شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (122)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا فيما يستفاد من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-، أسلفنا شيئًا من ذكر معاني الحديث لعلكم تستكملون ما تبقى.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قوله في الحديث: «فإن دماءكم» إلى آخره هو على حذف المضاف، أي فإن سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم، إذ الذوات كيف يعتدى عليها؟ إلا بواسطة هذا المضاف فيقدر لكل شيء ما يناسبه، قاله الزركشي في التنقيح، والعِرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه، لا شك أن الإنسان يتضرر بالكلام على أصله، قال النووي: في هذا التشبيه دليل على استحباب ضرب الأمثال وإلحاق النظير بالنظير قياسًا، وإلحاق النظير بالنظير قياسًا.

 «ليبلغ الشاهد الغائب» اللام لام الأمر، والشاهد أي الحاضر في المجلس، والغائب عنه وهو على صيغة الأمر فالغين مكسورة، لماذا؟ لالتقاء الساكنين، وظاهر الأمر الوجوب، فعلم منه أن التبليغ واجب، والمراد منه إما تبليغ المذكور في الحديث «إن دمائكم وأموالكم» إلى آخره، وإما تبليغ جميع الأحكام الشرعية، و«الغائب»  مفعول «ليبلغ» ، والظاهر أن إلى فيه مقدر، أي إلى الغائب، قاله الكرماني، فعل بلغ متعدٍ بنفسه أو بالحرف؟ في الحديث تعدى...

المقدم: بنفسه

بنفسه، يبلغ الشاهد الغائب، والكرماني يقول: الظاهر أن إلى فيه مقدر أي إلى الغائب، ولا شك أن ما لا يحتاج إلى تقدير أولى مما يحتاج إلى تقدير، هذا إذا كان الفعل يتعدى بنفسه في الأصل، «فإن الشاهد عسى أن يبلغ من» أي الذي، «هو أوعى له» أي للحديث، «منه» صلة لأفعل أوعى أفعل التفضيل، وفصل بينهما للتوسع، للتوسع كما يفصل بين المضاف والمضاف إليه كقراءة بن عامر: {زُيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادَهُمْ شُرَكَاؤِهِمْ}[الأنعام:137].

يعني فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، يقول: بضم الزاي ورفع اللام {زُيَّنَ}، {قَتْلُ} برفع اللام ونصب الدال {أَوْلادَهُم} وخفض الهمزة شركائهم والفاصل غير أجنبي.

هذه قراءة، ومثله قول:

نجوت وقد بَـلّ المرادي سيـفَه

 

بدم ابن أبي شيخ الأباطح طالب

الأصل بدم ابن أبي طالب شيخ الأباطح، ففصل بين المضاف والمضاف إليه، يقول ابن مالك -رحمه الله تعالى- في شواهد التوضيح على الجامع الصحيح: في تاركو لي صاحبي، تاركو لي صاحبي شاهد على جواز الفصل دون ضرورة بجار ومجرور بين المضاف والمضاف إليه، إن كان الجار متعلقًا بالمضاف والفصل بالظرف كذلك، ومنه قول الشاعر:

فَرِشْني بِخَيْرٍ لا أكُونن وَمِدْحَتِي

كناحِتِ يَوْمًا صَخْرَة بعَسِيلِ

العسيل مكنسة الطيب، ينحت صخرة بعسيل، بالمكنسة، يمكن؟ ما يمكن.

والشاهد في كناحِتِ يَوْمًا صَخْرَةٍ، كناحت صخرةٍ يومًا، ففصل بين المضاف والمضاف إليه، وهذا جائز، ويقرر مالك أن مثل هذا يجوز دون ضرورة، وفي شرح ابن بطال نقلًا عن المهلب: فيه من الفقه أن العالم واجب عليه تبليغ العلم لمن لم يبلغه وتبيينه لمن لا يفهمه، وهو الميثاق الذي أخذه الله -عز وجل- على العلماء: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}[آل عمران:187]، وقال المهلب: وفيه أنه قد يأتي، إذ لا شك في وجوب تبليغ العلم، وفي بيان الحق للناس قد أخذ الميثاق على أن لا يكتم ذلك، ثم قال المهلب: وفيه أنه قد يأتي في الحديث ما يدل على أنه قد يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدمه إلا أن ذلك يكون في الأقل؛ لأن ربّ موضوعة للتقليل.

قد يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدمه، لكن ينبغي أن يكون هذا الفهم مبنيًّا على فهم السلف وطريقتهم في فهم النصوص، لا يأتي من يجرؤ على النصوص ويفسر كلام الله -جل وعلا- وكلام النبي -عليه الصلاة والسلام- بمجرد، بمحض رأيه ويقول: هذا فهم فتح من الله علي، هذا بعد أن يديم النظر في كلام السلف وأقوالهم واصطلاحاتهم وأهل العلم الموثوقين في علمهم، فإذا أدام النظر في ذلك، وتبين له معنى لاح له بعد أن صارت لديه الأهلية للفهم والاستنباط، ولو لم يوجد في كتب من تقدم، قد يفهم الإنسان فهمًا يفتح الله به عليه، لكن هذا في الغالب لا يكون إلا لمن اتبع، في الغالب لا يكون إلا لمن اتبع، يقول: إلا أن ذلك يكون في الأقل؛ لأن رب موضوعة للتقليل، وعسى موضوعة للطمع، وليس لتحقق الشيء.

 وفيه أن حامل الحديث والعلم يجوز أن يؤخذ عنه، وإن كان جاهلًا معناه، لا يلزم من تروي عنه أن يفهم المعنى «رب مبلغ أوعى من سامع».

وقد حصل من الشيوخ من هو مجرد حافظ، فيؤخذ عنه العلم، ويستفيد منه من يأخذه عنه ممن يفهم، هذا موجود في العصور كلها، وتمثيل الناس بأنواع الأرض منها قيعان، ومنها كذا، منها ما يحفظ الماء، هذا يحفظ الماء لأجل أن يأتي من يحمل هذا الماء فيستفيد منه، الأرض لا تنبت لكن تحفظ، هذا يحفظ هذا العلم؛ ليأتي من يحمله عنه ويستفيد منه ويستنبط، بهذا نعرف أن الحفظ والفهم لا بد منهما معًا لتحصيل العلم وإلا لا علم بدون حفظ، ولا علم بدون فهم.

 وعلى كل حال من يحمل العلم ولو كان لا يفهم، أو فهمه ضعيف هو مأجور في تبليغه، يقول صاحب الكتاب (ابن بطال): وهو مأجور في تبليغه محسوب في زمرة أهل العلم، إن شاء الله تعالى، يعني هو يؤجر كما يؤجر أهل العلم؛ لا أنه يعد من أهل العلم؛ لأن أهل العلم معروفون، أهل العلم في الرواية والدراية في الأثر والنظر.

 وقال أبو الزناد: فيه جواز القعود على ظهور الدواب إذا احتيج إلى ذلك ولم يكن لأشر؛ لقوله- عليه السلام-: «لا تتخذوا ظهور الدواب مجالس»، وإنما خطب -عليه الصلاة والسلام- على البعير؛ ليسمع الناس، وإنما أمسك بخطامه؛ ليتفرغ للحديث، ولا يشتغل بإمساك البعير.

قال المهلب: وفيه أن ما كان حرامًا فيجب على العالم أن يؤكد حرمته، ويغلظ في التحظير عليه، يشدد بأبلغ ما يجد بالمعنى والمعنيين والثلاثة. أي يوم هذا؟ الله ورسوله أعلم، أي شهر هذا؟ الله ورسوله أعلم، أي.. ؟ فالعالم إذا أراد أن يؤكد على أمر خطير فلا بد أن يأتي بالأسلوب المناسب لتقريره في نفوس السامعين، فلا شك أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أي يوم هذا؟ أي شهر هذا؟ أي بلد هذا؟» من أجل تقرير هذا وترسيخه في نفوس السامعين، يقول: بأبلغ ما يجد بالمعنى والمعنيين والثلاثة كما فعل -عليه الصلاة والسلام- في قوله: «كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا»، وتقدم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يكرر الأمر ثلاثًا ، «ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور»، «ألا وقول الزور» تأكيد من أجل أن يتقرر في نفوس السامعين.

 وهذا الحديث خرجه الإمام البخاري في تسعة مواضع هنا في كتاب العلم، في باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «رب مبلغ  أوعى من سامع»، يقول الإمام -رحمه الله-: حدثنا مسدد قال: حدثنا بشر قال: حدثنا بن عون قال: حدثنا ابن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- «قعد على بعير..» الحديث، وسبق ذكر مناسبته «رب مبلغ  أوعى من سامع»، هي قريبة من معنى قوله..

المقدم: «عسى أن يبلغ من هو أوعى منه».

الموضع الثاني في كتاب العلم أيضًا، في باب ليبلغ العلمَ الشاهدُ الغائبَ، قاله ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فإن دماءكم وأموالكم» قال: محمد وأحسبه قال: «وأعراضكم»، الحديث بنحوه، المناسبة بين قوله في الحديث: «ألا ليبلغ الشاهد الغائب»، والترجمة باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، يبلغ الشاهد منكم الغائب يبلغه ماذا؟ العلم إذًا هنا مطابقة يعني العلم الذي ذكره البخاري -رحمه الله تعالى- هو مقدر في متن الحديث.

 الثالث: في كتاب الحج، في باب الخطبة أيام منى قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا قرة عن محمد بن سيرين قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة ورجل هو أفضل في نفسي من عبد الرحمن (حميد بن عبد الرحمن) عن أبي بكرة -رضي الله عنه- يعني عبد الرحمن بن أبي بكرة وحميد بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي بكرة وحميد بن عبد الرحمن أفضل عند محمد بن سيرين من عبد الرحمن بن أبي بكرة، وكونه يفضل بين شخصين لا يقتضي تنقص المفضول،  وهنا محمد بن سيرين إمام من أئمة المسلمين كأنه يقول: هذا أفضل من فلان، قد يتعين هذا، المفاضلة بين الرواة يحتاج إليها متى؟ عند المعارضة في الترجيح، في ترجيح المرويات بعضها على بعض، عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال: خطبنا النبي-صلى الله عليه وسلم- يوم النحر قال: «أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم..» الحديث، والمناسبة الخطبة أيام منى، خطبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر ويوم النحر من أيام منى، فالمناسبة ظاهرة، وأيضًا يوم النحر وهو من أيام منى واقعة في حجته -عليه الصلاة والسلام-، ولذا أدخله الإمام البخاري في كتاب الحج.

الموضع الرابع: في كتاب بدء الخلق في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أراضين وقول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}[الطلاق:12]، الدلالة من الآية على الترجمة ظاهرة أم ليست ظاهرة؟ {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12]، إذا قلنا: سبع أراضين فالمراد مثلهن في العدد، لكنها وإن كانت كالصريحة إلا أنها فيها احتمال، وأصرح دليل يدل على أن السموات سبع...

المقدم: الأراضين.

على أن الأراضين سبع، طوِّقه من سبع أراضين، والأراضين السبع وعامرهن؟

المقدم: غيري.

لا، والأراضين السبع وعامرهن بدون غيري.

المقدم: لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري.

طيب، والأرضين السبع.

المقدم: بدونه.

هذه من أصرح الأدلة على أن الأراضين سبع، يقول الإمام البخاري -رحمه الله-: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن ابن أبي بكرة عن أبيه كما تقدم، وسيأتي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حرم»، «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض»، هذا مطابق لقوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ }[الطلاق:12] «يوم خلق الله السموات والأرض»، باب كتاب بدء الخلق والمناسب له  {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}[الطلاق:12].

وفي الحديث: «كهيئته يوم خلق السموات والأرض» باب ما جاء في سبع أراضين، الشاهد من الحديث للترجمة باب ما جاء في سبع أراضين فيه شاهد أم ما فيه؟ «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض»، الترجمة مركبة من شقين، باب ما جاء في سبع أراضين وقول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ}[الطلاق:12]، فالحديث فيه مناسبة للشق الثاني: الله الذي خلق، يعني الآية مطابقة، مناسبة الآية للترجمة {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}، مناسبة الآية للترجمة ما جاء في السبع أراضين يناسبها قوله:

المقدم:{وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12].

{وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}[الطلاق:12] نأتي إلى حديث: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض»، مناسب لقوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}[الطلاق:12]، على كل حال هذا الحديث مختلف في وجوده في هذا الموضع من الصحيح.

ذكر أبو علي الجياني أنه سقط من نسخة الأصيلي هنا عن أبي بكرة، وثبت لسائر الرواة عن البخاري عن الفربري، وثبت أيضًا في رواية النسفي عن البخاري.

الخامس: في كتاب المغازي، في باب حجة الوداع قال: حدثني محمد بن المثنى، في كتاب المغازي، في باب حجة الوداع قال: حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا أيوب عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض» الحديث مطولًا كتاب المغازي في باب حجة الوداع، والحديث فيه: «الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض»، المناسبة من جهة أن هذه الخطبة كانت في حجة الوداع، حجة الوداع اشتملت على أمور منها هذه الخطبة، لكن ننظر في باب حجة الوداع وجه إدخالها في كتاب المغازي.

المقدم: للسفر، لمجرد السفر لها.

يوم المغازي والشمائل والسير وأحوال النبي -عليه الصلاة والسلام- يُدخلون بعضها في بعض فحجته من أسفاره، وهي أيضًا من أحواله، ومما قام به -عليه الصلاة والسلام-.

الموضع السادس: في كتاب التفسير، في باب {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36]، في كتاب تفسير، يعني باب {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ... }الآية، مناسب لكتاب التفسير؛ لأنها آية من القرآن تحتاج إلى تفسير، البخاري يفسرها بما عنده من الغريب، وما عنده من مرفوع أو موقوف، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنى عشر شهرًا منها أربعة حرم» الحديث مطابق للترجمة أم غير مطابق؟ عرفنا مطابقة الآية لكتاب التفسير؛ لأنها آية من كتاب الله تحتاج إلى تفسير، والحديث «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرًا»، وفي الترجمة: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} فهي مطابقة «إن الزمان قد استدار» يفهم منها أنه استدار في هذه السنة إذًا السنة التي قبلها..

المقدم: لم يستدر.

لم يستدر، ولذا يقول جمع من أهل العلم: إن النبي-صلى الله عليه وسلم- لم يحج في سنة تسع مع أن الحج كان مفروضًا لأمور منها: أنه لا يطيق مشاهدة العراة «لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بيت الله عريان». الأمر الثاني أن الحج لم توافق وقتها المحدد شرعًا، فكانت في القعدة قبل أن يستدير الزمان؛ لأنهم يستعملون النسيء {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}[التوبة:37]، فيؤخرون في كل سنة شهرًا، فدار الزمان في حجته عليه الصلاة، فوقعت موقعها في شهرها المقرر شرعًا.

السابع: في كتاب الأضاحي، باب من قال: الأضحى يوم النحر، يعني الشخص العادي يقرأ هذه الترجمة كيف الأضحى يوم النحر؟

المقدم: شيء معروف يعني.

نعم، أمر معروف، قال: حدثنا محمد بن سلام قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا أيوب عن محمد يعني ابن سيرين، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الزمان قد استدار..» الحديث، وفيه: «أليس يوم النحر» مطولًا «أليس يوم النحر» الأضحى يوم النحر «أليس يوم النحر»، والخطبة إنما هي في اليوم العاشر، والمقرر أن العاشر هو عيد الأضحى، وهو أيضًا يوم النحر والمناسبة ظاهرة، وإن كانت الترجمة يفهم منها اختصاص يوم النحر بالأضحى، يعني يوم النحر هو خاص بالأضحى، يوم عيد الأضحى فقط أو يوم العيد وثلاثة أيام بعده؟

المقدم: الأضاحي.

إذا قلنا يوم النحر هذا يوم النحر، الأضحى يوم النحر، تعريف جزئي الجملة يفيد الاختصاص، فهل النحر خاص بيوم الأضحى؟ قد يفهم منه هذا، والصواب أن النحر أربعة أيام، وإن كان المراد أنه لا يجوز النحر قبله فظاهر، الأضحى الأصل فيه يوم النحر، جاء ما يدل على أنه بعده ثلاثة أيام، لكن ما جاء على ما يدل على أن قبله شيء فهذا من فقهه -رحمه الله تعالى-، وإن كانت الترجمة في بادئ الأمر قد يظنها الشخص العادي ليس فيها جديد.

الثامن: في كتاب الفتن، في باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا قرة بن خالد قال: حدثنا ابن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة وعن رجل آخر هو أفضل في نفسي من عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة.. محمد بن سيرين يقول: هو أفضل من عبد الرحمن بن بكرة، ويقصد به حميد بن عبد الرحمن على ما تقدم، «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس فقال: ألا تدرون أي يوم هذا، وعظّم شأن القتل» والمناسبة في تعظيم شأن القتل، والحديث ظاهر في هذا، فمناسبة تعظيم شأن القتل في هذا الحديث لقوله -عليه الصلاة السلام-: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» أيضًا الوصف بالكفر تعظيم لشأن القتل، تعظيم لشأن القتل، أيضًا رجوعهم كفارًا يضرب بعضهم رقاب بعض هو من صميم الفتن، نسأل الله السلامة والعافية.

التاسع: في كتاب التوحيد، في باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة 22-23]، قال: حدثنا محمد بن مثنى قال: حدثنا عبد الوهاب قال: حدثنا أيوب عن محمد عن بن أبي بكرة عن أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض»، وفيه: «وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم...» الحديث، والشاهد في قوله: «ستلقون» يعني الشاهد من الحديث لباب قول الله  تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} في قوله: «ستلقون»؛ لأن الذي سيلقى سينظر، وفي هذا رد على المبتدعة الذين ينفون الرؤية الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع سلف هذه الأمة.

المقدم: أحسن الله إليكم.

ونسأله سبحانه وتعالى أن يكرمنا وإياكم والمستمعين بالنظر إلى وجهه الكريم، شكرًا لكم فضيلة الدكتور، شكرًا للإخوة الحضور معنا، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.