وبقي على ما كان عليه، "إني مستخيرٌ ربي ثلاثاً، ثم عازمٌ على أمري، فلما مضت ثلاث" ثلاث ليال "أجمع -يعني عزم- رأيه على أن ينقضها" ينقض ما بقي منها؛ لأنها احترقت، "أجمع رأيه على أن ينقضها، فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمرٌ من السماء" يعني كما حصل لأصحاب الفيل.

طالب:.......

هو استشار، ثم استخار.

طالب:.......

لا، يستشير، ثم يستخير؛ ليكون أمر ربه قبل أمر الناس له.

"فتحاماه الناس" خاف الناس "أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمرٌ من السماء" يعني مثل ما حصل لأصحاب الفيل، "حتى صعده رجلٌ فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوه فنقضوه" خلاص اطمأنوا، تتابعوا وفي بعض النسخ" "تتايعوا" والمعنى واحد، إلا أن التتايع أكثر ما يكون في الشر، "تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض" يعني سووه في الأرض، "فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور" لكي يصلي الناس إلى شاخصٍ قائم، ولا يصلون إلى موضعها، مع إمكان وجود ما يقوم مقامها من الشاخص، من أهل العلم من يرى أنه لا يصلى إلى موضعها، وإنما لا بد أن تكون الصلاة إلى شاخص، ومنهم من يرى جواز ذلك، لا سيما إذا نقضت، نقضها ذو السويقتين من الحبشة في آخر الزمان، يُصلى إلى موضعها.

هنا: ستر عليها الستور ليصلي الناس إلى شاخص، وأيضاً لأن منظرها مؤثر في القلوب، مؤثر بلا شك، تجد مكان الكعبة وما فيه شيء، من يحتمل مثل هذا؟ لا شك أن هذا مؤثر، يعني ُرممت قبل ثلاث سنوات أو أربع ووضع لها الستور من خشب حتى فرغ منها، وهذا عمل عين الحكمة، وعين السياسة؛ لأن الناس في قلوبهم هيبة وتعظيم لهذا الأمر العظيم لبيت الله -جل وعلا-، فإذا رأوه مثل بيوت الناس من حجارة، وينقض، ويرد لا شك أن هذا مما يذهب بعض هيبته، فالستور هذه قال: "فستر عليها الستور -عين الحكمة- حتى ارتفع بناؤه، وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لولا أن الناس حديثٌ عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه» النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر ما عنده شيء، الذي يأتيه ينفقه في يومه، تأتيه الأموال الطائلة وينفقها في سبيل الله في يومها، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: «ما يسرني أن يكون عندي مثل جبل أحدٍ ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين، حتى أقول به هكذا وهكذا وهكذا» يعني عن يمينه، وعن شماله، ومن أمامه، ومن خلفه، لا يترك شيئاً -عليه الصلاة والسلام-.

«لولا أن الناس حديثٌ عهدهم» عهدهم إعرابها؟

طالب: فاعل.

فاعل لإيش؟

طالب:.......

حديثٌ خبر أن؛ لكن عهدهم؟

طالب:.......

حديث فاعل؟

طالب:.......

نعم كيف؟

طالب:.....

لا، لا، حديثٌ عهدهم.

طالب:.......

صفة مشبهة، صفة مشبهة باسم الفاعل تعمل عمل الفعل كاسم الفاعل، "«وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع»" وهناك ستة أذرع «وزدت فيها ستة أذرع من الحجر» وهنا: "«لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع»".

طالب:.......

نعم، العلة مركبة من خشية المفسدة، وقلة المال؛ لكن لو عنده مال مع خشية المفسدة ما أقدم، لو ارتفعت المفسدة، وبقيت قلة ذات اليد عدم المال ما فعل، فالعلة مركبة من الأمرين.

يقول في أول الأمر: «وزدت فيها ستة أذرع» ستة، وهنا قال: «أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع» خمس وهناك ستة، الأذرع جمع ذراع، وهو يذكر ويؤنث، ولذا قال فيه: ستة أذرع، وخمس أذرع، «ولجعلت لها باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه» ومثل ما ذكرنا إما أن تكون خمس وشيء، فهنا حذف الكسر وهناك جبره، أو أن القياس كان من الجدار أو من الشذروان، الأمر يحتمل هذا، علماً بأنهم لا يهتمون بالأرقام، الأرقام عندهم تقريبية.

طالب:.......

لكان يدخل ما أدخل، هذا ما بعد صار، فما ندري أيش بيصير؟ فهمت؟ المقصود أن مثل هذه الأرقام التي تأتي في الأحاديث تقريبية، يعني مثل: "قرأ عشر آيات من آخر آل عمران" قام من النوم فقرأ الآيات العشر من آخر آل عمران، هن إحدى عشر ما هن بعشر، ومثل العشر الآيات من سورة الكهف من أولها، ومن آخرها، وهذا كثير في النصوص، المقصود أن مثل هذه الأعداد لا تأتي في النصوص، وجرى على هذا عهد السلف، وتتابع عليه العلماء قديماً إلى أن أعتنى الناس بمثل هذه الأرقام بدقة، وجعلوا لها مفهوم.

دعونا فيما يتعبد فيه، الأرقام المتعبد فيها من الأذكار وغيرها هذا شيء ثاني؛ لكن يبقى أن مثل هذه الأمور، مثلاً أهل العلم يختلفون في صحيح البخاري، كم فيه من حديث؟ في صحيح مسلم، قالوا: ثمانية آلاف، قالوا: سبعة آلاف، وقيل: اثني عشر ألف، هو هو، ما زاد ولا نقص، بالإمكان أن يأتي بالقلم ويرقم، ويصل في النهاية إلى العدد بدقة؛ لكن ما يهمهم هذا، مسند أحمد قالوا: أربعين ألف، وقالوا: ثلاثين ألف، يعني الفرق ما هو بعشرات الفرق ألوف، فدل على أن الأعداد لا يُعتنى بها، لا سيما إذا كانت لا يترتب عليها أمرٌ من التعبد، لا يتعبد بها، فمثل هذه الأمور الحجر مضبوط بجدار سواء ستة أو سبعة أو عشرة أو خمسة، المقصود أنه ما يحويه هذا الجدار.

نعم، هو زيد فيه احتياطاً، هذا أمر، زيد فيه احتياطاً، وكانت هذه الزيادة مقرة منه -عليه الصلاة والسلام- وطاف من ورائها، ما يقال: أن القدر المشروع ما يزاد فيه، اكتسب الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، وطوافه من ورائه.

طالب:.......

ذكرنا في قصة من أراد القراءة في تفسير الجلالين من غير طهارة، وأشكل عليه؛ لأن الحكم للغالب، هل الحروف أكثر حروف التفسير؟ أو حروف القرآن؟ فعد حروف القرآن وحروف التفسير ليمشي على القاعد، إذا كانت حروف القرآن أكثر لا بد أن يتوضأ، إذا كانت حروف التفسير أكثر ما يحتاج إلى وضوء، فعد حروف القرآن على جهة، وحروف التفسير على جهة، على حدة، يقول: إلى المزمل العدد واحد، ثم بعد من المدثر إلى آخره زاد التفسير شيئاً يسيراً، فانحلت عنده المشكلة؛ لكن هل مثل هذا الصنيع يوجد عند سلف الأمة؟ ما يمكن، هو بدل هذا العدد يحفظ له جزء من القرآن، أو يحفظ مائة حديث.

طالب:.......

زاد التفسير.

طالب:....                      ...

ما يتوضأ، يقرأ في تفسير الجلالين ولا يتوضأ.

طالب:.......

يطلع عليه؟ في الطواف؟ ويتعدى مكانه وإلا ينزل لبغى يمشي؟.

طالب:.......

أيوه ما هو بمائل هذا، إذا ما في شاذروان المائل هذا؟ ما له حكم خلاص، الحكم للجدار.

طالب:.......

لا، لا، ما يعيد ما يعيد، ما دام ما في شاذروان فالحكم لجدار الكعبة.

طالب:.......

شيء يسير جداً وإلا...؟

طالب:.......

لا، لا، خطوات لا، لا ما يصلح، لا، لا بد أن يرجع.

"«ولجعلت لها باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه» قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق" يقول ابن الزبير: أنا أجد، هذا جزء من العلة، "فأنا اليوم أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس" بمعنى أنه يخاف عليهم من الردة، "ولستُ أخاف الناس" يعني أن يرتدوا، قال فزاد، يعني ارتفعت العلة بجزئيها، ولا يوجد ما يمنع من تنفيذ ما أراده النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: "فزاد فيه خمس أذرع من الحجر، حتى أبدى أساً نظر الناس إليه" وفي رواية أخرى: العدول، "نظر الناس إليه" يعني من قواعد إبراهيم -عليه السلام-، "فبنى عليه البناء، وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعاً" يعني تسعة أمتار، يعني يقارب ثلاثة أدوار من بيوت الناس، "فلما زاد فيه استقصره" رأى الثماني عشر ذراع التسعة أمتار قصيرة، وهو يريد أن يعظم هذا البيت في ارتفاعه، "فزاد فيه في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين أحدهما يُدخل منه، والآخر يخرج منه، فلما..." إلى آخره، المقصود أن ابن الزبير زاد، هل نقول: أن هذه الزيادة جائزة وإلا غير جائزة؟ يعني لو زاد في أطوالها في طولها وعرضها يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز، لا يجوز أن يزيد في طولها وعرضها، يعني المسطح على الأرض؛ لكن في الارتفاع زاد، ولا أحد أنكر عليه حتى خصومه من بني أمية ما أنكروا عليه، كان هذا بمحضر من الصحابة، وخيار الأمة من التابعين، فما أُنكر عليه، "فلما زاد فيه استقصره، فزاد في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين" مقتضى القياس السابق لابن الزبير قياس البيوت على بيت الله -جل وعلا- أو العكس، هل نقول: أنه يستحب للإنسان أن لا يزيد عن ثماني عشرة ذراع لئلا يكون بيته أرفع من بيت الله؟ يعني يبني ثلاثة أدوار فقط، ولا يزيد عليها؟ لأن هذا يُلمح من كلام ابن الزبير أيها الإخوان السابق، يلمح من كلامه السابق.

طالب:.......

يرى أن بيت الله أعظم من بيوت الناس، فكل ما يقتضي التعظيم فبيت الله أحق به، والارتفاع لا شك أنه فيه تعظيم، ولذلك زاد فيه لما استقصره.

طالب:.......

الحاجة؟ يعني البنايات الشواهق هذه حاجة وإلا ليست لحاجة؟ بعض الناس يرى أنها حاجة، وبدلاً من أن يمتد العمران أفقي، يمتد رأسي أسهل، علشان يمكن الإحاطة بالبلد، وتأمين الخدمات، وتسهيل أمر المواصلات، بدلاً من أن يكون مساحة الرياض خمسة آلاف كيلو، خلاص تصير ألف كيلو، ألف واحد، يكفي، بينما الامتداد أفقي يصير رأسي، عشرين دور، ثلاثين دور، خمسين دور إلى آخره، فهذا فيه تيسير للناس من جهة؛ لكن يبقى أنك..، شوف الآثار، لو قدر أن المرافق العامة حصل لها ما حصل، أيهما أسهل تمشي على الأرض وإلا تطلع فوق؟ مهما بلغت المسافة أيسر من أن تطلع فوق، تصور نفسك معك الغاز طالع الدور العشرين، والمسألة مفترضة أنه ما في كهرب، أو تمشي على الأرض؟

طالب:.......

أو حريق أو شيء من هذا، فهم يوازنون بين المصالح والمفاسد، ويقولون: أن الرأسي أوفر وأيسر، يعني يمكن الإحاطة بالبلد إذا كان مساحتها أقل؛ لكن لا شك أن الأرض أيسر، المشي على الأرض، والحمل على الأرض، وتداول الأمور، ولو كانت شاقة في الأرض أسهل من الطلوع فيها.

طالب:.......

لا، وبنايات بعضها فيه ما فيه.

طالب:.......

يعني إنما أنشئت من أجل تيسير الوصول إلى هذا الحرم.

طالب:.......

لكن هذه ما حلت إشكال، الأسعار زادت، يعني ما نقصت.

طالب:.......

على كل حال البناية المباحة ما فيها إشكال، وعموم التشييد للبنيان والإسراف فيه هذا مذموم شرعاً، هذا مذموم، جاء فيه النصوص، وأنه لا تُخلف نفقته، فعلى الإنسان أن يقتصد، ابن عمر، وهو يمتثل قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» وكان إذا أصبح لا ينتظر، ويقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" يعني هذا في عرف الناس حتى بعض من ينتسب إلى العلم هذه أساطير هذه، ما يتصورون مثل هذا الكلام، أنه إذا أصبح خلاص يصلي صلاة مودع، وأنه ما هو مدرك للمساء، ابن عمر في أسبوع بنى بيتاً بنفسه.

طالب:.......

إيه ما فيه إشكال؛ لكن لماذا بنو هذه العمارات الشاهقة وزخرفوها؟ هذا إسراف، على كل حال ما هو بموضوعنا هذا، الموضوع هذا يحتاج إلى بحث على مستوى، ما هو..، إذا كنا نريد أن نطبق ما ورد في الشرع، وإلا لا شك أن كون العمارة فيها مائة شقة، يسكنها مائة أسرة أفضل من أن يكون فيها عشرة أو عشرين شقة يسكنها عشرين أسرة، هذا أفضل، وفيه تيسير على الناس، والأمور تقدر بقدرها، والحاجة تفرض، الحاجة هي التي تفرض مثل هذه الأمور؛ لكن يبقى أن القدر الزائد على ما تقوم به الحاجة فيه ما فيه.

طالب:....... حتى أصبح الحرم صغيراً جداً...

لا شك أن وجود بعضها أرفع من منارات الحرم، يبقى أن هذه الأصل فيها الإباحة؛ لكن يعتريها ما يعتريها من الزيادة على هذا الأصل، من الإسراف وغيره.

طالب:.......

ما أنكرنا زيادة الأدوار، أنا قلت في الأخير: أن عمارة أو مساحة تتسع لمائة أسرة أفضل من أن تتسع لعشر أسر؛ لكن آت أسرة مركبة من زوج وزوجة وطفل وشغالة ومربية وسواق وخياطة ومدري أيش؟ ويسكون في مساحة ألفين متر! هذا الكلام اللي يمكن أن ينظر فيه، أما عمارة من أدوار يسكن مستغلة كلها ما فيه إشكال، هذا ما فيه إشكال.

طالب:.......

هو لو صلى إلى هواء الكعبة، يعني لو كان مثلاً على جبل أبي قبيس وصلى ما فيه إشكال.

طالب:.... إذا كان البناء من أعلى..... 

زاد فيه عشرة أذرع.

طالب: نفس الحجم؟

نفس الحجم.

"فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أسٍ نظر إليه العدول" هو ما طعن في العدول، العدول من أهل مكة، والعدل هو من يأتي بالواجبات، ويترك المحظورات، "نظر إليه العدول من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير" يريد بذلك سبه وعيبه، وأن فعله قبيح، "أنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاده في طوله فأقره" يعني وافقه عليه الخصم، "وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه، وسد الباب الذي فتحه، فنقضه وأعاده إلى بنائه".

وعرفنا أن المسألة ينتابها وجهتا نظر، وكل وجهة لها علتها، يعني كلام ابن عباس: بيت أسلم الناس عليه، حجارة ألفوها وأسلموا عليها تنقض وتهدم! لا شك أن هذا مؤثر في القلوب، وأيضاً وجهة النظر الثانية التي تمناها النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعلها؛ لأمرين زالا كلهما، وجهة نظر قوية، وهذه الأمنية التي تمناها في حديث عائشة تحققت في عهد ابن الزبير بعد ارتفاع العلة المركبة من أمرين ارتفعتا، فما الذي يمنع من تحقيق ما تمناه النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:.......

وهي أيش؟

طالب:.......

لا، هذا فيما بعد، ألعوبة الملوك، تصير ألعوبة إذا تكرر عليها الأمر، كانت على شيء، ثم نُقض، ثم تنقض ثانية، تصير ألعوبة؛ لكن هذا مرة واحدة تحقيق ما تمناه النبي -عليه الصلاة والسلام- ابن الزبير، فلماذا لا تبقى؟ يعني أنت لو أن شخصاً أدرك والده وهو يتمنى شيء في هذه الدنيا، ومات وما حصل له، ثم بعد وفاته تيسر صار عند الناس كلهم، أنا أعرف شيخ كبير عامي هرم، يتمنى دجاجة، كان الدجاج ما هو موجود في ذلك الوقت، يتمنى، فلما مات صارت المشاريع، وصارت...، الدجاجة أرخص من الجراد، يعني لو أن أحداً تصدق بدجاجة، ونوى ثوابها له أيش اللي يمنع؟ فضلاً عن أن يكون هذا بيت الله، وتمناه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فحققه ابن الزبير لا شك أنه مصيب في هذا الأمر، لا سيما وأن العلة مرتفعة، والأحاديث فيه صحيحة.

طالب:.......

التردد الخمسة أو الستة؟

طالب:.......

على كل حال هذا إخبارٌ من الرواة، لا يُدرى عن حقيقة الأمر، ابن الزبير وقف على الأساس، وأشهد عليه العدول من أهل مكة، وبناه على قواعد إبراهيم مائة بالمائة، لا يشك في هذا، كونه خمسة أو ستة مثل ما ذكرنا، ترى ما يهتمون بهذه الأمور؛ لأنها أمور مقررة وواضحة، ما يحتاج إلى أن تذرع، أو تحسب بدقة.

طالب:.......

هو عندهم الذين يقسمون التواتر إلى أربعة أقسام، قالوا: من أقسامه تواتر العمل والتوارث، يعني لو قيل لشخص: ائتنا بدليل قطعي، أيش معنى قطعي؟ دليل متواتر، يعني إما من القرآن، أو من متواتر السنة، دليل قطعي من المتواتر أن صلاة الظهر أربع ركعات، هل تبلغ الطرق التي رويت بها أن صلاة الظهر أربع ركعات حد التواتر؟ المعروف لا؛ لكن تواتر العمل والتوارث، لذا لو قال شخص: أن صلاة الظهر ثلاث ركعات يكفر وإلا ما يكفر؟ يكفر؛ لكن هل الكفر دليلٌ ظني؟ لا كفرناه بدليلٍ قطعي، وهو تواتر العمل والتوارث.

طالب:.......

يُذكر عن شخص في جهة من الجهات أنه قال: ما في ما يدل على أن صلاة الظهر أربع ركعات، قريب، نسأل الله السلامة والعافية.

"أما ما زاد في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه، وسد الباب الذي فتحه، فنقضه وأعاده إلى بنائه".

قال: "حدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن عطاء يحدثان عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة قال عبد الله بن عبيد: وفِد الحارث" يعني ابن عبد الله بن أبي ربيعة "وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته، فقال عبد الملك: ما أظن أبا خبيب" هذه كنية عبد الله بن الزبير، "ما أظن أبا خبيب -يعني ابن الزبير- سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها، قال الحارث: بلى أنا سمعته منها"

كم من شخص بيمشي بمثل هذا، هذا الكلام، كم من شخص يبي يسكت؟ يمرر مثل هذا الكلام، إذا كان يمرر المنكر، فكيف لا يسكت عن مثل هذا؟!

طالب:.......

على كل حال اشتهر بهذا، فإذا اشتهر بما يكره، ولا يعرف إلا به، ولا يراد بذلك عيبه، سواءٌ كانت كنية أو لقب ما في إشكال، مثل الأعمش والأعرج وغيره، هذا نص عليه أهل العلم، ولو كرهه، ابن المسيِّب يكره أن يقال: ابن المسيَّب، والناس تتابعوا عليه.

"ما أظن أن أبا خبيب -يعني ابن الزبير- سمع من عائشة ما كان يزعم" الزعم هو القول، وقد يستعمل في القول المشكوك فيه؛ ولكنه في الأصل أنه مرادف للقول، وكثيراً ما يقول سيبويه: "زعم الكسائي في كتابه"، زعم الكسائي ثم يوافقه على ذلك، يدل على أن الزعم مرادف للقول؛ لكنه هنا القرينة تدل على أنه لا سيما وقد قال: "ما أظن أبا خبيب" أن الزعم في القول الذي يغلب على الظن عدم ثبوته، "يزعم أنه سمعه منها، قال الحارث: بلى أنا سمعته منها، قال: سمعتها تقول: ماذا؟ قال: قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن قومك استقصروا من بنيان البيت، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه» فأراها قريباً من سبعة أذرع" هذا حديث عبد الله بن عبيد، وزاد عليه الوليد بن عطاء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقياً وغربياً، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟» قالت: قلت: لا، قال: «تعززاً ألا يدخلها..» أو (تعززاً أن يدخلها)، (ألا يدخلها إلا..) الاستثناء دليلٌ على وجود النفي، وقد تزاد لا في مثل هذا الموضع، {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ...} [(75) سورة ص] والموضع الثاني: {أَلاَّ تَسْجُدَ...} [(12) سورة الأعراف] وفي الحديث: «لولا أن تدافنوا»، والرواية الأخرى: «لولا أن لا تدافنوا» قد تزاد (لا) في مثل هذا الموضع، لا سيما مع عدم اللبس، «تعززاً أن لا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط».

طالب: لها سلم؟

على درج إيه، ما يمكن أن تصعد إلا بدرج.

«...فسقط» قال عبد الملك للحارث: أنت سمعتها تقول: هذا؟ قال: نعم، قال: فنكت ساعة بعصاه -بطرف عصاه ينكت الأرض، يحرثها به- ثم قال: وددت أني تركته وما تحمل".

لأن التصرف في مثل هذه الأمور له تبعاته في الدنيا والآخرة، فلو تركه على ما تحمل، فالأمر الذي يتردد فيه الإنسان، وهو شيء قائم، هل يفعله أو لا يفعله؟ لو تركه أحوط.

"وحدثناه محمد بن عمرو بن جبلة قال: حدثنا أبو عاصم ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق كلاههما عن ابن جريج بهذا الإسناد مثل حديث ابن بكر.

وحدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا عبد الله بن بكر السهمي قال: حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن أبي قزعة أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير" أشد من الأسلوب الأول "ما أظن أن أبا خبيب" ولعله قال هذا وهذا، وهذا سمعه بعضهم، وهذا سمعه آخرون، "إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين يقول: سمعتها تقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر، فإن قومك قصروا في البناء» فقال الحارث بن عبد الله ابن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين" إنصاف وعدل، يعني ما ترك الإنكار، وما سلبه وصفه، هو أمير المؤمنين بالبيعة الشرعية، ما قال: يا عبد الملك لا تقل هذا الكلام، ولا جامل، ولا ترك الإنكار، قال: "لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا، قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير".

قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا أبو الأحوص قال: حدثنا أشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن يزيد عن عائشة قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: «نعم»" الجدر أيش؟ هو الحجر أو هو الشاذروان، إما الحجر أو الشاذروان، «..أمن البيت هو؟ قال: «نعم»، قلت: فلم لم يدخلوه في البيت؟ قال: «إن قومك قصرت بهم النفقة» قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: «فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا، ويمنعوا من شاءوا، ولولا أن قومك حديثٌ عهدهم في الجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألزق بابه بالأرض».

طالب:.......

أُدخل الجدر في البيت، على كل حال بعض الشراح يرى أنه الشاذروان، وكونه الحجر؛ لأن أحاديث الباب كلها تدور حول إدخال الحجر.

وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبيد الله يعني ابن موسى قال: حدثنا شيبان عن أشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن يزيد عن عائشة قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحجر، وساق الحديث بمعنى حديث أبي الأحوص، وقال فيه: فقلت: فما شأن بابه مرتفعاً لا يصعد إليه إلا بسلم؟ وقال: «مخافة أن تنفر قلوبهم» بدلاً من قوله في الرواية الأولى: «أن تنكر قلوبهم» وهذا من دقة الإمام مسلم، بحيث ينبه على اختلاف الرواة، ولو كان يسيراً، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب:.......

ما يصح، كلهم أتباعه، وكلهم لهم حقٌ علينا.

طالب:.......

وصحبه، وصحبه.

طالب:.......

لا، لا، العرف خصهم بمن..

طالب:.......

هو لولا أسف النبي -عليه الصلاة والسلام- لما تردد أحد بالسنية، لولا أسفه -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أن الأمر مرتبط بالمشقة وعدمها.

طالب:.......

إيه، فدل على أن ما يشق مفضول، هذا من أسفه -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:.......

دلت عليه الدليل، بعض أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- قالت: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصوم عشر ذي الحجة، ثبت عن عائشة أنها قالت: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم عشر ذي الحجة، ولا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على الأعمال الصالحة، وبين أن من أفضل الأعمال الصيام «من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً» فما أفضل من...

طالب: صح الحديث هذا؟

حديث عائشة صححه الإمام أحمد -رحمه الله-، حديث بعض أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما حديث عائشة فهو في الصحيح.

طالب: مقدم على حديث عائشة؟

المثبت مقدم على النفي عند أهل العلم، ومنهم من يرى أن مثل هذا الترك منزلٌ على حاله -عليه الصلاة والسلام-، وفي حكمه من يقوم مقامه بأمور المسلمين العامة، يعني لو فرضنا أن شيخ كبير عالم تحتاجه الأمة، والصيام يشق عليه مع القيام بأعباء هذه التبعة، لا شك أن الصيام يضعف البدن، وبعض الناس ما يتحمل أدنى عمل مع الصيام، فنقول يا أخي: قيامك بالأمور العامة أفضل من صيامك، النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الناس يحتاجونه؛ لكن شخص ما يشق عليه الصيام، لا شك أن الصيام له أجره، وله فضله، وصيام يوم عرفة معروف، وصيام كل يوم منها له أجره.

طالب:.......

والمحرم أيضاً؛ لأنه جاء ما صام شهراً كاملاً إلا رمضان.

طالب:.......

إيه؛ ولكن حتى المحرم، فهذا يدل على الغالب بلا شك، يدل على الغالب؛ لكن كل من حصل له ظرف، أو عاقه عن تحصيل ما هو أهم من الصيام، لا شك أن الصيام بالنسبة له مفضول، لو قلنا مثلاً: أن ولي الأمر برأسه، يعني ما يستطيع أن يقوم بأعباء ما أنيط به إلا إذا ترك الصيام، أو مثلاً عالم كبير تحتاجه الأمة بكاملها يصرون على رأيه، ولا يستطيع أن ينوء بهذه المهمة إلا إذا ترك الصيام، نقول له: أجر الصيام الذي عزم عليه، وعاقه عنه ما عاقه من الأمر المهم.

الآن نكتفي بهذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد

طالب:.......

لا في السنن، سنن أبي داود صحيح ما في إشكال، الحديث صحيح؛ لكن ما المراد بالتحلق؟ منهم من قال: سببه التضييق على المصلين.

طالب:.......

إيه حلقات تؤثر على المصلين، وتضيق عليهم، الذين جاؤوا لانتظار الصلاة، ولو كانوا في زاوية من المسجد، ولم يحن وقت الصلاة، وما ضيقوا عليهم فلا يدخل في هذا؛ لكن المتجه أنه ينهى عنه مطلقاً، لا سيما قبل الصلاة، أما بعد الصلاة إما الظهر أو العصر فلا إشكال فيه.

طالب:.......

سنن أبي داود.

"