شرح العقيدة الطحاوية (62)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين، قال الإمام الطحاوي- رحمه الله تعالى-:

وَالْعَرْضِ وَالْحِسَابِ، وَقِرَاءَةِ الْكِتَابِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ". 

ونؤمن، الأصل يعني.

طالب: أي نعم.

ونؤمن بالبعث والعرض والحسابِ، معطوف على مجرور، أي نعم، ما هو مضبوط عندك؟

طالب: لا ما ذكرت

انظر الدرس الماضي: ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال إلى أن قال: والعرض والحساب وقراءة الكتاب.

طالب: أقرأها من جديد يا شيخ؟

لا، لكن ممكن تقرأ مضبوطًا.

طالب: هل هو كلام مستأنف

لا ما هو مُستأنف، هو معطوف على ما تقدم.

"وقراءة ُ الكتاب".

كلها مجرورة، والعرضِ والحساب وقراءةِ الكتاب.

أحسن الله إليك

"وَالْعَرْضِ وَالْحِسَابِ، وَقِرَاءَةِ الْكِتَابِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ قَالَ تَعَالَى: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةٌ *وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ* وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الْحَاقَّةِ: 15 - 18 ] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ  وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} [الانْشِقَاقْ:6-15]."

 وَقَالَ تَعَالَى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الكَهْفِ:48]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكَهْفِ:49]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبْرَاهِيمَ:48] إلى آخِرِ السُّورَة.

وَقَالَ تَعَالَى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} [غافر:15] الآية، إِلَى قوله: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:17]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البَقَرَةِ:281]

 وَرَوَى الْبُخَارِيُّرَحِمَهُ اللَّهُ- فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ  أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الِانْشِقَاقِ: 7 - 8 ] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ»، يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ نَاقَشَ فِي حِسَابِهِ لِعَبِيدِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى يَعْفُو وَيَصْفَحُ. وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ زِيَادَةُ بَيَانٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى".

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المصنف -رحمه الله تعالى-: والعرضِ والحسابِ: أي ونؤمن أيضًا بالعرض والحساب والإيمان به من متطلبات الإيمان باليوم الآخر؛ لأنه ما الفائدة من البعث إذا لم يُعرض الناس ويُحاسَبون على أعمالهم ويُجزون بها؟ هذه هي الثمرة من هذا البعث ليُجازَى كل عامل بعمله، المحسن يجد ثواب عمله، والمسيء يجد جزاء عمله، إن لم يعفُ الله عنه، والعرضِ والحسابِ وقراءةِ الكتاب: حين يُعطى الناس كتبهم بأيمانهم وشمائلهم ومن وراء ظهورهم {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 7-8]  من أوتي كتابه بيمينه هذا ناجٍ، هذا الناجي، وهم أهل اليمين، أهل الجنة، خلاف من أوتي كتابه بشماله من الكفار والمنافقين، يعني المؤمنون يُعطَون الكتاب باليمين، وأما بالنسبة للكفار والمنافقين فيُعطَون كتبهم بشمائلهم، فماذا عن الفساق، هل يُعطَون كتبهم بأيمانهم أو بشمائلهم؟ يقول ابن حزم: "هم الذين يعطون الكتاب من وراء ظهورهم"، ولا أعرف أحدًا قال بذلك غير ابن حزم، والظاهر أنهم بعد أن يهذبوا وينقوا يُعطون كتبهم بأيمانهم، ويدخلون الجنة بعد أن يُحاسبوا على سيئاتهم وما اقترفوه من محرمات، فإنهم حيئنذِ ينجون، وقراءةِ الكتاب والثوابِ والعقابِ: الثواب هو الثمرة، ثمرة عامل الحسنات، والعقاب ثمرة عامل السيئات، ثم أورد الشارح –رحمه الله تعالى- الآيات الدالة على ذلك، فذكر قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ *} [الحاقة:15-17] إلى آخر السورة.

ثمانية من الملائكة العظام، بعضهم يقال أوعال كما جاء في بعض الروايات الضعيفة، ولكن حديث الأوعال ضعيف، لكنهم ملائكة شداد كرام، وحصل من بعض الغلاة من الطوائف من زعم ذلك لمتبوعه، حصل للإسماعيلية أنهم حملوا سيدهم على عرش، حمله ثمانية منهم وكتبوا الآية عليه –نسأل الله السلامة والعافية- { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:17-18]، الشاهد هنا العرض، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ}، وجاء في هذه الآية نص قطعي على ثبوت العرض ثم قال في آخر السورة:{يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } [الانشقاق:6-8]،، { تُعْرَضُونَ } في الآية الأولى والثانية: { حِسَابًا يَسِيرًا }، { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا }، وسيأتي استشكال أم المؤمنين عائشة على حديث: «من نوقش الحساب عُذّب»، استشكلت –رضي الله عنها- المناقشة والمحاسبة التي نتيجتها حتمًا العذاب، «من نوقش الحساب عُذِّب»، ذكرت ذلك للنبي –عليه الصلاة والسلام- كيف يُعذَّب والله –جل وعلا- يقول: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 7-8]؟ هل سوف يعذب وهو سوف يحاسب، ثبت الحساب في حقه، فهل يعذب مثل هذا؟ هذا إشكال من أم المؤمنين عائشة، فكشفه النبي –عليه الصلاة والسلام- وقال لها: «ذلك العرض» {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، بخلاف الحساب الذي نتيجته العذاب فهذا حساب من نوع آخر، مناقشة، «من نوقش الحساب»، ما من شخص نوقش إلا نتيجته العذاب، لماذا؟ لأنه مهما عمل وبذل من الحسنات لو يُناقش هذه الحسنات كلها التي عملها في جميع عمره ما تعادل نعمة من نعم الله –جل وعلا- فماذا عن باقي النعم إذا حُوسب ونُوقش بسببها حتمًا سيعذّب، {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 8-9]، في الآيات الأخرى {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19]، يفرح {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق:9]، لاشك أنه سوف يطلعهم على النتيجة، وشاهد ذلك في الأمور العادية اليسيرة عندنا الطلاب في المدارس الذي يأخذ درجات عالية يطير من الفرح، وتطوى له الأرض بحسب سرعته؛ ليصل إلى أهله؛ ليريهم نتيجته {اقْرَءُوا} بخلاف الضعيف، الضعيف إذا قيل له: أين الشهادة؟ قال: ما وُزّعت بعد، ما وزّعت الشهادة، وهو مزقها وقطعها.

طالب:...

 {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} يعني يعرض عرضًا لا يناقش.

طالب:...

 هذا مجرد عرض وليست مناقشة بدليل حديث عائشة: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} [الانشقاق:10-11]، هذا الذي قال فيه ابن حزم إنه للعصاة لا للكفار والمنافقين، فهو يرى أن ما وراء الظهر منزلة بين المنزلتين، بين اليمين والشمال، {وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق:12]

طالب:....

نعم؛ لأنها شديدة.

{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا* وَيَصْلَى سَعِيرًا* إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق: 11-14]، يعني يرجع، إنه ظن أن لن يُبعث، وهذا ليس في حق العصاة، وإنما في حق الكفار، {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} [الانشقاق:15]، {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الكهف:48]، { وَعُرِضُوا } الشاهد في ذلك العرض، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا}[الكهف:49] قراءة الكتاب والعرض والحساب وقراءة الكتاب، {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا}[الكهف:49] متى يقولون هذا الكلام؟ بعد قراءة الكتاب، {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:49]، { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء:40]، {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48]، {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48] إذا جاء الجبار لفصل القضاء ثم قال: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} [غافر:15] الآية إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:17]، قد يقول قائل: حساب ومناقشة للخلائق من أولهم إلى آخرهم، كم يحتاج من وقت؟ المدرس إذا أخذ كراسات الإجابة وقد تكون مائة أو تزيد أو تقل ينتهي أسبوع وما كمل التصحيح، وهؤلاء الخلائق من أولهم إلى آخرهم من آدم إلى أن تقوم الساعة، كم أعدادهم؟ بالمليارات، قد يقول قائل مثل هذا الكلام أو يخيل إليه أن هذه الأعداد الهائلة تحتاج إلى وقت طويل، ولذا قال: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:17]، {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281].

قال: وروى البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس أحد يحاسَب يوم القيامة إلا هلَك، فقلت: يا رسول الله! أليس قد قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:7-8]؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنما ذلكِ -يا عائشة- العرض،  إنما ذلكِ العرض»؛ لأن إنَّ مكفوفة عن العمل، وعلى كل حال لو كانت عاملة هو الخبر لكن هي مكفوفة «وليس أحدٌ يناقش الحساب يوم القيامة إلا عُذب» يعني لو ناقش في حسابه لعبيده لعذَّبهم وهو غير ظالمٌ لهم، قد يقول قائل: إن هذا عام، رجل صالح يعمل الحسنات، ويجتنب السيئات منذ أن ولد ومنذ أن كُلِّف إلى أن مات لو نُوقش يعذّب؟

طالب:...

ما دخل الجنة بعمله، وإنما دخل الجنة برحمة أرحم الراحمين؛ لأنه لو ناقشه ووضع السمع والبصر وبقية النعم التي لا يقوم الإنسان بشكرها مهما لهج بالحمد والثناء والشكر واستعمل جوارحه بما يرضي الله لا يكون شكر على الوجه المطلوب، لكن مع ذلك يعترف بالتقصير ويستغفر عن الزلات، ويتوب إن كان هناك خطايا وسيئات، ثم تشمله رحمة أرحم الراحمين، وإلا فقد جاء عنه –عليه الصلاة والسلام- أنه قال: « ما من أحد منكم يدخل الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته»، فماذا حينئذ عن قوله -جلا وعلا- { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [النحل:32]، يعني بعملكم تدخلون الجنة، قالوا: الدخول برحمة أرحم الراحمين، والمنازل بحسب العمل في الجنة، يعني أنه لو ناقش بحسابه لعبيده لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولكنه تعالى يعفو ويصفح، وسيأتي لذلك زيادة بيان، إن شاء الله تعالى.

 "وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَال: «إِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ يَوْمِ الطُّورِ؟» وَهَذَا صَعْقٌ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، إِذَا جَاءَ اللَّهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِ، فَحِينَئِذٍ يَصْعَقُ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ.

الخلائقُ، نائب فاعل.

"نعم، فحينئذٍ يصعق الخلائق كلهم".

طالب: يصعق يا شيخ أم يصعقون؟

يصعق يعني يغشون، يغمى عليهم، يحصل حالة صعق.

  "فَحِينَئِذٍ يَصْعَقُ الْخَلَائِقُ كُلُّهُم فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَصْنَعُونَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، فَأَجِدُ مُوسَى بَاطِشًا بِقَائِمَةِ الْعَرْشِ» قِيلَ: لَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ وَرَدَ هَكَذَا، وَمِنْهُ نَشَأَ الْإِشْكَالُ. وَلَكِنَّهُ دَخَلَ منه عَلَى الرَّاوِي حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ، فَرَكَّبَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، فَجَاءَ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ هَكَذَا: أَحَدُهُمَا: «إِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ»، كَمَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فَدَخَلَ عَلَى الرَّاوِي هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْآخَرِ. وَمِمَّنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، وَبَعْدَهُ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ، وَشَيْخُنَا الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ ابْنُ كَثِيرٍ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ-، وَكَذَلِكَ اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ، فَقَالَ: فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-؟"

يعني هل صُعق موسى كغيره وأفاق قبل النبي –عليه الصلاة والسلام- أو لم يُصعق أصلًا، وجُوزي بصعقة الطور حينما تجلى الله -جل وعلا- للجبل فـ { جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ} [الأعراف:143]، فكون موسى له هذه المزية، وأنه يفيق قبل النبي –عليه الصلاة والسلام- لا يعني أنه أفضل منه –عليه الصلاة والسلام- فالدلائل القطعية تدل على أن محمدًا –عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلائق، وكون موسى يفيق قبله وكون إبراهيم يُكسى قبله –عليه الصلاة والسلام- لا يعني أنهما أفضل منه؛ لأن الفضيلة أو المنقبة الواحدة والمناقب اليسيرة لا ترجح بالمناقب الكثيرة التي ليس لأحدٍ منها أقل القليل بالنسبة له –عليه الصلاة والسلام-، وهذا أمرٌ معروف ومقرر، يعني ما في فضائل ومزايا ومناقب رجح فيها عمر على أبي بكر؟ نعم فيه، لكن أيهما أفضل؟ أبو بكر لكثرة فضائله بالنسبة لفضائل عمر، وأقول مثل ذلك فيمن دونهم.

طالب:...

اختلط عليه

طالب:..

البخاري خرج ما هو صحيح إلى من نُسب إليه كما قالوا في حديث ابن عباس، وأن النبي –عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة وهو مُحرم، قالوا مقطوع بأن ابن عباس قال هذا الكلام وعلى شرط مسلم، كون الراوي وهم، ابن عباس وهم، هذا لا يعني البخاري، المقصود أن هذا حاصل بسند كالشمس على شرط البخاري.

  وَالْمَحْفُوظُ الَّذِي تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ الْمَعْنَى الصَّحِيحُ، فَإِنَّ الصَّعْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِتَجَلِّي اللَّهِ لِعِبَادِهِ إِذَا جَاءَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، فَمُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِنْ كَانَ لَمْ يُصْعَقْ مَعَهُمْ، فَيَكُونُ قَدْ جُوزِيَ بِصَعْقَةٍ يَوْمَ تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ فَجَعَلَهُ دَكًّا، فَجُعِلَتْ صَعْقَةُ هَذَا التَّجَلِّي عِوَضًا عَنْ صَعْقَةِ الْخَلَائِقِ لِتَجَلِّي الرَّبِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَعْنَى الْعَظِيمَ وَلَا تُهْمِلْهُ. "

كما أن إبراهيم –عليه السلام- أول من يُكسى يوم القيامة مجازاة له لمَّا جرده الكفار لإلقائه في النار، كان أول من يكسى يوم القيامة –عليه السلام-.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يوجد أوهام، من يعرى من الخطأ والنسيان؟

طالب: ترد عن البخاري؟

 لا ما ترد عن البخاري.

 "وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ" 

ابنُ

أحسن الله إليك.

"وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:  «يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ، فَعَرْضَتَانِ جِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَعَرْضَةُ تَطَايُرِ الصُّحُفِ، فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَحُوسِبَ حَسِابًا يَسِيرًا، دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ، دَخَلَ النَّارَ».

 وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: أَنَّهُ أَنْشَدَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا:

وَطَارَتِ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي مُنَشَّرَةً
.

 

 فِيهَا السَّرَائِرُ وَالْأَخْبَارُ تُطَّلَعُ

فَكَيْفَ سَهْوُكَ وَالْأَنْبَاءُ وَاقِعَةٌ
.

 

عَمَّا قَلِيلٍ، وَلَا تَدْرِي بِمَا تَقَع
.

 أَفِي الْجِنَانِ وَفَوْزٍ لَا انْقِطَاعَ لَه
.

 

أَمِ الْجَحِيمِ فَلَا تُبْقِي وَلَا تَدَعُ"
.

الجحيمِ، عطف

أحسن الله إليك


.
"....................................

 

 أَمِ الْجَحِيمِ فَلَا تُبْقِي وَلَا تَدَعُ

تَهْوِي بِسَاكِنِهَا طَوْرًا وَتَرْفَعُهُمْ 
.

 

إِذَا رَجَوْا مَخْرَجًا مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا
.

طَالَ الْبُكَاءُ فَلَمْ يُرْحَمْ تَضَرُّعُهُمْ
.

 

فِيهَا، وَلَا رِقَّةٌ تُغْنِي وَلَا جَزَعُ
.

 لِيَنْفَعِ الْعِلْمُ قَبْلَ الْمَوْتِ عَالِمَهُ
.

 

قَدْ سَالَ قَوْمٌ بِهَا الرُّجْعَى فَمَا رَجَعُوا
.

" طالب....

على الخلاف

طالب:...

الصعق: صعق الموت ثم صعقة الفزع ثم صعقة الموت ثم صعقة البعث.

طالب....

على القول بأنها ثلاث، وأن الأدلة تدل على أنها ثلاث.

 "وَقَوْلُهُ:وَالصِّرَاطُ، أَيْ: وَنُؤْمِنُ بِالصِّرَاطِ، وَهُوَ جِسْرٌ عَلَى جَهَنَّمَ، إِذَا انْتَهَى النَّاسُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِمْ مَكَانَ الْمَوْقِفِ إِلَى الظُّلْمَةِ الَّتِي دُونَ الصِّرَاطِ، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ: أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ؟ [إبراهيم:48]، فَقَالَ: هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ». وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَفْتَرِقُ الْمُنَافِقُونَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَتَخَلَّفُونَ عَنْهُمْ، وَيَسْبِقُهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَيُحَالُ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِمْ".

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، وَقَالَ: فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى دُونَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ ( ذَلِكَ) مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ، يُضِيءُ مَرَّةً وَيُطْفَأ مَرَّةً، إِذَا أَضَاءَ قَدَّمَ قَدَمَهُ، وَإِذَا طُفِئَ قَامَ..»". 

ماذا يعني وقف، من الأصل قائم، لكن قام يعني وقف.

طالب:...

تأخير دخولهم الجنة

طالب:...

 يؤخرون هذه المدة، في رواية مائة وعشرين، وفي رواية أربعون، والجمع بين هذه الروايات باختلاف أحوال الفقراء فهم متفاوتون وأحوال الأغنياء فهم متفاوتون، فبين أفقر الناس وأغنى الناس خمسمائة عام، ثم بعد ذلك الوسط من مائة وعشرين إلى أربعين، المقصود أن نؤمن بما جاء في هذا الباب من النصوص كلها، ولا نضرب بعضها ببعض، والأصل أن الله سريع الحساب، هذا الأصل.

طالب:...

 النفخات التي يحصل منها الصعق

طالب:....

ثلاث.

طالب:....

والفزع { فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} [النمل:87]، هي ثلاث.

 "قَالَ: فَيَمُرُّ وَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ، دَحْضٌ، مَزِلَّةٌ، فَيُقَالُ لَهُمْ: امْضُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالطَّرْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّجُلِ، ويَرْمُلُ رَمَلًا، فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ،حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ، تُجَرُّ يَدٌ، وَتَعْلَقُ يَدٌ". 

طالب:...

في رواية تخر؟

 "وَتُجَرُّ رِجْلٌ، وَتَعْلَقُ رِجْلٌ، وَتُصِيبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ، فَيَخْلُصُونَ، فَإِذَا خَلَصُوا قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْكِ بَعْدَ أَنْ أَرَانَاكِ، لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا»، الْحَدِيثَ. 

 وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بِالْوُرُودِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مَرْيَمَ: 71 ]، مَا هُوَ؟ وَالْأَظْهَرُ وَالْأَقْوَى أَنَّهُ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مَرْيَمَ: 72 ]. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَلِجُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [ مَرْيَمَ: 71]"

الورود لا يعني الدخول، بدليل أن الإبل وسائر الدواب ترد المياه، لكن هل يلزم من ذلك دخولها؟ لا يلزم.

 "فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِيهِ قَالَ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}[مَرْيَمَ: 72 ]. أَشَارَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَنَّ وُرُودَ النَّارِ لَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَهَا، وَأَنَّ النَّجَاةَ مِنَ الشَّرِّ لَا تَسْتَلْزِمُ حُصُولَهُ، بَلْ يَسْتَلْزِمُ انْعِقَادَ سَبَبِهِ، فَمَنْ طَلَبَهُ عَدُوُّهُ لِيُهْلِكُوهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْهُ، يُقَالُ: نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْهُم".

ولا يلزم ذلك أن يكونوا قد أمسكوه وأوثقوه وأقدموا على ضرب عنقه مثلًا ثم نجاه الله، لا يلزم من ذلك إذا لم يتمكنوا منه وفاتهم نجاه الله منهم.

"وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا} [هُودٍ:58] {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا}[هُودٍ: 66 ] {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا} [هُودٍ: 94 ]. وَلَمْ يَكُنِ الْعَذَابُ أَصَابَهُمْ، وَلَكِنْ أَصَابَ غَيْرَهُمْ، وَلَوْلَا مَا خَصَّهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ لَأَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ أُولَئِكَ ".

لأن الأسباب قد انعقدت والعقوبة إذا حصلت عمت، الصالح والطالح، ثم بعد ذلك يبعثون على نياتهم، لكن هؤلاء الأنبياء نجاهم الله –جل وعلا- كما قال عندكم في الكتاب، ولم يكن العذاب لهم، ولكن أصاب غيرهم، ولولا ما خصهم الله به من أسباب النجاة لأصابهم ما أصاب أولئك؛ لأن الأسباب انعقدت، والعقوبات إذا نزلت عمت، ولكن هؤلاء الأنبياء خصهم الله –جل وعلا- بأسباب خاصة من أسباب النجاة.

 "وَكَذَلِكَ حَالُ الْوَارِدِ فِي النَّارِ، يَمُرُّونَ فَوْقَهَا عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَيَذْرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا. فَقَدْ بَيَّنَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ: أَنَّ الْوُرُودَ هُوَ الْمرور عَلَى الصِّرَاطِ. 

وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ الْوَائِلِيُّ".

أبو نصر الوائلي السجستي من سجستان.

 "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلِّمِ النَّاسَ سُنَّتِي وَإِنْ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ لَا تُوقَفَ عَلَى الصِّرَاطِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى تَدَخُلَ الْجَنَّةَ، فَلَا تُحْدِثَنَّ فِي دِينِ اللَّهِ حَدَثًا بِرَأْيِكَ» أَوْرَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ".

وأورده القرطبي في التذكرة، وعلى كل حال الحديث أورده أيضًا ابن الجوزي في الموضوعات.
"وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «تَقُولُ النَّارُ لِلْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: جُزْ يَا مُؤْمِنُ، فَقَدْ أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي» .

 وهو أيضًا ضعيف.

"وَقَوْلُهُ: "وَالْمِيزَانُ " أَيْ: وَنُؤْمِنُ بِالْمِيزَانِ. قَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الْأَنْبِيَاءِ: 47 ]. وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[الْمُؤْمِنُونَ: 102 - 103 ]"

جاء ذكر الميزان والموازين بالجمع، ويختلف أهل العلم هل هو ميزان واحد أو موازين متعددة للجميع أو لكل واحد موازين؟ قالوا: جمع الموازين باعتبار تعدد الموزونات، كما جمع المياه، الفقهاء يقولون: باب المياه، والماء اسم جنس يعم القليل والكثير، فلا يحتاج إلى جمع، قالوا جمع نظرًا لتعدد أنواعه.

طالب:...

والمشارق والمغارب المقصود أن الموازين جُمعت لتعدد الموزونات، ولذلك المؤلف قال الميزان ما قال موازين.  

"قَالَ الْقُرْطُبِيّ:ُ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِذَا انْقَضَى الْحِسَابُ كَانَ بَعْدَهُ وَزْنُ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ لِلْجَزَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ، فَإِنَّ الْمُحَاسَبَةَ لِتَقْرِيرِ الْأَعْمَالِ، وَالْوَزْنَ لِإِظْهَارِ مَقَادِيرِهَا؛ لِيَكُونَ الْجَزَاءُ بِحَسَبِهَا".

أنكر بعض طوائف البدع كالمعتزلة وجود الموازين وقالوا إنها موازين معنوية، ظهور النتائج لأعمال الخلائق كأنها وُزنت وقُررت وانتهت فهو ميزان معنوي وليس بحسي، وأهل السنة على أنه ميزان حسي له كِفتان كما سيأتي، وأولئك -نسأل الله العافية- حكموا العقل وقالوا: إن الله ليس بحاجة إلى وزن ليعرف النتيجة، ولكن فرق بين أن تكون النتيجة غيبًا وبين أن تكون في عالم الشهود { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ } [النساء:165] 

 "قَالَ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}" 

من الناس من أهل الخرص، يخرصون الزروع والثمار فلا تزيد ولا تنقص، هم أهل خبرة، وجرب فيهم ذلك فهم يخرصون من أجل الزكاة، لا تزيد ولا تنقص، هذا شيء مقرر مجرب لكن لو أردت أن تشتري من أحد منهم  تكتفي بالخرص أو تقول له اوزن خلني أشوف؟ ولو كان ثقتك به بالغة ما بلغت، لكن تريد أن ترى بعينك ليس الخبر كالمعاينة.

"يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَوَازِينُ مُتَعَدِّدَةٌ تُوزَنُ فِيهَا الْأَعْمَالُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَوْزُونَاتِ، فَجَمَعَ بِاعْتِبَارِ تَنَوُّعِ الْأَعْمَالِ الْمَوْزُونَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 

وَالَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ: أَنَّ مِيزَانَ الْأَعْمَالِ لَهُ كِفَّتَانِ حِسِّيَّتَانِ مُشَاهَدَتَانِ. "

كِفتان بكسر الكاف تثنية كِفة، يقول العلماء كل مستدير كِفة، وكل مستطيل كُفة بالضم، كِفة الميزان مستديرة، فهي كِفة، وكُفة الثوب مستطيلة فهي كُفة.

أحسن الله إليك،

"رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إِنَّ اللَّهَ سَيُخْلِص رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدُّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ قَالَ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ؟ فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ، لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، فَيَقُولُ أَحْضِرُوهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَمَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيُقَولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، قَالَ: فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ، وَلَا يَثْقُلُ شَيْءٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ »."

 يعني لا يرجح شيء بشيء فيه ذكر الله –جل وعلا- لا سيما كلمة التوحيد، وهذا حديث البطاقة معروف عند أهل العلم، وكلامهم فيه كثير، والترمذي وغيره حسنه، والله المستعان.

 "وَهَكَذَا رَوَاه التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ: «وَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ». وَفِي سِيَاقٍ آخَرَ: « تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ فَيُوضَعُ فِي كِفَّةٍ»، الْحَدِيثَ.

وَفِي هَذَا السِّيَاقِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْعَامِلَ يُوزَنُ مَعَ عَمَلِه، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

عليه الصلاة والسلام.

 "قَالَ: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ»"

مما يدل على أن صاحب العمل أيضًا يوزن مثل عمله.

طالب:....

أن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله خالصة من قلبة، لابد من الإخلاص، ولابد من الإتيان بمتطلباتها، وألا ينقضها ما ينافيها.

طالب:....

لا، كل من جاء بها مخلصًا خالصة من قلبه حرمه الله على النار، لكن لها شروط ولها موانع ولها أشياء كغيرها.

إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ» وَقَالَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الْكَهْفِ:105] 

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّهُ كَانَ يَجْنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِمَّ تَضْحَكُونَ؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ» 

 وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ أَيْضًا بِوَزْنِ الْأَعْمَالِ أَنْفُسِهَا، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ» الْحَدِيثَ".

لا شك أن الأعمال معاني وليست أجسامًا، لكن الله –جل وعلا- قادر على أن يحولها إلى أجسام توزن وتثقل في الميزان.

"وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ خَاتِمَةُ كِتَابِ الْبُخَارِيِّ، قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ». 

وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «يُؤْتَى بِابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُوقَفُ بَيْنَ كِفَّتَيِ الْمِيزَانِ، وَيُوَكَّلُ بِهِ مَلَكٌ، فَإِنْ ثَقُلَ مِيزَانُهُ، نَادَى الْمَلَكُ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ: سَعِدَ فُلَانٌ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا، وَإِنْ خَفَّ مِيزَانُهُ، نَادَى الْمَلَكُ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ: شَقِيَ فُلَانٌ شَقَاوَةً لَا يَسْعَدُ بَعْدَهَا أَبَدًا»

فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مُلْحِدٍ مُعَانِدٍ يَقُولُ: الْأَعْمَالُ أَعْرَاضٌ لَا تَقْبَلُ الْوَزْنَ".

ماذا قال الشيخ عن الحديث، ضعيف؟

طالب: موضوع.

هو من أحاديث كتاب العقل لابن المحبر، وهذا الكتاب بل جميع أحاديثه من الموضوعات، لكن النتيجة صحيحة من ثقلت موازينه لاشك أنه سعيد، ومن خفت موازينه لاشك أنه شقي.

 "فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مُلْحِدٍ مُعَانِدٍ يَقُولُ: الْأَعْمَالُ أَعْرَاضٌ لَا تَقْبَلُ الْوَزْنَ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُ الْوَزْنَ الْأَجْسَامُ! فَإِنَّ اللَّهَ يَقْلِبُ الْأَعْرَاضَ أَجْسَامًا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَبْشًا أَغَبر، فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَالُ، يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، وَيَرَوْنَ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ، فَيُذْبَحُ، وَيُقَالُ: خُلُودٌ لَا مَوْتَ»".

يعني يقال لأهل الجنة: خلود فلا موت، ويقال لأهل النار أيضًا: خلود فلا موت.

"وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ. فَثَبَتَ وَزْنُ الْأَعْمَالِ وَالْعَامِلِ وَصَحَائِفِ الْأَعْمَالِ، وَثَبَتَ أَنَّ الْمِيزَانَ لَهُ كِفَّتَانِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْكَيْفِيَّاتِ".

 هذا في حدود ما ورد عن الله ورسوله –عليه الصلاة والسلام-، وما وراء ذلك من تفصيلات جاءت بها بعض الأخبار والآثار الإسرائيلية والأحاديث الموضوعة هذه لا يُلتفت إليها.

"فَعَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ، كَمَا أَخْبَرَنَا الصَّادِقُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ. 

وَيَا خَيْبَةَ مَنْ يَنْفِي وَضْعَ الْمَوَازِينِ الْقِسْطِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا أَخْبَرَ الشَّارِعُ، لِخَفَاءِ الْحِكْمَةِ عَلَيْهِ، وَيَقْدَحُ فِي النُّصُوصِ بِقَوْلِهِ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْمِيزَانِ إِلَّا الْبَقَّالُ وَالْفَوَّالُ! وَمَا أَحَرَاهُ بِأَنْ يَكُونَ مِنَ الَّذِينَ لَا يُقِيمُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي وَزْنِ الْأَعْمَالِ إِلَّا ظُهُورُ عَدْلِهِ سُبْحَانَهُ لِجَمِيعِ عِبَادِهِ، فَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. فَكَيْفَ وَوَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ مَا لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ، لَمَّا قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 30 ]. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }[الْإِسْرَاءِ: 85 ]

وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ ذِكْرِ الْحَوْضِ كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّرَحِمَهُ اللَّهُ-، أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلَ الْمِيزَانِ، وَالصِّرَاطَ بَعْدَ الْمِيزَانِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: « أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا عَبَرُوا الصِّرَاطَ وَقَفُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ». 

 وَجَعَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ هَذِهِ الْقَنْطَرَةَ صِرَاطًا ثَانِيًا لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، وَلَيْسَ يَسْقُطُ مِنْهُ أَحَدٌ فِي النَّارِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ".

يعني بعد أن يجاوزوا الصراط العام الذي يُنصب لجميع الخلائق، يجاوزه المؤمنون فيقفون على هذه القنظرة يُهذّبون ويُنقون وتُؤخذ المظالم من بعضهم لبعض، ولذلك قال في كلام القرطبي إن الحوض قبل الميزان والصراط بعد الميزان، الصراط بعد الميزان يعني بعد ظهور النتائج يعبرون الصراط.

طالب:...

يريد القنطرة، كأنه يريد القنطرة.

اللهم صلَّ وسلم على عبدك ورسولك.

"