شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (198)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

مستمعي الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

يتولى شرح أحاديث هذا الكتاب فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، والذي نسعد بالترحاب به مع مطلع حلقتنا، فأهلًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الأخوة المستمعين.

المقدم: قال -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فراوي الحديث الصحابي الجليل حافظ الأمة، المختَلف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كبيرًا مر ذكره مرارًا. وهذا الحديث ضمن الترجمة السابقة باب إثم من كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- والمطابقة ظاهرة، حيث تعد من كذب عليه -عليه الصلاة والسلام- بالنار، والوعيد لا يكون إلا مسببًا عن إثم. قال ابن حجر: اقتصر مسلم في روايته على الجملة الأخيرة، وهي مقصود الباب، وإنما ساقه المؤلف بتمامه ولم يختصره كعادته؛ لينبه على أن الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- يستوي فيه اليقظة والمنام، الإمام مسلم اختصر الحديث واقتصر منه...

المقدم: المقطع الأخير.

على الجملة الأخيرة التي هي المقصود، والإمام مسلم في الغالب يأتي بالحديث أطول مما يأتي به الإمام البخاري، هذا غالبًا، والإمام البخاري يختصر الأحاديث، ويقتصر على القدر المطلوب منه، وهنا لم يختصره كعادته؛ لينبه على أن الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- يستوي فيه اليقظة والمنام، قال ابن حجر أيضًا: اعتنى جماعة من الحُفّاظ بجمع طرقه يعني طرق حديث من كذب، فأول من وقفتُ على كلامه في ذلك علي بن المديني، وتبعه يعقوب بن شيبة، فقال: رويَ هذا الحديث من عشرين وجهًا عن الصحابة من الحجازيين وغيرهم، ثم إبراهيم الحربي وأبو بكر البزار فقال كل منهما: إنه ورد من حديث أربعين من الصحابة، وجمع طرقه في ذلك العصر أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، فزاد قليلًا، وقال أبو بكر الصيرفي شارح الرسالة، رسالة الإمام الشافعي: رواه ستون نفسًا من الصحابة، وجمع طرقه الطبراني فزاد قليلًا، وقال أبو القاسم بن منده: رواه أكثر من ثمانين نفسًا، وقد خرّج بعض النيسابوريين فزادت قليلًا، وقد جمع طرقه ابن الجوزي في مقدمة كتابه "الموضوعات" فجاوز التسعين، وبذلك جزم ابن دحية، يعني كون ابن الجوزي يُدخل هذا الحديث أو يذكر هذا الحديث في كتاب الموضوعات...

المقدم: في المقدمة لا يَنُص ولا يدل على أنه موضوع، وإنما من أجل بيان موضوع الكتاب.

لا، وإنما عظم شأن الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، تعظيم شأن الكذب على النبي-عليه الصلاة والسلام-، وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة بما في ذلك من صحيح وحسنٍ وضعيف وساقط، مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه -عليه الصلاة والسلام- من غير تقييد بهذا الوعيد الخاص، ونقل النووي أنه جاء عن مائتين من الصحابة، ولأجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعةٌ أنه متواتر.

 قال ابن الصلاح: حديث «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» نراه مثالاً لذلك، يعني المتواتر، فإنه نقله من الصحابة -رضي الله عنهم- العدد الجمّ، وهو في الصحيحين مرويٌ عن جماعة منهم. وذكر أبو بكر البزار الحافظ الجليل في مسنده أنه رواه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحو من أربعين رجلًا من الصحابة، وذكر بعض الحُفّاظ أنه رواه عنه -عليه الصلاة والسلام- اثنان وستون نفسًا من الصحابة وفيهم العشرة المشهود لهم بالجنة، قال: وليس في الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره، ولا يُعرف حديث يُروى عن أكثر من ستين نفسًا من الصحابة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا هذا الحديث الواحد. قلت: قال ابن الصلاح: وبلغ بهم بعض أهل الحديث أكثر من هذا العدد، وفي بعض ذلك عدد التواتر، ثم لم يزل عدد رواته في ازدياد وهَلُمَ جر على التوالي والاستمرار والله أعلم.

يقول الحافظ ابن حجر: في رواية العشرة من الصحاح: علي والزبير، ومن الحسان: طلحة وسعد وسعيد وأبو عبيدة، علي والزبير من الصحاح وهي موجودة في البخاري، ومن الحسان: طلحة وسعد وسعيد وأبو عبيدة، ومن الضعيف المتماسك طريق عثمان، وبقيتها ضعيف وساقط، وانظر تفصيل الروايات في الموضوعات لابن الجوزي في الجزء الأول من صفحة خمسة وخمسين إلى أربعة وتسعين في أربعين صفحة، لا نقول إن هذا الحديث متواتر ثم بعد ذلك نحضره من كتاب الموضوعات لابن الجوزي كما فعل، من لم يفهم موضوع الموضوع على ما تقدم وإنما أورده ابن الجوزي لا لأنه من موضوع الكتاب، وإنما لهدم موضوع الكتاب وتعظيم شأن الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا قال بعضهم:

مما تواتر حديث مـن كذب

ومن بني لله بيتًا واحتسب

هذا متواتر، واعلم أن المتواتر ليس من مباحث علوم الحديث، وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المُشعِر بمعناه الخاص، وإن كان الخطيب البغدادي قد ذكره، قال ابن الصلاح: ففي كلامه ما يُشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث، ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ولا يكاد يورد في رواياتهم، فإنه عبارة عن الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة، ولابد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته من أوله إلى منتهاه، ماذا يقولون؟

يقولون: المتواتر ليس من مباحث علوم الحديث، وأول من أدخله في علوم الحديث على كلام ابن الصلاح الخطيب البغدادي، وهو من ذكره، قال ابن الصلاح: وفي كلامه ما يُشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث، ولذا يبالغ بعض المعاصرين بإنكاره؛ لأنه لم يكن من اهتمامات المحدّثين ولا يذكرونه بل يقولون: إنه اصطلاحٌ حادث يُقصد منه تقسيم الأخبار إلى متواتر يُفيد العلم، وإلى آحاد لا يُفيد إلا الظن، ثم يبني على ذلك إنكار أخبار الآحاد مطلقًا، كما تقول المعتزلة، أو في العقائد التي يشترطون لها القطع كما هو قول كثير من المبتدعة، وإذا كانت هذه نتيجة التقسيم، فماذا نصنع بهذا التقسيم؟ نرفض هذا التقسيم؟

المقدم: نرفض استخدامه السيئ.  

نرفض ما يلزم عليه، وأقول المسألة اصطلاحية، وتفاوت الأخبار بحسب أعداد المخبرين وصفاتهم أمر مجزوم به عند كل أحد، تفاوت الأخبار بحسب أعداد المخبرين يعني خبر يأتيك من طريق واحد مثل خبر يأتيك من طريق عشرة؟

المقدم: لا.

أمرٌ مجزوم به عند كل أحد، أمر خبر يأتيك عن عشرة من الثقات مثل الخبر الذي يأتيك عن عشرة ممن هم دونهم في الضبط والإتقان؟؛ تفاوت الأخبار تبعًا لأعداد المخبرين وصفاتهم أمر مجزوم به، يجده كل إنسان في نفسه، وجرى على هذا التقسيم ومر على لسان أئمة أعلام مثل الخطيب حافظ المشرق، ومثل ابن عبد البر حافظ المغرب، وشيخ الإسلام ابن تيمية يذكره ويمثل بنفس الأمثلة، في منهاج السنة مثّل للتواتر اللفظي بحديث من كَذب، وللتواتر المعنوي بأحاديث المسح على الخُفّين، يعني مثل ما يمثل أهل المصطلح، أقول جرى تقسيم على لسان أئمة مثل ما ذكرنا عن ابن عبد البر والخطيب وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه بن القيم والحافظ ابن رجب وغيرهم، ويوجد منها اصطلاحات مما هو حادث، لكنه استُخدم من قِبل أهل العلم وجروا عليه من غير نكير بينهم، فلا مانع من استخدامه، أقول: لا مانع من إطلاق التسمية مع عدم الالتزام باللوازم الباطلة، فخبر الآحاد حجةٌ عند كل من يُعتد بقوله من علماء الإسلام، وهو حجة في العقائد والأحكام والآداب وغيرها؛ لأن الدين في جميع أبوابه سواءٌ قلنا العقائد أو الأحكام أو الآداب أو غيرها، الدين كله متساوي الأقدام، مصدره واحد، فخبر الواحد مقبول في جميع أبواب الدين إذا كان في حيز القبول.

 قوله -عليه الصلاة والسلام-: «تسموا» بصيغة الأمر من باب التفعيل، وهو إما حقيقة في معناه أو هو بمعنى التسمية، قاله الكرماني، قال العيني: «تسموا» أمر بصيغة الجمع من باب التفعيل، تقول: سميتُ فلانًا زيدًا، وسميته بزيدٍ بمعنًى، وأسميته مثله فتسمى به، والاسم مشتق من سموت؛ لأنه تنويهٌ ورفعة، ووزنه إفعٌ اسمٌ، والذاهب منه الواو؛ لأن جمعه أسماء، وتصغيره سُمَيٌ، مشتق من سموتُ يعني من السمو، وهو العلو والارتفاع، وهذا رأي البصريين، أو من السمة والعلامة، وهذا رأي الكوفيين، يعني سمو علو وارتفاع، والاسم علا وارتفع على قسيميه: الفعل والحرف، هذا ما يجنح إليه البصريون، وأما الكوفيون فيقولون: هو مأخوذ من السمة، وهي العلامة؛ لأن الاسم كالعلامة على صاحبه التي تدل عليه.

 «باسمي» أي محمد وأحمد وغير ذلك من أسمائه -عليه الصلاة والسلام- التي جاءت في الأحاديث، «ولا تكنّوا» أو «ولا تكتنوا» هذه الرواية  «ولا تكتنوا» ماذا عندك؟

 «ولا تكنّوا» الذي في الأصل ولا تكتنوا، ولا تكتنوا بفتح التاءين بينهما كاف ساكنة، وفي رواية الأربعة: ولا تكنوا بفتح الكاف ونون مشددة من غير تاء ثانية من باب التفعُّل، من تكنى يتكنّى يتكنّى تكنيًا، وأصله ولا تتكنوا فحذفت إحدى التاءين أو بضم التاء وفتح الكاف وضم النون المشددة من باب التفعيل، بضم التاء تُكنوا وفتح الكاف وضم النون المشددة من باب التفعيل تكنية من كنّى يُكني تكنيةً، أو بفتح تاء وسكون الكاف وكلها من الكناية قاله القسطلاني، وفي شرح الكرماني: ولا تكنوا من الكناية وهو من التفعّل ومن التفعيل ومن الافتعال على حسب اختلاف النسخ، والاسم نحو زيد، والكنية نحو أبي زيد. واعلم أن العلَم إما أن يكون مشعرًا بمدحٍ أو ذم، يقول الكرماني: واعلم أن العلَم إما أن يكون مشعرًا بمدحٍ أو ذم وهو اللقب، وإما ألا يكون يعني مشعرًا بمدح أو ذم، فإما أن يُصدَّر بنحو الأب والأم وهو الكنية، أو لا وهو الاسم، فاسم النبي-صلى الله عليه وسلم- محمد وكنيته أبو القاسم، ولقبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو سيد المرسلين مثلًا.

 «بكُنيتي» في رواية الأصيلي: بكنوتي بالواو بدل التحتانية، وهي بمعناها، كنوته وكنيته بمعنًى، قال عياض:...

المقدم: كنيته يا شيخ بدون تشديد.

نعم على هذا يكون من الكنية كنيتي.

المقدم: ليست كَنَّيته.

من التكنية كنيته، ومقتضى صنيع أهل العلم في كتب الكُنى التخفيف، وكنيته بمعنًى، قال عياض: رووه كلهم في عدة مواضع بالياء قاله ابن حجر: «روى الإمام البخاري بسنده عن جابر-رضي الله عنه- قال ولد لرجل منا غلام، فسماه القاسم، فقالوا: لا نكنيه» يعني بأبي القاسم «حتى نسأل النبي-صلى الله عليه وسلم- فقال: سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي»، رواه مسلم، وهذا متفق عليه، وفي رواية عن جابر قال: «وُلد لرجل منا غلام، فسماه القاسم، فقالوا: لا نكنيك بأبي القاسم، ولا ننعمك عينًا، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له فقال: سم ابنك عبد الرحمن». وروى مسلم بإسناده عن أنس-رضي الله تعالى عنه- «قال: نادى رجلٌ رجلًا بالبقيع فقال: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، إني لم أعنك، إنما دعوت فلانًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي» فلعل هذا هو سبب النهي.

 قال النووي في شرح مسلم: اختلف العلماء في هذه المسألة على مذاهب كثيرة، وجمعها القاضي وغيره، يعني التسمية باسمه وعدم التكنية، أحدها مذهبُ الإمام الشافعي وأهل الظاهر أنه لا يحلُّ التكني بأبي القاسم لأحد أصلًا، سواء كان اسمه محمدًا أو أحمد أم لم يكن لظاهر هذا الحديث؛ لأن الخبر جاء في التكنية، هذا المذهب الأول أنه لا يحل لأحد التكني بأبي القاسم لأحد أصلًا، سواء كان اسمه محمدًا أو أحمد أم لم يكن لظاهر هذا الحديث؛ لأن فيه النهي عن التكنية مطلقًا.

والثاني أن هذا النهي منسوخ، فإن هذا الحكم كان في أول الأمر لهذا المعنى المذكور في الحديث، في قصة الرجل الذي نادى أبا القاسم فالتفت النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال: إني لم أعنك وهذا في الصحيح، إن هذا النهي منسوخ، فإن هذا الحكم كان في أول الأمر لهذا المعنى المذكور في الحديث ثم نُسخ، قالوا: فيُباح التكني اليوم بأبي القاسم لكل أحد سواء كان اسمه محمدًا أو أحمد أو غير ذلك، وهذا مذهب مالك، قال القاضي: وبه قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور العلماء، قال: وقد اشتهر أن جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول، وفيما بعد ذلك إلى اليوم مع كثرة فاعل ذلك وعدم الإنكار.

المذهب الثالث: مذهب ابن جرير، أن النهي ليس بمنسوخ، وإنما النهي للتنزيه والأدب لا للتحريم، فيكون النهي مستمرًّا إلى يوم القيامة، مع ذلك الأولى ألا يُكنى به. أن النهي ليس بمنسوخ وإنما النهي للتنزيه والأدب لا للتحريم.

الرابع: أن النهي عن التكني بأبي القاسم مختص بمن اسمه محمد وأحمد، ولا بأس بالكنية وحدها لمن لا يسمى بواحد من الاسمين، وهذا قول جماعة من السلف، وجاء فيه حديث مرفوع عن جابر، أخرج الإمام أحمد وأبو داود وحسّنه الترمذي وصححه ابن حبان من طريق أبي الزبير عن جابر رفعه «مَن تسمى باسمي فلا يكتني بكنيتي، ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي» وعند البخاري في الأدب المفرد: «لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي»، فعلى هذا فالقول الرابع النهي خاص بمن اسمه محمد وأحمد، يعني النهي لا يشمل من تسمى بغير هذين الاسمين، وإنما النهي منصب على من أراد أن يجمع بين الاسم والكُنية، أما من كان اسمه غير محمد ولا أحمد فإنه يجوز له أن يتكنى بكنيته -عليه الصلاة والسلام-.

الخامس: أنه يُنهى عن التكني بأبي القاسم مطلقًا، ويُنهى عن التسمية بالقاسم، لماذا يُنهى عن التسمية بالقاسم؟ لئلا يُكنى أبوه بأبي القاسم، طيب قد يقول قائل: يُنهى عن تسمية أول الأولاد بالقاسم، لو كان مثلاً اسمه زيد وولده الأول عمرو، يُقال له: أبو عمرو، ثم سمى الثاني أو الثالث القاسم، هم يطردون هذا؛ لأنه يصح أن يُقال: أبو القاسم، يصح أن يقال: أبو القاسم، السنة أن يُكنى بالكبير، ولكن قد يوجد من الدواعي ما يجعل الصغير أحظى من الكبير عند أبيه فيُكنّى به، ويحب التكنية به، كالإمام أحمد مثلًا يُكنّى بأبي عبد الله وصالح أكبر منه، القول الخامس: أنه يُنهى عن التكني بأبي القاسم مطلقًا، ويُنهى عن التسمية بالقاسم؟ سدًّا للباب؛ لئلا يُكنى أبوه بأبي القاسم، وقد غيّر مروان بن الحكم اسم ابنه عبد الملك حين بلغه هذا الحديث، فسماه عبدالملك، وكان اسمه أولًا القاسم، وفعله بعض الأنصار أيضًا غيّر.

السادس: أن التسمية بمحمد ممنوعة مطلقًا سواءٌ كان له كُنية أم لا، التسمية بمحمد ممنوعة مطلقًا سواءٌ كان له كُنية أم لا، وجاء فيه حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «تسمون أولادكم محمدًا ثم تلعنونهم»، وكتب عمر، هذا الحديث «تسمون أولادكم محمدًا ثم تلعنونهم» قال ابن حجر: أخرجه البزار وأبو يعلى وسنده لين، وكتب عمر إلى الكوفة: لا تسموا أحدًا باسم نبي، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم محمد، بتغيير أسماء أبنائهم محمد حتى ذكر له جماعة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن لهم بذلك وسماهم به فتركهم، قال القاضي: والأشبه أن فعل عمر -رضي الله تعالى عنه- وهذا إعظام لاسم النبي-صلى الله عليه وسلم-؛ لئلا يُنتهك الاسم كما جاء في الحديث «تسمون أولادكم محمد ثم تلعنونهم»، وقيل: سبب نهي عمر-رضي الله عنه- أنه سمع رجلاً يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب: فعل الله بك يا محمد، فدعاه عمر فقال: أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُسب بك؟ والله لا تُدعى محمدًا ما بقيت، وسماه عبد الرحمن.

 النبي -عليه الصلاة والسلام- وجه من سمى ابنه القاسم إلى عبد الرحمن؛ لئلا يتفق معه في الكنية، وهنا عمر -رضي الله عنه- غير الاسم من محمد إلى عبد الرحمن، أحيانًا تسمية المدارس أو الأحياء أو غير ذلك مما يحتاجه الناس ويتداولونه بأسماء الأنبياء أو بأسماء الصحابة أو بأسماء خيار الأمة مثلًا يدعو إلى امتهانهم، فمثلًا لو وُجدت مدرسة باسم أبي بكر وأخرى باسم عمر، وهذا موجود، ثم وجد مثلًا خصومة بين شباب من هؤلاء وهؤلاء، أو مباراة مثلًا في كرة، فاز فريق أحد المدرستين تعرض الاسم للامتهان، وهذا مُشاهد، وهذا مشاهد، لكن الذي يسمي بهذه الأسماء لا يخطر على باله مثل هذا، إنما الذي يخطر على باله تعظيم هذا الرجل من خلال رفع اسمه فوق هذا المعلم من معالم العلم، وكثرة ذكره ودورانه على ألسنة الناشئة؛ لئلا يُنسى، وقد يترضى عنه من يترضى، وقد يُكتب اسمه في أوراق المدرسة الرسمية مقرونًا بالترضي عنه، هذا مقصد نبيل بلا شك، وهذا هو المَظْنُون بالمسؤولين حينما عمدوا إلي هذا، وإن وُجد الامتهان من بعض الصغار، وذكر ابن حجر: أن عمر أرسل إلى بني طلحة وهم سبعة ليغير أسماءهم، فقال لهم محمد وهو كبيرهم: والله لقد سماني النبي -صلى الله عليه وسلم- محمدًا، فقال: قوموا فلا سبيل إليكم، فهذا يدل على رجوعه عن ذلك، التسمية بأسماء الأنبياء جاء منعه حتى من عمر، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- سمى ابنه إبراهيم، وعلى هذا فلا مانع من التسمية بأسماء الأنبياء.

المقدم: هذا آخر قول في هذه المسألة يا شيخ أم بقي أقوال؟

لا، انتهت الأقوال، والمرجح- والله أعلم- أن النهي منسوخ، وأن هذا خاص في وقته -عليه الصلاة والسلام- لأنه يرتفع المحظور.

المقدم: أحسن الله إليكم، ولعلنا أيضًا نستكمل ما تبقى خصوصًا أننا أنهينا الأقوال في هذه المسألة، نستكمل أيها الإخوة والأخوات ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث معكم في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.