شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 15

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم.

إلى حلقةٍ جديدة من شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم الشيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المُستمعين.

المقدم: قال المصنف -رحمنا الله وإياه- عن عبد الله -رضي الله عنه- قال: كنا مع النّبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

راوي الحديث الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي بن أم عبد، مناقبه كثيرةٌ، من جلة الصحابة وعلمائهم وفقهائهم، تقدم ذكره في ظلم دون ظلمٍ، يعني في تفسير آية {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [سورة الأنعام 82] أي بشركٍ، تقدم.

المقدم: في الأصل قال البخاري: عن عبد الله بن مسعود؟ في الأصل يا شيخ؟

ما يلزم، يعني في الروايات الأخرى.

المقدم: في هذا الكتاب في أصل الكتاب؟

لا ما فيه؛ لأنه تقدم لنا في المقدمة أنّ المختصر يلتزم لفظ المؤلف.

المقدم: فإذًا المؤلف قال: عن عبد الله -رضي الله عنه–.

نعم، يأتي لكن في الطرق الأخرى في الروايات عند البخاري......

المقدم: عن عبد الله بن مسعود.

نعم، وإن نازع بعضهم، ستأتي الإشارة إلى أنه هناك من نازع في عبد الله هل هو ابن مسعود أو ابن عمر؟ لا سيما وأنّ الكُنية مشتركةٌ في قول عثمان: يا أبا عبد الرحمن إلى آخره، منهم من قال: هذه كنية ابن عمر، وهي كنية أيضًا ابن مسعود، وسيأتي الكلام في أطراف الحديث إن شاء الله على هذا، ومن زعمهم.

الحديث ترجم عليه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بقوله: باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة، وجاءت العزوبة أيضًا، العُزبة بضم المهملة وسكون الزاي بعدها موحدة، كذا لأبي ذر. من أبو ذر؟

المقدم: الهروي.

نعم، أبو ذر الهروي راوي الحديث.

ولغيره: العزوبة بزيادة واو، والمراد بالخوف من العزوبة ما ينشأ عنها من إرادة الوقوع في العنت، قاله الحافظ. والمناسبة ظاهرةٌ، حيث وجه النّبي –صلى الله عليه وسلام- من لا يستطيع مؤن النكاح إلى الصيام، وجه النّبي –عليه الصلاة والسلام- من لا يستطيع مؤن النكاح إلى الصيام، والترجمة الصوم لمن خاف على نفسه العزبة أو العزوبة، فالنبي وجَّهه إلى الصيام.

قال العيني في شرح الترجمة........

المقدم: العزبة يا شيخ تُطلق هكذا على المخافة؟ عندنا تُطلق العزبة والعزوبة على من لم يتزوج في الألفاظ العامية.

لأنه هو الذي يُخاف عليه غالبًا.

المقدم: كيف يكون يخاف على نفسه العُزبة أو العزوبة؟

هي الأصل هي الخوف، الأصل في العزبة والعزوبة هي الخوف من الوقوع في العنت.

المقدم: فأطلق الخوف عليها.

المراد بالخوف من العزوبة ما ينشأ عنها من إرادة، المراد بالخوف لمن خاف على نفسه الخوف هذا ما ينشأ عن العُزوبة التي هي عدم الزواج.

المقدم: ينشأ عنها الوقوع في المحرم.

نعم، الذي هو العنت، وقال العيني في شرح الترجمة: أي هذا بابٌ في كسر النفس بالصوم لمن خاف على نفسه العزوبة بضم العين والزاي، قال الجوهري: العزوبة والعزبة الاسم، يعني العزوب والعزوبة المصدر، والعزبة اسم المصدر.

قال العيني: قلت: من عزب يعزِب ويعزُب.

قال الكسائي: العزَب الذي لا أهل له، والعَزَبَة التي لا زوج لها.

وقال ابن الأثير: العزَب البعيد من النكاح، يعني إذا قال: هذا الأمر عزَب عن بالي يعني أنه ذهب بعيدًا عن تذكري، يعني العزَب البعيد من النكاح؛ لأنّ ارتباط العزوبة بالبعد في أصل المادة، ومعنى خاف على نفسه العزوبة بمعنى خاف من بُعد النكاح أن يقع في العنت وهو الزنا، ومادة هذه اللفظة في الأصل تدل على البُعد، ومنهم يُقال: عزب عني فلان أي بعُد، ويقال تعزّب فلان زمانًا ثم تأهّل.

والحديث له سبب إيراد، يعني عندنا سبب إيراد وسبب ورود، سبب الورود الباعث على قول النّبي –عليه الصلاة والسلام –، سبب الإيراد.......

المقدم: سؤال الناس للصحابي، يعني أن يسألوا الصحابي عنه.

من أورد الحديث سواء كان الصحابي أو من دونه، مستدلًّا به على مسألةٍ من المسائل، هذا إيراد.

الحديث له سبب إيراد بيَّنه البخاري في كتاب ((النكاح)) قال: حدثنا عمر بن حفص قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش قال: حدثني إبراهيم عن علقمة قال: كنت مع عبد الله فلقيه عثمان بمنى فقال: يا أبا عبد الرحمن إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَخَلَيا -يعني عثمان وعبد الله-، فَقَالَ عُثْمَانُ لما خليا: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فلما رأى عبد الله أنّ ليس له حاجةٌ إلى هذا أشار إليّ يا علقمة تعال؛ لأنّ ما فيها سر، عرض ولا وجد قبول، ما صار فيه سرّ، فلما رأى عبد الله أنّ ليس له حاجةٌ إلى هذا أشار إليّ فقال: يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلت: ذلك لقد قال لنا النّبي –صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء»، والقصة فيها منقبةٌ للصحابيين الجليلين.

المقدم: ابن مسعود....

وعثمان، عثمان لما بحث لبنته اختار الرجل الصالح الذي تبرأ الذمة به، وهو من فقراء الصحابة، فابن مسعود زكاة زوجته زينب دفعتها لابن مسعود، فهو من فقراء الصحابة، لكن المعول في هذا على الدين والعلم والتقوى، فهذه منقبةٌ لعثمان –رضي الله تعالى عنه- ما نظر إلى أمر الدنيا، ومنقبةٌ لابن مسعود حيث رد الطلب؛ لأنه ليس له بها حاجة، لأنه تصور شخصًا في السبعينات وتُعرض عليه بكرٌ، ما قال فرصة هذه فرصة العمر؛ لأن بعض الناس يتزوج الصغيرة وهو كبيرٌ يظلمها، يعني تصور لو أنّ شخصًا في سن عبد الله بن مسعود يتزوج في ظروف عادية، أو في ظروف ابن مسعود يجد بنتًا كهذه.

المقدم: وتُعرض عليه.

وتُعرض عليه، فهي منقبةٌ للطرفين بلا شك، مثل هذه لو وجدها من في سن ابن مسعود وفي ظرف ابن مسعود وحاجة ابن مسعود لا شك أنه يعض عليها بالنواجذ، وكم من المآسي حصلت من أمثال الكبار إذا تزوجوا، إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإي الشواب، لكن قد يوجد نوادر عندهم يتمتعون بقوةٍ، ويحتفظون بشيءٍ من هذا الأمر، لا مانع من أن يتزوجوا، فكل إنسانٍ له ما يخصه.

ابن مسعود لما عرض عليه عثمان –رضي الله تعالى عنه وأرضاه- هذا العرض، ووجد أنه لا يشمله نداء النّبي– عليه الصلاة والسلام- «يا معشر الشباب» ما قال: يا معشر الشيوخ.

«يا معشر الشباب» أنا أريد أن أشرح الحديث باعتبار أنه لن يرد مرة أخرى، وإلا فموضع شرحه كتاب النكاح.

المقدم: لكن مناداته لعلقمة لماذا يا شيخ؟

لأنّ ما فيه سر خلاص، طالبه وواجه القبول، ما فيه إشكال، لكن لو وُجد القبول.......

المقدم: واتفقوا كانوا جعلوا الأمر سرًّا حتى تتمة الأمر.

نعم، حتى يتم الأمر، عادةً يعني الإنسان الذي الشيء بعيدٌ عن باله وليس من اهتماماته لا يمنع أن يطلع عليه الناس، لكن الأمور التي يهتم بها، ما يطلع عليها الناس، يخشى من انتشارها، وأحيانًا....

المقدم: العين.

مسألة عين، ومسألة أيضًا وجود أناسٍ يسعون في إبطال مثل هذا المسعى.

المقدم: الحسد.

نعم، لكن ابن مسعود لا نظر له فيها فماذا يخشى، ومثل ما ذكرت هي منقبةٌ للطرفين.

«يا معشر» المعشر جماعةٌ يشملهم وصفٌ ما، فالرجال معشر، والشباب معشر، والنساء معشر، والإماء معشر، المقصود أن يشملهم وصفٌ ما.

المقدم: والمسلمين والكفار.

« الشباب» جمع شاب، ويُجمع أيضًا على شببة، في حديث مالك بن حويرث «ونحن شببة» ، ويجمع أيضًا على شبان، وذكر الأزهري أنه لم يُجمع فاعل على فعّال غيره، وأصله الحركة والنشاط، أصله الحركة والنشاط، أصل المادة شبب، وهو اسمٌ لمن بلغ إلى أن يكمل الثلاثين كذا أطلق الشافعية، وقال القرطبي في ((المفهم)): يقال له: حدث إلى ستة عشر، ثم شاب إلى اثنتين وثلاثين، ثم كهل إلى أن يجاوز الأربعين، ثم هو شيخ.

المقدم: من اثنتين وثلاثين إلى أربعين كاهل يا شيخ؟!

نعم، هذا على كلامه حتى من جاوز الأربعين قالوا شيخًا ثقيلة.

المقدم: صعبة.

نعم، لكن المسألة مسألة لغوية، فمردها إلى قوله، ولا ارتباط للشيخوخة ببياض الشعر؛ لأنه يختلف لاختلاف الأنسجة.

المقدم: لأنّ بعض الناس يظهر شيبه قبل الأربعين.

قبل الثلاثين، يبدأ قبل الثلاثين عند بعض الناس.

«من استطاع منكم» يعني الشباب، وخص الشباب لأنّ الداعي عندهم أقوى غالبًا، وإذا وُجد الداعي عند الشيوخ اتجه لهم الخطاب، يعني من احتاج النكاح من الكبار وعنده هذا الداعي يتجه إليه الخطاب، إذا وجد الباءة فليتزوج.

والباءة بالهمز والمد وتاء التأنيث، وفيها لغةٌ أخرى بغير همزٍ ولا مدٍ، وقد يُهمز ويُمد بلا هاء، ويقال لها الباهة بدون همز. قال الخطابي: الباءة يريد بها النكاح، وأصله الموضع الذي يتبوأه ويأوي إليه.

قال المازري، المازري له كتاب إيش؟

المقدم: الألفاظ؟

أصل شروح مسلم كلها ((المُعلِم))، ((المُعلِم)) شرح مسلم الذي جاء القاضي عياض فأكمله ((إكمال المُعلِم)). والأبي ((إكمال إكمال المُعلِم)). والسنوسي ((مكمل إكمال المُعلِم)) إلى آخره.

قال المازري: اشتُق العقد على المرأة من أصل الباءة؛ لأنّ من شأن من يتزوج المرأة أن يبوئها منزلًا، من شأنه أن يبوئها منزلًا.

وقال النووي: اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد، أصحهما أنّ المراد معناها اللغوي وهو الجماع؛ لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح. أصحهما أنّ المراد معناها اللغوي وهو الجماع، فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه، وهي مؤن النكاح، فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع؛ لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم. لماذا قدر هذا التقدير؟ لماذا احتاج النووي إلى هذا التقدير؟ هو رجح أنّ الباءة الجماع. قد يقول قائل: إذا كان لا يستطيع الباءة التي هي الجماع فلماذا يوصى بالصيام؟ كونه يوصى بالصيام لكسر الشهوة وهو لا يستطيع الجماع، كيف يوصى بالصيام؟! فاحتاج أن يقدر هذا التقدير، يقول: فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه. الجماع المرتبط بالمؤن ما هو بالجماع المجرد، فعليه بالصوم ليدفع شهوته، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء، ولا ينفكون عنها غالبًا.

والقول الثاني: أنّ المراد هنا بالباءة مؤن النكاح، سميت باسم ما يلازمها، وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته، تقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته، والذي حمل القائلين بهذا على ما قالوا قوله: «ومن لم يستطع فعليه بالصوم» قالوا: العاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة؛ فوجب تأويل الباءة على المؤن.

انفصل القائلون بالأول عن ذلك، لماذا انفصل؟

المقدم: القول الثاني يعني؟

لا، ما هو يلزمون بالكلام الأخير مادام الباءة الجماع ولا يستطيع الباءة لا يستطيع الجماع......

المقدم: إذا كيف يصوم؟!

نعم، يعني كيف انفصلوا عن القائلين بهذا؟ يعني وجهوا كلامهم، وهذا الانتقاد الذي وُجه إليهم انفصلوا عنه وتبرؤوا منه بتأويلهم المذكور، بالتقدير المذكور في كلام النووي، يُضعف هذا التأويل قوله في الرواية الأخرى في الباب الذي يليه بلفظ: كنا مع النّبي –صلى الله عليه وسلم- شبابًا لا نجد شيئًا فإنه يدل على أنّ المراد بالباءة الجماع.

المقدم: هنا لا نجد شيئًا؟

لا نجد شيئًا.

المقدم كيف يدل على الجماع؟ الأولى هنا وفقًا لهذه الرواية أن يراد بالباءة المؤن؛ لأنه يقول: لا نجد شيئًا؟

يُضعف هذا التأويل قوله في الرواية الأخرى في الباب الذي يليه في كتاب ((النكاح)) بلفظ: كنا مع النّبي- صلى الله عليه وسلم- شبابًا لا نجد شيئًا، فإنه يدل على أنّ المراد بالباءة الجماع، كيف تأتي؟

المقدم: ما تأتي هكذا يا شيخ.

تأمل شبابًا لا نجد شيئًا هم عندهم الباءة التي هي الجماع؛ ولذلك وُجهوا إلى الصيام.

المقدم: لكن بناءً على هذا القول الذي يدل عليه لما ذكر المؤلف أنه يدل على أنّ الباءة هنا المراد بها الجماع في هذا الحديث ليس هناك دلالة، الأصل أنّ الدلالة هنا على أنه المؤن؟

يقول: كنا مع النّبي –صلى الله عليه وسلم- شبابًا لا نجد شيئًا، وماذا قال: قال: «يا معشر الشباب».

المقدم: لكن هو يقول: لا نجد شيئًا المراد: لا نجد شيئًا من المؤن التي نتزوج بها، فدل الحديث هذا على أنّ الباءة هو التفسير الثاني.

على كل حالٍ هذا الكلام كلام أهل العلم، وفيها تداخل المسألة، فيها تداخل بين المؤن وبين الجماع؛ لأنهم لا يستطيعون أن يصرحوا بأنّ المراد الجماع حتى يؤولوه بما يتطلبه هذا الجماع من مقدمات وهي الباءة التي هي المؤن.

«فليتزوج» اللام لام الأمر، والأصل فيه الوجوب مع القدرة على تحصيل مؤنه، وإلى الوجوب ذهب داوود ورواية عن أحمد، «فليتزوج»  الزواج والنكاح بمعنى واحد، والزواج مأخاوذٌ من الزوج؛ لأنّ الفرد يضم إلى نفسه طرفًا آخر.

اللام لام الأمر، والأصل فيه الوجوب مع القدرة على تحصيل مؤنه، وإلى الوجوب ذهب داوود ورواية عن أحمد.

النكاح والزواج حقيقتهما يختلف فيها العلماء تبعًا للاختلاف اللغوي، هل الحقيقة فيهما العقد؟

المقدم: النكاح؟

نعم، العقد أو الوطء؟

المقدم: تتعلق أحكامه بالعقد يا شيخ.

يعني إذا قيل: نكح فلان بنت فلان....

المقدم: اللفظ يأتي به النكاح كذا وكذا.

نعم، لكن ما الأصل فيه العقد أم الوطء؟

المقدم: الأصل العقد يا شيخ.

إذا قيل: نكح فلان معناه عقد عليها، وإذا قيل: نكح زوجته؟

المقدم: هنا يأتي الجماع.

وطأها؛ ولذا في اللغة يختلفون: هل الأصل العقد أو الأصل الوطء؟ لكن هنا بمَ يتم الامتثال؟ امتثال الأمر «فليتزوج»؟

بأي شيءٍ بالعقد أم بالوطء؟

المقدم: الذي يظهر بالوطء؛ لأنّ هو الأقرب لترويض قدرة الشباب.

يعني شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى–، الكلام طويلٌ بين اللغويين والفقهاء: هل المراد الحقيقة هذا أو المجاز في هذا أو العكس، نعم، لكن شيخ الإسلام له كلامٌ محررٌ في المسألة، يقول: النكاح المأمور به لا يتم إلا بالأمرين معًا العقد والوطء، الشاب مأمورٌ بأن يتزوج، يمكن يأتي شابٌ يقول: أنا أمتثل بالأمر؛ لكي لا أتحمل إثمًا فأقوم بالعقد فقط وأطلق، نقول: لا، لا يتم إلا بالأمرين.

المقدم: عقدٌ ووطءٌ.

ولا يمكن أن يأتي وطءٌ دون عقدٍ، لا يقول قائل مثلًا وطأ من غير عقدٍ، وطءٌ محرمٌ وتاب منه ما أدري أيش وامتثل، ما يمكن؛ فالنكاح المأمور به لا يتم إلا بالأمرين معًا، والنكاح المنهي عنه بأحدهما يقع بأحدهما {وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} [سورة النساء 22].

المقدم: عقدٌ أو وطءٌ كلاهما محرمٌ.

كلاهما، يعني العقد محرمٌ، والوطء محرمٌ، هذا تحريرٌ من شيخ الإسلام من خلال سبر النصوص.

المقدم: المأمور به في مثل هذا الحديث مثلًا؟

فليتزوج ما يتملى بالجميع، يعني ما يقل واحدٌ: أنا تزوجت، أنا امتثلت الأمر ولا آثم عند من يوجبه؛ لأني عقدت، والنكاح هو العقد، قلنا: اللام لام الأمر، والأمر الأصل فيه الوجوب، يعني من ترك الواجب يأثم، يقول: أنا عقدت وطلقت ماذا يصير؟ امتثلت، تزوجت، نقول: لا، لا يتم امتثال الأمر إلا بالأمرين: عقدٌ ووطءٌ، لكن النكاح المنهي عنه ينصرف النهي إلى العقد وحده وإلى النكاح وحده فضلًا عن اجتماعهما.

 قال ابن حزم: وفرضٌ على كل قادرٍ على الوطء إن وجد أن يتزوج أو يتسرى، فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم، وقال: إنه قول جماعة من السلف.

وذهب الجمهور إلى أنّ الأمر للندب مستدلين بأنّ الله تعالى خيّر بين التزوج والتسري بقوله: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [ سورة النساء 3] ، والتسري لا يجب إجماعًا، فكذلك النكاح؛ لأنه لا يخيّر بين الواجب وغير الواجب إلا أنّ دعوى الإجماع غير صحيحةٍ؛ لخلاف داوود وابن حزم، قاله الصنعاني.

ومسألة اعتبار قول الظاهرية في الإجماع والخلاف وجودًا وعدمًا مسألةٌ خلافية بين أهل العلم؛ فنصَّ جمعٌ من أهل العلم على أنّ الظاهرية لا يُعتد بهم.

المقدم: في قولهم؟

في قولهم.

المقدم: على أنّ الأمر في الوجوب؟

لا، عمومًا ما يخرق الإجماع، هنا نقل: والتسري لا يجب إجماعًا، وابن حزم يقول: وفرضٌ على كل قادرٍ على الوطء إن وجد أن يتزوج أو يتسرى.

المقدم: لكن هذا بناء على أنه يرى أنّ الأمر هنا للوجوب؟ الظاهرية.

الآن ما يقوله هنا والتسري لا يجب إجماعًا على كلام الجمهور، الجمهور قالوا: والتسري لا يجب إجماعًا، فكذلك الجماع؛ لأنه لا يخيّر بين الواجب وغير الواجب.

المقدم: لكن الظاهرية قالوا: يجب؟

قالوا: يجب.

المقدم: طيب قولهم بالوجوب بناء على أنهم يرون أنّ الأمر للوجوب عمومًا؟

في أي شيءٍ؟

المقدم: في قوله تعالى؟

ما أدركت المسألة، الآن ابن حزم يرى أنّ النكاح فرضٌ، وكذلك التسري فرضٌ إما أن يتزوج أو يتسرى، فرضٌ عليه أن يتسرى، والجمهور يقولون: التسري لا يجب إجماعًا.

المقدم: نعم، أحسنتم يا شيخ، لكن بناءً على أنه يرى أنّ الأمر في الآية وجوبٌ؟

أين؟

المقدم: في قوله تعالى: {مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}؟

{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} هل فيه أمرٌ؟

المقدم: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} يرى أنه للوجوب؛ ولذلك هو رأى أنّ الأمر هنا للوجوب، وإذا جعل المقارنة بينه.....

أنا أريد المسألة أوسع من مسألةٍ خاصةٍ، أنا أريدها أوسع من مسألةٍ خاصةٍ التي معنا.

المقدم: في هذا المعنى؟

نعم، الآن نمسك عندنا ابن حزم يقول: فرضٌ أن يتسرى، إذا لم يجد ما يتزوج به، الزواج يكلفه مبلغًا كبيرًا، الأَمة تُباع بثمنٍ بخسٍ يجب عليه أن يتزوج إن أدرك الثمن أو يتسرى وجوبًا، الجمهور يقولون: التسري لا يجب إجماعًا؛ كيف نقول: إجماعًا، وابن حزم يقول هذا الكلام؟!

المقدم: لأنهم لا يعتدون برأيه يا شيخ.

على قول النووي في شرح مسلم وفي تهذيب الأسماء واللغات في مواضع من كتبه يقول: ولا يُعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، وبناءً على هذا نقل الإجماع في مسائل كثيرة مع وجود قوله، وينقل هو رأي داود وقول ابن حزم، وقول الظاهرية لا يُعتد بهم عنده؛ ولذلك وجودهم مثل عدمه.

ومن أهل العلم من يرى أنّ داود إمام من أئمة المسلمين له أصوله وله مذهبه، ومحسوبٌ على أهل السّنة، ومن له عناية بنصوص الوحيين، بل ابن حزم عنايته بالسّنة ظاهرةٌ، وقبله داود إمامٌ من أئمة المسلمين.

يبقى أنّ هناك مسائل لا سيما عند ابن حزم من المسائل العقدية التي شط فيها وشذ، لكن مسألة في الفروع، مسألة في الفروع هل يُعتد بقوله مع عنايته بالكتاب والسّنة أو لا يُعتد به، مسألةٌ خلافيةٌ بين أهل العلم، ولو قلنا إذا كانت المسألة عمدتها نص من الكتاب والسّنة فالظاهرية يُعتد بهم.

المقدم: بناءً على الدليل.

يعتنون بالنصوص، ويحترمون النصوص، وإذا كانت المسألة مأخذها اجتهاد، فلا عبرة بقولهم أو قياس، هذا قولٌ وسطٌ.

المقدم: أحسن الله إليكم، لعلنا نستكمل بإذن الله ما تبقى في حلقةٍ قادمةٍ، وأنتم على خيرٍ.

 أيها الأخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

شكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.