شرح لامية شيخ الإسلام (2) - من قوله: (وأقول في القرآن ما جاءت به آياته) إلى قوله: (وإلى السماء بغير كيف ينزل)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

قال الحافظ -رحمه الله ونفعنا الله بعلمه-:

وأقول في القرآن ما جاءت بـه
وأقول: قال الله -جل جلاله-
وجميع آيات الصفات أمرهـا
وأرد عهدتها إلى نقالهـا
قبحاً لمن نبذ القرآن وراءه
والمؤمنون يـرون حقـاً ربهم

 

آياتـه فهو الكريم الـمنزَلُ
والمصطفى الهادي ولا أتأولُ
حقـاً كما نقـل الطراز الأولُ
وأصونها عـن كل ما يتخيلُ
وإذا استدل يقول: قال الأخطلُ
وإلى السمـاء بغير كيف ينزلُ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد:

فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-  سواء كان شيخ الإسلام إن ثبتت هذه المنظومة له، أو غير شيخ الإسلام، فما فيها فهو حق، والحق والحكمة ضالة المؤمن، سواء كانت لشيخ الإسلام ولا نتعصب لأحد، فما دام الكلام حقًّا فيعتنى به، ولو لم يكن لشيخ الإسلام.

في البيت الخامس يقول -رحمه الله-:

وأقول في القرآن ما جاءت بـه

 

آياتـه فهو الكريم الـمنزَلُ

"وأقول في القرآن" يعني أعتقد، وقولي وعقيدتي ومذهبي في القرآن ما جاءت به آياته، من أنه كلام الله -جل وعلا-، المنزل على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، بواسطة جبريل -عليه السلام-، أنزل أو نزِّل في ليلة القدر من رمضان، والعلماء يختلفون في هذا التنزيل، هل هو إنزاله جملة كما ثبت عن ابن عباس في هذه الليلة إلى السماء الدنيا، أو بداية التنزيل في رمضان، ثم أنزل باقيه مفرقاً منجماً في ثلاث وعشرين سنة، التي هي عمر الرسالة من البعثة إلى وفاته -عليه الصلاة والسلام-، فعرف عن ابن عباس أن القرآن أنزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم بعد ذلك ينزل جبريل به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مفرقاً منجماً على حسب الوقائع، وعلى حسب الأسباب الداعية إلى التنزيل في هذه المدة التي هي ثلاث وعشرون سنة، ومنهم من يقول: إن بداية التنزيل إنما كانت في رمضان، ثم بعد ذلك ينزل منه ما يحتاج إليه، وينبعث السبب الداعي إليه في المناسبات وفي الوقائع، فنزوله منجمًا على هذه الكيفية.

وأقول في القرآن ما جاءت بـه

 

آياتـه.............................

وهو كلام الله -جل وعلا-، منه بدأ، وإليه يعود، فالقرآن كلام الله، وكلامه المسموع منه -جل وعلا- بحرف وصوت، كما يقرر ذلك أهل السنة والجماعة، على ضوء ما جاءت به الأدلة الكثيرة، فالنداء لا يكون إلا بصوت، والكلام لا يكون إلا بحرف، فكلامه -جل وعلا- مسموع بصوت وحرف، سمعه جبريل، ثم بلغه من شاء من عباده من أنبيائه ورسله -عليهم الصلاة والسلام-.

"منه بدأ" من الله -جل وعلا- بدأ، وهو الذي تكلم به، وإليه يعود في آخر الزمان، يرفع القرآن من صدور الرجال، ومن المصاحف أيضاً، فينام الرجل النومة فيصبح فإذا ليس في جوفه شيء من القرآن، وإذا فتح الناس المصاحف للقراءة لم يجدوه، وقد يعاقب الإنسان، وهذا الكلام إنما يكون في آخر الزمان، لكنه قبل ذلك قد يعاقب الإنسان فينسى ما حفظه من القرآن، أو يُنسى ما حفظه من القرآن بسبب ذنب أصابه، وذكر عن بعض من تقدم شيء من ذلك، وقد يكون الذنب حائلاً بينه وبين حفظ القرآن، كما أن الذنوب تحول بين أصحابها وبين أبواب الخير، كقيام الليل مثلاً، وصيام الهواجر، كذلك تكون سبباً في رفع ما حصل عليه من خير.

وعلى كل حال إنما يكون رفعه جملة في آخر الزمان؛ ولهذا يقول أهل العلم: منه بدأ، وإليه يعود.

"ما جاءت به آياته" فالآيات المدونة في المصاحف، والمحفوظة في الصدور، والمتلوة والمسموعة هي كلام الله -جل وعلا-، وهي عبارة عن شيء واحد هو القرآن، ولا نقول: إن المتلو غير المحفوظ، والمسموع غير المقروء، لا، كشيء واحد، كما قال ابن حزم: لدينا الآن أربعة قرآنات، ليس بقرآن واحد ولا اثنين ولا ثلاثة، أربعة قرآنات، وهذا لا شك أنه كلام باطل، وإنما القرآن وكلام الله شيء واحد، القرآن الموجود بين الدفتين، هو المحفوظ في الصدور، له أول، وله آخر، يفتتح بالفاتحة، ويختم بالناس، يعني محفوظ ومضبوط، وسالم من الزيادة والنقصان {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] فمن ادعى أن شيئاً من القرآن زائد أو ناقص لا إشكال في كفره وردته؛ لأن الأمة أجمعت على أن القرآن محفوظ، كما هو نص القرآن، والذي يزعم أن هناك زيادة أو نقصان مكذب للنص القطعي {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر].

وذكر الحافظ البيهقي -رحمه الله تعالى- أن يهوديًّا دعاه يحيى بن أكثم إلى الإسلام فلم يسلم، وبعد سنة كاملة أتى إلى يحيى بن أكثم فأعلن إسلامه، فسأله عن السبب، فقال: إنه نسخ نسخًا من التوراة، وزاد فيها ونقص وحرف وقدم وأخر، ثم ذهب بها إلى سوق الوراقين من اليهود فتخطفوها من يده، وباشروا قراءتها، والعمل بها، وهي محرفة، ثم عمد إلى الإنجيل فصنع فيه مثل ذلك، وذهب به إلى سوق النصارى فاشتروها منه، ولم يترددوا في ذلك، وباشروا قراءتها، والعمل بها، ثم عمد إلى القرآن، فقدم وأخر بشيء يسير لا يكاد يطلع عليه إلا الفرد من الناس، ثم ذهب به إلى سوق الوراقين بين المسلمين، وعرض النسخ عليهم، فكل من رأى نسخة رماها في وجهه، وقال: إنه محرف، فعلمت أن الدين حق، وأن هذا الكتاب محفوظ فأسلمت، فتعجب يحيى بن أكثم، فلما حج اجتمع بسفيان بن عيينة وذكر له القصة، يقول هذا الكلام موجود في كتابه، قال في كتب من قبلهم {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ} [(44) سورة المائدة] يعني وكل الحفظ إليهم فلم يحفظوا، وكتابنا تولى الله حفظه فتم ذلك، لا يستطيع أحد أن يزيد أو ينقص من القرآن شيئا، يكتشف فوراً، في مراجعات طباعة المصحف- وهذا من حفظ الله -جل وعلا- لدينه وحفظه لكتابه- قالوا: في المراجعة رقم مائة وأربعين وجدوا أن شكل الضمتين أحياناً أو الفتحتين يختلف وضعها من حرف إلى آخر، فوجد شكل مخالف لنظائره في المراجعة رقم مائة وأربعين، وهذا من تمام حفظ الله -جل وعلا- لكتابه، والعين تنفر من رؤية المخالف، وعلى كل حال هذا أمر معروف ومقرر، والقرآن مصون من الزيادة والنقصان بإجماع الأمة.

بعضهم يقول: إن من حفظ القرآن حفظ السنة؛ ولذا أنكر أن يكون في السنة شيء موضوع مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن هذا يرده الواقع؛ فالمبتدعة والزنادقة الذين يريدون إفساد الدين والمتعصبة للمذاهب، والمتكسبة والمرتزقة وجهال بعض العباد والمتصوفة وقع منهم الوضع في الحديث النبوي.

وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في اختصار علوم الحديث أن بعض المتكلمين قال: إنه لا يوجد موضوع في السنة، واستدل بالآية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، ما دام الأمر كذلك فالحكم واحد في القرآن والسنة، قال: لا يوجد حديث موضوع، فانبرى له شخص، ويقال: إنه صبي -والله أعلم بحقيقة هذه القصة-، فقال له: ما رأيك في حديث: ((سيكذب علي))؟ ماذا يكون الجواب؟ هو يريد أن يقول: صحيح أو مكذوب؟ الرد حاصل حاصل، سواء صحح أو أبطل، سواء حكم عليه بالصحة أو حكم عليه بالوضع، فإن قال: صحيح، كيف يرد؟ الرسول يقول: سيكذب علي؟ وأنت تقول: لا يمكن يكذب عليه، وإن قال: باطل، يقول: هاه الآن كذب عليه.

ولا شك أن هذا من الأجوبة المسكتة، وبعضهم يشكك في حصول مثل هذا، لكن مثل هذا يمكن أن يذكر في هذا المجال، ولو لم يثبت، ما المانع؟ يعني أن تفترض أن شخصا قال هذا الكلام، فأجيب عليه بمثل هذا الجواب، ويمكن أن يقع، وإلا فمن أهل العلم من شكك في مثل هذه القصة.

وأنا أقول: إن الذي لا يعنى بنوع من أنواع العلوم، لا تكون له به أدنى عناية يحصل منه مثل هذا، فهذا المتكلم الذي نسبت إليه هذه القصة لا عناية له بالسنة، ولا يدري ما السنة، كما إنه وجد من لا يعرف معنى الموضوع ممن ينتسب للعلم في بعض فروعه، أنكر على الحافظ العراقي رحمه الله أن يكون حديثًا موضوعًا؛ لأنه سئل عن حديث فقال: لا أصل له، هذا حديث مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فانبرى له شخص من العجم وقال: كيف تقول مكذوب وهو موجود في كتب السنة بالإسناد؟ فقال: احضره فأحضره من موضوعات ابن الجوزي، يحصل مثل هذا بسبب الغفلة والجهل المركب؛ ولذا ينبغي أن يكون طالب العلم عنده نوع من الشمول والتفنن والأخذ من كل علم يخدم نصوص الوحيين بكفايته.

قبيح بطالب القرآن أن لا يعرف السنة ولا علوم السنة، كما أنه قبيح بطالب السنة أن لا يعرف ما يتعلق بكتاب الله -جل وعلا-، ويحتاج مع ذلك إلى ما يخدم نصوص الوحيين ويعينه على فهمهما.

المقصود أن القرآن كلام الله -جل وعلا-، في قول أهل السنة قاطبة، وهو قول سلف هذه الأمة وأئمتها،

أنه كلام صدر من الله -جل وعلا- بصوت وحرف سمعه جبريل، وسمعه موسى، وسمعه محمد -عليه الصلاة والسلام- ليلة الإسراء.

"منه بدأ وإليه يعود" نطق به -جل وعلا- على الكيفية التي لا نعلمها، والمعتزلة رأيهم في كلام الله -جل وعلا- أنه مخلوق، خلقه في الهوى، أو خلقه في ذات جبريل، أو في ذات محمد -عليه الصلاة والسلام-، وحينما نادى موسى من الشجرة خلق الكلام في الشجرة، فالشجرة هي التي نادت موسى عندهم حقيقة، هي التي نادت موسى وقالت: إني أنا ربك، وحينئذٍ لا فرق بين قول الشجرة: أنا ربك، وبين قول فرعون: "أنا ربكم الأعلى" لا فرق؛ لأن المعتزلي يمكن أن يقول: كلام فرعون صحيح "أنا ربكم الأعلى" لأن الله -جل وعلا- خلق فيه هذا الكلام، ما المانع أن يقال مثل هذا؟ فقول المعتزلة وهو القول بخلق القرآن باطل، وكفر جمع من الأئمة من يقول به؛ لأنه يلزم عليه إبطال الشرائع.

والأشاعرة يقولون بالكلام النفسي، وأن كلام الله -جل وعلا- واحد تكلم في الأزل، ولا يتكلم بعد ذلك، والمعتمد عند أهل السنة أن كلام الله -جل وعلا- قديم النوع، متجدد حادث الآحاد، فهو معلق بالمشيئة، يتكلم متى شاء وإذا شاء وكيف شاء.

وأقول في القرآن ما جاءت بـه

 

آياتـه.............................

وما جاء في الآيات عند الأشعرية عبارة عن كلام الله -جل وعلا-، وليس هو كلام الله حقيقة، وإنما كلامه ما في نفسه -جل وعلا-، ويوافقهم الماتريدية إلا أنهم يقولون: حكاية عن كلام الله -جل وعلا-، نسمع في كلام بعض العلماء وطلاب العلم في مؤلفاتهم أو في كلامهم ومواعظهم يقولون: قال الله -جل وعلا- حكاية عن فرعون، أو قال -جل وعلا- حكاية عن كذا، فهل هذا فيه تأثر بمذهب الماتريدية والأشاعرة؟ هو نسب القول إلى الله -جل وعلا-، المبتدع يقول: حكاية عن كلام الله، وهذا يقول: هو كلام الله يحكيه على لسان فلان، إذا نظرنا في أصل المسألة وجدنا أنه لا إشكال فيها إلا من جهة المشابهة في اللفظ، أولئك يقولون: حكاية عن كلام الله، وهؤلاء يقولون: حكاية عن كذا، فلفظ الحكاية ينبغي أن يتقى؛ لأنه يوقع في لبس، ويظن بالقائل أنه يوافق المبتدعة، وفرق بين شخص عرف عنه أنه على مذهب أهل السنة والجماعة، فيقبل منه هذا الكلام؛ لأنه لا يظن به أنه يعتقد قول المبتدعة، ويمكن حمل كلامه على وجه صحيح، بينما لو كان الشخص من المبتدعة، من الماتريدية أو الأشعرية قلنا: لا يا أخي،  لا تقل مثل هذا الكلام.

أقول: ونظير ذلك بعض الشراح أو أكثر الشراح حينما يأتون إلى قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((والذي نفسي بيده)) يقولون: روحي في تصرفه، إذا كان هذا الشارح ممن ينفي الصفات عن الله -جل وعلا- بما في ذلك اليد، قلنا: كلامك باطل؛ لأنك قلت مثل الكلام للفرار عن إثبات اليد لله -جل وعلا-، وإذا كان عرف بأنه يثبت اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وقال معنى: ((والذي نفسي بيده)) روحي في تصرفه كلام صحيح، لاتوجد روح ليست في تصرف الله -جل وعلا-، لكن إن كان قال ذلك متذرعاً هارباً عن إثبات الصفة لله -جل وعلا-، فلا شك أن مثل هذا يرد عليه، وعلى كل حال النص في إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما لا يليق بجلاله وعظمته ولازمه معروف.

وأقول في القرآن ما جاءت بـه

 

آياتـه فهو القديم المنزلُ

في بعض النسخ: (الكريم) وفي بعضها: (العظيم) ولا شك أن القرآن كريم، كما دل على ذلك القرآن، وعظيم أيضاً، أما القديم فلفظ أنكره شيخ الإسلام، قد يثبته على سبيل التنزل في الرد على بعض الخصوم مقروناً بالأزلي، القديم الأزلي، يعني المتناهي في القدم، وإلا فلفظ القديم المفرد بدون الوصف بكونه أزلي لم يرد في نص يعتمد عليه، وهو أيضاً لا يدل على التناهي والأولية، الله -جل وعلا- هو الأول فليس قبله شيء، ولا يقال: قديم؛لأن الحداثة والقدم أمور نسبية، فلو قدر أنك اشتريت آلة من الآلات إما سيارة وإما قلم أو نعل، أو ثوب، اشتريته العام الماضي، وفي هذه السنة اشتريت آخر فتأمر ولدك فتقول: ائتني بالقلم القديم، أو ائتني بالقلم الجديد، ما اشتريته في العام الماضي هو القديم، وما اشتريته في هذه السنة هو الجديد، فهل مثل هذا يمكن أن ينسب للرب، أو ما يتعلق به من كلامه بمثله؟ لا يمكن؛ لأنه قدم نسبي، قد يوجد ما هو أقدم منه، إنما هو قديم بالنسبة لما حصل بعده.

"فهو القديم المنزل" على نبيه -عليه الصلاة والسلام-.

وأقول: قال الله جل جلاله

 

والمصطفى الهادي ولا أتأولُ

يعني: أعتقد ما جاء عن الله -جل وعلا-، وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام- مما يتعلق بالله -جل وعلا- من أسماء أو صفات أو أفعال على ما يليق بجلاله وعظمته، فلا أتأول، يعني أعتقد ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- ولا أتأول ذلك، بل أُمرِّه كما جاء على ما سيأتي {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طـه]، فلا أتأول، بمعنى:أترك التأويل، والتأويل عند المتأخرين هو ترك  الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، وقد يطلق التأويل على التفسير، وهذا كثير في كلام أهل العلم، وفي تفسير الطبري من أوله إلى آخره: القول في تأويل قول الله -جل وعز- كذا، في تأويل: يعني في تفسير؛ فالتأويل يطلق ويراد به صرف اللفظ عن احتمال الراجح إلى احتمال المرجوح، وهذا ما عليه أهل الكلام، والتأويل على القول الثاني هو التفسير، يطلق بإزاء التفسير، ويطلق بإزاء ما يؤول إليه الأمر، ومنه تأويل الرؤيا.

وأقول: قال الله جل جلاله

 

والمصطفى الهادي ولا أتأولُ

في بعض النسخ: (للمصطفى) أقول ما قال الله -جل وعلا- للمصطفى، يعني ما أنزله على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، سواء كان من الوحي المتلو بألفاظه وحروفه، أو كان مما حدث به -عليه الصلاة والسلام-.

"ولا أتأول ** وجميع آيات الصفات أمرها" سواء كانت الصفات ذاتية أو فعلية على ما يليق بجلال الله وعظمته، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، يثبتون ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- على ما يليق بجلاله وعظمته، فلا يشبهونه بخلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] ولا ينفون عنه ما أثبته لنفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال؛ لأن الله -جل وعلا- يقول بعد النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أثبت  {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى] فيجمعون بين نفي ما نفاه الله -جل وعلا- عن نفسه، والنفي غالباً ما يكون مجملاً، ويثبتون ما أثبته لنفسه، والإثبات غالباً ما يكون مفصلاً.

وجميع آيات الصفات أمرها
ج

 

...................................

والمبتدعة منهم من ينفي الأسماء والصفات، وهؤلاء هم الجهمية، ومنهم من يثبت الأسماء وينفي جميع الصفات، وهؤلاء هم المعتزلة، ومنهم من يثبت الأسماء ويثبت سبع صفات، وينفي ما عداها كالأشعرية، والمبتدعة وأقوالهم كثيرة جداً لا يتسع المقام لبسطها.

وجميع آيات الصفات أمرها

 

حقاً..............................

أمرها كما جاءت، وجاء عن جمع من سلف هذه الأمة بهذا اللفظ: "أمروها كما جاءت" تمر كما جاءت، "حقاً كما نقل الطراز الأولُ" تمر كما جاءت؛ لأن عندنا التشبيه وهو أن يقال: يد كيد المخلوق، نزول كنزول المخلوق مثلاً هذا تشبيه، وهناك تعطيل بأن يقال: لا يد ولا نزول من غير تأويل، وهناك من يتأول، ومآله إلى التعطيل، الذي يأول اليد بالنعمة مثلاً هو لا يثبت اليد يثبت النعمة، متى تأول الصفة بغيرها فقد عطل الصفة، لكن فرق بين من يعطل عنادًا يقول: لا يد لئلا يشبه المخلوق بالخالق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] والذي يتأول مع أن مآله إلى التعطيل فيقول: اليد جاءت في كلام العرب يراد بها النعمة، لا شك أنه يفر بهذا من إثبات الصفة، ومآله إلى التعطيل، ولم يصل إلى التعطيل حتى مر بقنطرة التشبيه؛ لأنه تخيل أن اليد لا يمكن إثباتها إلا على ما يليق بالمخلوق، مع أن هذا الكلام ليس بصحيح من أصله.

الإمام ابن خزيمة في كتاب (التوحيد) لما ذكر الوجه لله -جل وعلا- {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [(27) سورة الرحمن] قال: وجه يليق بالله -جل وعلا-، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] وإذا تصورنا عدم المشابهة بين المخلوقات، فعدم التشابه بين الخالق والمخلوق من باب أولى.

يقول: المخلوقات لها وجوه: الجمل له وجه، والقرد له وجه، والإنسان له وجه، والنملة لها وجه، والجرادة لها وجه، إذا نظرنا في هذه المخلوقات وجدنا بينها بونا كبيرا، ولا نسبة بين هذه المخلوقات، إلا أنها تشترك في أمور، فإذا نفي التشابه بين هذه المخلوقات فلئن ينفى التشابه بين الخالق والمخلوق من باب أولى؛ لأننا متى نعرف كيفية الشيء؟ نعرفه إذا رأيناه، أو رأينا نظيره، أو جاءنا عنه ما يدل عليه، ولم يحصل شيء من ذلك، فهذه الكيفية التي تخيلها المبتدعة، ومروا بها حتى وصلوا إلى النفي والتعطيل، لا يمكن الوصول إليها، أي علم الكيفية؛ لأن معرفة الكيفية لا تمكن إلا من خلال ثلاثة أشياء: إما رؤية الشيء، ونحن لم نر الله -جل وعلا-، ولن يره أحد حتى يموت، على ما سيأتي في الرؤية، أو نرى نظيره حيث يقول: إن هذا مثل كذا، أو يأتينا عنه بالتفصيل الكيفية ولم يأتِ.

قد يقول قائل: إن حديث الصورة ((فإن الله خلق آدم على صورته)) ما دام على صورة آدم فنحن عندنا ما يمكن أن نحيل إليه، ونعرفه بالنظر إليه، وصورة آدم مثل صورة أولاده؛ لأن الله خلق آدم على صورته، نعم الطول ستون ذراعاً، وأولاده ما زالوا ينقصون إلى أن وصلوا إلى ثلاثة أذرع، أربع أذرع بالكثير، فما دام الله خلق آدم على صورته، والعلماء يختلفون في عود الضمير، هل على صورته يعني على صورة هذا المضروب؟ لأنه نهى عن ضرب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته، يعني على صورة هذا المضروب، أو على صورة الرحمن، كما جاء في بعض الروايات، وهذه يختلف أهل العلم في ثبوتها، وعلى كل حال لو ثبتت ما دلت على التشبيه؛ لأن إثبات الصورة لا يعني إثبات التشبيه من كل وجه، لا يعني إثبات المشابهة من كل وجه؛ فأول زمرة تدخل الجنة على صورة البدر، هل نقول: إن أول زمرة تدخل الجنة تدخل بدون عينين ولا أنف ولا فم، يمكن أن نقول هذا؟ فإثبات الصورة أمر إجمالي لا تفصيلي، وليس في هذا مستمسك لمبتدع، ورواية على صورة الرحمن مسألة مختلف فيها، فالزيادة هذه مختلف فيها، ومن أهل العلم من يثبتها، وعلى سبيل التنزل لو ثبتت كما قال بعض أهل العلم ليس فيها مستمسك لمبتدع.

وجميع آيات الصفات أمرها
ج

 

...................................

أمرها إمراراً، يعني هل إمرار من يثبت الصفات لآيات الصفات وأحاديث الصفات كإمرار الكلام الذي لا معنى له؛ لأن هناك شيئا يقال له: التفويض، وآيات الصفات: جاء عن سلف هذه الأمة أنها تمر كما جاءت، لا شك أن آيات الصفات وأحاديث الصفات يعني نصوص الصفات لها معاني، فالاستواء له معنى، اليد لها معنى، الرجل لها معنى، النزول له معنى، والمعنى معلوم، لكن كيفية هذا المعنى مجهولة، ففرق بين الإمرار كما جاء في الوارد من كلام السلف، وبين تفويض المفوضة؛ فالتفويض لا شك أنه بدعة، وبعض الناس يلتبس عليه الأمر، ما دام نمرها كما جاءت معنى ذلك أننا لا نفهم لها معنى؟، المعنى معلوم ، والكيف مجهول، فالذي نفوضه الكيفية، والمعنى نعرفه، في لغة العرب ما يدل عليه، لكن مع ذلك لا نسترسل في بيان هذا المعنى،

بل نقتصر على ما ورد عن سلف هذه الأمة، يعني فرق بين أن تقول: اليد معروفة المعنى، عندك مثلاً شخص ما رأيته اسمه: زيد، هل تقول: إن هذه الكلمة ما أعرفها لأني ما رأيت زيدًا؟! نعم تعرف هذه الكلمة، زيد علم على شخص مأخوذ من الزيادة، وما أشبه ذلك، له معنى، لكن دلالة الاسم على المسمى هل يمكن أن تتصور أن طوله زائد من اسمه وأنت ما رأيته؟ أو عرضه زائد أو وزنه زائد؟ أنت تعرف أن لها معنى، لكن كيفية هذا المعنى المطابق لهذا الشخص ما تعرف، يعني فرق بين زيد وديز عكس زيد.

المفوضة يقولون: ينزل ربنا مثل ديز، ما نعرف لها معنى، كأنها ديز عكس زيد، ديز ما لها معنى، لكن زيد لها معنى، تطبيق هذه الكلمة على الذات الله أعلم بها، لأننا ما رأينا زيدًا الذي يتحدث عنه، نعرف أن زيدًا مأخوذ من الزيادة، ومأخوذ من كذا، لكن تطبيق الاسم على المسمى نجهله؛ لأنا ما رأيناه، ولا قيل: إنه مثل عمرو الذي يسكن عندكم، حتى نقارب بلونه وطوله وعرضه، ننسبه إلى نظيره، لأنا جاءتنا كتابات مسحوبة من الانترنت عن شخص يقرر مذهب التفويض، معتمداً على ما جاء عن الأئمة في مثل هذا الكلام، أمروها كما جاءت، نقول: لا يا أخي التفويض بدعة، لكن الإيغال في المعنى أيضاً يدخلك إلى البحث عن الكيفية وهذا بدعة أيضاً، اعرف من الكلمة ما جاء عن سلف هذه الأمة، ولا تزد على ذلك، المعنى معلوم، والكيف مجهول، والله المستعان.

وجميع آيات الصفات أمرها

 

حقاً..............................

{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} [(32) سورة يونس] يعني نعتقد ما اعتقده خيار هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

"كما نقل الطراز الأول" قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، سمعنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول عن الله -جل وعلا-: ((إن الله ينزل)) كما سيأتي، و(ن الله يبسط يده)) وكما قال الله -جل وعلا- {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [(64) سورة المائدة] لا نتعدى القرآن والحديث.

"كما نقل الطراز الأول" الرعيل الأول، خيار هذه الأمة ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم)) الطراز الأول الذين هم الجيل الأول، والرعيل الأول من الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة وأئمتها، والطراز الأصل فيه النقوش والتطريز الذي يكون على الثياب؛ لأنها زينة، ولا شك أن سلف هذه الأمة زينة لهذه الأمة، كما أن النجوم زينة للسماء.

وأرد عهدتها إلى نقالها
 

 

وأصونها عن كل ما يتخيلُ
ج

بلغني عن الثقات أن الله ينزل كل ليلة، فالعهدة على هؤلاء الثقات، هناك موازين لقبول الروايات والمرويات، عليَّ أن أطبق هذه الموازين، فإذا ثبتت هذه المرويات لثقة نقلتها العهدة عليهم؛ لأنه قد يكون القائل: الراوي ثقة لكن ليس بمعصوم، نقول: نعم ليس بمعصوم، ولو افترضنا مثل هذا الكلام ما قبلنا خبرا ألبتة، لكن ما دام ثقة فقبول خبره لازم، ما لم يعارض بما هو أوثق منه، والعهدة عليه، إن أخطأ يتحمل، ولا يتفق الرواة في مثل هذا الباب على خطأ، لاسيَّما في مثل هذه الأمور التي يتعبد بها الناس كلهم.

"وأرد عهدتها" يعني أبرأ من مسئوليتها وعهدتها؛ لأنني اتَّقيت، جعلت هناك وقاية بيني وبين الخطأ، جعلت بيني وبين الخطأ أو الافتراء أو التوهم وقاية، العمدة على هؤلاء الرواة الثقات الذين قبل الأئمة مروياتهم.

وأرد عهدتها إلى نقالها
 
ج

 

وأصونها عن كل ما يتخيلُ
ج

فالله -جل وعلا- لا  تدركه الأفهام، ولا تبلغه الأوهام، بل قرر جمع أهل العلم أن كل شيء تتخيله عما غاب عنك فهو على النقيض؛ لأنه لا يمكن أن تدرك شيئاً بالنسبة للمخلوقين، سمعت كلامًا بشريط مثلاً وتوقعت من هذا الكلام، ومن هذا الصوت أن هذا المتكلم لونه أبيض وقامته طويلة وجسمه كذا أو العكس، الواقع خيب هذه الأوهام باطراد، فأنت تتوقع أن هذا الشخص الذي يتكلم طوله كذا، وعرضه كذا من خلال سماع كلامه، ثم بعد ذلك إذا رأيته لم تجد شيئا مما توقعته.

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

 أنا أقول: قد يصيب، بالنسبة لله -جل وعلا - لا يمكن إطلاقًا، لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، هذا مقرر عند أهل العلم، لكن أقول: إذا كان هذا بالنسبة للمخلوق الذي نوعه وجنسه معروف بالنسبة للمخلوق، يعني الإصابة محتملة، لكن مع ذلك نادرة جداً، من خلال سماع كلام بعض الناس يعني تتوقع شيئًا هو نقيض الواقع، هذا بالنسبة للمخلوق والمخلوق نظيره مشاهد ومرئي فكيف بالخالق؟!

...................................
 
ج

 

وأصونها عن كل ما يتخيلُ
ج

يعني لا تتخيل شيئًا، عليك بما معك، وما لديك من النصوص، وتنتهي عند ما سمعت.

قبحاً لمن نبذ القرآن وراءه

 

وإذا استدل يقول: قال الأخطلُ

"قبحاً" يعني قبح الله من نبذ القرآن وراءه، وتركه وترك الاعتماد عليه والاستدلال به والتعويل عليه.

...................................

 

وإذا استدل يقول: قال الأخطلُ

الأخطل معروف أنه شاعر نصراني فكيف يترك الاستدلال بالكتاب والسنة، ويعتمد على قول نصراني في مسألة تتعلق بالله -جل وعلا-، وكلام النصارى في الكلام  وضلالهم فيه معروف، هذا إن ثبت البيت له:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
 
ج

 

جعل اللسان على الفؤاد دليلا
ج

هذا أولاً لا يوجد في ديوانه ولا في أصوله المعتمدة؛ ولذا نفاه كثير من أهل العلم، نفى النسبة إلى الأخطل، ولو ثبتت نسبته إلى الأخطل فمثل هذا لا يقبل من ألف ثقة، فضلاً عن شاعر، فضلاً عن كافر نصراني، قول النصارى في الكلام معروف، وعيسى كلمة الله - جل وعلا - جعلوها جزءاً منه، وبضعة منه، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

قبحاً لمن نبذ القرآن وراءه

 

وإذا استدل يقول: قال الأخطلُ

وشيخ الإسلام يُشنع على من يترك الاستدلال بالكتاب والسنة، ويستدل بمثل هذا القول الباطل.

وشيخ الإسلام ذكر هذا البيت في مجموع الفتاوى، ونسبه إلى مبهم، قال المنشد:

"قبحاً لمن نبذ القرآن" ما نسبه لنفسه ولا نسبه إلى شاعر غيره، فما زال الاحتمال قائماً أن يكون هذا البيت ضمن هذه القصيدة، وهي له أو ليست له، الاحتمال قائم.

يقول ابن القيم -رحمه الله-:

تباً لهاتيك العقول فإنها
تباً لمن أضحى يقدمها على
 

 

والله قد مسخت على الأبدان
الأخبار والآثار والقرآن

والناظم -رحمه الله تعالى-:

قبحاً لمن نبذ القرآن وراءه

 

وإذا استدل يقول: قال الأخطلُ

هذا في المسائل الأصلية يعتمد على قول نصراني أو مجهول لا يدرى من هو، أو مولد لا يستدل بشعره، وكثير من المنتسبين إلى المذاهب تجده يعارض القرآن بقول الإمام، ومنهم من جعل الكتاب والسنة لمجرد البركة، والمعول على أقوال الأئمة، وأنه لا يجوز العدول عن أقوال الأئمة ولو خالفت القرآن بالنص، بالحرف يقول الصاوي في حاشيته على الجلالين: "ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة، ولو خالفت الكتاب والسنة وقول الصحابي" ثم قال: "لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر" نسأل الله العافية.

والمؤمنون يرون حقاً ربهم

 


وإلى السماء بغير كيف ينزلُ

الناظم -رحمه الله تعالى- يقرر في هذا البيت الرؤية، رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، ويقرر أيضاً النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، فالرؤية ثابتة بنصوص الكتاب والسنة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [(22-23) سورة القيامة] والنظر إذا عدي بـ(إلى) صار حقيقة في الرؤية البصرية {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [(15) سورة المطففين] عذبوا بالحجاب؛ لأنهم كفار، فمقابلهم من المؤمنين يرون، فإذا كان عذابهم بحجابهم عن الله -جل وعلا- فنعيم أهل الجنة برؤيته تبارك وتعالى {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [(26) سورة يونس] جاء تفسيرها بالنظر إلى الرب -جل وعلا- ((إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون)) جاء في رواية: ((ترونه كما ترون الشمس ضحوا ليس دونها سحاب)) وفي رواية: ((صحواً)) فالرؤية ثابتة يراه المؤمنين في الجنة، وهذا أعظم نعيم يتنعم به أهل الجنة.

وأطلق جمع من أهل العلم تكفير من ينفي الرؤية؛ لأنها ثابتة بالنصوص القطعية من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- وأنكرها الجهمية والمعتزلة والرافضة والخوارج من الإباضية وغيرهم، أنكروا الرؤية، وقالوا: إن الرؤية تستلزم الجهة، والله -جل وعلا- ليس في جهة، لكن المقرر عند أهل السنة والجماعة أنه في جهة العلو، ليس فوقه شيء، فإثبات الجهة ونفيها مما لم يخض فيه السلف، ولم يرد به نص، فإذا أطلقت الجهة نفيًا أو إثباتاً، لا بد من الاستفصال، فمن أثبتها مريداً بها جهة العلو فحق، وإن أريد بها جهة ثانية غير العلو فلا، ومن نفاها مريداً بها نفي سائر الجهات غير العلو فكلامه صحيح، وإن أراد بنفي الجهة  نفي العلو لله -جل وعلا- على خلقه فكلامه باطل، فالله -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، فوق سبع سماوات، وأدلة العلو أكثر من أن تحصر

والمؤمنون يرون حقاً ربهم

 


...................................

المبتدعة اعتمدوا في نفي الرؤية على أنها تستلزم الجهة، وبقول الله -جل وعلا- لموسى: {لَن تَرَانِي} [(143) سورة الأعراف] وقالوا: إن (لن) هذه للتأبيد، يعني لن تراني أبداً، والرد عليهم من وجوه:

أولا: أن (لن) لا تقتضي التأبيد.

الأمر الثاني: أنه علق الرؤية على أمر ممكن، {وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [(143) سورة الأعراف] علق الرؤية على أمر ممكن وليست مستحيلة كما يقولون، ولو كانت مستحيلة لما طلبها موسى -عليه الصلاة والسلام-، فهي ممكنة، لكن {لَن تَرَانِي} في الدنيا، وجاء في الحديث أنه: ((لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت)) فالرؤية في الدنيا غير ممكنة، ولن هذه ليست للتأبيد كما يقول المعتزلة، ويقرره الزمخشري.

ففي قوله -جل وعلا- {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [(95) سورة البقرة] مع قوله: {فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ} [(94) سورة البقرة] ومع قوله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [(77) سورة الزخرف] تمنوه، فـ(لن) ما دلت على التأبيد، فدل على أن (لن) لا تقتضي التأبيد، وابن مالك -رحمه الله تعالى- يقول:

ومن رأى النفي بـ(لن) مؤبداً  

 


فقوله انبذ وسواه فاعضدا

قد يقول قائل: ماذا عن قول الله -جل وعلا-: {لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا} [(73) سورة الحـج]؟ إذا كانت (لن) ليست للتأبيد فبالإمكان أن هؤلاء الذين صنعوا ما صنعوا من الطائرات والغواصات وغيرها يصنعون ذباب؛ لأن (لن) ليست للتأبيد؟ نقول: دلت الأدلة الأخرى أنهم لن يخلقوا مخلوقًا من مخلوقات الله -جل وعلا- لن يوجدوا مثله، والتمثيل المذكور في آخر سورة الحج يدل على أنهم أحقر من أن يخلقوا لو سلبهم شيئًا ما استطاعوا أن يستخرجوه منه {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} [(73) سورة الحـج] لن يستطيعوا، ولذلك يقول أهل العلم من الأطباء: إن في لعابه مادة تتلف ما سلبه مباشرة، هذا المخلوق الضئيل الحقير لو اجتمعت أمة الثقلين على أن تستخرج من الذباب ما سلبه ما استطاعوا، فكيف يستطيعون أن يخلقوا مثله؟! هو أعظم من أن يخلقوا مثله.

فرؤية المؤمنين لربهم في الجنة ثابتة بالدلائل القطعية من الكتاب والسنة، وأما بالنسبة لرؤيته في الدنيا فلا، فلن يراه أحد حتى يموت، والخلاف في النبي -عليه الصلاة والسلام- هل رأى ربه في الإسراء بين الصحابة معروف.

وأجاب -عليه الصلاة والسلام- لما سئل، قال: ((نور أنى أراه؟)) يعني كيف؟ استبعاد؛ لأن تركيب البشرية في حال الدنيا لا تطيق مثل هذا.

ولذا قال جاء في الخبر الصحيح: ((حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه من انتهى إليه بصره)) فكيف يثبت مخلوق لرؤية البارئ في هذه الدنيا بتركيبه الدنيوي، لا يمكن.

رؤية الرب -جل وعلا- عرفنا أنه في اليقظة لا يمكن، ومن أهل العلم كابن عباس وغيره من أثبتوا رؤية الرب ليلة الإسراء من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن المرجح عند أهل السنة أنه لم يره.

ورؤية الرب -جل وعلا- في المنام، في حديث اختصام الملأ الأعلى ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه، وهناك أيضاً حوادث وقصص للصحابة، ومن تبعهم بإحسان ذكروا أنهم رأوه.

على كل حال في حال اليقظة لا يمكن أن يراه أحد حتى يموت، فإذا دخل الجنة وهو من أهل الإيمان رآه -إن شاء الله تعالى-، وأما في حال الدنيا فلا، وبالنسبة لما حصل في الرؤية والمنام، فالإمكان حاصل.

والمؤمنون يرون حقاً ربهم

 


...................................

حقاً صدقاً اعتقاداً جازماً؛ لأن ذلك ثبت بالنصوص القطعية وحكم جمع من أهل العلم بكفر من ينفي الرؤية.

...................................

 


وإلى السماء بغير كيف ينزلُ

ينزل إلى السماء الدنيا على كيفية يعلمها الله -جل وعلا-، وتخفى علينا، وحديث النزول متواتر عند أهل العلم: ((ينزل ربنا في الثلث الأخير)) في بعض الروايات: ((النصف)) وفي بعضها: ((الثلث الأول)).

وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- بسط الكلام على هذا الحديث في كتاب متوسط، يعني مطبوع ليس بمجلد وليس برسالة صغيرة، يعني في حدود مائة صفحة أو أكثر، شرح فيه حديث النزول، وأجاب عن الإشكالات التي أوردت عليه.

الله -جل وعلا- ينزل إلى السماء الدنيا على كيفية الله أعلم بها نزولاً حقيقياً، ولا يخل منه العرش في قول أكثر أهل السنة، وإن قال بعضهم: إنه يخلو منه العرش حال النزول، لكن الأكثر أنه لا يخلو منه العرش، والمبتدعة يقولون: هذا لا يمكن، لماذا؟ لأنهم تصوروا النزول الإلهي كأنه كنزول البشر، يلزم عليه ما يلزم على نزول البشر، وهذا الكلام ليس بصحيح، إذا وجد بعض ما يحير العقل بالنسبة لبعض المخلوقات فكيف بما يتعلق بالخالق؟ بعض العقول تحتار عن بعض الأمور المنسوبة إلى المخلوق، الشمس تجري في فلكها إذا غابت عن بلد وجدت في بلد آخر، ومع ذلك تسجد تحت العرش في آخر كل ليلة، وتستأذن، هل عقولنا تدرك مثل هذا؟ لا تدرك، وقَدَمُ الإسلام كما يقرر أهل العلم لا تثبت إلى على قنطرة التسليم، ما لنا في مثل هذه المقامات إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا.

فالنزول الإلهي على ما يليق بجلال الله وعظمته، وأورد أيضاً على الحديث أن ثلث الليل متفاوت من بلد إلى آخر، فإذا انتهى من بلد بدأ في بلد آخر، إلى ما لا نهاية، فهذا مما أورد على الحديث، وجوابه في شرح حديث النزول لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأن الإنسان عليه أن يتعامل مع نصوص الشرع حسبما يليق به هو، أنت في الثلث الأخير تعرض لنفحات الله، وما عليك من أهل السند وأهل الهند وأهل المغرب، ما عليك إلا من نفسك، أنت أمرت في هذا أمر ترغيب، أمرت في هذا الوقت أن تتعرض لنفحات الله، الله -جل وعلا- يقول: هل من سائل؟ هل من داع؟ هل من مستغفر؟ أنت تعرض ولا عليك من غيرك، في هذا الوقت المحدد لك، ولا شك أن مثل هذا لو بحث الإنسان فيه، واستغرق في بحثه سنخرج بنتيجة، ولا بد من الوقوف عند مثل هذه النصوص، شيخ الإسلام له كلام طويل في هذا جلى فيه كثير من الشبهة الواردة على الحديث.

...................................

 


وإلى السماء بغير كيف ينزلُ

ابن بطوطة صاحب الرحلة المشهورة ذكر في رحلته أنه دخل دمشق، وذهب إلى الجامع الأموي، ووجد شخصًا كثير العلم، قليل العقل، يتحدث عن حديث النزول، يشرح حديث النزول على المنبر، ثم نزل من خلال درج المنبر، وقال: إن الله ينزل كنزولي، وسماه، يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذه محض فرية؛ لأن شيخ الإسلام في الوقت الذي دخل فيه ابن بطوطة الشام مسجون في القلعة، فابن بطوطة لا يوثق به، لا بأخباره ولا بعلمه ولا برحلته ولا بوصفه؛ لأن هذه الرحلة مشحونة بالشركيات والاعتقاد في الأولياء، وأنهم يصرفون الكون،  لا يمر ببلد إلا يبحث عن القبور، ويذكر له قبر في رأس جبل فيقصده أياما من أجل أن يتبرك به، ويدعوا، وزعم في بعض الأولياء أنهم يصرفون الكون.

وأقول: من أراد أن يطلع أو يفهم كتاب التوحيد، وما يضاد ما في هذه الأبواب في كتاب التوحيد يقرأ مثل هذه الرحلة، يجد الأمثلة لما يضاد هذه الأبواب، والله المستعان، نسأل الله السلامة والعافية، فمثل هذا لا يوثق به ولا بكلامه، علماً بأن الشيخ -رحمه الله تعالى-، ما عرف عنه مثل هذا، وهو من أشد الناس تنزيهًا لله -جل وعلا-، ومع ذلك يثبت ما أثبته الله لنفسه، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
يقول: رجل دخل المسجد بعد أذان الفجر فهل الأفضل أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يصلي ركعتي سنة الفجر، أم الأفضل أن يصلي ركعتين بنيتين، نية تحية المسجد ونية سنة الفجر؟

يصلي ركعتين فقط، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر فيصلي بنية راتبة الصبح، وتدخل فيها تحية المسجد؛ لأن تحية المسجد تدخل بأي صلاة، والنزاع فيمن أراد أن يوتر بواحدة فدخل المسجد بعد العشاء، هل تكفي عن الركعتين تحية المسجد أو لا تكفي؟ وأما ما عدا ذلك ركعتان فأكثر يكفي.

يقول: ما أفضل الشروح لعمدة الأحكام وبلوغ المرام؟

أفضل الشروح لعمدة الأحكام ابن دقيق العيد لا ينافس، لكنه كتاب صعب، يعني من استطاع أن يفهم أحكام الأحكام لابن دقيق العيد فلن يقف في وجهه عبارة لأهل العلم إلا أن تكون مصحفة، فالكلام المصحف لا حيلة فيه؛ لأن الكتاب متين جدًّا، فإذا فهمه طالب العلم سهل عليه القراءة في الشروح كلها، شرح ابن الملقن: (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام) كتاب مبسوط ومطول، ونافع وفيه فوائد، والذي تخصصه غير شرعي، أو حصيلته من مبادئ العلوم التي تعينه على فهم النصوص ليست كافية، وأراد أن يقرأ في شرح الشيخ عبد الله البسام (تيسير الأعلام) لأنه سهل يفهمه آحاد طلاب العلم فينفعه -إن شاء الله تعالى-، وهناك حاشية مختصرة ومباركة للشيخ فيصل بن مبارك اسمها: (خلاصة الكلام) هذا بالنسبة لعمدة الأحكام، وهي مشروحة من قبل العلماء والمشايخ المعاصرين، منها ما طبع، ومنها ما هو على أشرطة، يستفاد منها.
بلوغ المرام: شروحه كثيرة منها: (البدر التمام) للقاضي الحسين بن محمد المغربي، هذا اسمه (البدر التمام) وهو مطبوع، طبع أخيراً، ومختصره (سبل السلام) وهو أنفع من الأصل، المختصر أنفع من الأصل وأشهر، وهناك أيضاً شرح للشيخ عبد الله البسام أيضاً شرح طيب يستفاد منه، لا سيما في فتاوى المعاصرين كهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة والمجامع العلمية، ذكرها الشيخ -رحمه الله- فيستفاد منه، فإذا ضم شرح الشيخ البسام مع سبل السلام مع شروح المشايخ المعاصرين في الأشرطة يستفيد طالب العلم -إن شاء الله-.

يقول: هل يشترط في صلاة الاثنتي عشرة ركعة في اليوم والليل أن تكون السنن الرواتب؟

نعم، هذا ما قرره أهل العلم، المراد بها السنن الرواتب، اثنتا عشرة ركعة، والفرائض سبع عشرة، والوتر إحدى عشرة، المجموع أربعون ركعة، وابن القيم يقول: لن يخيب من طرق الباب أربعين مرة.

يقول: ما أفضل طبعة لشرح ابن دقيق العيد على العمدة، ولكتاب المنتقى للمجد؟ وهل الأفضل اقتناء كتاب البدر المنير لابن الملقن أو تحفة المحتاج له أو التلخيص لابن حجر لمن لا يستطيع جمعها؟

أفضل طبعة لشرح ابن دقيق طبعة الشيخ أحمد شاكر وحامد الفقي في مطبعة أنصار السنة في مجلدين، والطبعة التي عليها حاشية الصنعاني أيضًا طيبة، أما الطبعة المنيرية ففيها أخطاء.
كتاب المنتقى طبعة الشيخ حامد الفقي نفيسة، وعليها تعليقات جيدة للشيخ حامد، وطبعة الشيخ طارق عوض الله أيضاً معتن بها، لكنها لا تغني عن طبعة الشيخ حامد.

أنا طالب علم يزين لي الشيطان أنني لا أصلح لطلب العلم لضعف حافظتي، حيث إنني لم أحفظ القرآن، ومكثت يوماً من الأيام أحفظ حديث حمران مولى عثمان أكثر من ساعة، أفيدوني مأجورين؟

هذا لا شك أنها من أساليب الشيطان لصرفك عن طلب العلم، والذي لا تسعفه الحافظة للحفظ عليه بالفهم، فإذا عمد إلى كتاب صعب العبارة عسر الأسلوب وفهمه، لا أخاله ينتهي منه إلا وقد حصل عنده منه علم عظيم، فالذي لا تسعفه الحافظة ليحفظ عمدة الأحكام يقرأ في شرحه لابن دقيق العيد ويحاول......
تُرجم الكلام.
فإذا قرأ شرح ابن دقيق العيد على العمدة، وفهمه من أوله إلى آخره أنا كفيل بأنه إذا انتهى منه يكون حفظ العمدة وحفظ الشرح، فمثل هذا يمشي بهذه الطريقة، يعمد إلى الكتب الصعبة ويحاول فهمها؛ لأنه إذا فهمها رسخت في ذهنه، ولو لم يقصد حفظها، والجلال -جلال الدين المحلي- حافظته ضعيفة جدًّا جدًّا، وهو من كبار فقهاء الشافعية، يقول: إنه حاول أن يحفظ ورقة من كتاب فارتفعت حرارته، وخرجت الحبوب والبثور في جسمه حتى ترك، ومع ذلك معدود من فقهاء الشافعية الكبار، فالذي يحرم من الحفظ يتجه إلى الفهم، وإذا عجز عن حفظ السنة يعمل في كتب السنة مثل الطريقة التي شرحتها، وأنا كفيل له بأنه إذا انتهى من الجمع بين الكتب الستة بخمس سنوات أن يكون عنده تصور عن هذا العلم تصور كافي.

هل الأفضل اقتناء البدر المنير لابن الملقن أو تحفة المحتاج له؟

هذا لا يغني عن هذا، هذا في شيء وهذا في شيء، البدر المنير لتخريج أحاديث الرافعي الكبير فتح العزيز، والتلخيص الحبير تلخيص للبدر المنير؛ فالبدر المنير لا يستغنى عنه؛ لأنه كتاب مبسوط في التخريج، إلا طالب علم مبتدئ يتشتت إذا قرأ التوسع في مثل هذه الأمور فيقتصر على التلخيص.

هذا يسأل عن حكم زخرفة المساجد؟

جاءت النصوص التي تدل على ذلك، والتحذير من ذلك، وأنها من علامات قرب الساعة، ولا شك أنها داخلة في حيز الإسراف المنهي عنه، والقول بتحريم ذلك قول عامة أهل العلم، وأهل الظاهر يبطلون الصلاة في المسجد المزخرف، وعلى كل حال الجمهور على تحريم ذلك ومنعه؛ لأنه داخل في حيز الإسراف، وجاء في المساجد بخصوصها ما يدل على منع ذلك، والمساجد الآن يقوم على بنايتها وعمارتها أهل الخير والفضل محتسبين في ذلك الأجر من الله -جل وعلا-، ممتثلين حديث: ((من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة أو قصراً في الجنة)) كل هذا هو الحادي إلى عمارة المساجد.
ونجد أهل الخير والفضل يتنافسون في هذا الباب، وهم مأجورون -إن شاء الله تعالى-، وإن كان القائم على العمارة من العوام الذين لم تبلغهم مثل هذه النصوص فهو معذور، لكن الإشكال حينما يشرف على هذه العمارة بعض طلاب العلم، وتخرج على صورة تشغل المصلي عن صلاته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أعطاه أبو جهيم الأنبجانية أو الخميصة وشغلته عن صلاته كادت أن تفتنه عن صلاته، كساء مخطط، ثوب مخطط، فلما سلم قال -عليه الصلاة والسلام-: إنها كادت تفتنه عن صلاته -تشغله عنها-، فاذهبوا بها، وأتوني بأنبجانية أبي جهيم، يعني أعطوني الأقل منها؛ لئلا أنشغل عن صلاتي بسببها، فإذا كان مثل هذا مجرد خطوط في الكساء يشغل أفضل الخلق عن صلاته، المقبل على الله، أتقى الناس وأخشاهم وأعلمهم بالله ينشغل بمثل هذا، ويكاد أن تفتنه، فكيف بما نعيشه مع الغفلة التامة عن حقيقة هذه الصلاة؟! اللهم إلا إذا كنا لا نفرق، يعني وصل بنا الأمر أننا لا نفرق سواء صلينا في مسجد مزخرف أو في خيمة، أو في فضاء لا نفرق بين هذا وهذا، يعني وصلت بنا الغفلة إلى هذا الحد، وهذا الذي أتوقعه، أن الإنسان منشغل عن صلاته سواء صلى في ظلام دامس أو صلى في متحف، لا فرق، وبعض المساجد -مع الأسف- أن من له أدنى نظر بالخط والرسم لا يدرك من صلاته شيء، ولا شك أن هذه فتنة؛ يعني لب الصلاة الخشوع، فإذا فقد الخشوع ماذا يبقى منه؟ يبقى الصورة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة التي كان على ما كان عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، من إقبال على الله -جل وعلا- بكليته، وإخبات، وعدم انشغال بأي شيء عن الصلاة، ومع الأسف أننا ندخل المسجد ونخرج كأننا ما صنعنا شيئًا؛ فعلى الإنسان أن يهتم بنفسه، وبعض الناس إذا أراد أن يجاور في العشر الأواخر من رمضان قرب بيت الله الحرام في أقدس البقاع تجده يبحث عن مسكن، يقول: أنا أريد فندق خمسة نجوم، يعني مزخرف، اللهم إلا إذا كان لا ينوي أن يتعبد في هذا الفندق بمجرد أن ينام ويخرج إلى المسجد مع أن صلاته فيه أفضل من الصلاة في المسجد غير المكتوبة.
فعلى الإنسان أن يبحث على ما يعينه على الإقبال على الله -جل وعلا-، وليس معنى هذا أن الإنسان يقصد الخِرَب التي لا تليق به، وعليه خطر من سكناها، لا، ليس هذا ولا هذا، إنما المقصود التوسط في الأمور كلها، والله المستعان.

ما حكم الدعاء بقول: اللهم اغفر لنا في مقامنا هذا، وفي ساعتنا هذه، ونحو ذلك؟

على كل حال ما يظهر فيه منع؛ لأن الإنسان، الاستعجال المنهي عنه الذي يترتب عليه الترك، أما استعجال المغفرة التي لا يترتب عليها ترك كالدعاء مثل هذا ما يضر -إن شاء الله تعالى-، استعجال النتيجة، استعجال شفاء مثلاً، هو في مرض، وينتج عنه آلام مقلقة له لا مانع أن يستعجل في دعائه على أن لا يستحسر ويترك إذا لم يحصل له الشفاء، فالاستعجال الممنوع الذي يترتب عليه الترك.

يقول هنا: نجد في حالة السفر خصوصاً في وقت المغرب، ونحن قد أنهينا صلاة المغرب إذ يأتي جماعة أخرى وتقيم لصلاة المغرب

يقول هنا: نجد في حالة السفر خصوصاً في وقت المغرب، ونحن قد أنهينا صلاة المغرب إذ يأتي جماعة أخرى وتقيم لصلاة المغرب، وجماعتنا تريد صلاة العشاء، فهل هنا تعارض لو أقمنا جماعتين في المسجد، أو ننتظر حتى تنتهي الجماعة من صلاة المغرب، ونقيم للعشاء، أو ندخل مع الجماعة وننتظر الإمام في الركعة الثانية حتى يسلم ونسلم معه، أو ننتظر حتى تفوتنا ركعة من المغرب، وندخل معهم بنية العشاء؟ أفيدونا مأجورين.
أقول: في مثل هذه الصورة لا يجوز إقامة جماعتين في آن واحد، فإما أن تنتظروا أو تدخلوا معهم، وتتموا العشاء، فإذا سلموا من ثلاث تأتوا بالرابعة.

يقول: هل يُبدأ بالبخاري الأصل؟

قبل ذلك أفضل طبعات الكتب الستة لمن أراد حفظها، هذه كررت مراراً، وفيها أشرطة، فيها وفي شروحها، فلتراجع.

ما شاء الله، ما شاء الله، تُرجم السؤال يقول: ما رأيك يا شيخ فيمن يسأل أحد إخوانه بإيضاح المسألة وليس من باب تعجيزه؟

هذا لا إشكال فيه.

يقول: ما حكم تلقي دروس قراءات على يد شيخ قارئ عبر غرف البالتوث، وإلزام الطالبات بالكلام والمناقشة، وإلا الخروج من اللقاء؟

تلقي العلم من خلال هذه الآلات التي نفعها أكثر من ضررها، وضررها إن وجد فهو نزر يسير، ويمكن اتقاؤه، وإلا معروف أن هذه الغرف فيها شر مستطير، لكن بعض الناس يرجح عنده النفع على الضر، ومنهم من قد يستهويه بعض الكلام، أو بعض المناظر وينساق وراءها، فمثل هذا الذي لا يستطيع أن يغلق الباب دونه ودون هذه الشبهات والشهوات مثل هذا لا يتعامل مع هذه الآلات، أما الذي يستطيع أن يأخذ منها ما ينفع، ويذر منها ما لا ينفع بل يضر هذا لا مانع في القراءات وغير القراءات.
أما إلزام الطالبات بالكلام مثل هذا ليس بلازم، فإذا أمكن أن تستمع الطالبة بغير أن تتكلم؛ لأن كلامها فيه فتنة لبعض الناس لمرضى القلوب، يفتتن ببعض كلام النساء، فالأولى ألا تتكلم، إذا طلب الشيخ مثلاً من أجل امتحان هذه الطالبة أن تقرأ عليه شيئاً، أو تبين له حكم من الأحكام بالكلام العادي من غير خضوع في القو ل فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-، بينها وبين الشيخ فقط، إذا أمنت الفتنة.

هل تنصحون بحفظ الكتب الستة لمن حفظ عمدة الأحكام؟

عمدة الأحكام بداية وليست نهاية، يعني يحفظ الأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، ثم بعد ذلك يبدأ بحفظ الكتب المسندة.

هل ورد عن أصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- إذا اجتمعوا أمروا قارئًا أن يقرأ عليهم، يقرئهم وهم يستمعون؟

نعم ثبت عنهم ذلك.

يقول: ذكر في درس البارحة في شرح اللامية لابن تيمية بأن زوجة العالم الأفضل فوق العالم الذي هو الأقل منه منزلة، هي تبعاً لزوجها العالم..

يقول: ذكر في درس البارحة في شرح اللامية لابن تيمية بأن زوجة العالم الأفضل فوق العالم الذي هو الأقل منه منزلة، هي تبعاً لزوجها العالم، فالذي تمتنع عن الزواج رغبة في أن تقترن برجل صالح عالم تريد من ذلك أن تستفيد من علمه، وتصل إلى منزلته في الجنة، فهل تأثم إذا ردت الكفء من الرجال؟
نعم إذا ردت الكفء تأثم، ومن يضمن لها أن يأتي لها من هو أكفأ منه، فإذا جاءها من ترضى دينه وأمانته فلا تتردد في قبوله.

ثم يليه السؤال يقول: هل يبدأ بالبخاري الأصل أو في مسلم أو الترمذي وهكذا؟ أم يبدأ بالجمع بين الصحيحين؟

أولاً: يجعل المحور الذي ينطلق منه صحيح البخاري، وإذا مر بحديث متفق عليه راجعه في مسلم، وضمه إلى ما في البخاري، وإذا كان الحديث مخرج في سنن أبي داود يرجع إليه، وينظر في متنه وإسناده، وكلام المؤلف عليه، ثم ينتقل للحديث الثاني، وهو من مفردات البخاري دون مسلم مثلاً، لكن خرجه بعض أهل السنن، يرجع إليه، فتكون دراسته للكتب الستة في آن واحد، هذه الطريقة نافعة ومجدية ومجربة، ويتفقه في الكتب الستة في آن واحد، إلا أنها تحتاج إلى وقت، وهي مشروحة بالمثال في مناسبات كثيرة.
منهم من يقول: أن نبدأ بالمتفق عليه قبل كل شيء، ثم بعد ذلك ننظر في مفردات البخاري، ثم مفردات مسلم، ثم زوائد أبي داود، ثم زوائد النسائي، ثم زوائد الترمذي، ثم زوائد ابن ماجه، على الطريقة التي يفعلها طلاب العلم الآن في حفظ المتون المجردة عن الأسانيد، والحفظ لا شك أنه هو العلم، لا بد من الحفظ، لكن طالب العلم لا يخل نفسه من الأسانيد، فإذا تأهل وكانت الحافظة تسعف يبدأ بالبخاري، وينطلق منه إلى الكتب الأخرى، وإذا انتهى من البخاري ما يبقى عنده إلى ما يزيده مسلم يراجعه، وقد يوافق عليه أحد من أهل السنن يضيفه إليه، وكل حديث أثناء قراءته ودراسته لصحيح البخاري يراجعه في مسلم، ويشير عليه أنه راجع هذا الحديث مع البخاري، وهكذا إلى أن تنتهي الكتب الستة.

هل لكم شرح للأربعين النووية؟

نعم شرح لكنه ليس بكامل؛ لأنه فُرق على دورات، وكل حديث صار في محاضرة مستقلة، لكن أظنه ما كمل إلى الآن.
*ملاحظة: (كلام الشيخ هذا قديم كان قبل انتهاء الشيخ من شرح الأربعين النووية والآن قد انتهى منها وقد نشر الألبوم الصوتي وفرِّغ أيضًا )

يقول: ما رأيكم بتحقيقات المحدث الألباني -رحمه الله تعالى-؟

أقول: الشيخ -رحمة الله عليه- فوق ما يقال عنه، ولو ذكرنا من مناقبه ما نذكر، ولو طال بنا المقام، ولو أخذنا الوقت والساعات، ما أتينا على شيء مما قام به في نصر السنة، فهو الإمام المجدد لهذه السنة، وما عرفت السنة بهذه الطريقة إلا بواسطته -رحمه الله تعالى-.
طالب:........
نعم؟
طالب:......
على كل حال أمر الرؤيا أوسع من اليقظة.

هذه أسئلة عن فك السحر بالسحر، والاستعانة بالجن المسلمين في علاج المسحور والحسد، والاستفادة منهم في الإخبار في مواضع الجرائم والمنكرات؟

نقول: كل هذا لا يجوز، أما الاستعانة بالجن فمن خصائص سليمان -عليه السلام-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أراد أن يحبس ويوثق الجني ليراه صبيان المدينة تذكر دعوة أخيه سليمان.
الأمر الثاني: أن هذا لا شك أنه يفضي إلى الاستعانة بهم بالصالحين وغيرهم، ثم يستدرج إلى أن يصل إلى حد لا يعان إلا إذا قدم، ثم لا يستطيع الرجوع بعد أن كسب الشهرة، لا يستطيع الرجوع عن وضعه الذي هو فيه إلا بتقديم شيء، ويقع في الشرك وهو لا يشعر، وهم عالم غيبي، أكثرهم فجار، كفار، ولا يُعرف عن أحوالهم شيء، أقل ما يقال فيهم: إنهم مجاهيل، والله المستعان.

يقول: النهي عن ستر الجدران؟

جاءت الآثار في الدلالة على منعه، وأبو الدرداء وسلمان أجابا الدعوة لابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-، ثم لما رأى الستر على الجدران رجعا.

ما رأيكم في الكتب التي ترد على هذه الشبهة؟

أي شبهة؟ على كل حال إذا كانت الشبهة مبثوثة بين آحاد الطلاب وبين العوام، فالرد عليها ضرب من الجهاد، بل من أفضل الجهاد.

هذا يقول: كتاب الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام تأليف: عبد الله بن يوسف الجديع.

الكتاب ما قرأته، لكن معروف أن المزامير حرام في الإسلام، والنصوص فيها كثيرة، والغناء كذلك، لكن قد يلتبس على بعض الناس أن من السلف من اتخذ جارية مغنية، بمعنى أنه اشتراها، وصارت ملك يمين له، فلو مثلت بين يديه عارية يجوز ذلك ما فيه إشكال، ولو غنت بين يديه بألفاظ جيدة مستحسنة، والألفاظ التي تلقيها ليس فيها ممنوع، وهي من محارمه، ملك يمينه، بدون آلة إيش اللي يمنع من هذا؟ فبعض الناس إذا سمع مثل هذا الكلام أن من سلف هذه الأمة من اتخذ جارية مغنية أنها لا بد من آلات، فنقول: لا يلزم آلات، ويقيس على ذلك من يغنين الرجال الآن بثياب أشبه ما تكون بالعري، شتان، هذه عند محرمها، عند سيدها، وتغني بألفاظ لا محظور فيها، نعم تؤديها على وجه يعني مريح للنفس عند من يقول: بأن مثل هذا يريح النفس بدون آلة، فهي ملك يمينه، من محارمه، وليس معها آلة، ومع ذلك تأتي بألفاظ مباحة.
ولا عرف عن أحد من السلف أنه أخرج بنته أو جاريته تغني للناس الأجانب، كما يفعل الآن، لا شك أن هذا تلبيس على الناس من يستدل بهذا على هذا، والآلات معروف حكمها أنها لا تجوز، والنغمات الموسيقية التي نسمعها في بيوت الله -جل وعلا-، وفي أشرف البقاع لا شك أن هذا أمر مؤسف ومحزن، فضلاً عن أن يكون يصدر هذا من طالب علم، نعم قد ينازع بعض الناس في بعض النغمات، فيقول: هذه ليست بموسيقى، أنا لا أطرب من هذا الصوت، نقول: الحكم بيننا وبينك جرس الدواب، الذي جاء منعه، والنهي عنه، في صحيح مسلم وغيره، فإن كانت هذه النغمة مثل جرس الدواب، وكلكم تعرفون الجرس، جرس الدواب، والصوت الذي يصدر منه، وهو دون ما نسمعه وسمعناه اليوم بمراحل، وجاء منعه في الحديث الصحيح، فإذا كانت النغمة مثل جرس الدواب تمنع، وإن كانت أشد إطراباً فمن باب أولى، إن كانت دونه صار للنظر مجال، والذي نسمعه حتى من بعض طلاب العلم أشد مما يصدر من جرس الدواب.

يقول: سمعنا عن رجل قيل: إنه من العلماء، واسمه عبد الله القصيمي هذا الرجل أشكل على الناس حاله، وكيفية رجوعه، نرجو التوضيح؟

هذا الرجل عبد الله بن علي سافر في بعثة إلى مصر مع اثنين من طلاب العلم، وبالنسبة له فتن بالحضارة الغربية المادية، وألف في أول أمره كتب نافعة منها: الصراع والبروق النجدية وغيرهما وهي نافعة بالجملة، لكنه بعد ذلك فتن بهذه الحضارة، ورأى أن سبب تأخر المسلمين هو التزامهم وتمسكهم بالدين، فألف كتاباً حُكم بردته بسببه، وهو: (هذه هي الأغلال) سمَّى الدين أغلالاً، غلت المسلمين عن التقدم الذي أدركه غيرهم، ورأى أن هذا هو السبب، ورد عليه، وفندت أقواله، ورمي بالزندقة وبالإلحاد بسبب ذلك، ولا شك أن ما قاله كفر صريح بواح -نسأل الله السلامة والعافية-، من أفضل الردود رد مطول في مجلدين اسمه: (بيان الهدى من الضلال) لشخص يقال له: السويّح، رد لا شك أنه واسع ومفصل، هناك رد لابن يابس اسمه: (الرد القويم على ملحد القصيم) ونسبته إلى القصيم حقيقة على غير الأصل؛ لأن أمه أو جدته من قرية من قرى القصيم، لما جاء أبوه من صعيد مصر مع حملة إبراهيم باشا تزوج امرأة من القصيم فنسب إليها، هناك أيضاً رد للشيخ ابن سعدي -رحمه الله ورحم الله الجميع- اسمه: (تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله) كتاب صغير جدًّا، لكنه جامع مانع كافي في الرد عليه، وردود أخرى، محمد عبد الرزاق حمزة له رد نفيس، كثرت عليه الردود، لكن هذه أشهرها.

هناك من يقدح بأبي هريرة -رضي الله عنه- وهم الشيعة، فهل يكفرون بذلك والقصد هدم ما آتاهم من أمور الدين؟

على كل حال التكفير أمره وشأنه خطير، لكن المعروف أن من دعا غير الله -جل وعلا- فهو كافر، ومن قذف عائشة بعد أن برأها -جل وعلا- فهو كافر، من ادعى نقص القرآن كافر بلا شك، ومن اعتقد هذه الأمور لا إشكال في كفره

يسأل عن كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي؟

هذا الكتاب جامع وطيب، لكنه ليس بعمدة؛ لأن المعول في الكتب على الأصول، يعني تريد أن تدخل مذهب الحنفية من كتاب الفقه الإسلامي، نقول: لا يا أخي، انقل مذهب الحنفية من كتب الحنفية، تريد أن تذكر مذهب المالكية وتعزوه إلى... نقول: لا.

يقول: "لا ينثني عنه ولا يتبدل" لأنه رسخ، فإن انثنى أو تبدل فإنه لا يكون راسخاً، فماذا لو كان راسخاً وانثنى وتبدل؟

من كان على الحق ثم تركه، هذا إما أن يكون هذا الحق لم يثبت ولم يرسخ في قلبه، أو يكون عنده دخيلة وطوية ينطوي عليها قلبه، تخونه في أحوج ما يكون إلى التثبيت، وجاء في الحديث الصحيح: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة -فيما يبدو للناس- فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) نسأل الله السلامة والعافية، فعلى الإنسان أن يخلص في عمله لله -جل وعلا-.

إذًا ماذا نستفيد من الفقه الإسلامي؟

الفقه الإسلامي كدليل يرجعك إلى المصادر الأصلية؛ لأنه يحيل إلى المصادر بالجزء والصفحة، قال في الفتح القدير كذا جزء كذا، صفحة كذا، ارجع إلى فتح القدير ووثق، وقل: قال الحنفية كذا كما في فتح القدير، قال المالكية كذا كما في المدونة وشرح الحطاب وشرح كذا، ارجع إليها، وخذ كلام أهل العلم من كتبهم، وقال الشافعية كذا ترجع إلى الأصول بنفسك.
وكم من إنسان أخطأ ووهم حينما أخذ رأي الحنفية أو رأي المالكية أو رأي الشافعية أو رأي الحنابلة من كتب شروح الحديث مثلاً أو التفاسير، في تفسير القرطبي يذكر المذاهب، لكن ليست معرفته بهذه المذاهب كمعرفة أصحابها وأربابها، وأصحاب أئمتها؛ لأنه قد يعتمد أو يأخذ من كتاب رواية غير معتمدة في المذهب، وهذا مجرب؛ لأن معرفتهم بالمذاهب الأخرى ليس بمستوى معرفتهم بمذاهبهم.
ولذا أقول: لا مانع أن تأخذ مذهب المالكية من أحكام القرآن لابن العربي، أو من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي؛ لأنه فقيه مالكي، أو من المفهم للقرطبي فقيه مالكي، تأخذ مذهب الشافعية من فتح الباري أو من شرح النووي، تأخذ مذهب الحنفية من عمدة القاري لا بأس، من أحكام القرآن للجصاص لا بأس؛ لأنهم فقهاء في مذاهبهم، لكن في غير مذاهبهم لا بد من أن ترجع إلى الأصل، وما هذا الذي يوصى به أن يرجع إلى كتب الأئمة، قال الشافعي، ارجع إلى الأم، الأم موجود، قال مالك، ارجع إلى المدونة، ارجع إلى الموطأ تجد أقوالهم موجودة.
وكم من خطأ في نسبة الأقوال إلى المذاهب من أجل الاعتماد على كتب المتأخرين، فالكتب لا شك أنها تنتسب إلى هذه المذاهب، لكن الأولى بأقوال الأئمة كتب المتقدمين، إن وجدت كتبهم بأنفسهم بها ونعمت، ما وجدت فالأقرب إليهم؛ لأن كلما يمتد الوقت وتستجد المسائل تتوسع عموم القواعد عند الفقهاء؛ ولذا تجد المذهب عند المتقدمين بالنسبة للحنابلة يختلف منهم عند المتوسطين يختلف عند المتأخرين، فالموصى به الرجوع إلى الكتب الأصلية الأقدم فالذي يليه.
وأقول: إن كتاب الفقه الإسلامي وأدلته هذا مجرد دليل يردك إلى الأصول بالجزء والصفحة.
التفسير المنير له أيضاً تفسير مطول ومبسوط في خمسة عشر مجلداً، لكن قراءتي فيه ومراجعتي له قليلة جدًا لا تكفي لإصدار حكم عليه.

ما حكم التسبيح بالسبحة حتى أصبح من طلبة العلم من يستعملها؟

يوجد من يستعمل السبحة من طلبة العلم والعوام من باب العبث، يعني عبث من غير استعمالها في العبادة، هذا الأمر فيه سهل، كمن يعبث بطرف شماغه، أو ينكت بعود، أو ما أشبه ذلك، أما إذا استعملها بالتسبيح وهو عبادة؛ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أرشد أم المؤمنين جويرية إلى التسبيح بالأصابع، بالأنامل؛ لأنها مستنطقة، فعلى هذا أقل أحوالها الكراهة، وبعضهم يقول: ببدعيتها؛ لأنه عرف استعمالها عند المبتدعة.