شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1428 هـ) - 14

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، في مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بضيف البرنامج الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال -رحمه الله تعالى-: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟»، قالوا: يوم صالح، هذا يوم نجى الله -عز وجل- بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فراوي هذا الحديث الصحابي الجليل حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، مر ذكره مرارًا.

وهذا الحديث ساقه الإمام البخاري تحت الترجمة السابقة، باب صيام يوم عاشوراء.

يقول العيني: مطابقته للترجمة من حيث إنها في مطلق الصوم في يوم عاشوراء، وهو يتناول كل صوم بيوم عاشوراء على أي وصف كان من الوجوب والاستحباب والكراهة.

باب صيام يوم عاشوراء، الحكم ظاهر أم ليس بظاهر من الترجمة؟

المقدم: بلى.

باب صيام يوم عاشوراء، يعني قال: استحباب أم وجوب أم؟ البخاري أطلق، وترك الحكم لمن يتدبر الأحاديث المذكورة عند الإمام البخاري.

فيقول العيني: مطابقته للترجمة.

لأنه قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟»، قال: هذا يوم صالح.

المقدم: قالوا.

قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه، قال: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه.

والعيني يقول: مطابقته للترجمة من حيث إنها في مطلق الصوم، الترجمة في مطلق الصوم، بغض النظر عن حكمه.

المقدم: وجوبًا أو استحبابًا.

نعم، وهو يتناول كل صوم بيوم عاشوراء على أي وصف كان، يعني أي وصف حكمي من الوجوب والاستحباب والكراهة، وظاهر حديث ابن عباس يدل على الوجوب؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- صامه وأمر بصيامه، صامه وأمر بصيامه، ولكن نُسخ الوجوب، وبقي الاستحباب على ما ذكرنا -يعني على ما تقدم فيما مضى أنه كان واجبًا على قول، واجبًا ثم نُسخ، وبعضهم ذهب إلى أن المشروعية نُسخت برمضان، فكان بعضهم لا يتحرى صيامه، وهذا تقدم فيما مضى، لكن ابن عبد البر نقل الإجماع على الاستحباب، مع أن منهم من بقي على الوجوب في حكمه، لكن هذا القائل انقرض، لم يبق أحد يقول بالوجوب، ولا عدم الاستحباب.

المقدم: لكن ورد القول بالوجوب، وورد القول بعدم الاستحباب، نسخ الشرعية تمامًا.

هو الأصل، لكنه انقرض، وبقي الإجماع على أنه مستحب.

يقول الطحاوي بعد أن روى هذا الحديث: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما صامه شكرًا لله تعالى في إظهار موسى -عليه السلام- على فرعون، فذلك على الاختيار لا على الفرض. انتهى.

الطحاوي بعد أن روى هذا الحديث قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما صامه شكرًا لله تعالى في إظهار موسى -عليه السلام- على فرعون، فذلك على الاختيار لا على الفرض. انتهى.

يعني إذا كان لمجرد الشكر، فهذا لا يدل على الوجوب، هذا كلام الطحاوي.

العيني يقول:  فيه بحث؛ لأن لقائل أن يقول: لا نسلم أن ذلك على الاختيار دون الفرض؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بصومه، والأمر المجرد عن القرائن يدل على الوجوب.

لأنه قال: فصامه وأمر بصيامه، في حديث عائشة وهو من أحاديث الباب: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بصيام يوم عاشوراء، فلما فُرض رمضان، كان من شاء صام ومن شاء أفطر، وأيضًا في حديث عائشة الذي شرحناه في حلقات مضت كذلك.

الطحاوي يرى أنه لم يكن واجبًا، لماذا؟ لأن العلة صارفة، العلة الشكر، والعلة كثيرًا ما يصرف بها أهل العلم الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، فما دامت العلة الشكر لله -جل وعلا- على نجاة موسى وهلاك فرعون، فلا يكون الأمر للوجوب.

المقدم: لعامة الناس أم للنبي -صلى الله عليه وسلم-؟

للجميع.

المقدم: يعني حتى الشكر في حق الأنبياء يصرفه، الشكر؟

ما هو بالشكر، الأمر، عندهم الأمر له صوارف، يعني إذا كان الأمر من باب الآداب، كونه من الآداب يصرفه من الوجوب إلى الاستحباب، هذا عند جمهور أهل العلم، أيضًا إذا عُرفت العلة، الأمر بالشيء لهذه العلة التي لا تقوى على أن تكون واجبة، إذًا المأمور به ليس بواجب.

هذا كلام الطحاوي.

العيني يقول: فيه بحث؛ لأن لقائل أن يقول: لا نسلم أن ذلك على الاختيار دون الفرض؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بصومه، والأمر المجرد عن القرائن يدل على الوجوب -نعم، هذا الأصل في الأمر عند الجمهور، أنه في الأصل للوجوب ما لم يُصرف-، يقول: وكونه صامه شكرًا لا ينافي كونه للوجوب، وكونه صامه شكرًا لا ينافي كونه للوجوب؛ كما في سجدة ص، فإن أصلها للشكر مع أنها واجبة.

واجبة على من؟

المقدم: على النبي نفسه.

لا.

المقدم: داود؟

لا، هو ما يقصد هذا.

الحنفية عندهم سجود التلاوة واجب، عندهم سجود التلاوة واجب، فصامه..، فسجدها داود شكرًا، وجاء في حقه-  عليه الصلاة والسلام-: { فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } [الأنعام: 90]، فسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومشى العيني على مذهبه، قال: وكونه صامه شكرًا لا ينافي كونه للوجوب؛ كما في سجدة ص، فإن أصلها للشكر مع أنها واجبة.

يعني سجدها داود شكرًا، ونحن نسجدها وجوبًا، يعني على مذهبه؛ لأن سجود التلاوة عند الحنفية..

المقدم: واجب.

واجب، أيضًا يميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، يميل إلى هذا القول، يميل إلى هذا القول، لكن مثل هذا الكلام إنما يوجه لمن يوافق على الأصل المقيس عليه، يعني في باب المناظرة إذا أردت أن تناظر خصمًا، العلماء يسمونه خصمًا، يعني المخالف، وأردت أن تجادله.

المقدم: لازم تتفقان.

لا بد أن يكون الأصل المحال عليه متفقًا عليه، فما يمكن أن يوجه مثل هذا الكلام لمالكي، لشافعي، لحنبلي، مع اختلافهم في الأصل، يعني نظير ذلك لو قال الشافعي مثلًا، أو الحنبلي: إنه لا يجوز الرمي بجمار سبق أن رُمي بها، قياسًا على الماء المستعمل، والمسألة بصدد مجادلة مالكي مثلًا، والمالكي يرى أن الماء المستعمل في الوضوء..

المقدم: طاهر.

طاهر، طهور لا يتأثر، فنقول: لا بد أن يكون الأصل..

المقدم: متفقًا عليه.

متفقًا عليه بين الخصمين، أو بين المتناظرين.

قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، يعني مهاجرًا، فرأى اليهود تصوم، في رواية مسلم: فوجد اليهود صيامًا، فوجد اليهود صيامًا، فرق بين الروايتين، رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، ورواية: فوجد اليهود صيامًا، الآن عندنا: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأى اليهود تصوم، أو قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فوجد اليهود صيامًا؟

المقدم: الذي عندنا تصوم.

تصوم، لكن في رواية مسلم: فوجد اليهود صيامًا، مفاده أن صيامًا حال وقت القدوم، ومعلوم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما قدم المدينة في ربيع، وانتظر بعد ذلك ما يقرب من تسعة أشهر.

فقال: «ما هذا؟».

يعني ما هذا الصيام؟ في رواية مسلم: فقال لهم: «ما هذا؟»، فقال لهم: «ما هذا؟»، قال لليهود يعني، فقال: «ما هذا؟»، سؤال موجه.

المقدم: إلى اليهود.

لا، إلى مسؤول ما، سواء كان إلى اليهود أو غيرهم، لكن في رواية مسلم: فقال لهم -يعني لليهود-: «ما هذا؟»، وللمصنف في تفسير طه من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير: فسألهم، أي: سأل اليهود.

المقدم: للمصنف؟

نعم للمصنف، التفسير، تفسير سورة طه من التفسير..

المقدم: في البخاري؟

في البخاري، نعم، يعني رواية البخاري في تفسير سورة طه من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير: فسألهم، ستأتي -إن شاء الله-..

قالوا: يوم صالح.

فقال: «ما هذا؟»، يعني استغراب أن وجدهم يصومون يوم عاشوراء، وتقدم ما يدل على أنه كان يصومه -عليه الصلاة والسلام-، وأن العرب تصومه في الجاهلية، قالت -حديث عائشة السابق-: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية.

المقدم: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه.

يصومه، نعم، فقال: «ما هذا؟»، سألهم، فالسؤال يحتمل أن يكون عن الباعث على الصيام، أو العلة الباعثة عليه، يعني ما هذا الصيام الذي تصومونه، يمكن عندهم شيء غير ما عنده، ولا يلزم أن يكون يجهل الحكم، يجهل الواقع، يعني في صيام هذا اليوم، لينظر ما عندهم، ولماذا كانوا يصومونه؟ قالوا: يوم صالح، يوم صالح، يعني هل ينسب الصلاح لليوم كما أن النحس ينسب إلى اليوم؟ المقصود ما يحصل في اليوم، ما يحصل فيه، أما الزمان المركب من ساعات مثلًا، هذا وقت، والأوقات متشابهة، وكثيرًا ما يقال: ما أشبه الليلة بالبارحة، لكن ما يحصل في هذا الظرف، هو الذي يوصف بالصلاحية وعدمها.

قالوا: يوم صالح.

المقدم: كوصف الليالي مثلًا: ليلة مباركة ليلة القدر، وشهر مبارك.

نعم، الأصل أن الأيام والليالي والشهور كلها ساعات متماثلة، لكن ما يحصل فيها هو الذي يمكن أن يوصف، فقالوا: يوم صالح، وعند ابن عساكر تكرير: هذا يوم صالح، هذا يوم صالح.

هذا يوم نجى الله بني إسرائيل، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل.

هذا يومٌ نجى الله فيه، نجى الله بني إسرائيل، عندك تنوين أم لا؟

المقدم: بلى.

نعم، قال القسطلاني: يوم بغير تنوين في اليونينية مصحح عليه، وفي غيرها منونًا.

المقدم: هذا يومُ نجّى؟

نعم.

المقدم: بدون تنوين؟

نعم.

الآن القسطلاني يقول: يومُ بغير تنوين في اليونينية مصحح عليه -يومُ نجى-، وفي غيرها منونًا.

الآن، يوم، الأصل فيه أنه خبر لهذا، خبر لهذا، هذا يوم، المسؤول عنه، ونجّى، الجملة وصف، إذا قلنا: وصف، اتجه التنوين، وإذا قلنا: مضاف، والمراد هذا يوم النجاة مثلًا.

المقدم: تصير غير منونة.

فتكون غير منونة؛ لأن المضاف يحذف منه التنوين عند الإضافة.

نونٌ تلي الإعراب أو تنوينا
 

 

مما تضيف احذف كطور سينا
 

المقدم: { هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } [المائدة: 119].

نعم، لكن في الآية إضافة إلى..

المقدم: فعل.

إلى جملة صدرها معرب، وهنا إضافة إلى جملة صدرها مبني، والفرق بينهما أنه إذا أضيف إلى جملة صدرها معرب أُعرب، وإذا أضيف إلى جملة صدرها مبني بُني، كيوم ولدته أمه، هذا الفرق.

بني إسرائيل، من عدوهم، في رواية مسلم: هذا يوم عظيم، هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى.

المقدم: غرَّق، في الأصل موجود: غرَّق؟

في رواية مسلم، قلت: في رواية مسلم: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه.

فصامه موسى، زاد مسلم في رواية: شكرًا لله تعالى، شكرًا لله تعالى، فنحن نصومه.

وللمصنف في الهجرة في رواية أبي بشر: ونحن نصومه تعظيمًا له، تعظيمًا له، موسى -عليه السلام- صامه شكرًا لله، ونحن نصومه تعظيمًا له، تعظيمًا لليوم أو لله -جل وعلا-؟

المقدم: لليوم.

لأنه جاء في وصفه: هذا يومٌ..

المقدم: صالح.

صالح، وجاء في وصفه أيضًا: هذا يوم عظيم، في مسلم، ونحن نصومه تعظيمًا له، والمعظَّم شرعًا تعظيمه من باب تعظيم معظِّمه، وهو الله - جل وعلا-، ولأحمد من طريق شبيل بن عوف عن أبي هريرة نحوه، وزاد فيه: وهذا اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي، فصامه نوح شكرًا، وهذا اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي، فصامه نوح شكرًا.

قال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فأنا أحق بموسى منكم»، «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه.

كما كان يصومه قبل ذلك؛ لأن..

المقدم: حديث عائشة.

حديث، عندنا حديث الباب: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه، يعني إذا قلنا: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه، الفاء تفريعية على ما تقدم، قلنا: إنه لم يصمه قبل ذلك، وهذا إشكال، وكان في حديث عائشة السابق: كان يوم عاشوراء تصومه قريش، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه، يعني قبل الهجرة.

قال -صلى الله عليه وسلم-: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه؛ كما كان يصومه قبل ذلك، وأمر الناس بصيامه، يعني استمر على صيامه، استمر على صيامه؛ كما يخبر الإنسان عما يفعله، وأنه سوف يستمر عليه.

قال القسطلاني: فيه دليل لمن قال: كان قبل النسخ واجبًا، فيه دليل -يعني أمر الناس بصيامه- فيه دليل لمن قال: كان قبل النسخ واجبًا، لكن أجاب أصحابنا بحمل الأمر هنا على تأكد الاستحباب.

يعني الأمر لا شك أن الأصل فيه الوجوب، { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } [النور: 63]، يعني رُتب الوعيد على مجرد مخالفة الأمر، فدل على أنه للوجوب، وأيضًا: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك»، أمر الاستحباب موجود، فدل على أن المرتفع بسبب المشقة هو أمر الوجوب.

يقول هنا: حمله أصحابنا، أصحابنا حملوا الأمر هنا على تأكيد الاستحباب.

يعني في حديث ضمام بن ثعلبة وغيره، يعني الأعرابي لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصيام.

المقدم: هل عليّ غير هذا الشهر؟

قال: «لا، إلا أن تطوع»، فدل على أنه لا يجب صوم يوم غير رمضان، لكن يبقى النظر هل هو قبل هذا أو بعده؟ أقول: محل بحث، فإن كان قبله، كان حديث هذا الأعرابي قبله، فلا شك أنه صارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، وإن كان بعده يحتمل القول بالوجوب، ثم لما فُرض رمضان نسخ الأمر بالوجوب على ما تقدم.

وليس صيامه -عليه الصلاة والسلام-، يعني الذي يسمع هذا الحديث: رأى اليهود تصومه، فسألهم، قال: «ما هذا؟»، قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم، إلى آخره، كأنه تصديق لليهود بمجرد قولهم، يقول أهل العلم: ليس صيامه -عليه الصلاة والسلام- لهذا اليوم تصديقًا لليهود بمجرد قولهم، بل كان يصومه قبل ذلك؛ كما وقع التصريح به في حديث عائشة، وجوز المازري نزول الوحي على وفق قولهم، أو تواتر عنده الخبر، أو صامه باجتهاده، أو أخبره من أسلم منهم، كابن سلام، عبد الله بن سلام.

الآن قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- صدق اليهود، وعمل بمقتضى قولهم، ليس الأمر كذلك؛ لأنه كان يصومه قبل، لكن كونه سألهم، فأجابوه بالعلة، العلة لا أثر لها؛ لأن الحكم مستقر كان يصومه قبل ذلك.

إذا سمع أحد مثل هذا الكلام قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كان، إنما صام تصديقًا لليهود، والتصديق لا شك أن اليهود بعد بعثته -عليه الصلاة والسلام- من لم يؤمن به منهم فهو كافر، والكافر خبره مردود، فكيف يقبل خبرهم؟ يعني قد يقبل الخبر، لا أصل الخبر، قد يقبل شيئًا إن احتف بالخبر، أو من مقتضيات هذا الخبر، إنما أصل الخبر لا يقبل إلا من ثقة.

يقول المازري، جوز المازري نزول الوحي على وفق قولهم، يعني لما جاء اليهودي، وقال: إن الله -جل وعلا- يضع السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، وكذا على أصبع، ضحك النبي -عليه الصلاة والسلام- تصديقًا لهذا الحَبر، تصديقًا له، هل نقول: إنه قبل هذا الخبر أو لأنه وافق ما عنده؟ نعم، وافق ما عنده، وافق ما عنده، وهنا وافق ما عنده -عليه الصلاة والسلام- إما بخبر سابق، أو نزل الوحي على وفق قولهم، أو تواتر عنده الخبر.

 يعني أخبره بهذا الأمر جمع من اليهود تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، ومعلوم أن الخبر المتواتر كما يقول أهل العلم لا يشترط فيه ثقة الرواة، لا يشترط فيه ثقة الرواة، أو تواتر عنده الخبر، أو صامه باجتهاده، أو أخبره من أسلم منهم؛ كابن سلام، عبد الله بن سلام الذي كان يهوديًّا ثم أسلم، والأحقية؛ لأنه قال: «فأنا أحق بموسى منكم»، من أي وجه؟ والأحقية باعتبار الاشتراك في الرسالة، والأحقية باعتبار الاشتراك في الرسالة والأخوة في الدين، والأخوة في الدين، يقول: والقرابة الظاهرة دونهم، القرابة الظاهرة دونهم، ولأنه -صلى الله عليه وسلم- أطوع وأتبع للحق منهم. قاله الكرماني.

يعني الاشتراك في الرسالة لا شك أنها أخوة؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات، أولاد علات»، يعني إخوة من الأب، الأخوة في الدين، الاشتراك في الرسالة، والأخوة في الدين { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10]، والقرابة الظاهرة دونهم، القرابة في النسب أو في الدين؟

المقدم: في الدين.

نعم، هذا الأصل، ولأنه -صلى الله عليه وسلم- أطوع وأتبع للحق منهم.

فإن قلت -يقول الكرماني-، فإن قلت: ظاهره يشعر بأن هذا كان قبل ابتداء صيامه لعاشوراء، وعُلم من الحديث السابق أنه كان يصومه قبل قدوم المدينة.

نجيب أم انتهى الوقت؟

المقدم: والله لعلنا نجعلها هي المسألة التي نبتدئ بها -بإذن الله تعالى- في الحلقة القادمة، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح نستكمل- بإذن الله- في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب المتابعة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.