تعليق على تفسير سورة البقرة (37)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهمَّ اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، أما بعد،

فقد قال ابن كثيرٍ -رَحِمَهُ الله تَعَالَى-، في تفسير قوله تعالى:

"{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [سورة البقرة:106-107].

قَالَ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} مَا نُبَدِّلُ مِنْ آيَةٍ.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيج، عَنْ مُجَاهِدٍ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} أَيْ: مَا نَمْحُ مِنْ آيَةٍ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} قَالَ: نُثْبِتُ خَطَّهَا، وَنُبَدِّلُ حُكْمَهَا، حَدَّث بِهِ عَنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، نَحْوَ ذَلِكَ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} مَا نُنْسِكَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: أَمَّا {مَا نَنْسَخْ} فَمَا نَتْرُكُ مِنَ الْقُرْآنِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: يَعْنِي: تُرِكَ فَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} نَسْخُهَا: قَبْضُهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: يَعْنِي قَبْضُهَا: رَفْعُهَا، مِثْلُ قَوْلِهِ: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا ألْبَتَّةَ. وَقَوْلُهُ: «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا».

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} مَا يُنْقَلُ مِنْ حُكْمِ آيَةٍ إِلَى غَيْرِهِ فَنُبَدِّلُهُ وَنُغَيِّرُهُ، وَذَلِكَ أَنْ يُحوَّل الحلالُ حَرَامًا وَالْحَرَامُ حَلَالًا وَالْمُبَاحُ مَحْظُورًا، وَالْمَحْظُورُ مُبَاحًا. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْحَظْرِ وَالْإِطْلَاقِ وَالْمَنْعِ وَالْإِبَاحَةِ. فَأَمَّا الْأَخْبَارُ فَلَا يَكُونُ فِيهَا نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ".

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فالنسخ في الشريعة أمرٌ مقطوعٌ به عند جميع من يُعْتَد به من أهل العلم، ولم يخالف في ذلك إلا الروافض، تبعًا لليهود الذين يزعمون أنه يستلزم البداء، وأنه ظهر لله -جلَّ وعلا- شيءٌ كان خفيًّا عنه. وقال به أبو مُسْلِم الخُراساني، وبعض المعاصرين من المفسرين جنح إلى هذا ومال إليه. ف((تفسير القرآن للقرآن)) لعبد الكريم الخطيب، فيه عنوان على الآية: النسخ ولا نسخ في القرآن، مع أن الله جلَّ وعلا يقول: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [سورة البقرة:106]. ما أدري كيف أن شخص يتصدى لتفسير القرآن، ويرجو بذلك ثواب الله، ويقول مثل هذا الكلام معارضًا به صريح القرآن؟!. أبو مُسْلِم الخُراساني من المتقدمين أيضًا أنكر النسخ، وعلى كل حال القول بإنكاره مهجورٌ مرذول، مخالفٌ لنص الكتاب والسُّنَّة، ومخالفٌ لواقع الشريعة، فإنها ناسخةٌ لما قبلها من الشرائع، ووُجِدَ فيها أحكام رُفِعَت، وبُدِّلَت بأحكامٍ أخرى، كلها من الله- جلَّ وعلا-. ولذا يقول: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} يعني: نرفعها من صدرك فلا تستحضرها.

المقصود أن مثل هذا الخلاف فيه لا يُلتَفَت إليه، وهو ثابت بالنص وإجماع من يُعْتَدُّ بقوله من أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم.

والنسخ هنا المراد به: نسخ القرآن، نسخ الآيات. وإن كان كلام بعضهم في معنى النسخ الذي ذكره، مثل كلام ابن جرير: "{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} مَا نَنْقَلُ مِنْ حُكْمِ آيَةٍ إِلَى غَيْرِهِ"، ما ننقل من حُكم آية مع أنه قد يكون النقل للفظ الآية، وهو أعم من ذلك. والمراد بالنسخ: الرفع والنقل؛ ولذا يُعرفه العلماء بأنه رفع حكمٍ شرعي، يُعرفون النسخ في الأحكام، رفع حكمٍ شرعي. أما بالنسبة لنسخ الآيات: فهو رفعها من التلاوة، أو رفع حكمها مع بقاء رسمها في المصحف، والأمثلة على ذلك كثيرة.

يقول ابن عباس فيما نقله عنه أبو طلحة: "{مَا نَنْسَخْ} مَا نُبَدِّل"، يعني: آية مكان آية، وحكمًا مكان حكم. هذا التبديل والتغيير، نسخت الشمس الظل، ومنه: نسخُ الكتاب، وهو نقل ما فيه، إلى غير ذلك مما ذكره أهل العلم.

"قَالَ الضَّحَّاكُ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} مَا نُنْسِكَ"، هل هذا مُتجه؟ لا، لماذا؟ لأنه عُطِفَ عليه ب(أو)، {أَوْ نُنْسِهَا}، {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}، فالإنساء غير النسخ، لكنه ضربٌ منه ويكون من عطف الخاص على العام.

طالب: ...

معروف، "وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: يَعْنِي قَبْضُهَا: رَفْعُهَا"، يعني: رفع اللفظ مع بقاء الحكم.

طالب: وما نزلت أصلاً؟

وهي نازلة، وقُرِئت ثمَّ رُفِعَت، "الشيخ والشيخ إذا زنيا فارجموهما ألبتة".

طالب: ذكر: فلم ينزل.

"وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: يَعْنِي قَبْضُهَا: رَفْعُهَا، مِثْلُ قَوْلِهِ: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا ألْبَتَّةَ".

قول ثانٍ لابن أبي حاتم أيضًا؟ نعم، وقال ابن أبي حاتم: وروي عن أبي العالية ومحمد بن كعب القرظي نحو ذلك، وقال عطاء "َقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: يَعْنِي: تُرِكَ فَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". لا، هذا يختلف عن أقوال العلماء.

طالب: ...

يعني لا شك أن شريعة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ناسخة لما قبلها، مما نزل على موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء، فشريعة محمد هي الناسخة، وما عداها مما يعارضها في الشرائع السابقة كله منسوخ.

في قوله أيضًا: «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأ جَوف ابن آدَمِ إِلَا الترَاب، ويتوبُ الله عَلَى مَنْ تَابَ» هذه قُرئت مدة ثمَّ نُسِخَت، رُفِعَت من المصحف.

طالب: ...

يعني: كيف يقولون بالبداء ويُنكرون النسخ؟ لأنه يستلزم البداء. هم عندهم من الاضطراب والتناقض كغيرهم من طوائف البِدَع، لكنهم أشد؛ ولذا يقول ابن القيم: "كفى بهم عيبًا تناقض قولهم"، يعني: المُبتدعة، "لأن الذي لا يأوي إلى نص من كتاب الله أو من سُنِّة نبيه، لا بُدَّ أن يُبتلى بمثل هذا". الذي ما عنده شيء يعتمد عليه، ثابت، راسخ، لا بُدَّ أن يعتمد مثل هذا. ولذلك المتكلمون حينما حكموا عقولهم في النصوص، تناقضت أقوالهم.

"وَأَصْلُ النَّسْخِ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ، وَهُوَ نَقْلُهُ مِنْ نُسْخَةٍ أُخْرَى إِلَى غَيْرِهَا، فَكَذَلِكَ مَعْنَى نَسْخِ الْحُكْمِ إِلَى غَيْرِهِ".

"وَهُوَ نَقْلُهُ مِنْ نُسْخَةٍ أُخْرَى إِلَى غَيْرِهَا"، نقله أم نقل نظيره؟ الكتاب هنا نقل من هذا الكتاب إلى غيره، مثل: الدفتر، لا يوجد شيء؟ لا، لكن هم يتجوزون في مثل هذا.

"فَكَذَلِكَ مَعْنَى نَسْخِ الْحُكْمِ إِلَى غَيْرِهِ، إِنَّمَا هُوَ تَحْوِيلُهُ وَنَقْلُ عبَادةٍ إِلَى غَيْرِهَا. وَسَوَاءٌ نُسِخَ حُكْمهَا أَوْ خَطّهَا، إِذْ هِيَ فِي كِلْتَا حَالَتَيْهَا مَنْسُوخَةٌ. وَأَمَّا عُلُمَاءُ الْأُصُولِ فَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي حَدِّ النَّسْخِ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى النَّسْخِ الشَّرْعِيِّ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَلَخَّصَ  بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَفْعُ الْحُكْمِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَأَخِّرٍ. فَانْدَرَجَ فِي ذَلِكَ نَسْخُ الْأَخَفِّ بِالْأَثْقَلِ، وَعَكْسِهِ، وَالنَّسْخُ لَا إِلَى بَدَلٍ. وَأَمَّا تَفَاصِيلُ أَحْكَامِ النَّسْخِ وَذِكْرُ أَنْوَاعِهِ وَشُرُوطِهِ فَمَبْسُوطٌ فِي فَنِّ أُصُولِ الْفِقْهِ.

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو شُبَيْلٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ".

عندنا: أخبرنا أبي، قَالَ: أخبرنا العباس بن الفضل.

طالب: ...

لا، الشُبيل.

"عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَرَأَ رَجُلَانِ سُورَةً أَقْرَأَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- فكانا يقرآن بِهَا، فَقَامَا ذَاتَ لَيْلَةٍ يُصَلِّيَانِ، فَلَمْ يَقْدِرَا مِنْهَا عَلَى حَرْفٍ، فَأَصْبَحَا غَادِيَيْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّهَا مِمَّا نُسِخَ وَأُنْسِي، فَالْهُوَا عَنْهَا»".

«فَالْهُوَا عَنْهَا» يعني: تغافلوا عنها ما دام رُفِعَت ونُسِخَت، لا تتطلبوها وتتعبوا أنفسكم في استراجعها، وهي مما رُفِع.

"فَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقْرَؤُهَا: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} بِضَمِّ النُّونِ الخَفِيفَةً. سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ ضَعِيفٌ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَصْرِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ وَعُقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مِثْلَهُ مَرْفُوعًا، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوْ نُنْسِهَا} فَقُرِئَ عَلَى وَجْهَيْنِ: (نَنْسَأهَا ونُنْسها). فَأَمَّا مَنْ قَرَأَهَا: (نَنسأها)"

طالب: ...

التأخير: ننسأها، النسأ هو التأخير. لكن المناسب للسياق، فمعناه: نؤخرها، يتعيَّن أن تكون القراءة: ننسأها، فالنسأ هو التأخير، ومنه: النسيئة والنسيء.

 طالب: ...

ننسأَها من النسيان، وننسأُها من التأخير، كلٌ له معنى.

"فَأَمَّا مَنْ قَرَأَهَا: (نَنسأها) -بِفَتْحِ النُّونِ وَالْهَمْزَةِ بَعْدَ السِّينِ- فَمَعْنَاهُ: نُؤَخِّرُهَا. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأهَا} يَقُولُ: مَا نُبَدِّلُ مِنْ آيَةٍ، أَوْ نَتْرُكُهَا لَا نُبَدِّلُهَا".

نؤخرها، يعني: نؤجلها، ننسأها: نؤخرها، يعني: نؤجلها، ما نبدلها.

"وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {أَوْ نَنْسَأهَا} نُثْبِتُ خَطَّهَا وَنُبَدِّلُ حُكْمَهَا. وَكَمَا قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ: {أَوْ نَنْسَأهَا} نُؤَخِّرُهَا وَنُرْجِئُهَا. وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: {أَوْ نَنْسَأهَا} نُؤَخِّرُهَا فَلَا نَنْسَخُهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ مِثْلَهُ أَيْضًا، وَكَذَا الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ ننْسأهَا}

{أو ننسها}  {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} يعني الناسخ والمنسوخ.

طالب:....ننسؤها

ننسؤها عندكم ننسِئها؟

فأما من قرأها ننسأها بفتح النون والهمزة وأما في كلام السدي والضحاك رجع إلى القراءة المشهورة ننسئ يعني الناسخ والمنسوخ .

يَعْنِي: النَّاسِخُ مِنَ الْمَنْسُوخِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}"

النسأ هو التأخير، و{نُنْسِهَا} من النسيان.

معرفة الناسخ والمنسوخ، سواء كان من الكتاب أو من السُّنَّة، من أهم وألزم ما ينبغي لطالب العلم أن يعرفه، ولا يجوز لمن يُفتي وهو لا يعرف الناسخ من المنسوخ، كما قرر ذلك أهل العلم؛ لأنه قد يُفتي على ضوء آيةٍ منسوخة، أو يُفتي بحكمٍ منسوخ، أو حديثٍ منسوخ، فلا يجوز له أن يجرؤ على الفتيا، إلا إذا أحاط علمًا بالناسخ والمنسوخ. فلما قيل لعلي: إن فلانًا يُفتي، قال: أيعرف الناسخ والمنسوخ؟ أو قال: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟، قال: لا، قال: ضللت وأضللت. فمعرفة الناسخ من المنسوخ في غاية الأهمية لطالب العلم، فينبغي أن يُعنى بما أُلِّف في الناسخ والمنسوخ من القرآن، وما أُلِّف في الناسخ والمنسوخ من السُّنَّة. في القرآن: كتاب النحَّاس ((الناسخ والمنسوخ)) من أفضل ما أُلِّف. وكتاب الحازمي ((الاعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من الآثار)) من أفضل ما أُلِّفَ في الباب.

"وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِأهَا} أَيْ: نُؤَخِّرُهَا عِنْدَنَا.

وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَفَّافُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ -يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ- عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: خَطَبَنَا عُمَرُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ: يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ ننسأهَا} أَيْ: نُؤَخِّرُهَا.

وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ: {أَوْ نُنْسِهَا} فَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} قَالَ: كَانَ اللَّهُ تَعَالَى يُنْسِي نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- مَا يَشَاءُ وَيَنْسَخُ مَا يَشَاءُ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ نُنْسِهَا} قَالَ: إِنَّ نَبِيَّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُقْرِئَ قُرْآنًا ثُمَّ نَسِيَهُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيل، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحَرَّانِيُّ، عَنِ الْحَجَّاجِ -يَعْنِي الْجَزَرِيَّ-عَنْ عِكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ مِمَّا يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَحْيُ بِاللَّيْلِ وَيَنْسَاهُ بِالنَّهَارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}.

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرِ بْنُ نُفَيْلٍ: لَيْسَ هُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأةَ، هُوَ شَيْخٌ لَنَا جَزَري.

وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: {أَوْ نُنْسِهَا} نَرْفَعُهَا مِنْ عِنْدِكُمْ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْم، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقْرَأُ: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَو تَنْسَهَا)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ المسيَّب يقرأ: (أَو تُنْسَها)".

{أَوْ نُنْسِهَا}، الموضع الأول: "(أو ننسأها)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ المسيَّب يقرأ: {أَوْ نُنْسِهَا}".

على كل حال، هذه الألفاظ المتقاربة في الرسم، مع كثرة النُسَخ التي لا تُحصى من هذا التفسير؛ لأن الاختلاف فيها لا شك متوقع، كلما كَثُرَت النُسَخ للأصول، كَثُرَت الفروق. ولذا شخص جمع مائة نسخة مخطوطة من تفسير ابن كثير، ولو أراد أن يجمع ألفًا لقَدرَ على ذلك؛ لأن الكتاب مشهور ومتداول، وكتب الله له القبول في الأرض، واقتناه الناس، وكتبوه ونسخوه، وما من عالمٍ إلا عنده نُسخة من تفسير ابن كثير. فالنُسَخ كثيرةٌ جدًّا، وتبعًا لذلك تَكْثُر الفروق بين هذه النُسَخ.

"قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى الْمُسَيِّبِ وَلَا عَلَى آلِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ اللَّهُ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ-: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [سورة الْأَعْلَى: 6]، {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [سورة الْكَهْفِ: 24]".

يعني هذا هو الأصل أنه يقرأه فلا ينسى، لكن إذا أراد الله أن يرفع الحكم أو يرفع اللفظ، لا شك أن النسيان في هذا الباب بأمر الله -جلَّ وعلا- بمشيئته النافذة وقدره، يرفعه من صدره- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وإلا فالأصل: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى} [سورة الأعلى:6]. لكن إذا أراد الله أن يرفع لفظ هذه الآية، أنساه الله إياها. ولذا جاء في الحديث الصحيح النهي عن قول: نسيتُ آية كذا وكذا، وإنما يقول: نُسيِّت أو أنسيت. السبب في ذلك: ألا يدخل في قوله- جلَّ وعلا-: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [سورة طه:126].

طالب: ...

سعيد... والله عندنا: {نُنْسِهَا} ما فيه جديد، أنا أقول لك: اختلاف النُسَخ في هذه الكلمات، سببه: كثرة النُسَخ.

طالب: ...

ما لنا أن نجزم إلا بأصل... نُسي لفظ الآية، على خلاف ما جاء في الأصل من قوله -جلَّ وعلا-: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى} [سورة الأعلى:6]، هذا الأصل، لكن إذا أراد الله أن يرفع آية من صدره أو من المصحف، وفي آخر الزمان يرفع كله، والله المُستعان.

طالب: ...

يعني من تفسير الطبري؛ لأن محمود شاكر حقق تفسير الطبري، وأخوه نقل كلامه، مع أنه أكبر منه.

طالب: ...

والله، ما فيه فرق على الكلام الذي عندنا. هذه الطبعة طبعة الشعب، مأخوذة من أقدم النُسَخ لتفسير ابن كثير، الأزهرية. النسخة الأزهرية هي أقدم النُسَخ من تفسير ابن كثير، وقد صورها الشيخ أحمد شاكر في أربعة عشر مجلدًا، هي سبعة وقَسَم كل مجلد إلى قسمين، وصورها ورقمها وعلَّق على بعض المواضع، والصورة عندي، لكنه الكسل وإلا بإمكاني أن أراجعه، والله المُستعان.

"وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ هُشَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرِكِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، عَنْ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، بِهِ. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ، نَحْوَ قَوْلِ سَعِيدٍ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: عليٌّ أَقْضَانَا، وأُبيٌّ أَقْرَؤُنَا، وَإِنَّا لَنَدَعُ بَعْضَ مَا يَقُولُ أُبيُّ، وَأُبَيٌّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يَقُولُ، فَلَنْ أَدَعَهُ لِشَيْءٍ. وَاللَّهُ يَقُولُ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}.

وقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، قال حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ"

جاء مرفوعًا عن النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «أقضاكم علي، وأقرؤكم أُبيّ، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ»، وجاء بعد أفرضكم زيد، وغير ذلك مما جاء.

طالب: ...

فيه ضعف المرفوع، نعم.

"عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: أَقْرَؤُنَا أُبيٌّ، وَأَقْضَانَا عَلِيٌّ، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أبيّ، وذلك أن أُبَيًّا يَقُولُ: لَا أَدَعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- وقد قَالَ اللَّهُ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}"

أُبي يقول: لا ندع شيئًا سمعته من رسول الله.

طالب: ...

لا، عندنا ما فيه عمرو بن علي، أين ذكر ذلك؟ لا، عمرو بن علي ما هو عندنا.

طالب: ...

قال البخاري.

طالب: ...

نعم، أحمد مُتقدِّم على البخاري، ما يمنع أن يروي عنه مباشرة.

"وَقَوْلُهُ: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} أَيْ: فِي الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَصْلَحَةِ الْمُكَلَّفِينَ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} يَقُولُ: خَيْرٌ لَكُمْ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَأَرْفُقُ بِكُمْ".

قد يكون المنسوخ في أول الأمر أنسب وأنفع للمكلَّفين، ثمَّ يؤول الأمر إلى أن يكون الناسخ في النهاية أرفق بالمكلفين، وقد يكون أشد من المنسوخ؛ لأنهم في بداية الأمر ما ألفوا هذا الأمر، فجاء الأمر خفيفًا، ثمَّ شُدد عليهم لما ألفوه وارتضت به نفوسهم.

"وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} فَلَا نَعْمَلُ بها، {أَوْ نُنسئهَا} أَيْ: نُرْجِئُهَا عِنْدَنَا، نَأْتِ بِهَا أَوْ نَظِيرِهَا".

طالب: ...

أولاد الشيخ.. ماذا؟

طالب: الشيخ من؟

مطبعة اسمها مطبعة أولاد الشيخ بمصر، .. مطبعة أولاد الشيخ والاختلاف كبير، ما هي بالتي معك أنت؟

طالب: ...

مصورة من أولاد الشيخ.

طالب: ...

لا، متأخرة، لكن على أول طبعة؛ لأن المقدمة في الآخر، فضائل القرآن. وأنتم عندكم فضائل القرآن في الأول.

"وَقَالَ السُّدِّيُّ: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} يَقُولُ: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنَ الذِي نَسَخْنَاهُ، أَوْ مِثْلَ الذِي تَرَكْنَاهُ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} يَقُولُ: آيَةٌ فِيهَا تَخْفِيفٌ، فِيهَا رُخْصَةٌ، فِيهَا أَمْرٌ، فِيهَا نَهْيٌ.

وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} يُرْشِدُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِهَذَا إِلَى أَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِي خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ، فَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وَهُوَ الْمُتَصَرِّفُ، فَكَمَا يخَلَقَهُمْ كَمَا يَشَاءُ، فيُسْعِدُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُشْقِي مَنْ يَشَاءُ، وَيُصِحُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُمْرِضُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُوَفِّقُ مَنْ يَشَاءُ، وَيَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ، كَذَلِكَ يَحْكُمُ فِي عِبَادِهِ بِمَا يَشَاءُ، فَيَحِلُّ مَا يَشَاءُ، وَيُحَرِّمُ مَا يَشَاءُ، وَيُبِيحُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْظُرُ مَا يَشَاءُ، وَهُوَ الذِي يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ. وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ".

هذا التسليم لأمر الله، بمثل هذا يكون التسليم والاستسلام لأمر الله، وهذه حقيقة الإسلام. بخلاف من يرى أن مثل هذه الأمور تناقض وتعارض واختلاف، ويبنون على ذلك أنه ليس من عند الله، بل هو من عند غير الله، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} [سورة النساء:82]، وهذا من الاختلاف، هذا ما يقوله أهل الزيغ، نسأل الله العافية. تفوهوا به وردَّ عليهم ابن الأنباري، ثمَّ ردَّ عليهم بعده الباقلاني، وما زال الأئمة ينقضون أقوالهم ويردون عليهم.

"وَيَخْتَبِرُ عِبَادَهُ وَطَاعَتَهُمْ لِرُسُلِهِ بِالنَّسْخِ".

لينظر مدى استسلامهم، أو اعتراض من يعترض منهم.

"فَيَأْمُرُ بِالشَّيْءِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ التِي يَعْلَمُهَا تَعَالَى، ثُمَّ يَنْهَى عَنْهُ لِمَا يَعْلَمُهُ تَعَالَى. فَالطَّاعَةُ كُلُّ الطَّاعَةِ فِي امْتِثَالِ أَمْرِهِ وَاتِّبَاعِ رُسُلِهِ فِي تَصْدِيقِ مَا أَخْبَرُوا، وَامْتِثَالِ مَا أَمَرُوا، وَتَرْكِ مَا عَنْهُ زَجَرُوا".

هذه حقيقة شهادة أن محمدًا رسول الله، طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

"وَفِي هَذَا الْمَقَامِ رَدٌّ عَظِيمٌ وَبَيَانٌ بَلِيغٌ لِكُفْرِ الْيَهُودِ وَتَزْيِيفِ شُبْهَتِهِمْ -لَعَنَهُمُ اللَّهُ- فِي دَعْوَى اسْتِحَالَةِ النَّسْخِ إِمَّا عَقْلًا كَمَا زَعَمَهُ بعضهم جهلاً وكفرًا، وَإِمَّا نَقْلًا كَمَا تَخَرَّصَهُ آخَرُونَ مِنْهُمُ افْتِرَاءً وَإِفْكًا.

قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: أَلَمْ تَعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ لِي مُلْكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَسُلْطَانَهُمَا دُونَ غَيْرِي، أَحْكُمُ فِيهِمَا وَفِيمَا فِيهِمَا بِمَا أَشَاءُ، وَآمُرُ فِيهِمَا وَفِيمَا فِيهِمَا بِمَا أَشَاءُ، وَأَنْهَى عَمَّا أَشَاءُ، وَأَنْسَخُ وَأُبَدِّلُ وَأُغَيِّرُ مِنْ أَحْكَامِي التِي أَحْكُمُ بِهَا فِي عِبَادِي مَا أَشَاءُ إِذَا أَشَاءُ، وَأُقِرُّ فِيهِمَا مَا أَشَاءُ".

"وَأُقِرُّ فِيهِمَا مَا أَشَاءُ" وهذا زيادةٌ من المخطوطة الأزهرية، ومن تفسير ابن جرير. نعم، هذه زيادة.

"ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْخَبَرُ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنْ عَظَمَتِهِ، فَإِنَّهُ مِنْهُ -جل ثناؤه- تَكْذِيبٌ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا نَسْخَ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ، وَجَحَدُوا نُبُوَّةَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ- عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لِمَجِيئِهِمَا بِمَا جَاءَا بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِتَغَييرِ مَا غَيَّرَ اللَّهُ مِنْ حُكْمِ التَّوْرَاةِ. فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّ لَهُ مُلْكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَسُلْطَانَهُمَا، وَأَنَّ الْخَلْقَ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَعَلَيْهِمُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَأَنَّ لَهُ أَمْرَهُمْ بِمَا يَشَاءُ، وَنَهْيَهُمْ عَمَّا يَشَاءُ، وَنَسْخَ مَا يَشَاءُ، وَإِقْرَارَ مَا يَشَاءُ، وَإِنْشَاءَ مَا يَشَاءُ مِنْ إِقْرَارِهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ.

قُلْتُ: الذِي يَحْمِلُ الْيَهُودَ عَلَى الْبَحْثِ فِي مَسْأَلَةِ النَّسْخِ، إِنَّمَا هُوَ الْكُفْرُ وَالْعِنَادُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ النَّسْخِ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَحْكُمُ مَا يَشَاءُ، كَمَا أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ".

يعني: هل الحكم في تزويج أولاد آدم البنين من أخواتهم، هل هذا يوجد عاقل يُنكره؟ كيف يبقى النوع الإنساني بغير هذا؟ وهل يوجد من يزعُم استمراره إلى الآن؟ هل هذه حقيقة النسخ أم لا؟ هذه حقيقة النسخ، فلا يوجد من يُنكِر ثبوته في عهد آدم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ولا يوجد من يزعُم استمراره.

"لِأَنَّهُ يَحْكُمُ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَشَرَائِعِهِ الْمَاضِيَةِ، كَمَا أَحَلَّ لِآدَمَ تَزْوِيجَ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ، ثُمَّ حَرَّمَ ذَلِكَ، وَكَمَا أَبَاحَ لِنُوحٍ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ السَّفِينَةِ أَكْلَ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ، ثُمَّ نَسَخَ حِلّ بعضها، وكان نكاح الأختين مباحًا لِإِسْرَائِيلَ وَبَنِيهِ، وَقَدْ حُرِّمَ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَأَمَرَ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِذَبْحِ وَلَدِهِ، ثُمَّ نُسِخَ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَأَمَرَ جُمْهُورَ بَنَى إِسْرَائِيلَ بِقَتْلِ مَنْ عَبَدَ الْعِجْلَ مِنْهُمْ، ثُمَّ رَفَعَ عَنْهُمُ الْقَتْلَ كَيْلَا يَسْتَأْصِلَهُمُ الْقَتْلُ، وَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ وَيَصْدِفُونَ عَنْهُ. وَمَا يُجَابُ بِهِ عَنْ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ بِأَجْوِبَةٍ لَفْظِيَّةٍ، فَلَا يصْرِفُ الدَّلَالَةُ فِي الْمَعْنَى، إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَكَمَا فِي كُتُبِهِمْ مَشْهُورًا مِنَ الْبِشَارَةِ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ، فَإِنَّهُ يفيد وجوب مُتَابَعته -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ عَمَلٌ إِلَّا عَلَى شَرِيعَتِهِ. وَسَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ الشَّرَائِعَ الْمُتَقَدِّمَةَ مُغَيَّاة إِلَى بِعْثَتِهِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ نَسْخًا كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة الْبَقَرَةِ: 187]"

نُسِخَ حُكم أخذ الجزية إذا نزل عيسى، يُرفَع الحُكم، لكن لا يُسمى نسخًا؛ لأنه مُغيى إلى هذه الغاية، والنسخ انتهى بموته -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، ما فيه نسخ؛ لأن النسخ من خصائص النصوص، ولا يدخل فيه الاجتهاد. والنصوص انقطعت بموته -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فيُقال: إن هذا الحُكم مُغيى إلى نزول عيسى بنصه -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

يقول: "وَمَا يُجَابُ بِهِ عَنْ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ بِأَجْوِبَةٍ لَفْظِيَّةٍ، فَلَا يصْرِفُ الدَّلَالَة فِي الْمَعْنَى، إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَكَمَا فِي كُتُبِهِمْ مَشْهُورًا مِنَ الْبِشَارَةِ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ، فَإِنَّهُ يفيد وجوب متابعته، -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-". هم أجابوا بأجوبةٍ لفظية، وقالوا: إنه نبيٌ للعرب، وليس بنبيٍ لنا، وجحدوا ما في التوراة وكتموه، لكن الله فضحهم وأخزاهم، ونبوته للثقلين، عموم نبوته -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ورسالته إلى الجن والإنس، هذا ثبت بالأدلة القطعية التي لا تقبل مثل كلامهم اللفظي، فالكلام على المعاني.

"وَسَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ الشَّرَائِعَ الْمُتَقَدِّمَةَ مُغَيَّاة إِلَى بِعْثَتِهِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ نَسْخًا كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [سورة الْبَقَرَةِ: 187]. وَقِيلَ: إِنَّهَا مُطْلَقَةٌ، وَإِنَّ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَسَخَتْهَا، فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَوُجُوبُ متِابَعته مُتعَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ بِكِتَابٍ هُوَ آخِرُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

فَفِي هَذَا الْمَقَامِ بَيَّنَ تَعَالَى جَوَازَ النَّسْخِ، رَدًّا عَلَى الْيَهُودِ- عَلَيْهِمْ لَعنة اللَّهِ- حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } الْآيَةَ، فَكَمَا أَنَّ لَهُ الْمُلْكَ بِلَا مُنَازِعٍ، فَكَذَلِكَ لَهُ الْحُكْمُ بِمَا يَشَاءُ، {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ} [سورة الْأَعْرَافِ: 54]، وَقُرِئَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، التِي نَزَلَ صَدْرُهَا خِطَابًا مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وُقُوعُ النسخ عند اليهود في قوله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} الْآيَةَ [سورة آلِ عِمْرَانَ: 93] كَمَا سَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا".

أُقِرَّ تحريم ما حرمه على نفسه، فنُسِخَت الإباحة.

"وَالْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمة الْبَالِغَةِ، وَكُلُّهُمْ قَالَ بِوُقُوعِهِ".

كلهم، يعني: من العلماء الذي يُعْتَد بقولهم. وأما الذين لا عبرة بهم ولا يُلتفت إلى أقوالهم في مواضع الاختلاف والاتفاق، فهؤلاء لا عبرة بهم.

"وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ الْمُفَسِّرُ: لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ".

يعني: أنكر النسخ.

"وَقَوْلُهُ هَذَا ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ مَرْذُولٌ. وَقَدْ تَعَسَّفَ فِي الْأَجْوِبَةِ عَمَّا وَقَعَ مِنَ النَّسْخِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَضِيَّةُ الْعِدَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ يُجِبْ عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامٍ مَقْبُولٍ، وَقَضِيَّةُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ عَنْ بَيتِ المَقْدِسِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ، وَمِنْ ذَلِكَ نَسْخُ مُصَابَرَةِ الْمُسْلِمِ لِعَشَرَةٍ مِنَ الْكَفَرَةِ إِلَى مُصَابَرَةِ الِاثْنَيْنِ، وَمِنْ ذَلِكَ نَسْخُ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ مُنَاجَاةِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

المشكلة أن بعض الناس يتحمَّس ويزيد، وقد يكون قصده حسنًا، قد يكون قصده الدفاع عن القرآن، ونفي الاختلاف عنه، قد يكون هذا قصد من بعضهم. لكن يحمله قصده، وإن كان حسنًا، على مخالفة القطعي من القرآن.

قبل أربعين سنة، أعلن بعض اليهود براءتهم من دم عيسى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فكتب بعض الكُتَّاب من المسلمين: هذا الكلام غير صحيح، بل قتلوه؛ ليوجد الشحناء بين اليهود والنصارى، لكن غفل عما في القرآن، {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} [سورة النساء:157]. هذا إذا لم يكن العلم مبنيًّا على نصوص، وعلم راسخ، إنما هو مجرد ثقافة، والتماس كلام من أقوال المعاصرين ومن الكتب التي لا تعتمد على الكتاب والسُّنَّة، ممن يسمونهم: المثقفين، ليس عندهم العلم الشرعي المبني على الكتاب والسُّنَّة، إلا مجرد الكلام وصفصفة الكلام، وتزويقه وتنميقه، هؤلاء يقع منهم مثل هذا. لكن العبرة بالرسوخ في العلم المبني على الكتاب والسُّنَّة، وهذا الذي ينفع في أوقات الفتن والمِحَن، وأما الزبد فيذهب جُفاءً، هذه الثقافات ما تجد منها شيئًا، عندما تقع في مشكلة أو مُعْضِلَة، سواءً كانت فردية أو جماعية.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [سورة البقرة:108].

نَهَى اللَّهُ تَعَالَى المؤمنين فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، عَنْ كَثْرَةِ سُؤَالِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ كَوْنِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنزلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} [سورة الْمَائِدَةِ: 101] أَيْ: وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْ تَفْصِيلِهَا بَعْدَ نُزُولِهَا تُبَيَّنُ لَكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوا عَنِ الشَّيْءِ قَبْلَ كَوْنِهِ؛ فَلَعَلَّهُ أَنْ يُحَرَّمَ مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِيْنِ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»".

يُطلق بعض أهل العلم: في الصحيح، ويقصد الجنس، جنس الصحيح، فيشمل البخاري ومُسْلِمًا.

"وَلَمَّا سُئِل رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَإِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سكتَ سكتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ؛ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ حُكْمَ الْمُلَاعَنَةِ. وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِنْ نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ»".

الأمر مُشترط بالاستطاعة؛ لأنه قد يكون في الأوامر ما يشق أو لا يستطيعه بعض المكلفين، ولا يوجد أمر يشق على الجميع. فالذي لا يستطيع معفوٌ عنه، «فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». لكن النهي والترك ما يعجز عنه أحد، إلا من أُشْرِب حب المعصية، الذي يزعُم أنه لا يستطيع أن يترك، وإلا فيلزم بدون تردد وبدون ثُنية. ولذا يُقرر جمهور أهل العلم أن اجتناب المحظور مُقدَّم على ترك المأمور؛ لأن ما فيه ثُنية: «فَاجْتَنِبُوهُ». والمأمور مقرونٌ بالاستطاعة، فهو أخف، هذا قول الجمهور، استدلوا بهذا الحديث.

شيخ الإسلام وقال بقوله بعض العلماء، يقولون: لا، فعل المأمور أولى وأقوى من ترك المحظور؛ لأن معصية إبليس: ترك مأمور، ومعصية آدم: فعل محظور. لكن في الجملة، الحديث يدلُّ على أن ترك المحظور أولى وأقوى من فعل المأمور، وهذا عند التعارض. وفي تفصيل المسألة لا يُحكَم بحكمٍ عام مطرد، فبعض المأمورات أقوى من كثيرٍ من المحظورات، والأصل في المسألة أن المحظور تركه أولى من فعل المأمور المعارض؛ ولذا يقول العلماء: درء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح.

"وَهَذَا إِنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْحَجَّ. فَقَالَ رَجُلٌ: أكُلَّ عَامٍ يا رسول الله؟ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثًا. ثُمَّ قَالَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «لَا، وَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لوجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمَا اسْتَطَعْتُمْ». ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ» الْحَدِيثَ".

يعني: الجواب ما جاء إلا بعد ثلاث؟

طالب: ...

"وهكذا قال أنس"، ما هو الإشكال هنا. "فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثًا"، يعني: ما رد عليه إلا بعد ثلاث؟

"فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"، يعني: حتى كرر عليه السؤال ثلاث مرات.

"وَهَكَذَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: نُهينا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَيَسْأَلُهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنا أَبُو كُرَيب، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: إِنْ كَانَ لَيَأْتِيَ علَيَّ السَّنَةُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَيْءٍ فَأَتَهَيَّبُ مِنْهُ، وَإِنْ كُنَّا لَنَتَمَنَّى الْأَعْرَابَ.

وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَوْمًا خَيْرًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ما سألوه إلا عن ثنْتَي عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [سورة الْبَقَرَةِ:219]، وَ{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [سورة الْبَقَرَةِ: 217]، وَ{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [سورة الْبَقَرَةِ: 220] يَعْنِي: هَذَا وَأَشْبَاهُهُ".

التحديد باثني عشرة مسألة، يعني: المنصوص عليها في القرآن. وأما أسئلتهم خارج القرآن، وجاءت أجوبتها بالسُّنَّة فكثيرة.

"وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} أَيْ: بَلْ تُرِيدُونَ. أَوْ هِيَ عَلَى بَابِهَا فِي الِاسْتِفْهَامِ، وَهُوَ إِنْكَارِيٌّ، وَهُوَ يَعُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، فَإِنَّهُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْجَمِيعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} [سورة النِّسَاءِ: 153] .

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمَلة -أَوْ وَهْبُ بْنُ زَيْدٍ-: يَا مُحَمَّدُ، ائْتِنَا بِكِتَابٍ تُنزلُه عَلَيْنَا مِنَ السَّمَاءِ نقرؤه، وَفَجِّرْ لَنَا أَنْهَارًا نَتْبَعْكَ وَنُصَدِّقْكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَتْ كَفَّاراتنا ككَفَّارات بَنِي إِسْرَائِيلَ! فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ لَا نَبْغِيهَا» ثَلَاثًا «مَا أَعْطَاكُمُ اللَّهُ خَيْر مِمَّا أَعْطَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَصَابَ أحدُهم الْخَطِيئَةَ وَجَدَهَا مَكْتُوبَةً عَلَى بَابِهِ وكفَّارتها، فَإِنْ كَفَّرَهَا كَانَتْ لَهُ خزْيًا فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْهَا كَانَتْ لَهُ خِزْيًا فِي الْآخِرَةِ. فَمَا أَعْطَاكُمُ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا أَعْطَى بَنِي إِسْرَائِيلَ». قَالَ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [سورة النِّسَاءِ: 110]"

يعني: مستور الذنب بينه وبين ربه، فإن تاب تاب الله عليه. بخلاف الفضيحة التي تحصل لبني إسرائيل، نسأل الله العافية، على أبوابهم تُكْتَب الخطيئة.

"وَقَالَ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَمِنَ الْجُمْعَةِ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَاتٌ لَمَّا بَيْنَهُنَّ». وَقَالَ: «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، وَمَنْ هُمْ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْر أَمْثَالِهَا، وَلَا يَهْلَكُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هَالِكٌ»".

يقول أهل العلم: خاب من زادت آحاده أو رجحت آحاده على عشراته، نسأل الله العافية.

"فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ}.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} أَنْ يُرِيَهُمُ اللَّهَ جَهْرَةً، قَالَ: سَأَلَتْ قُرَيْشٌ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا. قَالَ: «نَعَمْ، وَهُوَ لَكُمْ كَالْمَائِدَةِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنْ كَفَرْتُمْ»، فَأَبَوْا وَرَجَعُوا.

وَعَنِ السُّدِّيِّ وَقَتَادَةَ نَحْوَ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

يعني: مقرونةً بالوعيد الذي نزل على بني إسرائيل لو نزلت المائدة.

طالب:...

لا، هو الأصل السؤال المأمور به، {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [سورة النحل:43]، هذا لا شك أنه لطلب التوصُّل إلى الحق فيما يتعلَّق بالعبادات والمعاملات وغيرها. أما سؤال التعنت فهذا أمرٌ مفروغ منه، للنبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-  ولغيره، لكن في وقت التنزيل، قد يكون السؤال عن حكم ما تُرِك نسيانًا من الله -جلَّ وعلا- ولا غفلة، وإنما تُرِك تخفيفًا على الناس، ثمَّ يسأل من يسأل، فيُمنَع بسببه، فيكون داخلًا في الوعيد السابق.

"وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ ذمَّ مَنْ سَأَلَ الرسولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَيء، عَلَى وَجْهِ التعنُّت وَالِاقْتِرَاحِ، كَمَا سَأَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- تَعَنُّتًا وَتَكْذِيبًا وَعِنَادًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ} أي: وَمَنْ يَشْتَر الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} أَيْ: فَقَدْ خَرَجَ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ إِلَى الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ، وَهَكَذَا حَالُ الَّذِينَ عَدَلُوا عَنْ تَصْدِيقِ الْأَنْبِيَاءِ وَاتِّبَاعِهِمْ وَالِانْقِيَادِ لَهُمْ، إِلَى مُخَالَفَتِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ وَالِاقْتِرَاحِ عَلَيْهِمْ بِالْأَسْئِلَةِ التِي لَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا، عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ وَالْكُفْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [سورة إِبْرَاهِيمَ: 28-29].

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: يَتَبَدَّلُ الشِّدَّةَ بِالرَّخَاءِ".

اللهمَّ صَلِّ على محمد.