شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (331)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى لقاء جديد في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع ضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم فضيلة الشيخ.  

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: مازلنا في حديث عبد الله بن عمر –رضى الله عنهما- نستكمل ما تبقى من هذا الحديث.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، ففي حديث ابن عمر في الجملة الأخيرة: «وأما الإهلال فإني لم أرَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته».

في الأسئلة الثلاثة وأجوبتها.

المقدم: الثلاثة؟

السابقة، هي أربعة؛ لأنه قال في الأول: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، أما الأركان «فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يمس إِلا الْيَمَانِيَّيْنِ، ورأيتك تلبس النعال السِّبْتِيَّة. وأما النعال السبتية...».

المقدم: «فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُ النِّعَالَ.. أو النعل، الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعْرٌ».

ورأيتك تصبغ، ثم قال...  

المقدم: وأما الصفرة، فإني رأيت رسول الله يصبغ.

«فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْبُغُ بِهَا»، والسؤال الرابع..

المقدم: وأما الإهلال.  

ورأيتك إذا كنت بمكة أهلّ الناس إذا رأوا الهلال، ولم تهل أنت، حتى كان يوم التروية، جوابه: وأما الإهلال، فإنى لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته.

ابن عمر قيل له: إنك لا تهل بالنسبة للحج حتى كان يوم التروية اليوم الثامن، ورأيتك إذا كنت بمكة أهلَّ الناس إذا رأوا الهلال، ورأيتك تهلُّ إذا كان يوم التروية. الآن في فعله -عليه الصلاة والسلام- الذي قاله نسبه إليه أو في تركه ما يدل للاحتمالين لفعل ابن عمر أو لفعلهم؟

المقدم: لفعل الجميع.

لابن عمر أو لغيره؟

المقدم: لأنه ما أشار، قال حتى تنبعث به راحلته.

لماذا؟ لماذا ما أجاب بالتحديد، ما قال: يهل من أول الشهر، أو في اليوم الثامن، لماذا؟ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- حج قارنًا، أهلَّ من الميقات واستمر على إهلاله إلى أن تحلّل يوم العيد، فلا يمكن المطابقة لا لفعلهم ولا لفعله، لكنه قال: وأما الإهلال، فإني لم أر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته، هل يكون الجواب مطابقًا أو غير مطابق؟

المقدم: غير مطابق.

ليست المطابقة من حيث التفصيل، المطابقة التفصيلية، لكن الرسول-صلى الله عليه وسلم- بغض النظر عن كونه أهل في هذا المكان أوفى ذاك المكان لكنه لم يلبِّ ولم يهل حتى انبعثت به راحلته، وأنا كذلك لا أهل يعني على لسان ابن عمر حتى تنبعث بي راحلتي، يعنى في يوم التروية، قال: وأما الإهلال بالحج والعمرة، لأنه الإهلال بأي شيء؟

المقدم: بالحج.

بما يعم الحج والعمرة، نعم السؤال أو الإشكال عن الحج.

المقدم: عن الحج في التروية.

لكن الجواب باعتبار أن ما نسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يشمل الحج والعمرة حتى تنبعث به راحلته.

قال الشراح: وأما الإهلال بالحج والعمرة، فإني لم أر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته أي تستوي قائمةً إلى طريقه.

والمراد ابتداء الشروع في أفعال المناسك وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد، وعرفنا أن جواب ابن عمر لا يطابق سؤال عبيد بن جريج الذي استغرب، الناس كلهم يهلون إذا رأوا الهلال، وأنت ما تهل إلا في اليوم الثامن، فأجاب ابن عمر بجواب إجمالي:  أنا تنبعث بي راحلتي إلى الحج بداية من اليوم الثامن الذي هو يوم التروية، أذهب إلى منى، وأباشر أعمال الحج بمقدمتها الذي هو اليوم الثامن، وإن كانت الأعمال تبدأ من نية الدخول في النسك، ثم الوقوف بعرفة.

والمراد ابتداء الشروع في أفعال المناسك، وهو مذهب الشافعي وأحمد ومالك، وقال أبو حنيفة: يحرم عقب الصلاة جالسًا، وهو قولٌ عندنا -يعنى عند الشافعية- لأن الذي يقوله القسطلاني لحديث الترمذي أنه -صلى الله عليه وسلم- أهلَّ بالحج حين فرغ من ركعتيه وقال حسن، وقال آخرون: الأفضل أن يهل من أول يوم ذي الحجة، انتهى من القسطلاني. الخلاف الأول مذهب الشافعي ومالك وأحمد يُحرم إذا ابتدأ الشروع في أفعال المناسك سواء كانت للحج أو للعمرة، وسواء كان الإحرام من الميقات أو من مكة إذا كان متمتعًا أو مكيًّا.

القول الأول: حين تنبعث به راحلته، وقال أبو حنيفة: يحرم عقب الصلاة جالسًا. يعني لما أحرم النبي- عليه الصلاة والسلام- اختلف الصحابة، وكلٌّ روى ما رأى، منهم من قال: أهل بالمسجد، ومنهم من قال: حين انبعثت به راحلته، ومنهم من قال: أهلّ بالبيداء، ومنهم من قال: عند الشجرة،  والجمع بينها أن كلًّا روى ما رأى.

من رآه أهل في المسجد بعد الركعتين ذكر ذلك، ومن لم يره أهل إلا بعد أن انبعثت به راحلته ذكر ذلك.

المقدم: اعتقد أن هذا أول إهلاله.

هذا أول شيء؛ لأن هذه أول رؤيته له.

وقال أبو حنيفة: يحرم عقب الصلاة جالساً، وهو قول عندنا، قاله القسطلاني. لحديث الترمذي أنه-صلى الله عليه وسلم- أهل بالحج حين فرغ من ركعتيه وقال: حسن، وقال آخرون: الأفضل أن يهل من أول يوم من ذي الحجة.

يعني هذا القول: قال آخرون: قسيم للقولين المتقدمين.

المقدم: لا.

الأول حين تنبعث به راحلته، والثاني يحرم عقب الصلاة، وقال آخرون: الأفضل أن يهل من أول يوم من ذي الحجة.

المقدم: تلك للأحوال، وهذه للزمن.

هذا للزمن نعم، وقال الكرماني: تنبعث به راحلته، انبعاثها كناية عن ابتداء الشروع في أفعال الحج.

قالوا: معنى انبعاثها استواؤها قائمةً.

قال المازري: إجابة ابن عمر- رضي الله عنهما- من القياس، حيث لم يتمكن من الاستدلال بنفس فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسألة بعينها، فاستدل بما في معناه؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- أهلّ حين انبعثت به راحلته.

وابن عمر متى يهل؟ إذا انبعثت به راحلته في اليوم الثامن، بغض النظر، يعني الرابط بين إهلال النبي- عليه الصلاة والسلام- وإهلال ابن عمر في انبعاث الراحلة، لا في الزمان ولا في المكان، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- بالنسبة للزمان أهل قبل دخول ذي الحجة بأربع ليال لأربع بقين من ذي القعدة،  وأهل من الميقات، ابن عمر أهلّ في اليوم الثامن، وأهلَّ من مكة، لكن الرابط بين فعليهما فعله- عليه الصلاة والسلام- وفعل ابن عمر أن الإهلال وقع بعد انبعاث الراحلة.

يقول المازري: إجابة ابن عمر من القياس لا من النص لا في الفعل ولا في الترك، نعم إجابة ابن عمر من القياس، حيث لم يتمكن من الاستدلال بنفس فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، هل يستطيع أحد أن يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهلَّ يوم التروية؟ لا.

المقدم: أبدًا.

لأنه باقٍ على إحرامه، لكن الصحابة الذين معه وأمرهم بالحل كله، وقلب إحرامهم من الحج إلى العمرة أهلوا يوم التروية.

المقدم: أهلوا يوم التروية.

بإقراره- عليه الصلاة والسلام-، لم يتمكن من الاستدلال بنفس فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسألة بعينها، فاستدل بما معناه، ووجه قياسه أن النبي- عليه الصلاة والسلام- إنما أحرم عند الشروع في أفعال الحج.

متى يشرع في أفعال الحج؟ المفرد والقارن.

المقدم: يوم التروية.

من الميقات؛ لأن الركن الأول من أركان الحج الإحرام، والآن إذا أهل معناه شرع في أفعال الحج.

وبالنسبة للمتمتع متى يشرع؟ إذا أهل بالحج، يعني انتهت أعمال العمرة، وحل الحل كله، ثم أراد أن يدخل في النسك الذي هو الحج، والسنة أن يحرم يوم التروية، ولو أخّره بحيث لا يفوته الوقوف حجه صحيح، ولو قدمه حجه صحيح، لكن السنة أن يحرم يوم التروية.

ووجه قياسه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أحرم عند الشروع في أفعال الحج والذهاب إليه، فأخَّر ابن عمر الإحرام إلى حال شروعه في الحج وتوجهه إليه، هؤلاء الصحابة الذين نسب إليهم عبيد بن جريج أنهم يهلون إذا رأوا الهلال يخرجون إلى منى؟

المقدم: لا.

يبقون في مكة، فوجه استدلال ابن عمر: إنني لا أهلُّ حتى أشرع في أفعال الحج وتنبعث بي راحلتي إلى.. 

المقدم: أفعال الحج.

ابتداء الشروع فيه.

المقدم: يوم التروية.

فأذهب يوم التروية إلى منى؛ لأنه ما يسن الذهاب إلى منى قبل يوم التروية.

المقدم: لكن رؤياه -رضى الله عنه- للنبى- صلى الله عليه وسلم- وإن كانت فإني لم أرَ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يهلّ حتى تنبعث به راحلته.

بالميقات.

المقدم: إذًا ما وجه الاستدلال؟ ما فيه مطابقة أبدًا لا من قريب ولا من بعيد.

لا، فيه مطابقة من حيث إن الإهلال يبدأ مقارنًا للشروع في أفعال الحج، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أهلَّ حينما شرع في أفعال الحج، دخل في النسك من الميقات، وهكذا يكون حال المفرد والقارن، يقول: لماذا أحرم من اليوم الأول وأجلس في مكة إلى يوم التروية؛ لأنه لا يوجد أعمال حج في هذا الوقت، يشرع في أفعال الحج يوم التروية، والذهاب إلى منى يوم التروية من سنن الحج، فيشرع، فشروعه فيها ما له داعٍ، يقول: ليس هناك داعٍ أن أحرم وأضيق على نفسى قبل أن أباشر أفعال الحج في يوم التروية. 

المقدم: لكن إهلال الناس بهذه الكثرة، وتواتره عنهم من أين؟

هذا الذي نسبه إليهم عبيد بن جريج على حسب ما رآه، لذلك كل الأسئلة الأربعة فيها نزاع، وأجوبة ابن عمر..

المقدم: لكن ينسب إلى الناس، أهلّ الناس.

لكن عبيد بن جريج تابعي، فلعل من أحرم من أول يوم من الحج رأى أن نسبة الشهر للحج شهر ذي الحجة أن النسبة نسبة ظرف، مظروف إلى ظرفه، ومادام نسبنا الشهر إلى ذي الحجة فمعناه أننا ينبغي أن نحرم في شهر الحج من أوله، وكونه رأى أيضًا كونهم لا يلبسون النعال السبتية.. النبي-صلى الله عليه وسلم- لبس النعال التي ليس فيها شعر، وكونها غير مطابقة للسنة لا يعنى أنها فعل الكل، يعني فعلها بعضهم، لو لبس شخص نعالًا فيها شعر، ماذا يقال؟  مبتدع؟

المقدم: لا.

ما يقال: مبتدع، لكن محبة ما يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- مطلوبة، وقد يخفى هذا على كثير من الصحابة لا سيما بعد مضي زمن طويل، والصحابة رأوا النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل في الإحرام من قبل شهر ذي الحجة، فقالوا: أولى الأمور أن يدخل علينا شهر ذي الحجة ونحن محرمون إذا رأينا الهلال.

هذا مجرد استشكال عبيد ابن جريج قد يكون مثلاً لطول العهد، السؤال، قد يكون رأى بعض الناس وما رآهم كلهم؛ لأن بعض الناس إذا حضر مجلسًا ونوقش في مسألة ورأى الاتجاه العام لنصرة هذا القول وكذا ظنه فعل جميع الناس، وهذا له شواهد، لا سيما وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء إلى مكة محرمًا ..

المقدم: قبل.. 

قبل شهر ذي الحجة، فأقل الأحوال أن يكون إذا دخل الشهر متهيئًا للحج، فهذا فهم من أحرم من أول شهر ذي الحجة.

ووجه قياسه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أحرم عند الشروع في أفعال الحج والذهاب إليه فأخر ابن عمر الإحرام إلى حال شروعه في الحج وتوجهه إليه، وهو يوم التروية فإنهم حينئذ يخرجون من مكة إلى منى، وعليه الشافعي. وقال آخرون: الأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة. والراحلة هي المركب من الإبل ذكرًا كان أو أنثى.

والخلاف في وقت إهلاله -عليه الصلاة والسلام- هل كان بعد الركعتين، أو من البيداء، أو من انبعاث راحلته، كله جاء عن الصحابة، وكلٌّ روى ما رأى كما جاء ذلك عن ابن عباس.

قال ابن حجر: وتبيَّن من جواب ابن عمر أنه كان لا يهل حتى يركب قاصدًا إلى منى، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في الحج، إن شاء الله تعالى.

الحديث خرَّجه الإمام البخاري في ستة مواضع:

الأول: هنا في كتاب الوضوء، في باب غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح النعلين.

قال -رحمه الله-: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن، رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها، فذكر الحديث، وسبق ذكر مناسبته.

والموضع الثاني: في كتاب الحج، في باب قول الله: }يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ{[سورة الحج 27، 28]، فجاجًا: الطرق الواسعة، وذكرنا مرارًا أن البخاري -رحمه الله- يفسر بعض الكلمات الغريبة من القرآن أو من السنة لأدنى مناسبة.

قال -رحمه الله-: حدثنا أحمد بن عيسى قال: حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن ابن عمر -رضى الله عنهما- قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركب راحلته بذي الحليفة، ثم يهل حتى تستوى به قائمة.

 قال ابن حجر: قيل: إن المصنف أراد أن الراحلة ليست شرطًا للوجوب، النبي -عليه الصلاة والسلام- أهلَّ على الراحلة، فهل هي شرط وجوب أو شرط صحة للحج، أو استحباب، فهي أفضل من أن يهل على الأرض مثلاً؟ في كتاب الحج، في باب قول الله تعالى: (يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) [سورة الحج 27،28]؛ لأن المسألة اختلف فيها أهل العلم أيهما أفضل؟ هل يحج راكبًا أم يحج ماشيًا؟ النبي -صلى الله عليه وسلم- حجّ..

المقدم: راكبًا.

راكبًا وهنا في الآية التقديم رجالًا وعلى كل ضامر، يقول ابن حجر: قيل: إن المصنف أراد أن الراحلة ليست شرطًا للوجوب، وقال ابن القصار: في الآية دليل قاطع لمالك أن الراحلة ليست من شرط السبيل، فإن المخالف يزعم أن الحج لا يجب على الراجل، وهو خلاف الآية، انتهى، وفيه نظر، المخالف يزعم أن الحج لا يجب على الراجل، وهو خلاف الآية، فالآية أول ما نصت ..

المقدم: على الراجل.

على الراجل، وفيه نظر. انتهى.

من أهل العلم من يرى عدم وجوب الحج إذا لم يتمكن...

المقدم: من الراحلة.

من ركوب الراحلة، ولا يصل إليه راجلًا ولو وصل بوسيلة أخرى على البحر مثلاً، هل يقال: إنه جاء على كل ضامر هذا؟ لا، لم يحج على راحلة، وأيضًا ليس براجل، منهم من نازع في وجوب الحج إذا كانت الوسيلة البحر، لكن ذكر كل ضامر هل هو من باب الاقتصار؟ على كل ضامر، هل هو من باب التعيين؟ بأنه لا يصح إلا ركوب...

المقدم: الدابة.

كل ضامر إما إبل أو خيل أو حمر.

المقدم: أم من باب التغليب؟

أو من باب التمثيل لما يركب فتدخل في ذلك البواخر، وتدخل في ذلك الطائرات، لا سيما أنها وسائل صارت مأمونة.

المقدم: لكن ألا يمكن أن يقال: إن المقصود أداء نفس النسك؛ لأنه ما يتخيل مثلاً إلا في عصرنا هذا، ما يتخيل مثلاً البواخر أنها تكون في المشاعر، لكن الإبل هذا ممكن.

هذا قال بعضهم إنه لم ينص على غير هذه الضوامر؛ لأن البواخر لا يمكن أن تصل إلى محل الحج، ولو إلى حدود..

المقدم: لكن الآن السيارات..

نعم، لكن البواخر الآن ما زالت، لكن مكة ليست على بحر.

وقال ابن القصار: في الآية دليل قاطع لمالك أن الراحلة ليست من شرط السبيل؛ فإن المخالف يزعم أن الحج لا يجب على الراجل، وهو خلاف الآية، انتهى، وفيه نظر، وقد روى الطبري من طريق عمر بن ذر قال: قال مجاهد: كانوا لا يركبون، فأنزل الله: {يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر}، فأمرهم بالزاد، ورخَّص لهم في الركوب والمتجر.

وروى ابن أبى حاتم من طريق محمد بن كعب عن ابن عباس -رضى الله عنهما- ما فاتني شيء أشد علىّ ألا أكون حججت ماشيًا؛ لأن الله يقول: {يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر} فبدأ بالرجال قبل الركبان، يعني كان المشي عندهم قبل حصول هذه الوسائل أمرًا ميسورًا، يعني يحج الإنسان من العراق ومن خراسان ومن الهند ومن أقاصي الدنيا، يحجون مشاة، لكن الآن لو قيل لشخص يبعد عن المشاعر مائة كيلو، لظن هذا ضربًا من الخيال، فيه أحد يمشي مائة كيلو؟

المقدم: أبدًا.

يظنونه ضربًا من الخيال، وكانوا يقطعون هذه المسافات بالأشهر، وبعض فقراء المسلمين أدركهم، الجيل الذى قبلنا يأتون من أقاصي الدنيا من الشرق يحملون بعض الآلات التي يتكسبون من ورائها، إضافة إلى ما يحتاجونه من الزاد والنفقة، يحملونها على ظهورهم، يحمل ماكينة، يحمل، نعم، وكل بلد يمر عليه يتكسَّب بهذه الآلة؛ من أجل أن يبلغ إلى المرحلة التي تليها، فتجده يمكث الأشهر، بل بعضهم سنين، حتى يصل إلى مكة، والآن الحج- ولله الحمد- خمسة أيام تحج، أربعة أيام تحج، متيسر، ومع ذلك نجد بعض المسلمين يتكاسل ويؤخر ويؤجل ويتذرع، وبعضهم يتذرع بأعذار واهية، تجده في الخامسة والعشرين مثلاً أو قبل ذلك أو بعده،  يتذرع بأمور لا تعادل ما جاء بمثل قوله- جل وعلا-: {ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين}، يعني من أعذار بعض الشباب من طلاب الجامعات يقول: تسليم البحث بعد الحج مباشرة، ما أستطيع أن أحج. هل هذا عذر؟!

بينما نجد في المسلمين من يقطع المسافة بسنة أو أكثر مشيًا على الأقدام. والله المستعان، واحد من الشباب قال: السنة هذه ربيع، وننتظر سنة ما فيها ربيع، هل هذه أعذار يواجه بها مثل هذا الركن من أركان الإسلام،  هذا أمر مخيف،  هذا عدم اكتراث لأمر الله -جل وعلا- والله المستعان.

يقول: ما فاتني شيء أشد على ألا أكون حججت ماشيًا؛ لأن الله -تعالى- يقول: {يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر} فبدأ بالرجال قبل الركبان، ومع ذلك يقال على المسلم أن يفعل الأرفق به؛ لأن النبي- عليه الصلاة والسلام- حج على الراحلة، وغرض المصنف من حديث ابن عمر -رضى الله عنهما- الرد على من زعم أن الحج ماشيًا أفضل؛ لتقديمه في الذكر، يعني الآن لا يمكن أن تقول: إن الراجل أفضل من الراكب أو العكس، لماذا؟ لأن من يفضل المشي يستدل بالآية، والذى يفضل الركوب يستدل بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ولذا قال: وغرض المصنف من حديث ابن عمر -رضى الله عنهما- الرد على من زعم أن الحج ماشيًا أفضل؛ لتقديمه في الذكر على الراكب، فبين أنه لو كان أفضل لفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- بدليل أنه لم يحرم حتى استوت به راحلته، ذكر ذلك ابن المنيِّر في الحاشية.

ومع ذلك ينبغي أن نستحضر عدم الإسراف، النبي -صلى الله عليه وسلم- حج على رحل، وجاء في الحديث الصحيح، في صحيح البخاري أن أنس بن مالك حج على رحل، ولم يكن شحيحًا، فنلاحظ هذا، والمسلم يفعل الأرفق به، وهذا هو الأفضل في حقه؛ لأن المشقة ليست مطلوبة لذاتها، لكن مع ذلك نلاحظ مسائل نهى عنها من وجوه أخرى مثل الإسراف، مثل الفخر والخيلاء، يحجون بآلات يبهرون بها المساكين والفقراء، بل عامة الناس، كله من أجل أن يقال: حج على كذا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حج على رحل، يعني مركوب متواضع، من أي شيء فهمنا أنه متواضع؟ من قول: حج أنس على رحل، ولم يكن شحيحًا، وكان أنس من أغنياء المسلمين؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا له بكثرة المال، ولم يكن شحيحًا مع ذلك، ومع ذلك حج متواضعاً كما حج النبي- عليه الصلاة والسلام- متواضعًا.

بدليل أنه لم يحرم حتى استوت به راحلته، ذكر ذلك ابن المنيِّر في الحاشية، وقال غيره: مناسبة الحديث للآية أن ذا الحليفة فج عميق، والركوب مناسب لقوله: وعلى كل ضامر، وقال الإسماعيلي ليس في الحديثين شيء مما ترجم به الباب، ورُد بأن فيهما الإشارة إلى أن الركوب أفضل فيؤخذ جواز المشي، من أين فهمنا أن الركوب أفضل؟ لأن الله اختاره لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل.

المقدم: نرجئ بقية ما يتعلق بالأبواب، أحسن الله إليكم.

 أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير.

شكرًا لطيب المتابعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.