تعليق على البلبل في أصول الفقه (14)

 نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف –رحمه الله تعالى-: "الواجب وفيه مسائل:

الأولى: الواجب ينقسم إلى معينٍ، كإعتاق هذا العبد، والتكفير بهذه الخصلة".

نعم إلى مُعين، الواجب ينقسم إلى معين وإلى مُبهم، فالمعين "كإعتاق هذا العبد" لمن نذر أن يُعتقه بعينه، فنذر أن يُعتق بكرًا من عبيده يلزمه أن يُعتقه ولا يُعتق غيره، لكن لو نذر أن يُعتق عبدًا من عبيده فهذا مُبهم يكون قد وفى بنذره لو أعتق أي واحدٍ منهم، ومثله يلزمه التكفير بهذه الخصلة المُعينة من قِبل الشارع، يعني على اعتبار أن هذه الخصلة التي تعينت مُعينة من قِبل الشارع، أو لا يُوجد غيرها، الآن في كفارة القتل مُخيَّر بين أن يُعتق وبين أن يصوم، العتق غير موجود إذًا تعين الصيام. 

"والتكفير بهذه الخصلة، وإلى مبهمٍ في أقسامٍ محصورةٍ كإحدى خصال الكفارة.

وقال بعض المعتزلة: الجميع واجب، وهو لفظي، وبعضهم: ما يفعل، وبعضهم: واحدٌ معين، ويقوم غيره مقامه".

"وإلى مُبهم" يُقابل المُعين.

"في أقسامٍ محصورةٍ" لا حاجة إلى قوله: محصورة؛ لأنه لو قال الأب لابنه أو السيد لعبيده: اخدمني اليوم بأي خدمة، لزمه أن يخدمه، لكن ما تتعين خدمة مُعينة، لكن لو قال: اخدمني اليوم بكذا، أحضر لنا خبزًا أو لحمًا، أنت عليك شراء الخبز أو اللحم مثلاً، أو تذهب بالعيال الأولاد للمدرسة أو تأتي بالثياب من الغسالة أو ما أشبه ذلك أقسام محصورة، لكن لو قال: عليك أن تخدمني اليوم بخدمة أي خدمةٍ كانت هذه غير محصورة، وهذا يدخل في المُبهم فيكون أدى ما وجب عليه بأي خدمة.

من ذلك صدقة النجوى، صدقة النجوى مفروض أن يُقدم صدقة بين يدي النجوى، نجوى النبي –عليه الصلاة والسلام- وهذا الحكم نُسِخ، لكن هل الصدقة مُحددة؟  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}[المجادلة:12] أي صدقة؟ هذا مُبهم وغير محصور، تتصدق بدرهم، تتصدق بتمرة، تتصدق بأي شيء يقع عليه اسم الصدقة فهو غير محصور، فلا حاجة إلى هذا اللفظ القيد.

"كإحدى خصال الكفارة" العتق، الصيام، الإطعام.

"وقال بعض المعتزلة: الجميع واجب" من حلف يجب عليه أن يُعتق، ويجب عليه أن يصوم، ويجب عليه أن يُطعم، يجب عليه أن يكسو، الجميع واجب، لماذا؟ لأن الشرع أوجب عليه واحدًا من هذه الأشياء، فكونه يُعين واحدًا منه تَحكُّم، فليكن الجميع واجبًا.

"الجميع واجب، وهو لفظي" الخلاف لفظي، لماذا؟ لأن الجُبائي الذي يقول: الجميع واجب لا يختلف مع غيره أنه يخرج من العهدة بفعل واحد، إذًا قوله: الجميع واجب له فائدة؟ لا فائدة له، إذا كان الجميع واجبًا، لكن يخرج من العهدة بفعل واحد إذا كان واجبًا مُخيَّرًا، إذا كان يخرج من العهدة بواحدٍ منها فالخلاف حينئذٍ يكون لفظيًّا، لو فعلها كلها حتى عند الجبائي الذي يقول: الجمع واجب ما يُثاب إلى على ثواب واحد منها؛ لأنها نُسقت بـ(أو) و (أو) كما هو معلوم للتخيير.

"وبعضهم: ما يفعل" شخص قتل شخصًا أو ظاهر من زوجته فتيسر له رقبة فأعتقها، هذا الواجب عليه بعينه، صام شهرين متتابعين هذا الواجب بعينه عليه.

"وبعضهم: واحدٌ معين" أيهم؟ ما يُدرى، الواجب على الشخص واحد بعينه من هذه الخصال.

"ويقوم غيره مقامه" الواجب على سبيل المثال الأول منها العتق، لكن يقوم مقام العتق الصيام، والإطعام وهكذا.

"لنا: القطع بجواز قول السيد لعبده: خط هذا الثوب، أو ابنِ هذه الحائط، لا أوجبهما عليك جميعًا، ولا واحدًا معينًا، بل أنت مطيعٌ بفعل أيهما شئت؛ ولأن النص ورد في خصال الكفارة بلفظ (أو) وهي للتخيير والإبهام.

قالوا: فإن استوت الخصال بالإضافة إلى مصلحة المكلف وجبت، وإلا اختُص بعضها بذلك، فيجب.     

قلنا: مبنيٌّ على وجوب رعاية الأصلح، وعلى أن الحسن والقبح ذاتيان، أو بصفة، وهما ممنوعان، بل ذلك شرعيٌّ، فللشرع فعل ما شاء من تخصيصٍ وإبهام".

يقول: "لنا" مما يدل على قولنا، وأن هناك واجبًا مُبهمًا لا على التعيين أنه يجوز للسيد العاقل الذي يعي ما يقول أن يقول لعبده: خِط لي هذا الثوب أو ابنِ هذا الحائط، لا أوجبهما عليك ولا واحدًا منهما بعينه، بل أنت مُخيَّر، يعني لو قال السيد لعبده: خط هذا الثوب أو ابنِ هذا الحائط، أو اذهب بالعيال إلى المدرسة، أو اذهب أحضر الخبز وما أشبه ذلك من حاجات البيت لا يلزمه أن يأتي بها كلها، وله أن يختار، ليس الواجب الأول، ويقوم ما عاداه مقامه، وليس الواجب واحد أو ليس الجميع واجب؛ لأن النص ورد في خصال الكفارة بلفظ (أو) وهي للتخيير والإبهام؛ ولذا يقول ابن مالك:

خَيِّرْ أبِحْ قَسِّمْ بِأوْ وأَبْهِمِ
 

فمن معانيها التخيير، فالمكلف مُخير بأن يفعل هذا أو ذاك، نعم.

طالب:.......

نعم لا بُد من (أو) التي هي للتخيير.

طالب:.......

يلزمه الجميع، الجميع واجب.

طالب:.......

عنده عشرة عبيد أو قال: أنا أريد أن أذهب لجهةٍ من الجهات علي بعض الأمور وأنت عليك بعضها السيد نفسه، ما يلزمه أن يأتي إلا بما أُومِر أو كُلِّف به.

"قالوا" يعني: المعتزلة أو بعضهم 

"فإن استوت الخصال بالإضافة إلى مصلحة المكلف وجبت، وإلا اختُص بعضها بذلك، فيجب" يقول: في خصال الكفارة مثلاً كفارة اليمين إعتاق رقبة أو ماذا؟

طالب:.......

نعم أو كسوتهم هذا على التخيير، إن لم يستطع الثلاثة فعليه الصيام.

إن استوت الخصال الثلاث بالنسبة إلى مصلحة المكلف وجبت، يقولون هذا، يقولون: إذا كانت مستوية وجبت جميعها؛ لأنها متماثلة ومستوية، فإذا استوت وجبت كلها؛ لأن إيجاب بعضها دون بعض تحكُّم.

"وإلا اختُص بعضها بذلك، فيجب" إذا كانت مصلحة المكلف بواحدٍ منها دون غيره فليكن هو الواجب وما عداه يقوم مقامه.       

"قلنا: مبنيٌّ على وجوب رعاية الأصلح" يعني على الله –سبحانه وتعالى- والمعتزلة يقولون بذلك، المعتزلة يقولون: بوجوب رعاية الأصلح، أن الله –سبحانه وتعالى- يجب عليه أن يُراعي الأصلح، لكن الذي عليه أهل الحق وأهل السُّنَّة ومن يوافقهم في هذا أنه لا يجب عليه –سبحانه وتعالى- شيء، كونه أوجب على نفسه بعض الأشياء تفضل منه، حق العباد على الله ألا يُعذب من لا يُشرك به شيئًا، نعم هذا من حق العباد على الله الذي تفضل الله –سبحانه وتعالى- به، كونه –سبحانه وتعالى- حرَّم الظلم على نفسه هذا فضل منه -سبحانه وتعالى- وإلا ما فيه أحد أعلى منه ليُوجب عليه ما يشاء ويفرض عليه ما أراد.  

"وعلى أن الحسن والقبح ذاتيان" القبح والحسن ذاتيان، لكن هل الحسن والقبح ذاتي أو عرض يتبع الشرع يتبع الحكم الشرعي؟ يتبع الحكم الشرعي، فمثلاً الحُمر الأهلية لما كانت مباحة قبيحة أم حسنة؟ حسنة، لما حُرِّمت صارت رجسًا، فليس الحُسن والقبح ذاتيان أو بذاتيين، وإنما هما عرضان يتبعان الحكم الشرعي، فالحُمر كانت طاهرة، وكانت تؤكل، ثم لما حُرِّمت صارت رجسًا لا تؤكل {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف:157] صارت خبائث، خبيثة من الخبائث؛ لأنها حُرِّمت فالحسن والقبح يتبعان الحكم الشرعي.

طالب:.......

طيب كانت حسنة، ما المانع أن تكون حسنة، ونكون موافقين لِما عند الله –سبحانه وتعالى- من حُسنها؟

طالب:.......

ولماذا لا يكون عرضًا، ويُدركه بعض الناس بعقولهم؟

طالب:.......

ولذلك من رفض التحسين والتقبيح العقليين رفضهما جملة، قوله مقبول أم مردود؟ مردود جملةً، يعني لو قُدِّر ... هو يقول مثلاً: الذهب والبعر لا ميزة لأحدهما على الآخر من حيث العقل، لكن هل صحيح أن العقل ما يدرك منفعة هذا من منفعة هذا؟ هذا ليس بصحيح، فالمبتدع على طرفي نقيض الأشاعرة لهم قول، والمعتزلة لهم قول، وأهل السُّنَّة وسط في ذلك.

طالب:.......

نعم تابع للحكم الشرعي.

طالب:.......

لكنه تابع للحكم الشرعي.

طالب:.......

{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف:157].

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

 

نعم، لكن كونه انتقل من كونه حلالًا إلى حرام هل نقول مثلاً الخمرة التي تُدرِّج في حكمها: كانت طيبة لما كانت حلالًا، ولما حُرِّمت انتقلت إلى أن تكون خبيثة؟ أو من أصلها خبيثة وأباحها الشرع لحاجة مثلاً، والحُمر كذلك كانت خبيثة؟ إذًا كيف يحل لهم الطيبات؟

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

كم بقي على الإقامة؟

طالب:.......

"قالوا: عَلِم ما أوجب" يعني المعتزلة "وما يفعل المكلف فكان واجبًا معينًا" الواجب واحد بعينه، وهو ما يفعله المكلف، وهو معلومٌ عند الله -سبحانه وتعالى-، وهو واقعٌ من المكلف، وعلم الله لا يتخلف، يعرف أن الواجب على هذا الشخص بعينه هذا الشخص يصوم، فأوجب عليه الصيام، ووقع من العبد.

علم ما أوجب وما يفعل المكلف فكان واجبًا مُعينًا بالنسبة لهذا الشخص، وإن كان الواجب على غيره غير هذا الشيء؛ لأنه يستطيع الإعتاق فأعتق.

"قلنا: علمه تابعٌ لإيجابه، وهو غير معين المحل" "علمه" نحن مطالبون بما يعلمه الله –سبحانه وتعالى- أو بما نعلم نحن، الله –سبحانه وتعالى- يُطالبنا بما ركَّب فينا وما أقدرنا عليه.

"وإلا لعلمه على خلاف ما هو عليه، وفعل المكلف يعين ما لم يكن معينًا" يُعين المبهم، يعني خصال الكفارة فيها تخيير، وفيها وجوب على إبهام، لكن كونه يقع واحدٌ منها بعينه من مكلف عيَّن هذا المُبهم وحدده.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.