فقه الإمام البخاري في الحج (13)

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله مستمعينا الكرام إلى هذا اللقاء مع فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير حفظه الله نرحب بكم الشيخ عبد الكريم في مطلع هذا اللقاء وأهلاً وسهلاً بكم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

أيها الإخوة المستمعين الكرام هذه الحلقة هي خاتمة هذه الحلقات في فقه الإمام البخاري في الحج نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما نسمع وبما نقول وأن يجزي فضيلة الشيخ عنا خيرًا ولعلكم فضيلة الشيخ وبما أنها الأخيرة أن تتحدثوا فيما ذكره الإمام البخاري رحمة الله تعالى عليه في تراجمه حول الوداع وطواف الوداع وبعض المسائل في ذلك.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

يقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى باب طواف الوداع وذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض لم يذكر البخاري رحمه الله تعالى حكم الوداع في الترجمة لما قال باب طواف الوداع ما قال وجوب طواف الوداع ولا استحباب ولا كذا لم يذكر الإمام البخاري رحمه الله تعالى حكمه في الترجمة إلا أن ذكره لحديث ابن عباس وفيه التصريح بالأمر أُمر الناس فيه التصريح بالأمر وإن لم يصرَّح بالآمر أمر الناس إلا أنه من المقرر عند أهل العلم أن الصحابي إذا قال أُمرنا أو نُهينا فالآمر والناهي هو النبي صلى الله عليه وسلم لاسيما إذا قال ذلك في الأحكام الشرعية كما قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى:

وقول الصحابي من السنة أو

 

نحو أُمرنا حكم الرفع ولو 

بعد النبي قاله بأعصر

 

على الصحيح وهو قول الأكثر

إذا تقرر هذا فالأصل في الأمر الوجوب يعني كأن الصحابي قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إذا تقرر أن الآمر هو النبي عليه الصلاة والسلام فالأصل في الأمر هو الوجوب كما في قوله جل وعلا: فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ } النور: ٦٣ مع قوله عليه الصلاة والسلام مما يستدل به أهل العلم على أن الأصل في الأمر الوجوب حديث: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» أمر الاستحباب موجود لكن الممتنع الممتنع الأمر الممتنع لوجود المشقة هو أمر الوجوب فدل على أن الأصل في الأمر هو الوجوب أما أمر الاستحباب ثابت لأنه قد يقول قائل كيف يقول: «لأمرتهم بالسواك» ونحن مأمورون به على سبيل الاستحباب فهذا يدل لأمرتهم أنه لا يستحب يعني لو كان الأصل في الأمر الاستحباب يعني هذا ولا يستحب لأنه ما أمَر أمْر استحباب لكنه بالفعل أمَرَ أمْر استحباب وحث على ذلك والمرتفع لوجود المشقة هو أمر الوجوب يقول النووي رحمه الله تعالى: طواف الوداع واجب يلزم بتركه دم على الصحيح عندنا وهو قول أكثر العلماء وقال مالك وداود وابن المنذر هو سنة لا شيء في تركه كذا قال النووي قال ابن حجر والذي رأيته في الأوسط لابن المنذر أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء والتخفيف بالنسبة للحائض إلا أنه خفف عن الحائض نص التخفيف بالنسبة للحائض أقول يقابله التشديد بالنسبة لغيرها ما الذي يقابل التخفيف؟ التشديد الحائض خفف عنها لوجود العذر إذًا غيرها مشدد عليه بلزوم الوداع يقابله التشديد بالنسبة لغيرها فلا شك في وجوبه هذا بالنسبة لمن فرغ من أعمال الحج وأراد الانصراف أما بعد الانصراف أو من أراد الانصراف من أراد العمرة ثم اختلفوا بلزوم الوداع بالنسبة له فمن العلماء من حمل الأمر على عمومه فيجب على من أراد الانصراف بعد العمرة كما يجب على من أراد.

الانصراف من الحج.

نعم أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت سواء كان في حج أو عمرة والعمرة أحد النسكين فهي مشابهة للحج من هذه الحيثية ومنهم من رأى أن الأمر خاص بالحج لماذا؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام اعتمر مرارًا ولم يطف ولم يأمر بذلك فدل على أن هذا خاص بالحج ولم يُحفظ أنه قال عليه الصلاة والسلام لعائشة بعد أداء عمرتها التي بعد الحج هل طفت للوداع أم لا؟ وسيأتي استنباط البخاري من قصة عائشة أنه يكتفى بطواف العمرة عن الوداع فالظاهر أنه لا يجب طواف الوداع بالنسبة للمعتمر لكن إذا طاف خروجًا من هذا الخلاف لأن النص محتمِل وقال بوجوبه جمع من أهل العلم ممن تبرأ الذمة بتقليدهم وأراد بذلك الاحتياط والخروج من التكليف بيقين الأمر فيه سعة لكن إلزام الناس بذلك وتأثيمهم وإلزامهم بدم مع أن النبي عليه الصلاة والسلام اعتمر مرارًا ولم يأمر بذلك هذا فيه ما فيه فالظاهر أنه لا يجب طواف الوداع بالنسبة للمعتمر وإذا أخّر الحاج طواف الإفاضة فطافه عند الخروج أجزأه عن الوداع لأن المقصود من طواف الوداع أن يكون آخر عهده بالبيت وقد حصل فيكون مجزئًا عن طواف الوداع لكن آخر عهده بالبيت صلاة سعي والا طواف؟ طواف كما جاء في بعض الروايات أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى وهذا واضح فيما إذا كان من قارن أو مفرد سعى بعد طواف القدوم يعني ما عليه سعي سيكون آخر عهده طواف الإفاضة إذا أخره ثم يخرج لا يسعى بعده هذا كافي وواضح لأنهما عبادتان من جنس واحد تدخل إحداهما في الأخرى ليست إحداهما مقضية والأخرى مؤداة فتدخل إحداهما في الأخرى على أن ينوي طواف الإفاضة ولا ينوي طواف الوداع كمن جاء والإمام راكع يكبر تكبيرة واحدة تكفيه على أن ينوي تكبيرة الإحرام فتدخل فيها تكبيرة الركوع أما إذا نوى تكبيرة الركوع ما تنعقد صلاته نوى طواف الوداع ولا نوى طواف الإفاضة ما يجزئ يقول الشيخ رحمه الله تعالى وهذا واضح فيما إذا كان من قارن أو مفرد سعى بعد طواف القدوم لأنه في هذه الحال ليس عليه إلا الطواف وينصرف لكنه مشكل فيما إذا كان من متمتع لأن المتمتع لا بد أن يطوف ويسعى فقيل يقدم السعي على الطواف لأن تقديم السعي على الطواف في الحج جائز لقوله عليه الصلاة والسلام «لا حرج» يعني في حديث أسامة بن شريك الذي سبق ذكره في حلقة مضت وقال بعض العلماء لا حاجة إلى ذل بل يقدم الطواف ويأتي بالسعي بعده والسعي تابع للطواف فلا يضر أن يفصل بين الطواف وبين الخروج لا يضر أن يفصل بين الطواف والخروج كما لو أقيمت الصلاة مكتوبة طاف للوداع فأقيمت صلاة مكتوبة صلى هل نقول هذا الفاصل يقطع الوداع؟

لا يقطع الوداع.

إذًا السعي لا يقطع الوداع هذه وجهة نظر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، وترجم البخاري رحمه الله تعالى بابٌ يعني في كتاب العمرة بابٌ المعتمر إذا طاف طواف العمرة يقول باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع؟ المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع؟ واستدل بحديث عائشة وعمرتها من التنعيم وفيه قوله عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن: «اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ثم افرغا من طوافكما» الإمام البخاري يقول المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج ومعلوم أن طواف العمرة بعده بعده سعي ثم خرج هل يجزؤه من طواف الوداع؟ جاء بالحكم على سبيل التردد يعني لم يجزم به ذكر قصة عائشة ولم يحفظ أن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أمرها بوداع ولا سألها هل وادعت أم لا يقول ابن بطال لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف فخرج إلى بلده أنه يجزؤه من طواف الوداع كما فعلت عائشة لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف فخرج إلى بلده أنه يجزؤه من طواف الوداع كما فعلت عائشة انتهى. وهذا مقتضاه أنها أن المعتمر يبي يطوف ويبي يسعى فإذا طاف وسعى نقل ابن بطال أنه لا خلاف بين العلماء في ذلك لكن هو مشكل إن قدم السعي على الطواف هذا ما فيه إشكال لكن الشيخ رحمه الله تعالى ابن عثيمين في كلامه السابق يقول عندي أنه أولى.

أن يطوف للوداع أو أن يقدم.

فقيل يقدم السعي على الطواف لأن تقديم السعي على الطواف جائز وقال بعض العلماء لا حاجة لذلك بل يقدم الطواف ويأتي بالسعي بعده والسعي تابع للطواف فلا يضر أن يفصل بين الطواف وبين الخروج وهذا هو المرجح عند الشيخ ابن عثيمين، ابن بطال يقول لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف يعني وسعى بعده فخرج إلى بلده أنه يجزئه من طواف الوداع كما فعلت عائشة وهذا يحتاج إليه يحتاج إليه من أخر الطواف والسعي من المتمتعين أنهم يطوفون ويسعون ويجزئهم عن طواف الوداع وفي هذا سعة للناس، يقول ابن حجر كأن البخاري رحمه الله تعالى لما لم يكن في حديث عائشة التصريح بأنها ما طافت للوداع بعد طواف العمرة لم يبت الحكم في الترجمة وأيضًا فإن قياس من يقول إن إحدى العبادتين لا تندرج في الأخرى له أن يقول بمثل ذلك هنا يعني هذه عبادة واجبة وهذه عبادة واجبة فكيف.. هذا عند من يقول أنه لا تداخل أصلاً أما من يقول بالتداخل أن الصغرى تدخل في الكبرى كالتكبيرتين للإحرام والركوع هذا ما فيه إشكال وقاعدة التداخل منطبقة ويستفاد من قصة عائشة أن السعي إذا وقع بعد طواف الركن إن قلنا أن طواف الركن يغني عن طواف الوداع أن تخلل السعي بين الطواف والخروج لا يقطع إجزاء الطواف المذكور عن الركن والوداع معًا كذا قال الحافظ وهو المتجه لاسيما مع شدة الزحام لأنه لو كلف الناس لا سيما من أراد أن يؤخر مع شدة هذه الزحام أن يطوف ثم يسعى ثم يرجع ليطوف للوداع نعم إن أمكنه ذلك ولم يحصل عليه يترتب عليه ضرر لا عليه ولا على غيره هو الأكمل وهو الأصل لكن إذا خشي من الضرر على نفسه أو على غيره ووجد في ذلك حرج شديد فيكفي طوافه وإن وقع بعده سعي ولا يمنع أن يكون هذا آخر عهده بالبيت والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد أيها الإخوة بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة التي هي ختام هذا البرنامج في حلقاته الثلاث عشرة نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا وأن يجزي فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير خير الجزاء وأن ينفع بعلمه إنه جواد كريم نلقاكم بإذن الله تعالى في لقاء مقبل نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وفي رضاه إنه سميع مجيب هذا وصلى الله على محمد وعلى آله..

"