هدي النبي في رمضان (03)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحلقة الثالثة.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله وأهلاً وسهلاً بكم إلى هذه اللقاءات في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصيام، هذا البرنامج الذي نستضيف فيه فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله ونرحب بفضيلته في مطلع هذا اللقاء فأهل وسهلا بكم يا شيخ.

حياكم الله وباركم فيكم وفي الإخوة المستمعين.

فضيلة الشيخ في مطلع حديثه أعني ابن القيم -رحمة الله تعالى- عليه عن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصيام أورد جملة من الحِكم التي شرع الله -سبحانه وتعالى- هذه العبادة من أجلها وذكر أن من حِكم فرضية الصوم أنه أن هذا الجوع والضمأ يكسر من حدّة وسَورة النفس يذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، يضيق مجاري الشيطان وغير ذلك مما أورد ومن ذلك قوله وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها وأورد كلام الحقيقة طويل حول هذا هذه الحكم لو تفضلتم وفقكم الله للحديث عن هذه الحكم وما أورده -رحمة الله تعالى عليه-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين:

نعم ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الفصل الأول من فصوله في الصيام أورد بعض الحكم الدينية والبدنية الدينية والصحية والنفسية وغيرها فذكر أن الصيام يحبس النفس عن الشهوات ويفطمها عن المألوفات ويعدل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وتقبل ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية وأنه يكسر الجوع والضمأ فيذكر بأحوال المحتاجين من الفقراء والمساكين ويضيق مجاري الشيطان من العبد تضييق مجاري الطعام والشراب إلى غير ذلك من الحكم التي أبداها -رحمة الله عليه- وفي النهاية قال هو من أكبر العون على التقوى، وهذه في الحقيقة أعظم الحكم؛ لأن الله -جلَّ وعلا- يقول:             البقرة: ١٨٣  ولأهمية هذه العلة وهذه الحكمة جاءت منصوصًا عليها في القرآن مذيلاً بها آية إيجاب الصيام، فالصيام خير معين على التقوى؛ لأنه يعد نفس الصائم لتقوى الله تعالى بترك شهواته المباحة الميسورة امتثالاً لأمره سبحانه واحتسابًا لثوابه فتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة والصبر عنها، فيكون اجتنابها أيسر عليه وتنشط نفسه على النهوض بالطاعات ويصبر عليها، والتقوى هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي وأصلها التوقي مما يكره من الوقاية فالمتقي هو الذي يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية وقد سأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أبي بن كعب عن التقوى فقال له أما سلكت طريقًا ذا شوك؟ فقال بلى فقال فما عملت قال شمّرت واجتهدت قال فذلك التقوى، يقول القرطبي في تفسيره التقوى فيها جماع الخير وهي وصية الله للأولين والآخرين وهي خير ما يستفيده الإنسان كما قال أبو الدرداء وقد قيل له إن أصحابك يقولون الشعر وأنت ما حفظ عنك شيء فقال:

يريد المرء أن يؤتى مناه          .

 

ويأبى الله إلا ما أراد              .

يقول المرء فائدتي ومالي        

 

وتقوى الله أقوى ما استفاد        .

وفي هذا إشارة إلى تصحيح القصد بهذه العبادة فمن لم يصم بنية صالحة ويقصد بصيامه التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فإنه لا ترجى له هذه الملكة التقوى، فليس الصيام في الإسلام من أجل تعذيب النفس بل لتربيتها وتزكيتها والصيام أيضًا ينمي لدى الصائم ملكة المراقبة فهو يمتنع عن ملاذ الدنيا وشهواتها وما يمنعه من ذلك سوى اطلاع الله تعالى عليه ومراقبته له فلا جرم أنه يحصل له من تكرار هذه الملاحظة المصاحِبة للعمل ملكة المراقبة لله تعالى، والحياء منه سبحانه أن يراه حيث نهاه وفي هذه المراقبة من كمال الإيمان بالله تعالى والاستغراق في تعظيمه وتقديسه أكبر معد للنفوس ومؤهل لها لضبط النفس ونزاهتها في الدنيا ولسعادتها في الآخرة، والمراقبة كما قال ابن القيم في مدارج السالكين دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليه ناظر إليه سامع لقوله وهو مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة وكل نفس وكل طرفة عين والغافل عن هذا بمعزل ومن أدلتها قوله تعالى: ﮙﮚ البقرة: ٢٣٥  وقال -جلَّ وعلا-:     الأحزاب: ٥٢  قال -جلَّ وعلا-: ﭲﭳ الحديد: ٤  وقال تعالى: العلق: ١٤  وقال تعالى: غافر: ١٩  إلى غير ذلك من الآيات..، وفي حديث جبريل -عليه السلام- أنه سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإحسان فقال له أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والمراقبة كما قال ابن القيم هي التعبد لله -جلَّ وعلا- بأسمائه الرقيب والحفيظ والعليم والسميع والبصير فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة هذه فائدة معرفة الأسماء الحسنى هذه من فوائد معرفة الأسماء الحسنى التي  جاء التي جاء الحث على معرفتها والعمل بمقتضياتها، جاء في الحديث الصحيح: «إن لله تعالى تسعا وتسعين اسما مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة».

الإحصاء فضيلة الشيخ المقصود به هنا.

الإحصاء فهمها ومعرفتها ومعرفة ما تدل عليه والعمل بمقتضياتها كما هنا الرقيب.

ليس مجرد الحفظ.

لا لا ما هو مجرد الحفظ والتكرار؛ لأن بعض الناس يحفظها تسع وتسعين ويكررها وبعضهم نظمها يكرر هذا النظم يظن أنه يحصل على هذا الوعد هو لا يحصل على هذا الوعد إلا إذا عمل بمقتضياتها، من حكم الصيام تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة كالأشر والبطر والبخل وتعويدها الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس مما يرضي الله ويقرب لديه، ومن ذلك أنه يعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه ويذكره بعظيم نعم الله عليه ويذكره أيضًا بحاجة إخوانه الفقراء فيوجب له ذلك شكر الله سبحانه والاستعانة بنعمه على طاعته ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم فإنه عندما يجوع يتذكر من لا يجد قوتًا فيحمله التذكر على الرأفة والرحمة الداعيتين إلى البذل والصدقة وقد وصف الله -جلَّ وعلا- نبيه -عليه الصلاة والسلام- بأنه رؤوف رحيم ويرتضي لعباده المؤمنين ما ارتضاه لنبيه -عليه الصلاة والسلام- ولذلك أمرهم بالتأسي به ووصفهم بقوله ﭛﭜ الفتح: ٢٩  وكان -عليه الصلاة والسلام- أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان كما جاء في الحديث الصحيح، من فوائده التذكير بعدل الله -عز وجل- ومساواته بين خلقه حيث جعل هذا الركن فرضا على جميع المسلمين غنيهم وفقيرهم ملوكهم وسوقتهم وبذلك يتذكر الملوك العدل الذي فرض عليهم إقامته بين رعاياهم ومن ذلكم أنه وجاء للصائم ووسيلة لطهارته وعفافه وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم والصوم يضيق تلك المجاري ويذكر بالله وعظمته فيضعف سلطان الشهوة ويقوى سلطان الإيمان ولذلك وجه من لا يجد القدرة على النكاح إلى الصيام فقال -عليه الصلاة والسلام-: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»، الصيام له فوائد صحية يقضي على المواد الراسبة في البدن لا سيما أبدان المترفين أولي النهم في الأكل قليلي العمل فإنه يطهر البدن من الأخلاط الرديئة ويذيب الشحوم أو يحول دون كثرتها في الجوف وهي شديدة الخطر على القلب واعترف بذلك الكثير من الأطباء وعالجوا به كثيرًا من الأمراض وأما ما يروى عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا: «صوموا تصحوا» رواه ابن السني وأبو نعيم في الطب لكنه حديث ضعيف لا يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان معناه صحيحًا نعم من فوائد الصيام حفظ الصحة لكن ليس كل كلام صحيح تجوز نسبته على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يقله وكذلك ما يروى عنه -عليه الصلاة والسلام-: «المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء» هذا الحديث موضوع لا أصل له وإنما هو من قول الحارث بن كلدة طبيب العرب.

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ فضيلة الشيخ يحسن هنا أن نتوقف أيضًا عند مسألة الأخذ بالحكم والتعليل لكل ما يفرضه الله -سبحانه وتعالى- ويشرعه هناك من يقول ما لكم ولهذه الحكم يكفي من الحكمة أن الله -سبحانه وتعالى- فرض ذلك الأمر فالقول في مثل هذه الأمور يا شيخ يعني أو التوازن الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم في الأخذ بالحكم وتتبعها وأيضا في التسليم لله -عز وجل- ولرسوله فيما شرع.

الأصل في المسلم أنه ليس له خيرة فيما يفرضه الله عليه          الأحزاب: ٣٦  لكن لا يمنع -والدين ولله الحمد معقول العلل ماشٍ على المصالح دارئا للمفاسد- أن يبحث الإنسان على الحكمة التي يقنع بها من لا يقتنع إلا بها، لكن الأصل في المسلم أنه يرضى ويسلم لما يأتيه عن ربه سواء كان ذلك في كتابه أو على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- وهذا وحده كافي لكن من باب الدعم وإقناع من لا يقتنع إلا بالأمور العقلية المحسوسة، الشرع ولله الحمد جاء بالأحكام المقتضية للحكم والجالبة للمصالح العظيمة في أمور الدين والدنيا والله المستعان.

 

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفع بعلمكم إنه سميع مجيب أيها الإخوة المستمعون الكرام بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة -نسأل الله تبارك وتعالى- أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا ونتقدم في ختامها بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله ولكم أنتم مستمعينا الكرام نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة مقبلة شكرًا لمتابعتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"