شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (266)

 

المُقَدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح". مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المُقَدِّم: قال المصنف- رحمه الله-عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيْدِ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه-.

ابن زيد.

المُقَدِّم: ابن زيد؟

نعم، عبد الله بن زيد.

المُقَدِّم: في نسختنا يزيد، في الكتب، الإخوان معكم يزيد يا شيخ؟ أيضًا الإخوة عندهم يزيد.

غلط غلط.

المُقَدِّم: خطأ.

خطأ، نعم.

المُقَدِّم: نعم، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الرَّجُلَ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ، فَقَالَ: «لا يَنْفَتِلْ، أَوْ لا يَنْصَرِفْ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد،

فراوي الحديث عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري المازني، أبو محمد صحابي شهير روى صفة الوضوء، وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي رأى الآذان في النوم، يُقال: إنَّه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب، واستشهد بالحرة سنة ثلاث وستين، كذا في التقريب، وفي شرح الكرماني قال: شهد أحدًا وما بعدها من المشاهد، واختلفوا في شهوده بدرًا، وهو قاتل مسيلمة الكذاب، شارك وحشيًّا في قتله، رماه وحشي بالحربة، وقتله عبد الله بسيفه.

وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: "باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن"، يقول العيني:" أي هذا باب وهو منون غير مضاف لا يتوضأ بفتح أوله على البناء للفاعل، وكلمة من للتعليل، "لا يتوضأ من الشك" كلمة من للتعليل أي لأجل الشك، كما في قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا } [نوح:25] يعني...

المُقَدِّم: بسببها.

نعم، وقول الشاعر:

وذلك من نبأ جاءني

 يعني بسبب نبأ جاءني.

والشَّك فِي اللُّغَة خلاف الْيَقِين، الشك خلاف اليقين، وَالْيَقِين الْعلم وَزَوَال الشَّك، قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره، خلاف يعني ضد، كلمة خلاف معناها ضد، وليس الشك بنقيض لليقين، لماذا؟ يعني هناك فرق أن نقول: الشك خلاف اليقين أو نقيض اليقين؟ ضد اليقين أو نقيض اليقين؟

المُقَدِّم: نعم فيه فرق، الضدين، والنقيضين.

الفرق بينهما؟

المُقَدِّم: النقيضان لا يجتمعان، ولا يرتفعان.

ولا يرتفعان، نعم، والضدان..

المُقَدِّم: الضدان يجتمعان.

لا يجتمعان.

المُقَدِّم: لا يجتمعان، ويرتفعان.

وقد يرتفعان، هنا الشك واليقين ضدان؛ لأنَّ هناك قسائم، يعني ما تنحصر القسمة في الشك واليقين لنقول إنَّهما لا يرتفعان، بل قد يرتفعان ويحل محلهما الظن مثلًا، أو الوهم.

المُقَدِّم: هذا ليس من القسائم بينهما يعني.

لا، بينهم يوجد أكثر من نوع في المسألة، شك، ويقين، وظن، ووهم.

يقول: والشَّك فِي اللُّغَة خلاف الْيَقِين، الشك خلاف اليقين، وَالْيَقِين الْعلم وَزَوَال الشَّك، قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره.

وفي المصباح: الشك الارتياب، لا ريب فيه يعني لا شك فيه، ويستعمل الفعل لازمًا ومتعديًا بالحرف، فيُقال: شكَّ الأمر يشك شكًّا إذا التبس وشككت فيه، قال أئمة اللغة: الشك خلاف اليقين- يعني كما تقدم كلام الجوهري-، فقولهم: خلاف اليقين يعني هو التردد بين شيئين، سواءٌ استوى طرفاه أو رجح أحدهما على الآخر، قال تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [يونس:94]، قال المفسرون: أي غير مستيقن وهو يعم الحالتين، هذا الكلام الشك خلاف اليقين، فقولهم خلاف اليقين والتردد بين شيئين، سواءٌ استوى طرفاه أو رجح أحدهما على الآخر، الآن في هذا الكلام جُعل قسيمًا لليقين، وأُدرج فيه الأقسام الأخرى؛ لأنَّه يقول: سواءٌ استوى طرفاه أو رجح أحدهما على الآخر؛ لأنَّ المعروف أنَّ اليقين هو العلم الذي لا يحتمل النقيض، والظن هو الاحتمال الراجح، والشك الاحتمال المساوي، والوهم هو الاحتمال المرجوح، هذا الأصل في التقسم، لكن قالوا هنا: هو التردد بين شيئين، سواءٌ استوى طرفاه أو رجح أحدهما على الآخر، فأدخلوا في ذلك الظن، وهو الاحتمال الراجح، وأدخلوا فيه أيضًا الوهم فيشمل الثلاثة، فيكون قسيمًا لليقين، وعلى هذا يكون مقابلته لليقين من باب النقيض، لا من باب الضد.

وقال الأزهري في موضع من التهذيب: الظن هو الشك، وقد يُجعل بمعنى اليقين، الآن هو يتكلم عن الظن، والذي يعنينا من كلامه قوله هو الشك، فجعل الشك يتناول الاحتمال الراجح، وإن كان في الأصل هو الاحتمال المساوي، وقد يُجعل- يعني الظن- بمعنى اليقين.

المُقَدِّم: كيف؟

{ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة:46]، هذا يقين، هل يكفي في ذلك احتمال راجح؟ بل لابد من الاعتقاد الجازم، الذي لا يحتمل النقيض، فالظن قد يُجعل بمعنى اليقين، وقال في موضع: لا شك أنَّ الظن جاء في النصوص على مراتب مختلفة يبدأ من كونه أكذب الحديث، الظن أكذب الحديث، ثم إلى كونه لا يُغني من الحق شيئًا، إلى أن يصل إلى الشك وهو الاحتمال المساوي، ولذلك قال: الظن هو الشك، إلى أن يكون الاحتمال الراجح، كل هذا في درجات الظن.

المقرر عند أهل العلم عن الفقهاء، وعند الأصوليين أنَّ الظن هو الاحتمال الراجح، وعرفنا أنَّه جاء بمعنى أكذب الحديث، جاء إطلاق الحديث عليه حديث صحيح، الظن أكذب الحديث، وجاء فيه لا يغني من الحق شيئًا يفيد علمه بهذه المثابة؟ لا. أيضًا كونه متساوي الطرفين بمعنى الشك، أيضًا لا يفيد، كونه الاحتمال الراجح الذي يسمى الظن أو غلبة الظن كثير من الأحكام مبني على غلبة الظن إلى أن يصل إلى حد الاعتقاد اليقيني الجازم، { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة:46].

وقال الأزهري في موضع: الشك نقيض اليقين، كيف قال نقيض اليقين؟ باعتبار أنَّ الخبر إمَّا يفيد اليقين أو يفيد ما دونه من مراتب، سواء كان ظنًّا، أو احتمالًا راجحًا، أو شكًّا مستوي الطرفين، أو وهم وهو احتمال مرجوح، وأدخل الثلاثة كلها في الشك.

يعني مثلما قلنا، مثلما قال أئمة اللغة: الشك خلاف اليقين، فقولهم خلاف اليقين هو التردد بين شيئين سواء استوى طرفاه أو رجح، فجعله يقابل اليقين شيء واحد وهو الشك، وإن تفاوتت درجاته؛ ولذلك قال: الشك نقيض اليقين، ما قال ضد اليقين. الآن الصورة واضحة أم غير واضحة؟

المُقَدِّم: بلى.

يعني إذا قلنا: عندنا شيئان شك ويقين فقط، وأدرجنا في الشك الظن والوهو صار نقيض اليقين، وإذا قلنا: عندنا أربعة أشياء اليقين ما لا يحتمل النقيض، الظن وهو الاحتمال الراجح، الشك هو الاحتمال المساوي، الوهم وهو الاحتمال المرجوح.

المُقَدِّم: ما يُمكن.

أصبح عندنا أربعة أشياء، فيكون من باب الضد لا من باب النقيض.

يعني نظير ذلك قوله في مصطلح الحديث: المتصل والمنقطع، هما شيئان إمَّا متصل، وإمَّا منقطع، لكن المنقطع منه المرسل، ومنه المعضل، منه المنقطع على ما يقول أهل العلم الذي هو.. الذي يختص بصورة واحدة من الانقطاع، ومنه المعلق. معلق ومرسل، ومنقطع، ومعضل أربعة أشياء، لكن كلها تدخل في المنقطع، وإن كان لكل واحد حقيقته عند أهل العلم، فبالمعنى الأعم كلها تدخل في المنقطع، وإذا أردنا أن نخصص كل شيء باسمه الخاص فصلنا، وقل مثل هذا في الشك، وما معه من ظن ووهم إن أردنا الإجمال قلنا كله شك، وإن أردنا التفصيل خصصنا كل واحد باسمه.

وقال ابن فارس: الظن يكون شكًّا ويقينًا، يعني يكون يقينًا كما في الآية: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة:46].

 المُقَدِّم: { الَّذِينَ يَظُنُّونَ} [البقرة:46].

نعم، ويكون شكًّا إذا احتمل النقيض، وما معنى احتمل النقيض؟ أن يكون هو في الأصل يأتيك خبر من شخص، لا تجزم بصدق خبره، ولا دلت القرائن على صدقه، وأيضًا ليس عندك فيه أو فيه من الصفات التي تجعلك تقبل خبره وأنت مرتاح، بمعنى أنَّك لا تتردد في قبول خبره، فيحتمل النقيض أنَّ الخبر خطأ ليس بصحيح، وتتفاوت أيضًا درجات النقيض، فإن كان النقيض راجحًا صار شكًّا وهمًا، مرجوح، وإن كان مرجوحًا صار ظنًّا، وإن كان مساويًا فهو الشك على الاصطلاح؛ ولذا قال: الظن يكون شكًّا ويقينًا، ويُقال: أصل الشك اضطراب النفس.

وَفِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء الشَّك مَا يَسْتَوِي فِيهِ طرف الْعلم وَالْجهل وَهُوَ الْوُقُوف بَين الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ لَا يمِيل إِلَى أَحدهمَا، فَإِذا قوي أَحدهمَا وترجح على الآخر فَهُوَ ظن والْمَرْجُوح وهم.

وفي المصباح: استعمل الفقهاء الشك في الحالين، على وفق اللغة نحو قولهم: من شك في الطلاق، ومن شك في الصلاة، أي من لم يستيقن سواء رجح أحد الجانبين أم لا، وكذلك قولهم: من تيقن الطهارة وشك في الحدث، وعكسه أنَّه يبني على اليقين، ما يلزم أن يكون الاحتمال المساوي، إنَّما مجرد ما يوجد التردد يسمى شكًّا.

في عمدة القاري، يقول: فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ؟ هذا الباب باب إيش؟

المُقَدِّم: لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن.

نعم، والذي قبله.

المُقَدِّم: باب فضل الوضوء.

باب فضل الوضوء، والغر المحجلون من آثار الوضوء، يقول: قلت من حَيْثُ اشْتِمَال كل وَاحِد مِنْهُمَا على حكم من أَحْكَام الْوضُوء، أمَّا الأول فَلِأَنَّهُ فِي فضل الْوضُوء، وَهُوَ حكم من أَحْكَامه، وننتبه إلى قوله: فضل الوضوء وهو حكم من أحكامه، قوله: يدل على أنَّ الفضائل من الأحكام، وتجد العيني وغيره إذا قال، إذا أراد أن يحتج بضعيف قال من الفضائل، والضعيف عنده لا يحتج بها في الأحكام، وهنا يقول: وهو حكم من أحكامه، ولا شك أنَّ الفضائل من الأحكام؛ لأنَّها إن رتب عليها ثواب، ونعم، ولم يرتب على تركها عقاب فهي بمعنى المستحب، وهو حكم من الأحكام التكليفية.

وَهُوَ حكم من أَحْكَامه وَأمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ فِي حكم الْوضُوء الَّذِي يَقع فِيهِ الشَّك وَلَا يُؤثر فِيهِ مَا لم يحصل الْيَقِين فتناسبا من حَيْثُ أَن كلا مِنْهُمَا حكم من أَحْكَام الْوضُوء وَإِن كَانَت الْجِهَة مُخْتَلفَة، ومُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:« لَا يَنْفَتِل» إِلَى آخِره؛ لِأَنَّهُ يفهم مِنْهُ ترك الْوضُوء من الشَّك حَتَّى يستيقن وَهُوَ معنى قَوْله:« حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا».

« أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- » قال ابن حجر: كذا في روايتنا شكا بألف، ومقتضاه أنَّ الراوي هو الشاكي، ومقتضاه أنَّ الراوي هو الشاكي، لكن هل يستقيم مع قوله:«أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الرَّجُلُ »؟

المُقَدِّم: لا، الرجلَ.

لا، يجوز الأمران سيأتي، « شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الرَّجُلُ »، أو نقول أنَّه شكا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

المُقَدِّم: حال رجل.

نعم؟

المُقَدِّم: هو الشاكي عبد الله بن زيد.

«أَنَّهُ شَكَا» يعني عبد الله بن زيد الراوي.

المُقَدِّم: شكا حال رجل.

«إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-» يعني شكا كأنَّه سأل، وصيغة السؤال «الرَّجُلَ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ» نعم هذا واضح، « أَنَّهُ شَكَا» قال ابن حجر: كذا في روايتنا شكا بألف، ومقتضاه أنَّ الراوي هو الشاكي، وصرح بذلك ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان ولفظه عن عمه عبد الله بن زيد قال: سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الرجل، نعم، ظهر المقصود هنا في رواية ابن خزيمة، ووقع في بعض الروايات شُكِيَ بضم أوله على البناء للمفعول، نعم، وعلى هذا فالهاء في«أَنَّهُ » ضمير الشأن، ووقع في مسلم شُكِيَ بالضم أيضًا كما ضبطه النووي.

وقال النووي في شرح مسلم: وقوله« شُكِيَ» وهو بضم الشين، وكسر الكاف، والرجل مرفوع، شُكِيَ الرجلُ، نائب فاعل، نعم، ولم يسم هنا الشاكي، وجاء في رواية البخاري أنَّ السائل هو عبد الله بن زيد الراوي، يعني الإمام لأنَّه قال:«شَكَا»، «أَنَّهُ شَكَا» فيكون السائل هو عبد الله بن زيد الراوي، وينبغي أن لا يتوهم بهذا أنَّه شكا مفتوحة الشين والكاف، ويُجعل الشاكي هو عمه المذكور فإنَّ الوهم هذا غلط، هكذا قال النووي. نعم.

وقوله« شُكِيَ» يقول النووي "شكي" وهو بضم الشين، وكسر الكاف، والرجل مرفوع، ولم يسم هنا الشاكي، وجاء في رواية البخاري أنَّ السائل هو عبد الله بن زيد الراوي وينبغي أن لا يتوهم بهذا أنَّه شكا مفتوحة الشين والكاف، ويُجعل الشاكي هو عمه المذكور فإنَّ هذا الوهم غلط، والله أعلم.

المُقَدِّم: عمه المذكور في رواية.

وين؟ عندنا الرواية عن عمه، في الصحيح في البخاري الأصل عن سعيد بن المسيب، وعن عباد بن تميم عن عمه، أنَّه شكا، عن عمَّه عبد الله بن زيد، نعم.

كلام النووي فيه لبس، فوضحه ابن حجر، قال ابن حجر: قال- يعني النووي-: ولا ينبغي أن يتوهم من هذا «أنَّه شكا» بالفتح أي في رواية مسلم، في رواية مسلم قال:« شُكِيَ» بضم الشين وكسر الكاف، ثم قال: ولا ينبغي أن يتوهم من هذا «أنَّه شكا» بالفتح، يعني في رواية مسلم، وأمَّا في رواية البخاري فثابتة، وأشار إليها النووي، ما أنكرها، أي في رواية مسلم يقول: وإنَّما نبهت على هذا؛ لأنَّ بعض الناس قال: إنَّه لم يظهر له أنَّه كلام النووي؛ لأنَّه لو قال: وينبغي أن لا يتوهم بهذا « أنَّهُ شَكَا» مطلقًا في الرواية، جاءت في البخاري « شكا»، لكنه يريد أنَّ رواية مسلم لا ينبغي أن يتوهم منها« أنَّه شكا»؛ ولذا قال ابن حجر، قال- يعني النووي-: ولا ينبغي أن يتوهم منها« أنَّه شكا» بالفتح يعني في رواية مسلم، وإنَّما نبهت على هذا؛ لأنَّ بعض الناس قال: إنَّه لم يظهر له كلام النووي.

 وقال العيني: قلت دَعْوَى الْغَلَط- يعني في كلام النووي-، يقول العيني: قلت دَعْوَى الْغَلَط غلط، بل يجوز الْوَجْهَانِ شكا بِصِيغَة الْمَعْلُوم والشاكي هُوَ عبد الله بن زيد، وَالرجل حِينَئِذٍ بِالنّصب مَفْعُوله، وشُكِى بِصِيغَة الْمَجْهُول والشاكي غير مَعْلُوم، وَالرجل حِينَئِذٍ بِالرَّفْع على أَنه مفعول نَاب عَن الْفَاعِل.

النووي يتكلم عن الرواية، والعيني يتكلم عن التجويز، تجويز السياق، فلو أنَّ العيني أحال على رواية البخاري، قلنا إنَّ النووي ما أراد رواية البخاري، إنَّما أراد رواية مسلم، والتجويز سواء كان في صورة الكلمة إذا شُكيَ.. إذا كتبت بالألف المقصورة أخت الياء، التجويز حاصل، لكن مرد ذلك كله على الرواية، فابن حجر تكلم عن اللفظ رواية، والنووي يتكلم عن اللفظة رواية، وأمَّا بالنسبة للعيني فهو يتكلم عنها تجويزًا الصورة واحدة.

يقول: قلت دَعْوَى الْغَلَط غلط، بل يجوز الْوَجْهَانِ- انظر التجويز، يجوز الوجهان لو قال: ثبت الوجهان قلنا صحيح، لكن قال: يجوز الوجهان شكا بِصِيغَة الْمَعْلُوم والشاكي هُوَ عبد الله بن زيد، وَالرجل حِينَئِذٍ بِالنّصب مَفْعُوله، وشُكِى بِصِيغَة الْمَجْهُول والشاكي غير مَعْلُوم، وَالرجل حِينَئِذٍ بِالرَّفْع على أَنه مفعول نَاب عَن الْفَاعِل.

 وَقَالَ الْكرْمَانِي: الرجل هُوَ فَاعل شكا، قال العيني: وَهُوَ غلط لَا يخفى، شكا الرجلُ، الرجل هو فاعل شكا، قال العيني: وهو غلط لا يخفى؛ لأنَّه إن قلنا شكا فالرجل مفعول، شكا الرجلَ، وإن كان شُكِيَ فهو نائب الفاعل، قال العيني: وهو غلط لا يخفى.

طيب الرفع هنا عند الكرماني قال إنَّه فاعل شكا، وهذا واضح أنَّه ليس بمراد، أنَّه يعني عبد الله بن زيد شكا الرجلَ إلى آخره، أو شكا الرجلُ إذا قلنا الرجل.

المُقَدِّم: شكا.

كيف؟ يقول: شكا، رجعنا إلى كلام الكرماني الذي قال إنَّه غلط، غلط لا يخفى، لكن على رواية النصب عبد الله بن زيد شكا الرجل مفعول، وعلى رواية الرفع شُكِيَ هذه ما فيها إشكال يكون نائب فاعل، وعلى رواية الفتح شكا الرجلُ يعني صيغة شكا يعني سأل، واضحة أن المراد بالشكاية السؤال، السؤال الذي يكون سببه المعاناة، فهي شكوى عامة في النفس، وفي حقيقة الحال سؤال، وصيغة السؤال «الرَّجُلَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ» يعني شكا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائلًا: «الرَّجُلَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ» ويكون مقول القول محذوفًا، والقول كثيرًا ما يحذف ويثبت المقول.

{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عمران:106].

المُقَدِّم: {اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ}.

{أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران:106]، يعني فيقال لهم: {أَكَفَرْتُمْ}، فيحذف القول بكثرة، وفي التنقيح للزركشي: شكا وهو بالفتح على البناء للفاعل كذا في الرواية هنا، وجوَّز النووي الضم على هذين القولين يجوز في الرجل الرفع والنصب.

وقال العيني: شكا من شكوت فلانًا أشكوه شكوًا وشِكاية وشكية وشكَاة إذا أخبرت عنه بسوء، فهو مشكو وشكيٌ، والاسم الشكوى، والياء في الفعل شكيا منقلبة عن واو، أصله شكوًا، بدليل يشكو والشكوى.

المُقَدِّم: الشكوى ما تكون إلا عن سوء.

نعم؟

المُقَدِّم: ما تكون إلا عن سوء؟

هذا الأصل فيها.

المُقَدِّم: حتى في حق العبد وهو ضعيف لله- عزَّ وجلَّ-؟

كيف؟

المُقَدِّم: يشكو إلى الله.

يشكو سوء حاله، أو من ظلمه، هذا الأصل فيها، لكن قد تُستعمل لا عن سوء، لو أنَّ إنسانًا له منزلة عندك، فجاء إلى بلدك فأردت إكرامه، فرفض رأفة بك هل هذا سوء منه؟

المُقَدِّم: لا.

ثم رفعت أمره إلى والده مثلًا، شكوته إلى والده، تقول: ابنك جاء إلى بلدنا، وأردنا إكرامه لكنه، هذه شكوى، نعم، وهي في ظاهرها كأنَّه أساء إليك، لكنَّها في باطنها.

المُقَدِّم: أراد الرأفة بي.

نعم، أراد الرأفة بك، فالأصل في الشكوى أنَّها من إساءة؛ ولذلك قال: إذا أخبرت عنه بسوء، والياء في شكيًا منقلبة عن واو، وأصله شكوًا، بدليل يشكو والشكوى، أظن الياء في شكى التي صورتها الياء أصلها واو.

المُقَدِّم: منقلبة للواو، شكوت ويشكو.

نعم التصاريف تدل على أنَّ الأصل...

المُقَدِّم: واو.

الواو، ويجوز أن تكون أصلية غير منقلبة في لغة من قال: شكى يشكي.

المُقَدِّم: أحسن الله إليكم، لعلنا نستكمل ما تبقى بإذن الله تعالى في حلقة قادمة من ألفاظ هذا الحديث، أيُّها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإيَّاكم إلى ختام حلقتنا على أن نستكمل بإذن الله في الحلقة القادمة، شكرًا لطيب متابعتكم، نلقاكم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.