شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1428 هـ) - 02

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى لقاء جديد في شرح كتاب الصيام من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في حديث أنس -رضي الله عنه- توقفنا عند طلب أم سليم من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو لأنس خادمه -رضي الله عنه-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فلما طلبت أم سليم من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يدعو لأنس ولدها، قال -يقول أنس-: فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، فما ترك خير آخرة ولا دنيا، يعني ولا خير دنيا، أي: خيرًا من خيرات الآخرة، ولا خيرًا من خيرات الدنيا.

يقول الكرماني: فإن قلت -على عادته في إيراد الإشكالات والجواب عنها، يقول: فإن قلت-: ما فائدة تنكير الآخرة؟ فما ترك خير آخرة، خير آخرة ولا دنيا، قلت: التنكير فيها يرجع إلى المضاف، التنكير فيها يرجع إلى المضاف -يعني كأن المراد: تنكير الخير للتعميم، للتعميم، وإلا فالآخرة هي الآخرة سواء نكرت أو عرفت-، قلت: التنكير فيها يرجع إلى المضاف، وهو خير، كأنه قال: ما ترك خيرًا من خيور الآخرة ولا خيرًا من خيور الدنيا.

يقول الزمخشري في قوله تعالى: { إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ } [طه: 69]، فإن قلت: لما نكر أولًا وعرف ثانيًا؟ {وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ} [طه: 69]، عرفه، وهنا: { إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ } [طه: 69]؟

المقدم: لأنه أضافه: كيد.

لأنه يريد تنكير كيد، الآن، الأصل في الإضافة أنها تفيد المضاف التعريف من المضاف إليه، وهنا أفادت الإضافة تنكير المضاف بإضافته إلى المنَكَّر، فهذا النوع يعني غريب.

فإن قلت: لما نكر أولًا وعرف ثانيًا؟ قلت: إنما نكر من أجل تنكير المضاف لا من أجل تنكيره في نفسه، يقول: كقول عمر -رضي الله عنه-: لا في أمر دنيا ولا أمر آخرة، لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة، والمراد تنكير الأمر؛ كأنه قال: إنما صنعوا كيد سحري، ولا في أمر دنيوي، ولا في أمر أخروي، أي: لو عرف صار المضاف معرفة، والمراد التنكير، والمعنى: في أمر ما.

فائدة: لو عرف المضاف إليه، لو عرف المضاف إليه لأفاد المضاف التعريف.

المقدم: وهو لا يريد هذا.

وهم يريدون التنكير من أجل التعميم؛ لأن النكرات من صيغ العموم.

قد يقول قائل مثلًا: إن خير مفرد، وإذا أضيف أفاد العموم، يعني فما ترك خير الآخرة، استفاد التعريف من جهة أنه مضاف إلى الآخرة وهي معرفة، والمفرد المضاف يفيد العموم، فلا يضره حينئذ التعريف لكنه إذا نُكر المضاف مع المضاف إليه، كأنه صار أبلغ في العموم، ظاهر أم ليس بظاهر؟

المقدم: ظاهر.

والمراد التنكير، والمعنى في أمر ما، يعني لو حذف: فما ترك خيرًا، وترك الدنيا والآخرة، فيه غيرهما؟ ألا يفيد العموم؟ خيرًا يشمل خير الدنيا والآخرة، لو قال: فما ترك خيرًا، لتوهم بعض الناس أن الخير المال فقط، {كُتِبَ} [البقرة: 180]، آية الوصية، {إِن تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ} [البقرة: 180]، والخير المال هنا، فقد يتوهم متوهم أنه المال، فجمع بين خيري الدنيا والآخرة ليشمل جميع الخيرات.

زاد في إرشاد الساري في كلام الزمخشري استدلال الزمخشري بقول العجاج:

يوم ترى النفوس ما أعدت

 

في سعي دنيا طالما قد مدت

يوم ترى النفوس ما أعدت

 

في سعي دنيا طالما قد مدت

ثم قال: لكن تعقب أبو حيان في البحر الزمخشريَّ بأن قول العجاج: في سعي دنيا محمول على الضرورة؛ لأنه شعر، ولو عرف الدنيا لانكسر البيت، هذه ضرورة شعرية، أبو حيان في البحر المحيط تعقب الزمخشري، الزمخشري في تفسيره الكشاف أورد بيت العجاج، وتعقبه أبو حيان، قال: هذا محمول على الضرورة، إذ دنيا تأنيث الأدنى، إذ دنيا تأنيث الأدنى، ولا يستعمل تأنيثه إلا بالألف واللام، أو بالإضافة.

لكن جاء التنكير في كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: ولا يستعمل تأنيثه، الدنيا تأنيث الأدنى، ولا يستعمل تأنيثه إلا بالألف واللام، نقول: استعمل بغير ألف ولام، «فمن كانت هجرته إلى دنيا»، بدون ألف ولام، فكلام أبي حيان متعقب أيضًا.

أو بالإضافة، قال: وأما قول عمر: فيحتمل أن يكون من تحريف الرواة، فيحتمل أن يكون من تحريف الرواة، ما كلام عمر؟ لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة، لكن ماذا عن ...؟

المقدم: الحديث.

الحديث، نعم، مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي جاء بلفظه في جميع دواوين السنة، فكلامه متعقب على كل حال.

إلا دعا لي به، إلا دعا لي به، وكان من قوله -يعني من دعوته التي دعا بها؛ كما في رواية عند أحمد من رواية عبيدة بن حميد عن حميد: «اللهم ارزقه مالًا وولدًا وبارك له»، مما دعا به له: «اللهم ارزقه مالًا وولدًا وبارك له»، في رواية الكشميهني: «وبارك له فيه»، وقوله: «فيه» بالإفراد نظرًا إلى اللفظ، وإلا فالأصل أن يقول..

المقدم: فيهما.

فيهما باعتبار الجنسين المال والولد، أو فيهم باعتبار المجموع؛ كما في قوله تعالى: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا } [الحجرات: 9]، وهما طائفتان، لكن باعتبار المجموع، كل طائفة مجموعة.

وقوله: «فيه» بالإفراد نظرًا إلى اللفظ، ولأحمد: «فيهم» نظرًا إلى المعنى، وفي الدعوات -يعني من صحيح البخاري على ما سيأتي- من طريق قتادة عن أنس: «وبارك له فيما أعطيته» -وهذا تأتي الإشارة إليه في أطراف الحديث -إن شاء الله تعالى-، وفي رواية ثابت عند مسلم: فدعا لي بكل خير، فدعا لي بكل خير، وكان آخر ما دعا لي أن قال: «اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه»، ولم يقع في هذه الرواية التصريح بما دعا له من خير الآخرة، الآن قال: «اللهم ارزقه مالًا وولدًا وبارك له»، هذا خير الدنيا، لكن ماذا قال بالنسبة لخير الآخرة؟

المقدم: مباركة المال والولد نفعها للآخرة.

للدنيا والآخرة، لكن جاء في بعض الروايات بما يخص الآخرة، ولم يقع في هذه الرواية التصريح بما دعا له من خير الآخرة؛ لأن المال والولد من خير الدنيا، وكأن بعض الرواة اختصره، ووقع لمسلم من رواية الجعد عن أنس: فدعا لي بثلاث دعوات قد رأيت منهن اثنتين في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة، ولم يبينها، وهي المغفرة؛ كما بينها سنان بن ربيعة بزيادة، وذلك فيما رواه ابن سعد بإسناد صحيح عنه عن أنس قال: «اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفره ذنبه»؛ كذا في فتح الباري.

قلت: وفي الأدب المفرد للإمام البخاري نحوه، بالدعوات كلها.

في شرح الكرماني: فإن قلت: إنهما من خير الدنيا، فأين ذكر خير الآخرة؟ قلت: هو مختصر من الحديث الذي فيه: «اللهم اغفر له وارحمه»، ونحوهما، أو لفظ: «بارك»، إشارة إلى خير الآخرة أو المال والولد الصالحان من جملة خيرات الآخرة؛ لأنهما يستلزمانها.

يعني مجرد كثرة المال والولد وحتى طول العمر إذا لم يحصل في ذلك كله بركة، فالغالب أنها وبال إذا لم يحصل فيها بركة، وبال على صاحبها، لكن إذا حصلت البركة، هل يمكن أن يظن أنها بركة في الدنيا ومضرة في الآخرة؟! ما صارت بركة، وكذلك العمر إذا طال، نفترض أنه زاد على المائة كما هو حال أنس -رضي الله عنه-، ثم ما استغله فيما يرضي الله -جل وعلا-، وما يقربه منه، صار وبال عليه، لا قيمة له.

قال أنس بعد ذلك: فإني لمن أكثر الأنصار مالًا.

قال العيني: الفاء فيها معنى التفسير -يريد أن يفسر الكلام السابق- الفاء فيها معنى التفسير، فإنها تفسر معنى البركة في ماله، واللام في : لمن، للتأكيد، ومالًا نصب على التمييز، نصب على التمييز.

قال ابن حجر: زاد أحمد في رواية ابن أبي عدي: وذكر أنه لا يملك ذهبًا ولا فضة.

يعني المال إذا أطلق ينصرف إلى..

المقدم: المال الذهب والفضة.

النقد الذهب والفضة وعروض التجارة وما في حكمها، لكن ذكر أنه لا يملك ذهبًا ولا فضة غير خاتمه، يعني هل الدعوة أجيبت أم ما أجيبت؟

المقدم: أجيبت.

أجيبت، فإني لمن أكثر الأنصار مالًا، أجيبت حتمًا، وذكر أنه لا يملك ذهبًا ولا فضة غير خاتمه، يعني أن ماله كان من غير النقدين.

وفي رواية ثابت عند أحمد: قال أنس: وما أصبح رجل من الأنصار أكثر مني مالًا، قال: قال: يا ثابت! وما أملك صفراء ولا بيضاء إلا خاتمي، وللترمذي من طريق أبي خلدة: قال أبو العالية: كان لأنس بستان يحمل في السنة مرتين، كان لأنس بستان يحمل في السنة مرتين، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك، يجيء منه ريح المسك، ولأبي نعيم في الحلية من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس قال: وإن أرضي لتثمر في السنة مرتين، وإن أرضي لتثمر في السنة مرتين، وما في البلد شيء يثمر مرتين غيرها.

ثم بعد ذلك قال: وحدثتني ابنتي أمينة -بضم الهمزة وفتح الميم وسكون التحتانية وبالنون- قاله الكرماني، تصغير آمنة، تصغير آمنة، قاله الحافظ، وفي رواية، وفيه -يعني في الحديث، يعني قوله: حدثتني ابنتي أمينة- في ذلك رواية الأب عن ابنته؛ لأن أنسًا روى هذا عن ابنته أمينة، وهو من قبيل رواية الآباء عن الأبناء، قاله العيني.

يعني هذا موجود رواية الآباء عن الأبناء، رواية الأكابر عن الأصاغر موجود، والأصل العكس، الأبناء عن الآباء، لكن هذا نوع طريف من أنواع علوم الحديث.

قال: وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم الحجاج.

دفن لصلبي، أي: من ولده، دون أسباطه وأحفاده، يعني أولاده البنين وأولاده البنات، لصلبه، مقدم الحجاج البصرة، مقدم، مصدر ميمي منصوب بنزع الخافض، قاله الشيخ زكريا في شرحه، الشيخ زكريا الأنصاري في شرحه اسمه تحفة الباري، أو منحة الباري، مطبوع قديمًا على هامش القسطلاني، ولكن نظرًا لكونه بالهامش، مطبوع بهامش القسطلاني، المطبعة الميمنية، يعني ما يستعمله طلاب العلم كثيرًا؛ لأن هذه الطبعة نادرة لا تُوجد، وأيضًا الحصول على ما تريده فيه صعوبة، لكنه لما طُبع طبعة جديدة معتنًى بها سهُل الرجوع إليه.

وفي فتح الباري: أي: من أول ما مات لي من الأولاد إلى أن قدمها الحجاج؛ لأنه فيه في الخبر..

المقدم: مقدم الحجاج.

"أنه دفن لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون سنة"، يعني هل في مقدم الحجاج في اليوم الذي قدم فيه دفن؟ يعني وضحه الحافظ قال: أي: من أول ما مات لي من الأولاد إلى أن قدمها الحجاج، ووقع ذلك صريحًا في رواية ابن أبي عدي المذكورة ولفظه: وذكر أن ابنته الكبرى أمينة أخبرته أنه دفن لصلبه إلى مقدم الحجاج، وكان قدوم الحجاج، والمراد به ابن يوسف الثقفي، البصرة سنة خمس وسبعين، وعمر أنس حينئذ نيف وثمانون سنة، وقد عاش أنس بعد ذلك إلى سنة ثلاث ويقال اثنتين، ويقال: إحدى وتسعين، وقد قارب المائة.

أنس بن مالك يعني أكثر ما قيل أنه توفي سنة ثلاث وتسعين، وعمره مائة وثلاث سنين، يعني مات سنة ثلاث وتسعين عن مائة وثلاث سنين، تصحفت سنين إلى ستين في سبل السلام، صار إلى مائة وثلاث وستين، وهذا تصحيف.

وفي شرح الكرماني: فإن قلت: بما نصب البصرة واسم الزمان لا يعمل؟ بما نصب البصرة واسم الزمان لا يعمل؟ قلت: -هذا شرح الكرماني- قلت: المقدر مصدر، يعني قدوم، والوقت مقدر أي زمان قدومه البصرة، والمشهور فيها فتح الباء البَصرة، وحكي ضمها وكسرها.

وتعقبه العيني -العيني تعقب الكرماني-، فقال: الكرماني لما رآه على وزن اسم الفاعل، لما رآه على وزن اسم الفاعل ظن أنه اسم زمان، فلذلك تكلف في السؤال والجواب، وأما لفظ مقدم، فإنه منصوب بنزع الخافض تقديره: إلى مقدم الحجاج، يعني كما تقدم في كلام ابن حجر، أي: إلى قدومه، أي: إلى وقت قدومه، حاصله أن من مات من ولد أولاده، من أول أولاده، أن من مات من أول أولاده إلى وقت قدوم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة، في رواية ابن أبي عدي: نيفًا على عشرين ومائة، نيفًا على عشرين ومائة، وفي رواية البيهقي من رواية الأنصاري عن حميد: تسع وعشرون ومائة، وعند الخطيب في رواية الآباء عن الأولاد من هذا الوجه: ثلاث وعشرون ومائة، وفي رواية حفصة بنت سيرين: ولقد دفنت من صلبي سوى ولد ولدي خمسة وعشرين ومائة. وفي الحلية أيضًا من طريق عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: دفنت مائة لا سقطًا ولا ولد ولد، غير الأسقاط، ولا ولد ولد، ولأجل هذا الاختلاف جاء في رواية البخاري: بضع وعشرون ومائة، بضع وعشرون ومائة، فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع.

وفي شرح الكرماني: قال الجوهري: البضع -بكسر الباء، وبعض العرب يفتحها- بَضع، وهو ما بين الثلاث إلى التسع، تقول: بضعة عشر رجلًا، وإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع، يعني لا تقول: بضع وعشرون أو بضع وثلاثون.

المقدم: نيف.

ما تقول: بضع، خلاص، البضعة عشر، وإذا زاد على العشرين، إذا وصلت لفظ العشرين انقطع، كذا قال الجوهري، وهذا سهو منه، وكيف وأنس من فصحاء العرب وقد استعمله، وفي شرح الشيخ زكريا: كيف لا يقال ذلك وقد نطق به أفصح الخلق -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «الإيمان بضع وستون شعبة»، وهذا تقدم شرحه.

وفي شرح ابن بطال: في هذه الترجمة حجة لمالك والكوفيين أن الصائم المتطوع لا ينبغي له أن يفطر، أن الصائم المتطوع لا ينبغي له أن يفطر بغير عذر ولا سبب، ولا سبب موجب للإفطار، وليس هذا الحديث بمعارض لإفطار أبي الدرداء حين زاره سلمان، وامتنع من الأكل إن لم يأكل معه، قال: لأن هذه علة توجب الإفطار؛ لأن للضيف حقًّا؛ كما قال -عليه الصلاة والسلام-، لكن عدم الإفطار إنما إذا لم يوجد مقتضي.

قال المهلب: وفيه أن الصائم إذا دُعي إلى طعام فليدع لأهله بالبركة يؤنسهم بذلك ويسرهم، وفيه الإخبار عن نعم الله عند الإنسان، والإعلان بمواهبه، وألا يجحد نعمه بذلك أمر الله تعالى في كتابه: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى: 11].

 وفيه أن تصغير اسم الرجل خويدمك مثلًا -جاء في بعض الروايات: خويدمك، يعني ليست في هذه الرواية لكن في روايات أخرى- على معنى التعطف أو التلطف والترحم والمودة لا ينقصه ولا يحطه، وفيه جواز رد الهدية والطعام المبذول إذا لم يكن في ذلك سوء أدب -يعني ما يجرح خاطر المهدي والمقدم للطعام- إذا لم يكن في ذلك سوء أدب على باذله ومهديه ولا نقيصة، ويخص الطعام من ذلك أنه إذا لم يكن يُعلم من الناس حاجة، يعني إذا دعي إلى طعام، وعنده أناس يعرف أن بهم حاجة إلى هذا الطعام يجيب من أجلهم- يقول: ويخص الطعام من ذلك أنه إذا لم يكن يُعلم من الناس حاجة فحينئذ، إذا لم يعلم حاجة حينئذ يجمل رده، يعني أفضل رده، وإذا علم منهم حاجة فلا يرده، ويبذله لأهله كما فعل -عليه الصلاة والسلام- بأم سليم في غير هذا الحديث حين بعث هو وأبو طلحة أنسًا إليها لتعد الطعام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.

قال ابن حجر: فيه زيارة الإمام بعض رعيته، ودخول بيت الرجل في غيبته؛ لأنه لم يقل في طرق هذه القصة أن أبا طلحة كان حاضرًا، قال العيني: ينبغي أن يكون هذا بالتفصيل، وهو أنه إذا علم أن الرجل لا يصعب عليه ذلك جاز، وإلا لم يجز، وليس لأحد من الناس مثل سيد الأولين والآخرين -يعني ما يمكن أن يقاس أحد على النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يزور من شاء في أي وقت أبدًا، فهذا القيد لا بد منه، وفيه إيثار الولد على النفس قالت: ادع لأنس، ما قالت: ادع لي، وفي هذا إيثار الولد على النفس، وحسن التلطف في السؤال، وأن كثرة الموت في الأولاد لا ينافي إجابة الدعاء.

المقدم: لكن دعا لها قبل، ما يمكن أن يقال: ما طلبت إلا بعد أن دعا لها؟

دعا لها وله.

المقدم: قال: فدعا لأم سليم وأهل بيتها.

وأهل بيتها وهو منهم، فهذا تخصيص، نعم زيادة في الطلب، وأن كثرة الموت في الأولاد لا ينافي إجابة الدعاء بطلب كثرتهم، ولا طلب البركة فيهم لما يحصل من المصيبة بموتهم، والصبر على ذلك من الثواب، وفيه التحدث بنعم الله تعالى، وبمعجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- لما في إجابة دعوته، لما في إجابة دعوته من الأمر النادر، وهو اجتماع كثرة المال مع كثرة الولد -يعني كثرة المال مع كثرة الولد، يعني كثرة الولد تقضي على كثرة المال يعني في الغالب- لما فيه كثرة المال..، وهي اجتماع كثرة المال مع كثرة الولد، وكون بستان المدعو له صار يثمر مرتين في السنة دون غيره، وفيه التأريخ بالأمر الشهير.

المقدم: مقدم الحجاج.

مقدم الحجاج، فيه التأريخ بالأمر الشهير، ولا يتوقف ذلك على صلاح المؤرخ به، يعني لا يدل على أن له ميزة إلا أنه يعني مقدم حفظه الناس، يعني مثل الطاعون.

المقدم: عام الفيل.

ومثل الطاعون، طاعون عمواس، ولا يتوقف ذلك على صلاح المؤرخ به، وفيه جواز ذكر البضع فيما زاد على عقد العشر خلافًا لمن قصره على ما قبل العشرين، وقد تقدم ذلك في كلام الجوهري.

المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، لعلنا نستكمل -بإذن الله- ما تبقى، باقٍ شيء غير أطراف الحديث يا شيخ؟

باقي أطراف الحديث.

المقدم: أطراف الحديث، إذًا نفتتح الحلقة القادمة -بإذن الله- بذكر أطراف هذا الحديث، شكرًا لضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شكرًا لكم أنتم أيها الإخوة والأخوات، لقاؤنا بكم -بإذن الله- في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.