شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1428 هـ) - 15

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في بداية هذه الحلقة نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في باب صيام يوم عاشوراء، توقفنا عند الأحقية: «فأنا أحق بموسى منكم»، سقتم معنى هذه الأحقية في الحلقة الماضية -أحسن الله إليكم- نستكمل.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الإشكال، أو الإيراد الذي ذكره الكرماني، ذكرنا صيغته فيما تقدم، يقول: فإن قلت: ظاهره يشعر بأن هذا قبل ابتداء صيامه لعاشوراء، يعني الذي يقرأ الحديث ولا يعرف غيره في الباب.

المقدم: يعتقد أنه أول مرة يصومه.

لأول مرة يصوم الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

يقول: ظاهره يشعر بأن هذا قبل ابتداء صيامه لعاشوراء، وعُلم من الحديث السابق -حديث عائشة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه-، وعُلم من الحديث السابق أنه كان يصومه قبل قدوم المدينة، قبل قدوم المدينة، قلت -الكرماني يقول-: ليس فيه ما ينفي صيامه قبل قدومه، فمعناه ثبت على صيامه وداوم على ما كان عليه، ليس فيه ما ينفي صيامه قبل قدومه، فمعناه ثبت على صيامه وداوم على ما كان عليه.

يعني لو نظرت إلى سياق الحديث وجدت فيه اللفتة خفية في موافقة أهل الكتاب في أول الأمر، يعني لما قالوا: نحن نصومه، هذا يوم نجى الله، إلخ، ما قال: أنا كنت أصومه أيضًا.

المقدم: وإنما وافقهم.

وافقهم وأظهر لهم من الموافقة الظاهرة التي تقتضي شيئًا من التأليف، يعني لو أن شخصًا يقرر مسألة، يقرر مسألة علمية، وبحضرته آخر فقال: ماذا تقول يا فلان؟ لو قال: أنا عندي هذه المسألة وعندي أكثر منها، وكذا وكذا، واطلعت عليها أيام الطلب، ما فيه شك أن هذا يقع في نفسه شيء، لكن لو قال: جزاك الله خيرًا أفدتنا ونفعتنا، هذا فيه شيء من التأليف للقلوب، ما يلحظ مثل هذا؟

المقدم: بلى.

هذا ما ذكره الشرح لكن هو ظاهر، ظاهر، وإلا ظاهره يخالف حديث عائشة السابق.

وقال بعضهم: يحتمل أنه كان يصومه بمكة ثم ترك صومه، كان يصومه بمكة ثم ترك صومه، ثم لما علم ما عند أهل الكتاب فيه صامه، ثم لما علم ما عند أهل الكتاب فيه صامه، يقول: أو لعل ابن عباس لم يعرف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان صامه قبل القدوم، أو لعل ابن عباس لم يعرف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان صامه قبل القدوم.

ابن عباس صغير السن، يعني عند الهجرة كان سنه ثلاث سنوات، لما تُوفي النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يناهز الاحتلام يعني في الثالثة عشرة تقريبًا، ومكث النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة بعد الهجرة عشر سنوات، ولذا يقرر جمع من أهل العلم -وهو الواقع- أن ابن عباس أكثر مروياته بواسطة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، بواسطة، حتى قال الغزالي: إنه لم يسمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أربعة أحاديث، أربعة أحاديث فقط، وما عدا ذلك كله بوسائط، لكن الذي حرره ابن حجر وثبت عنده بطريق صحيح أو حسن مما صرح فيه بالسماع من النبي -عليه الصلاة والسلام- نحو الأربعين.

يقول الكرماني أيضًا: فإن قلت: كيف اعتمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قول اليهود وقبل قولهم؟ قلت: لا يلزم منه الاعتماد؛ لاحتمال أن الوحي نزل حينئذ على وفق ذلك -على ما تقدم في كلام المازري- أو صامه باجتهاده أو أُخبر ممن أسلم منهم كعبد الله بن سلام أو المخبر به من اليهود عدد التواتر، ولا يشترط في أهل التواتر الإسلام.

وقال القاضي عياض: قد ثبت أن قريشًا كانت تصومه، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصومه، فلما قدم المدينة صامه، فلم يحدث له صوم اليهود حكمًا يحتاج إلى التكلم عليه، وإنما هي صفة حال، صفة حال وجواب سؤال، فدل أن قوله في الحديث: فصامه، ليس ابتداء صومه، ليس ابتداء صومه بذلك حينئذ، ولو كان هذا لوجب أن يقال: صحح هذا ممن أسلم من علمائهم -يعني تأكد ممن أسلم-، صحح هذا ممن أسلم من علمائهم ووثقه ممن هداه الله من أحبارهم؛ كابن سلام -يقول-، وبني سعيد وغيرهم. نقله العيني عن القاضي عياض.

على كل حال الذي يظهر، والله أعلم، ويلوح من خلال السياق أنه من باب التأليف.

في فتح الباري يقول: استشكل ظاهر الخبر؛ لاقتضائه أنه -صلى الله عليه وسلم- حين قدومه المدينة وجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، وإنما قدم المدينة في ربيع الأول، والجواب عن ذلك: أن المراد أن أول علمه بذلك وسؤاله عنه كان بعد أن قدم المدينة لا أنه قدم المدينة، -يقول في هذا الإشكال-: استشكل ظاهر الخبر لاقتضائه أنه -صلى الله عليه وسلم- حين قدومه المدينة -كأن فيه سقطًا هنا-، استشكل ظاهر الخبر لاقتضائه أنه -صلى الله عليه وسلم- حين قدومه المدينة وجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، وإنما قدم المدينة في ربيع الأول، وإنما قدم المدينة في ربيع الأول -يقول-، والجواب عن ذلك: أن المراد أن أول علمه بذلك، وسؤاله عنه كان بعد أن قدم المدينة، بعد أن قدم المدينة لا أنه قبل أن يقدمها علم ذلك، وغايته أن في الكلام حذفًا، تقديره قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فأقام إلى يوم عاشوراء -يعني من السنة الثانية-، فوجد اليهود فيه صيامًا، ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون عاشوراء بحساب السنين الشمسية، ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كان يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية، فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه المدينة -عليه الصلاة والسلام-.

بعيد؟

المقدم: بعيد.

لأنه إذا كان...

المقدم: لو كان كذلك لثبته -عليه الصلاة والسلام-.

كيف؟

المقدم: لثبته على ربيع، لمذا يجعله في عاشوراء محرم؟

لو كان نفس اليوم على طريقة الحساب الشمسي لكان في سنة يوافق، وفي سنة يخالف؛ لأن كل سنة تزيد عشرة أيام، في سنة يوافق، وفي سنة يخالف، لكن اعتماد اليهود على أي تقويم؟

المقدم: الشمسي.

إذًا حسابهم صحيح على السنة الشمسية، فحوله النبي -عليه الصلاة والسلام- على حساب القمري.

انظر ماذا يقول: ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية، فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وهذا التأويل مما يترجح به أولوية المسلمين، وأحقيتهم بموسى -عليه الصلاة والسلام-؛ لإضلالهم اليوم المذكور، وهداية الله للمسلمين له، ولكن سياق الأحاديث تدفع هذا التأويل، والاعتماد على التأويل الأول -التأويل الأول أنه قدم في ربيع الأول، وانتظر من السنة الثانية-.

قال ابن حجر: ثم وجدت في المعجم الكبير للطبراني ما يؤيد الاحتمال المذكور أولًا، وهو ما أخرجه في ترجمة زيد بن ثابت من طريق أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يوم تستر فيه الكعبة، وكان يدور في السنة، وكان يدور في السنة، وكانوا يأتون فلانًا اليهودي، يعني ليحسب لهم -لأن العرب أمة أمية لا تحسب ولا تكتب-، وكانوا يأتون فلانًا اليهودي، يعني ليحسب لهم، فلما مات أتوا زيد بن ثابت، فسألوه، وسنده حسن، قال شيخنا الهيثمي في زوائد المسانيد: لا أدري ما معنى هذا.

يعني معروف طريقة العرب في الأشهر والنسيء عندهم، وأنهم يقدمون ويؤخرون، وهذه الطريقة التي ذُكرت، قال ابن حجر: سندها حسن، يقول: وجدت في المعجم الكبير للطبراني ما يؤيد الاحتمال المذكور أولًا، وهو ما أخرجه -يعني الطبراني- في ترجمة زيد بن ثابت من طريق أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يوم تستر فيه الكعبة، وكان يدور في السنة، وكانوا يأتون فلانًا اليهودي، يعني ليحسب لهم، فلما مات أتوا زيد بن ثابت، فسألوه، وسنده حسن.

يعني سبق في حلقة مضت أن العرب أذنبوا ذنبًا، فسألوا عن كفارته، فقيل: إن صيام يوم عاشوراء يكفر، فصاروا يصومون على ما تقدم، فكانوا يسألون متى يأتي يوم عاشوراء؟ أولًا: هم يميزون بين الأشهر التي بالنسبة، التي هي معتمدة عندهم، التي هي الأشهر القمرية، لكن كونهم يسألون فلانًا اليهودي يعني ليحسب لهم، لعله من باب أن علاقة اليهود بهذا اليوم أن صيام هذا اليوم إنما جاءهم من قبل اليهود، فاحتاجوا إلى أن يسألوا اليهود عن وقت هذا اليوم، فلما مات أتوا زيد بن ثابت، فسألوه، قال ابن حجر: وسنده حسن، قال شيخنا الهيثمي في زوائد المسانيد -مجمع الزوائد-: لا أدري ما معنى هذا، لا أدري ما معنى هذا، يقول ابن حجر: قلت: ظفرت بمعناه في كتاب الآثار القديمة لأبي الريحان البيروني، فذكر ما حاصله: إن جهلة اليهود يعتمدون في صيامهم وأعيادهم حساب النجوم، فالسنة عندهم شمسية لا هلالية، قلت: فمن ثمَّ احتاجوا إلى من يعرف الحساب ليعتمدوا عليه في ذلك.

شوف كتاب الآثار القديمة لأبي الريحان البيروني، يعني قد يقول طالب علم: أنا...

المقدم: هل يعتمد عليه؟

أنا لا أحتاجه أصلًا، لا أحتاجه، كثير من طلاب العلم يرونه في المكتبات، والعلماء أيضًا يرونه، وقد يستنصحون في اقتنائه فلا ينصحون، لكن مثل هذه اللفتة من ابن حجر تدل على أن طالب العلم يستفيد من جميع الكتب، وكل كتاب لا يخلو من فائدة، يعني مثل ما ذكرنا في حلقات مضت أن ابن حجر أشكل على شيخه الحافظ العراقي -رحمه الله- قول أبي حاتم في جبارة بن المغلِّس: بين يدي عدل، فكان الحافظ العراقي يظن هذا تعديلًا، فإذا قارنا قول أبي حاتم: بين يدي عدل في جبارة بن المغلس، وأبو حاتم متشدد، وجمهور النقاد على تضعيفه، بل تضعيفه الشديد، كيف يقول أبو حاتم المتشدد: عدل، وغيره يقول: ضعيف؟! هذا أوجس خيفة عند الحافظ ابن حجر، فجعله يبحث عن أصل هذه المسألة، يقول: بحثت، فوجدت في أدب الكاتب لابن قتيبة: العدل بن جزء بن سعد العشيرة كان على شرطة تبع، فإذا أراد تبع أن يقتل أحدًا سلمه إلى العدل، فقال الناس: بين يدي عدل، يعني هالك، ثم ذكر قصة، يعني انظر أدب الكاتب، قد يقول طالب العلم الشرعي: أنا لا أحتاجه، وهذه في غاية الأهمية مثل هذه الأمور.

 حتى الحافظ ابن حجر يقول: وقفت في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني قصة طاهر القائد كان أعور، وكان على مائدة فيها ابن صغير لهارون الرشيد، فأخذ هذا الابن الصغير هندباء -إما قرع أو دباء أو شيء من باذنجان أو غيره-، أخذها فضرب بها عين طاهر السليمة، فذهب يشتكيه على أبيه، فقال: انظر ما فعل الابن، وضرب العين السليمة، والأخرى بين يدي عدل، يعني تالفة.

 فمثل هذه الأمور تجعل طالب العلم لا سيما من يؤهل نفسه ليكون متفننًا؛ لأن الفنون يكمل بعضها بعضًا، وإلا ففي هذه الكتب أيضًا يعني قد يقول آخر مثلًا من باب حفظ الوقت: إن مثل هذه الفائدة اليسيرة لا تفي بما يوجد في الكتاب من مخالفات، على كل حال أهل العلم يستفيدون من هذه الكتب.

وهذا يقول: ظفرت بمعناه في كتاب الآثار القديمة لأبي الريحان البيروني، فذكر ما حاصله أن جهلة اليهود يعتمدون في صيامهم وأعيادهم حساب النجوم، فالسنة عندهم شمسية لا هلالية، قلت: فمن ثَم احتاجوا إلى من يعرف الحساب ليعتمدوا عليه في ذلك.

الإشكالات في الأحاديث الواردة في عاشوراء كثيرة، وابن القيم -رحمه الله تعالى- ذكر إشكالات ستة أو سبعة وكلها بحاجة إلى عناية.

المقدم: في الزاد؟

في زاد المعاد، نعم، في الجزء الثاني صفحة (66) إلى قريب من عشرين صفحة أو خمسة عشر صفحة، يعني إشكالات بين الأحاديث، وأجاب عنها ابن القيم -رحمه الله تعالى- بأجوبة مسددة، يعني من (69) إلى (77) يعني تسع صفحات أو ثماني صفحات.

ورد في فضائل عاشوراء أحاديث وآثار كثيرة جدًّا، منها ما يثبت ومنها ما لا يثبت، وأورد منها الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف الشيء الكثير، لكن ابن رجب -رحمه الله- يقول: هذا يوم عظيم، بلا شك، يوم عاشوراء يوم عظيم كما جاء في الأحاديث، وصيامه من أفضل الأعمال، ويحتسب النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكفر سنة، لكن لا يجوز إحداث عبادات لم يرد بها الشرع في هذا اليوم، ولا يجوز الاحتفال بهذا اليوم لهذه المناسبة؛ كما أنه بالمقابل أيضًا لا يجوز أن يتخذ مأتمًا؛ كما تفعله المبتدعة، نعم الرافضة يجعلونه مأتمًا لأجل قتل الحسين بن علي -رضي الله عنهما- في هذا اليوم.

يقول ابن رجب: فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا، وهو يحسب أنه يحسن صنعًا، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء.

المقدم: وهم أولى.

نعم، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتمًا، فكيف بمن دونهم؟

بعد هذا؛ الحديث خرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في خمسة مواضع.

الأول: هنا في كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء.

قال -رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، الحديث سبق ذكره بتمامه، ومناسبته للترجمة.

والموضع الثاني: في كتاب أحاديث الأنبياء، في باب قول الله تعالى: { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } [طه: 9]، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [النساء: 164].

قال -رحمه الله-: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا أيوب السختياني عن ابن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة وجدهم يصومون يومًا، -يعني عاشوراء-، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرًا لله، فقال: «أنا أولى بموسى منهم»، فصامه وأمر بصيامه.

والمناسبة ظاهرة لذكر موسى -عليه السلام-؛ لأن أحاديث الأنبياء، والترجمة، { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } [طه: 9]، والخبر في ذكر موسى -عليه السلام-.

الموضع الثالث: في كتاب مناقب الأنصار، باب إتيان اليهود النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة، هادوا: صاروا يهودًا، وأما قوله: { هُدْنَا } [الأعراف: 156] تبنا، هائد: تائب.

الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- حينما يورد في الترجمة لفظًا، يورد الألفاظ الغريبة المناسبة لهذا اللفظ سواء كانت من القرآن أو من السنة، جرت عادته بذلك، ولذا قال: باب إتيان اليهود النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة، هادوا -لمناسبة ذكر اليهود-: صاروا يهودًا { الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا } [البقرة: 62] يعني صاروا يهودًا، وأما قوله: { هُدْنَا } [الأعراف: 156]: يعني تبنا، هائد: تائب.

قال -رحمه الله-: حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيمًا له، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «نحن أولى بموسى منكم»، فأمر بصومه.

والمناسبة أن سؤالهم عن سبب صيامهم عاشوراء يتضمن مجيئهم إليه، إتيان اليهود النبي -عليه الصلاة والسلام- يتضمن مجيئهم إليه، وفيه باب إتيان اليهود النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا ظاهر مقبول، لكن ما رابط الباب بالكتاب؟ باب إتيان اليهود النبي -عليه الصلاة والسلام- في كتاب مناقب الأنصار، يعني اليهود لا شك أنه يخشى على النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم، ولولا أنه في عزة ومنعة بين الأنصار..

المقدم: لآذوه.

لآذوه، فهنا حصلت المحاورة، سألهم وأجابوه وكذا.

المقدم: هذا من مناقب الأنصار حفظهم للنبي -صلى الله عليه وسلم-.

بلا شك، ولا شك أن هذا في غاية الخفاء، يعني قد يقول قائل: ما فيه مناسبة، وهذا أيضًا ما أرى الشراح تعرضوا له.

الموضع الرابع: في كتاب التفسير، في باب: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ} [يونس: 90]،
{ نُنَجِّيكَ } [يونس: 92]: نلقيك على نجوة من الأرض -على طريقة البخاري- { نُنَجِّيكَ } [يونس: 92]: نلقيك على نجوة من الأرض، وهو النَّشَز: المكان المرتفع.

قال -رحمه الله-: حدثني محمد بن بشار قال: حدثنا غندر قال: حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، واليهود تصوم عاشوراء، فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «أنتم أحق بموسى منهم، فصوموا».

في حديث الباب قال: «فأنا أحق بموسى منكم»، وقال في حديث التفسير: «أنتم أحق بموسى منهم»، يعني إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أحق، فأصحابه أحق.

المقدم: من باب أولى.

نعم.

قال ابن حجر: مناسبته للترجمة في قوله في بعض طرقه: ذاك يوم نجى الله فيه موسى وأغرق فرعون، هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، يعني بالنجاة، بالنجاة لموسى والإغراق لفرعون، {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ البَحْرَ } [يونس: 90]، يعني ما ظهر موسى على فرعون إلا بمجاوزة بني إسرائيل البحر، فالمناسبة ظاهرة.

ويقول ابن جحر: مناسبته للترجمة قوله في بعض طرقه: ذاك يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق فرعون.

ابن حجر ذهب إلى مثل هذا من قول البخاري: { نُنَجِّيكَ } [يونس: 92].

المقدم: في لفظ آخر؟

نعم؛ لأن البخاري أشار بقوله: { نُنَجِّيكَ } [يونس: 92] أنه يريد اللفظ الذي طواه، في قوله: ذاك يوم نجى الله فيه موسى وأغرق فرعون, وإلا فالحديث أيضًا فيه ما يدل، نفس الطريق الذي ذهب، الذي ذكره البخاري فيما يدل على الترجمة.

والموضع الخامس: في كتاب التفسير أيضًا، في باب {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي البَحْرِ يَبَسًا لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ اليَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 77-79].

قال -رحمه الله-: حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا روح قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، واليهود تصوم عاشوراء، فسألهم، فقالوا: هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نحن أولى بموسى منهم، فصوموه».

والمناسبة { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا } [طه: 77]، المناسبة ظاهرة.

والحديث أيضًا خرجه مسلم، فهو متفق عليه.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، نستكمل -بإذن الله تعالى- ما تبقى من كتاب الصوم، ونبدأ بكتاب صلاة التراويح في الحلقة القادمة- بإذن الله تعالى- وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.