شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (239)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى لقاء جديد في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: فضيلة الشيخ في حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- يعني بقينا فيه في الحلقات الماضية والملاحظ عندنا في نسختنا أنه لم يذكر الأطراف، وإنما قال انظر إلى رقم 74 ووعدتم الإخوة والأخوات بذكر الأطراف، نبدأ بذكر الأطراف، ثم لماذا المحقق ذكر طرفًا سابقًا ولم يذكر أطرافًا لاحقة؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

 فإحالة محقق المختصر إلى أربعة وسبعين، لعله يريد بذلك أربعة وسبعين من الأصل، حديث رقم أربعة وسبعين من الصحيح، وإلا فالمختصر ليس فيه أربعة وسبعين.

المقدم: نعم نعم صح.

نعم أربعة وسبعين في المختصر ليس هو هذا الحديث، وإنما هذا الحديث رقمه أربعة وسبعون في الأصل، وفيه الأطراف، فالبخاري خرج هذا الحديث في ثلاثة عشر موضعًا، ثلاثة عشر موضعًا، والقصة المذكورة في هذه المواضع هي قصة موسى، والخضر، لكنها مرةً يكون الخلاف فيها مع نوف البكالي، وأحيانًا يكون الخلاف فيها مع الحر بن قيس، مع الحر بن قيس بن حصن الفزاري، تمارى ابن عباس مع الحر بن قيس، والذي معنا الحديث المشروح نوف البكالي.

فهل تكون هذه القصة واحدة بحيث تكون أطرافها مجتمعة؟ فتكون حديثًا واحدًا، أو تكون قصتين أو تكون قصتين في حديثين؟ يعني هل يؤثر كون الخلاف بين ابن عباس وبين الحر بن قيس، أو الخلاف بين نوف البكالي في زعمه ورد ابن عباس عليه، قصة واحدة أو قصتان؟

المقدم: قد يكون هذا وقد يكون هذا، قد تكون قصة يا شيخ.

قصة واحدة فنحتاج إلى سياقها مساقًا واحدًا وأطرافها واحدة.

المقدم: قد يكون هذا نقلًا عن نوف البكالي، وقد يكون ردًّا عليهما معًا.

يعني هل نقول: إن قصة الحر بن قيس قصة مستقلة فتكون أطرافها واحدة؟ أو تكون.. وقصة نوف قصة أخرى، فيكون أورد هذا في خمسة مواضع، وهذا في ثمانية مثلاً؟ فنفصل القصتين، أو هما حديث واحد، ومتى تؤثر القصة إذا تعددت في الخبر؟

يعني فرق بين أن تكون القصة سبب ورود، وبين أن تكون سبب إيراد، ما معنى هذا الكلام؟ في قصة اللعان مثلاً، نعم اللعان نزل بسبب كعب، نعم وبعض الأحاديث نزل بسبب عويمر العجلاني نعم، نقول: هذا حديث واحد، أو حديثان؟ هما حديثان.

المقدم: نعم.

لكن القصة كلها في موسى والخضر من حديث أبي بن كعب حديث واحد، وإن تعدد سبب الإيراد لهذه القصة.

المقدم: نعم.

يعني لو افترضنا أنه عشرة في مجلس.

المقدم: سأل واحد.

عندنا شيخ إذ قال واحد: سبب القصة كذا لهذا الشيخ، وقال الثاني: لا، سبب القصة كذا، وقال الثالث: سبب القصة كذا، وقع عليه مع فلان ثم ذهب كل واحد ينشر السبب الذي وقع له مع الشيخ من عشرة أوجه بحسب عدد الحضور، والشيخ أورد حديثًا واحدًا، نقول: عشرة أحاديث أم حديث واحد؟ وهذا الاختلاف لا أثر له في الحديث؛ لأن سبب الإيراد غير سبب الورود، سبب الإيراد يكون متأخرًا عن الورود -ورود الخبر-، وسبب الإيراد متأخر، وسبب الورود متقدم عليه، فالمتقدم له أثر، والمتأخر لا أثر له، ظاهر أم ليس بظاهر؟؟

المقدم: ظاهر.

لأنه قد يكون قائل قصة الحر بن قيس غير قصة نوف، فلماذا تعد قصة واحدة؟ نقول: القصة واحدة قصة موسى والخضر من حديث أبي بن كعب، وأما أسباب الإيراد فقد يكون أسبابًا أخرى يمكن أن تورد فيما بعد، تورد فيما بعد، ويستدل لقول المصيب منهما بهذه القصة، نقول أيضًا: حديث ثالث؟ لا، لا، لا أثر لمثل هذا في تعدد الأخبار.

أقول الحديث أخرجه الإمام البخاري في ثلاثة عشر موضعًا:

الأول: في كتاب العلم، وهذا سبق أن أشرنا إليه في الباب السادس عشر، ما ذكر في ذهاب موسى -صلى الله عليه وسلم- في البحر إلى الخضر، وقوله تعالى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:66].

قال: حدثني محمد بن غرير الزهري، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب، حدث أن عبيد الله بن عبد الله، أن عبيد الله بن عبد الله أخبره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- «أنه تمارى هو والحر بن قيس» تمارى هو والحر بن قيس، وهو لا بد منها لا بد منها هو للفصل بين المعطوف على الضمير المرفوع المتصل، لا بد من الإتيان بهو هنا، أو غيرها أي فاصل..

      وإن عَلَى ضمير رفع متصل       عطفت فافصل بالضمير المنفصل

       أو فاصل ما.

يعني أي فاصل.

             وبلا فصل يرد        في النظم فاشيًا وضعفه اعتقد

أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى، قال ابن عباس: هو خضر، فمر بهما أبي بن كعب، فدعاه عبد الله بن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي، نفس الشيء أنا لابد منها، تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى..

هو في الموضع الأول ضمير الرفع المتصل مستتر، وهنا ضمير الرفع المتصل بارز، وهم يجعلون المستتر في حكم البارز هنا، فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى، الذي سأل موسى السبيل إلى لقيه، هل سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر شأنه؟ قال: نعم، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟»، فذكر الحديث مختصرًا، والمناسبة ظاهرة، وتقدمت الإشارة إليها، ذهب موسى في البحر إلى الخضر، هذا واضح من القصة.

المقدم: نعم.

 الموضع الثاني: في كتاب العلم أيضًا، وهو مما تقدمت الإشارة إليه في باب التاسع عشر في باب الخروج في طلب العلم.

ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد، قال -رحمه الله-: حدثنا أبو القاسم، قال: حدثنا حدثنا أبو القاسم خالد بن خلي، قال: حدثنا محمد بن حرب قال: قال الأوزاعي أخبرنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى، فمر بهما أبي بن كعب، فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه، هل سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يذكر شأنه؟ فقال أبي: نعم، سمعت النبي -صلى الله عليه- وسلم يذكر شأنه، بقوله: «بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال: أتعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: موسى لا، فأوحى الله إلى موسى: بلى عبدنا خضر، فسأل السبيل إلى لقيه».

الحديث ذكره مختصرًا أيضًا، والمناسبة ظاهرة، المناسبة إلى الرحلة، الخروج في طلب العلم، موسى خرج، ورحل في طلب العلم مناسبته ظاهرة، وقد تقدمت.

 الموضع الثالث: في كتاب العلم أيضًا: في كتاب العلم أيضًا في باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله، الموضع المشروح، الذي أورده صاحب المختصر، ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم فيكل العلم إلى الله -جل وعلا-.

قال الإمام البخاري -رحمه الله-: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عمرو، قال: أخبرني سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن نوفًا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى بني إسرائيل إنما هو موسى آخر، فقال: كذب عدو الله.

 حدثني أبي بن كعب عن النبي- صلى الله عليه وسلم- النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «قام موسى النبي خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟»، فذكر الحديث بطوله، فذكر الحديث بطوله، قد يستشكل بعضهم قول ابن عباس: كذب عدو الله.

المقدم: صحيح.

ونوف البكالي مسلم، فكيف يكون عدوًا لله؟ ذكر الحافظ ابن حجر نقلًا عن ابن التين أن ابن عباس لم يرد إخراج نوف عن ولاية الله، ولكن قلوب العلماء تنفر إذا سمعت غير الحق، فيطلقون أمثال هذا الكلام؛ لقصد الزجر، والتحذير منه وحقيقته غير مرادة، يعني مثلما يذكر بعض الناس، أو يذكر أو يتكلم بعض الناس بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو يذكر عنه شيء فيقال: نافق، نافق فلان، نافق حنظلة، نافق حويطب، حاطب إلى آخره.

يقولون: نافق وهو في الحقيقة ليس بمنافق، فيطلقون مثل هذا الكلام، وأحيانًا يقول: عمر دعني أضرب عنقه فإنه منافق، المقصود أن مثل هذا يبعث عليه الغيرة، والحمية لله ولدينه، فلا يراد حقيقة الأمر، فنفور العلماء.. نفوس.. قلوب العلماء تنفر من مثل هذا الكلام، فيطلقون أمثال هذا الكلام؛ لقصد الزجر والتحذير منه، وحقيقته غير مرادة.

قلت- يقول ابن حجر-: قلت: ويجوز أن يكون ابن عباس اتهم نوفًا في صحة إسلامه! فلهذا لم يقل في حق الحر بن قيس هذه المقالة مع تواردهما عليها، يعني الحر بن قيس قال نفس الكلام، وما قال له عدو الله.

المقدم بل قال صاحبي.

نعم فقال: نعم.

يجوز أن يكون ابن عباس اتهم نوفًا في صحة إسلامه، فلهذا لم يقل في حق الحر بن قيس هذه المقالة مع تواردهما عليه، وأما تكذيبه فيستفاد منه أن للعالم أنه إذا كان عنده علم بشيء، فسمع غيره يذكر فيه شيئًا بخلاف علم، بغير علم أن يكذبه، ونظيره قول الرسول -عليه الصلاة والسلام- «كذب أبو السنابل» أي أخبر بما هو باطن في نفس الأمر، يعني ولو لم يقصد، مخالفة الواقع كذب، ولو لم يقصد، فذكر الحديث بطوله وهو المشروح، واختاره المختصر لتمامه، وكونه أكمل من الموضعين السابقين، وسبق ذكر المناسبة.

 الموضع الرابع: في كتاب الإجارة: الموضع الرابع في كتاب الإجارة، باب إذا استأجر أجيرًا على أن يقيم حائطًا يريد أن ينقض جاز، إذا استأجر أجيرًا على أن يقيم حائطًا يريد أن ينقض جاز، قال -رحمه الله-: حدثني إبراهيم بن موسى، قال: أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم، قال: أخبرني يعلى بن مسلم، يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه، وغيرهما، قال: سمعته يحدث عن سعيد..

يزيد أحدهما على صاحبه إذا روي حديث من طريق اثنين، من طريق اثنين، وفي رواية أحدهما زيادة على رواية الآخر، وفي رواية الثاني زيادة على رواية الآخر يساق الحديثان مساقًا واحدًا يجوز، ولا يميز كل زيادة بصاحبها؟

المقدم: لا، يميز.

البخاري ما ميز قال: يزيد أحدهما على صاحبه، الأمر يختلف فيما إذا كانا ثقتين، فلا يلزم التمييز؛ لأنك أينما نقلت فأنت تنقل عن ثقة، لكن إذا كان أحدهما ثقة، والآخر ضعيفًا فلابد من التمييز؛ لتعرف ما يروى من طريق الثقة، وما يروى من طريق الضعيف، يزيد أحدهما على صاحبه، وغيرهما، قال: قد سمعته يحدث..

قال: قد سمعته يحدث عن سعيد قال: قال لي ابن عباس -رضي الله عنهما: حدثني أبي بن كعب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقض»، قال سعيد بيده هكذا، ورفع يده، فاستقام، قال يعلى: حسبت سعيدًا قال: فمسحه بيده فاستقام {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف:77] قال سعيد: {أَجْرًا} نأكله.

قال ابن المنير: قال ابن المنير: وقصد البخاري أن الإجارة تضبط بتعيين العمل، كما تضبط بتعيين الأجل، تضبط بتعيين العمل كما تضبط بتعيين الأجل، الترجمة؛ إذا استأجر أجيرًا على أن يقيم حائطًا يريد أن ينقض جاز؛ يعني ما يلزم أن يكون أجل إنما لو عين العمل، قال: هذا الجدار طوله كذا وعرضه كذا، وارتفاعه كذا بالمواصفات المنضبطة يجوز؟

 كما لو قال له: تعمل لي في هذا الجدار مدة أسبوع جاز، يقول: قصد البخاري أن الإجارة تضبط بتعيين العمل كما تضبط بتعيين الأجل.

وقال ابن حجر: إنما يتم الاستدلال بهذه القصة إذا قلنا: إن شرع من قبلنا شرع لنا، والمقرر عند أهل العلم أنه شرع لنا ما لم يأتِ شرعنا بخلافه، ما لم يأتِ شرعنا بخلافه {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام:90].

 والخامس في كتاب الشروط: الموضع الخامس في كتاب الشروط: باب الشروط مع الناس بالقول، باب الشروط مع الناس بالقول، يعني ما يصرح به بين المتعاقدين، لكن الشروط العرفية التي تعارف الناس عليها، وعرفها الناس كلهم بحيث لا تخفى على أحد، الشرط العرفي كالشرط الذكري، ولذا قال: باب الشروط مع الناس بالقول، الشرط بالقول هو: الذي لا يحصل فيه إشكال، وهو أولى من الاعتماد على الشرط العرفي. قال: حدثنا إبراهيم بن موسى، قال: أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبره، قال: أخبرني يعلى بن مسلم، وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه، وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد بن جبير، قال: إنا لعند ابن عباس، إنا لعند ابن عباس.

 الآن يروي الحديث عن اثنين مصرح بهما، ويروي عن غيرهما مبهم، غيرهما، والإبهام لا يضر إلا إذا تفرد المبهم بزيادة فلا بد من بيانها؛ لأن المبهم مجهول.

 إنا لعند ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: موسى رسول الله فذكر الحديث {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لك إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف:75]، كانت الأولى نسيانًا، والوسطى شرطًا، والثالثة عمدًا، والثالثة عمدًا {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف:73]، {لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَه} [الكهف:75]، { فانطلقا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ } [الكهف:77]، قرأ ابن عباس أمامهم ملك بدل ماذا؟ {َكَانَ وَرَاءَهُمْ ملك} [الكهف:79].

قال ابن حجر: المراد من قوله: كانت الأولى نسيانًا، والوسطى شرطًا؛ لأن الباب باب الشروط، والوسطى شرطًا، والثالثة عمدًا، وأشار بالشرط إلى قوله: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف:76]، هذا شرط بينهما، والتزام موسى بذلك، ولم يكتبا ذلك، ولم يشهدا أحدًا، إنما اكتفيا بالقول، وترجم باب الشروط مع الناس بالقول يعني لا يلزم كتابة، الكتابة قدر زائد للتوثقة، وإنما يكفي القول، وهكذا في سائر المعاملات، الإيجاب والقبول عقد البيع يتم بالإيجاب بالقبول الذي هو القول، يعني كونه يكتب هذا لاشك أن هذا زيادة في التوثقة، عقد النكاح بالإيجاب والقبول، ولو لم يكتب، والكتابة إنما هي زيادة في التوثقة، تحويل الاسم اسم الاستمارة من فلان إلى فلان البيع إنما تم بالإيجاب والقبول، وهذا التحويل إنما هو زيادة توثقة.

 وأشار بالشرط إلى قوله: { إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي } [الكهف:76].

 والتزام موسى بذلك، ولم يكتبا ذلك، ولم يشهدا أحدًا، وفيه دلالة على العمل بمقتضى ما دل عليه الشرط، فإن الخضر قال لموسى لما أخلف الشرط: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } [الكهف:78]، ولم ينكر موسى- عليهما السلام- ذلك، ما قال أثبت، أحضر شهودًا، أحضر كتابة، إنما ثبت ذلك بمجرد هذا الالتزام بالشرط.

والموضع السادس: في كتاب بدء الخلق، في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس، وجنوده باب صفة إبليس وجنوده، قال -رحمه الله-: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عمرو، قال: أخبرني سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس، فقال: حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن موسى {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [ سورة الكهف 62-63] ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به»، الشيطان المذكور {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [سورة الكهف63]، المذكور في الحديث إما إبليس، أو أحد جنوده من شياطين الجن، فالمناسبة ظاهرة في صفة إبليس وجنوده، من صفاتهم أنهم ينسون، أنهم ينسون الخلق.

والموضع السابع: في كتاب أحاديث الأنبياء: في باب حديث الخضر مع موسى -عليهما السلام- قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله أخبره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه تمارى هو، والحر بن قيس الفزاري في صاحب موسى، قال ابن عباس: هو خضر، فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس، فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه الحديث، والمناسبة ظاهرة، الترجمة حديث الخضر مع موسى ، والترجمة ضمن أحاديث الأنبياء فالمناسبة ظاهرة.

والموضع الثامن: في الباب المذكور من الكتاب المذكور، في حديث الخضر مع موسى في كتاب أحاديث الأنبياء، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عمرو بن دينار، قال: أخبرني سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل، إنما هو موسى آخر، فقال: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب، حدثنا أبي بن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل» الحديث مطولًا، ومناسبته ظاهرة.

قد يقول قائل: ترجمة واحدة في كتاب واحد، ويسوق الحديث مرتين في ترجمة واحدة، يعني كونه يسوق الحديث في عشرين موضعًا لتراجم متعددة، وتراجم، واستنباطات، ويستنبط لكن ما استنبط، ما الذي استنبطه من هذا الحديث في الموضعين؟ استنبط شيئًا واحدًا، فكيف يكرره في موضع واحد؟ قلنا: إن البخاري جرت عادته أنه لا يكرر حديثًا...

المقدم: إلا لفائدة.

إلا لفائدة، لا يكرر حديثًا إلا لفائدة، إما في متنه، أو في إسناده، صح، ويندر أن يكرر حديثًا في موضعين بلفظه سندًا، ومتنًا، وقلنا: إنه حصل له ذلك بنحو عشرين موضعًا، عشرين موضعًا، والمناسبة كسابقتها ظاهرة.

الموضع التاسع: في كتاب التفسير: في باب {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:60] زمانًا، وجمعه أحقاب.

المقدم: في كتاب التفسير.

نعم في كتاب التفسير، باب {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:60] قال البخاري زمانًا وجمعه أحقاب، قال -رحمه الله-: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، وحدثنا عمرو بن دينار، قال: أخبرني سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس -رضي الله عنهما-: إن نوفًا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل فقال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثني أبي بن كعب أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل».

الحديث مطول والمناسبة ظاهرة؛ لأن الآية في القصة نفسها {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} هذه الآية ضمن هذه القصة، فالمناسبة ظاهرة.

الموضع العاشر: في كتاب التفسير أيضًا، في باب قول الله -جل وعلا-: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} [الكهف:61]، مذهبًا يسرب يسلك، ومنه {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد:10] البخاري يفسر غريب القرآن لأدنى مناسبة في التراجم، وأحيانًا يعقب بها بعض الأحاديث، وقد استخرج تفسير غريب القرآن من صحيح البخاري في جزء، وبعضهم طبعه في حاشية المصحف، هل نقول: إن لهذا التفسير من المنزلة ما لصحيح البخاري من المنزلة؟

المقدم: لا.

يعني كونه ينتقى هذا التفسير من صحيح البخاري، ويوضع على هامش التفسير، هل نقول: إن هذا أصح التفاسير؛ لأنه في صحيح البخاري؟

لا؛ لأنه ليس من الأحاديث الأصول المقصودة، لا شك أن البخاري اعتمد على صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في التفسير، وفيها كلام لأهل العلم، واعتمد على غيره، المقصود أن التفسير هذا الذي يذكر بدون إسناد البخاري الذي يعتمد عليه، ويعول عليه لا يكون حكمه حكم الصحيح.

قال: حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم، قال: أخبرني يعلى بن مسلم، وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه، وغيرهما قد سمعته يحدث سعيد بن جبير، قال: إني لعند ابن عباس -رضي الله عنهما- في بيته إذ قال: سلوني، قلت: أي ابن عباس، أي نداء أي أبا عباس أي أبا عباس، جعلني الله فداءك، بالكوفة رجل قاص يقال له: نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل، أما عمرو فقال لي قال: قد كذب عدو الله، وأما يعلى، فقال لي: قال ابن عباس: حدثني أبي بن كعب، يعني قوله: كذب عدو الله لم تأتِ إلا من طريق عمرو بن دينار، لا من طريق يعلى، وهذه من الفروق التي نبه عليها البخاري بين الروايتين، وأما يعلى فقال لي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: حدثني أبي بن كعب، قال: قال رسول الله – أيش! أبي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «موسى رسول الله -عليه السلام- قال: ذكر الناس يومًا حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب ولى فأدركه رجل، فقال: أي رسول الله، هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، فعتب عليه؛ إذ لم يرد العلم إلى الله، قيل: بلى، قال: أي رب فأين؟ قال: بمجمع البحرين»، الحديث مطولاً، والمناسبة ظاهرة.

 حقيقة هذه الموعظة التي رقت لها القلوب يحصل لبعض الناس مثل هذا أنه يؤثر في السامعين، إما في موضع، أو في درس علمي، فيقع في نفسه ما يقع، فلابد أن يلقن درسًا يعرف به نفسه هذا الشيء مجرب، يعني قد يقع في نفسه أنه أدى أداءً مناسبًا، ونفع الحاضرين، فلابد أن يلقن درسًا يعرف به نفسه، سواء كان واعظًا، أو عالمًا، أو غير ذلك نعم، وما وقع لموسى -عليه السلام- يقول أهل العلم: إنه من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، وإلا فموسى معصوم من أن يُعجب بنفسه العجب الممنوع، والله المستعان.

المقدم: جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، شكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.