شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (286)

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين،

أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى لقاء جديد في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح".

مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: لازلنا في حديث أنس- رضي الله عنه-، وهو مائة واثنين وأربعين بحسب الأصل، مائة وستة عشر في المختصر لمتابعة الإخوة والأخوات.

 توقفتا عند قوله: «مِنَ الْخُبُثِ» هذه اللفظة نبدأ بها، أحسن الله إليك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

في قوله متن الحديث: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ».

المُقَدِّم: بالضم.

بالضم والسكون على ما سيأتي وإن أنكر كثير منهم السكون، يقول الخطابي في أعلام الحديث: «الْخُبُثِ»: جمع خبيث كقولك: جديد وجدد وعتيق وعتق، والخبائث جمع الخبيثة. تعوُّذٌ بالله من ذكران الشياطين وإناثهم، الخبث جمع والخبائث..

المُقَدِّم: جمع أيضًا.

جمع، الخبث جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، فكأنَّه تعوَّذ بالله من ذكران الشياطين وإناثهم، يقول الخطابي: وإنَّما خص بذلك الخلاء؛ لأنَّ الشياطين يحضرون الأخلية، وهي مواضع يهجر فيها ذكر الله، فقدم لها الاستعاذة احترازًا منهم. وقد قال- صلى الله عليه وسلم-:

المُقَدِّم: صلِّ عليه وسلم.

«إنَّ هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء فليتعوذ بالله». يعني العلة في تخصيص هذه الأماكن بهذه الاستعاذة إنَّما خص بذلك؛ لأنَّ الشياطين يحضرون الأخلية.

المُقَدِّم: «إنَّ هذه الحشوش».

يقول: وهي مواضع يهجر فيها ذكر الله، فقدم لها الاستعاذة احترازًا منهم. وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ هذه الحشوش محتضرة» يعني تحضرها الشياطين.

 المُقَدِّم: نعم.

«فإذا دخل أحدكم الخلاء فليتعوذ بالله»، الحديث هذا رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه وإسناده جيد، صححه ابن حبان وغيره؛ لأنَّ الأماكن مناوبة، المكان الذي تدخله الملائكة..

المُقَدِّم: لا تدخله الشياطين.

لا تدخله الشياطين والعكس، والملائكة لا تدخل هذه الحشوش، ولا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة، ما الذي يدخله؟

المُقَدِّم: الشياطين.

بلا شك. الشياطين.

في شرح الكرماني يقول: عامة أصحاب الحديث يقولون: الخبْث ساكنة الباء، وهو غلط، والصواب ضمها، يقول الكرماني: عامة أصحاب الحديث يقولون: الخبث ساكنة الباء، وهو غلط، والصواب ضمها، ثم ذكر كلام ابن الأعرابي، قال: وأصل الخبُث في كلامهم المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار، هذا كلام ابن الأعرابي وقد نقله ابن بطال مصرحًا بنسبته إليه، والكرماني نقله من غير نسبة، أصل الكلام الخبث في كلامهم المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، من الكلام الشتم، الكلام الخبيث الشتم، وإن كان من الملل الملة القبيحة هي الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سورة الأعراف: 157]، قد يرد في الطعام ولا يراد به الحرام، إنَّما يراد به المفضول كسب الحجام خبيث، حرام؟

المُقَدِّم: لا.

ليس بحرام؛ لأنَّه لو كان حرامًا ما أعطى النبي- عليه الصلاة والسلام- الذي حجمه أجرته، وقد أعطاه. أيضًا في قوله- جلَّ وعلا-: { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [سورة البقرة: 267] ليس المراد منه الحرام، وإنما مراده به الطعام المفضول، إذا كان عندك طعام جيد، وطعام رديء، الله- جلَّ وعلا- يحثك على الصدقة من الطعام الجيد ولا تتيمم الرديء وإن كان حلالًا مباحًا، واضح أم ليس بواضح؟

المُقَدِّم: واضح جدًّا.

نعم، لا تتيمم الرديء، {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [سورة البقرة: 267] يعني لو كان لك سلم طعام بأوصاف عالية أو جيدة، سلم، دفعت لمزارع.. السلم معروف.

المُقَدِّم: نعم.

دفعت لمزارع قيمة خمسمائة صاع من التمر أو من البر بمواصفات جيدة، ثم جاء لك بتمر أقل أو بر أقل.

المُقَدِّم: ما تأخذه.

تأخذ أم ما تأخذ؟

المُقَدِّم: ما تأخذه.

إلا أن تغمض فيه، يعني تظن أنَّك إن لم تأخذ ما جاءك شيء، يضيع مالك، تأخذ، فلماذا تتيمم هذا الطعام الرديء وتعطيه أخاك في الإسلام، تتصدق به عليه؟ لماذا لا تعطيه من الجيد كما قال- جلَّ وعلا-: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران :92] يعني ليس بالخبيث محصور في الحرام، إنَّما يُطلق ويُراد به المفضول، قال: وإن كان من الشراب فهو الضار.

نقل الكرماني عن التوربشتي، الكرماني في شرحه نقل عن التوربشتي، التوربشتي له شرح على المصابيح، وهذا محقق رسائل في قسم السُّنَّة.

المُقَدِّم: ما شاء الله.

نعم، قوله في إيراد الخطابي هذا اللفظ في جملة الألفاظ الملحونة نظر، الخُبْث في إيراد الخطابي هذا اللفظ في جملة الألفاظ الملحونة نظر؛ لأنَّ الخبيث إذا جمع، إذا جمع الخبيث فكجمع جديد جمعه....

 المُقَدِّم: جدد.

نعم، إذًا خبيث جمعه.

المُقَدِّم: خُبُث.

خُبُث، لكن يُمكن أن تسكن الباء للتخفيف.

المُقَدِّم: خُبْث.

خُبْث، نعم، يُمكن أن تسكن الباء للتخفيف، يعني ما يلزم ألا يكون جمعًا للخبيث إذا سُكِّنت ياؤه، ومعلوم أنَّ المتحرك قد يُسكَّن للتخفيف، يُمكن أن تسكن الباء للتخفيف وهذا مستفيض، يعني كثير في لغة العرب، لا يسع أحدًا مخالفته إلا أن يزعم أن ترك التخفيف فيه أولى؛ لئلا يشتبه بالخبْث الذي هو المصدر، وإلا فالأصل الضم خُبُث، قد تُسكَّن الباء تخفيفًا، والتسكين للتخفيف هذا معروف ومشهور ومستفيض، لكن يبقى أنَّ الأولى الضم؛ لئلا يشتبه الجمع بالمصدر.

وقال البغوي في شرح السُّنة: الخبُث بضم الباء جمع الخبيث، والخبائث جمع الخبيث، يريد ذكران الشياطين وإناثهم، وبعضهم يروى الخبْث، بكسر الباء، وقال: الخبث الكفر، والخبائث الشياطين، يعني كأنَّه تعوذ بالله من الشر وأهله، وخص الخلاء به؛ لأنَّ الشياطين تحضر الأخلية؛ لأنَّه يهجر فيها ذكر الله- عزَّ وجلَّ-، ثم ذكر مثلما ذكر الخطابي.

قال ابن بطال: فسر أبو عبيد «الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» فقال: الخبُث يعم الشر، والخبائث الشياطين.

وقال ابن حجر: وقع في نسخة ابن عساكر يعني من صحيح البخاري.

المُقَدِّم: نعم.

وقع في نسخة ابن عساكر قال أبو عبد الله، يعني من؟

المُقَدِّم: البخاري.

يعني البخاري، ويُقال: الخُبْثُ أي بإسكان الموحدة، يقول: فإن كانت مخففة عن المحركة فقد تقدم توجيهه، وإن كانت بمعنى المفرد فمعناه كما قال ابن الأعرابي المكروه، يعني الذي سبق ذكره.

المُقَدِّم: نعم.

المكروه فإن كان من الكلام..، الخبث المكروه فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار؛ وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي، أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب؛ ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره: «أعوذ بالله من الخبْث والخبيث»، «أعوذ بالله من الخبث».

المُقَدِّم: «والخبيث».

أو «الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ»، الأولى بالإسكان مع الإفراد «الخبْث والخبيث»، أو «الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» الأولى بالإسكان مع الإفراد والثاني بالتحريك مع الجمع، أي من الشيء المكروه ومن الشيء المذموم أو من ذكران الشياطين وإناثهم، وكان النبي- عليه الصلاة والسلام- يستعيذ بالله تعالى إظهارًا للعبودية ويجهر بها للتعليم. يقولها إظهارًا للعبودية.

المُقَدِّم: هذا ظاهر، «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ».

ويجهر بها للتعليم، يعني من أين عرفنا أنَّ النبي- عليه الصلاة والسلام- يقول ذلك؟

المُقَدِّم: سمعه بعض الناس.

نعم، سمعه أنس- رضي الله عنه-، ويجهر بها للتعليم، وقد روى العمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر قال: « إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» وإسناده على شرط مسلم يقول ابن حجر، وفيه زيادة التسمية «فقولوا بسم الله، أعوذ بالله من الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» فيه زيادة التسمية قال: ولم أرها في غير هذه الرواية، وقال العيني: في الحديث الاستعاذة بالله عند دخول الخلاء، الاستعاذة بالله عند إرادة دخول الخلاء، وقد أجمع على استحبابها، وسواء فيها الصحراء والبنيان، فلو نسى التعوذ فدخل فذهب ابن عباس وغيره إلى كراهة التعوذ، وأجازه جماعة منهم ابن عمر- رضي الله عنهما-.

كلام العيني يقول: في الحديث استعاذة بالله عند إرادة الدخول في الخلاء، وقد أُجمع على استحبابها وسواء فيها البنيان والصحراء، فلو نسى التعوذ فذهب ابن عباس وغيره إلى كراهة التعوذ، نسي ودخل المكان المعد، يتعوذ أم ما يتعوذ؟

المُقَدِّم: ابن عمر- رضي الله عنهما- يرى ذلك.

نعم، فذهب ابن عباس وغيره إلى كراهة التعوذ؛ لأنَّ ذكر الله- جلَّ وعلا- يُصان عن هذه الأماكن، وأجازه جماعة منهم ابن عمر- رضي الله عنهما-.

فيه إشارة إلى أنَّ الكنف في السابق تجتمع فيها النجاسات، الكنف في وقتنا.

المُقَدِّم: ما تجتمع.

ما تجتمع، يأتي عليها الماء ويزيلها ويذهبها إلى مكان بعيد، فما بين الأسوار، أسوار الكنيف ليس فيه شيء من هذه النجاسات إلا اللهم من لا يستعمل المزيل لهذه النجاسات والمبعد لها عن هذا المكان؛ لأنَّه قد يتصور بقاؤها إذا لم تزل بالماء، لكن من اعتاد ذلك وأنَّه كلما قضى حاجته أزالها بما يسمى...

المُقَدِّم: مواد الإزالة، يعني السيفون وغيره.

مثل السيفون مثلًا، ويبعدها عن المكان المحدود، هل نقول إنَّ هذا يُذكر فيه اسم الله باعتبار المكان نظيفًا؟ والنجاسة إذا كانت على الأرض وأذهبها الماء انتهى حكمها؟ أو نقول: يبقى الكنيف كنيفًا، ومادام معدًّا لهذا الأمر فهو في الأصل نجس، نعم، قد يأتي ما يزيل هذه النجاسة، لكنه في الأصل تُقضى فيه الحاجة، فالأولى ألا يذكر فيه اسم الله- جلَّ وعلا-.

ابن حجر في فتح الباري يقول: الكلام هنا في مقامين، أحدهما، هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين، يعني إذا كان مكان قضاء الحاجة الخلاء البر مثلًا، هل نقول: إنَّ هذا تحضره الشياطين، المكان المعد لا شك أنَّه تحضره الشياطين، هذه الأخلية تحضرها الشياطين، لكن المكان غير المعد؟

المُقَدِّم: يعني خلاء، بر.

بر، نعم، قد تحضر الشياطين، لكن تحضر أثناء قضاء الحاجة، أو في مكان لا يُعلم به؟ يعني كما قال النبي- عليه الصلاة والسلام- في الوادي: « إنَّ هذا المكان حضر فيه الشيطان».

المُقَدِّم: لمَّا فاتتهم الصلاة.

نعم، لمَّا فاتتهم صلاة الصبح، يقول: هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين، كما ورد في حديث زيد بن أرقم في السنن- يعني تقدم ذكره-، أو يشمل حتى لو بال في إناء في جانب البيت؟ الأصح الثاني ما لم يشرع في قضاء الحاجة.

يعني هل يختص ذلك بالأماكن المعدة؟ أو يشمل؟ يقول ابن حجر: الأصح الثاني فيقول هذا الذكر ما لم يشرع في قضاء الحاجة، المقام الثاني: متى يقول ذلك؟ فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة يفصل، أمَّا في الأمكنة المعدة لذلك فيقوله قبيل دخولها، يعني كما صُرح به في رواية: « إذا أراد أن يدخل»، أمَّا في الأمكنة المعدة لذلك فيقوله قبيل دخولها، وأمَّا في غيرها فيقوله في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلًا، وهذا مذهب الجمهور، وقالوا فيمن نسي الاستعاذة، يعني دخل المكان المعد، أو شرع وشمر ثيابه، نسي الاستعاذة قالوا: يستعيذ بقلبه لا بلسانه، ما الفرق بين كونه يستعيذ بلسانه، وبين أن يستعيذ بقلبه؟

المُقَدِّم: بلسانه يظهر اللفظ.

هو يكون ذاكرًا.

المُقَدِّم: نعم.

لكن إن استعاذ بقلبه يكون ذاكرًا؟ لا يكون ذاكرًا، وإنَّما يكون متفكرًا، فيستحضر هذا الذكر في قلبه، ولا ينطق به بلسانه. من يجيز مطلقًا الذكر في هذه الأماكن كما نقل عن مالك لا يحتاج إلى هذا التفصيل.

الحديث خرجه الإمام البخاري في موضعين، الأول هنا في كتاب الوضوء باب ما يقول عند الخلاء، قال: حدثنا آدم، قال حدثنا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب، قال: سمعت أنسًا يقول: « كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ قال: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ من الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ». تابعه ابن عرعرة عن شعبة وقال غندر عن شعبة: «إذا أتى الخلاء»، وقال موسى عن حماد: « إذا دخل»، وقال سعيد بن عبد العزيز: حدثنا، وقال سعيد بن زيد قال حدثنا عبد العزيز: « إذا أراد أن يدخل».

ووجه المناسبة باب ما يقول عند الخلاء وجه المناسبة تقدم ذكره.

المُقَدِّم: نعم.

الموضع الثاني في كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الخلاء، الثاني في كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الخلاء قال الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ»، والمناسبة ظاهرة، والحديث مخرج في صحيح مسلم، فالحديث متفق عليه.

المُقَدِّم: قال- رحمه الله تعالى-: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ الْخَلاءَ، قَالَ: فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، قَالَ: «مَنْ وَضَعَ هَذَا»؟ فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».

راوي الحديث عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حبر الأُمَّة وترجمان القرآن مر ذكره مرارًا. والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب ...

المُقَدِّم: وضع الماء عند الخلاء.

وضع الماء عند الخلاء. يقول ابن حجر: الخلاء هو بالمد، وحقيقته المكان الخالي، واستعمل في المكان المعد لقضاء الحاجة مجازًا.

يقول العيني: أي هذا باب في بيان وضع الماء عند الخلاء، ليستعمله المتوضئ بعد خروجه منه، يعني من الخلاء، ووجه المناسبة بين البابين، باب وضع الماء عند الخلاء هذا والذي قبله.

المُقَدِّم: باب ما يقول عند الخلاء.

باب ما يقول عند الخلاء، وجه المناسبة ظاهر؛ لأنَّ كل منهما أو كل ما فيهما مما يستعمل عند الخلاء، يعني سواء الذكر أو الماء الوَضوء، ومطابقة الحديث للترجمة ..

المُقَدِّم: ظاهرة.

ظاهرة.

المُقَدِّم: «وضعت له وضوءًا«.

»وضعت له وضوءًا» والترجمة عند الخلاء، وضع الوضوء عند الخلاء، والعيني يقول: وضع الماء عند الخلاء، يعني هل الترجمة مطابقة للحديث؟ «دخلت الخلاء فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا» وضعه عنده ولا في داخله؟ «دخل الخلاء، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، قال: من وضع هذا؟» يعني مقتضى كونه دخل فرغ من الدخول ووجد الآن في داخل المكان المعد، يكون وضعه عنده، لكن إذا كان وضع الماء قبل دخوله- عليه الصلاة والسلام- يكون.

المُقَدِّم: في داخله.

داخل الخلاء؛ لأنَّ «دخل الخلاء فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا» الظاهر أنَّه دخل وفرغ، فرغ من الدخول فالماء يوضع عند.. 

المُقَدِّم: الباب.

عند باب الخلاء.

المُقَدِّم: يعني لما خرج.

فتكون الترجمة وضع الماء عند الخلاء مطابقة.

المُقَدِّم: نعم.

وإذا قلنا: «دخل الخلاء» يعني أراد دخول الخلاء «فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا» يعني في داخل الخلاء، تكون الترجمة «في» وضع الماء في الخلاء.

«دخل الخلاء» يعني المكان المعد بدليل الدخول، «فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا» يقول الكرماني: هو بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به، قال- صلى الله عليه وسلم- بعد الخروج من الخلاء: «من وضع هذا» يعني من وضع هذا الوَضوء الماء؟ «من» استفهامية مبتدأ خبره «وضع هذا» الجملة، «فأخبر» النبي- عليه الصلاة والسلام- بصيغة المبني للمجهول لما لم يسم فاعله، قال ابن حجر: تقدم في كتاب العلم أنَّ ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس هي المخبرة بذلك.

«فقال: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».

المُقَدِّم: أم المؤمنين- رضي الله عنها-.

نعم، «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» كم بقي من الوقت؟

«اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» تقدم في باب قول النبي- عليه الصلاة والسلام-: «اللهم علمه الكتاب»، عن ابن عباس قال: ضمني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: «اللهم علمه الكتاب»، هناك قال:

المُقَدِّم: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ».

«اللهم علمه الكتاب»، وفي هذا الباب قال:

المُقَدِّم: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».

نعم، وجاء في بعض الروايات الجمع.

المُقَدِّم: بينهما.

بينهما.

المُقَدِّم: «فقهه في الدين وعلمه التأويل».

نعم، الروايات كثيرة في هذا الحديث، ولعلها في مناسبات متعددة.

المُقَدِّم: أحسن الله إليكم، لعلنا نكتفي بهذا في هذا الحديث بإذن الله على أن نستكمل مع الإخوة والأخوات ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث.

 لتذكير الإخوة والأخوات، نحن في حديث مائة وسبعة عشر مائة وثلاثة وأربعين بحسب الأصل، سوف نستكمل بإذن الله حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- في حلقة قادمة.

أيُّها الإخوة والأخوات، شكرًا لطيب متابعتكم، لقاؤنا بكم في الحلقة القادمة، وأنتم على خير.

 

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.