تعليق على تفسير سورة المائدة من أضواء البيان (06)

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه، والتَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، قال الشيخ محمد الأمين الشِّنقيطي –رحمه الله تعالى-:

"المسألة الثالثة: هل يلزم في التيمم مسح غير الكفين؟ اختلف العلماء في ذلك، فأوجب بعضهم المسح في التيمم إلى المرفقين، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما، والثوري وابن أبي سلمة والليث".

ومعروف عند المالكية بالماجشون عبد الملك بن أبي سلمة الماجشون.

"كلهم يرون بلوغ التيمم بالمرفقين فرضًا واجبًا، وبه قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وابن نافع، وإليه ذهب إسماعيل القاضي.

قال ابن نافع: من تيمم إلى الكوعين أعاد الصلاة أبدًا".

يعني: اكتفى بالكفين، يعني: إلى الكوعين إلى المفصل أعاد أبدًا.

"وقال مالكٌ في المدونة: يُعيد في الوقت".

وكثيرًا ما يقنن الإمام مالك ويرتب الفتوى على الوقت؛ لعنايته بالوقت واهتمامه به، ولذلك بدأ كتابه بكتاب الوقوت، ويقولون: إن الوقت عند مالك أهم من الطهارة، ويُرجَّح عليها عند التعارض، بينما جمهور أهل العلم على أن الطهارة أهم وبدأوا بها في كتبهم.

وعلى كل حال التيمم ومسح اليدين (اليد) جاءت في آية التيمم مطلقة، وفي آية الوضوء مقيدة بالمرافق، فهل يُحمل المطلق على المقيد، ويُقال: الآية المطلقة تُحمل على المقيدة، فيكون المسح في التيمم إلى المرافق كالوضوء حملاً للمطلق على المقيد؟

(اليد) جاءت في القرآن في الوضوء، وفي التيمم، وفي القطع في السرقة، جاءت مقيدة في آية الوضوء، ومطلقة في آية السرقة، وفي آية التيمم، يُحمل المطلق على المقيد إذا اتفقا في الحكم والسبب اتفاقًا، فهل اتفقا في الحكم والسبب آية الوضوء مع آية التيمم اتفقا في الحكم والسبب؟ السبب واحد وهو الحدث، والحكم هذا غسل، وهذا مسح اختلفا في الحكم، والجمهور على أنهما إذا اختلفا في الحكم لم يُحمل المطلق على المقيد وإن اتفقا في السبب، بخلاف ما إذا اتفقا في الحكم وإن اختلف السبب.

كالرقبة في كفارة الظهار مطلقة، وفي كفارة القتل مُقيدة بكونها مؤمنة، اتفقا في الحكم، وهو وجوب العتق، واختلفا في السبب هو أن السبب إما ظهار في آية، وإما قتل في آيةٍ أخرى.

اتفاق الحكم، جعل الجمهور يحملون المطلق على المقيد، فيقولون: لابد من أن تكون الرقبة مؤمنة في الكفارات كلها خلافًا للحنفية، الحنفية حجتهم أنه في آية القتل كم كرر الوصف؟ كم كرر القيد كونها مؤمنة، كم كرر؟ ثلاث مرات مما يدل على الاهتمام بشأن هذا القيد في هذا الموضع، والجمهور مادام ثبت القيد في نص فيتناول أو يُحمل ما جاء مطلقًا فيما يُشابهه من الكفارات.

إذا اتفقا في الحكم حُمِل المطلق على المقيد، وإن اختلف السبب، وإذا اختلفا في الحكم لم يُحمل المطلق على المقيد عند الجمهور، وإن اتفق السبب كما هنا.

إذا اختلفا في الحكم والسبب لم يُحمل المطلق على المقيد إجماعًا.

الآية في آية الوضوء، وفي آية السرقة اختلف الحكم هذا غسل، وهذا قطع، واختلف السبب هذا أيضًا سببه الحدث، وذاك سببه السرقة، لا ما فيه أحد يقول بأن اليد تُقطع من المرفق.

هنا مثل ما ذكرنا (اليد) في آية الوضوء مقيدة إلى المرافق، وفي آية التيمم مطلقة، والسبب واحد وهو الحدث، والحكم مختلف هذا مسح، وهذا غسل، فالجمهور لا يحملون المطلق على المقيد خلافًا للشافعية، الشافعية هنا يحملون المطلق على المقيد.

وعلى كل حال فيه نصوص سيوردها المؤلف –رحمه الله- قد يستدل بها من يقول: بمسح اليد إلى المرفق، وإن كان هناك نصوص قد تكون أقوى منها وأوضح أنه يُكتفى باليد إلى الكوع. الكوع أين يا أبا عبد الرحمن..؟ أين الكوع؟

طالب:.............          

ما يسمعونك.

طالب:.............

على الصامت أنت؟

طالب:.............

فعظمٌ يلي الإبهام كوعٌ وما يلي 

 

لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط

 

يعني: الوسط بين الكوع والكرسوع، والعامة إذا أرادوا أن يصفوا شخصًا بالغباء والبلاهة قالوا: ما يعرف كوعه من كرسوعه، كل الناس يعرفون الكوع من الكرسوع؟

طالب:.............

هو الغالب ما يعرفون، الكوع عند الناس المرفق هذا الكوع عند عامة الناس، عند الروافض اليد تُطلق على الأصابع؛ ولذلك القطع عندهم من الأصابع كما نص على ذلك الشريف المرتضى في "الأمالي".

ونحن نرى بعض المصلين –مع الأسف- منهم من طلبة العلم من يسجد على الأصابع، والأصل في اليد هي الراحة السجود عليها، والأصابع تبع تُكمِّل، لكن بعض الناس تجده يقول هكذا في سجوده، هذه ليست هي اليد عند أهل العلم، ولا في لغة العرب، اليد في الأصل هي: الراحة والأصابع تبعٌ لها.

طالب:.............

والله الذي يعرف الحكم تبطل صلاته تصير مثل المسيء.

"وروي التيمم إلى المرفقين مرفوعًا عن جابر بن عبد الله، وابن عمر، وأبي أمامة، وعائشة، وعمارٍ، والأسلع، وسيأتي ما في أسانيد رواياتهم من المقال إن -شاء الله تعالى-، وبه كان يقول ابن عمر، وقال ابن شهاب: يمسح في التيمم إلى الآباط.

واحتج من قال: بالتيمم إلى المرفقين بما روي عمن ذكرنا من ذِكر المرفقين، وبأن ابن عمر كان يفعله، وبالقياس على الوضوء، وقد قال تعالى فيه: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6].

قال مقيده -عفا الله عنه-: الذي يظهر من الأدلة- والله تعالى أعلم- أن الواجب في التيمم هو مسح الكفين فقط، لِما قدمنا من أن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها شيءٌ ثابت الرفع إلا حديث عمار، وحديث أبي جهيمٍ المتقدمين.

 أما حديث أبي جهيم، فقد ورد بذكر اليدين مجملاً، كما رأيت، وأما حديث عمار فقد ورد بذكر الكفين في الصحيحين، كما قدمنا آنفًا. وورد في غيرهما بذكر المرفقين، وفي روايةٍ إلى نصف الذراع، وفي روايةٍ إلى الآباط".

الاختلاف في الروايات المُحكمة بذكر الكفين، وما عدا ذلك إما إلى المرفقين أو إلى العضدين أنصاف اليدين أو إلى الآباط هذه ليست مُحكمة، بل هي متعارضة، ويظهر –والله أعلم- أنها من تعبير الرواة الذي سمع أحد هذه الألفاظ من أجل الاحتياط للكف هي مجرد احتياط للكف إن صحت، وإلا الذي في الصحيحين ما فيه ذكر هذه القيود.

"فأما رواية المرفقين، ونصف الذراع، ففيهما مقالٌ سيأتي، وأما رواية الآباط، فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فكل تيممٍ للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعده فهو ناسخٌ له، وإن كان وقع بغير أمره، فالحُجة فيما أمر به، ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين، كون عمار كان يفتي بعد النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك. وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره. ولاسيما الصحابي المجتهد، قاله ابن حجرٍ في "الفتح".

وأما فعل ابن عمر، فلم يثبت رفعه إلى النَّبي -صلى الله عليه وسلم- والموقوف على ابن عمر لا يُعارض به مرفوعٌ متفقٌ عليه، وهو حديث عمار".

فيكون هذا من احتياط ابن عمر، وهو معروفٌ بالاحتياط، فكان يُدخل الماء في عينيه حتى عمي، هو صاحب تحرٍ واحتياط وتشديد على نفسه، وأما فتواه للناس تختلف، فإذا كان حُفِظ عنه هذا فيكون هذا من تشدده واحتياطه –رضي الله عنه وأرضاه-.

"وقد روى أبو داود عن ابن عمر بسندٍ ضعيف، أنه قال: مرَّ رجل على النَّبي- صلى الله عليه وسلم- في سكةٍ مِن السكك، وقد خرج من غائطٍ أو بول فسلَّم عليه، فلم يرد عليه حتى كاد الرجل يتوارى في السكك، فضرب بيده على حائط، ومسح بها وجهه، ثم ضرب ضربةً أُخرى فمسح بها ذراعيه، ومدار الحديث على محمد بن ثابت، وقد ضعفه ابن معين، وأحمد، والبخاري، وأبو حاتم. وقال أحمد والبخاري: يُنكِر عليه –يُنكَر- وقال أحمد والبخاري: يُنكَر عليه حديث التيمم. أي: هذا، زاد البخاري، خالفه أيوب، وعبيد الله والناس، فقالوا عن نافعٍ عن ابن عمر فِعله".

"فِعله" يعني: من فِعله.

"وقال أبو داود: لم يتابع أحدٌ محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ورووه من فِعل ابن عمر، وقال الخطابي: لا يصح؛ لأن محمد بن ثابتٍ ضعيف جدًّا، ومحمد بن ثابتٍ هذا هو العبدي أبو عبد الله البصري، قال فيه في "التقريب": صدوقٌ لين الحديث".

"لين الحديث" يعني: ضعيف، فإن وُجِد له متابع فهو مقبول، وإلا فليِّن يبقى في ضعفه، ولا يُعارض بحديثه حديث أيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر العمري، وهما من الثِّقات وغيرهم من الرواة.

"واعلم أن رواية الضَّحاك بن عثمان، وابن الهادي لهذا الحديث عن نافعٍ عن ابن عمر، ليس في واحدةٍ منهما متابعة محمد بن ثابتٍ على الضربتين، ولا على الذراعين؛ لأن الضَّحاك لم يذكر التيمم في روايتيه، وابن الهادي قال: في روايته –التيمم في روايته- وابن الهادي قال: في روايته.

 لا الذي قبله أنت قلت: في روايتيه؟

طالب: نعم يا شيخ.

لأن.

لأن الضَّحاك لم يذكر التيمم في روايته، نعم. وابن الهادي قال في روايته: "مسح وجهه ويديه" قاله ابن حجر، والبيهقي، وروى الدارقطني، والحاكم، والبيهقي من طريق علي بن ظبيان، عن عُبيد الله بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «التَّيمم ضربتان: ضربةٌ للوجه، وضربةٌ لليدين إلى المرفقين».

قال الدارقطني: وقفه يحيى القطان، وهُشيمٌ وغيرهما وهو الصواب، ثُم رواه من طريق مالكٍ عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا، قاله ابن حجر، مع أن علي بن ظبيان ضعَّفه القطان، وابن معين، وغير واحد.

وهو ابن ظبيان بن هلالٍ العبسي الكوفي، قاضي بغداد، قال فيه في "التقريب": ضعيف.

ورواه الدارقطني من طريق سالمٍ عن ابن عمرٍ".

 عمرَ.

"عن ابن عمرَ مرفوعًا بلفظ: تيممنا مع النَّبي -صلى الله عليه وسلم- ضربنا بأيدينا على الصعيد الطيِّب، ثُمَّ نفضنا أيدينا فمسحنا بها وجوهنا، ثُمَّ ضربنا ضربةً أخرى فمسحْنا من المرافق إلى الأكف، الحديث، لكن في إسناده سليمان بن أرقم، وهو متروك.

قال البيهقي: رواه معمر وغيره عن الزهري موقوفًا، وهو الصحيح، ورواه الدارقطني أيضًا من طريق سليمان بن أبي داود الحراني، وهو متروكٌ أيضًا عن سالمٍ، ونافع جميعًا عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ: «في التيمم ضربتان: ضربةٌ للوجه، وضربةٌ لليدين إلى المرفقين»، قال أبو زرعة: حديثٌ باطل، ورواه الدارقطني، والحاكم من طريق عثمان بن محمد الأنماطي عن عزرة بن ثابت، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «التيمم ضربة للوجه، وضَرْبة للذِّراعين إلى المرفقين»، ومن طريق أبي نعيم عن عزرة بسنده المذكور، قال: جاء رجلٌ، فقال: أصابتني جنابة، وإني تمعَّكت في التراب، فقال: اضرب، فضرب بيده الأرض فمسح وجهه، ثم ضرب يديه فمسح بهما إلى المرفقين".

هذه الروايات التي فيها من الرواة المتروكين هذه لا يشد بعضها بعضًا، وإلا لو كان الضعف غير شديد؛ لتقوى بعضها ببعضٍ، وارتقت إلى درجة الحسن لغيره، وهو مما يُحتج به، ولكن مادام فيها من الرواة من يُوصف بأنه متروك، فوجوده مثل عدمه لا يُلتفت إليه.

"ضعَّف ابن الجوزي هذا الحديث بأن فيه عثمان بن محمد، ورُدَّ على ابن الجوزي: بأن عثمان بن محمد لم يتكلم فيه أحد، كما قاله ابن دقيق العيد، لكن روايته المذكورة شاذة؛ لأن أبا نعيمٍ رواه عن عزرة موقوفًا، أخرجه الدارقطني، والحاكم أيضًا.   

وقال الدارقطني في حاشية السُّنن عقب حديث عثمان بن محمد: كلهم ثقات، والصواب موقوف".

أين حاشية السُّنن؟ مَن الذي يقول هذا الكلام المؤلف أو ابن الجوزي؟

طالب: ابن حجر في التلخيص.

"كما قاله ابن دقيق العيد" يعني: اعترض ابن دقيق العيد بعد ابن الجوزي.

طالب:.............

يبدو أنه المؤلف "وقال الدارقطني في حاشية السُّنن" على سُنن الدارقطني حاشية اسمها: "التعليق المُغني على سُنن الدارقطني" وهي ليست للدارقطني، وإنما هي لشمس الحق العظيم آبادي صاحب "عون المعبود" متأخر جدًّا يعني في القرن الماضي في أول القرن الماضي.

 كما قال الدارقطني في حاشية السُّنن، يعني: لو قال: كما في حاشية السُّنن، يعني: النقل في حاشية السُّنن عن الإمام الدارقطني ممكن، أما يقول: "الدارقطني في حاشية السُّنن" هذا ليس بصحيح.

"وقال الدارقطني في حاشية السُّنن، عقب حديث عثمان بن محمد: كلهم ثقات، والصواب موقوف، قال ذلك كله ابن حجرٍ في "التلخيص"، وقال في "التقريب" في عثمان بن محمدٍ المذكور: مقبول، وقال في "التلخيص" أيضًا".

والمقبول عند ابن حجر حيث يُتابع، حيث يُتابع يكون مقبول، وإن لم يُتابع فيكون لينًا.

المرتبة الخامسة من المراتب -مراتب التجريح-: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت في حقه ما يُترك حديثه من أجله، فإن تُوبِع فمقبول، وإلا فليِّن، فيُنظر في هذا الراوي إن كان متابعًا يصل لدرجة القبول وإلا فلا.

"وفي الباب عن الأسلع قال: كنت أخدم النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاه جبريل بآية الصعيد، فأراني التيمم، فضربت بيدي الأرض واحدة، فمسحت بها وجهي، ثم ضربت بها الأرض فمسحت بها يدي –يديَّ- إلى المرفقين. رواه الدارقطني، والطبراني وفيه الربيع بن بدر، وهو ضعيف، وعن أبي أمامة رواه الطبراني، وإسناده ضعيفٌ أيضًا، ورواه البزار، وابن عدي من حديث عائشة مرفوعًا: «التيمم ضربتان: ضربةٌ للوجه، وضربةٌ لليدين إلى المرفقين». تفرَّد به الحُريش بن الخريت عن ابن أبي مُليكة عنها. قال أبو حاتم: حديثٌ مُنكر".

"عنها". يعني: عن عائشة.

طالب:.............

يعني: التعليق على سُننه، هو ما يعرف تعليق الدارقطني على سُننه، لكن إن كان كلامه في ثنايا الأحاديث، يعني: في أثنائها ما يُقال لها: حاشية ليست حاشية، وعلى كل حال العبارة مُستدركة.

"والحُريش شيخ لا يُحتج به، وحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لعمار بن ياسر: «تكفيك ضربةٌ للوجه، وضربةٌ للكفين» رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وهو ضعيف، ولكنه حُجةٌ عند الشافعي".

يقول الإمام الشافعي: إذا قال: حدَّثني الثِّقة، الإمام الشافعي إذا قال: حدَّثني الثِّقة إبراهيم بن أبي يحيى، وعامة أهل العلم على أنه ضعيف وضعفه شديد أيضًا، بل متروك، لكن الإمام الشافعي هو شيخه، وهو أعرف به، فإذا روى عنه وثقه. يبقى قوله يُعرض على أقوال الأئمة، وتُعرض أحاديثه على أحاديث الثِّقات فما وافق منها قُبل، وما عارض منها فإنه يُرد.

"وحديث عمار: كنت في القوم حين نزلت الرخصة فأُمِرنا فضربنا واحدةً للوجه، ثم ضربةً أخرى لليدين إلى المرفقين. رواه البزار، ولا شك أن الرواية المتفق عليها عن عمار أولى منه.

وقال ابن عبد البر: أكثر الآثار المرفوعة عن عمار ضربةٌ واحدة، وما رُوي عنه من ضربتين فكلها مضطربة، انتهى منه.

فبهذا كله تعلم أنه لم يصح في الباب إلا حديث عمار، وأبي جهيمٍ المتقدمين، كما ذكرنا.

فإذا عرفت نصوص السنة في المسألة، فاعلم أن الواجب في المسح الكفان فقط، ولا يبعد ما قاله مالكٌ -رحمه الله- من وجوب الكفين، وسُنية الذراعين إلى المرفقين؛ لأن الوجوب دل عليه الحديث المتفق عليه في الكفين.

وهذه الروايات الواردة بذكر اليدين إلى المرفقين تدل على السُّنية، وإن كانت لا يخلو شيءٌ منها من مقال، فإن بعضها يشد بعضًا، لِما تقرر في علوم الحديث من أن الطرق الضعيفة المعتبر بها".

"المعتبر بها" لأن رواية بعض الرواة تُذكر للاعتبار والاختبار فتُختبر إن كانت موافقة لرواية الثِّقات قُبلت وإلا فلا، ولكن ما تقدَّم من الروايات فيها من الرواة المتروكين ما يجعلها لا تصلح للاعتبار.

"من أن الطرق الضعيفة المعتبر بها يقوي بعضها بعضًا، حتى يصلح مجموعها للاحتجاج لا تخاصم بواحدٍ أهل بيتٍ، فضعيفان يغلبان قويًّا، وتعتضد أيضًا بالموقوفات المذكورة، والأصل إعمال الدليلين، كما تقرر في الأصول".

هذا جارٍ على قواعد المتأخرين، حتى إن من المتأخرين مثل السيوطي، وقد يسلكه الألباني في بعض الأحيان أنه يُجمِّع الروايات شديدة الضعف جدًّا، ويجعلها يشهد بعضها لبعض، فضعيفٌ مع ضعيف هذا لا يرتقي أن يُعتبر به، وذاك لا يرتقي عن ضعيفٍ أخف ضعفًا، ثُم إذا وجد ضعيفًا شديدًا مع ضعيف شديد الضعف خفّ عنده الضعف، فلا يزال يخف حتى يصل إلى حد الاحتجاج، في هذا يقول السيوطي في ألفيته: وربما يكون كالذي بُدي. يعني: الضعيف شديد الضعف ربما يكون في بعض الحالات حينما نحتاج إليه، وتكثر هذه الروايات حتى ترتقي إلى درجة الحسن كالضعيف الذي يُعتبر به إذا وجد مثله أو أقوى منه فإنه يرتقي إلى الحسن، ولكن الأئمة على خلاف هذه الطريقة، الأئمة ينظرون إلى الأقوى فيحكمون له بالثبوت، وما عداه فيحكمون عليه بالنَّكارة مما يُخالفه، وهذا معروفٌ عندهم.

"المسألة الرابعة: هل يجب الترتيب في التيمم أو لا؟ ذهب جماعةٌ من العلماء منهم: الشافعي وأصحابه إلى أن تقديم الوجه على اليدين ركنٌ من أركان التيمم".

كما هو الشأن في الوضوء تقديم الوجه على اليدين معروفٌ في الوضوء، وفرض من فرائضه الترتيب.

"وحكى النووي عليه اتفاق الشافعية، وذهبت جماعةٌ منهم مالك، وجُل أصحابه إلى أن التقديم على اليدين سُنَّة –تقديم الوجه على اليدين سُنَّة- ودليل تقديم الوجه على اليدين أنه تعالى قدَّمه في آية النساء، وآية المائدة، حيث قال فيهما: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6].

وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «أبدأ بما بدأ الله به» يعني: قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة: 158] الآية، وفي بعض رواياته «ابدأوا» بصيغة الأمر".

عند النسائي «ابدأوا بما بدأ الله به» صيغة الأمر.

"وذهب الإمام أحمد، ومن وافقه إلى تقديم اليدين، مستدلاً بما ورد في صحيح البخاري في باب "التيمم ضربة" من حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنهما- أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: «إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، فضرب بكفَّيه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفِّه، ثمَّ مسح بها وجهه» الحديث".

طالب:.............

المذهب.

طالب:.............

ماذا؟

طالب:.............

اليدين على الوجه.

كمل..كمل.

"ومعلومٌ أن «ثم» تقتضي الترتيب، وأن الواو لا تقتضيه عند الجمهور، وإنما تقتضي مطلق التشريك، ولا ينافي ذلك أن يقوم دليلٌ منفصل على أن المعطوف بالواو مؤخرٌ عما قبله، كما دل عليه الحديث المتقدم في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة: 158] الآية، وكما في قول حسان:

هجوت محمدًا وأجبت عنه

 

على رواية «الواو» فحديث البخاري هذا نصٌّ في تقديم اليدين على الوجه، وللإسماعيلي من طريق هارون الحمال، عن أبي معاوية ما لفظه: «إنما يكفيك أن تضرب بيديك على الأرضِ ثمَّ تنفضهما، ثم تمسح بيمينك على شمالك، وشمالك على يمينك، ثم تمسح على وجهك» قاله ابن حجرٍ في "الفتح"، وأكثر العلماء على تقديم الوجه مع الاختلاف في وجوب ذلك، وسُنيته"

لو نظرنا إلى أصل هذه الطهارة في حديث عمار وغيره، الآن عمار يتيمم عن إيش عن حدث أصغر أو أكبر؟ أكبر، والطهارة الأصلية التي هي الغسل من الحدث الأكبر يجب فيها ترتيب؟ لا يجب فيها ترتيب، فحديث عمار ولو جاء بتقديم اليدين على الوجه يُقال: هذا حكم من يتيمم عن حدثٍ أكبر لا يجب فيه الترتيب كالغسل، ومن يتيمم عن حدثٍ أصغر يجب فيه الترتيب كالوضوء؛ لأن البدل له حكم المُبدل.

ها يا شيخ الخامسة طويلة أم...؟

طالب: طويلة يا شيخ.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.

يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

طالب: من نام، ولم يغتسل ولم يتوضأ؟

خلاف الأولى ما عليه شيء.