التعليق على الموافقات (1435) - 09

نعم.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- إتمامًا للمسألة الثالثة: "فصل: وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية، حتى صار الخلاف في المسائل معدودًا في حجج الإباحة، ووقع فيما تقدم وتأخر من الزمان الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفًا فيه بين أهل العلم، لا بمعنى مراعاة الخلاف".

لأن بعض الناس يسمع أن الخلاف له شيء من الأثر، والمقصود بذلك الخلاف المعتبر، ما دامت المسألة خلافية يظن أن فيها سعة. وبعضهم يطلق أنه لا إنكار في مسائل الخلاف. هذا الكلام ليس بصحيح، العبرة بالخلاف المعتبر الذي له ما يسنده من الكتاب والسنة، وإذا أمكن الترجيح فالراجح هو الصواب وما عداه خطأ مغفور من أهل الاجتهاد.

طالب: "فإن له نظرًا آخر، بل في غير ذلك، فربما وقع الإفتاء في المسألة بالمنع، فيقال: لِم تمنع والمسألة مختلف فيها؟ فيجعل الخلاف حجةً في الجواز لمجرد كونها مختلفًا فيها، لا لدليل يدل على صحة مذهب الجواز، ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع".

هذه طريقة أهل الهوى، إذا وجدوا خلافًا ووجدوا ما يناسبهم ويتفق مع أهوائهم من الأقوال ولو كانت شاذة تبنوها، وطنطنوا عليها، وسخروا ممن قال بخلافها، والله المستعان.

طالب: "ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع، وهو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد متعمدًا، وما ليس بحجة حجةً. حكى الخطابي في مسألة البتع المذكور في الحديث عن بعض الناس".

وهو خمر أو نبيذ العسل.

طالب: "المذكور في الحديث عن بعض الناس، أنه قال: إن الناس لما اختلفوا في الأشربة، وأجمعوا على تحريم خمر العنب، واختلفوا فيما سواه؛ حرمنا ما اجتمعوا على تحريمه وأبحنا ما سواه.

قال: وهذا خطأ فاحش، وقد أمر الله تعالى المتنازعينَ أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول.

قال: ولو لزم ما ذهب إليه هذا القائل، للزم مثله في الربا والصرف ونكاح المتعة؛ لأن الأمة قد اختلف فيها.

قال: وليس الاختلاف حجةً، وبيان السنة حجة على المختلفين من الأولين والآخرين. هذا مختصر ما قال".

"هذا مختصر ما قال" الخطابي، الخلاف ليس بحجة، العبرة بالدليل، والعبرة بالقول الذي يسرده الدليل، والقول الذي لا دليل عليه ولا حجة عليه وجوده مثل عدمه. بيان السنة حجة؛ لأن المبيِّن هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وكلامه حجة يبيِّن به كلام الله -جل وعلا-. نعم.

طالب: "والقائل بهذا راجع إلى أن يتبع ما يشتهيه، ويجعل القول الموافق حجةً له ويدرأ بها عن نفسه، فهو قد أخذ القول وسيلةً إلى اتباع هواه، لا وسيلةً إلى تقواه، وذلك أبعد له من أن يكون ممتثلاً لأمر الشارع، وأقرب إلى أن يكون ممن اتخذ إلهه هواه.

ومن هذا أيضًا جعلُ بعض الناس الاختلاف رحمةً للتوسع في الأقوال، وعدم التحجير على رأي واحد".

قد لا يكون الكلام من الظهور والوضوح في أزمنة مضت مثل ظهوره في وقتنا هذا، من تتبع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية عرف حقيقة هذا الكلام، وعرف ما آل إليه هذا الكلام من الضياع في الأفراد والمجتمعات، تُقاد الأمة بأقوال شاذة، لا دليل لها، ولا مستند عليها باعتبار أنه خلاف، وكل خلاف معتبر؛ هذا كلام ليس بصحيح.

طالب: "ويُحتج في ذلك بما رُوي عن القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز وغيرهما مما تقدم ذِكره".

يعني في خلاف الصحابة.

طالب: "ويقول: إن الاختلاف رحمة. وربما صرح صاحب هذا القول بالتشنيع على من لازم القول المشهور أو الموافق للدليل، أو الراجح عند أهل النظر، أو الذي عليه أكثر المسلمين، ويقول له: لقد حجرت واسعًا، وملت بالناس إلى الحرج، وما في الدين من حرج، وما أشبه ذلك. وهذا القول خطأ كله، وجهل بما وُضعت له الشريعة، والتوفيق بيد الله".

ويحتج بعضهم بأنه -عليه الصلاة والسلام- «ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما»، هذا في وقت التشنيع، ما بعد استقر الحكم. يختار النبي -عليه الصلاة والسلام- ليكون حكمًا، أما أنت تختار من أجل ماذا؟

طالب: «ما لم يكن إثمًا» بعد.

للهروب من الحكم يختاره، لا لتحقيق الحكم الذي يسوده الدليل، والله المستعان.

طالب: "وقد مر من الدليل على خلاف ما قالوه ما فيه كفاية، والحمد لله، ولكن تقرر منه هاهنا بعضًا على وجه لم يتقدم مثله، وذلك أن المتخير بالقولين مثلاً بمجرد موافقة الغرض، إما أن يكون حاكمًا به، أو مفتيًا، أو مقلدًا عاملاً بما أفتاه به المفتي. أما الأول، فلا يصح على الإطلاق".

أي في حقوق العباد، يحكم لطرف لأن هذا القول قيل به، طيب القول الثاني الذي يصب في مصلحة الخصم الثاني؟ أنت تضيع الحق لأنه قيل بخلافه؟ تنظر إلى الدليل، وانظر إلى الراجح، واجتهد في المسألة ولو أخطأت، المقصود أنك من أهل النظر والاجتهاد، فإذا اجتهدت واستفرغت الوسع والنظر في أطراف المسألة وأدلتها، أنت على حق إن شاء الله تعالى. أما أن تحكم لهذا لزيد من الناس لأن هذا قول قيل به، طيب قيل بخلافه؟ إذا كان هذا يستحق وذاك يستحق القول الآخر.

طالب: "أما الأول فلا يصح على الإطلاق؛ لأنه إن كان متخيرًا بلا دليل لم يكن أحد الخصمين بالحكم له أولى من الآخر؛ إذ لا مرجح عنده بالفرض إلا التشهي، فلا يمكن إنفاذ حكم على أحدهما إلا مع الحيف على الآخر، ثم إن وقعت له تلك النازلة بالنسبة إلى خصمين آخرين، فكذلك، أو بالنسبة إلى الأول، فكذلك، أو يحكم لهذا مرة ولهذا مرة، وكل ذلك باطل ومؤد إلى مفاسد لا تنضبط بحصر، ومن هاهنا شرطوا في الحاكم بلوغ درجة الاجتهاد، وحين فُقد لم يكن بُد من الانضباط إلى أمر واحد، كما فعل ولاة قرطبة حين شرطوا على الحاكم أن لا يحكم إلا بمذهب فلان ما وجده، ثم بمذهب فلان، فانضبطت الأحكام بذلك، وارتفعت المفاسد المتوقعة من غير ذلك الارتباط".

ولذا جاء الإلزام حينما صعب الاجتهاد وتعذر وجوده في كثير من الأزمان وكثير من الأقطار والأقاليم، ألزموا بمذهب معين لتطرد الأحكام، فتجد مثلاً هؤلاء يحكمون بمذهب مالك، وهؤلاء بمذهب أبي حنيفة، وهؤلاء بمذهب الشافعي، وهؤلاء بمذهب الحنابلة، ورأى بعضهم أن يلزموا بكتاب من كتب المذهب، فالأندلس كتب ابن القاسم، والمشرق لهم كتب اختاروها ظاهر الرواية وغيره، وغير ذلك من البلدان، وفي هذه البلاد مدة معينة قد تكون خفت وطأة هذا القول، كانوا يحكمون بما تضمنه الكشاف كشاف القناع؛ لأنه أوسع كتب المذهب في الفروع في المسائل.

على كل حال أحسن من الضياع، وأحسن من اجتهاد من ليس من أهل الاجتهاد. لكن الأصل هو الاجتهاد والنظر في الأدلة. لكن إذا تعذَّر؟ إذا تعذر لا بد من حمل الناس على قول هو الأقرب إلى الصواب. ثم بعد ذلك مالوا إلى نسف الكتب والمذاهب، وألّفوا لأنفسهم من أخذًا من كتب المذاهب شيء ملفق على صيغة مواد وأصدروه في مجلات، مثل مجلة الأحكام العدلية ومدونة الأحكام وهكذا، شيئًا فشيئًا إلى أن عاد نُسخت كل هذه الأمور في كثير من بلاد المسلمين، وحكم فيها بغير شرع الله، نسأل الله العافية.

طالب: "وارتفعت المفاسد المتوقعة من غير ذلك الارتباط، وهذا معنًى أوضح من إطناب فيه. وأما الثاني، فإنه إذا أفتى بالقولين معًا على التخيير فقد أفتى في النازلة بالإباحة وإطلاق العنان، وهو قول ثالث خارج عن القولين".

تخيير، القول الأول إلزام بالمنع، القول الثاني إلزام بالإباحة. لكن إذا جاءك من يقول: تخير بين القولين؟ هل هذا يدخل في القول الأول أو في الثاني؟ لا يدخل، هذا قول ثالث، إحداث قول جديد.

طالب: "وهذا لا يجوز له إن لم يبلغ درجة الاجتهاد باتفاق، وإن بلغها لم يحسن له القولان في وقت واحد ونازلة واحدة وأيضًا حسبما بسطه أهل الأصول.

 وأيضًا فإن المفتي قد أقامه المستفتي مقام الحاكم على نفسه، إلا أنه لا يُلزمه المفتي ما أفتاه به".

لأن حقيقة الفتوى: بيان الحكم من غير إلزام، بخلاف القضاء الذي هو بيان الحكم مع الإلزام به.

طالب: "فكما لا يجوز للحاكم التخيير، كذلك هذا. وأما إن كان عاميًّا، فهو قد استند في فتواه إلى شهوته وهواه، واتباع الهوى عين مخالفة الشرع، ولأن العامي إنما حكَّم العالم على نفسه؛ ليخرج عن اتباع هواه، ولهذا بُعثت الرسل وأنزلت الكتب، فإن العبد في تقلباته دائر بين لمَّتين: لمة مَلك، ولمة شيطان، فهو مخيَّر بحكم الابتلاء في الميل مع أحد الجانبين، وقد قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8]، {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]. وعامة الأقوال الجارية في مسائل الفقه إنما تدور بين النفي والإثبات، والهوى لا يعدوهما، فإذا عرض العامي نازلته على المفتي، فهو قائل له: أخرجني عن هواي ودلَّني على اتباع الحق. فلا يمكن -والحال هذه- أن يقول له: في مسألتك قولان، فاختر لشهوتك أيُّهما شئت؟".

"أيَّهما".

طالب: "أيَّهما شئت، فإن معنى هذا تحكيم الهوى دون الشرع، ولا يُنجيه من هذا أن يقول: ما فعلت إلا بقول عالم، لأنه حيلة من جملة الحيل التي تنصبها النفس، ووقاية عن القال والقيل، وشبكة لنيل الأغراض الدنيوية، وتسليط المفتي العامي على تحكيم الهوى بعد أن طلب منه إخراجه عن هواه رمي في عماية، وجهل بالشريعة، وغش في النصيحة، وهذا المعنى جارٍ في الحاكم وغيره، والتوفيق بيد الله تعالى".

والله أعلم.

طالب: أُكمل أم لا يا شيخ؟

ماذا؟

طالب: نكمل أم لا؟

نعم مترابط هذا الكلام؛ لأن هذه...

طالب: .......

ماذا؟

طالب: أقول نكمل أم لا؟

نعم، هذه المسألة المائة صفحة، المسألة؟ أين المسألة؟

طالب: .......

المسألة الرابعة مائة وأربعة عشر، ثماني عشرة صفحة، تحتاج إلى درسين.

طالب: ما تراه.

ماذا؟

طالب: ودك.

واللهِ ودنا واللهِ أن نقف عليه، لكن كيف نعوض؟

طالب: مشكلة أنه إذا طالت المسألة.

نعم، هذه تطول، الكتاب كله متفرع، يعني بين المسألة هذه والتي قبلها وبين الفصل هذا والذي قبله أسبوع كامل ما له، يعني التصور بعيد إلا لمن يراجع، الذي ما يعتمد على الدرس فقط، الذي يربط الدرس هذا بالذي قبله وبالذي بعده هو من يتصور المسائل، ويفهمها على وجهها، أما من لا يراجع الكتاب، ولا يفتح الكتاب إلا في الدرس هذا كما قال أهل العلم: قلَّ أن يفلح.

طالب: .......

العامة لا، غلط.

طالب: .......

غلط، العامة لا يدركون أسباب الخلاف، والذي لا يعرف سبب الخلاف يرجع هذا الخلاف إلى اضطراب في الشرع، ما يجوز.