تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار (17)

يعني هذا رأفة بالكسالى؛ لأن بعض الناس إذا انتهى من الدوام ينام، ثم يجد مسجد فيه جماعة تقام بعد أن يأخذ قسطا من الراحة يكفيه، ولا شك أن التعاون مع مثل هؤلاء يعينهم على الكسل، من جهة لا شك أنه فيه إحسان إليهم من جهة وفيه أيضا إعانة على الكسل، فالذي لا يرى رأي الحنفية ولا يقتدي بالإمام أبي حنيفة في تأخير هاتين الصلاتين ليس له أن يؤخر بحجة أن يدرك الناس الصلاة، نعم الرفق بالمأمومين مطلوب فإذا كانت هذه رغبتهم لكن لا يصل إلى هذا «أيكم أَمَّ الناس فليخفف» ومن التخفيف على الناس مراعاة الأوقات، وسيأتي في حديث الإسفار أن من أهل العلم من قال إن الإسفار إنما يكون إذا قصر الليل ليعان الناس على إدراك صلاة الجماعة، هذا قال وله ما يدل عليه من حديث معاذ حينما بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- وسيأتي الكلام فيه، لكن يبقى أنه وإن كان فيه مراعاة لأناس إلا أن فيه ضررا بالنسبة لآخرين، في المنطقة الشرقية والصلاة صلاة الصبح تتقدم فيها عن نجد فضلا عن الحجاز، تتقدم والليل قصير والناس مبتلون بالسهر بعض المساجد يؤخر الإقامة خمسين دقيقة، فدخل الوقت ليصلي وما نام الليل كله، كل الليل سهران وجاء رجاء أن تصلى الصلاة على الوقت المعتاد صبر صبر التفت يمين شمال ما لا فايدة تكلم بكلام شديد وخرج ترك الصلاة، فلا شك أن من الناس من يتضرر، لكن الإجزاء والصحة صحيحة، والصلاة في وقتها ما لم تصفر الشمس، ليس فيه وعيد لكن مع ذلك المطلوب أن تصلى الصلوات في أوائل الأوقات ما عدا الظهر إذا اشتد الحر والعشاء إذا لم يشق.

في الكتاب الثاني يقول...

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف رحمه الله تعالى في القسم الثالث الضعيف، القسم الأول الصحيح، والثاني الحسن، والثالث الضعيف، وهذه القسمة مفرداتها موجودة في كلام أهل العلم؛ لأنهم يحكمون على الحديث بالصحة، ويحكمون على آخر بالحسن، ويحكمون على ثالث بالضعف، لكن حصر القسمة في الأقسام الثلاثة أول ما عرفت عند الإمام الخطابي في مقدمة معالم السنن، يقول: "قال ابن الصلاح في علوم الحديث ما لم يجمع صفات الصحيح ولا صفات الحسن فهو ضعيف" صفات الصحيح اكتمال الشروط، عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال الإسناد، الخلوّ من الشذوذ والعلة خمسة شروط، ومثلها للحسن إلا أن تمام الضبط لا يُطلَب في الحسن وإنما يُطلَب مسماه، تمامه للصحة، وإذا قصر الضبط قليلا فإنه يكون الحديث حسنا، فهذه الشروط الخمسة إذا قصر عنها الحديث إن كان القصور في تمام الضبط إلى مسماه فالحسن، وإن كان بانعدامه أو ضعفه أو اختلال شرط آخر فهو الضعيف، ابن الصلاح يقول "ما لم يجمع صفات الصحيح ولا صفات الحسن فهو ضعيف" انتقده الحافظ العراقي بأن ذكر الصحيح في الحد غير محتاج إليه، لا يحتاج أن نقول لا يصل أو ما لم يجمع صفات الصحيح لماذا؟ لأنه إذا لم يجمع صفات الحسن فلأن لا يجمع صفات الصحيح من باب أولى فلا داعي لذكر الصحيح في الحد، فعلى كلام الحافظ العراقي أن الضعيف ما لم يجمع صفات الحسن.

أما الضعيف فهو ما لم يبلغ

 

 

 

مرتبة الحُسْن................

 

لا داعي لذكر الصحيح؛ لأنه إذا لم يبلغ الحسن لن يبلغ الصحيح ألبتة، هذا رأي الحافظ العراقي، ونظيره أن الشاب من لم يصل إلى مرحلة الكهولة، هل نحتاج أن نقول ولا الشيخوخة؟ نحتاج؟ لا نحتاج؛ لأنه إذا لم يبلغ الكهولة فإنه لن يصل إلى مرتبة الشيخوخة، ولو قلت الطفل من لم يبلغ مرتبة الكهولة ما نحتاج إلى أن نقول ولا الشباب؛ لأنه إذا لم يصل إلى مرتبة الشباب فإنه لن يصل إلى مرتبة الكهولة من باب أولى، بعضهم قال لا، لأن النسبة بين الأقسام الثلاثة ليست التداخل، وإنما فيها نوع تباين، يعني إذا كان هناك تداخل بين الحسن لذاته والصحيح لغيره إذا قلنا لن يصل هذا الحديث إلى مرتبة الحسن لذاته هل يمكن أن يصل إلى مرتبة الصحيح لغيره؟ لا، لأن الصحيح لغيره هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، لكن هناك نوع تباين بين الحسن لغيره والصحيح لذاته، لا يوجد التقاء بين الصحيح لذاته والحسن لغيره؛ لأن الحسن لغيره في الأصل ضعيف لكنه تعددت طرقه، ونظيره على ما قال هؤلاء الحرف ما لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل، هل نستطيع أن نكتفي بالفعل دون الاسم أو العكس؟ لا نستطيع؛ لأن بين الاسم والفعل تبيان ليس فيه تداخل، قال: "ذكر الصحيح غير محتاج إليه؛ لأن ما قصر عن الحسن فهو عن الحسن فهو عن الصحيح أقصر وإن كان بعضهم يقول إن الفرد الصحيح لا يسمى حسنا على رأي الترمذي فقد تقدم رده قلت لا اعتراض على ابن الصلاح" هذا يقوله المؤلف ابن الوزير "لا اعتراض على ابن الصلاح فإنه لا يلزمه أن يحد الضعيف على رأي غيره وإنما كان يلزمه لو كان يرى أن كل صحيح حسن" يعني لو كان يرى التداخل نعم يلزمه، لكن إذا كان لا يرى التداخل فإنه لا يلزمه، "أو كان الدليل على أن كل صحيح حسن قاطعا ملزما لكل مكلف أن يسميه بذلك" يعني لو كان هذا اصطلاحا مجمعا عليه لقلنا لا يجوز مخالفة الإجماع من ابن الصلاح، ومادام هذا الأمر مختلفا فيه فإن ابن الصلاح لا يمكن أن يلزَم بغيره وحينئذ يقال لا مشاحة في الاصطلاح، "وليس كذلك وإنما هذا كلام في اصطلاح أهل الأثر ولم يصطلحوا كلهم على أن كل صحيح حسن فهذا كلام جملي في تعريف الضعيف"  إذا قلنا أنه لم تجتمع فيه شروط القبول، ولا شك أن هذا أخصر من تعريف ابن الصلاح وأدفع لاعتراض العراقي، إذا قلنا ما لم تجتمع فيه شروط القبول كما اختاره الحافظ ابن حجر انتهى التكرار والترداد الذي في تعريف ابن الصلاح، وانتهى أيضا الاستدراك الذي في كلام الحافظ العراقي رحم الله الجميع "فهذا كلام جملي في تعريف الضعيف أما التفصيلي فنقول شروط الصحيح والحسن ستة فإذا اختلَّ شرط منها فأكثر ضعف الحديث، فللضعيف باعتبار اختلال شرط من شروطه ستة أسباب" التي هي مركبات التعريف، مفردات التعريف، قيود التعريف، "أحدها عدم الاتصال فالحديث الذي لم يتصل إسناده ضعيف، وثانيها عدم عدالة الرجال، فإذا وجد في الرواة راوٍ غير عدل أو غير ضابط فإن الخبر يكون ضعيفا، وثالثها عدم سلامتهم من كثرة الخطأ والغفلة المخلة في الضبط، ورابعها عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور لم تعرف أهليته ولم يكن متهما بالكذب" يعني إذا احتاج إلى جابر في حال الصحيح لغيره أو الحسن لغيره، إذا لم يوجد جابر في الحسن لغيره صار الحديث ضعيفا، وإذا لم يوجد جابر في الصحيح لغيره صار الخبر حسنا، "وخامسها الشذوذ" وسيأتي تعريف الشاذ وتقدم في تعريف الصحيح تعريف الشاذ "وسادسها العلة" قال المؤلف: "وسيأتي معنى الشذوذ والعلة وللضعيف باعتبار هذه الأسباب أقسام كثيرة" أقسام كثيرة أوصلها بعضهم في رسالة إلى أكثر من خمسمائة قسم، أقسام نظرية لا حقيقة لها ولا واقع؛ لأنها إذا بسطت فرقت وجمعت الستة الأسباب وعرض كل سبب منها إلى ما بعده، وأضيف إليه ما بعده، ثم أضيف إلى الثالث، ثم أضيف إلى الرابع، ثم أضيف إلى الخامس، ثم رجع إلى الثالث ثم هكذا تبلغ العدة نحو خمسمائة قسم، لكن ما الفائدة من هذه الأقسام التي لا واقع لها بل يشملها اسم واحد وهو الضعيف، ففصّلها بعض أهل العلم في رسائل خاصة، وقال السيوطي إنه عدل عن ذكر تفصيلها لأنه تعب ليس وراءه أرَب، وإنما هو مجرد تسويد الورق فإن كان المقصود معرفة أحكام هذه الأقسام فهي معروفة بدونها وإن كان المقصود والهدف معرفة كم تبلغ الأقسام؟ فهذه حقيقة مُرَّة لا قيمة لها وفائدة تافهة لا تستحق أن يُمضى الوقت والجهد فيها "وللضعيف باعتبار هذه الأسباب أقسام كثيرة؛ لأن عدم الاتصال يدخل تحته قسمان المرسل والمنقطع" يدخل تحته أقسام المرسل والمنقطع والمعلق والمعضل والمدلَّس والمرسل الخفي كل هذه تدخل في اختلال الشرط الأول  وهو عدم الاتصال، يقول "على الخلاف فيهما كما يأتي ومن ضم إليه سبب آخر مع السبب المتقدم انقطاع سند مع ضعف راوٍ قسم آخر ويدخل تحته اثنا عشر قسمًا" لأن فقد العدالة يدخل تحته الضعيف والمجهول "وهذه أقسامه الأول المنقطع، والثاني المرسل، والثالث مرسل في إسناده ضعيف، والرابع منقطع فيه ضعيف، والخامس مرسل فيه مجهول، والسادس منقطع فيه مجهول، والسابع مرسل فيه مغفل كثير الخطأ وإن كان عدلا، الثامن منقطع فيه مغفل كذلك، التاسع مرسل فيه مستور ولم ينجبر بمجيئه من وجه آخر، والعاشر منقطع فيه مستور ولم يجئ من وجه آخر، والحادي عشر مرسل شاذ، والثاني عشر منقطع شاذ، والثالث عشر مرسل معلّ، والرابع عشر منقطع معل فهذا ما اجتمع فيه سببان مضعفان، وما اجتمع فيه ثلاثة يدخل تحته عشرة أقسام هذه مضمومة إلى ما تقدم والخامس عشر مرسل شاذ فيه عدل مغفل كثير الخطأ والسادس عشر منقطع شاذ ومغفل كذلك والسابع عشر مرسل معل فيه ضعيف الثامن عشر منقطع معل فيه ضعيف التاسع عشر مرسل معل فيه مجهول العشرون منقطع معل فيه مجهول الحادي والعشرون مرسل معل فيه مغفل الثاني والعشرون منقطع معل وفيه مغفل كذلك الثالث والعشرون مرسل معل فيه مستور ولم ينجبر الرابع والعشرون منقطع معل فيه مستور كذلك الخامس والعشرون مرسل شاذ معل السادس والعشرون منقطع شاذ معل السابع والعشرون مرسل شاذ معل فيه مغفل كثير الخطأ الثامن والعشرون منقطع شاذ معل فيه مغفل كذلك التاسع والعشرون ما في إسناده ضعيف الثلاثون ما فيه مجهول الحادي والثلاثون ما فيه ضعيف وعلته الثاني والثلاثون ما فيه مجهول وعلته الثالث والثلاثون شاذ معل فيه عدل مغفل كثير الخطأ الرابع والثلاثون فيه مغفل كثير الخطأ الخامس والثلاثون شاذ فيه مغفل كذلك السادس والثلاثون معل فيه مغفل كذلك السابع والثلاثون شاذ معل فيه مغفل كذلك الثامن والثلاثون ما في إسناده مستور لم تعرف أهليته ولم يروَ من وجه آخر التاسع والثلاثون معل فيه مستور كذلك والأربعون الشاذ والحادي والأربعون الشاذ المعل والثاني والأربعون المعل فهذه أقسام الضعيف باعتبار الانفراد والاجتماع ذكرها الحافظ زين الدين" يعني في شرح ألفيته، زين الدين الحافظ العراقي ذكر هذه الأقسام، قال: "وقد تركت من الأقسام التي يظن أنه ينقسم إليها بحسب اجتماع أوصاف عدة أقسام وهي اجتماع الشذوذ ووجود الضعف أو مجهول أو مستور في سنده لأنه لا يمكن اجتماع ذلك على الصحيح لأن الشذوذ تفرد الثقة ولا يمكن وصف ما فيه راوٍ ضعيف أو مجهول أو مستور بأن شاذ والله أعلم" لكن هل هذه الأقسام يمكن أن يعنون لها وتشرح على أساس أنها أقسام من أقسام الضعيف؟ أو أنها في النتيجة إذا درس إسناد قيل الحديث ضعيف؛ لأن فيه من العلل كذا وكذا وكذا، إذًا ليست هذه أقسام في الحقيقة، "ومن أقسام الضعيف ما له لقب خاص كالمضطرب والمقلوب والموضوع والمنكر وهو بمعنى الشاذ على ما سيأتي وقال زين الدين وعد أبو حاتم محمد بن حبان البستي أنواع الضعيف تسعة وأربعين نوعا قلت لعله عد ما تركه الزين مما تحمله القسمة العقلية ويمنع عرفهم اجتماعه والله أعلم".

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..