شرح العقيدة الواسطية (43)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سم.

أحسن الله إليك، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-: ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء وما يُجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة.

اقرأ الفصل الذي يليه.

فصل

ثم طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باطنًا وظاهرًا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة». ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- على هدي كل أحد، وبهذا سُمُّوا: أهلُ الكتاب والسنة، وسُمُّوا: أهلُ الجماعة.

سُمُّوا: أهلَ الكتاب والسنة، وسُمُّوا: أهلَ الجماعة.

وسُمُّوا أهلَ الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين، والإجماع هو الأصل الثالث الذي يُعتمد عليه في العلم والدين. وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين، والإجماع الذي ينضبط: هو ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: ومن أصول أهل السنة -الذين ذهب أو تقدم وصفهم واعتقادهم- من الأصول التي يقرون بها ويعتقدونها: ما ثبت التصديق بما ثبت من كرامات الأولياء، التصديق بما ثبت من كرامات الأولياء، وأهل السنة في هذا وسط بين غلاة في الإثبات وجفاة في النفي، فالفلاسفة ويتبعهم المعتزلة ومن يحكِّم عقله في كل شيء لا يثبتون مثل هذه الكرامات ولا خوارق العادات؛ لأنه إذا عرض عليه شيء عرضه على عقله، والعقل لا يثبت إلا الأمور المطَّردة، أما أمور نادرة لا يثبتها فبعض الأحاديث التي اتفق على صحتها تجد بعض طلاب العلم يتسارع إلى نفيها، لماذا؟ لجهله بذلك، جهل، جهله بها، فمثلاً في الحديث الصحيح في الصحيحين وغيرهما: «البقرة التي ركبها صاحبها، فالتفتت إليه قالت: ما خلقنا لهذا» ألقي في مجلس، فبادر بعض طلاب العلم بتكذيبه، هذا الكلام ليس بصحيح، هذا على طريقة العوام، العوام عندهم أنه في الأزمان الغابرة كل شيء يتكلم، ويضربون به المثل، كل شيء يتكلم، يعني هذا عندهم متقرر عند عامة الناس أن كل شيء يتكلم في الزمان السابق، ويريد بهذا أن هذا الكلام وإقرار مثل هذا الكلام على طريقة العوام لا على طريقة أهل العلم، وهذا الكلام مرفوض، الإنسان المسلم عليه أن يرضى ويسلم بما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، هذا ما أنكر لضعف في تصديقه بما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما إنكاره لجهله، والنبي -عليه الصلاة والسلام- آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر، يعني هذا الذي قال هذا ليس بصحيح، هذا من خيار الناس ومن أكثرهم اقتفاء للآثار وأشدهم عبادة، لكنه لجهله أو من جهله أتي المعتزلي يقول: هذا ليس بصحيح، لماذا؟ لأنه لا يدخل المخ، يقول: هذا أبدًا، البقرة عجماء فكيف تقول: ما خلقنا لهذا؟ هذا الكلام ليس بصحيح، فعلى الإنسان أن يتوسط في أموره كلها، لا يكون مرتعًا خِصْبًا للخرافات، كل شيء يمشي عليه، ولا يكون أيضًا جافيًا يرد كل شيء، فعليه أن ينظر فما ثبت بالسند الصحيح هذا إن كان في الكتاب؛ كقصة أهل الكهف مثلاً، والذي أماته الله -جلَّ وعلا- مائة عام، وقصة الذي عنده علم من الكتاب، على خلاف فيه، والأكثر على أن اسمه آصف {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} هذا ثبت في القرآن، ثبت بالسنة أشياء وثبت بالأسانيد الصحيحة عن الصحابة أشياء، وثبت عمن بعدهم أشياء، وثبت بالمشاهدة أشياء لبعض الناس، هذه كرامات، فإذا ثبتت بها الأحاديث أو ثبتت بالأسانيد الصحيحة فأهل السنة والجماعة يصدِّقون بها، فعندنا من يحكم العقل ويسترسل وراءه كالفلاسفة والمعتزلة، ينفون كل شيء يخرج عن العادة والجادّة يكذبون به، والصوفية أهل الشطحات وأهل المخالفات الذين يعبدون الله بغير ما شرع، يدّعون لأنفسهم ويزعمون لشيوخهم من الكرامات ما لا يثبت، وقد يوجد شيء منها؛ ابتلاء من الله -جلَّ وعلا- لهؤلاء واستدراج وامتحان وابتلاء لأتباعهم، ومن أراد الله -جلَّ وعلا- أن يضله بالاغترار بهم، وألِّف في كراماتهم الكتب والمجلدات، مجلدات في كراماتهم، كرامات الأولياء ويراد بهم الصوفية الذين ليسوا على الجادة بل غلاتهم، وللنبهاني كتاب في مجلدين كبيرين لو طُبعا في الطباعة الحديثة لجاء عشرة مجلدات في إثبات كرامات الأولياء، وللشعراني أشياء كثيرة يقشعر الجلد من قراءتها وسماعها، ويدّعونها كرامات وأمور لو فعلها صبي لحكم عليه بالجنون فعد من كراماته، إلى أن يقول -رضي الله عنه-: أشياء ما تخطر على البال، كيف تمشي على عاقل مما يدل على أن أكثر هؤلاء قد سُلب العقل، يعني في بعض طبقات الأولياء يقول: وكان -رضي الله عنه- ما ترك محظورًا إلا فعله، وكان -رضي الله عنه- ما صلى قط ولا صام قط ولا فعل ولا فعل، فواحد -جزاه الله خيرًا- كاتب على نسخته مما اطلعت عليه: إذا كان هذا رضي الله عنه فلعنة الله على من؟ يعني سفاهات سذاجة، كيف تمشي على عقلاء، ومن كرامات فلان أنه يأكل الحصى ويأكل الزجاج ويأكل الجمر ويفعل كذا ويفعل كذا، وغير ذلك من الشطحات التي لا تمشي ولا على المجانين، المجنون لو تُناوله جمرة هرب منك، ومع الأسف أن هذا بدأ يأخذ لونا جديدًا، ويسوق له، وتعقد له الدورات، ويمشون على الجمر، ويأكلون المسامير والزجاج، ويدخلون من الفتحات التي لا تدخل النمل، ويقولون: هذا احتراف المحترف فلان، هذا بالمران يحصل هذا، هذا هو السحر، هذا هو الشعوذة وإن فعله من فعله، هناك سنن إلهية لا تتغير ولا تتبدل إلا بأمر الله -جلَّ وعلا-، والضابط في هذا أن ينظر في حال هذا المدعي، أن ينظر في حال هذا المدعي إن كان على الجادة ملتزم بالكتاب والسنة قلنا: كرامات، وإلا قلنا: خوارق شيطانية، والله المستعان.

في الأمم السابقة أيضًا توجد هذه الكرامات كما ذكروا قصة أهل الكهف ومريم -عليها السلام- ولها أكثر من كرامة في هذا الباب، وآصف الذي عنده علم من الكتاب وغيرهم، هذا مستفيض في نصوص الكتاب والسنة، الكرامة قد تلتبس بالمعجزة والخوارق الشيطانية، المعجزة يفصلها عن الكرامة أنها مقرونة بدعوى النبوة، مقرونة بدعوى النبوة، فإذا ادعى النبوة وأُيّد بالكرامة علم صدقه؛ لأن هذه معجزة، أما إذا تجرد عن دعوى النبوة فلا تخلو من حالين: الحال الأولى: أن تقع على يد شخص متبع للكتاب والسنة ظاهرًا وباطنًا، فهذه كرامة، أو تكون على يد مخالف للكتاب والسنة فهذه خوارق شيطانية؛ لأنه قد يقع أمور -يعني محسوسة- لبعض المنحرفين، لكن لا على سبيل الكرامة إنما على سبيل الاستدراج، حجة بعض المعتزلة أو المعتزلة الذين نفوا وجود هذه الكرامات قالوا: خشية أن تلتبس بالمعجزة، وتفريق أهل العلم بين الكرامة والمعجزة: أن المعجزة مقرونة بدعوى النبوة، هؤلاء الذين يدعون النبوة من غير كرامات وما أكثرهم، ورؤوسهم ثلاثون كل يزعم أنه نبي، وجد منهم على مر العصور العدد الكثير وأتوا بأشياء مضحكة، يعني يزعمون أن السنن الإلهية تخرج من أجلهم لتأييدهم ثم يحصل العكس، مسيلمة ادعى النبوة فقيل له: إنهم بحاجة إلى ماء، فأتى إلى بئر ماؤها قليل، لا تناله الدلاء فبصق فيها، فغارت، يبست، وفي كتب الأدب أبواب لهذا النوع لأخبار المتنبئين، شخص ادعى النبوة عند الرشيد، والرشيد ضربه، هذا حكمه حتى يرجع، فأخذ يصرخ بصوت مرتفع فقال بعض الحاضرين -ويقال أنه صبي من أولاد الرشيد صغير جدًّا- فقال: إن كنت نبيًا فاصبر كما صبر أولو العزم.

ومن طرائفهم التي ذكرت في كتب الأدب أن شخصًا أُتي به وادعى أنه موسى بن عمران، قال له الخليفة: أنت موسى بن عمران؟ قال: نعم، قال: صاحب بني إسرائيل؟ قال: وما هذه العصا التي بيدك؟ هذه تنقلب حية تلتهمك وتلتهم متاعك وأتباعك، قال: ارمها، قال: ما أرميها مباشرة حتى تقول مثلما قال فرعون: أنا ربكم الأعلى، والا ما تؤثر، يأتون بها على سبيل الطرفة، يعني كتب الأدب مملوءة بمثل هذه الأخبار، كلها من أجل إمتاع القارئ، لكن الأمر خطير، الأمر خطير، جد خطير، ومازال الأمر موجودًا إلى الآن ممن يدعي النبوة إلى الآن، وكثير من هؤلاء سبب ادعائه النبوة الخلل في العقل، خلل العقل، وأما بالنسبة لمن يتدين بذلك من غلاة الصوفية ويُدّعى لهم مثل ذلك، فشيء لا يخطر على بال، حتى زعموا أن أولياءهم فوق الرسل، فوق الرسل.

مقام الولاية في برزخ

 

فويق الرسول ودون النبي

يقول -رحمه الله تعالى-: ومن أصول أهل السنة: التصديق بكرامات الأولياء، الشيخ ابن مانع في تعليقه على الواسطية يقول: كرامات أولياء المتقين من عباده الصالحين من الأولين والآخرين ثابتة بالكتاب والسنة، وقد أخبر الله بها في كتاب، وعرّف عباده بما أكرم به أصحاب الكهف ومريم بنت عمران وآصف بن برخيا، وكذلك ثبت في كتب أهل السنة ما أكرم الله به عمر بن الخطاب وأسيد بن حضير والعلاء بن الحضير وغيرهم مما هو مفصل في لوائح الأنوار وغيره، لوائح الأنوار للسفاريني طُبع في طبعته القديمة -طبعة المنار- باسم "لوائح الأنوار"، وأما طبعته الثانية فباسم "لوامع الأنوار"، يقول: مفصّل في لوائح الأنوار وغيره، ومن أراد تفصيل ما أشرنا إليه فليرجع للوائح والفرقان لشيخ الإسلام ابن تيمية، وشرح الخمسين لابن رجب وغيرها؛ حيث إن هذه الحاشية لا تتسع لبسط ذلك، وقد عدّ أهل السنة من أنكر كرامات الأولياء وخوارق العادات من أهل البدع؛ لمخالفته الدليل، ثم قال: تنبيه: لا تظن أيها القارئ أن أصحاب الطرق المبتدعة الذين يسالمون الحيات ويمسكونها، ويدخلون النار تخييلاً، ويضربون أنفسهم بالسلاح كذبًا وتدجيلاً من أولياء الله، بل هم من أولياء الشيطان، نعوذ بالله من أفعالهم ونبرأ إلى الله منهم ومن أحوالهم، قال: التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوراق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات، أنواع العلوم والمكاشفات؛ عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وهو يخطب على المنبر، سمعه الصحابة وهو يخطب بهم يقول: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، أو يا ساريةُ الجبلَ، يا ساريةُ الجبلَ؛ لأنه كُشف له عن سارية بن زنيم وهو أحد قواده في المعركة، فوجهه عمر -رضي الله تعالى عنه- إلى أن يسلك المسلك إلى الجبل؛ ليتحصن به، يصعد فوق الجبل ومن معه ليتحصن به، وسمعه سارية وفعل، هذه كرامة، وهذه أيضًا من أنواع المكاشفات، بعض الأولياء من أهل العلم والعبرة بالولاية الحقيقية للمتقين، {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} من هم؟ هم أهل التقوى، أهل الالتزام بالأوامر واجتناب النواهي، لا على طريقة الشعراني وغيره ممن يدعي الولاية لزنادقة -نسأل الله العافية- ذكروا أشياء حقيقة ذكرها في مثل هذا المجلس، وفي مثل هذا المكان لا يمكن أن يستساغ، واللسان لا يطاوع في ذكرها، أشياء لا تخطر على بال، يعني جنون، ضرب من الجنون لا تزيد ولا تنقص -نسأل الله العافية- أنواع العلوم، تجد العالم صغير السن في العشرينات، ثم تراه قد حصل من العلوم ما لو قسم على عمره ما احتمله، هذه كرامة لهذا الشخص الملتزم المتقي لما علم الله منه من صدق في النية وإخلاص، هذه أيضًا من خوارق العادات، من أنواع العلوم، يعني لو تأتي إلى شخص أحيانًا يؤتى بطفل في الرابعة من عمره أو الخامسة تجد عنده شيئًا، لكن هؤلاء نوادر، يعني ذكر في كتب أهل العلم مَن عمره أربع سنوات يقرأ القرآن ويحفظ من الحديث ما يحفظ، وجد الآن في الخامسة والسادسة يذكرون أشياء لا شك أن هذه خوارق، هذه في العلوم، وقد يوجد مثل هذا لمن تقدمت به السن في العاشرة والخامسة عشرة ممن هو أهل الحفظ والضبط، فتجده يحفظ من العلوم ما لا يحفظه من عمره من طلب العلم نصف قرن أو أكثر؛ ولذا يقول: في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، نعم يوجد أمور معنوية ويوجد أمور حسية في هذه الخوارق وهذه الكرامات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف يعني ثلاثمائة وتسع سنين يعيش أناس دون أكل ولا شرب، دون أكل ولا شرب، يعني لو ترك الشخص المغمى عليه في العناية دون المغذي لا شك أنه يموت، والأطباء يقررون أن النائم يحرق نصف ما يحرقه الصاحي المستقيظ غير المتحرك، يعني ما هو بصاحب الحركة والروحة والجية والعمل والجد والكد، لا لو افترضنا شخص حياته عادية، قالوا: يحرق ألف وخمسمائة سعرة والنائم ثمانمائة، فإذا انتهت السعرات منه، انتهت بالكلية، وإيش يبقى عنده؟ ينتهي في يوم أو يومين، خلاص يموت، ثلاثة بالكثير ولو كان نائمًا، أما أن ينام ثلاثمائة سنة وتسع سنين بدون أكل ولا شرب، لا شك أن هذه كرامة، كرامة لهم {ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} بسبب ما عند قومهم من شرك، فخرجوا وهربوا منهم، فآواهم الله -جلَّ وعلا- إلى هذا الغار، الكهف، وأيضًا الثلاثة الذين أووا إلى الغار فانطبق عليهم انفتاح فم الغار، وزوال الصخرة التي سدته، لا شك أنها كرامة، توسلوا بأعمالهم الصالحة، لكن ما أبدوا أسباب حسية لا يستطيعون، ثم بعد ذلك فرج الله عنهم، وهذه كرامة، في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين: أبو مسلم الخولاني، ألقي في النار فلم تصبه بأذى، وكان يشبَّه بالخليل في هذه الأمة -عليه السلام- وشيء كثير، لكننا مع ذلك نتوسط في هذا الأمر، لا نقبل كل ما كتب، والتواريخ مملوءة من هذه الأمور، والحافظ ابن كثير في كل سنة أو سنتين أو ثلاث يقول: عجيبة، وأحيانًا يقول: غريبة، وأحيانًا يقول: نادرة أو ما أشبه ذلك، ثم يسوق قصة لعالم أو قصة لحدث خرج عن العادة والجادة المطردة، فهذه موجودة بكثرة، لكن لا يعني أننا نقبل كل ما كتب، لا، لا نقبل إلا ما صح منه أصله، والتصديق به من عقيدة أهل السنة، ومع ذلك لا ننجرف وراء هذه الأخبار وهذه الغرائب، بعض الناس مغرم بمثل هذه الأمور، مغرم بمثل هذه الأمور، الحوادث والنوادر يعني وجدت في كتب التواريخ، منها ما هو تأييد لصاحب الكرامة، ومنها ما هو تأييد لأصحابه، ومنها ما يقتضي تخليصه من مأزق وشبهه أو دفع لحاجته، كل هذا موجود، ومنها من هذه الخوارق مما ليس للأولياء، بل للمخالفين خارقة تضره، يعني تجتمع مع الخوارق في كونها على غير العادة، وعلى غير السنة الإلهية، لكنها ضرر عليه، فالذي استاك في دبره -نسأل الله السلامة والعافية- مستهزئًا بالسنة، أحس بألمٍ في بطنه، ثم تبين أنه قد حمل، وبعد تسعة أشهر ألقى قطعة من لحم لها صوت شديد، إلى غير ذلك مما قيل، وهذه ذكرها أكثر المؤرخين، منهم ابن كثير، وذكرها أيضًا ابن رجب، وذكرها صاحب الشذرات، ذكرها كثير من المؤرخين، الشخص الذي استهزأ بالسنة وقال: الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، سمع هذا الحديث فقال: إنه يريد أن يطأ هذه الأجنحة بالمسامير، فوضع المسامير في نعليه ودخل المسجد، وجلس في الحلْقة، ساخت به الأرض، خُسف به، هذه لا شك أنها خارقة للعادة، لكن مع ذلك هي عقوبات، عقوبات لا تلتبس بكرامات الأولياء، بل العكس هي على الضد وعلى النقيض من ذلك، وجود هذه الكرامات يلاحظ أنها فيمن بعد الصحابة أكثر من وجودها في الصحابة، يعني كثيرة في التابعين، كثير منهم أولياء يستحقون خرق العادة لهم وإن كانوا ليسوا بمنزلة الصحابة، إلا أن الصحابة عندهم من الإيمان واليقين مما لم يحتاجوا معه إلى مثل هذا التثيبت إلا في القليل مما وجد، أما في التابعين فحاجتهم إلى ذلك أكثر؛ لتأييدهم وتأييد غيرهم وهداية الخلق بسبب مثل هذه الأمور؛ لأن الله إذا أجرى هذه الكرامة على يد عبد من عبيده لا شك أنه مما يدل على أنه على الحق؛ تأييدًا له فيعينه مثل هذا في دعوته، من الدعاة في العصر الحديث -يعني قبل سنوات يسيرة سنتين أو ثلاث- أُحرج، دخل إلى بلد كلهم مشركون، لكنهم أصيبوا بجدب شديد، أصيبوا بجدب، فقالوا: ادع ربك؛ إن أرسل علينا المطر أسلمنا وتبعناك، هذا حرج عظيم وامتحان شديد، أولاً كونه يقدم على مثل هذا الأمر لا شك أن فيه شيء من الثقة بالنفس، كالقسم على الله -جلَّ وعلا-، وثقة بالعمل، لكنه محرج وملجأ إلى مثل هذا، فتردد طويلاً، ثم قال بعد ذلك: اللهم لا تحرمهم الإسلام بسببي وسبب ذنوبي، فأمطروا وأسلموا، هذه كرامة، شوف الآن لما اقترنت الدعوة بالخضوع والتضرع ومعرفة النفس أثرت وأجدت وإلا فالموقف حرج؛ ولذا جاء في الحديث الصحيح «أن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره»، لكن من يقدم على القسم على الله؟ من يقدم؟ لأن هناك أمور يمتحن بها الإنسان نفسه وهو في عافية، الحين بعض الناس يقول: اللهم إن كنت على الجادة وعلى الصراط المستقيم اقبضني إليك، يمتحن، ثم بعد ذلك ما يقبض، وإيش معنى هذا؟ أنه على غير الجادة، لكن لا يعني هذا أو ذاك، لكن المسألة لا ينبغي أن يعرض الإنسان نفسه إلى فتنة وإلى محنة والله المستعان.

من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة، إلى يومنا هذا، موجودة الكرمات، ويذكر عمن تقدمنا بيسير أشياء عجائب، يعني يوجد من يسلم عليه، يعني قبل ثلاثين أو أربعين سنة يوجد من..، أمور، أمور لا شك أنها حصلت لهؤلاء؛ لشدة اتباعهم واقتدائهم بهدي السلف وسنة المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، وأدركنا منهم أناسًا يعني ما مالت بهم الدنيا ولا مالوا بها، وساروا على نهج السلف الصالح لا ترى أي فرق بين عيشتهم وبين ما يذكر في الكتب عن الفضيل والسفيانين وغيرهم، لا نحس والله بأي فرق، نعم لا شك أنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده أشر منه، لكن وجد من خيار الأمة إلى قيام الساعة ما وقع على أيديهم شيء من الكرامات، وإذا عرضت أعمالهم على الكتاب والسنة وجدت ديدنهم اللهج بذكر الله -جلَّ وعلا- وتلاوة القرآن، ونوافل العبادات من الصيام والقيام، وتعلم العلم وتعليمه، ولا فيه أكثر من هذا في كتب أهل التحقيق من أهل العلم، لكن مع الأسف أن كثيرًا من طلاب العلم -وإلى الله نشكو- يطلعون على أمور لا تفيدهم لا في دينهم ولا في دنياهم، ويطلعون على كتب كان السلف يحذرون منها لا يستفيدون منها لا في العلم ولا في العمل، هذا لا شك أن فيه تلويث للقلوب، لكن لو اقتصر الإنسان على الوحيين وما يعينه على فهم الوحيين، لا شك أنه يسلم من كثير من الأمور التي لوّثت القلوب وصدتها عن الذكر، والله المستعان.

المقصود أن مثل هذا الأمر موجود ولا ينقطع إلا بنهاية هذه الأمة والله المستعان.

يقول: فصل، ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باطنًا وظاهرًا، أولاً الآثار بمعنى المأثور.

طالب: ...................

المقصود أنها ليست على العادة وليست على الجادة، يعني العادة ما جرت بأن الإنسان في غرفة منفرد بنفسه، يتلو كتاب الله أو يصلي أو يذكر الله -جلَّ وعلا-، ثم إذا سلّم، فإذا بجانبه طبق فيه عنب أو تمر أو ما أشبه ذلك من غير سبب ظاهر، هل هذا العادة الجادة ما خرقت، ما تغيرت العادة، ما فيه إشكال إن شاء الله.

يقول -رحمه الله تعالى-: فصل، ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باطنًا وظاهرًا، المراد بالآثار جمع أثر وهو المأثور المنقول عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس في هذا مدخل لمن يعظِّمون الآثار، ويصرفون لها شيئًا من التعظيم الذي لا ينبغي إلا لله -جلَّ وعلا-، ويغلون بها ويتبركون بها، لا؛ لأن الدعوة إلى تعظيم الآثار موجودة وبُعثت من جديد، وهي موجودة في سائر أقطار المسلمين، والآن تبعث وتبحث من جديد كتب في الصحف عن تعظيمها والبحث عنها وترميمها وإشادتها، والشيخ ابن باز- رحمة الله عليه- له رسالة في الرد على بعض الكُتَّاب أسماها "ما هكذا تُعظم الآثار"، وإذا خشيت الفتنة من أثر من الآثار تجب إزالته كما فعل عمر -رضي الله تعالى- عنه بالشجرة، إذا خشي أن يصرف لهذا الأثر الحسي ما لا يجوز صرفه من حقوق الله -جلَّ وعلا- فإنه يجب أن تمحى هذه الآثار، والتبرك بهذه الآثار -بآثار الصالحين- لا شك أنه من أسباب الشرك، وما وقع كثير من الأمم في الشرك إلا بواسطة تعظيمهم لهذه الآثار، فالمراد بالآثار المأثور ما يؤثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل مما يتعبد به، اتباع آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باطنًا وظاهرًا، مما يتظاهر بهذا عند الناس، وإذا خلا اجترأ على المخالفة ولا يخالف ذلك ظاهرًا، بمعنى أنه يخلع عن نفسه جلباب الحياء، ويخالف ما أُثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- علانية لا في الظاهر ولا في الباطن.

واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، اتباع سبيل من سلف، كل خير في اتباع من سلف، فينظر إلى هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فيلتزمه، وينظر في سيرته ويقتدي ويأتسي وهو الأسوة وهو القدوة، ومن بعده صحابته -رضوان الله عليهم- من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، واتباع وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: «عليكم بسنتي» عليكم بسنتي، يعني خذوا بها والتزموها قولاً وفعلاً «بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين»، الخلفاء الراشدون هم الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، هؤلاء هم الذين جاء ذكرهم في هذا النص وغيره، وهم أهل الخلافة، الخلافة ثلاثون سنة تستوعب خلافة الأربعة.

طالب: ..................

الحسن تكميل يعني ستة أشهر، المقصود أن الأربعة هم الخلفاء الراشدون، هم الخلفاء الراشدون، عليكم بسنتي يعني بطريقتي ومنهجي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، الراشدين جمع راشد، والرشد ضد الغواية وضد الضلال والهداية، المهديين الذين هداهم الله إلى سلوك الصراط المستقيم من بعدي، تمسكوا بها، تمسكوا بها، كأنها شيء محسوس يمسك باليد؛ لأنها واضحة المعالم ليس فيها خفاء ولا غبش، واضحة يتمسك بها الإنسان كما يتمسك بأقوى ما يجد، «تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ»، وهذا أشد من التمسك، الإنسان إذا أراد أن يمسك شيئًا بقوة أمسكه بيديه مع أسنانه «تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ» التي هي الأنياب أو الأضراس، «وإياكم» تحذير «ومحدثات الأمور»، «وإياكم ومحدثات الأمور» يعني: ما أحدث في الدين بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- مما لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، هذا محدثة، «فإن كل بدعة ضلالة» المُحدث هو البدعة الذي لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة «فإن كل بدعة ضلالة» كل محدث بدعة «وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» كما جاء في بعض الروايات: «كل بدعة ضلالة» الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعمم، وكل من صيغ العموم، أن كل ما ابتدع بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- في الدين أنه ضلالة -نسأل الله العافية-، فكيف يقول من يقول من أهل العلم: إن هناك بدعًا حسنة، بدعًا محمودة، بدعًا واجبة، بدعًا مستحبة، هذا التقسيم -تقسيم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة- أو الحكم على البدع بالأحكام التكليفية الخمسة، كل هذا من البدع، فإنه قول مخترع لا يدل عليه كتاب ولا سنة، بل البدع كلها ضلالة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «كل بدعة ضلالة» ونقول: بدعة واجبة! مصادمة للنص، يعني هذا التقسيم معتمد عند كثير من أهل العلم؛ عند النووي، وابن حجر، وقبلهم العز بن عبدالسلام، ومجموعة من أهل العلم قسّموا هذا التقسيم، وأُتوا من فهم بعض الأمور، فمثلاً البدع الواجبة عندهم مثلوا لها كالرد على المخالفين من ملاحدة وزنادقة وغيرهم يقولون: هذا محدث لكنه واجب، يجب الرد على هؤلاء كيف؟ ألم يكن له أصل في القرآن، من الردود على المخالفين في القرآن وفي السنة أصل لهذا الأمر، ومادام له أصل من الكتاب والسنة فإنه لا يسمى بدعة، من البدع المستحسنة أو المستحبة عندهم بناء المساجد، بناء المدارس، المساجد جاء فيها النص، بناء المدارس، بناء القناطر، بناء الربط، وما أشبه ذلك..، قالوا: هذه بدع لم توجد على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنها مستحبة، نقول: ليس ببدعة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب شرعي، وما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب شرعي، فدلت على ذلك النصوص العامة وقواعد الشريعة، دلت على أن هذا مطلوب شرعًا، فله أصل في الشرع وليس ببدعة.

طالب: ...............

لأنه مازالت الحاجة قائمة، يسأل عن الأذان الأول بالنسبة لصلاة الجمعة الذي سنه عثمان -رضي الله عنه-؟ الحاجة إليه مازالت قائمة، الحاجة إليه، ليس المراد منه تبليغ الناس وقت دخول الخطيب، الحاجة داعية إليه لإلفات الناس إلى وقت يتسع لأن يتهيأوا لصلاة الجمعة، وهذا مازال قائمًا، مازال قائمًا، وبعض أهل الغفلة لا يدري ولا يعرف أن اليوم يوم الجمعة إلا أذن الأول، وكثير من أهل المزارع ما يعرفون صلاة الجمعة إلا بالأذان الأول، وكانوا يعلقون معرفة يوم الجمعة بسجود الإمام في صلاة الصبح، وقد وجد بعض المزارعين في مزرعته إلى أن دخل الإمام، ولما سئل قال: اليوم ليس بجمعة، بدليل أن الإمام ما سجد في صلاة الصبح، فهؤلاء لا شك أنهم يحتاجون إلى تنبيه في وقت يتسع، يعني كما شرع الأذان الأول بالنسبة لصلاة الصبح ليوقظ النائم ويرد القائم وما أشبه ذلك، لهذه الحكمة أيضًا سن عثمان -رضي الله عنه وأرضاه- وهو من الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرنا بالاقتداء بهم والاهتداء بهديهم، رأى الحاجة داعية؛ لأن المدينة توسعت، يحتاجون إلى من ينبههم في وقت كافٍ للاستعداد لصلاة الجمعة، قوله: فإن كل بدعة ضلالة، عرفنا أن كل من ألفاظ العموم فلا يخرج عن هذه الجملة شيء مما يُحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، والإحداث في الدين لا شك أن ضرره بالغ، فإنه زعم ودعوى ممن ابتدع أن الدين بحاجة إلى تكميل، والله -جلَّ وعلا- يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم} ويزعم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- غفل عن مثل هذا، وفي فعله أفضل وأكمل من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- لوازم تلزم على هذه البدع، لكن بعض المبتدعة إنما جرهم على ذلك الحرص على عمل الخير، لكن مثل هذا القصد لا يكفي، لا يكفي، تجده يغرم بعبادة من العبادات فيزيد فيها، هذا سبب، السبب في البداية ثم بعد ذلك لا يوجد مثل هذا العمل إلا ويكون بمقابله ترك سنة، من أحيا بدعة فقد أمات سنة، من ابتدع في الدين في مقابله يلزم على ذلك أن يترك سنة.

وعلى كل حال البدع من أخطر الأمور على المسلم، ومن نظر في أحوال المبتدعة وأمرهم يزيد ويستفحل شيئًا فشيئًا، إلى أن ينسلخوا من الدين بالكلية، فتجدهم يتشبثون بأمور لا شرعية لها، لم يسبق لها شرعية من الكتاب والسنة، ثم يستفحل الأمر ويعاقبون بأمور تتلوها أمور، ثم بعد ذلك تنطمس بصائرهم عما شرع الله في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- «فإن كل بدعة ضلالة» ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله {ومن أصدق من الله حديثًا}، {ومن أصدق من الله قيلاً}.

ويعلمون علمًا جازمًا لا تردد فيه ولا شك ولا ارتياب ولا يحتمل النقيض أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وجاء ذلك في خطبته المشهورة في صحيح مسلم وغيره «أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-»، ومن ابتغى الهدى من غير هذين الأصلين أضله الله بلا شك، لا طريق إلى العلم الموصل إلى مرضاة الله -جلَّ وعلا- إلا من خلال هذين الأصلين: الكتاب والسنة.

ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، يؤثرون كلام الله على غيره من أصناف كلام الناس، وفضل كلام الله على كلام غيره كفضل الله على غيره، مع الأسف أن يمر اليوم واليومان والثلاثة على بعض المسلمين ما نظر في كتاب الله ولا في عهده، ومع ذلك تجده يقرأ الساعات الطوال في الصحف والمجلات، هل هذا من إيثار كلام الله على كلام غيره؟ العكس هذا من إيثار غير الله على كلامه، فعلى الإنسان أن يراجع نفسه.

ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس مهما كانوا، وإذا كانت المزية لكلام على كلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- كلام الله متعبد به ورُتب عليه الأجور في كل حرف عشر حسنات، لكن هل مثل هذا لكلام النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا، ما تُعبِّد بتلاوته، لكن فيه العلم وفيه الخير وفيه الهدى، وفيه الدلالة على الصراط المستقيم، كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد كلام الله -جلَّ وعلا-، وإن كان النبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى {إن هو إلا وحي يوحى}.

ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- على هدي كل أحد، نعم، المتبع الملتزم للكتاب والسنة لا بد أن يكون هذا حاله. يقدمون هدي محمد -عليه الصلاة والسلام- على هدي كل أحد، بخلاف المتعصبين للأئمة وللأشياخ والمذاهب، تجده يقدم كلام الإمام على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويحاول جاهدا أن يسخر ويلوي عنق النص إلى خدمة مذهبه، وإن بعدت الدلالة، فهو يستدل لكلام إمامه أو يستدل بكلام إمامه على فهم النص، والأصل أن يدل أن يستدل لكلام إمامه أو على كلام إمامه بالنص، فتجده إذا قيل له: الرسول يقول كذا، قال: لا، الإمام يقول كذا، ومثل هذا لا يخفى على الإمام، ولو كان هذا هو المقصود لما خفي ولا غاب عن الإمام، وهو بهذا يدعي للإمام العصمة من الخطأ في فهم النص إن كان بلغه، أو الجهل بهذا النص إن كان لم يبلغه، وهذا كثير عند الأئمة يخالفون الأدلة لا على سبيل العناد والمصادمة، وإنما لكون هذا النص لم يبلغهم أو فهموا منه غير ما فهمه غيرهم؛ ولهذا سموا أهل الكتاب والسنة؛ لأنهم هم أهل العمل بالكتاب والسنة، هم أهل العلم بالكتاب والسنة، ونصيب كل مسلم من هذه التسمية بقدر التزامه بالكتاب والسنة، بقدر التزامهم بالكتاب والسنة، وسموا أهل الجماعة، سموا أهل الجماعة، ما سموا الجماعة؛ لأن كل قوم يجتمعون جماعة على حق والا على باطل، لكنهم سموا أهل الجماعة كما سموا أهل الكتاب والسنة أهل الاجتماع على الكتاب والسنة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة، وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسمًا لنفس القوم المجتمعين، يعني سواء كانوا على حق أو على باطل يسمون جماعة، وجماعة المسجد جماعة، وجماعة القبيلة جماعة، وهكذا، وجماعة الحي جماعة، وجماعة المدرسة جماعة، فصار يطلق على هذا، وإلا فالأصل أنهم الذين اجتمعوا على الحق وعلى الهدى، وهم أهل السنة وأهل الجماعة؛ ولذا إذا قلت: أهل السنة والجماعةُ والا الجماعةِ؟

طالب: الجماعةِ بالكسر.

وإيش اللي يترتب على هذا؟ يعني أنت تعطف على المضاف والا على المضاف إليه؟

طالب: على المضاف إليه.

على المضاف إليه، فتقول أهلُ السنةِ والجماعةِ، والعطف على نية تكرار العامل، كأنك قلت: أهل السنة وأهل الجماعة، أهل السنة وأهل الجماعة، ولكن لو رفعت صاروا هم أهل السنة وهم جماعة، والجماعة ليست بصفة مدح؛ لأنها تطلق على القوم المجتمعين سواء كانوا على حق أو على باطل.

يقول وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين، والإجماع هو الأصل الثالث، الأصل الأول: الكتاب، والثاني: السنة، والثالث: الإجماع، هذه الأصول المتفق عليها، هناك أصول مختلف فيها كالقياس والاستصحاب وقول الصحابي وغيرها، لكن هذه الأصول المتفق عليها، والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين، إذا وجد الإجماع لا يسوغ الخلاف.

ثم قال: وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة وظاهرة مما له تعلق بالدين، مما له تعلق بالدين، لا يخرجون عن نصوص الكتاب والسنة ولا الإجماع فيما يتعلق بالدين، فلا يسوغ الخروج عن الكتاب ولا عن السنة ولا عما أجمع عليه المجتهدون في أي عصر من العصور، وإن كان الخلاف فيمن بعد السلف، هل ينضبط إجماعهم أو لا ينضبط؟ وليس كل إجماع ملزِم، إنما الإجماع الذي يتعلق بالدين، يعني لو أن قومًا قالوا: إن الإجماع قائم على أن الترتيب في إشارات المرور، إجماع هذا اللون الأحمر للوقوف.

طالب: ..............

لا، عالمي، عالمي، عالمي.

طالب: ..............

لا، لا، عالمي هذا يا أخي، هذا إجماع، إجماع على أن الحمراء، أنت شفت شيء أنت؟

طالب: ..............

لا، سمعت ما تصلح، إن كنت سمعت إن رأيت لا بأس، المقصود أن مثال خل هذا مثال يا أخي، ما يلزم أن يكون منضبطًا؛ لأنه لا يترتب عليه شيء، اللون الأحمر للوقوف، والأخضر للسير، والأصفر للاستعداد للوقوف، هذا إجماع، لو قال في دولة من الدول أو في بلد من البلدان قالوا: نعكس، هل الخروج عن هذا الإجماع يؤثر والا ما يؤثر؟ لا يؤثر؛ لأن الشيخ قال: مما له تعلق بالدين، مما له تعلق بالدين، أعمال الإنسان وتصرفاته وقيمة الإنسان إنما تتم بوزنه بهذه الموازين الثلاثة، ومع الأسف أن كثير من الناس اختلت عنده هذه الموازين، فتجده يزن الإنسان بوظيفته، براتبه، بمركزه الاجتماعي، وما أشبه ذلك، والسؤال أكثر ما يكون عن هذه الأمور، والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، يعني لما كانوا مجتمعين وعلماؤهم معروفون، أما الآن أو قبل ذلك بقرون تفرقت الأمة الذي في الأندلس لا يعرف المخالف ممن هو في المشرق في الهند أو في الصين، أو ما أشبه ذلك، والعكس بعد تفرق الأمة دون ضبط الإجماع خرط القتاد؛ ولذا تجدون من أهل العلم من ينقل الإجماع، ثم يبين له أنه وُجد مخالف، ثم يذكر الخلاف، ومنهم من يذكر الإجماع بنفسه وينقضه غيره أو بنفسه، ثم يظهر له مخالف، وهذا موجود في كلام كثير ممن ينقل الإجماع كابن المنذر وابن حزم وابن عبدالبر والنووي وغيرهم، ولكثرة الخروق في هذه الإجماعات قال الشوكاني: ودعاوى الإجماع تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع. على كل حال إن لم يكن إجماع فهو قول الأكثر له هيبته ما لم يطلع على مخالف.

قال: والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة، يعني من الشرق إلى الغرب، وليست الوسائل -وسائل الاتصال- كما هي عليه الآن، يمكن أن يعرف قول المخالف في أقصى الشرق مع أقصى الغرب في وقت واحد، ولا يعني هذا أن ما نفاه شيخ الإسلام يمكن يرد، رده بسبب هذه الوسائل، إنما الخلاف معروف، هل يعد الإجماع ممن بعد الصحابة بعد التفرق في البلدان أو لا يعد؟ والأكثر على أنه معتبر، الأكثر على أنه معتبر، رواية عن الإمام أن الإجماع المعتبر هو إجماع الصحابة، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.