شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (290)

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: لازلنا في حديث أبي أيوب الأنصاري- رضي الله عنه- في استقبال القبلة أو استدبارها في البول والغائط، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد،

ففي حديث أبي أيوب يقول: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ» «إِذَا أَتَى» يعني جاء، و«الغائط» تقدم بيانه مستوفًى، « فَلا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ» بصيغة النهي، ( لا) ناهية، وكذا « وَلا يُوَلِّهَا» ؛ ولهذا حذفت الياء منه، لو كانت نافية قال: لا يوليها، ولذا حذفت الياء منه كذا في الكرماني، وقال: وفي بعضها، بعض الروايات أو بعض الروايات للصحيح: «فلا تستقبل» بالرفع بصيغة النفي، فتكون حينئذٍ (لا) نافية، « وَلا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ» أي لا يستدبرها، وفي القسطلاني: ألا يجعلها مقابل ظَهْرهُ

المُقَدِّم: أليس التولي أن تتركه خلفك يا شيخ؟ هذا عموم التولي؟

نعم.

المُقَدِّم: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [سورة البقرة: 115].

لكن الآن في هذا الحديث ويولي أحدهما، التدابر، يولي أحدهما دبره، «وَلا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ» لكن هذا هل المقصود به يولها يستقبل بها ظَهْرَهُ، {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} [سورة البقرة: 115] تستقبلوا؛ لأنَّ يولي فيها شيء.. في فهمها شيء من الغموض، ولولا «ظَهْرَهُ» لأفادت الاستقبال، لكن لمَّا وجد الظهر وهو محل الاستدبار، عرفنا أنَّ معنى «لا يولي» لا يستدبر، من قوله: « ظَهْرَهُ»، لكن لو قال: وَلا يُوَلِّهَا وجهه، لا يولها جنبه، يمينه، شماله، فالذي يحدد معنى التولي هو..

المُقَدِّم: العامل بعدها.

هو ما يذكر بعدها؛ ولذا قال: « وَلا يُوَلِّهَا» ما اقتصر على « وَلا يُوَلِّهَا»، «ظَهْرَهُ» أي لا يستدبرها، وفي القسطلاني أي لا يجعلها مقابل ظَهْره، وفي رواية مسلم « ولا يستدبرها ببول أو غائط»، والظاهر منه اختصاص النهي بخروج الخارج من العورة، يعني وقت خروج الخارج من العورة، ويكون مثاره إكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة، وقيل: مثال النهي كشف العورة، وحينئذ فيطرد في كل حالة تكشف فيها العورة كالوطء مثلاً، وقد نقله ابن شاس من المالكية قولاً في مذهبهم، ابن شاس من المالكية له كتاب اسمه الجواهر الثمينة من أبدع ما صُنِّف في مذهب المالكية، نقله ابن شاس من المالكية قولًا في مذهبهم، وكأنَّ قائله تمسك برواية في الموطأ: «لا تستقبلوا القبلة بفروجكم» ولكنها محمولة على حالة قضاء الحاجة؛ جمعًا بين الروايتين.

يعني هناك أحاديث تأتي مطلقة، ويدل القيد عليها من أحاديث أخرى، هنا «لا تستقبلوا القبلة بفروجكم» مقتضاه أنَّه على أي حال كان مع كشف العورة لا تستقبل القبلة، لكنها محمولة على حال قضاء الحاجة جمعًا بين الروايتين، نظير ذكر: « ولا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه» هل هو مطلقًا ما يمسكه بيمينه أو حال قضاء الحاجة؟ لأن في بعض الروايات « وهو يبول».

وعلى كل حال مسألة الورع والأولى والكمال ألا تستقبل القبلة بالفروج سواء كان في حال قضاء الحاجة أو غيرها تكريمًا لها، وكذلك لا يمس الذكر باليمين حال البول وغيره.. وعدمه.

وفي شرح الخطابي، نهيه- يقول- رحمه الله-: نهيه عن استقبال القبلة واستدبارها عند الخلاء معناه صيانة جهة القبلة وكراهة ابتذالها في غير ما جعلت له، وإنَّما يستقبل الرجل القبلة عند الصلاة والدعاء ونحوهما من أمور البر والخير، فكره- صلى الله عليه وسلم- أن يتوجه إليها عند الحدث، وكره أيضًا أن يوليها ظَهْرَهُ فتكون عورته غير مستورة عنها. وقد قيل: إنَّ المعنى في ذلك أنَّ وجه الأرض متعبد للملائكة والإنس والجن، يعني للجميع، فالمتباعد، في نسخة فالقاعد، فيه مستقبلاً للقبلة ومستدبرًا لها، مستهدف للأبصار. المحقق أثبت فالقاعد، وبعض النسخ فالمتباعد، فالقاعد، فيه مستقبلاً للقبلة ومستدبرًا لها، مستهدف للأبصار. ومن أجل ذلك صارت الكراهة له إذا كان في الصحاري خصوصًا دون الأبنية الساترة للأبصار.

يعني القاعد معروف أنَّه قاعد لقضاء الحاجة، لكن المتباعد، الذي يريد قضاء الحاجة يتباعد، فلها وجه.

في شرح ابن بطال: قال المهلب: إنَّما نهي عن استقبال القبلة واستدبارها بالغائط والبول في الصحارى- والله أعلم- من أجل من يصلي فيها من الملائكة، فيؤذيهم بظهور عورته مستقبلاً أو مستدبرًا، وأمَّا في البيوت والمباني، وما يستتر فيه من الصحاري، وعمن فيها فليس ذلك عليه، ويحتمل أن يكون النهى عن ذلك- والله أعلم- إكرامًا للقبلة، وتنزيهًا لها، كما روى ابن جريج عن عطاء قال: يكره أن ينكشف الإنسان مستقبل القبلة يتخلى، أو يبول، أو يأتزر إلا أن يأتزر تحت ردائه أو قميصه.

كيف؟ يعني وهو عريان.

المُقَدِّم: نعم.

في الأصل، ثم يريد أن يأتزر، يلبس الإزار لابد أن يكون اتزاره تحت ردائه أو قميصه.

المُقَدِّم: يستر ثم يأتزر.

ثم يأتزر، على كلامه وهذا حملًا منه على أنَّ النهي شامل لقضاء الحاجة وغيرها.

يقول الكرماني بعد أن نقل كلام ابن بطال: وأقول هذا الاحتمال لا يفيد الفرق بين الصحاري والأبنية، يحتمل أن يفرق بأنَّ الأماكن تضيق في البنيان فربما لا يمكنه تحريف كنيفه أو بأنَّ الحشوش في الأبنية يحضرها الشياطين لا الملائكة.

أقول: هذا الاحتمال لا يفيد الفرق بين الصحاري والأبنية، يعني هذا الاحتمال أنَّ هذا إكرام للقبلة وتنزيه لها، لا يفيد الفرق بين الصحاري والأبنية؛ لأنَّ القبلة قبلة سواء كانت في صحاري أو في أبنية، نعم يحتمل أن يفرق بأنَّ الأماكن تضيق في البنيان فربما لا يمكنه تحريف كنيفه أو لأنَّ الحشوش في الأبنية يحضرها الشياطين لا الملائكة. فيهون أمرها.

«شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» أي اتجهوا إلى جهة المشرق أو المغرب، وهذا خطاب لأهل المدينة ولمن كانت قبلته على ذلك السمت، وأمَّا من قبلته إلى جهة المشرق أو المغرب فإنَّه لا يُشَرِّق ولا يُغَرِّب.

المُقَدِّم: شمال وجنوب.

نعم، يقول: وهذا خطاب لأهل المدينة ولمن كانت قبلته على ذلك السمت، وأمَّا من قبلته إلى جهة المشرق أو المغرب فإنَّه لا يُشَرِّق ولا يُغَرِّب. يعني نظير حديث « بين المشرق والمغرب قبلة» هذا خطاب لأهل المدينة؛ لأنَّ قبلتهم بين المشرق والمغرب، لكن من كان في المشرق، أو في المغرب...

المُقَدِّم: بين الشمال والجنوب.

وقال الداودي: اختلف في قوله:« شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» فقيل إنَّما ذلك في المدينة وما أشبهها يعني ما كان على سمتها كأهل الشام واليمن، وأمَّا من كانت قبلته من جهة المشرق أو المغرب فإنَّه يتيامن أو يتشاءم، وقال بعضهم: البيت قبلة لمن في المسجد، والمسجد قبلة لأهل مكة، ومكة قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لسائر أهل الأرض، وقالوا في قوله: « ما بين المشرق والمغرب قبلة» فيما يحاذي الكعبة، إنَّه يصلي إليه من الجهتين ولا يُشَرِّق ولا يُغَرِّب، يحاذي كل طائفة أخرى في هذا؛ لأنَّ الله- سبحانه وتعالى- كرَّم البيت، وجعله مصلًى يصلى إليه من كل جهة، نقله العيني.

ويقول العيني: استنبط ابن التين من الحديث منع استقبال النيرين الشمس والقمر، استنبط ابن التين من الحديث منع استقبال النيرين الشمس والقمر في حالة الغائط والبول وكأنَّه قاسه على استقبال القبلة وليس القياس بظاهر على ما لا يخفى. من أين جاء القياس؟

المُقَدِّم: السؤال « شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» أم هو النيرين؟ كيف يكون قاس عليه؟

يقول: وكأنَّه قاسه على استقبال القبلة وليس القياس بظاهر على ما لا يخفى. في الزاد- زاد المستقنع وشرحه- للبهوتي الروض المربع قال: ويكره استقبال النيرين أي الشمس والقمر؛ لما فيهما من نور الله تعالى.

في حاشية الشيخ ابن قاسم، عبد الرحمن بن قاسم على الروض: أورد بعض الفقهاء في كراهة استقبالهما حديثًا قال في المبدع: روي أنَّ معهما الملائكة، الشمس والقمر، معهما الملائكة، وأنَّ أسماء الله مكتوبة عليهما، وأنَّهما يلعنانه وغير ذلك.

قال النووي والحافظ: إنَّه باطل لا أصل له، وقال ابن القيم: لم ينقل عنه-  صلى الله عليه وسلم- في ذلك كله.. في ذلك كلمة واحدة. قال ابن القيم: لم ينقل عنه- صلى الله عليه وسلم- في ذلك كلمة واحدة لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل، وليس لهذه المسألة أصل في الشرع، فكراهة استقبالهما لا أصل له، قال في الإنصاف: وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، وفي حديث أبي أيوب دلالة ظاهرة على جواز استقبالهما واستدبارهما إذ لابد أن يكونا أو أحدهما في الشرق أو الغرب. يعني إذا استقبل الشرق في أول النهار استقبل الشمس، إذا استقبل الغرب في آخر النهار استقبل الشمس، ففي الحديث ما يرد على قولهم هذا.

وهذا الحديث خرجه الإمام البخاري..

أحكام المسألة والخلاف فيها وأقوال أهل العلم..

المُقَدِّم: في الحديث الذي يليه.

يأتي في الحديث الذي يليه.

هذا الحديث خرجه الإمام البخاري في موضعين:

 الأول: في كتاب الوضوء، باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء، جدار أو نحوه. قال- رحمه الله- حدثنا آدم، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، قال: حدثنا الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله-  صلى الله عليه وسلم-:« إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ..» الحديث، وسبق ذكر مناسبته.

الموضع الثاني: في كتاب الصلاة، باب قبلة أهل المدينة، وأهل الشام والمشرق، ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة، والمراد بذلك.

المُقَدِّم: أهل المدينة.

أهل الترجمة، من الترجمة بصددهم، أهل المدينة، ولا في المغرب قبلة لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: « لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول، ولكن شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا».

قال- رحمه الله- حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب الأنصاري، أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: « إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» قال أبو أيوب: فقدمنا الشام ووجدنا مراحيض بُنيت قبل القبلة، فننحرف ونستغفر الله تعالى، والمناسبة ظاهرة.

 وأخرجه مسلم، فهو متفق عليه.

المُقَدِّم: قال المصنف- رحمه الله-: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ، فَلا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، لَقَدِ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى لَبِنَتَيْنِ، مُسْتَقْبِلاً بَيْتَ الْمَقْدِسِ لحاجته.

راوي هذا الحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن، الصحابي الجليل المؤتسي، مر ذكره مرارًا، وهو أحد العبادلة من الصحابة.

 وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب من تبرز على لبنتين، قال ابن حجر: باب من تبرز بوزن تفعّل من البَراز بفتح الموحدة، وهو الفضاء الواسع، كَنَّوا به عن الخارج من الدبر كما تقدم في الغائط.

وقال العيني: أي هذا باب في بيان حكم من تبرز على لبنتين، وباب مرفوع مضاف إلى ما بعده، باب من تبرز مرفوع مضاف إلى ما بعده، يعني إلى الجملة، وكلمة (من) موصولة، وتبرز صلتها على وزن تفعل من التبرز وهو التغوط، وأصل التبرز الخروج إلى البراز للحاجة، والبراز بفتح الموحدة اسم للفضاء الواسع من الأرض، وكنوا به عن حاجة الإنسان.

على لبنتين تثنية لبنة بفتح اللام وكسر الباء الموحدة، ويجوز تسكينها أيضًا مع فتح اللام وكسرها لَبنة، ولِبْنة، وكذا كل ما كان على هذا الوزن أعني مفتوح الأول مكسور الثاني يجوز فيه الأوجه الثلاثة ككتف، يجوز فيه الأوجه الثلاثة المذكورة، الكسر، كسر التاء، وتسكينها مع فتح الأول وكسره، كيف تكون أوجه ثلاثة؟ لَبِنَة، ولَبْنَة، ولِبنَة، تأتي لِبِنة، أو ثلاثة فقط؟ لأنَّه يقول فتح اللام وكسر الباء الموحدة، ويجوز تسكينها لَبِنة، ولَبْنة، ويجوز تسكينها أيضًا مع فتح اللام وكسرها إذًا ثلاثة أوجه.

المُقَدِّم: لَبْنة، لَبِنة، لِبْنة.

هي المتمم للقسمة لِبِنة، وهذا لا يُمكن، مثل كتف، ملك، مكسور الثاني يجوز فيه الأوجه الثلاثة؛ ولذا

ألم تر أنَّ الله أعطاك سورة              ترى كل مَلْكٍ دونها يتذبذب

نعم، مَلْك.

وإن كان ثانيه أو ثالثه حرف حلق جاز فيه وجه رابع وهو كسر الأول والثاني كفخذ فتقول فخِذ، وقال الجوهري: اللبنة واللبنة التي يبنى بها والجمع لَبِن مثل كلمة وكلم، وقيل: اللبنة هي الطوب، قاله ابن قرقول، ابن قرقول صاحب ماذا؟

المُقَدِّم: اللغة.

كتابه ماذا؟ ..كثير، كثير جدًّا، اسمه مطالع الأنوار.

المُقَدِّم: مطالع الأنوار.

نعم، على صحيح الأخبار، وهو مختصر من مشارق الأنوار للقاضي عياض.

المُقَدِّم: في ضبط الألفاظ.

في ضبط ألفاظ الصحيحين والموطأ.

المُقَدِّم: نعم.

مثله أصله المشارق، قال: وهو الطوب النيء، والذي توقد عليه النار يسمى الآجر- كذا في العيني-.

قال ابن حجر: على لبنتين بفتح اللام وكسر الموحدة وفتح النون تثنية لبنة، وهي ما يصنع من الطين أو غيره للبناء قبل أن يُحرق. وتعقبه العيني بقوله: قلت: ليت شعري ما معنى قوله: أو غيره، يعني فيه شيء غير الطين، ابن حجر يقول من الطين أو غيره، العيني تعقبه يقول: ليت شعري ما معنى قوله: أو غيره، فهل تصنع اللبنة من غير الطين عادة. يعني في وقتهم.

المُقَدِّم: ما كان إلا الطوب.

يقول ابن حجر في انتقاض الاعتراض: أقول كما قال الأول: وما علي إذا لم يفهم.

المُقَدِّم: لا حول ولا قوة إلا بالله.

ما يمنع أن توجد مواد أخرى تلبن فتكون لبنًا، ما يمنع حتى عندهم؟

المُقَدِّم: كمل البيت ولا ما كمله- رحمه الله-؟

وما علي إذا لم يفهم، يقول إذا ما فهم هذا أنا مسؤول عنه إذا لم يفهم؟ وقال العيني: وجه المناسبة بين البابين الباب الأول باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول، وهذا الباب باب من تبرز على لبنتين ظاهر، وهو أنَّ حديث هذا الباب مخصص لحديث الباب الأول على رأي البخاري ومن ذهب إلى مذهبه في ذلك كما ذكرناه هناك.

قوله: على رأي البخاري، يدل على أنَّه لا يوافقه؛ لأنَّه حنفي، والحنفية يحملون الحديث، حديث أبي أيوب على عمومه في الصحاري والبنيان، يقول: إنَّ هذا الحديث حديث ابن عمر مخصص لحديث الباب الأول على رأي البخاري ومن ذهب إلى مذهبه في ذلك كما ذكرناه هناك.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: «فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على لبنتين مستقبلًا بيت المقدس» في آخر الحديث في الصحيح، قال ابن عمر لواسع بن حبان الراوي عنه وغلط من زعم أنَّه من المرفوع: لعلك من الذين يصلون على أوراكهم، فقلت: لا أدري والله، واضح؟

في البخاري في الأصل قال ابن عمر لواسع الراوي عنه، واسع بن حبان، بعضهم قال: هذا مرفوع.

المُقَدِّم: صحيح.

لعلك من الذين يصلون على أوراكهم، جعله من الحديث، وهذا ليس بصحيح.

المُقَدِّم: يعني..

هذا غلط.

المُقَدِّم: هو ليس بالزوائد إذًا.

أين؟

المُقَدِّم: زوائد الزَّبيدي.

الزبيدي أصله أم لا يأت إلا بالمرفوع، وهذا من كلام ابن عمر.

المُقَدِّم: عندنا المُحَشِّي وضعه في الزوائد.

ما لنا علاقة بالزوائد، ما لنا علاقة، نحن نتكلم عن الزبيدي.

المُقَدِّم: لكن ما يصح أنَّه مرفوع.

لا، ليس بمرفوع أصلًا، غلط من جعله من المرفوع، لعلك من الذين يصلون على أوراكهم، فقلت: لا أدري والله. يعني كون الزبيدي حذفه عن قصد فلا يُستدرك عليه، قال مالك: يعني الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض يسجد وهو لاصق بالأرض، والأوراك جمع ورْك.

قال الكرماني: وهو ما بين الفخذين، وقال العيني: ليس كذلك، بل الوركان كما قاله الأصمعي: العظمان على طرف عظم الفخذين.

قال ابن حجر: وقد فسر مالك المراد بقوله: يصلون على أوراكهم أي من يلصق بطنه بوركيه إذا سجد، وهو خلاف هيئة السجود المشروعة وهي التجافي والتجنح كما سيأتي بيانه في موضعه.

وفي النهاية فسر بأنَّه يفرج ركبتيه فيصير معتمدًا على وركيه، وقد استشكلت مناسبة ذكر ابن عمر لهذا مع المسألة السابقة، يعني في مسألة استقبال القبلة في بيته- عليه الصلاة والسلام- استشكل ذكر هذا بعد الحديث.

ما مناسبة ذكر ابن عمر هذا الكلام لواسع بعد ذكر الحديث؟ فقيل يحتمل أن يكون أراد بذلك إنَّ الذي خاطبه لا يعرف السُّنَّة، إذ لو كان عارفًا بها لعرف الفرق بين الفضاء وغيره، أو الفرق بين استقبال الكعبة وبيت المقدس، وإنَّما كنى عمن لا يعرف السُّنَّة بالذي يصلي على وركيه؛ لأنَّ من يفعل ذلك لا يكون إلا جاهلًا بالسُّنَّة، وهذا الجواب للكرماني، ولا يخفى ما فيه من التكلف، وليس في السياق أنَّ واسعًا سأل ابن عمر عن المسألة الأولى حتى ينسبه إلى عدم معرفتها. ثم الحصر الأخير مردود إنَّ الذي لا يعرف هذه المسألة يكون جاهلًا بالسُّنَّة، الذي لا يعرف مسألة بعينها يكون جاهلًا بالسُّنَّة؟ إن كان المراد جاهلًا بالسُّنَّة في هذه المسألة نعم؛ لأنَّ من الناس من يحرص على معرفة السُّنَّة، ويكون عارفًا بها، لكن قد يكون جاهلًا بتطبيقها، فالجهل في هذه الأمور نسبي، ومنه الجهل المطبق الذي لا يعرف من السُّنَّة شيئًا، ومنه الذي يعرف من السُّنَّة ويجهل منها أشياء، ومنها من يعرف الحكم ويجهل كيفية التطبيق وهكذا. فالمعرفة والجهل نسبي.

المُقَدِّم: شيخنا نستكمل إن أذنتم ما تبقى بإذن الله في هذا الموضوع نجعله بداية انطلاق الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.

نعم.

المُقَدِّم: أيُّها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم.

 

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.