شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (335)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى لقاء جديد في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

في بداية لقائنا نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: تذكير الإخوة والأخوات الحديث الذي نحن بصدده هو مائة واثنين وثلاثين بحسب المختصر، مائة وثمانية وستين بحسب الأصل،  وهو حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله»، توقفنا عند عبارة «وفي شأنه كله» نستكمل، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

 ففي قوله: «في شأنه كله» كلام طويل مضى أكثره، بقي النقل عن القسطلاني يقول: قوله «وفي شأنه كله» كذا في رواية أبي الوقت، وفي بواو العطف، وهو من عطف العام على الخاص، يعني بإثبات الواو ما فيه أدنى إشكال مما سبق؛ لأنه يكون من باب عطف العام على الخاص، وفائدة عطف العام على الخاص أو العكس عطف الخاص على العام: الاهتمام بشأن الخاص، والعناية به؛ لأنه يدخل في العام، لو قال: في شأنه كله دخل التنعل والترجل والطهور وغيرها، لكن ذكر العام بعد الخاص وعطف العام على الخاص أو العكس عطف الخاص على العام يكون من أجل الاهتمام بشأن هذا الخاص والعناية به؛ لأنه حينئذٍ يكون مذكورًا مرتين على سبيل الإفراد، ثم على سبيل كونه فردًا من أفراد العام.

 «وفي شأنه كله» كذا في رواية أبي الوقت، وفي بواو العطف، وهو من عطف العام على الخاص، ولغيره، يعني رواية الأكثر: «في شأنه» بإسقاطها، وهو جائز عند بعضهم، حيث دلت عليه قرينة أو هو بدل من الثلاث السابقة بدل اشتمال، والشرط في بدل الاشتمال أن يكون المبدل منه مشتملًا على الثاني أو متقاضيًا له بوجهٍ ما، أو هو بدل من الثلاثة السابقة بدل اشتمال.

 تقدم في كلام الكرماني أن الشرط في بدل الاشتمال أن لا يكون هناك جزئية ولا كلية علاقة غير الجزئية والكلية، وهنا العلاقة الجزئية والكلية، فلا يصلح أن يكون بدل اشتمال على ما قرروه سابقًا، وهنا يقول: أو هو بدل من الثلاثة السابقة بدل اشتمال، والشرط في بدل الاشتمال أن يكون المبدل منه مشتملًا على الثاني أو متقاضيًا له بوجهٍ ما، وها هنا كذلك على ما لا يخفى متقاضيًا له، يعني هل الشأن متقاضيًا لما ذكر قبله؟ بينهما ارتباط، بينهما علاقة؟ بينهما علاقة، لكنها ليست...

المقدم: علاقة واضحة يعني ليست علاقة كلية.

ليست علاقة كلية، هي صحيح ما ذكر بعضًا من المجمل المؤكد بالكل، وهذا كلام طويل لا نحتاج إلى إعادته، والشرط في بدل الاشتمال أن يكون المبدل منه مشتملًا على الثاني أو متقاضيًا له بوجهٍ ما، وها هنا كذلك على ما لا يخفى، وإذا لم يكن المبدل منه مشتملًا على الثاني يكون بدل الغلط، أو هو بدل كل من كل كما نقله في الفتح عن الطيبي، كيف يكون بدل كل من كل والتنعل والترجل والطهور بعض الشأن؟ كيف يكون بدل كل من كل؟ تقدم في كلام الطيبي أن التنعل...

المقدم: يكون باليمين.

لا، يكون بالرجل، والترجل بالرأس، والطهور أشمل، يعني يشمل بقية الجسد، فيكون الكل، ويكون على هذا التأويل مطابقًا لقوله: «في شأنه»، فيكون بدل كل من كل على ما تقدم.

 يقول الكرماني: قوله «كله» فإن قلت: كيف كان هذا التأكيد وقد استُحب التياسر في بعض الأفعال كدخول الخلاء وخروج المسجد ونحوهما؟ قلت: على تقدير الجواب الشائع هذا السؤال ساقط عن أصله، واختُص ذلك بالأدلة الخارجية، الجواب الشائع أن هذا من العموم الذي أُريد به الخصوص، أو العموم الذي دخله الخصوص؛ لأن هناك أدلة تدل على التياسر في بعض الأشياء غير المستحبة.

 يقول: قلت: على تقدير الجواب الشائع أن هذا من العموم المخصوص أو العموم الذي أُريد به الخصوص هذا السؤال ساقط عن أصله، واختُص ذلك بالأدلة الخارجية يقول: وما من عامٍّ  إلا وقد خُصص إلا {والله بكل شيء عليم}. طيب ماذا عن قوله: {والله على كل شيء قدير}، وغيرها من العمومات المتعلقة بالله- جل وعلا-، نعم قيل: إنه ما من عام وقد دخله التخصيص إلا والله بكل شيء عليم، شيخ الإسلام-رحمه الله تعالى- نقل هذا الكلام أنه قال به بعض المتكلمين، ثم نظر في سورة الفاتحة وورقة واحدة من سورة البقرة، واستخرج منها العمومات التي لم يدخلها التخصيص، فحصل من ذلك عدد كبير عمومات لم يدخلها التخصيص وهذا ذكره في الفتاوى، إلا والله بكل شيء عليم أو ما استُحب فيه من التياسر ليس من الأفعال المقصودة، بل هي إما تُروك، وإما غير مقصودة، فيكون الشأن المقصود كله يستحب فيه التيمن، وغير المقصود لا يدخل في هذا؛ لأنه لا يسمى شأنًا.

 يقول: فإن قلت: مسح الأذنين مثلًا لا يستحب فيه التيامن ولا التياسر. قلت: وهو أيضًا خارج بالدليل، هل يمسح الأذن اليمنى قبل اليسرى؟ يمسحهما معًا، يقول: قلت وهو أيضًا خارج بالدليل وإن لم  يمكن الجمع بينهما في المسح كما في حق الأقطع فيستحب فيه تقديم مسح الأذن اليمنى، شخص مقطوع اليد اليسرى أو مقطوع اليد اليمنى لا يمكن أن يمسحهما دفعة واحدة، فماذا يصنع؟ «يعجبه التيمن» يرجع إلى هذا فيمسح الأذن اليمنى قبل اليسرى، ويكون داخلًا في الحديث، أما إذا أمكن مسحهما دفعة واحدة فالدليل على أنهما يُمسحان دفعة واحدة، وقلنا في الخف؛ من أهل العلم من يرى أنهما يُمسحان دفعة واحدة، هذا قول معروف، لكن إذا قلنا: إن البدل له حكم المبدل، والرجل اليمنى تُغسل قبل اليسرى، فينبغي على هذا أن تمسح الخف اليمنى قبل الخف اليسرى.

 يقول النووي- يعني في إعجابه التيمن-: هو فيما كان من باب التكريم والتشريف كدخول المسجد والأكل، وما كان بضده كالخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء يستحب فيه التياسر، وذلك كله؛ لكرامة اليمين وشرفها. يقول الكرماني: أقول: ولهذا قال- صلى الله عليه وسلم-: «لا يبصق أحد في المسجد عن يمينه» ما كان من باب التكريم والتشريف كدخول المسجد يُستحب فيه..

المقدم: التيامن.

التيامن، والأكل «كل بيمينك»، والعلة؛ لأن الشيطان يأكل ويشرب بشماله، وابتُلي كثير من المسلمين بالأكل بالشمال، ومعظم المطاعم والفنادق..

المقدم: يضعون الملعقة باليسار أو الشوكة باليسار.

أبدًا اقترنت أفعالها بالشمال، دخول المسجد ينبغي أن يكون باليمين، تقدم رجلك اليمنى يدخل الأيمن قبل الأيسر، لكن قد يرد على هذا مما يجعل المفوق فائقًا، مما يجعل المفوق وهو التأخر عمن كان عن يساره مثلاً يقدم اليسار على اليمين في الدخول مثلاً في دخول المسجد قد يجعل هذا الأمر، وإن كان في الأصل مفوقًا إلا أنه فائق، لو قدم إلى المسجد الأب مع ابنه، وكان الابن هو اليمين.

المقدم: والأب على يساره.

والأب على يساره، هل نقول: قدم اليمين، ونقول: هذا إيثار بالقرب، والإيثار بالقرب مكروه عند أهل العلم على حسب درجاتها، أو نقول: إن الأب عرض له ما يجعله فائقًا، ما يجعل تقديمه فائقًا من الإيثار المتعلق بالبر، والبر شأنه عظيم، يفوق مسألة تقديم الأيمن، وقل في مثل هذا في كل من كان له حق، نعم يمين الصف جاء الحث عليه، لكن هل معنى هذا أن يسار الصف يُترك؟ لا، فلا شك أن القرب من الإمام أيضًا... 

المقدم: أولى.

مزية ولها فضل، فيُقدم على البعيد ولو كان يمين الصف، ولذا لا يجوز هجر شمال الصف، جاء في الحديث عند ابن ماجه، وفيه كلام ضعيف «من عمَّر شمال الصف كان له كفلان من الأجر»، لا شك أن هجران شمال الصف ليس بمرضي ولا شرعي، وإلا لو كان الأمر كذلك فإن المصلين كلهم يكونون عن يمين الإمام لقلنا: إن الإمام لا يتوسط المأمومين، يكون في الطرف ليكونوا كلهم عن يمينه، والسنة دلت على خلافه. فقد يعرض للمفوق ما يجعله فائقًا.

المقدم: لكن كيف أضبط المستحبات في هذا الشأن، هل العادات تدخل في هذا؛ لأن هذا مثار نزاع الآن، عند الدخول على الأبواب... يمين يمين، من أين أُخذ هذا؟ إذا دخل إنسان مجلسًا.

ما فيه شك، يقدم الأيمن فالأيمن، لكنه من المباحات فيُقدم..

المقدم: لكن النص فيها ظاهر شيخ.

 وما كان في معناها.

المقدم: هل يؤثر على النبي- صلى الله عليه وسلم- يعني نُقل عنه -عليه الصلاة والسلام- في ترجله وتنعله، ونُقل عنه أنه يعطي من على يمينه الإناء؟ لم يُنقل أنه قدم أحدًا عند الدخول باليمين، مع أنها حاجة ملحة وتأتي كل وقت؟

أهل العلم يقولون: قد يتعارض تقديم اليمين مع كبِّر كبِّر، ابن حجر يقول: إذا ترتبوا فاليمين، إذا لم يترتبوا كبِّر كبِّر.

المقدم: هذا يتطرد على كل شيء؟

في كل شيء.

المقدم: دخلت على مجلس أسلم على اليمين أم أذهب للأكبر.

كبر، إذا وُجد كبير تقدم الكبير؛ لأن الساقي قصد النبي-عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه الكبير، والكبر هنا أعم أن يكون في السن.

المقدم: طيب قدمنا الكبير للنص.

نعم.

المقدم: لوجود النص.

لوجود النص، إذا صار غير مرتب، الأصل في مثل الإناء أن يُبدأ بالكبير، كما بُدئ بالنبي- عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك من على يمين هذا الكبير، لا على يمين الساقي، الساقي إذا شرب يعطيه من على يمينه، لكن إذا أعطاه الكبير فمن عن يمين الكبير؛ لأن هذا يشكل على بعض الناس، ترى في بعض المجالس من يصب مثلاً شايًا أو قهوة، فيعطي الكبير، ثم يبدأ بيمينه هو، من يمين الصابّ، يعني عن يسار الآخذ، هذا ليس بصحيح، بدليل أن -صلى الله عليه وسلم- لما شرب أعطى من عن يمينه، فيكون البداءة من عن يمينه، نعم إذا شرب الصابّ قبل يعطي من عن يمينه، كما فعل النبي-عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: في حال اللبس هذا أيضًا الاستحباب؛ لورود النص.

نعم، مثل النعل، والثوب مثله، يبدأ باليمين؛ لأنها أشرف، فتكون اليمين أول ما تُستر، أول ما تُوقى من حر أو برد، وتكون الشمال آخر، وفي النزع العكس.

المقدم: في الأخذ والعطاء؟

في الأخذ والعطاء يكون باليمين أيضًا، يكون باليمين، لكن يرد أحيانًا بعض الناس يتصرفون تلقائيًّا من غير نظر ولا روية، فتجده يأخذ المبخرة باليمين، المجمرة، ثم بعد ذلك يطيب شقه الأيسر؛ لأن المجمرة باليمين فتلقائيًّا يطيب اليسار، لكن ينبغي له أن يأخذها باليمين ثم يضعها بالشمال فيطيب شقه الأيمن قبل الأيسر. 

المقدم: على اعتبار أننا في حلقات ماضية قلنا: الاستجمار حمله بعضهم على الجمر.

نعم هذا موجود، هذا في الوتر، وما كان بضده كالخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء يستحب فيه التياسر؛ وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها، قال الكرماني: أقول لهذا قال- صلى الله عليه وسلم-: «لا يبصق أحد في المسجد عن يمينه»، هل هذا خاص بالمسجد أو جاء في اليمين مطلقًا؟ إذا كانت العلة ولهذا قال: إنه لا يتقيد بالمسجد، المسجد لا يُبصق لا عن يمينه ولا عن شماله ولا تحت قدمه ولا خلفه؛ لأن البصاق في المسجد خطيئة، لكن إذا بصق في المسجد يبصق عن شماله، فيتقي اليمين، ويتقي جهة القبلة أيضًا؛ لتكريمها.

 في شرح ابن بطال يقول: قال المهلب: فيه فضل اليمين على الشمال، ألا ترى قوله- عليه الصلاة والسلام- حاكيًا عن ربه «وكلتا يديه يمين»، وقال تعالى: {فَأَّمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} وهم أهل الجنة، وقال- عليه الصلاة والسلام-: «لا يبصق أحد في المسجد عن يمينه» فهذا كله يدل على فضل الميامن. «كلتا يديه يمين» هذا النص الصحيح الثابت فيه إثبات اليدين لله-جل وعلا-، وفيه أيضًا أن كلتا اليدين على حد سواء في الشرف، ليست إحداهما فاضلة، والأخرى مفضولة، ظاهر أم ليس بظاهر؟ لكن جاء ما يدل على وصف إحدى اليدين باليمين والأخرى بالشمال، ما جاء يأخذ كذا بيمينه، وكذا بشماله، جاء ذلك، فكيف نوفِّق بينه وبين هذا الحديث؟

المقدم: توفيق أهل العلم على أن المقصود بكلتا يديه يمين شرف لله -سبحانه وتعالى-.

ما فيه أنهما في جهة واحدة، لا.

المقدم: لكن الشرف.

فهما في الشرف واحد، لا مزية لإحداهما على الأخرى، وإن كانت إحداهما في الجهة الشمال، والأخرى في الجهة اليمين، وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}. [سورة الانشقاق 7] وهم أهل الجنة، وقال- عليه الصلاة والسلام-: «لا يبصق أحد في المسجد عن يمينه» فهذا كله يدل على فضل الميامن، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}. [سورة الانشقاق 7] هؤلاء هم أهل الجنة، أما من أوتي كتابه بشماله فهم أهل النار، "وأما من أوتي كتابه وراء ظهره" فمن هم؟

المقدم: هم أهل الشمال، لكنهم يعطونها بشمالهم من وراء ظهورهم.

ابن حزم في مقدمة المحلى في القسم الأصلي العقدي من المحلى يقول: إن أهل اليمين هم أهل الجنة، وأهل الشمال هم أهل النار، ومن يعطى كتابه وراء ظهره يعني منزلة بينهما، فهم من العصاة الموحِّدين، لكن لا أعرف له سلفًا في هذا.

 وبدؤه- عليه الصلاة والسلام- بالميامن في شأنه كله- والله أعلم- هو على وجه التفاؤل من أهل اليمين باليمين؛ لأنه- عليه السلام- كان يعجبه الفأل الحسن، وقوله -عليه السلام-: «وكلتا يديه يمين» أراد أن ينفي النقص عنه -عز وجل-؛ لأن الشمال أنقص من اليمين، نعم إذا اتصفت بوصف نقص فهي أنقص، لكن إذا كانت مساوية لليمين في الشرف كما في «وكلتا يديه يمين» فلا مانع أن تكون إحداهما يمينًا، والأخرى شمالًا، كما جاء في النص الآخر.

 روى الإمام أحمد بسند فيه راوٍ مبهم من حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كانت يمين رسول الله-صلى عليه وسلم- لطعامه وصلاته، وكانت شماله لما سوى ذلك»، رواه الإمام أحمد في المسند بسند فيه راوٍ مبهم عن رجل من حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كانت يمين رسول الله- صلى عليه وسلم- لطعامه وصلاته، وكانت شماله لما سوى ذلك»، هذا في المسند، وله طرق في المسند وغيره، وكلها لا تخلو من مقال، وبمجموعها يصل الحديث إلى درجة الحسن لغيره.

 وقال ابن حجر: في الحديث استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن في الترجل، والغسل، والحلق، إذا أراد أن يغسل شعره يبدأ بالشق الأيمن، إذا أراد أن يترجل، يسرح شعره يبدأ بالشق الأيمن، إذا أراد الحلق بدأ بشقه الأيمن، ولا يقال: هو من باب الإزالة، ما يقال: إن الحلق من باب الإزالة.

المقدم: والإزالة فيها اليسار أولى.

ولا يقال: هو من باب الإزالة، فيُبدأ فيه بالأيسر، بل هو من باب العبادة والتزيين، وقد ثبت الابتداء بالشق الأيمن في الحلق كما سيأتي قريبًا، هذا كلام ابن حجر، أيضًا مثله لا يقال: إن التسوك لأنه جاء في سواكه: يعجبه التيمن «وفي سواكه».

المقدم: لا يقال: إن التسوك بالإزالة. لا يقال: إنه من باب الإزالة، لكن هناك خفاء في التسوك من جهة اليمين والتسوك باليد اليمين، هو من جهة إزالة، ومن جهة عبادة يظهر هذا فيما إذا كان الفم غير متغير هو عبادة، وإذا كان الفم متغيرًا فهو إزالة، إزالة قذر.

المقدم: فيبدأ بالشمال في هذه الحالة؟

لا، التسوك عمومًا الفم يبدأ فيه باليمين، وإن كان من باب الإزالة إلا أنه عبادة وتزيين كما في الحلق بالنظر إلى كونه إزالة وإزالة وسخ تُباشر هذه الإزالة باليد الشمال، يعني فرق بين الشق اليمين..

 الآن نأتي إلى الحلق، يبدأ بالشق اليمين؛ لأنه عبادة وتزيين، لكن الحلاق يحلق باليمنى أم باليسرى؟ إذا كان يحسن ويستطيع الحلق باليسرى يحلق باليسرى، نظير التسوك باليسرى، وقل مثل هذا الذبح باليمين؛ لأنه عبادة، وإن كان سفك دم ومباشرة لنجاسة مثلاً، لكن إذا كان لا يستطيع أن يذبح باليمين؛ لكونه أيسر يذبح بالشمال؛ لأن هذه الأمور كلها ليست على سبيل الوجوب، وإنما هي من باب الاستحباب.

 وفيه البداءة بالرجل اليمنى في التنعل، وفي إزالتها باليسرى، وفيه البداءة باليد اليمنى في الوضوء، وكذا الرجل، وبالشق الأيمن في الغسل، واستُدل به على استحباب الصلاة عن يمين الإمام، وفي ميمنة المسجد، وفي الأكل والشرب باليمين وقد أورده المصنف في هذه المواضع كلها، أورده في كتاب الصلاة وأورده في كتاب اللباس، وأورده في كتاب الأطعمة، أورده كما سيأتي في أطرافه، وقد أورده المصنف في هذه المواضع كلها.

 وفي حاشية التاودي بن سودة المغربي، هذا كتاب مطبوع في المغرب قبل مائة سنة، وهو كتاب نادر؛ لأنه لم يصور، لكنه طبع في بعض المطابع التجارية أخيرًا فيستفاد من هذه الطبعة.

 في حاشية التاودي بن سودة المغربي المتوفى سنة تسعٍ ومائتين وألف، متأخر نقل عن خليل صاحب المختصر المشهور: ويقدم يسراه دخولًا، ويمناه خروجًا، يعني في ماذا في المسجد، أم في محل قضاء الحاجة؟

المقدم: الأظهر أنه في قضاء الحاجة.

في محل قضاء الحاجة، ويمناه خروجًا، عكس مسجد، يعني كما قال في الزاد وغيره: يقدم اليسرى دخولًا، واليمنى خروجًا عكس مسجد ونعل، والمنزل يقدم يمناه بهما، دخولًا وخروجًا..

المقدم: لأنه لا يقاس على المسجد

لأنه ليس بمسجد ولا حوش، واستثنوا من ذلك ثلاثًا الركاب للراكب ولبس الخاتم على الراجح، وأنه يأخذها باليمين، ويجعلها في يده اليسرى، والخلاف في كون الخاتم باليمين أو الشمال معروف، وجاءت فيه الأحاديث.

 والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم.

 أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نلقاكم بإذن الله في حلقة قادمة، وأنتم على خير شكرًا لطيب المتابعة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.