التعليق على الموافقات (1433) - 03

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سمِّ.

طالب: بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللسامعين.

"فصل: إذا تقرر ما تقدم، فالتخصيص إما بالمنفصل أو بالمتصل. فإن كان بالمتصل، كالاستثناء، والصفة، والغاية، وبدل البعض، وأشباه ذلك، فليس في الحقيقة بإخراج لشيء؛ بل هو بيان لقصد المتكلم في عموم اللفظ أن لا يتوهم السامع منه غير ما قصد، وهو ينظر إلى قول سيبويه: (زيد الأحمر) عند من لا يعرفه (كزيد) وحده عند من يعرفه، وبيان ذلك أن زيدًا الأحمر هو الاسم المعرَّف به مدلول زيد بالنسبة إلى قصد المتكلم، كما كان الموصول مع صلته هو الاسم لا أحدهما، وهكذا إذا قلت: (الرجل الخياط) فعرفه السامع، فهو مرادف لزيد، فإذًا المجموع هو الدال. ونظير ذلك في الاستثناء".

"ويظهر ذلك".

طالب: ....... يا شيخ.

"ويظهر ذلك في الاستثناء".

طالب: "ويظهر ذلك في الاستثناء".

هل هناك عليها تعليق "نظير"؟

طالب: "ونظير"، نعم.

ما فيه اختلاف نسخ ولا شيء؟

طالب: لا يا شيخ، في المطبوع "ويظهر".

في ماذا؟

طالب: في الحاشية.

ماذا يقول؟

طالب: في المطبوع "ويظهر".

نعم.

طالب: "ويظهر ذلك في الاستثناء إذا قلت: عشرة إلا ثلاثة، فإنه مرادف لقولك: سبعة، فكأنه وضع آخر عرض حالة التركيب. وإذا كان كذلك، فلا تخصيص في محصول الحكم لا لفظًا ولا قصدًا، ولا يصح أن يقال: إنه مجاز أيضًا؛ لحصول الفرق عند أهل العربية بين قولك: ما رأيت أسدًا يفترس الأبطال، وقولك: ما رأيت رجلًا شجاعًا، وأن الأول مجاز، والثاني حقيقة. والرجوع في هذا إليهم، لا إلى ما يصوره العقل في مناحي الكلام".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، يقول المؤلف: "إذا تقرر ما تقدم" من بيان للعموم والخصوص على سبيل الإجمال، فالتفصيل: إن التخصيص إما أن يكون بمخصص متصل أو منفصل، والتخصيص بالمتصل ذكر منه المؤلف بعضًا، وترك البعض الآخر، وهو موجود في مطولات كتب الأصول.

قال: "كالاستثناء، والصفة، والغاية، وبدل البعض"؛ لأن هذه الأشياء تُخرج من العام بعض أفراده، فما بعد (إلا) في الاستثناء فرد أو أفراد من العام الذي قبله، فهو يخرج من هذا العام. وكذلك الصفة كما في المثال الذي ذكره: "زيد الأحمر". والغاية: الغاية إذا ذُكر حكم مُغيا بغاية، أو بعض أفراده له غاية ينتهي عندها، فيخرج هذا الفرد أو هذه الأفراد المقترنة بالغاية من عموم اللفظ. وبدل البعض: أكرم بني تميم الفقهاء منهم، هذا بدل بعض، فهل يُخرج في مثل هذه الصورة؟ نعم.

طالب: إخراج الأول.

نعم؟

طالب: إخراج الأول.......

بدل البعض.

طالب: نعم.

أكرم بني تميم.

طالب: الفقهاء، إخراج الأول.

الفقهاء، هذا بالوصف ما هو ببدل بعض، هذا بالوصف.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: نصفه أو ربعه.

طالب: .......

أكلت الرغيف بعضه، لكن أين العام؟ وأين الخاص؟

طالب: .......

البعض خاص، والرغيف عام، الذي أُخرج البعض الثاني.

المقصود أن هذه مخصصات، والمؤلف مع جمع من أهل العلم يرون أن لا تخصيص، وإنما هو بيان، لا تخصيص، إذا قلت في الاستثناء: عندي عشرة إلا ثلاثة، كأنك قلت ابتداءً: عندي سبعة، يعني ما فيه فرصة تترك للمتكلم، أن يتكلم بلفظ عام شامل ثم يُخرج منه ما يُخرج، هو في مساق واحد، اللهم إلا كما في حديث: «إلا الإذخر»، الأصل العموم ثم أُخرج منه بالاستثناء، وهذا وإن كان بالاستثناء إلا أنه متصل أم منفصل؟

طالب: منفصل.

طالب: متصل.

طالب: منفصل.

في حكم المنفصل وإن كان في مكان واحد؛ لأن المتكلم في أول الأمر ما قصد إخراجه، إلا لما قيل له: «إلا الإذخر»، فقال: «إلا الإذخر». لكن لو قال: عندي عشرة إلا ثلاثة، هو يقر بعشرة أم يقر بسبعة؟

طالب: بسبعة.

ابتداءً يقر بسبعة، وكذلك إذا قال: زيد الأحمر، يتحدث في مكان عند قوم يعرفون زيدًا، يحتاج أن يقول: الأحمر؟

طالب: لا.

ما يحتاج، يتحدث عن زيد، ويعرفون زيدًا بعينه، ومن خلال الكلام أو القصة المسوقة عن زيد عُرف زيد بين السامعين، أو لأنه قريب عهد أو ما أشبه ذلك. المقصود أنه عند قوم يعرفونه يقول: زيد فعل كذا، يُخبر عنه، ولا يحتاج إلى وصف. لكن عند من لا يعرفه إلا بلونه مثلًا، فقيل له: زيد الأحمر، هل فيه فرق؟ هل هذا تخصيص له؟ أو أنه وصف يبين مراد المتكلم من زيد؟

طالب: تخصيص.

يقول: "فإن كان بالمتصل كالاستثناء والصفة والغاية وبدل البعض وأشباه ذلك، فليس في الحقيقة بإخراج لشيء"، ومن الأصل ما أراد هذه الأفراد التي ظُن إخراجها، ما قصدهم بالكلام، بكلامه ما قصدهم.

"بل هو بيان لقصد المتكلم في عموم اللفظ أن لا يتوهم السامع منه غير ما قصد، وهو ينظر إلى قول سيبويه: زيد الأحمر، عند من لا يعرفه، كزيد وحده عند من يعرفه. وبيان ذلك أن زيدًا الأحمر هو الاسم المعرف به مدلول زيد بالنسبة إلى قصد المتكلم"، المتكلم لا يريد وصفه بالحمرة؛ إنما يريد أن يعينه ويبينه عند السامع، يعني لما يقول: جاء زيد الأحمر، هل الأحمر وصف مؤثر أو لمجرد بيان الجائي هذا وأنه الأحمر وليس غيره؟

طالب: .......

"كما أن الموصول مع صلته هو الاسم لا أحدهما"، (جاء الذي)، يستفاد منه شيء؟

طالب: أبدًا.

الذي قام، أو الذي كتب، أو الذي قرأ، جاء الذي قرأ مثلًا. الموصول مع صلته هو مقصود المتكلم، يقول: "كما كان الموصول مع صلته هو الاسم لا أحدهما، وهكذا إذا قلت: الرجل الخياط"، بالوصف، تصفه أنه خياط، فيتحدد لدى السامع مراد المتكلم، وأنه ليس مراده أي رجل أو جنس الرجال.

"فعرفه السامع، فهو مرادف لزيد، فإذًا المجموع هو الدال، ويظهر ذلك في الاستثناء إذا قلت: عشرة إلا ثلاثة، فإنه مرادف لقولك: سبعة، فكأنه وضعٌ آخر عرض حالة التركيب". طيب لو قال: عشرة إلا سبعة؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

نعم، عند من يقول: لا يصح الاستثناء بأكثر من النصف، يثبت في ذمته عشرة. وإذا قال: عندي عشرة إلا عشرة، فهل هذا لغو من الكلام ما عنده شيء أم عنده العشرة؟

طالب: .......

اعترف بلسانه أن عنده عشرة، لكن العشرة المستثناة لا تُقبل إلا ببينة أنه سدد هذه العشرة ويبقى كلامه لغوًا. لكن أكثر من كتب في الأصول يرى أن هذا تخصيص، يرى أنه تخصيص، وأنه إخراج لبعض أفراد اللفظ العام، وأما المؤلف فيرى أنه ليس بإخراج؛ لأن المتكلم ما قصده أصلًا، ما قصده.

طالب: لكنه خرج.

كيف؟

طالب: لكنه خرج؟

هو ما قصد أصلًا، ما اعترف إلا بسبعة، فكأنه قال: عندي سبعة.

لكن السامع والمتلقي هل هو متعبَّد باللفظ أو بما في النية؟

طالب: في النية.

طالب: باللفظ.

باللفظ، ما عنده شيء إلا اللفظ، ما في الضمائر لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-. لكنه بهذا الاستثناء أبان عما في ضميره، المتكلم أبان عما في ضميره بهذا اللفظ. فالمسألة يظهر والله أعلم أنها قريبة من؟

طالب: نظرية.

نظرية نعم، يعني ما لها فائدة عملية، ويذكر المؤلف شيئًا من هذا.

"وإذا كان كذلك فلا تخصيص في محصول الحكم لا لفظًا ولا قصدًا"، يعني ما قصد الناطق بالعشرة إلا السبعة، ما قصد ولا لفظ، فكأنه قال: سبعة. هل هو ما لفظ بالعشرة؟ لفظ بالعشرة. فكيف يقول: "فلا تخصيص في محصول الحكم لا لفظًا ولا قصدًا"؟ اللفظ موجود، لكن بالنسبة لقصد المتكلم قد يكون.

طالب: .......

طيب، حينما يقول الله -جل وعلا-: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ} [البقرة: 196]، {تِلْكَ عَشَرَةٌ}، الله -جل وعلا- قصد العشرة من الأصل؟ أو قصد ثلاثة ثم سبعة يساوي عشرة؟

طالب: .......

طالب: قصد العشرة.

طالب: .......

العشرة مقصودة من الأصل، لكن للبيان في مكان الصيام وفي وقته فُصلت وقسمت إلى ثلاثة وعشرة. فمثل هذا على كلام المؤلف يندرج في كلامه أو لا يندرج؟

طالب: .......

هل نقول: إن قصد المتكلم العشرة ابتداءً، وإنما فصَّل في الثلاثة والسبعة من أجل بيان المحل، وهي مقصودة للمتكلم وقت الكلام. وإذا قلنا مثل هذا في حق الله -جل وعلا- الذي يعلم ما سيحصل، حتى في المخصصات اللاحقة المنفصلة، حتى في النسخ ولو بعد حين، الله- جل وعلا- لا يخفى عليه شيء، بخلاف المتكلم من البشر؛ لأنه قد يخفى عليه شيء ثم يَبين له في بعد فيستثني. ففرق بين هذا وهذا. الإنسان حينما يتكلم، لا سيما غير المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، قد يتكلم بكلام يقصده، ثم يطرأ عليه الاستثناء أو الوصف أو ما أشبه ذلك؛ فهذا لا شك أنه إخراج.

أما بالنسبة لله -جل وعلا- الذي يعلم ما سيحصل وما سيُستثنى، وما سيُنسخ ولو بعد حين، ولا يخفى عليه شيء، قصده بكلامه الأول ما ذُكر من عام في أول الأمر وما سيحصل من تخصيص أو نسخ فيما بعد، كلها مقصودة؛ لأن هذا مقصود في وقت، وذاك مقصود في وقت.

يقول: "ولا يصح أن يقال: إنه مجاز أيضًا؛ لحصول الفرق عند أهل العربية بين قولك: ما رأيت أسدًا يفترس الأبطال، وقولك: ما رأيت رجلًا شجاعًا، وأن الأول مجاز، والثاني حقيقة". يعني وإن كانت دلالة الأول مثل دلالة الثاني، إلا أنها ليست في مقامها في القوة، في قوة الدلالة؛ لأنه قد ينازع في المثال الأول، لكن في المثال الثاني ما فيه نزاع. والمجاز عمومًا يصح نفيه، إذا قلت: ما رأيت أسدًا يفترس الأبطال. دعنا من مجال النفي فهو سهل، لكن في مجال الإثبات: رأيت أسدًا يفترس الأبطال، وهو في الحقيقة رجل شجاع، ألا يمكن أن يقول لك قائل: ما هو بصحيح هذا الكلام؟ وهذه من أقوى ما يُستدل به على نفي المجاز؛ لأنه يصح نفيه، وليس بالنصوص ما يمكن نفيه.

"وأن الأول مجاز، والثاني حقيقة، والرجوع في هذا إليهم"، إلى أهل العربية "لا إلى ما يصوره العقل في مناحي الكلام"، فالمرجع في فهم التراكيب العربية إلى العرب.

لكن إذا كان المتكلم ما يعرف تراكيب الكلام عند العرب، وجاء بكلام له منه مقصد تختلف حقيقته عنده عن حقيقة الكلام والتركيب عند العرب، هل نقول: إنه يطالب بالفهم على ما تقتضيه العربية أو على ما يفهمه هو لا سيما إذا كان ما يتكلم به له حقيقة عرفية متعارف عليها، مثل أن تجد في عقد أو في وصية أو وقفٍ كلمةً لها أكثر من معنى، وتختلف من قُطر إلى قُطر، ومن متكلم إلى آخر، هل نقول: مرد ذلك إلى العربية أو إلى قصد المتكلم؟

طالب: قصد المتكلم.

إلى قصد المتكلم، ما تقول: ترجعه إلى العربية؛ لأن المتكلم ما قصده، ولا يُحتكم إلى العربية في هذا.

طالب: لا بد من.......

نعم، لا بد أن يكون معروف الكلام. نعم.

طالب: "وأما التخصيص بالمنفصل، فإنه كذلك أيضًا راجع إلى بيان المقصود في عموم الصيغ، حسبما تقدم في رأس المسألة، لا أنه على حقيقة التخصيص الذي يذكره الأصوليون. فإن قيل: وهكذا يقول الأصوليون: إن التخصيص بيان المقصود بالصيغ المذكورة، فإنه رفع لتوهُّم دخول المخصوص تحت عموم الصيغة في فهم السامع، وليس بمراد الدخول تحتها، وإلا كان التخصيص نسخًا".

لأنه رفع، رفع للحكم عن بعض الأفراد، وتقدم أن النسخ في عرف السلف أشمل من النسخ عند ما استقر عليه الاصطلاح؛ لأن النسخ على ما استقر عليه الاصطلاح رفع كلي للحكم، والتخصيص رفع جزئي، كما أن التقييد كذلك. فهو في الحقيقة نسخ، يعني نسخ رفع للحكم عن بعض الأفراد على ما اصطلح عليه السلف، وليس برفع كلي، فللمنازع أن يقول: ليس بنسخ؛ لأن المقصود بالنسخ ما استقر عليه الاصطلاح من الرفع الكلي للحكم. ومثل هذا الأمر فيه سهل، ما هو.

طالب: "وإلا كان التخصيص نسخًا، فإذًا لا فرق بين التخصيص بالمنفصل والتخصيص بالمتصل على ما فسرت، فكيف تفرق بين ما ذكرت وبين ما يذكره الأصوليون؟ فالجواب: إن الفرق بينهما".

والإشكال أن الاسترسال مع الاحتمالات العقلية لا نهاية له، ولذلك لما دخل علم الكلام في علم الأصول لا شك أنه كدَّره؛ لأنهم صاروا يسترسلون، وكل يذهب وراء ما يفهمه من الكلام، وراء ما بناه عليه من مقدمات وما رتب عليه من نتائج، ثم بعد ذلك في النهاية ينتهي إلى لا شيء، نعم ينتهي إلى لا شيء. ولذلك الإغراق في مثل هذه المسائل يعني تضييع للأوقات وتكدير للأفهام، فالذي يوصى به طالب العلم أن يهتم بالنصوص ثم يتعامل معها على ضوء القواعد الظاهرة الواضحة عند أهل العلم، لا الإغراق في دقائق المسائل. ولذا لا تجد أهل العلم الكبار من الأئمة وغيرهم يهتمون بدقائق علوم العربية أو الأصول أو غير ذلك من علوم الآلة، يكتفون بما يعينهم على فهم النصوص، يكتفون بذلك، ولا يسترسلون، فيقتصرون من علم العربية من كل فن من فنون العربية بمتن واحد مثلًا، أو اثنين يكون واحد للمبتدئين، والثاني للمتوسطين ويكفيهم.

 يعني بدلًا من أن يقرأ شرح المفصل في عشرة مجلدات كبار لابن يعيش والصفحة الواحدة مثل الصك مرصوصة رصًّا يحتاج إلى سنين في العربية، يقتصرون على الآجرومية مع القطر، والذي يتوسع يرجع إلى الألفية وشروحها، وهذا فيه بركة يكفي. والاسترسال في مثل ما قلنا، وجربناه، نحن جربناه في دروسنا أحيانًا لا ينتهي. فلذلك تجد أن علم السلف سهل سمح؛ لأنه ما دخل في هذه التفاصيل الدقيقة.

وليس هذا من باب تقليل شأن علم الأصول؛ علم الأصول من أهم العلوم التي ينبغي أن يُبذل فيها من وقت ما يُبذل؛ لأنه لا يمكن التعامل مع النصوص إلا من خلاله، وكذلك علم العربية. لكن كما قالوا: النحو في الكلام كالملح في الطعام، نحتاج إلى قواعده الظاهرة التي ينبني عليها فهم الكلام، أما دقائقه وتفصيلاته فهذه لا شك أنها تحتاج إلى وقت ولا نهاية لها، لكن في النهاية تجد خلافًا بينهم، ثم الترجيح بينها مرده إلى ما سُمع عن العرب، ثم ترجع إلى ما سُمع وتجد فيه أيضًا سُمع من جهة من قبيلة، وسُمع من قبيلة، ثم تنتهي على لا شيء.

طالب: "فالجواب: إن الفرق بينهما ظاهر، وذلك أن ما ذُكر هنا راجع إلى بيان وضع الصيغ العمومية في أصل الاستعمال العربي أو الشرعي، وما ذكره الأصوليون يرجع إلى بيان خروج الصيغة عن وضعها من العموم إلى الخصوص، فنحن بينا أنه بيان لوضع اللفظ، وهم قالوا: إنه بيان لخروج اللفظ عن وضعه".

وما قالها الأصوليون وهو أننا نتعامل مع ألفاظ قدامنا، ما نتعامل عن مقاصد، لا نتعامل مع مقاصد، إنما نتعامل مع ألفاظ أمامنا، فأيهما أقرب: قول المؤلف أم قول الأصوليين؟

طالب: .......

نعم؟

طالب: .......

الأصوليون أمرهم واضح في هذه المسألة، ولا تحتاج إلى نوايا ولا مقاصد ولا شيء من هذا، تتعامل مع لفظ قدامك.

طالب: .......

نعم؟

طالب: .......

المقصود...

طالب: .......

العام المخصوص دل الدليل على أن المتكلم أصلًا ما قصد إلا هذا الخاص، العام الذي أريد به الخصوص، يعني: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173]، هل يعقل أن الناس كلهم جاءوا فقالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-: {إِنَّ النَّاسَ} كلهم بما فيهم المخبِرون والمخبَرون {قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}؟

طالب: لا، ولكن.......

لكن هل يمكن أن تُنزل النصوص كلها على مثل هذه الآية؟

طالب: .......

على كل حال: كلٌّ له مشربه وطريقته، فالأصوليون لا شك أن كلامهم واضح، وإذا وُجد المخصص أخرجنا بعض أفراد العام بهذا المخصص، وإلا يبقى على العموم.

طالب: "فنحن بينا أنه بيان لوضع اللفظ، وهم قالوا: إنه بيان لخروج اللفظ عن وضعه، وبينهما فرق، فالتفسير الواقع هنا نظير بيان الذي سيق عقب اللفظ المشترك ليبين المراد منه، والذي للأصوليين نظير البيان الذي سيق عُقيب الحقيقة ليبين أن المراد المجاز، كقولك: رأيت أسدًا يفترس الأبطال.

فإن قيل: أفيكون تأصيل أهل الأصول كله باطلًا أم لا؟ فإن كان باطلًا لزم أن يكون ما أجمعوا عليه من ذلك خطأ، والأمة لا تجتمع على الخطأ، وإن كان صوابًا -وهو الذي يقتضيه إجماعهم- فكل ما يعارضه خطأ، فإذًا كل ما تقدم بيانه خطأ".

ألا يمكن أن يُصوب قول المؤلف، ويصوب أيضًا قول الأصوليين، ويُحمل هذا على شيء وهذا على شيء؟ لأنه ما الانفكاك، مع انفكاك الجهة يمكن التصويب، لكن إذا اتحد الكلامان واتجها إلى جهة واحدة فلا بد أن يكون أحدهما صوابًا والثاني خطأً. ألا يمكن حمل كلام المؤلف على صور وحالات فيما إذا علمنا قصد المتكلم وأبان لنا عنه، والثاني فيما إذا لم نعلم؟ وهو يقول بالمتصل واضح قصده، أثناء الكلام واضح قصده إخراج الخاص، في أثناء الكلام. لكن في المنفصل الذي جعله مثل المتصل في النهاية، ألا يكون قصده العام في بداية الأمر ثم يُخرج منه ما يُخرج فيما بعد؟

طالب: .......

لا، حتى هو يقول: لا، ما فيه فرق بين المتصل والمنفصل، المتكلم ما قصد جميع أفراد العام إذا خصص، ولو بالمنفصل فيما بعد. في المتصل قد يتجه كلامه؛ لأنه في مكان واحد ويستثني على طول بمخصص متصل، قد يُتصور أن المتكلم ما قصد. لكن إذا قال كلامًا ثم خصصه فيما بعد، أوصى بوصية لمجموعة من البلد أو جهة أو مذهب أو جيل، ثم بعد عشرين سنة من هذه الوصية ألحق بهذه الوصية ما يُخرج بعض الأفراد، هل نقول: إنه في السابق حينما أوصى أراد إخراج هؤلاء؟

طالب: .......

بالمتصل ما فيه إشكال، أنه في مجلس واحد يريد إخراجهم، مع أنه في الأصل ألا يأتي بلفظ عام إذا أراد الإخراج. لكن خصص بعد عشرين سنة، هل نقول: إنه مثل المتصل المتكلم ما قصد؟

طالب: بالنسبة لكلام الشارع يجوز أن.......

نعم، كلام الشارع معروف أنه المغيا بغاية يخرج، والغاية جاءت بعض النصوص العام ماشية إلى آخر الزمان، إلى أن ينزل جبريل، أحكام مغياة بنزول جبريل، ما هو بجبريل؛ عيسى -عليه السلام-، بنزول عيسى في آخر الزمان، وتنتهي هذه الأحكام؛ لأن لها غاية، يُنظر إلى مدى المدة من نزول القرآن: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، ثم إذا نزل عيسى ألغى الجزية، وضع الجزية. المتكلم يعرف هذا، ما تخفى عليه خافية، لكن الكلام هو يطلق، وجاء من الأمثلة بما هو من كلام البشر، الأمثلة التي أوردها من كلام البشر، فكأنه يريد أن الكلام شامل لكلام الشارع وكلام البشر: زيد الأحمر، عشرة إلا سبعة أو إلا ثلاثة.

طالب: "فالجواب: إن إجماعهم أولًا غير ثابت على شرطه".

"على شرطه"، وهو أنه قول الكل، جميع المجتهدين، لا قول كلهم ولا أكثرهم.

طالب: وهل يوجد من وافق الشاطبي.......

على هذا؟

طالب: .......

واللهِ إني ما أدري، ما استقرأت المسألة، لكن قد تثار في كتب الأصول عند الآمدي والرازي وغيرهما، قد يثار شيء منها.

طالب: "إن إجماعهم أولًا غير ثابت على شرطه، ولو سَلِمَ أنه ثابت".

"سُلِّمَ".

طالب: عندي "سَلِمَ" يا شيخ؟

يعني ما عليه شيء، "سُلِّمَ".

طالب: مشكَّلة عندي يا شيخ.

ماذا؟

طالب: "سَلِمَ".

لا، "سُلِّمَ"، يعني أنت خلاص عندما نقول على سبيل الافتراض إنه ثابت هذا الإجماع، سُلِّمَ لناقله أنه إجماع.

طالب: "ولو سُلِّمَ أنه ثابت لم يلزم منه إبطال ما تقدم؛ لأنهم إنما اعتبروا صيغ العموم بحسب ما تدل عليه في الوضع الإفرادي، ولم يعتبروا حالة الوضع الاستعمالي، حتى إذا أخذوا في الاستدلال على الأحكام رجعوا إلى اعتباره، كلٌّ على اعتبار رآه أو تأويل ارتضاه، فالذي تقدم بيانه مستنبط من اعتبارهم الصيغ في الاستعمال، فلا خلاف بيننا وبينهم، إلا ما يفهم عنهم من لا يحيط علمًا بمقاصدهم، ولا يُجَرِّد محصول كلامهم، وبالله التوفيق".

"ولا يُجَوِّد".

طالب: عندي "يُجَرِّد" يا شيخ.

"ولا يُجَوِّد محصول كلامهم".

طالب: "ولا يُجَوِّد محصول كلامهم، وبالله التوفيق".

"فصل".

طالب: "فصل: فإن قيل: حاصل ما مر أنه بحث في عبارة، والمعنى متفق عليه، ومثله لا ينبني عليه حكم. فالجواب: أن لا؛ بل هو بحث فيما ينبني عليه أحكام، منها: أنهم اختلفوا في العام إذا خُص هل يبقى حجةً أم لا؟ وهي من المسائل الخطيرة في الدين، فإن الخلاف فيها في ظاهر الأمر شنيع؛ لأن غالب الأدلة الشرعية وعمدتها هي العمومات، فإن عُدت من المسائل المختلف فيها بناءً على ما قالوه أيضًا من أن جميع العمومات أو غالبها مخصَّص؛ صار معظم الشريعة مختلفًا فيها: هل هو حجة أم لا؟ ومثل ذلك يَلقى في المطلقات فانظر فيه".

"يُلقى" أو "يُلفى"، يعني: يوجد.

طالب: "ومثل ذلك يُلقى في المطلقات فانظر فيه".

يعني المطلق إذا دخله التقييد هل يبقى حجة أم لا؟ العموم إذا دخله التخصيص هل يبقى حجة أم لا؟ ترتفع حجيته أم لا؟ يعني فيما عدا ما خرج منه من أفراد لا شك أنه يبقى حجة، لكن من أهل العلم من قال، فكيف ينازع أو يحصل الاختلاف في أكثر النصوص؛ لأنهم بعضهم أطلق، ما من عموم إلا وقد خُص، وبعضهم استثنى أربعة عمومات في الشريعة، ومنهم من زاد، وشيخ الإسلام فيما ذكرنا سابقًا قرر في سورة الفاتحة وأوائل سورة البقرة عمومات باقية على عمومها وهي كثيرة جدًّا خلافًا لما يزعمونه.

طالب: "ومثل ذلك يلقى في المطلقات فانظر فيه، فإذا عرضت المسألة على هذا الأصل المذكور لم يبق الإشكال المحظور، وصارت العمومات حجةً على كل قول. ولقد أدى إشكال هذا الموضع إلى شناعة أخرى، وهي أن عمومات القرآن ليس فيها ما هو مُعتد به في حقيقته من العموم، وإن قيل بأنه حجة بعد التخصيص، وفيه ما يقتضي إبطال الكليات القرآنية، وإسقاط الاستدلال به جملة، إلا بجهة من التساهل وتحسين الظن، لا على تحقيق النظر والقطع بالحكم".

تحسين الظن والتأدب مع النص يقولون: يبقى حجة، لكن يبقى حجة عائمة فيما بقي من عمومه، يعني على كلامه، فيما يُلزم به الأصوليين.

طالب: "وفي هذا إذا تُؤمل توهين الأدلة الشرعية وتضعيف الاستناد إليها، وربما نقلوا في الحجة لهذا الموضع عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: ليس في القرآن عام إلا مخصَّص، إلا قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]".

لكنه لم يثبت عن ابن عباس.

طالب: "وجميع ذلك مخالف لكلام العرب، ومخالف لما كان عليه السلف الصالح من القطع بعموماته التي فهموها تحقيقًا، بحسب قصد العرب في اللسان، وبحسب قصد الشارع في موارد الأحكام. وأيضًا, فمن المعلوم أن النبي بُعث بجوامع الكلم، واختُصر له الكلام اختصارًا على وجه هو أبلغ ما يكون".

لا شك أن جوامع الكلم، الكلام القليل الذي يشتمل على معانٍ كثيرة جدًّا، منه العمومات، العمومات من هذا النوع، من جوامع الكلم.

طالب: "واختصر له الكلام اختصارًا، على وجه هو أبلغ ما يكون وأقرب ما يمكن في التحصيل، ورأس هذه الجوامع في التعبير العمومات، فإذا فُرض أنها ليست موجودة في القرآن".

"بموجودة"، "ليست بموجودة"، عندكم "بموجودة" أم "موجودة"؟

طالب: "فإذا فُرض أنها ليست".

ما فيه إشكال، بالباء أو بدونها ما يفرق.

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ.

نعم.

طالب: "فإذا فُرضت أنها ليست بموجودة في القرآن جوامع".

وبعد ليس غالبًا جر بالخبر

 لأنها غالبًا تقترن بالباء.

طالب: "فإذا فُرض أنها ليست بموجودة في القرآن جوامع، بل على وجه تفتقر إليه إلى مخصصات ومقيدات".

"فيه"، "تفتقر فيه".

طالب: "بل على وجه تفتقر فيه" يا شيخ؟

"فيه إلى مخصصات".

طالب: "بل على وجه تفتقر فيه إلى مخصصات ومقيدات وأمور أخر، فقد خرجت تلك العمومات عن أن تكون جوامع مختصرة، وما نُقل عن ابن عباس إن ثبت من طريق صحيح، فيحتمل التأويل".

لكنه لم يثبت.

طالب: "فالحق في صيغ العموم إذا وردت أنها على عمومها في الأصل الاستعمالي، بحيث يفهم محل عمومها العربي الفهم المُطَّلِع".

"المُطْلِع".

طالب: "المُطْلِع"؟

نعم، "المُطْلِع على مقاصد الشرع".

طالب: "بحيث يفهم محل عمومها العربي الفهم المُطْلِع على مقاصد الشرع، فثبت أن هذا البحث ينبني عليه فقه كثير وعلم جم، وبالله التوفيق".

"جم" أم "جميل"؟

طالب: "جم" يا شيخ.

طالب: "جميل".

ماذا؟

طالب: .......

عندي "جميل"، و"جم" أولى، والمناسب "جم".

طالب: أحسن الله إليك،.......

ماذا؟

طالب: .......

نعم، أعد أعد.

طالب: أقول ربما الذي دعاه إلى أن يقول هذا القول، أن يمكن الكلام على العمومات.......

نعم، لكنه طريقة تقرير المسألة مشكلة، يعني الرجوع إلى قصد المتكلم قصده لا بد أن يُبين عنه، يقول: لو أبان بما ذكر فهو بيان وليس بتخصيص، لكن أصل الكلام في تطبيق قواعد العربية، أليست صيغ العموم معروفة وهذا منها؟ فهو عام، ثم بعد ذلك ما خرج منه من هذا العام من أفراد بالصيغة المرافقة المتصلة أو المنفصلة تخصيص. انتهى الإشكال.

نعم.

طالب: .......

لا، "الفهم المُطْلِع".

طالب: .......

فهمه المُطْلِع، "بحيث يفهم محل عمومها العربي الفَهِم"؟

طالب: "المُطَّلِع".......

ممكن "الفَهِم"، ما يصير "الفَهْم المُطْلِع"، "العَرَبي الفَهِم المُطَّلِع على مقاصد الشرع".