شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم (17)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام مسلم رحمه الله تعالى فيما ترجم عليه الإمام النووي رحمه الله بقوله باب بيان كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده قال الإمام مسلم حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم" الحنظلي المعروف بابن راهوَيْه "قال إسحاق أخبرنا" إسحاق لا يحدِّث إلا بصيغة الإخبار وبه يفسَّر عند الإهمال يعني إذا قيل حدثنا إسحاق قال أخبرنا فلان فإسحاق لا يحدث إلا بالإخبار وهو الإمام المعروف المحدِّث الراوية الثقة الثبت الفقيه قال إسحاق "أخبرنا جرير وقال عثمان" يعني ابن أبي شيبة "حدثنا جرير" يفرِّق الإمام مسلم بدقة بين صيغ الأداء فيفرِّق بين التحديث والإخبار كما هنا حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم يروي عنهما جميعًا مع الاختلاف في صيغة الأداء قال إسحاق أخبرنا جرير وقال عثمان حدثنا جرير وهو ابن عبد الحميد "عن منصور" وهو ابن المعتمر "عن أبي وائل" شقيق بن سلمة التابعي الجليل صاحب عبد الله بن مسعود "عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله" أبو وائل يروي عن ابن مسعود بالواسطة عن عمرو بن شرحبيل "عن عبد الله" وهو ابن مسعود قال سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "قال سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الذنب أعظم عند الله؟" أي الذنب أعظم عند الله؟ والذنب المقصود به الجنس والمقصود بالذنب الجنس جنس الذنوب أي الذنب أعظم عند الله؟ المقصود بالذنب الجنس وإلا لو كان واحدًا ما سئل عنه باعتبار الأجزاء فالمقصود أي الذنوب أعظم عند الله؟ بدليل أنه ذكر عددًا من الذنوب ولم يقتصر على ذنب واحد فالمفرد لا يصلح أن يسأل عنه بأي المفرد الواحد ما تستطيع أن تقول أي زيد أعلم أي زيد أعلم لأنه واحد ما فيه مفاضلة بين أجزائه في هذه الصفة فقال أي الذنب أعظم فأجابه النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله "قال «أن تجعل لله نِدًا وهو خلقك»" يعني الشرك بالله جل وعلا واتخاذ الأنداد الند الشبيه والنظير أن تجعل لله شبيهًا ونظيرًا وهو الذي تفرد بخلقك ورَزقك فلا يسوغ مثل هذا بحال من الأحوال ولو فكَّر المشركون بعقولهم ما أشركوا «أن تجعل له ندًا وهو خلقك» تأمل في الموضوع من الذي يستحق العبادة وإفراد العبادة الذي خلق ورزق وأوجدك من العدم أو الذي هو مساوٍ لك ومشارك لك في هذه الصفة من الضعف والحاجة؟ أيهما أولى بأن يُعبَد؟ أن تجعل لله ندًا وهو خلقك وهذا تذكير بالنعمة والمنة "قال قلت له إن ذلك لعظيم" نعم الشرك عظيم وهو الظلم الأعظم {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان:13] وهو أعظم الذنوب على الإطلاق وهو الذنب الذي لا يُغفَر بخلاف غيره من الذنوب مهما عظمت وتكاثرت فإنها تحت المشيئة {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [سورة النساء:48] والند واتخاذ الند كما يكون في الشرك الأكبر يكون أيضًا في الشرك الأصغر لما قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله وشئت قال «أجعلتني لله ندًّا؟!» فالشرك يشمل الأكبر والأصغر وذكرنا في دروس ماضية أن من أهل العلم من يرى أن الشرك الأصغر داخل في قوله جل وعلا {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء:48] فالشرك لا يقبل الغفران ولا يُغفَر إلا بالتوبة منه بالدخول في الإسلام والبراءة من الشرك وأهله هذا بما في ذلك الشرك الأصغر لأن اللفظ يتناوله فلا يُغفَر ولكنه يخالف الشرك الأكبر في الخلود فصاحب الشرك الأكبر مخلد في النار وصاحب الشرك الأصغر وإن تحتم عذابه بالنار وأنه لا يغفر لكنه لا يقتضي الخلود وبهذا يخالِف الشرك الأكبر وبكونه يتحتم  عذابه وعدم مغفرة هذا الذنب العظيم يخالف الكبائر ومن أهل العلم من يرى أن الشرك الأصغر لا يدخل في الآية وحكمه حكم الكبائر تحت المغفرة وعلى كل حال اللفظ يحتمل دخوله {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء:48] وهنا قال «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك» اتخاذ الأنداء كما يكون في الشرك الأكبر لتسويتها بالله جل وعلا كذلك يكون في الشرك الأصغر كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- «أجعلتني لله ندًا؟!» يعني في مسألة من مسائل الشرك الأصغر "«أن تجعل لله ندًا وهو خلقك» قال قلت له إن ذلك لعظيم" هذا أمر مجمع عليه ومتقرر عند الجميع أن الشرك أعظم الذنوب قال قلت ثم أيٌّ؟ الذي يليه لأن السائل مسلم صحابي جليل والحي لا تؤمن عليه الفتنة لكن ابن مسعود قال قلت.. عرفنا الشرك الأكبر أو الشرك بأنواعه أعظم الذنوب فما الذي يليه؟ "قال قال قلت ثم أي؟ قال «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك»" القتل أمره عظيم وشأنه خطير وهو قرين الشرك في كتاب الله {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [سورة الفرقان:68] «أن تقتل ولدك» ولو كان القتل من عظائم الأمور ولايزال المسلم في فسحة من أمره حتى يصيب دمًا حرامًا فإن قتل الولد الذي من مقتضى الشفقة والرحمة عنه فكيف تنزع مثل هذه الرحمة ويرتكب هذه الجريمة العظيمة مع ولده الذي هو خلاف الطباع مما يدل على أن الفطرة انتكست وتغيرت فقتل ولده وضحى به لسبب مخافة أن يطعم معه وقد يمر بالناس ظروف يشق عليهم الإنفاق على الأولاد لكن المعروف من شفقة الوالدين أنهما يقدمان الأولاد على النفس فكيف يقتل مخافة أن يطعم معه؟! إن هذا لعظيم! {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} [سورة الإسراء:31] قدم رزقهم عليهم «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» وهذا مع كونه جريمة عظيمة أيضًا هو سوء ظن بالله جل وعلا فالذي رزقك يرزقه والواقع يشهد بذلك أن كل ولد ما ولد فإن رزقه يأتي معه وكتب له رزقه وهو في بطن أمه «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» قال قلت ثم أي عرفنا الاثنين بقي الثالث قال "قلت ثم أي؟ قال «أن تزاني حليلة جارك»" الجار له حق على جاره جاءت النصوص «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» ومازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه فبدلاً من الإكرام الذي جاءت به الشريعة وحث عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- تكون الخيانة العظمى في عرضه فالمتوقَّع من الجار أن يدافع عن جاره وعن عرض جاره وعن مال جاره وعن ولد جاره لأنه مأمور بإكرامه «أن تزاني حليلة جارك» الزنا فاحشة وأمره عظيم ومن عظائم الأمور محرم في جميع الشرائع ومع ذلك الزنى بحليلة الجار أعظم ولم يقل أن تزني بحليلة جارك أن تزني بحليلة جارك لأن المزاناة والمفاعلة تقتضي أن يكون الفعل من الطرفين فيسعى هذا الجار بإفساد زوجة جاره عليه فتوافقه على فعل الفاحشة تزاني تفاعل والمفاعلة من طرفين وكونه يزني بحليلة جاره كونه يزني بامرأة بعيدة هذا موبقة وفاحشة من الفواحش ومن كبائر الذنوب بالإجماع لكن أعظم منه الزنى بحليلة الجار وأعظم من ذلك الزنا بالمحارم فالذنوب وإن كانت كبيرة لها مراتب فكونه يزني بحليلة جاره أعظم منه أن يزاني بحليلة جاره بحيث يفسدها على زوجها فتأتي إليه طائعة مختارة ويحصل الزنا من الطرفين لا بالإكراه ويتضمن ذلك مع هذه الفاحشة العظيمة الموافَقة من المرأة ولا يكون ذلك إلا بعد إفسادها على زوجها ولذلك جاء قال.. جاء في قوله «ثم أن تزاني حليلة جارك» وحليلة الجار هي زوجته هو زوجة الجار لأنها تحل له أو تحل معه حيثما حل ثم في قوله فيما تقدم ثم أن تقتل ولدك يشمل الذكر والأنثى وعُرف في الجاهلية من يقتل الولد خشية إملاق ومن يقتل الأنثى خشية العار وكل هذا من العظائم ثم قال رحمه الله "حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن جرير" حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعا عن جرير وهو ابن عبد الحميد الذي تقدم "قال عثمان حدثنا جرير" قال عثمان حدثنا جرير "عن الأعمش عن أبي وائل" وبالاستقراء كما ذكر النووي وغيره أن مسلمًا إذا روى الحديث عن اثنين أو ثلاثة أو أكثر ثم أعاد واحدًا من هؤلاء فإنه هو صاحب اللفظ يعني لفظ الحديث هو سياق عثمان لأنه أعاده دون صاحبه "قال عثمان حدثنا جرير عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن أبي وائل" شقيق ابن سلمة الذي تقدم ذكره "عن عمرو بن شرحبيل" عن عمرو بن شرحبيل شرحبيل ممنوع من الصرف لأنه أعجمي "قال قال عبد الله" بن مسعود قال رجل أي الذنب "قال قال رجل يا رسول الله أي الذنب أكبر" أي الذنب أكبر "عند الله؟" وهناك أعظم وأكبر وأعظم من أفعال التفضيل التي تقتضي أن تكون معها صفات أخرى مشاركة لها لكنها دونها في الكِبَر والعِظَم "أي الذنب أكبر عند الله؟ قال «أن تدعو لله ندا وهو خلقك»" هذا أكبر الذنوب وأعظمها حسب الروايتين أن تدعو لله ندًّا في الرواية الأولى أن تجعل لله ندًا في الرواية الثانية أن تدعو لله ندًّا وكلاهما شرك تجعله ند في أكثر من نوع من أنواع العبادة وهنا أن تدعو لله ندًا في الدعاء مثلاً والدعاء هو العبادة وهو خلقك كما تقدم "قال ثم أيٌّ قال «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك»" كاللفظ السابق  ثم قال أيٌّ "قال ثم أيٌّ قال «أن تزاني حليلة جارك»" وهو بمعنى ما تقدم وبعضه بلفظه "قال فأنزل الله عز وجل تصديقها" تصديق هذه الأجوبة بقوله جل وعلا "{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [سورة الفرقان:68]" هل هذا الحديث هو سبب نزول الآية؟ وإلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية عندما أجاب السائل؟ في بعض الروايات ثم تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية وظاهر السياق  عندنا في الرواية أن الحديث سبب نزول الآية فأنزل الله تصديقها {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [سورة الفرقان:68] الآية وفي الرواية الأخرى ثم تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدل على أنها نزلت قبل وكأن هذا هو المرجَّح عند أهل العلم وإذا تليت الآية على الجموع منهم من يرى أنها منهم من قد يكون سمعها قبل ذلك فيقول تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الآية ومنهم من لم يسمعها قبل فيقول فأنزل الله عز وجل هذه الآية {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [سورة الفرقان:68] يعني لا يشركون وهذا موافق للسؤال الأول في الحديث {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [سورة الفرقان:68] ولا يقتلون النفس التي حرم الله يعني قتلها «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث» فذكرها {الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [سورة الفرقان:68] يلق جزاء إثمه وقيل عقوبته وهما متقاربان وقيل الأثام واد في جهنم وقيل هو واد في جهنم نسأل الله العافية المقصود أنه وعيد شديد لمن ارتكب شيئًا من هذه الثلاثة التي هي أكبر الكبائر والتي ورد فيها الوعيد الشديد في الآية إلا من تاب {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [سورة الفرقان:70] إلا من تاب الاستثناء متعقِّب لجمل متعددة متعقب لجمل متعددة فهو عائد إليها جميعها ما يقال إنه عائد إلى الأخيرة فقط إلى الزنا بل هو عائد إلى الجمل الثلاث كلها تجب التوبة النصوح مع القيود التي ذكرت معها {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [سورة الفرقان:70] وهذا من فضل الله ورحمته بعباده وهو أيضًا من باب الحث على التوبة والترغيب فيها لا يكفي أن يرفع الذنب ويرفع اثمه وجزاؤه بل إذا تحققت التوبة بشروطها وما ذكر معها فإنه الله يبدِّل هذه السيئات حسنات لكن هذه الحسنات المنقلبة عن سيئات هل هي مضاعفة كالحسنات التي فُعلت ابتداء الحسنة بعشر أمثالها أو أنها سيئة حسنة بدل سيئة؟ أشار شيخ الإسلام وابن القيم إلى أنها حكمها حكم الحسنات التي فعلت ابتداء فهي مضاعفة وعلى هذا فمن عاش عمره سبعين أو ثمانين سنة في طاعة الله عاش عمره على الاستقامة أو على الصراط المستقيم وله أخ آخر عاش مثل عمره أو قريبًا منه في المعاصي والجرائم والسيئات بما فيها الشرك والقتل والزنا الذي جاء به النص ثم تاب قبل وفاته في وقت التوبة هذا له حسنات ابتداءًا وهذا له سيئات انقلب حسنات وقد يكون صاحب السيئات أكثر جلَدًا من صاحب الحسنات فسيئاته بالليل والنهار فتنقلب إلى حسنات، هل هناك احتمال أن تكون سيئات.. حسنات هذا التي كانت أصلها سيئات أكثر من حسنات الثاني؟ إذا قلنا إنها تضاعف مثل الحسنات الأصلية وهو مقتضى كلام شيخ الإسلام ما فيه ما يمنع إلا أن الثاني يعني ما هي مسألة حساب مادي لا، لكن تقريبي وإلا فالحسنة بعشر أمثالها وتضاعف إلى أكثر من ذلك إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة بالنسبة لمن أطاع ولزم التقوى في عمره كله لكن هذا موضوع آخر لكن إذا قلنا حسنة بعشر أمثالها بالنسبة للمطيع خلال ثمانين سنة وقلنا أن سيئات الذي عصى ثمانين سنة بدلت حسنات بنص القرآن وقلنا مع ذلك أنها تضاعف الحسنة بعشر أمثالها قلنا ما بينهم فرق لكن هذا كلام شيخ الإسلام والأقعد أنه في الحسنات المبدلة عن سيئات أن البدل له حكم المبدل والسيئات لا تضاعف فكذلك هذه الحسنات لا تضاعف فضل الله لا يُحَد ويؤتيه من يشاء قد يكون عمل الإنسان يسير وزمنه قليل ويضاعف مضاعفات أكثر بكثير من الزمن الطويل والعمل الكثير ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء لكن بالنسبة للتقعيد الشرعي الحسنة بدل عن سيئة والبدل له حكم المبدل السيئات لا تضاعف إذًا البدل لا يضاعف وهذا من النظر العقلي له حظ من النظر {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} ؟[سورة القلم:35] و{أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ} [سورة السجدة:18] وهذا يؤيد أن الحسنات أبدلت إلى سيئات لكنها بعددها ولذلك لا يكون هذا مثل هذا ونفى الله جل وعلا فيما ذكرناه أن يُجعَل هذا مثل هذا، ثم قال الإمام مسلم فيما ترجم عليه النووي باب الكبائر وأكبرها قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى حدثنا أو "حدثني عمرو بن محمد بن بُكير بن محمد الناقد" ويروي عنه الإمام مسلم كثيرًا يقول حدثنا عمرو الناقد ولا يذكر اسم أبيه واسم جده فذكره هنا قال "حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة" إسماعيل بن إبراهيم وعُلَيَّة أمه كان يأنف من أن يُنسَب إلى أمه ولذا كان الإمام أحمد يقول الذي يقال له ابن عُلَيَّة "عن سعيد" وهو ابن إياس أبو مسعود البصري "الجريري" قال "حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة" قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة "عن أبيه" أبي بكرة نفيع نُفيع بن الحارث "قال كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال «ألا أنبئكم»؟" يعني ألا أخبركم ألا أخبركم والإنباء هو الإخبار إلا أن النبأ قد يكون في أمر أهم مما يُخبَر به {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [سورة النبأ:1-2] وعند أهل الحديث أنبأنا مثل أخبرنا وسمعت وحدثنا يعني من حيث القوة وإن كانت دلالة كل لفظ عند أهل الحديث لها خصوصية فالتحديث والسماع حدثني وسمعت إذا كان من لفظ الشيخ والإخبار إذا كانت الرواية بطريق العرض يعني قراءة على الشيخ والإنباء كذلك إلا أنهم خصوها فيما بعد بالإجازة الادلة على ذلك قوله جل وعلا {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [سورة فاطر:14] "فقال «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر»؟ ثلاثًا" يعني كرر اللفظ ثلاثًا ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ وهذا لمزيد الاهتمام والعناية بشأنها ولفت الأنظار إليها مع أنه -عليه الصلاة والسلام- جاء عنه أنه إذا تكلم تكلم ثلاثًا وإذا دعا دعا ثلاثًا الإشراك بالله الإشراك بالله»" وهو نظير ما تقدم وأنه أعظم الذنوب وأكبر الذنوب الإشراك بالله "قال ألا أنبئك بأكبر الكبائر" يدل على أن في الذنوب كبائر وفيها صغائر والكبائر فيها الكبير وفيها الأكبر فيها الكبير وفيها الأكبر بأكبر الكبائر ومنهم من يقول لا يوجد كبائر وصغائر كل ذنب عصي الله به فهو كبيرة لأن النظر إلى قدر من عُصي وهو الله جل وعلا وهذا المنتهك للذنب وإن كان صغيرًا فإنه عصى الله الكبير المتعال فيستوي في ذلك جميع الذنوب بالنظر إلى من عُصي ولكن حتى قيل إن جميع الذنوب كبائر لكن النصوص دلت على أن من الذنوب ما هو كبير ومنها ما هو صغير ومنها ما هو أكبر كما هنا فهناك صغائر وذنوب تكفرها الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة هذه كفارات والمراد بذلك كفارات للصغائر بدليل قوله -عليه الصلاة والسلام- ما لم تُغشَ كبيرة ما لم تغش كبيرة فدل على أن الذنوب المكفرة هي الصغائر {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [سورة النساء:31] هل هذه السيئات كبائر؟ لا، ليست كبائر بدليل أنها تُكفَّر باجتناب الكبائر فدل على أنها ليست من الكبائر وجاء في عددها اجتنبوا الموبقات فقال بعضهم هي سبع لا تزيد وسئل ابن عباس قال هي إلى السبعين أقرب وفي رواية عنه إلى السبعمائة أقرب واختلفوا في الضابط للكبيرة يعني ما جاء في النصوص مطلق عليه اسم الكبيرة هذا لا إشكال فيه لكن هل يقتصر على ما جاء النص في تسميته كبيرة؟ يقولون من الذنوب ما لم ينص عليه ما هو أعظم مما نص عليه بأنه كبيرة ومن النصوص أو مما نص عليه مما يشمله اسم الكبيرة قد يكون أثره ضعيف جدًّا على الفاعل وعلى غيره يعني أكل تمرة من مال يتيم ما يسمى أكل مال يتيم؟ لكن هل هو بمثابة من يدل مثلاً من الجواسيس على عورات المسلمين بحيث تستباح دماؤهم وأموالهم وأعراضهم أيهما أكبر؟! الأخير أكبر في عرف العقلاء كلهم والآثار المترتبة عليه تدل على ذلك لكن الآثار المترتبة على أكل تمرة من مال يتيم؟! ولذلك يقولون العلماء إن الأثر له أثر في الكِبَر والصِّغَر لكن جاء من النصوص ما يدل على أن الأثر في ظاهر الحال عند الناس «إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا تهوي به في النار سبعين خريفًا» إن الرجل ليلقي بالكلمة لا يلقي لها بالاً أو يتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفا نسأل الله العافية يعني يظن أن أثر هذه الكلمة يسير يعني يقولون كذب على شخص أدى إلى قتله هل هو ككذب عليه أدى إلى أخذ شيء يسير جدًا من ماله؟ كذب على زيد فأُخذ منه درهم أو كذب عليه فقتل أيهما أشد؟ كله كذب لكن العلماء حينما يقولون هذا الكلام يبينون أنها متفاوتة ولو جاءت في النصوص في سياق واحد فقد يقترن بالفاعل لهذا الذنب العظيم شيء من الندم والخوف والوجل ولم يكن ذلك من عادته وطبعه لكن غلبته نفسه وشيطانه هذا كمن فعل الذنوب مستمريًا لها مستخفًا بها؟ لا، من أهل العلم من قال إن كل ذنب عصي الله به فهو كبيرة وهذا سبق أن ذكرناه وليس بصحيح لأن الشرع جاء بالتفريق بين الذنوب كل ذنب اقترن بوعيد بالنار أو بلعن أو لا يدخل الجنة أو ترتب عليه حد في الدنيا أو عذاب في الآخرة قالوا هذا من ضوابط الكبيرة أو نُفِيَ عنه الإيمان أو وصف بالكفر ولو كان أصغر قال ناظم الاختيارات ناظم الكبائر ناظم الكبائر:

وزاد حفيد المجد أو جا وعيده

 

بنفي لإيمان أو بلعن مبعد

حفيد المجد من هو؟ شيخ الإسلام ابن تيمية حفيد مجد الدين ابن تيمية صاحب المنتقى والمحرر وغيرها "قال «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» ثلاثًا «الإشراك بالله»" وهذا في الأحاديث كلها مقدَّم على غيره وأنها أكبر الكبائر «وعقوق الوالدين»" عقوق الوالدين وهو من العَقّ وهو الشق والقطع ولذا سمي ما يذبح عن المولود عقيقة لأنها تُعَق وتقطع وتشق يعني تُذبح «وعقوق الوالدين» وهو شق عصا طاعتهما وقطع صلتهما ويحصل العقوق بما يُدخِل عليهما الضرر قل أو كثر هو عقوق لكن بحسب الضرر يتضاعف الذنب وحق الوالدين شأنه عظيم في النصوص وهو قرين لحق الله جل وعلا "«وعقوق الوالدين وشهادة الزور وشهادة الزور»" الزور من التزوير وهو التمويه وإخفاء الحق والتدليس فيه ونظرًا لعظم ما يترتب على شهادة الزور فقد يُقتَل بها مسلم أو يُقتطع بها مال مسلم أو غير ذلك جاء التشديد في شأنها وجعلها من الكبائر بل من الموبقات "«وشهادة الزور أو قول الزور»" شهادة الزور أعم من قول الزور لأنها قد تكون بالقول أو بالفعل أو قول الزور "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متكئًا" متكئًا يعني مرتاح "فجلس" اهتم للأمر "فمازال يكررها" ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور ألا وقول الزور مازال يكررها "حتى قلنا ليته سكت" شفقة عليه -عليه الصلاة والسلام- شفقة عليه واستنكارًا لما يغضبه -عليه الصلاة والسلام- ثم قال وحدثني "يحيى بن حبيب الحارثي قال حدثنا خالد وهو ابن الحارث" وحدثني يحيى بن حبيب الحارثي وحدثني يحيى بن حبيب الحارثي قال حدثنا خالد وهو ابن الحارث مر بنا مرارًا أن المؤلف رحمه الله يقول وهو ابن فلان وهو في الواقع ابن فلان خالد بن الحارث لكن لماذا يقول المؤلف خالد وهو ابن الحارث ولم يقل خالد بن الحارث كما قال يحيى بن حبيب؟

طالب: ...........

وين؟

طالب: ...........

نعم شيخه قال حدثنا خالد وسكت ومسلم أراد أن يبين المراد بخالد لأنه يشاركه في طبقته عدد ممن اسمه خالد فقال وهو ابن الحارث بيَّن وميَّز ووضَّح ومع ذلك لم ينسب لشيخه شيئًا لم يقله لأنه لو قال حدثنا خالد بن الحارث كأنه نسب إلى شيخه يحيى نسبة هذا الشيخ وهو في الواقع لم ينسبه وهذا من ورع الأئمة رحمة الله عليهم البخاري يقول يعني ابن فلان وهما واحد المقصود والمراد تمييز هذا الراوي المهمَل مما يميزه عن غيره من غير أن يُنسَب إلى من لم ينسبه فيكون فيه نوع كذب على شيخه فحصلت المصلحة من غير أن يترتب على ذلك مفسدة "وحدثني يحيى بن حبيب الحارثي قال حدثنا خالد وهو ابن الحارث قال حدثنا شعبة" وهو ابن الحجاج "قال أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر" بن أنس بن مالك "عن أنس" يعني عن جده أنس بن مالك رضي الله عنه خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- صاحبه الشهير المعروف "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الكبائر قال «الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وقول الزور»" وهذه تقدمت من الأحاديث السابقة منها ما ذكر فيه ثلاث ومنها ما ذكر فيه أربع وسيأتي اجتنبوا السبع الموبقات فهذا التعدد يدل على أن العدد أكثر فإنه يصفو من المجموع أكثر من السبع إذًا كيف يُسأل عن أكبر الكبائر ويجيب ثم يُسأل عن أكبر الكبائر فيجيب بجواب فيه نوع اختلاف وفيه زيادة أو نقصان؟ منهم من قال أن المقصود من أكبر الكبائر فيدخل في ذلك جميع ما ذكر وأيضًا ما لم يذكر من أكبر الكبائر أو أنه -عليه الصلاة والسلام- كما قيل في أفضل الأعمال سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أفضل الأعمال فأجاب بأجوبة مختلفة وقيل في موضعه أن اختلاف الأجوبة قد يكون مرده إلى اختلاف أحوال السائلين إلى اختلاف أحوال السائلين وهنا قد يقال إن إجابته -عليه الصلاة والسلام- بأنواع من الكبائر أنه رأى فيمن يسمع أن بعض الذنوب ينبغي أن ينبه عليها في هذا الوقتع وبعضها نبه عليه في أوقات الأخرى ملاحظة للظروف والأحوال وبعضهم يقول أن المراد من من أكبر الكبائر كذا وحينئذٍ لا حصر ثم قال رحمه الله "وحدثنا محمد بن الوليد بن عبد الحميد قال حدثنا محمد بن جعفر" وهو المعروف الملقب بغندر "قال حدثنا شعبة" وهو ابن الحجاج "قال حدثني  عبيد الله بن أبي بكر" بن أنس بن مالك "قال سمعت أنس بن مالك" وهو جده قال ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكبائر أو سئل "قال ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكبائر أو سئل عن الكبائر" شك أنس لأنه كبر وعاش مائة وثلاث سنين مع طول العهد شك رضي الله عنه وأرضاه هل قالها ابتداء أو سئل فأجاب؟ فيه فرق؟

طالب: ...........

وش الفرق؟ أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- الكبائر كذا وكذا وكذا أو يسأل عن الكبائر فيجيب كذا وكذا وكذا فيه فرق؟ يعني هل هذا الشك يترتب عليه أثر؟

طالب: ...........

لا لا، مساق واحد، ما فيه اختلاف في الكبائر العدد المذكور واحد والأفراد واحدة لكن أنس شك في آخر عمره هل قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكبائر كذا أو سئل عن الكبائر فأجاب ولا فرق لكن هذا من الدقة والتحري عندهم.

"قال ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال «الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين»" وهذه تقدمت "ثم قال «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قال «قول الزور» أو قال «شهادة الزور»" وهذا يرد فيه ما تقدم من أن قول الزور قد يصل إلى الشرك الشرك زور قول زور وبهتان وقد يطلق على ما دونه من عظائم الأمور لكنه.. لكن قول الزور متفاوت فألا أنبئكم.. قال قول الزور ومنه ما يصل إلى حد الشرك ومنه ما هو دون ذلك مما يترتب عليه قتل نفس أو أخذ مال أو انتهاك عرض أو ما أشبه ذلك أو قال شهادة الزور لو جاء شخص وشهد شهادة زور أن فلانًا قتل فلانا ثم قُتل بسببه هذا من العظائم أو قال أشهد أن فلان زوج ابنته فلان وأرغمت على الذهاب معه بغير حق بمجرد هذه الشهادة هذا أيضًا من العظائم لأنه يترتب عليه الزنا إلى غير ذلك فشهادة الزور تدخل في كثير من الأبواب ولذلك جاءت العناية بها "قال «قول الزور» أو قال «شهادة الزور» قال شعبة وأكبر ظني أنه شهادة الزور" يعني الذي ترجح على ظني مما تردد فيه في الحديث بأو التي هي للشك أن اللفظ المروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- شهادة الزور مع أنه جاء قول الزور في أحاديث أخرى "قال شعبة وأكبر ظني أنه شهادة الزور" وعلى كل حال الرواة ثقات كلهم ولا يترتب على الاختلاف في اللفظ اختلاف في المعنى فلا أثر له وكونهم يوردونهم بأو والتي هي للشك هذا من دقتهم وشدة تحريهم ثم قال "حدثني هارون بن سعيد الأيلي قال حدثنا ابن وهب" عبد الله بن وهب الإمام المعروف شيخ المصريين "قال حدثني سليمان بن بلال" قال حدثني سليمان بن بلال "عن ثور بن زيد بن أبي الغيث" واسمه سالم "عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «اجتنبوا السبع الموبقات اجتنبوا السبع الموبقات»" المهلكات وبق وَبِقَ يَبق أو وَبَق يَبِق بكسر الثاني.. أو بكسر الأول الثاني أو العكس إذا هلك وأوبق أي أهلك فالموبقات هي المهلكات "«اجتنبوا السبع الموبقات» قيل يا رسول الله وما هن؟" خبر يهز المسلم ولا يمكن أن يسكت اجتنبوا السبع الموبقات ويولي ولا يدري ما هي لأنه قد يقع فيها وهو لا يعرفها "قيل وما هن يا رسول الله قال «الشرك بالله»" وهذا يتفق مع جميع الأحاديث السابقة "«والسحر»" وهو نوع من الشرك والكفر {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [سورة البقرة:102] فالسحر شرك وكفر ولا يمكن أن يُتوصَّل إليه إلا عن طريق القرابين والشرك بالله جل وعلا فعطفه على الشرك بالله من باب عطف الخاص على العام من باب عطف الخاص على العام "«والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق»" وتقدم ما قيل في هذه الجريمة وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق يعني النفس المعصومة إلا بحقها كما جاء «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة» وكذلك من عُصم دمه بمعاهدة أو ذمة «من قتل معاهدا لم يرَح رائحة الجنة» إلى غير ذلك من الأ حاديث التي تدل على تحريم قتل النفس المعصومة "«وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل مال اليتيم»" وتقدم أنه قد يكون بشيء يسير كما قيل في السرقة وغيرها من الآثار المترتبة عليها ولذلك لا يقضى في السرقة ما لم يبلغ النصاب وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار يعني لو سرق حبة لا شك أنه عليه أن يترفع عن أموال الناس وبعض الناس يدخل المحلات ولا يطلع إلا شبعان هذا مكسرات هذه صغار الفواكه هذه بعض الخضروات على أنه يوهم صاحب المحل أنه يجرِّب ليشتري مثل هذا لا يقطع لأنه ما سرق لكنه أكل مال الغير ومثل هذا يقال في مال اليتيم أن أكل الحبة أو التمرة أو ما أشبه ذلك مما يتسامح فيه الناس أن أمره أخف من أن يكون من الموبقات مع أن الواجب على المسلم الورع عن مثل هذا كله "«وأكل الربا»" والربا من عظائم الأمور وهو حرب لله ورسوله {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة البقرة:279] فالربا شأنه عظيم وأمره خطير فإذا كانت العينة وهي موصلة إلى الربا وليست صريحة جاء فيها من الوعيد ما فيها «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله ضرب الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا» وهي العينة التي قال بجوازها الشافعية والجمهور على تحريمها فكيف بالربا الذي جاء التشديد فيه بنصوص الكتاب والسنة حرب لله ورسوله وقال بعضهم أهل العلم أن المرابي الذي يأكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [سورة البقرة:275] نسأل الله العافية "«وأكل الربا والتولي يوم الزحف»" إذا وجد في الصف ثم تولى هرب وترك الجهاد بعد أن تعيَّن عليه هذا من كبائر الذنوب لأنه مع كونه تخلى عما أوجب الله عليه أيضًا أوقع الخلل في صفوف المسلمين إذا هرب واحد ثم هرب الثاني توقع البقية أنهم مغلوبون مهزومون وأنهم لا قدرة لهم ولا طاقة لهم بالعدو فلذلك قال أهل العلم إنه يتعين القتال فيمن حضر الصف ولا يجوز له أن يتولى والتولي من الموبقات "«وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات»" وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات والمحصنات العفيفات المحصنات العفيفات والغافلات عن الفواحش يقول حسان في مدح عائشة:

حصان رزان لا تزن بريبة

 

وتصبح غرثى...............

يعني جائعة.

................................

 

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

يعني الغافلات فلا تطلق لسانها أو المسلم يطلق لسانه في مؤمنة مسلمة محصنة عفيفة غافلة عن هذه الأمور يعني آخر من عَلِم بقصة الإفك من آخر من علم بها؟ عائشة رضي الله عنها غافلة عن هذه الأمور على ما يقول الناس ليس في قاموسها أصلاً فنزلت براءتها من فوق سبع سموات ومازالت تُقذَف بما برأها الله منه من الروافض عاملهم الله بما يستحقون برأها الله من فوق سبع سموات ويقولون لا، ويثبتون ما برأها الله منه طيب الآيات التي تتلى في القرآن {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُو بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ} [سورة النــور:11] إلى آخرها قالوا هذا في الجارية ليس في عائشة نسأل الله العافية إنا لله وإنا إليه راجعون وقذف المحصنات المحصَنات وقرئ محصِنات قراءة الكسائي محصِنات والبقية على محصَنات بالفتح والغالب في النصوص أنها بالنسبة للإناث محصَنات اسم مفعول وبالنسبة للذكور محصِنين غير مسافحين ولا شك أن الزوج يحصِن زوجته والزوجة تحصِن زوجها ولذا يقال في الزاني المحصَن الذي نكح الذي وطأ في نكاح صحيح لكن في الغالب في النصوص أن الذكر محصِن والمرأة والأنثى محصَنة قال رحمه الله "حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث" وهو ابن سعد الإمام المعروف "عن ابن الهاد" وهو شداد بن الهاد "عن سعد بن إبراهيم عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال «من الكبائر شتم الرجل والديه»" من الكبائر وهي تضاف إلى ما سبق «شتم الرجل والديه» وفي رواية لعن الولد والديه أو الرجل والديه وسب الرجل والديه استغرب الصحابة وتعجبوا يمكن أن يوجد شخص يقول لوالده لعنك الله أو لأمه لعنكِ الله؟! هذا ما يخطر على بالهم ولا بال أي شخص باقٍ على فطرته التي فطره الله عليها لكنه وُجد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما "قالوا وهل يشتم لارجل والديه؟!" هل يشتم الرجل والديه؟! "قال «نعم»" وليس معنى هذا أنه يقول لوالده لعنك الله أو يسبه باللفظ البذيء الصريح أو يسب أمه كذلك "قال «نعم، يسب أبا الرجل»" يشتم والد فلان والولد يسمع أو يشتم أمه والولد يسمع فالولد الذي سُبَّ أبوه يبادر بالمثل فيشتم ويسب أبا الرجل الذي سب أباه "«يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه»" يعني هل الذي أشير إليه بأنه أن من الكبائر شتم الرجل والديه هل الشتم هنا مباشرة أو تسبب؟ تسبب يعني يكون سببًا في شتم والديه يكون سببًا في شتم والديه ولو لم يقل لهما صراحة ويباشر ذلك اللعن وإنما يتسبب في ذلك فيسب أبا رجل حاضر أو يسب أمه فالمسبوب أبوه أو أمه يسب أبا الساب ويسب أم الساب وحينئذٍ صار التسبب كالمباشرة صار التسبب كالمباشرة هناك جرائم ومعاصي تُرتكب من بعض الناس وبعض الناس لا يرتكبها بل يرتكب الذرائع الموصلة إليها يرتكب الذرائع الموصلة إليها وسد الذرائع أمر مقرَّر عند أهل العلم {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [سورة الأنعام:108] سبكم لآلهتهم وإن كان في الأصل مشروع لكنه إذا أدى إلى أن يسب الرب جل وعلا مُنِع بصريح النهي {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [سورة الأنعام:108] وهذا من باب سد الذرائع ولذا جاء في النصوص حماية جناب التوحيد حماية جناب التوحيد وسد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك وكذلك الذرائع الموصلة إلى غيره من المحرمات كما هنا هذا ذريعة لأن يُسَب أبوه فنهي عن ذلك ولا يجوز له أن يرتكب هذه الذريعة لئلا يسب أبوه بسببه "وهل يشتم الرجل والديه قال «نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه» وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار" حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار واسمه محمد ولقبه بندار "جميعًا هؤلاء الثلاثة "عن محمد بن جعفر" الملقب بغندر "عن شعبة" وهو ابن الحجاج "قال ح وحدثني محمد بن حاتم يعني شيخ رابع عن شعبة ح وحدثني محمد بن حاتم "قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سفيان كلاهما عن سعد بن إبراهيم" يعني المذكور في الطريق السابقة "بهذا الإسناد مثله" حدثنا سفيان كم بين مسلم وسفيان؟ بينهما راويان والقاعدة للتمييز والقاعدة للتمييز بين السفيانين وهي أغلبية أنه إذا كان بينه وبين المؤلف واحد فهو ابن عيينة لتأخره وإن كان بينهما اثنان فهو الثوري لتقدم سفيان الثوري وقد تختل القاعدة في بعض الصور بأن يكون شيخ الإمام معمَّر مثلاً أو يكون الإسناد نازل فتكثر الوسائط ثم قال رحمه الله تعالى فيما ترجم عليه النووي باب تحريم الكبر وبيانه "وحدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار وإبراهيم بن دينار" الثلاثة جميعهم قال "جميعًا عن يحيى بن حمَّاد" عن يحيى بن حماد "قال ابن المثنى حدثني يحيى بن حماد قال أخبرنا شعبة عن أبان بن تغلِب" عن أبان بن تغلب أبان بن تغلب أبان من الإبانة أو من الإباء؟ مثل ما قيل في حسان من الحس أو من الحسن إذا كانت النون أصلية فهو مصروف والا ممنوع من الصرف؟

طالب: ...........

قالوا مختلف فيه هل يصرف أو لا يصرف والصرف أفصح أبان لأنه من الإبانة والإبانة تقتضي أن النون أصلية ويمنع من الصرف إذا كانت النون والألف زائدتين وهنا النصوص أصلية فالمرجح صرفه حتى قال بعضهم من منع أبان فهو أتان مع أن ابن مالك يمنعه من الصرف على كل حال الأكثر على صرفه ابن تغلب وهذا أيضًا ممنوع من الصرف لأنه على وزن الفعل "عن فُضيل الفقيمي عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»" اختلفوا في مثل هذا منهم من حمله على المستحِل ومنهم من حمله على أعلى أنواع الكبر وهو الشرك "قال رجل" قالوا هو مالك بن مرارة الرهاوي واختلفوا فيه اختلاف كبير لكن هذا قول الأكثر "قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا" يحب أن يكون الرجل ثوبه حسنًا ونعله حسنًا ونعله حسنة "قال «إن الله جميل يحب الجمال»" ليس هذا هو الكبر لكن بعض النفوس الضعيفة إذا لبس الجميل من الثياب أو الفاخر أو الفارِه من المركوبات تكبَّر يحمله ذلك على الكبر لكن الرجل المسلم يلبس هذه الأمور ولا يراها مزية له على غيره فلا تحمله على الكبر ولذا قال "«الكبر بَطَر الحق»" يعني رده وإنكاره يستكبر ويستنكف عن قبول الحق هذا كبر "«وغمط الناس»" غمط الناس احتقارهم وغمط بالطاء رواية الأكثر في الصحيحين وأبي داود بالطاء وعند الترمذي غمص بالصاد وعلى كل حال المقصود به احتقار الناس قال "حدثنا منجاب بن الحارث" التميمي "وسويد بن سعيد كلاهما عن علي بن مسهر قال قال منجاب أخبرنا ابن مسهر" قلنا إنه إذا روى الحديث عن أكثر من واحد ثم أعاد واحد من هؤلاء الرواة فإنه هو صاحب اللفظ "قال منجاب أخبرنا ابن مسهر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة" الأعمش وإبراهيم الأعمش سليمان بن مهران وإبراهيم النخعي وعلقمة كذلك هؤلاء الثلاثة كلهم تابعيون ففي الإسناد لطيفة وهي وجود ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض ويوجد أربعة وهو أقل ويوجد خمسة وهو نادر ويوجد في الأسانيد في إسناد واحد ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض في حديث يتعلق بسورة الإخلاص مخرَّج عند النسائي وغيره وفيه جزء مفرد للخطيب البغدادي هؤلاء الثلاثة يروي بعضهم عن بعض "عن عبد الله" وهو ابن مسعود "قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان»" وهذا فيه إشكال باعتبار أن العمل شرط صحة أصله شرط صحة للإيمان لكن قالوا هذا محمول على أنه لا يدخل دخول خلود «لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان» يعني المراد به دخول خلود مع خلود الكفار أو لا يدخل النار التي أعدت للكفار "«ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء»" وقلنا أن هذا محمول على الكبر الأعظم وهو الشرك أو يحمل على المستحل أو يحمل على المستحل أو يقال هذا من أحاديث الوعيد لا يتعرض لتأويله لأنه أبلغ في الزجر الشطر الأول «لا يدخل النار أحد به مثقال حبة خردل من إيمان» إما أن يُحمَل على دخول الخلود أو النار المعدة للكفار أو يحمل على ما كان قبل الشرائع إلى غير ذلك من الأجوبة التي ذكرها أهل العلم للإجماع على أن أصحاب الكبائر متوعَّدون بدخول النار "وحدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو داود" حدثنا محمد بن بشار بندار قال حدثنا أبو داود وهو الطيالسي هشام بن عبد الملك قال حدثنا أبو داود الطيالسي سليمان ذاك أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك "قال حدثنا شعبة عن أبان بن تغلب عن فضيل عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»".

والله أعلم وصلى الله وسلم...

"