التعليق على الموافقات (1430) - 01

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

طالب: أحسن الله إليك. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، استكمالاً لما تكلم به المؤلف تحت "المسألة السابعة": "والخامس: أن مآل الأعمال التكليفية أن يجازى عليها، وقد يجازى الإنسان على ما لم يعمل، خيرًا كان الجزاء أو شرًّا، وهو أصل متفق عليه في الجملة، وذلك ضربان".

يجازى الإنسان، قد يجازى الإنسان على ما لم يعمل، والأصل أن {لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، هذا الأصل المقرر في الشرع، لكن خرج عن هذا الأصل ما تقدم من ذكره من معاقبة الميت على بكاء أهله، وسبق توجيهه، ومن يجازى به مما هو استمرار لعمله وإن كان عمل لغيره؛ لأنه سن السنة فهي في الحقيقة من عمله، وإلى غير ذلك من الأمثلة.

جاء بالوجه الخامس من هذه الأوجه التي خرجت عن الأصل، قال: "إن مآل الأعمال التكليفية أن يجازى عليها"، الأصل في الأعمال التكليفية أن يجازى عليها؛ هذا الأصل، إن كان محسنًا فجزاؤه خير، وإن كان مسيئًا فجزاؤه شر.

"وقد يجازى"، "قد" هذه للتقليل؟ نعم؛ لأن الأصل خلاف ذلك، "قد يجازى الإنسان على ما لم يعمل". قد يقول قائل: إنه يدخل في هذا إذا نوى الخير؟ إذا هم بالحسنة ولم يعملها كُتبت له حسنة، إذا نوى الخير كُتب له مثل عمل من عمله، وكما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأربعة: الذي له مال ينفق منه في أوجه الخير هذا يجازى على عمله، والذي ليس لديه مال ويتمنى أن يكون مثل فلان، نعم: «فهما في الأجر سواء»، الذي له مال وينفقه في وجوه الشر يعاقب عليه، والذي يتمنى أن يكون مثله يعاقب عليه. نعم.

طالب: "وذلك ضربان؛ أحدهما: المصائب النازلة في نفسه وأهله وولده وعرضه، فإنه إن كانت باكتساب كُفر بها من سيئاته، وأخذ بها من أجر غيره".

"إن كانت باكتساب"، يعني "باكتساب" سبب، يعني إذا كانت مصائب نازلة من السماء ما فيها أي سبب هذه تُكفر بها ذنوبه. ويختلف أهل العلم في اشتراط الصبر مع تحمل المصيبة، الصبر هل يُشترط في تكفير السيئات أو أن مجرد المصيبة كفيل بتكفير السيئات وأجر الصبر قدر زائد على ذلك؟ والأكثر على أنه لا بد من الصبر، وأن الجزع يعاقب عليه فضلاً عن أن يكافأ عليه، وابن حجر يرجح أن المصيبة كفيلة في التكفير تكفير الذنوب وأجر الصبر والرضا قدر زائد على ذلك يؤجر عليه أيضًا. لكن إن كانت هذه المصيبة "باكتساب" بسبب فِعل مكلف؟ حصلت مصيبة بسبب زيد من الناس؟

لا شك أنها مصيبة بالنسبة له يجازى عليها، لكن يجازى مثل ما يجازى على المصيبة التي لا سبب لها، يعني من الله -جل وعلا-؟ أو تؤخذ من أعمال ذلك المتسبب فتوضع له من حسناته مثل ما جاء من حديث المفلس؟ نعم.

طالب: لو أن الإنسان يا شيخ أصابته المصيبة وما صبر، هل تكفر عنه....

على رأي ابن حجر نعم تكفر، وإن صبر أجر الصبر قدر زائد على ذلك. الجمهور: لا، يقولون: إن لم يصبر فلا أجر له.

طالب: "فإنه إن كانت باكتساب كُفر بها من سيئاتها، وأُخذ بها من أجل غيره، وحَمل غيره وزره ولو لم يعمل بذلك، فضلاً عن أن يجد ألمه، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في المفلس يوم القيامة".

«أتدرون من المفلس؟»، قالوا: المفلس عندنا من لا درهم له ولا متاع، قال: «لا، المفلس من يأتي بأعمال كأمثال الجبال، يأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، يأخذ هذا من حسناته، ويأخذ هذا من حسناته، وإذا انتهى ما عليه وإلا أُخذ من سيئاتهم وطرحت عليه».

طالب: "وإن كانت بغير اكتساب، فهي كفارات فقط، أو كفارات وأجور، وكما جاء فيمن غرس غرسًا أو زرع زرعًا يأكل منه إنسان أو حيوان أنه له أجر".

يعني نوى بذلك النية العامة، إذا نوى بذلك النية العامة فلا إشكال، والمفردات تنسحب عليها النية العامة. لكن زرع زرعًا للتجارة فقط ليقتات من ورائها، هل يشترط أن ينوي ليثبت الأجر أن ينوي بهذه الزراعة أن يأكل منها إنسان أو حيوان؟ أو يوفر للمسلمين ما يعيشون به؟ هذا إذا نوى ذلك فأجره وافر وعظيم عند الله -جل وعلا-، لكن إذا لم ينوِ ثم أُكل منه بغير نية، الحديث يشمل هذا، كما أن من ربط فرسًا في سبيل الله فإنها حتى ما تشربه من الماء أو تستن شرفًا أو شرفين وما أشبه ذلك على ما جاء في الحديث، كله له أجره، وإن لم ينو هذه التصرفات الجزئية.

طالب: "وفيمن ارتبط فرسًا في سبيل الله فأكل في مرج أو روضة، أو شرب في نهر، أو استن شرفًا أو شرفين، ولم يُرد أن يكون ذلك؛ فهي له حسنات، وسائر ما جاء في هذا المعنى".

لكن إذا منع الناس من الأكل ووضع احتياطات لمنع الطيور من الأكل من مزرعته، علام يؤجر؟ لا شيء.

طالب: "والضرب الثاني: النيات التي تتجاوز الأعمال، كما جاء: «إن المرء يُكتب له قيام الليل أو الجهاد إذا حبسه عنه عذر»، وكذلك سائر الأعمال، حتى قال -عليه الصلاة والسلام- في المتمني أن يكون له مال يعمل به مثل عمل فلان: «فهما في الأجر سواء»، وفي الآخر: «فهما في الوزر سواء»، وحديث: «من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة»، «والمسلمان يلتقيان بسيفهما» الحديث".

نعم. "«يلتقيان بسيفهما»"، القاتل والمقتول في النار، القاتل جرمه ظاهر، كونه يستحق النار لأنه قتل، لكن المقتول؟ «لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه».

طالب:........

نعم؛ لأن أثرها على النفس أشد، يعني الإنسان إذا أصابته جائحة من السماء يرضى ويسلم، لكن إذا كانت بسبب شخص يراه كان ألمها عليه أشد، وإذا كان هذا الشخص قريبًا له كان الأمر أشد، وإذا كان ممن تشمله نعمته كان الأمر أعظم، هو يتفاوت من هذه الحيثية.

طالب:.......

يشمله فضل التلاوة يشمل أجر الحفظ. نعم. وإن نوى بذلك التدبر وقرأه على الوجه المأمور به شمله ذلك أيضًا.

طالب: "إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على عد المكلف بمجرد النية كالعامل نفسه في الأجر والوزر، فإذا كان كالعامل وليس بعامل ولا عمل عنه غيره، فأولى أن يكون كالعامل إذا استناب غيره على العمل.

فالجواب: أن هذه الأشياء وإن كان منها ما قال بعض العلماء فيه بصحة النيابة، فإن للنظر فيها متسعًا. أما قاعدة الصدقة عن الغير وإن عددناها عبادةً، فليست من هذا الباب، فإن كلامنا في نيابة في عبادة من حيث هي تقرب إلى الله تعالى وتوجه إليه، والصدقة عن الغير من باب التصرفات المالية، ولا كلام فيها".

والمال دخول النيابة فيه أظهر من دخوله من دخول النيابة في العبادات الصرفة. دخول النيابة في العبادات المشتملة على بدن ومال أوسع من دخول النيابة في العبادة الصرفة، مثل الصيام مثلاً: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه»، نظرًا لهذا وأن العبادات البدنية مختصة بفاعلها، يرى المحققون من أهل العلم أنه لا تدخله النيابة فيما أوجبه الشارع، لكن فيما أوجبه على نفسه تدخله النيابة كالدين إن أوجبه على نفسه. التصرفات المالية والصدقات تدخلها النيابة، يتصدق فلان عن فلان بلا إشكال؛ لأنه مال محض. طيب الحج الذي فيه بدن ومال، دخول النيابة في الجزء المتعلق بالمال هذا لا إشكال فيه، لكن دخول النيابة في الجزء الذي ليس فيه مال مثل: الوقوف بعرفة، الدعاء، التعرض لنفحات الله يكون عن النائب أو عن المنوب عنه؟ لأن هذا شيء من...، لولا أن الشرع جاء به لكان فيه إشكال على القاعدة. إذا دعا، إذا قرأ قرآنًا الأجر لمن وهو مستأجر؟ لا شك أن الحاج له أجر أعماله الخاصة به من صلاة وغيرها أو صدقة مما ينفق من ماله هو أو دعا لنفسه بشيء؛ هذا يخصه، لكن عليه أيضًا أن يسعى في إبراء ذمة من أنابه، فيسقط عنه هذا الواجب؛ لأنه أخذ على ذلك مقابلًا. نعم.

طالب: "وأما قاعدة الدعاء، فظاهر أنه ليس في الدعاء نيابة؛ لأنه شفاعة للغير، فليس من هذا الباب".

نعم. ليس من النيابة، إذا دعا زيد لعمرو هل هو ناب عنه في الدعاء، أو دعا له بمعنى أنه شفع له؟ نعم. شفع له عند الله -جل وعلا- أن يغفر له أو أن يحقق له ما يريد.

طالب: "وأما قاعدة النيابة في الأعمال البدنية والمالية، فإنها مصالح معقولة المعنى، لا يُشترط فيها من حيث هي كذلك نية، بل المنوب عنه إن نوى القربة فيما له سبب فيه فله أجر ذلك، فإن العبادة منه صدرت لا من النائب، والنيابة على مجرد التفرقة أمر خارج عن نفس التقرب بإخراج المال، والجهاد وإن كان من الأعمال المعدودة في العبادات، فهي في الحقيقة معقولة المعنى كسائر فروض الكفايات التي هي مصالح للدنيا، لكن لا يحصل لصاحبها الأجر الأخروي إلا إذا قصد وجه الله تعالى وإعلاء كلمة الله، فإن قصد الدنيا فذلك حظه، مع أن المصلحة الجهادية قائمة، كقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد شعبة منها، على أن من أهل العلم من كره النيابة في الجهاد بالجُعل؛ لما فيه من تعريض النفس للهلكة في عرض من أعراض الدنيا، ولو فُرض هاهنا قصد التقرب بالعمل لم يصح فيه من تلك الجهة نيابة أصلاً، فهذا الأصل لا اعتراض به أيضًا".

نعم. عندك فروض الكفايات قد تقبل النيابة، بخلاف فروض الأعيان. الإمام في الصلاة عمله مركب من أمرين: من صلاته المسقطة للطلب الواجب عليه هذا فرض عين، إمامته بالناس التي لا بد منها فرض كفاية. هل للإمام أن يُنيب عنه من يصلي عنه بالناس ولا يصلي هو؟ ينيبه من الجهتين؟ لا، فرض العين لا بد من وجوده، لكن له أن ينيبه عنه في فرض الكفاية؛ هذا ظاهر.

مسألة الجهاد: الجهاد في سبيل الله عبادة، ويحتاج إلى نية، جاء شخص اكتُتب في الجهاد وتعين عليه، استنفره الإمام واكتتب في ديوان المجاهدين فتعين عليه، فجاء إلى شخص قال: هذا مبلغ وجاهد عني، فقبل ذلك الشخص. إذا كان نظره إلى المال فقط، كما أن من ينوب عن غيره في الحج إذا كان قصده المال فقط كمن حج ليأخذ هذا لا حج له ولا يؤجر عليه، وكذلك الجهاد. لكن إذا كان قصده إعلاء كلمة الله، ورفع راية التوحيد، والوقوف في وجوه المعتدين على الأمة؛ هذا قصده لكنه لا يستطيع إلا بمال ولا يجد مال، فأخذ من هذا الشخص مالاً يستعين به على الجهاد، هذا أجره إن شاء الله كامل. ولذا لا يؤثر في قصد الجهاد وجود الغنيمة، إلا إذا كانت قصد هدف: أنه ما قاتل إلا ليأخذ، فمثل هذا لا أجر له.

طالب: "وأما قاعدة المصائب النازلة، فليست من باب النيابة في التعبد، وإنما الأجر والكفارة في مقابلة ما نيل منه لا لأمر خارج عن ذلك، وكون حسنات الظالم تعطى المظلوم، أو سيئات المظلوم تُطرح على الظالم، فمن باب الغرامات، فهي معاوضات؛ لأن الأعواض الأخروية إنما تكون في الأجور والأوزار، إذ لا دينار هناك ولا درهم، وقد فات القضاء في الدنيا. ومسألة الغرس والزرع من باب المصائب في المال، ومن باب الإحسان به إن كان باختيار مالكه".

نعم. إن كان باختياره وترك الفرصة للناس يأكلون وللطيور تأكل؛ هذا من باب الإحسان، وإن أُخذ من زرعه بغير إذنه وبغير علمه ولا رضاه؛ فهذا يدخل في باب المصائب.

طالب: "ومسألة العاجز عن الأعمال راجعة إلى الجزاء على الأعمال المختصة بالعامل بلا نيابة؛ إذ عُد في الجزاء بسبب نيته، كمن عمل تفضلاً من الله تعالى، مع أن الأحكام إنما تجري في الدنيا على الظاهر، ولذلك يقال فيمن عجز عن عبادة واجبة وفي نيته أن لو قدر عليها لعملها: إن له أَجْرَ من عملها، مع أن ذلك لا يُسقط القضاء عنه فيما بينه وبين الله إن كانت العبادة مما يُقضى، كما أنه لو تمنى أن يقتل مسلمًا أو يسرق أو يفعل شرًّا إلا أنه لم يقدر؛ كان له وزر من عمل، ولا يُعد في الدنيا كمن عمل".

نعم. "لا يعد في الدنيا كمن عمل"، وعليه من الوزر مثل وزر من عمل. لكن إذا نظرنا إلى أن العمل مثل هذا العمل فيه مخالفة لأمر الله -جل وعلا-، وفيه أيضًا حق يتعلق بالمخلوق متعدٍّ. يعني شخص زنى بامرأة، خالف أمر الله -جل وعلا- فاستحق العقوبة، ونال من هذه المرأة ما هو في حقها مصيبة. الذي تمنى أن يكون مكان هذا الرجل لو زنى بهذه المرأة بالنسبة لحق الله -جل وعلا- عليه وزره؛ لأنه كمن عمل، لكن ما يتعلق بالمرأة من ضرر متعدي يؤثر فيه النية أو لا يؤثر؟ لا تؤثر فيه النية، فالذي فعل أشد.

طالب: "وكان له وزر من عمل، ولا يعد في الدنيا كمن عمل، حتى يجب عليه ما يجب على الفاعل حقيقةً".

نعم. لا يلزمه حد، ولا يلزمه أرش إن كان مقدرًا عليه أرش؛ لأن النية لا يترتب عليها حكم، لأن الأعمال كلها مبنية أو الأحكام مبنية على الظاهر في الدنيا.

طالب: "فليست من النيابة في شيء، وإن فُرضت النيابة فالنائب هو المكتسب، فعمله عليه أو له، فهذه القواعد لا تنقض ما تأصل. ونرجع إلى ما ذُكر أول السؤال، فإنه عمدة من خالف في المسألة: فحديث تعذيب الميت ببكاء الحي ظاهر حمله على عادة العرب في تحريض المريض إذا ظن الموت أهلَه على البكاء عليه، وأما «من سن سُنةً»".

نعم. كانوا يوصون أهليهم أن يبكوا عليهم إلى الحول ثم اسم السلام عليكم، ومن يبكي حولنا كاملاً فقد اعتذر. يوصيهم أن يبكوا عليه حولًا كاملًا، مثل هذا إذا بكوا عليه وعُذب بسبب البكاء على عمله أو على عمل غيره؟ على عمله. لكن لو قُدر أنه في حال الاحتضار حذرهم ووعظهم وزجرهم وقال: إني أتأثر وأعذب بسبب البكاء والبكاء من المصيبة حرام، والنياحة حرام، ثم بكوا، يُعذب أم ما يعذب؟ في هذه الصورة لا يُعذب.

طالب: "وحديث ابن آدم الأول وحديث انقطاع العمل إلا من ثلاث".

"ابن آدم الأول" الذي قتل أخاه وعليه وزر من قتل إلى يوم القيامة؛ لأنه أول من سن القتل، سن هذه السنة السيئة.

طالب: "وحديث انقطاع العمل إلا من ثلاث، وما أشبه ذلك، فإن الجزاء فيها راجع إلى عمل المأجور أو الموزور؛ لأنه الذي تسبب فيه أولاً، فعلى جريان سببه تجري المسببات، والكفل الراجع إلى المتسبب الأول ناشئ عن عمله لا عن عمل المتسبب الثاني، وإلى هذا المعنى يرجع قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: 21] الآية؛ لأن ولده كسب من كسبه، فما جرى عليه من خير فكأنه منسوب إلى الأب، وبذلك فُسر قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 2] أن ولده من كسبه، فلا غَرْوَ أن يرجع إلى منزلته وتقر عينه به، كما تقر عينه بسائر أعماله الصالحة، وذلك قوله تعالى: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21]".

يعني ما نقصناهم من عملهم من شيء، {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21]، لماذا؟ لأنه عمل الأعمال الصالحة التي يستحق بها هذه المكافأة: أن تقر عينه بذريته ليكونوا معه، وإن كان عملهم أقل من عمله.

طالب: "وإنما يُشكل من كل ما أُورد ما بقي من الأحاديث، فإنها كالنص في معارضة القاعدة المستدَل عليها، وبسببها وقع الخلاف فيما نُص فيها خاصةً؛ وذلك الصيام والحج، وأما النذر فإنما كان صيامًا فيرجع إلى الصيام. والذي يجاب به فيها أمور؛ أحدها".

"فإنما" مشبوكة الميم.

طالب: "فإنما".

ما مع إن مشبوكة؟

طالب: نعم.

غلط، "فإن ما كان صيامًا فيرجع إلى الصيام"، يعني: فإن الذي الصيام يرجع إلى الصيام.

طالب: يستقيم صحيح.

نعم.

طالب: "فإن ما كان صيامًا فيرجع إلى الصيام، والذي يجاب به فيها أمور؛ أحدها: أن الأحاديث فيها مضطربة، نبه البخاري ومسلم على اضطرابها، فانظره في الإكمال، وهو مما يُضعف الاحتجاج بها إذا لم تعارض أصلاً قطعيًّا، فكيف إذا عارضته؟".

ما المراد بـ"الإكمال"؟

طالب:.........

ما هو مكانه هذا، هذا ما هو مكانه، الإكمال لابن ماكولا في الأسماء.

طالب:.........

"الإكمال" للقاضي عياض. نعم.

طالب: "وأيضًا، فإن الطحاوي قال في حديث: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه»: إنه لم يُرو إلا من طريق عائشة، وقد تركته فلم تعمل به وأفتت بخلافه، وقال في حديث التي ماتت وعليها نذر: إنه لا يرويه إلا ابن عباس، وقد خالفه وأفتى بأنه لا يصوم أحد عن أحد".

هذا ماشٍ على مذهب الطحاوي الحنفي، وأن العبرة بما رأى لا بما روى، ولو كان ثابتًا عنده لما خالفه. والجمهور على أن العبرة بما روى لا بما رأى، فلا يرد مثل هذا الكلام.

طالب: "والثاني: أن الناس على أقوال في هذه الأحاديث؛ منهم من قبل ما صح منها بإطلاق كأحمد بن حنبل، ومنهم من قال ببعضها فأجاز ذلك في الحج دون الصيام؛ وهو مذهب الشافعي، ومنهم من منع بإطلاق كمالك بن أنس، فأنت ترى بعضهم لم يأخذ ببعض الأحاديث وإن صح، وذلك دليل على ضعف الأخذ بها في النظر، ويدل على ذلك أنهم اتفقوا في الصلاة على ما حكاه ابن العربي، وإن كان ذلك لازمًا في الحج لمكان ركعتي الطواف؛ لأنها تبع".

نعم. الصلاة لا يصلي أحد عن أحد، لا تدخلها النيابة، لا يصلي أحد عن أحد؛ لأنها بدنية محضة وجبت بأصل الشرع. لكن لو نذر أن يصلي هل نقول: إنه مثل الصوم النذر، أو نقول: إن الصلاة لها خصوصيتها؟

طالب:.......

نعم. لو نذر أن يصلي ثم مات، يصلي عنه وليه؟

طالب: لا.

هو في مثل هذه المسألة التي هي جاءت القواعد العامة بخلافها، يقال: إن مثل هذه الأمور يُقتصر فيها على موارد النصوص ولا يدخلها قياس.

طالب: لكن إذا فرقنا يا شيخ ما بين الأعمال البدنية والأعمال المالية، ما يجوز النيابة فيها؟ الصلاة تكاد تلحق بالصوم في هذا الباب.

لا هذا تفريق من حيث الجملة، وإلا فالصلاة ورد فيها: «لا يصلي أحد عن أحد»، بينما الصيام: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه».

طالب: يتفق لا يصوم أحد عن أحد لو أطردنا الصلاة.....

الصوم الذي وجب به أصل الشرع، فنحن نستثني من القاعدة ما نص عليه الدليل.

طالب: "وإن كان ذلك لازمًا في الحج لمكان ركعتي الطواف؛ لأنها تبع، ويجوز في التبع ما لا يجوز في غيره".

نعم. يعني تبعًا ما لا يثبت استقلالاً، أقيمت صلاة العشاء وأنت في المطاف تصلي العشاء لنفسك لا يجوز أن تصلي لغيرك، لكن بعد كمال الطواف وتمامه تأتي ركعتا الطواف، لك أم عن المنوب عنه؟ عن المنوب عنه؛ لأنها تبع للطواف.

طالب: "ويجوز في التبع ما لا يجوز في غيره، كبيع الشجرة بثمرة قد أُبرت، وبيع العبد بماله، واتفقوا على المنع في الأعمال القلبية".

"الأعمال القلبية" متفق عليها، لا يؤمن أحد عن أحد، ولا يخشى أحد عن أحد، ولا يتوكل أحد عن أحد، ولا يرغب... جميع أعمال القلب لا تقبل النيابة.

طالب: "والثالث: أن من العلماء من تأول الأحاديث على وجه يوجِب ترك اعتبارها مطلقًا؛ وذلك أنه قال: سبيل الأنبياء -صلوات الله عليهم- أن لا يمنعوا أحدًا من فعل الخير، يريد أنهم سُئلوا عن القضاء في الحج والصوم، فأنفذوا ما سئلوا فيه من جهة كونه خيرًا، لا من جهة أنه جازٍ عن المنوب عنه، وقال هذا القائل: لا يعمل أحد عن أحد شيئًا، فإن عمله فهو لنفسه كما قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]".

هذا القول في غاية الضعف، يعني لما سئل: إن أبي أدركته فريضة الله في الحج وهو لا يثبت على الراحلة، يعني لا يستطيع، أفأحج عنه؟ قال: «نعم، حج عن أبيك واعتمر». على هذا الكلام أن ما فيه نيابة، قاله جبرًا لخاطره: الحج لك! كيف الحج لك وأجره لك وأبوك ليس له أدنى شيء في الباب؟ وهو يقول: «حج عن أبيك»، إنما جبر الخاطر أجاب سؤاله إلى حج إن شاء الله .... أما كونه يقع عن أبيه فهذا الكلام ليس بصحيح.

طالب: "والرابع: أنه يُحتمل أن تكون هذه الأحاديث خاصةً بمن كان له تسبب في تلك الأعمال، كما إذا أمر بأن يُحج عنه أو أوصى بذلك أو كان له فيه سعي، حتى يكون موافقًا لقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، وهو قول بعض العلماء".

يعني ما النيابة في الحج لا تقع عن المنوب عنه إلا إذا كان له مدخل في الباب، إما أن يدفع المال أو يوصي، وأما إذا مات ولم يدفع ماله ولم يوصِ فلا يقبل النيابة، وهذا الكلام ضعيف. نعم.

طالب: "والخامس: أن قوله: «صام عنه وليه» محمول على ما تصح فيه النيابة، وهو الصدقة مجازًا؛ لأن القضاء تارةً يكون بمثل المقضي، وتارةً بما يقوم مقامه عند تعذره، وذلك في الصيام".

وهذا أيضًا بعيد جدًّا، «من مات وعليه صوم صام عنه وليه»، يقول: صام عنه وليه بالبدن وهو الإطعام؛ لأن الصيام عبادة بدنية لا تقبل النيابة، والذي يقبل النيابة الصدقة بالإطعام، يصوم عنه بالإطعام بالبدن. يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- عاجز عن التعبير عن هذا بما هو أوضح من قوله: «صام عنه وليه»؟! هذا كلام ضعيف.

طالب: "وذلك في الصيام الإطعام، وفي الحج النفقة عمن يُحج عنه، أو ما أشبه ذلك. والسادس: أن هذه الأحاديث على قِلتها معارضة لأصل ثابت في الشريعة قطعي، ولم تبلغ مبلغ التواتر اللفظي ولا المعنوي، فلا يعارض الظنُّ القطعَ، كما تقرر أن خبر الواحد لا يُعمل به إلا إذا لم يعارضه أصل قطعي، وهو أصل مالك بن أنس وأبي حنيفة، وهذا الوجه هو نكتة الموضع، وهو المقصود فيه، وما سواه من الأجوبة تضعيف لمقتضى التمسك بتلك الأحاديث، وقد وضح مأخذ هذا الأصل الحسن، وبالله التوفيق".

وهذا أيضًا كسوابقه، مقتضاه: أن الأحاديث إذا صحت لا يعمل بها.

طالب: إذا خالفت.

لا يعمل بها إذا خالفت مع إمكان الجمع والتخصيص، الآن الجمع ممكن والتخصيص أيضًا ممكن، يعني ما هي معارضة من كل وجه بحيث إذا عملنا بأحدها أبطلنا البعض الآخر، نقول: تعارض القطعي مع الظني، لكن يمكن الجمع -وقد تقدم-، ويمكن أيضًا التخصيص، والتخصيص يقع في النصوص بما هو أقل من الحديث الصحيح، فكيف بالحديث إذا صح؟

طالب: يعني مثل الشاطبي يا شيخ في علمه، يعني هو أولى من يعرف موضوع الترجيح أو......

... ما فيه إشكال.

طالب: هو يقول هذه عمدة أو هذا أهم.....

أهم من القول، نعرف أن الشاطبي مالكي.

طالب: نعم.

وهو من قاعدة مذهب مالك، يعني ما هو بقول مالك، لكن قاعدة المذهب عنده مالكي.

طالب: "فصل: ويبقى النظر في مسألة لها تعلق بهذا الموضع، وهي مسألة هبة الثواب، وفيها نظر".

حتى المالكية فيما ذكره الشيخ محب الدين الخطيب في تعليقه على الموافقات في طبعتها الأولى، يقول: روى المدنيون، قالها المحقق الجديد، قال: روى المدنيون والمغاربة عن الإمام مالك أن الخبر مقدم على القاعدة، فينهدم ما ذكره هنا، وروى عنه البغداديون تقديم القاعدة المقطوع بها إذا تعذر الجمع بينها وبين الأحاديث. وهذا يمشي كلامه على هذا القول، لكن إذا تعذر الجمع، أما إذا أمكن الجمع وقد أمكن فيما تقدم.

طالب: "فصل: ويبقى النظر في مسألة لها تعلق بهذا الموضع، وهي مسألة هبة الثواب، وفيها نظر. فللمانع أن يمنع ذلك من وجهين؛ أحدِهما: أن الهبة إنما صحت...".

"أحدُهما"، هذا أفصح: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا} [النحل: 76].

طالب: "أحدُهما: أن الهبة إنما صحت في الشريعة في شيء مخصوص وهو المال، وأما في ثواب الأعمال فلا، وإذا لم يكن لها دليل فلا يصح القول بها. والثاني: أن الثواب والعقاب من جهة وضع الشارع كالمسببات بالنسبة إلى الأسباب، وقد نطق بذلك القرآن، كقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} [النساء: 13]،
ثم قال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14]، وقوله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]"
.

يعني هذه المسببات أثرت أسبابًا، يعني هذه الأسباب أثرت في المسببات، يعني أوجدت المسببات. لكن هل دخول الجنة بهذه الأسباب، بهذه الأعمال؟ {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} [النساء: 13]، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]؟ الحديث الصحيح يدل على أنه «لن يدخل أحدًا عمله الجنة»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته». فدخول الجنة بفضل الله -جل وعلا-، وهذه الأعمال وهذه الأسباب تورث التفاوت في منازل الجنان، أما أصل الدخول فبفضل الله -جل وعلا-.

طالب: "وقوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]،
وهو كثير"
.

نعم.

طالب:.........

نعم.

طالب:.........

طيب والجواب؟

طالب:........

إنما الثمنية هذه ينال بها منازل الجنة، أما أصل الدخول فالسبب فيه المؤثر هو فضل الله -جل وعلا-.

طالب: "وهذا أيضًا كالتوابع بالنسبة إلى المتبوعات، كاستباحة الانتفاع بالمبيع مع عقد البيع، واستباحة البُضع مع عقد النكاح، فلا خيرة للمكلف فيه، هذا مع أنه مجرد تفضل من الله تعالى على العامل، وإذا كان كذلك اقتضى أن الثواب والعقاب ليس للعامل فيه نظر ولا اختيار، ولا في يده منه شيء، فإذًا لا يصح فيه تصرف؛ لأن التصرف من توابع المِلك الاختياري".

يعني إذا ملكه، يعني أولاً مِلكه للثواب المرتب على عمله هل يجزم بأنه مَلك الثواب؟ ما يجزم؛ لأنه قد يوجد خلل، والثواب فضل من الله -جل وعلا-. فإذا كان لا يجزم بثبوته له فكيف يهديه؟ هذه حجة من يمنع.

طالب: "ولا في يده منه شيء، فإذًا لا يصح فيه تصرف؛ لأن التصرف من توابع الملك الاختياري، وليس في الجزاء ذلك، فلا يصح للعامل تصرف فيما لا يملك، كما لا يصح لغيره".

لكن من نظر إلى أن هذه المعاملة ليست معاملة مخلوق مبنية على مشاحة، إنما هي معاملة مع خالق متفضل يجود بالنوال قبل السؤال، فإذا قرأ القرآن شخص وأهداه لما يحب، لا يحاسب بدقة أنت هل حصلت على هذا الثواب أو هل تدري هل تحصل أو ما تحصل؟ هذا المجيز يقول: إنه فعل فعلاً توافرت شروطه وأركانه، فالظاهر أنه ترتبت عليه آثاره، وملك آثاره، وله أن يهدي هذا الأثر إلى من شاء. يعني من فقه بعض العامة أنه كان يقرأ القرآن باستمرار، وإذا ختم قال: هذه الختمة أجرها وثوابها لوالدي، والثانية لوالدته، وعمه وخاله وهكذا، ومعهم في المسجد من أهل العلم من لا يرى إهداء الثواب وقال له: أنت تهدي الثواب تحرم نفسك وهو لن يصل إلى من أهديته له، فكان هذا العامي -وهو من الصالحين المعروفين- يقول: المعاملة مع الله -جل وعلا-، والمسألة كما تذكر أنت خلافية بين أهل العلم إن وصلت إلى المهدى عليه وإلا رجعت إليَّ ما هي بضائعة! يقول: إن كانت ما تصل فلن تضيع عند الله -جل وعلا-، فأنا قرأت القرآن ورُتب على قراءة القرآن أجر لن يضيع عند الله -جل وعلا-.

 لكن يمكن أن يقال له في ذا إذا كان لا يرى ثبوت إهداء الثواب أن المسألة تخرج من حيز الاتباع إلى حيز ابتداع، وفرق بين هذا وذاك.

طالب: "وللمجيز أن يستدل أيضًا من وجهين؛ أحدهما: أن أدلته من الشرع هي الأدلة على جواز الهبة في الأموال وتوابعها، إما أن تدخل تحت عمومها أو إطلاقها، وإما بالقياس عليها؛ لأن كل واحد من المال والثواب عوض مقدر، فكما جاز في أحدهما جاز في الآخر، وقد تقدم في الصدقة عن الغير أنها هبة الثواب، لا يصح فيها غير ذلك، فإذا كان كذلك صح وجود الدليل، فلم يبق للمنع وجه".

لكن هم يفرقون بين الصدقة وبين قراءة القرآن أو الصلاة أو غيرها من العبادات؛ لأن هذه تصرف مالي، وهذا تصرف بدني.

طالب: أحسن الله إليكم يا شيخ، الراجح في المسألة؟

على كل حال الأكثر من أهل العلم على أن الثواب يصل، فيقول: أي قربة فعلها المكلف ثم أهدى ثوابها وصل؛ هذا قول الأكثر من أهل العلم، قول الجمهور. منع من ذلك بعض أهل العلم تبعًا للدليل، يقول: لم يرد، لا يدل عليه دليل، إنما يدل عليه النظر فقط، والدليل ثابت في الصدقة وثابت في الدعاء وثابت في النيابة في الحج، فيقتصر على ما ثبت.

طالب: "والثاني: أن كون الجزاء مع الأعمال كالمسببات مع الأسباب، وكالتوابع مع المتبوعات، يقضي بصحة الملك لهذا العامل، كما يصح في الأمور الدنيوية، وإذا ثبت الملك صح التصرف بالهبة. لا يقال: إن الثواب لا يُملَك كما يُملَك المال؛ لأنه إما أن يكون في الدار الآخرة فقط، وهو النعيم الحاصل هنالك، والآن لم يَملك منه شيئًا، وإما أن يَملك هنا منه شيئًا حسبما اقتضاه قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] الآية".

والأمران كلاهما مرتبان على الأعمال الصالحة، الجزاء الدنيوي: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]؛ هذا دنيوي، والعمل الأخروي بالجزاء، النعيم المقيم في الجنة عمل أخروي، ولا يقال: إنه ما ملك إلى الآن الجزاء الأخروي؛ هو ملك، لكن تسليمه مؤجَّل، فيكون كأنه من باب الحوالة، يعني نظيره في الأموال الحوالة، كمن له مال في ذمة فلان لا يحل إلا بعد سنة أو سنتين يحيل عليه؛ لأنه قال هنا: "والآن لم يملك منه شيئًا" أنه ملك؛ لأن السبب القائم انتهى، فيرتَّب عليه المسبب لا سيما إذا قُبل، فمع ذلك أنه مَلك، كونه لا يستمتع به الآن هذه سُنة إلهية: لا يمكن يستمتع قبل أن يموت، ثم بعد ذلك يُبعث ثم يدخل الجنة.

طالب: "فذلك بمعنى الجزاء في الآخرة، أي أنه ينال في الدنيا طيب عيش من غير كدر مؤثر في طيب عيشه، كما ينال في الآخرة أيضًا النعيم الدائم، فليس له أمر يملكه الآن حتى تصح هبته، وإنما ذلك في الأموال التي يصح حوزها وملكها الآن؛ لأنا نقول: هو وإن لم يملك نفس الجزاء، فقد كُتب له في غالب الظن عند الله تعالى، واستقر له ملكًا بالتمليك، وإن لم يحزه الآن، ولا يلزم من الملك الحوز، وإذا صح مثل هذا المال، وصح التصرف فيه بالهبة وغيرها، صح فيما نحن فيه، فقد يقول القائل: ما ورثته من فلان فقد وَهَبْتُه لفلان، ويقول: إن اشترى لي وكيلي عبدًا فهو حر أو هبة لأخي، وما أشبه ذلك".

مع الفارق، يعني مع الفارق بين المسألة أو المسألتين: ما ورثه من فلان، إن كان بالفعل فلان قد مات والتركة لم تُقسم صح التنظير، وإن كان فلان الموروث لم يمت فلا يصح التنظير، "ما ورثته من فلان فقد وهبته لفلان"، إن كان قد مات بالفعل واستحق نصيبه ولم تُقسم التركة بعد فالتنظير مطابق. "ويقول له: إن اشترى لي وكيلي عبدًا فهو حر أو هبة لأخي"، ما بعد حصل ولا ملك. العتق يتشوف إليه الشرع، ومع ذلك يجيزه أهل العلم في مثل هذه الصورة، لكن الهبة هل تثبت بمثل هذا أو له أن يرجع؟

طالب: له أن يرجع.

ما تثبت، له أن يرجع.

طالب: "وما أشبه ذلك، وإن لم يحصل شيء من ذلك في حوزه، وكما يصح هذا التصرف فيما بيد الوكيل فِعله وإن لم يعلم به الموكِّل، فضلاً عن أن يحوزه من يد الوكيل، يصح أيضًا التصرف بمثله فيما هو بيد الله الذي هو على كل شيء وكيل، فقد وضح إذًا مغزى النظر في هبة الثواب، والله الموفق للصواب".

يكفي يكفي.

طالب: أحسن الله إليك.

نعم.

طالب: هل إهداء الثواب.....

واللهِ ما دام الخلاف قويًّا فيه خلاف الأولى، يعني يقتصر على الدعاء وعلى الصدقة وما ورد فيه الحديث.

سبحانك اللهم...