شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم (26)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

 ففي درس الأمس، وقفنا على حديث الذي يقول فيه الإمام مسلم:

حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد ومحمد بن عبيد الغبري واللفظ لسعيد قالوا: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تجاوز لأمتي»".

الإسناد تكلمنا فيه بالأمس، ووقفنا على المتن، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسَها»، والرواية الأخرى: «ما حدثت به أنفُسُها ما لم يتكلموا أو يعملوا» الأكثر على النصب، رواية الأكثر على النصب، على النصب، وأن الإنسان يُحدِّث نفسَه، والرواية الأخرى وهي رواية الرفع وهي أن النفس هي التي تُحدِّث، النفس هي التي تُحدِّث، وسواء قلنا هذا أو ذاك فالمعنى واضح، وهو ما يجول في النفس ويتردد فيها من الكلام الخفي، الكلام الخفي، ومثل هذا كما هو معروف لا يعتبر كلامًا، إنما هو حديث نفس، فليس بكلام، بمعنى أن الإنسان لو قرأ على هذه الطريقة في نفسه، ولم يحرك به لسانه ولا شفتيه فإن هذا يُسمَّى تفكُّرًا، وليس بقراءة، ولا يثاب عليها ثواب القارئ، ولا يؤاخذ على ما فعل من ذلك، ما لم يتكلم أو يعمل.

وعلى هذا على ما تقدَّم في أول الدرس الماضي أن حديث النفس معفوٌّ عنه، وهو منطوق هذا الحديث، تجاوز عنهم عفا عنهم فلا يُكتَب عليهم حديث النفس ومن باب أولى الهاجس والخاطر.

 يبقى الهم، والعزم، الهم وهو في أصله حديث نفس، لكنه يترتب عليه التكرار، ويثبت في النفس ويتردد فيها، هذا هم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- همَّ أن يُحرِّق على المتخلفين عن الصلاة صلاة الجماعة بيوتهم، همَّ أن يُحرِّق على المتخلفين عن صلاة الجماعة بيوتهم. والذي منعه من تنفيذ ما همَّ به -عليه الصلاة والسلام- هو قوله: «لولا ما في البيوت من النساء والذرية»، فهذا مما يُعظِّم شأن صلاة الجماعة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يهِمُّ إلا بما يجوز له فعله -عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلك فجمهور أهل العلم يرون أن الهمّ لا يؤاخذ عليه، ما لم يتكلم أو يعمل، ذلكم قول الله -جل وعلا- عن يوسف -عليه السلام-: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}[يوسف:24] على خلاف وأقوال للمفسرين كثيرة في هذا، {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}[يوسف:24]، بعضهم يقول: همت به فعلًا وهم بها تركًا، لكن هذا بعيد عن اللفظ، وبعضهم يقول: فيه تقديم وتأخير، ولولا أن رأى برهان ربه هذا لولا تفيد؟

الامتناع لوجود، امتناع الهم، امتناع الهم لوجود الخوف من الله -جل وعلا- لما رأى برهان ربه، ولما رأى برهان ربه امتنع الهمّ امتنع الهم لوجود رؤية البرهان التي حملته على الخوف من الله -جل وعلا-، فلم يحصل الهم، هذا مقتضى لولا، وحينئذٍ لا يكون في الكلام تنقيص ليوسف، ويوسف -عليه السلام- قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» في الصحيح في البخاري وغيره، «لو لبثت» قال -عليه الصلاة والسلام-: «نحن أحق بالشك من إبراهيم، ويرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» من الداعي هذا؟ الداعي هو المرأة؟ لا، الداعي الذي دعاه من قِبل الملك أن يخرج من السجن لمقابلة الملك، وقال: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}[يوسف:50].

 لو واحد منا يقال له: اخرج من السجن، فماذا يصنع؟ لا شك أنه سوف يبادر، لكن قال يوسف -عليه الصلاة والسلام-: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ}[يوسف:50]  لتظهر البراءة للجميع، ولا يبقى في نفوس الناس أدنى تردد في برائته، فمنزلة يوسف عظيمة، ما يُظن به أنه همَّ بفعل القبيح، وإن كان الهمّ عند جمهور أهل العلم لا يؤاخذ عليه، وهو داخل في الحديث حديث النفس، ما لم يتكلموا أو يعملوا، ما لم يتكلموا أو يعملوا.

هناك أعمال قلبية تتردد في النفس، وجاء ذمها في نصوص كثيرة، {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ}[النور:19] مؤاخذون أم غير مؤاخذين؟ مؤاخذون، يحبون ولا أظهروا ذلك، ولا تكلموا به ولا عملوا، لماذا؟ هناك أشياء قلبية تتردد في القلب، ولها أثر في الواقع، لها عمل يترجمها، ولها أقوال تترجمها، وهناك أعمال ليس لها أعمال تترجمها في الخارج، وجاء ذمها، مثل الحسد، إذا اشتعلت نار الحسد في قلب العبد، وتمنى زوال النعمة عن غيره، يؤاخذ أم ما يؤاخذ؟ يقول: والله ما تكلمت ولا عملت، عامة أهل العلم على أنه مؤاخذ؛ لأن الحسد ومثله محبة أن تشيع الفاحشة ليست وسيلة إلى قول أو عمل، ليست من باب الوسائل هي غايات مذمومة لذاتها.

 ابن الجوزي يدرج الحسد من ضمن الحديث، فيجعله من حديث النفس، فإذا سعى أو تكلم يؤاخذ، وإلا فلا، وهذا القول خلاف ما يقول به جماهير أئمة الإسلام وعلماء المسلمين، فالحسد لذاته، لكن إن سعى لزوال النعمة عن غيره فهذا قدرٌ زائد على ذلك يؤاخذ عليه، ويعذب عليه، وإلا فالحسد نفسه ذنب عظيم، ويأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

ما لم يتكلموا أو يعملوا، حديث النفس إذا تردد في النفس على المسلم أن يتسعيذ بالله من الشيطان إذا كان مما يُذَم، وينصرف عنه على ما سيأتي.

 ثم قال -رحمه الله-:

"حدثنا عمرو بن الناقد وزهير بن حرب قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم".

حدثنا إسماعيل بن إبراهيم يقول الإمام أحمد: الذي يقال له ابن علية، ترجمة إسماعيل بن إبراهيم ابن علية، لكن الإمام أحمد من ورعه يقول: الذي يقال له ابن علية، وعلية أمه، لا يريد أن ينسبه إلى أمه، مع أن النسبة إلى الأم إذا كانت أشهر من الأب، ولم يرد بذلك التعيير جاءت به نصوص، جاءت به نصوص، دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- المسجد وهو حاملٌ أمامة بنت زينب، أمامة بنت زينب وأبوها معروف أبو العاص بن الربيع، وقال: وهو حاملٌ أمامة بنت زينب، بنتَ أم بنتِ نعم؟ بنتَ لماذا؟ بدل من منصوب أو مجرور؟ إذا قلت: حاملٌ إذا قلت: حاملُ أمامةَ نعم؟ صار مجرورًا، مضافًا إليه، ومتى يترجح النصب؟ ومتى يترجح الجر؟

طالب:...

بالغُ أمره، بالغٌ أمرَه، وفي آخر النازعات، ماذا فيها؟ ماذا فيها آخر النازعات؟ {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}[النازعات:45] أو إنما أنت منذرٌ من يخشاها، استرسال يأخذ وقتًا، لكنه مفيد، يعني متى يترجح التنوين؟ ومتى يترجح عدمه؟ وإذا نُوِّن نُصب ما بعده أو رفع على حسب موقعه إن كان من إضافة المصدر إلى فاعله أو إضافة المصدر إلى النعت الذي هو بالغ، منذر، إلى المفعول، إلى الفاعل، معنا أحد، نعم؟ ماذا يقول؟ إذا كان متيقنًا، بمعنى أنه إذا كان بمعنى الماضي، فإنه يُجَر يُجَر ما بعده يضاف ويجر ما بعده.

 فإذا كان بمعنى المستقبل فإنه يُقطع عن الإضافة، ويُنون ويُنصَب ما بعده، ويمثلون على ذلك إذا قال القائل: أنا قاتلُ زيدٍ هذا ما هو؟ معترف، معترف بالقتل، والقتل حصل، وإذا قال: أنا قاتلٌ زيدًا فإنه يهدد بقتل زيد.

"قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم" الذي يقال له ابن علية على تعبير الإمام أحمد، "ح، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة".

ومرت بنا الحاء مرارًا، وهي كثيرة في صحيح مسلم، ونادرة في صحيح البخاري، وهي تفيد التحول والتحويل من إسناد إلى آخر.

"ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا علي بن مسفر وعبدة بن سليمان ح، وحدثنا ابن المثنى وابن بشار".

محمد بن المثنى ومحمد بن بشار الذي يقال له: بُندار، بندار، "قالا: حدثنا ابن أبي عدي، كلهم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة" زرارة بن أوفى الذي تحدثنا عنه في درس الأمس، "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : «إن الله تجاوز ألأمتي عما حدثت به أنفسها»" أو أنفسُها. كما تقدَّم "«ما لم تعمل أو تتكلم به». وحدثني زهير بن حربٍ قال: حدثنا وكيع، حدثنا مسعر وهو ابن كِدام وهشام"، هشام الدستوائي، "ح وحدثني إسحاق بن منصور" الكوسج، "قال: أخبرنا الحسين بن علي عن زائدة عن شيبان جميعًا، عن قتادة بهذا الإسناد مثله".

إذا قال: مثله فهو باللفظ، وإذا قال نحوه فهو بالمعنى.

"قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم، واللفظ لأبي بكر".

وفيه ما تقدَّم مما ذكرناه في درس الأمس أن الإمام مسلمًا ينصُّ على صاحب اللفظ.

"قال إسحاق: وأخبرنا".

ذكرنا في درس الأمس أن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه الإمام المشهور لا يكاد يروي إلا بالإخبار، يقول: أخبرنا.

"سفيان".

وسفيان ذكرنا القاعدة عن الحافظ الذهبي في درس الأمس أنه إذا كان بينه وبين الإمام من مصنفي الكتب الستة من مصنفى الكتب الستة واحد فالمراد به ابن عيينة، وإذا كان بينهما اثنان أو فإنه الثوري.

"وقال الآخران".

لما بين صاحب اللفظ الفظ لأبي بكر.

"قال الآخران: حدثنا ابن عيينة".

هنا فُسِّر، ولا يحتاج إلى اجتهاد، لكن لو لم يُفسَر فالقاعدة كما ذكر الحافظ الذهبي، وأشرنا إليها.

"عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عن الأعرج عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة قال- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : «قال الله -عز وجل-: إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه»".

«إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه» الحديث نصّ في أن الهمّ لا يُكتَب كسوابقه، حديث النفس والهاجس والخاطر. يبقى عندك أربعة كلها رُفعت إلا الأخير الذي هو العزم ففيه الأخذ قد وقع، العزم؛ لأنه لا يسلم في الغالب عن فعل، «وإذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قالوا: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» مع أنه يمكن أن يجاب عن مثل هذا الحديث بأن المقتول كالقاتل سعى وأحضر السلاح وفعل، «فإن عملها فاكتبوها سيئة» يعني واحدة، «وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة» إذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، وهذا من فضل الله تعالى وكرمه على عباده، اكتبوها حسنة.

«فإن عملها فاكتبوها عشرًا» فاكتبوها عشرًا، عشر حسنات، الحسنة بعشر أمثالها، «إلى سبعمائة ضعف» مما سيأتي، «إلى أضعاف كثيرة»، ويختلفون هل يقف التضعيف إلى السبعمائة أو يتجاوز؟ قال بعضهم: إلى السبعمائة، وقال بعضهم: كما في الرواية الأخرى «إلى أضعاف كثيرة» يتجاوز التضعيف السبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وجاء في حديث فيه مقال عند أهل العلم إن الله ليكتب الحسنة لبعض عباده يضاعف الحسنة لبعض عباده إلى ألفي ألف حسنة، مليونين حسنة، فضل الله واسع لا يُحدّ.

إذا كان آخر من يُخرج من النار، آخر من يخرج من النار وآخر من يدخل الجنة يقال له: تمن، تمن، وهو مشفق ألا يخرج من النار فأُخرِج من النار، ولا يكفي ذلك، أُدخِلَ الجنة، تضيق به الأماني، ما يتوقع أنه يوجد أعظم من ذلك، فيقال له: تمنَّ، فتنقطع به الأماني، فيقال له: أتريد مثل ملك أعظم ملك في الدنيا، مثل ملك أعظم ملك في الدنيا؟ تصور أن يُخرج من النار ويعطى مثل ملك هارون الرشيد أعظم فيما قيل في كتب التواريخ ملكه المنتهى، فيقول: أي رب نعم، شف، هو أول اليوم في النار يُعذب، ثم أُدخل الجنة يُنعم، ثم يعطى مثل ملك أعظم ملك من ملوك الدنيا يقول: نعم، فيقال: هو لك ومثله ومثله ومثله ومثله إلى عشرة أضعاف أمثاله، نسأل الله المزيد من فضله.

"قال: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر".

قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر السعدي.

"قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله -عز وجل-»".

وهذا يُسمى عند أهل العلم الحديث القدسي، الحديث القدسي؛ لأنه مضاف إلى القدوس، وهو الله -جل وعلا- وقد يقال له: الحديث الإلهي، والأحاديث القدسية كثيرة، وجُمعت في مصنفات معروفة.

"«قال الله -عز وجل-: إذا هم عبدي بحسنة»".

يعني من أراد أن يفرق بين الحديث القدسي والقرآن، لأنه يقول فيه قال الله -عز وجل-، مثل ما يقال في القرآن: قال الله -عز وجل-، وبين الحديث القدسي والحديث النبوي، الحديث القدسي معناه من الله، ولفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم- بدليل أنه يختلف لفظه من رواية إلى أخرى، ولو كان مثل القرآن لما جازت روايته بالمعنى، وهو موافق للحديث النبوي في جواز روايته بالمعنى، فمعناه من الله، ولفظه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، والحديث النبوي لفظه ومعناه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان -صلى الله عليه وسلم- {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم3 :4] القرآن لفظه ومعناه من الله -جل وعلا- فلا تجوز روايته إلا بلفظه.

"«إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة، فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه»".

لأن الهم لا يؤاخذ عليه.

"«لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة»، وحدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله -عز وجل-»".

العادة عند الإمام مسلم أنه إذا نقل من صحيفة همام بن منبه يقول: فذكر أحاديث منها.. ثم يذكر ما يريده؛ لأن صحيفة همام صحيفة تشتمل على مائة وثلاثين جملة، مائة وثلاثين جملة، أوردها الإمام أحمد في المسند في موضع واحد، وفرقها البخاري في مواضع متعددة من صحيحه، وكذلك الإمام مسلم، والسبب في ذلك.. ما السبب؟ هذه الجمل المائة وثلاثون أو اثنان وثلاثون في موضوعات متفرقة متعددة، فإذا أراد البخاري منها شيء في موضع محدد جعله في موضعه الذي يندرج تحته، ويتقصر من هذه الصحيفة على ما يفيد في هذا الباب، وكذلك مسلم؛ لأنه مرتب على الأبواب، أما الإمام أحمد وهو مرتب على المسانيد، مرتب على المسانيد يجمعها كلها في موضع واحد؛ لأنها من رواية صحابي واحد، وهو أبو هريرة -رضي الله عنه- ، فمسلم أخذ منها، وقال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 فمسلم عادته أن يقول: فذكر أحاديث منها، والبخاري إذا أراد أن يتقطع منها جملة يريدها مناسبة لما يتحدث فيه فإنه يأتي بالجملة الأولى من الصحيفة، يأتي بالجملة الأولى من الصحيفة: عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة» هذه أول جملة في الصحيفة، يذكرها الإمام البخاري في كل موضع يريد أن يأخذ من الصحيفة جملة تناسب الباب، فيصدرها بقوله: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة» نحن الآخرون في الوجود أمة محمد آخر الأمم، ومحمد -عليه الصلاة والسلام- خاتم الأنبياء، لكن في القيامة، في الآخرة نحن السابقون، نحن السابقون.

من اللطائف أن بعض من تكلم على الأحاديث قال: المعنى ظاهر، لما تضع المتاع في وعاء، تضع الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع وإذا أردت أن تخرج هذه الأمتعة تخرج الأول ولا الأخير هاه؟ الأخير، قال بعضهم هذا، لكن وجودهم في قبورهم هل هم عل هذا الترتيب؟ لا، تقديمهم في الآخرة لشرف نبيهم -عليه الصلاة والسلام-، فهذه الأمة شرفت بشرف نبيها- عليه الصلاة والسلام-.

"عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «قال الله -عز وجل- : إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها»".

يعني تحدث مع نفسه ليتفق مع الأحاديث الأخرى.

"«إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها، ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها»".

يعني عندنا الحسنات عشرات، والسيئات أفراد، من تغلب آحاده عشراته فقد خاب وخسر، يعني مهما عملت من السيئات ما دامت أفرادًا إذا جُمعت إن كنت من أهل الخير ممن يعمل الخير، ويسعى إلى الخير، فإن حسناتك تغطيها، فإن حسناتك تغطيها، الذي ينفق من دخله العُشر، ويدخر تسعة الأعشار هذا في حسابات الناس ما لم يأته جائحة أو يطرأ عليه شيء يجتاح ما بقي من ماله فإنه سيصبح عنده مدخر كثير، مع الوقت، فالذي ينفق تسعة الأعشار مثلاً ويدخر العُشر لا يبقى له إلا الشيء اليسير في مقابل الأول، فيقول أهل العلم: خاب وخسر من غلبت آحاده عشراته، كما سيأتي: «ولا يهلك على الله إلا هالك» وهو هذا النوع، من تغلب آحاده عشراته لا خير فيه، لا خير فيه.

"وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «قالت الملائكة: ربي، ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة، وهو أبصر به»".

الله -جل وعلا- أعرف بعبده، وما يريد من الملائكة.

"«فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها»".

يعني أنظروه، وأمهلوه.

"«فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جرائي»".

 إنما تركها من جرائي، يعني من أجلي، لكن إذا تركها من أجل الناس أو لعدم قدرته عليها؟ فما الحكم؟ تكتب حسنة لأنه تركها من أجل الله، لكن إذا تركها من أجل الناس أو لعدم قدرته عليها؟ خرج يريد السرقة، همَّ بسرقة فوجد الأبواب كلها مغلقة، ما وجد فرصة ليسرق، عجز عن ذلك، أو خشي أن يطلع عليه الناس، فتركها من أجلهم، هل يدخل في الوعد المذكور تكتب له حسنة؟ تكتب له حسنة؟ لا؛ لأنه يقول: «فإنما تركها من جرائي» إنما تركها من جرائي، يعني من أجلي.

"وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها، حتى يلقى الله»".

"وقال: وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، سليمان بن حيان، عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها»".

«من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة».

"«ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشرًا إلى سبعمائة ضعف، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب، وإن عملها كتبت»".

يعني واحدة. كما تقدَّم.

"حدثنا شيبان بن فروخ".

فروخ اسم أعجمي، ممنوع من الصرف.

"قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن الجعد أبي عثمان قال: حدثنا أبو رجاء العطاردي واسمه عمران بن تيم، عن ابن عباس عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فيما يروي عن ربه -تبارك وتعالى-".

وهذا أيضًا من الأحاديث القدسية.

"«قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها»".

قال، من القائل؟ «إن الله كتب الحسنات والسيئات»، فيما يروي -تبارك وتعالى-قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات»، قال الله -عز وجل-: «أنا عند ظن عبدي بي» القائل من؟ الكلام منسوب إلى الله، مضاف إلى الله -جل وعلا-، وهو القائل لهذا الكلام، وهنا فيما يروي عن ربه -تبارك وتعالى- قال: «إن الله كتب» فالقائل هو النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"«إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، ومن هم بها فعملها كتبها الله -عز وجل- عنده عشر حسناتٍ إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة»".

إلى أضعاف كثيرة، هذا يردُّ على من يقول إن التضعيف يقف عند السبعمائة، التضعيف يقف عند السبعمائة، وهذا قال به جمع من أهل العلم، لكن إلى أضعاف كثيرة هذا يرد هذا القول.

"«وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة»".

متى يكتب له؟ إذا تركها من أجل الله من جرائي.

"«كتبها الله عنده حسنة كاملة»".

لأن القيد الأول معتبر، القيد الأول معتبر.

"«كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة»".

كتبها الله سيئة واحدة، وهذا تقدَّم.

"وحدثنا يحيى بن يحيى التميمى".

 هذا راوي الموطأ؟ لماذا؟ ذاك الليثي، وليست له رواية في الكتب الستة، راوي الموطأ ليست له رواية في الكتب الستة، وهذا يحيى بن يحيى التميمي.  

"قال: حدثنا جعفر بن سليمان عن الجعد أبي عثمان".

عن الجعد أبي عثمان في هذا الإسناد بمعنى حديث عبد الوارث، وزاد: «ومحاها الله» وزاد ومحاها الله، «ولا يهلك على الله إلا هالك» ولا يهلك على الله إلا هالك، يعني من غلبت آحاده على عشراته هذا هالك، ولا يهلك على الله إلا هالك.

ثم قال -رحمه الله تعالى- فيما ترجم عليه النووي: باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله إذا وجدها قال -رحمه الله- :

"حدثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسألوه".

فسألوه قائلين يعني سؤالهم بقولهم.

"إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به".

قائلين، والقول يحذف للعلم به، وأمثلته من القرآن والسُّنَّة وأشعار العرب كثير، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ}[آل عمران:106] يعني فيقال لهم: أكفرتم، وأمثال ذلك كثير جدًّا، يعني حذف القول. فسألوه: إنا نجد، يعني قائلين، وسؤالهم: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. يعني إذا وجد الفراغ وخلا الإنسان بنفسه أو أوى إلى فراشه، وأصيب بالأرق، وطال عليه، ولم يوفق للذكر ولا للتلاوة، فإنه يقع في مثل هذه الوسوسة، يقع في نفسه ما إذا تكلم به، تكلم بشيء عظيم؛ لأنه يسترسل معه الشيطان، ويستدرجه الشيطان، يتفكر في خلق الله، ويرى السماوات، ويتفكر فيها وفيمن خلقها، وهو الله- جل وعلا-، ثم يستدرجه الشيطان، من خلق هذه السماوات والأرض؟ فيجيب الله، إلى هذا الحد، ومن خلق كذا؟ ومن خلق كذا؟ ومن خلق؟ يجيب الله، إلى أن يصل إلى أن يقول له: من خلق الله؟

هذا أمر عظيم، الله خالق كل شيء، ولذا الخلوة إن لم تكن في عبادة ففي الغالب تجر إلى الوسوسة، خلوة من لم يتعود ويمرن نفسه على الذكر والشكر ومناجاة الله -جل وعلا-، فإنه يطول به الوقت، ويتردد في نفسه، والشيطان حريص على إغواء الخلق.

"قال: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: «وقد وجدتموه؟» قالوا: نعم، قال: «ذاك صريح الإيمان»".

هذا التعاظم الذي وجدتموه في أنفسكم لهذا الأمر وهو عظيم ولم تتكلموا به لعظمته خوفًا من الله -جل وعلا- قال: «ذاك صريح الإيمان»، من الذي ردعهم من أن يتكلموا بهذا الأمر العظيم؟ هو الإيمان، والخوف من الله -جل وعلا-.

قال: "وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة بن الحجاج، ح وحدثني محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد وأبو بكر بن إسحق، قالا: حدثنا أبو الجواب".

أبو الجواب، قالا: حدثنا أبو الجواب، واسمه الأحوص بن جواب.

"عن عمار بن رزيق كلاهما عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحديث، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار".

خمس كم؟ قال:

"قال: حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار قال: حدثني حدثني علي بن عثام، عن سعير بن الخِمس".

يعني... قد يكون الشباب... ما يدرون أن في الرواة من اسمه أجمد، نعم أجمد، يعني بدل ما يقول: أحمد، يقول: أجمد. لكن هم وجد في أسماء العرب في القديم والحديث أسماء بعضها قبيح، لكن إذا سمع سعير بن الخِمس يتعجب، الأسماء بألوف مؤلفة وضاقت إلا هذا الاسم؟ ما عرف أن هناك شخصًا اسمه أجمد وأحمد من أسماء النبي -عليه الصلاة والسلام-، ونظيره شخص من مالي أو شنقيط قلت له: ما اسمك؟ قال: نوخ، يعني المسألة غرائب.

"عن المغيرة عن إبراهيم عن علقمة بن قيس النخعي عن عبد الله".

وهو ابن مسعود ابن أم عبد من علماء الصحابة، ومن قرائهم، ومن فقهائهم.

"قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الوسوسة".

يعني التي جاءت في: إنهم يجدون في أنفسهم ما يتعاظم أحدهم أن يتكلم به، هذه وسوسة الشيطان.

"عن الوسوسة، قال: «تلك محض الإيمان»".

في الرواية الأولى: «صريح الإيمان»؛ لأن الذي ما عنده إيمان قوي يردعه من التحدث والاسترسال، يقول: ما عنَّ في نفسه، ونسمع من يقول، لماذا؟ لأنه ما عندهم إيمان، لو كان عندهم إيمان لردعهم عن الكلام في هذا الكلام القبيح الذي يجول في أنفسهم.

وفي بعض البلدان المجاورة يقول واحد من طلاب العلم، يقسم بالله أنه يسمع شتم الله -جل وعلا- ودينه ورسوله من بيت مجاور لهم، يقول: وأنا في غرفة النوم أسمع، نسأل الله العافية، مثل هؤلاء خلت قلوبهم من الإيمان، الذين تحرجوا مما يلقيه الشيطان في قلوبهم ويتردد في نفوسهم من وسوسة الشيطان ما الذي منعهم من ذلك؟ هو الإيمان، الذي منعهم من ذلك هو الإيمان، ولذلك قال: «ذاك صريح الإيمان». في الرواية الأخرى: «تلك محض الإيمان».

قال: "حدثنا هارون بن معروف".

ماذا؟

يقول: ما معنى قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج:25] {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج:25]؟ وهل هذا داخل في الهم الذي يؤاخذ به العبد ويحاسب عليه؟

هذا من خصائص البلد الأمين، هذا من خصائص البلد الأمين، وأن مجرد الإرادة مجرد الإرادة يعاقب عليها، من أراد الإلحاد في الحرم، والضمائر من يرد فيه بإلحاد، فيه هل المراد الإرادة فيه أو الإلحاد فيه؟ إرادة الإلحاد، من يرد فيه بإلحاد، تتضح المسألة لو أن شخصًا في الحرم أراد الإلحاد إذا رجع إلى بلده، فالإرادة في الحرم، والإلحاد خارج الحرم، وعكسه، لو كان في بلده وأراد الإلحاد إذا وصل إلى الحرم فأيهما المراد؟

ماذا؟

ومن يرد فيه بإلحاد، من يرد، والآية التي قبلها: {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}[الحج:25] قال بعضهم: إن هذه التسوية بين من هو عاكف في المسجد الحرام عاكف ليله ونهاره لا يخرج منه، وبين البادي الذي جاء وصلى فيه فرضًا واحدًا أو يومًا واحدًا هؤلاء سواء، فلنحذر من حجز الأماكن وإبعاد من تقدَّم إلى المكان بغير حق، وهذا نسمعه كثيرًا لا سيما في المواسم.

 يعني في رمضان يأتي شخص ويوكل شخصًا عاميًّا جافيًّا يحجز له مكانًا، فيضايق الناس، ويبعدهم عن أمكنتهم التي سبقوا إليها، ووصل الأمر إلى الشتم والضرب، هذا موجود، يعني أنت جئت لعبادة، ترجو ما عند الله -جل وعلا-، والله -جل وعلا- قال: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج:25]، والإلحاد قلّ أو كثر، الميل عن طريق الاستقامة والصراط المستقيم.

نرجع إلى أصل مسألتنا: شخص في الحرم حاج أو معتمر يريد أن يرجع إلى بلده، فقال: إذا رجعت إلى بلدي فسوف يفعل المنكر الفلاني، سوف يسرق، سوف يزني، سوف، إلى آخره، أو العكس، وهو في بلده يقول: إذا ذهبت إلى مكة فسوف أفعل، سوف أسرق، إلى آخره، أيهما المراد في الآية؟

طالب: .........

يعني هل هو على نية تكرار المتعلق بمعنى من يرد فيه بإلحاد فيه، أو بإلحاد في أي مكان؟ ماذا؟

طالب: .........

 بإلحاد فيه، والإرادة فيه يعني الذي يريد الإلحاد في الحرم وهو خارج الحرم؟

طالب:...

والمتجه.

"