شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1427 هـ) - 05

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم.

إلى حلقةٍ جديدة في برنامجكم شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المُستمعين.

المقدم: قال- رحمه الله-: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ».

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فراوي الحديث: سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي، سهل بن سعد الساعدي تُغني عن قولنا: الخزرجي الأنصاري؛ لأننا إذا بدأنا- انظر الترتيب الآن- سهل بن سعد بن مالك بن خالد، لو قيل: الساعدي، لما احتجنا أن نقول: ...

المقدم: الخزرجي، نعم صحيح.

ولو قلنا: الخزرجي، ما احتجنا إلى الأنصاري.

لكن يُبدأ بالأكبر ثمَّ الأصغر، الأنصاري الخزرجي الساعدي. اللهمَّ إلا إذا كان في القبيلة أكثر من فرع، يتفق مع ما في غيرها من القبائل. لو قُدِّر أنه ساعدي مثلاً، في قبيلةٍ أخرى، في قريش أو في ثقيف، نحتاج إلى أن ننص عليه بعد التخصيص.

المقصود أن هذا ترتيبهم: الأنصاري الأعم، ثمَّ الخزرجي الذي يليه، ثمَّ الذي يليه الساعدي. ولو بُدِئ بالأخص، ما احتجنا إلى الأعم.

أبو العباس، كُنيته أبو العباس، له ولأبيه صُحبة، صحابيٌ مشهور، مات سنة ثمانٍ وثمانين.

وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري- رحمه الله- بقوله: باب تعجيل الإفطار، أي هذا بابٌ في بيان استحباب تعجيل الإفطار للصائم.

ومُطابقة الحديث للترجمة تحتاج إلى بيان؟ لا تحتاج إلى بيان؛ لأنها ظاهرة، مُطابقة.

قال ابن عبد البرِّ: أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاحٌ متواترة، «لا يَزَالُ»- يقول في ((المصباح)): مازال يفعل كذا، ولا أزال أفعله، لا يُتكلَّم به إلا بحرف النفي.

المقدم: ما يصح تقول: زال؟

ما يصح، إلا إذا أردت غير هذا المعنى.

المقدم: من الزوال؟

من الزوال، نعم.

إلا بحرف النفي والمراد به: مُلازمة الشيء والحال الدائمة، مثل: ما بَرِحَ، وزنًا ومعنى.

وقد تكلَّم به بعض العرب على أصله، فقال، ما أصله واوي أو يائي؟ زال يزول أم زال يزيل؟

المقدم: يزول.

لا، إذا يزول معناها المعنى الثاني إذا قلنا زال من الزوال

المقدم: نحن نبغى مازال ما يزال.

من الزيل.

المقدم: من الزيل.

فهو يائي.

المقدم: يائي.

في ماذا؟

المقدم: {لَوْ تَزَيَّلُوا} [الفتح:25].

نعم فتكلَّم به بعض العرب على أصله، فقال: مازيل زيدٌ يفعلُ كذا. وزال أو مازال: فعل ماضٍ ناقص ككان وليس.

ولا زَالَ مُنْهَلاًّ بجَرْعَائكِ القَطْرُ

«النَّاسُ»: لفظٌ عام، فهل هو باقٍ على عمومه أو أُريدَ به الخصوص؟

المقدم: لكن قبلها، يا شيخ- أحسنَ الله إليك- لا يزال وما يزال، أيهما استخدمت ما فيه حرج؟ ما فيه قاعدة مُعينة لاستخدامها؟

مازال ولازال، ما فيه إشكال، المقصود أنه يسبقه نفي.

المقدم: سيان يعني؟

نعم، ما فيه إشكال.

«النَّاسُ»: المُراد منهم العموم، يعني عموم الخلق، عموم الناس بخير، أو المراد بهم المُسلمون؟

المقدم: المُراد المُسلمون؛ لأنهم المُخاطبون بالصيام والإفطار والتعجيل به.

يعني نقول: هذا عامٌّ أُريد به الخصوص؟

المقدم: نعم.

أو باقٍ على عمومه؟

فالخير يشمل المُسلمين وغير المُسلمين، إذا عجَّل المُسلمون الفطر.

المقدم: عمَّ الخير الجميع؟ ما يستقيم هذا.

«لا يَزَالُ النَّاسُ»، الأصل العموم؛ لأن (ال) هذه، إذا قلنا: (ال) هذه جنسية، فالمراد منهم عموم الناس. والخير لا شك أنه إن نزل بالمسلمين، شمل غيرهم.

الخير الذي ينزل بالمسلمين، ما يشمل غيرهم لمن يعيش معهم؟

المقدم: بلى، لكن الناس جاءت في القرآن والسُّنَّة ويُراد بها الخصوص، {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [سورة آل عمران 173].

ما فيه إشكال، قد يُراد بها واحد. {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [سورة آل عمران 173] واحد. نعيم بن مسعود..

المقدم: نعم، ما الذي يجعلنا نحملها على هذا؟

السياق يُحدد، يعني يمتنع في الآية {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [سورة آل عمران 173] إن الناس كلهم جاؤوا ليقولوا للنبي- عليه الصلاة والسلام- وهو واحدٌ من الناس.

المقدم: وهنا ما يمتنع؟ أحسنَ الله إليك.

لا شك أن الشُّراح يقولون: المراد من الناس هنا: المُسلمون، فهو من العام الذي أُريدَ به الخصوص. لكن ما الذي يمنع أن الناس نزل الخير في بلادهم ويعيش فيه من غير المُسلمين؟ اللهمَّ إذا قلنا: إن المراد بالخير خير الآخرة لا خير الدنيا. وأما إذا حملناه على عمومه «بِخَيْرٍ»، لا سيما وأن النكرة في سياق النفي يشمل خير الدنيا والآخرة. وإذا قلنا بالعموم، قلنا: إن الخير عام لخير الدنيا والآخرة، يدخل فيه غير المسلمين.

فلا شك أن الخير إذا نزل عمَّ، كما أن الشر إذا نزل قد يعُم.

«بِخَيْرٍ»: الخير خلاف الشر، وجمعه خيور وخيار، مثل: بحر وبحور وبحار. ومنه خيار المال؛ لكرائمه. والأنثى خيره، بالهاء والجمع: خيرات، مثل: بيضه وبيضات. والمُراد بذلك: ما يعُم خير الدنيا والآخرة ببركة اتباع النبي- عليه الصلاة والسلام- بتعجيل الفطر.

«مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» زاد أبو ذرٍ في حديثه «وأخروا السحور» [أخرجه أحمد].

و«مَا» ظرفيَّة، أي: مُدة فعلهم ذلك؛ امتثالاً للسُنَّة، واقفين عند حدها، غير مُتنطعين بعقولهم ما يُغيِّر قواعدها.

المقدم: تأخير السحور، ما جاء في الصحيحين أبدًا يا شيخ؟

جاء، لكن في هذا السياق.

«مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» لأنه بلفظه، حديث أبي ذر: «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَروا السحور» بلفظه.

و«مَا» ظرفيَّة، أي: مُدة فعلهم ذلك؛ امتثالاً للسُنَّة، واقفين عند حدها، غير مُتنطعين بعقولهم ما يُغيِّر قواعدها.

زاد أبو هريرة في حديثه بيان العلة؛ «لأن اليهود والنصارى يؤخرون»، يعني يؤخرون الفِطر، أخرجه أبو داوود وابن خزيمة وغيرهم.

العلة نصَّ عليها؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون فلابد من مخالفتهم.

وتأخير أهل الكتاب له أمد، يؤخرون إلى متى؟ إلى ظهور النجم.

وقد روى ابن حبان والحاكم من حديث سهل بن سعد، بلفظ: «لا تزال أمتى على سُنتي، ما لم تنتظر بفطرها النجوم».

قال ابن بطَّال: قال المُهلَّب: إنما حضَّ- عليه الصلاة والسلام- على تعجيل الفطر؛ لئلا يُزاد في النهار ساعةٌ من الليل، فيكن ذلك في فروض الله.

يعني حدود الله- جلَّ وعلا- مُحددة بأول وآخر، فلا يجوز أن يُزاد فيها ولا يُنقص.

قال: ولأن ذلك أرفق بالصائم وأقوى له على الصيام.

وقد روى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يَزَالُ الدينُ ظاهرًا، ما عجَّل الناس الفِطْر؛ لأنَ اليهودَ يؤخرون».

وقال عمر بن ميمون الأودي: كان أصحابُ محمد أسرع الناس فطرًا، وابطأهم سحورًا.

وقال سعيد بن المُسيب: كتب عُمَر إلى أمراء الأجناد: لا تكونوا مسبوقين بفطركم، ولا مُنتظرين بصلاتكم اشتباك النجوم.

هذه النصوص كلها فيها الحث على تعجيل الفِطر وتأخير السحور.

وأما ما ذكره الإمام مالك في ((موطأه)): عن ابن شهابٍ عن حُميد بن عبد الرحمن: أن عُمَر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يُصليَّان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يُفطرا، ثمَّ يُفطران بعد الصلاة، وذلك في رمضان. هذا خرَّجه الإمام مالك في موطأه من طريق ابن شهاب عن حُميد بن عبد الرحمن: أن عُمَر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يُصليَّان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يُفطرا، ثمَّ يُفطران بعد الصلاة، وذلك في رمضان.

هذا يُشكِل أو ما يُشكِل؟

المقدم: يُشكِل وبوضوح.

نعم.

يقول الباجي في ((المُنتقى)): قوله: كانا يُصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود، يُريد حين كانا يريانه في أفق المشرق، وذلك عند غروب الشمس.

يعني يريان الليل الأسود قد أقبَل، يعني وقت الغروب.

المقدم: طيب والصلاة؟

وهو معنى قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ».

فكان عُمَر وعثمان إذا رأيا سواد الليل في أفق المغرب، تيقنا غروب الشمس. يشرعان في صلاة المغرب، يعني لا خلاف أن تعجيلها مشروع، فكانا يبدأن بالعبادة، فإذا فرغا من الصلاة أفطرا.

وليس هذا بتأخيرٍ للفِطر؛ لأن التأخير إنما كُرِهَ ممن أخره إلى اشتباك النجوم على وجه المبالغة، ولم يؤخر للمبادرة إلى عبادة.

المقدم: ما يقنع أبدًا يا شيخ.

يعني لو أخَّر إلى قُبيل اشتباك النجوم، عمل بالحديث أم لم يعمل؟

المقدم: ما عمل.

ما عمل بالحديث.

المقدم: أصل مجرد تقديمه الصلاة على الفِطر يُخالفه أحاديث أخرى.

نعم.

في ((الأم)) للإمام الشافعي، قال- رحمه الله-: كأنهما يريان تأخير ذلك واسعًا، لا أنهما يعمدان الفضل لتركه.

يعني لا أنهما يريان أن الفضل في ترك التعجيل، بعد أن أُبيحَ لهما وصارا مُفطرين بغير أكلٍ ولا شُرب؛ لأن الصوم لا يصلح في الليل، ولا يكون به صاحبه صائمًا وإن نواه.

كلام الإمام الشافعي- رحمه الله-، يقول: أفطرا...

المقدم: بمجرد دخول الليل.

بمجرد غروب الشمس، فالمبادرة حاصلة؛ لأنهما أصبحا مُفطرين والصوم لا يصلح في الليل، ولا يكون صاحبه صائمًا وإن نواه.

يعني لو استقام كلام الإمام- رحمه الله عليه- لما احتجنا لحديث الباب، كان الناس كلهم تعجلوا الفطر بغروب الشمس.

وجوابي عن هذا الخبر، قلتُ: رواية حُميد بن عبد الرحمن عن عُمَر مُرسلَّة، فهو يحكي قصةً لم يشهدها.

وروى ابن أبي شيبة وغيره عن أنس، قال: ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يُصلي حتى يُفطِر، ولو على شربةٍ من ماء.

في ترجمة حُميد بن عبد الرحمن من ((التهذيب))، يقول: حُميد لم يرَ عُمَر، ولم يسمع منه شيئًا. وسنه وموته يدلُّ على ذلك. ولعله قد سمع من عثمان؛ لأنه كان خاله. توفي سنة خمسٍ وتسعين، وهو ابن ثلاثٍ وسبعين. يكون ولد سنة كم؟ ولِد سنة اثنين وعشرين، وعُمَر استشهد سنة ثلاثة وعشرين.

المقدم: ما أدركه.

ما أدركه قطعًا.

المقدم: يعني أدركه طفلاً ما يصير.

سنة واحدة.

المقدم: ما تُحْسَب.

ولا تصح الرواية قبل خمس على أقل تقدير.

قال ابن سعد: وقد سمعت من يقول: إنه توفي سنة خمسٍ ومائة، وهذا غلط.

يعني كونه توفي سنة خمسة ومائة، يقول ابن سعد: هذا غلط.

يعني على أقل تقدير توفي سنة خمس وتسعين، وعمره ثلاث وسبعين، يعني ولد قبل استشهاد عُمَر- رضي الله تعالى عنه- بسنةٍ واحدة.

يقول ابن حجر: قلتُ: هو- يعني أنه توفي سنة خمسة ومائة، هو القول.. الذي قال عنه ابن سعد: غلط- هو قول الفلَّاس وأحمد بن حنبل وإسحاق الحربي وابن أبي عاصم وخليفة بن خياط ويعقوب بن سفيان.

وفي كتاب الكلاباذي، قال الذُّهْلي: حدثنا يحيى- يعني ابن معين- قال: مات سنة خمسٍ ومئة.

يعني إذا كان عمره ثلاثة وسبعين، ومات سنة خمسة ومائة.

المقدم: ما ولد إلا بعد عُمَر.

نعم، يكون ميلاده سنة اثنتين وثلاثين. وعثمان- رضي الله تعالى عنه – سنة كم؟

طالب: ......

لا، عمر هذا.

المقدم: عمر اثنين وعشرون.

هذا عمر ثلاثة وعشرون.

وعثمان؟ خمسة وثلاثون؟ في حدود خمسة وثلاثين.

قلتُ- ابن حجر، الكلام مازال لابن حجر- قلتُ: إن صحَّ ذلك على تقدير ما ذُكِرَ في سنهِ، فروايته عن عُمر منقطعة قطعًا، وكذا عن عثمان وأبيه.

يعني ما سمع، لا من أبيه عبد الرحمن بن عوف، ولا من عُمَر ولا من عثمان.

وقال أبو زرعة: حديثه عن أبي بكرٍ وعلي- رضي الله عنهما- مُرسل.

فإذا كان حديثه مُرسَل عن علي، فمن بابٍ أولى أن يكون عن عُمَر وعثمان.

وهذا كافٍ في الجواب، يعني إذا بيَّنا أن الخبر مُنقطع، لا يثبُت ولا نحتاج إلى ما قاله الباجي ولا الإمام الشافعي ولا غيره. فلا نتكلَّف مثل هذا الجواب.

في ((شرح ابن بطَّال)) يقول: وليس ما رواه مالك في ((الموطأ))، يعني عن عُمَر وعثمان، آنف الذكر بمخالفٍ لما روي من تعجيل الفطر؛ لأنهما إنما كانا يُراعيان أمر الصلاة وكانا يُعجلان الفطر بعدها من غير كثرة تنقل، لما جاء من تعجيل الفِطر، ذكره الداودي.

يعني قريب من كلام الباجي.

يقول: وليس ما رواه مالك في ((الموطأ))، يعني عن عُمَر وعثمان، آنف الذكر بمخالفٍ لما روي من تعجيل الفطر؛ لأنهما إنما كانا يُراعيان أمر الصلاة وكانا يُعجلان الفطر بعدها، يعني بعد الصلاة، يعني هذا لا يُخالف ما جاء عن الحث على التعجيل.

المقدم: بلى.

يُخالف، مثل ما قلنا الباجي.

من غير كثرة تنقل، لما جاء من تعجيل الفِطر، ذكره الداودي.

حقيقةً العبارة: كانا يُصليان، وكانا تدلُّ على الاستمرار. وإلا لو كانت مثلاً: أحيانًا، فيكون مثل هذا لعذر، لم يكن بين أيديهما ما يُفطران به، ونويا الفِطر مع غروب الشمس وتناولا ما يُفطِّر حقيقةً بعد الصلاة، كان الأمر أخف.

لكن التعبير ب(كانا) في الأصل يدلُّ على الاستمرار.

وعلى كل حال، قلتُ: إذا كان الخبر ضعيفًا للانقطاع، فلا داعي لتكلُّف الجواب عنه.

قد يقول قائل مثلاً: لماذا نتكلَّف الجواب وهذه أخبار موقوفة على فرض صحتها لا يُخالف بها ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ لكنها أخبار لو كانت ثابتة عن خليفتين راشدين، أمرنا باقتفاء سنتهما، ومع ذلك إذا جاء عن الخلفاء الراشدين ما يُخالف ما ثبت عن النبي- عليه الصلاة والسلام- فالعبرةُ بالمرفوع، ويبقى أن الحث باتباع سُنَّة الخلفاء الراشدين، «عَليكم بسُنتي، وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» إنما هو في مسألةٍ ليس فيها شيءٍ من المرفوع. أما إذا ثبت شيءٌ من المرفوع، فلا كلام لأحد كائنًا من كان.

يقول ابن عباس: يوشك أن تُنزَّل عليكم حجارةً من السماء، أقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقولون: قال أبو بكرٍ وعُمَر؟

فلا معارضة لقوله- عليه الصلاة والسلام- بقول أحدٍ كائنًا من كان. مهما بلغت منزلته، ولو كان أبا بكرٍ وعُمَر.

ولا يُظَن بأبي بكرٍ وعُمَر أنهما على اطلاعٍ من فعله أو أمره أو حثه، ثمَّ يخالفان، أبدًا!. نعم، قد يخفى عليهما ما يوجد عند غيرهما من صغار الصحابة، قد يخفى. أو يُفتيان بخلافه؛ لمعارضٍ راجحٍ عندهما.

كما لو قال في سائر أقوال أهل العلم، من سادة الأمة وأئمتها، فمثل هذا لا يُعارض المرفوع به.

على كل حال، هو غير ثابت؛ لأنه لا يثبت سماع لحُميد بن عبد الرحمن، لا عن عُمَر ولا عن عثمان، ولا عن أبيه أيضًا.

فإذا كان الخبر ضعيفًا، فلا داعي لتكلُّف الجواب عنه.

يقول ابن حجر: اتفق العلماء على أن محل ذلك، يعني التعجيل إذا تُحقق غروب الشمس بالرؤية. يقول: محل ذلك، يعني التعجيل إذا تُحقق غروب الشمس بالرؤية، أو بإخبار عدلين وكذا عدل واحد في الأرجح.

ما معنى هذا الكلام؟

يقول: بعض الناس يسمع الحث على التعجيل، ثمَّ تحمله المبادرة في الامتثال.

المقدم: إلى التعجيل في النهار.

نعم إلى التعجيل قبل حلول وقت الفِطر. بعض الناس من طبعه العجلة، ثمَّ إذا سَمِع مثل هذا الخبر، زاده ذلك.

وبعض الناس الذين ليس لديهم احتياط لدينهم، يستغلون مثل هذه النصوص. فتجد النصوص التي فيها التيسير والتسهيل، تجده يلج من خلال هذه النصوص إلى سعةٍ لا يؤيدها شرعٌ ولا عقل.

نعم، التيسير سمة هذه الشريعة، شريعتنا، ولله الحمد، والتسهيل. لكن بعض الناس هو بطبعه يُريد أن يتخفف من التكاليف، ثمَّ بعد ذلك يلج.

فإذا سمع مثل هذا التعجيل، حمله ذلك على ما يوافق نفسه إلى أن يُفطِر قبل غروب الشمس.

أما من يتحقق الغروب فيُبادر، فهذا هو المُتّبع، لا بد من التحقق.

وبعض الناس يحمله الحرص على أن يتأخر بزعمه الاحتياط، فيقع في مُخالفة النصوص الصحيحة الصريحة المُستفيضة، التي قال ابن عبد البرِّ: إنها صحاحٌ متواترة.

يقول: اتفق العلماء على أن محل ذلك، يعني التعجيل إذا تُحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين وكذا عدلٌ واحدٌ في الأرجح.

يعني الاختلاف بين عدل وعدلين.

المقدم: هذا شاهدان وهذا شاهد واحد.

يعني ما مرد الاختلاف؟

لما قلنا: هلال رمضان يثبت بواحد، وخروجه لابد من اثنين. فهل إخباره بإنقضاء وقت الصيام مثل بداية الشهر أو مثل نهايته؟

اسمع ما يقول، يقول: أو بإخبار عدلين وكذا عدلٌ واحدٌ في الأرجح. هذا سببه إلحاق هذه المسألة بالشهادة أو بالإخبار؟

المقدم: هذا من باب الإخبار، إخبار.

لماذا؟ لأنه لا يترتب عليه شيء من حقوق الآدميين، لكن لو ترتب عليه شيء من حقوق الآدميين مع ملاحظة العبادة، لطلبنا ما يُحتاط لحقوق الآدميين، مثل خروج الشهر. خروج الشهر شهادة، ودخوله إخبار؛ لأن هذا عبادة محضة دخوله، وخروجه يترتب عليه حلول ديون وما أشبه ذلك، فأُلحِق بالشهادة. على أن دخول الشهر وخروجه، الأصل فيه أنه شهادة. لكن باعتبار أن الناس يحتاطون لدينهم ولا يكذبون على غيرهم في هذا الباب؛ لئلا يَضلَّوا ويُضلُّوا بمجرد خبرٍ كاذب، قيل بالفرق بين دخول الشهر وخروجه، والمرد في ذلك أولاً وآخرًا على ما ثبت في إثبات دخول الشهر بواحد، كما دلَّت على ذلك الأحاديث.

المقدم: أحسنَ الله إليك، بعض الناس يا شيخ، خصوصًا العامة الآن، في مسألة التعجيل، يعمد المؤذن إلى أن يأخذ معه تمرة، وهذا موجود في مساجدنا مُلاحظ، فيأكل ثمَّ يؤذن، يقول: هذا من باب التعجيل. بل بعضهم يُنكِر على المؤذن إذا أذن قبل أن يأكل.  لها أصل هذه يا شيخ؟

هو إذا تأكد المؤذن من غروب الشمس، يُبادر إذا غابت الشمس؛ لأن الفِطر ليس مربوطًا بأذان، اللهمَّ إلا أن الأذان علامة على غروب الشمس.

المقدم: لكن ليس من حق الناس عليه هو أن يؤذن، أليس الأصل فيه هو أن يقوم بالأذان ثمَّ يُفطِر؟ يعني العبادة مُتحققة في حقه الأذان وليس الفِطر، المُفترض.

هو مُطالب كغيره بالتعجيل، وكونه يأكل تمرة أو شيئًا من هذا ما يؤخر على الناس. ويُلاحظ التفاوت بين المؤذنين أكثر من هذا.

المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة.

نستكمل بإذن الله في حلقةٍ قادمة، وأنتم على خير.

شكرًا لطيب مُتابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.