الدروس المهمة لعامة الأمة (1)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وصفيّه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

مقدمة حول رسالة الشيخ ابن باز التي بعنوان: (الدروس المهمة لعامة الأمة):

فاستجابة لطلب الإخوة المنظمين لهذه الكلمات في هذا المسجد، والأصل كلمات، ومعنى الكلمات يعني وجيزات مختصرات، وليس دروسًا كما علق في الإعلان، على هذا اتفقنا، وهي كلمات يسيرة يعلق فيها على كتاب سماحة شيخنا العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله-، والكتاب خُدم، فشُرح من قبل بعض طلبة العلم، ويوجد في الأسواق شرحان: أولهما: للشيخ: أحمد الطويان، وثانيهما: للشيخ: محمد العرفج، وهناك أشرطة سجلت في دورات علمية حول هذا الكتاب، وفيها شيء من البسط والتوضيح، فنحيل المستمعين إليها، وهي أكثر من دورة، وشاركت في اثنتين منها، أولاهما: في جامع ابن القيم في حي المنار، وسجلت الأشرطة، ووزعت، وانتشرت انتشاراً واسعاً، وأخرى في الخرج، وكذالك حضرها جمع غفير، وعلى كل حال مثلما ذكرت، الكتاب إنما ألِّف في الأصل للعوام، لعامة الأمة، وعلى هذا فالحديث سوف يكون مختصراً مقتضباً، وليس المجال مجال بسط على مسائل الكتاب؛ لأن هذا يرتقي عن مستوى العامة، وإن كان أكثر الحاضرين من طلبة العلم.

على كل حال الكتاب فريد في بابه، وإن كان هناك محاولات ممن تقدم مثل: (فتح المعين لفهم الضروري من علوم الدين) لكنه كتاب فقه هذا، وشرح بمجلدات، هناك معرفة ما لا بد منه من أمور الدين، المقصود أن الباب مطروق، لكن بهذا القدر وبهذا الحجم الذي يتناسب مع عوام المسلمين فريد في بابه، فرحمة الله على الشيخ رحمة واسعة، ومما ينبغي التنبه له أن بعض الطبعات تخلو من المقدمة، واعتمدها بعض الشارحين فشرح الكتاب على أنه لا تَقدِمَةَ له، ولا يليق بالشيخ -رحمه الله- أن يبدأ دون بسملة ولا حمدلة، وهناك طبعات أخرى فيها مقدمة يسيرة نقرأها على الإخوة.

شرح المقدمة:

يقول -رحمه الله-:  بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

"الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، يقول: أما بعد: فهذه كلمات موجزة في بيان بعض ما يجب أن يعرفه العامة عن دين الإسلام، سميتها: الدروس المهمة لعامة الأمة"، فقوله: "سميتها" يدل على أن هذه المقدمة من وضع الشيخ، وإن خلت منها بعض الطبعات، هذه ليس فيها مقدمة إطلاقاً، وبعض الشارحين شرح على أن الكتاب لا تقدمة له، وهنا يقول: "أما بعد: فهذه كلمات موجزة في بيان بعض ما يجب أن يعرفه العامة عن دين الإسلام، سميتها: الدروس المهمة لعامة الأمة، وأسأل الله أن ينفع بها المسلمين، وأن يتقبلها مني، إنه جواد كريم".

مؤلفه -رحمه الله-. آمين.

لا شك أن العوام والمقصود بهم الذين لا يقرؤون ولا يكتبون على حسب مستوى الكتاب؛ لأنه بدأ الكتاب بتلقين الفاتحة وقصار السور، ومثل هذا لا يخاطب به من يقرأ  أو يكتب؛ لأنه يقرأ بنفسه، ولا يقتصر على هذه السور التي أشار إليها الشيخ -رحمه الله-، والناس إلى وقت قريب لاسيما أهل العلم وأئمة المساجد لهم عناية بالعوام، فيلقنونهم الضروري من علوم الدين، لاسيما ما يتعلق بالعقائد الأصلية، كالأصول الثلاثة مثلاً، وما يتعلق بكلمة التوحيد إلا أن هذا مع الأسف الشديد هجر منذ أزمان، فلمن يترك عامة الناس، أهل الشر يقذفون بشرهم من كل جانب، وأهل العلم يؤدون بعض ما عليهم في تعليم العلم لأهله ولطلبته، أما عامة الناس فلا تجد من يلتفت إليهم، إلا في كلمة عابرة، أو موعظة مختصرة تتجه إلى القلب من الرقائق ونحوها، أما تعليمهم ما يجب أن يتعلموه، وما يجب عليهم أن يعرفوه، هذا انتبه له الشيخ -رحمه الله- فألَّف هذه الرسالة المختصرة، والرسالة ابتدأها كما سمعنا الشيخ -رحمه الله- بالبسملة والحمدلة اقتداءً بالقرآن الكريم، وعملاً بالحديث الذي يحسنه جمع من أهل العلم ((كل عمل ذي بال لا يبتدئ بحمد الله فهو أقطع)) هذه الرواية حسنها جمع من أهل العلم، وإن حكم بعضهم على الحديث بجميع طرقه وألفاظه بالضعف، على كل حال لو لم يكن في ذلك إلا الاقتداء بالقرآن، فالقرآن مفتتح بالبسملة والحمدلة، ثم أعقب ذلك بالصلاة والسلام على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا سنة مؤكدة، أمر الله -سبحانه وتعالى- في كتابه، وجاءت الأحاديث بالحث عليه، بل ذم من سمع ذكره -عليه الصلاة والسلام- ولم يصل عليه.

وجمع -رحمه الله- بين الصلاة والسلام لامتثال الأمر، فإن الأمر لا يتم امتثاله إلا بالجمع بينهما، الجمع بين الصلاة والسلام، فمن أفرد السلام دون الصلاة، أو الصلاة دون السلام أطلق النووي في ذلك الكراهة، وإن خصه ابن حجر -رحمه الله- إن خص الكراهة بمن كان ديدنه ذلك، بأن يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- مطلقاً، ولا يسلم عليه، أو يسلم عليه فيقول: عليه السلام ولا يصلي عليه دائماً، أما من كان يجمع بينهما تارة، ويفرد الصلاة تارة، ويفرد السلام تارة فإنه لا تتناوله الكراهة حينئذٍ.

"وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:" وهذه كلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، وهي سنة استعملها النبي -عليه الصلاة والسلام- في خطبه ومكاتباته، ووردت في  أكثر من ثلاثين حديثاً، "فهذه" الفاء واقعة في جواب (أما) "كلمات موجزة" يعني مختصرة قليلة، فالإيجاز هو: التعبير عن المعنى بألفاظ قليلة، يقابله الإطناب: بأن تكون الألفاظ أكثر من المعاني، والثالث المساواة: أن تكون الألفاظ على قدر المعاني، وهنا ألفاظ وكلمات موجزة، يعني مختصرة في بيان بعض ما يجب أن يعرفه العامة عن دين الإسلام، بعض ما يجب أن يعرفه العامة، يعني في أهم المهمات، وإن كان هناك شيء كثير من المهمات، ذكر أهل العلم من نواقض الإسلام الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه، ولا يلقي له بالاً، وإذا دعي إليه أعرض، نسأل الله العافية، يقول: "سميتها الدروس المهمة لعامة الأمة، وأسأل الله أن ينفع بها المسلمين، وأن يتقبلها مني، أنه جواد كريم" رحمه الله رحمة وسعة.

الدرس الأول: سورة الفاتحة وما أمكن من قصار السور:

يقول -رحمه الله-: "منهج الدروس المهمة لعامة الأمة، الدرس الأول:

يقول: "سورة الفاتحة وما أمكن من قصار السور -وما أمكن- من سورة الزلزلة إلى سورة الناس، تلقيناً وتصحيحاً للقراءة، وتحفيظاً وشرحاً لما يجب فهمه"، سورة الفاتحة أعظم سورة في كتاب الله، ولا تصح الصلاة بدونها، في الصحيحين وغيرهما من حديث عبادة بن الصامت: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) فهي ركن من أركان الصلاة، تجب على الإمام والمأموم والمنفرد، دون المسبوق عند جمهور العلماء، فالمسبوق تسقط عنه لحديث أبي بكرة، وأما من أدرك قراءتها ولو كان مأموماً فإنه يجب عليه أن يقرأها، في حديث أبي سعيد بن المعلى في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعده أن يخبره قبل أن يخرج من المسجد بأعظم سورة في القرآن، فلما أراد أن يخرج سأله عنها، فقال: ((هي فاتحة الكتاب، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)) وإذا كانت الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام لا تصح بدونها عند جمهور العلماء، فحري بكل مسلم أن يحفظها، ويحافظ عليها، وجاء في فضلها أحاديث كثيرة، وقد رقى بها أبو سعيد الخدري سيد القوم الذي لدغ فبرئ فكأنما نشط من عقال، وحديثه في الصحيح، قرأ عليه الفاتحة فبرئ كأن لم يكن به وجع، في الترمذي أنه قرأها عليه سبع مرات، المقصود أن هذه السورة لا بد من تعلمها لتصحيح الصلاة.

يقول: "وما أمكن من قصار السور" فإذا عرفنا فضلها فعلينا أن نحفظها، وأن نتقنها ونجودها، وأن نعربها الإعراب التام، فإذا حفظت على خطأ استمر الخطأ، فلا بد أن تلقن صحيحة بمدودها وشداتها وحركاتها، يعني إذا قرأ القارئ في الصلاة: "صراط الذين أنعمتُ عليهم" صلاته باطلة، "أهدنا الصراط" كذلك، فلا بد من ضبطها وإتقانها، والكلام هذا وإن كان معروف لدى طلبة العلم إلا أن الكتاب مؤلَّف لعامة المسلمين، وعلى أئمة المساجد وطلبة العلم التبعة في تلقين عوام المسلمين هذه السورة، وحثهم عليها، وإذا كانت البيوت مملوءة بمن يقرأ القرآن من ذكور وإناث، من صغار وكبار، وحلاقات التحفيظ -ولله الحمد- كثيرة متوافرة في كل حي، فما بقي لأحد عذر، لم يبقَ لأحد عذر، ولا عيب ولا ضير على أحد سواء كان كبيراً أو صغيراً أن يجلس إلى من يعلمه القرآن، ففي الحديث الصحيح: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).

"وما أمكن من قصار السور من سورة الزلزلة إلى سورة الناس" تفسير الفاتحة يحتاج إلى أوقات، وما فيها من العلوم؛ لأن علوم الكتب السماوية كلها جمعها القرآن الكريم، ويقول أهل العلم: إن جميع علوم القرآن في الفاتحة، وعلم الفاتحة في قوله تعالى : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] فتفسيرها وتوضيحها يحتاج إلى وقت طويل، فكيف إذا قرن معها سور؟! بضعة عشر سورة: الزلزلة والعاديات والقارعة والتكاثر والعصر الهمزة الفيل قريش الماعون الكوثر الكافرون النصر تبَّت الإخلاص المعوذتين، هذا يحتاج إلى وقت طويل، وعلى كل حال إذا عرفنا منزلة القرآن علينا أن نهتم به، وأن نديم النظر في كتاب الله، وأن نليه عناية تامة، فإذا كان عموم المسلمين ينظرون في الصحف المجلات الساعات الطوال، وليس لكتاب الله نصيب، هذا مسخ للقلوب، نسأل الله العافية، فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، الأمر ليس بالسهل، فلا بد من إدامة النظر في كتاب الله، وحفظ ما يمكن حفظه منه، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت] القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب، فعلينا أن نعتني بحفظ القرآن، وإدامة النظر فيه، وملازمة تلاوته، وأن نجعل لنا حزبًا يوميًا لا تغيب شمس اليوم إلا بعد قراءته، وعلينا أيضاً أن نقرأ مع الفهم والتدبر؛ لأنه كلام الله، والكلام موجه إليك، افعل أو اترك، فكيف تفعل أو تترك وأنت لا تفهم؟ والعلوم كلها تحت تدبر القرآن، يقول ابن القيم -رحمه الله-:

فتدبر القرآن إن رمت الهدى

 

فالعلم تحت تدبر القرآنِ

الآن لو جاء نظام موجه إلي عموم الموظفين لتطبيقه، تجد أول ما يرد هذا النظام مدير الدائرة ووكلاؤه ورؤساء الأقسام، يحتجبون عن الناس لمدارسة هذا النظام وفهمه، وهو نظام بشر، لكن تمر عليهم الآيات والكلمات التي تحتاج إلى فهم، تحتاج إلى توضيح واستيضاح من أهل العلم، أو بالرجوع إلى الكتب تمر كأنها لا تعني القارئ، أو لا تعني السامع.

يقول "وما أمكن من قصار السور من سورة الزلزلة" ولا أعرف لتخصيص هذا القدر بالنسبة لعامة الناس أصل، وكأن الشيخ -رحمه الله- نظر إلى أن سورة البينة صعبة على كثير من الناس، فقصر الأمر دونها، نعم يروي الترمذي -وإن كان الحديث فيه مقال- أن أعرابيًا سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ماذا يحفظ من القرآن؟ لأنه كبر سنه، وصعب عليه الفهم والحفظ، ولسانه لا يطاوعه، فقال: ((اقرأ من ذوات ألف لام ميم راء)) أو ألف لام راء، فذكر أنه لا يستطيع ذلك فقال: ((اقرأ من ال حاء ميم)) فأعاد عليه فقال: ((اقرأ إذا زلزلت)) فإن كان الشيخ اعتمد على هذا النص وإلا فلا أعرف لتخصيص هذا القدر من الزلزلة إلى الناس أصلاً، فعلى كل إنسان أن يحفظ من القرآن ما يتيسر له حفظه، ما لا يعجز عنه يحفظه، وإذا عرفنا فضل القرآن، وفضل تلاوته القرآن، له بكل حرف عشر حسنات، يعني لو تقرأ جرايد الدنيا وش لك من الحسنات؟ كتب الدنيا كلها ما فيها أجر مرتب على حروفها إلا هذا الكتاب، حتى السنة ليس فيها مثل هذا الأجر، نعم من قرأ السنة ليتفقه ويتعلم يرجى له ما يرجى لأهل العلم، ويرجى له ما يرجى لمن سلك طريقًا يلتمس فيه علماً، لكن كل حرف عشر حسنات! الختمة الواحدة ثلاثة ملايين حسنة بل أكثر، هذا شيء عظيم، ولا يفرط به إلا محروم، لكن الذي لا يستطيع لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، شخص يعالج نفسه الأيام والشهور والأعوام ليحفظ القرآن ما استطاع، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكن عليه أن يحفظ ما يستطيع، فيبدأ بالفاتحة لما ذكرنا، ويبدأ بالمعوذتين وسورة الإخلاص، وقل يا أيها الكافرون، ومن المهم مما أهمله الشيخ أية الكرسي، وأواخر سورة البقرة، وأواخر الحشر، وعشر آيات من سورة الكهف، من أولها أو من أخرها، فإذا حفظ هذا القدر، واستطاع أن يحفظ غيره فإن استكثر فالله أكثر، لكن ما نقول: إن هذا الشخص لا بد أن يحفظ من الزلزلة إلى الناس، هذا عامي هذا فرضه، هذا نصيبه، لا، يحفظ ما تيسر، إن حفظ هذا القدر يزيد عليه، وليس هناك حد محدود للقدر الذي يحفظه، واعتاد الناس أن يلقنوا الصبيان المفصل يبدءون به قبل أن يدخلونهم في بقية العلوم، ثم يحفظون الباقي على التدريج مع بقية العلوم والفنون الأخرى، وهذه طريقة المشارقة، يخلطون القرآن بغيره في أول الأمر، أما طريقة المغاربة فلا يلتفتون إلى شيء من العلوم قبل حفظ القرآن كاملاً، "من سورة الزلزلة إلى سورة الناس تلقيناً" لأن المسألة مفترضة فيمن؟ فيمن لا يقرأ ولا يكتب، يحرص على من يلقنه هذه السور، من ابن أو بنتٍ أو زوجة أو أخ أو إمام المسجد، أو عالم يتصدى لإقراء الناس، والملاحظ أن العلماء لا ينتبهون ولا يلتفتون لمثل هذه الأمور، بل يتركونها لغيرهم، قصار السور يقرأها المقرءون، وأنا أتفرغ لكبار العلم، لا، العالم الرباني كما في الصحيح عن ابن عباس معلق، "الذي يبدأ بتعليم الناس صغار العلم قبل كباره" فيجعل من وقته للمبتدئين، ويجعل من وقته قسطًا للمتوسطين، ويخص أيضاً طلبة العلم المدركين بجل وقته، كما هو معروف.

"تلقيناً وتصحيحاً للقراءة وتحفيظاً وشرحاً لما يجب فهمه" هناك كلمات في هذه السور وفي غيرها يحتاج إلى حلها، يحتاج إلى تفهيمها وشرحها وتوضيحها وبسطها، وهناك تفاسير ميسرة، يفهمها طالب العلم، ويفهمها العامي، ويفهمها المبتدئ والمتوسط، ويستفيد منها المنتهي، فتفسير الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-، تفسير ميسر ومسهل، مبسوط بأبسط عبارة، تفسير الشيخ فيصل بن مبارك -رحمه الله-، تفسير نفيس، يستفيد منه طلاب العلم، فعلينا أن نراجع تفسير هذه السور وغيرها مما يشكل في هذه الكتب المذكورة، أما التصدي لتفسير هذه السور السبعة عشر سورة، سورة سورة مع الفاتحة هذا يحتاج إلى وقت طويل، يحتاج إلى دورات، وليس إلى دورة واحدة، لكن يحال الإخوة إلى التفاسير الميسورة السهلة.

الدرس الثاني: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله:

الدرس الثاني: وينبغي أن يكون أوله الدرس الأول، وإنما أُخر، أخره الشيخ لما يتعلق به، وإلا فأول واجب على المكلف قبل الفاتحة وغير الفاتحة شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، أول واجب على المكلف التلفظ بالشهادتين خلافاً لما يقوله المبتدعة يكون أول واجب على المكلف النظر، أو القصد إلى النظر وبعضهم قال: أول واجب الشك، أول ما يجب عليك تشك، ثم بعد ذالك تبحث، لا، لا، كل هذا لا دليل عليه، إنما أول وأجب على المكلف أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وبهذا يدخل في الإسلام بشرح معانيها: "لا إله" معروف أن (لا) نافية، نافية جميع ما يعبد من دون الله، "لا إله" تنفي جميع الآلهة، من أي نوع، من أي صنف كانت، سواء كانت من الحجارة أو الأشجار أو من الملائكة أو من البشر أو من الملوك والرؤساء والعظماء من الأحبار من الرهبان وغيرهم، "لا إله إلا الله" تثبت العبادة لله وحده لا شريك له، فبعد أن نفى العبادة عن جميع ما سوى الله -سبحانه وتعالى- أثبتها لله -سبحانه وتعالى-، فإذا قال المكلف: لا إله إلا الله، أو أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله دخل في الإسلام، وهذا خلاف لما يقوله المبتدعة من أنه قد يقول: لا إله، ثم يموت من غير أن يكمل، فينفي جميع الآلهة ولا يتمكن من إثباتها، لله - سبحانه وتعالى- فهو يقتصر على لفظ الجلالة (الله)، ويغلو بعضهم ويزيد فيقول: قد يموت بعد النطق ببعض الكلمة دون بعض فيقتصر على الضمير: هو، هو، نسأل الله العافية، والضلال لا نهاية له، فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يهدينا الصراط المستقيم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم، والضالين، يقول بعضهم في اليوم الواحد مائة ألف مرة: الله، الله هذه الكلمة مفيدة؟! الكلام المفيد الذي يحسن السكوت عليه، فإذا قلت: الله، يقول قائل: ماذا عن الله؟ أخبرنا، فاللفظ المفرد لا تقع به فائدة، ولا تكمن به الفائدة، وبعضهم ليل نهار: هو هو، هو هو، نسأل الله العافية، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وإذا كان أمامهم ومقدَمهم يقول:

بذكر الله تزداد الذنوب

 

وتنطمس البصائر والقلوب

، هذا أمامهم ومقدمهم، ويدَّعون فيه الولاية، بل يعبد من دون الله، نسأل الله العافية، فلا بد أن ينطق بها على هذه الكيفية، كما وردت في النصوص، ومعناها: "لا إله" شرحها الشيخ -رحمه الله- باختصار، نافياً جميع ما يعبد من دون الله، "إلا الله" مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له، وبعضهم يقدر، لا إله موجود، وهذا التقدير موجود لوجود الآلهة التي تعبد من دون الله، "لا إله"، قد يقول قائل: كيف نفى مع وجود الآلهة؟ نقول: هذه الآلهة وإن ادعى عابدوها أنها آلهة فهي في الحقيقة ليست بآلهة، وجودها مثل عدمها، وجودها مثل عدمها.

يقول: "بشرح معانيها مع بيان شروط لا إله إلا الله" شروط لا إله إلا الله، أركان لا إله إلا الله، أركان لا إله إلا الله، إيش؟ نعم، النفي والإثبات، نعم، شروط لا إله إلا الله سبعة، وأضاف بعضهم شرطًا ثامناً، أولاها: العلم المنافي للجهل، لا بد أن نعلم معنى لا إله إلا الله، وإلا الذي لا يعرف معنى لا إله إلا الله يقع فيما يضادها، وهو لا يشعر، تجد الشخص يقول: لا إله إلا الله وهو مع ذلك يطوف بالقبر، يزاول الشرك وهو يقول: لا إله إلا الله، هذا دليل على معرفته وعلمه بلا إله إلا الله أو دليل على جهله؟ دليل على جهله، الذي يعرفون معنى لا إله إلا الله لما قيل لهم: قولوا، قالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحداً، أنكروا، وحال كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام دون حال أبي جهل في معرفة معنى: لا إله إلا الله، يطوف بالقبر ويقول: لا إله إلا الله، تنفعه لا إله إلا الله؟ لا.

اليقين المنافي للشك، إذا كان شخص يتردد، مرة يقول: لا إله إلا الله، ومرة يأتي بما يناقضها، ومرة على مزاجه، إن شاء قالها، وإن شاء نقضها، هذا ليس على يقين منها، ولا من الثواب المرتب عليها، فالذي يتردد هو الشاك، فالشك هنا يشمل ما يحتمل النقيض بجميع صوره، فيشمل الظن المقصود به الاصطلاحي، ويشمل الشك ويشمل الوهم، فما يحتمل النقيض يقابله اليقين؛ لأن اليقين هو العلم الذي لا يحتمل النقيض الجازم بنسبة مائة بالمائة، إذا نزلت النسبة عن مائة بالمائة قابل اليقين، وهنا يعبرون بالشك، والشك في اصطلاح أهل العلم هو: الاحتمال المساوي، الاحتمال يعني أن الخبر يحتمل النقيض مع المساواة، يعني إذا كانت النسبة خمسين بالمائة قالوا: شك، إذا ارتفعت النسبة من خمسين إلى ما يقرب من المائة هذا ظن، والاحتمال الراجح إذا نزل عن الخمسين فهو وهم، فهل معنى الكلام هنا المنافي للشك أنه إذا نزلت النسبة عن المائة يعني موقن بنسبة، أو معتقد بنسبة تسعين بالمائة، عنده شكوك بنسبة عشرة بالمائة عشرين بالمائة نقول: هذا محقق لـ(لا إله إلا الله) إذا عرفنا الظن الاصطلاحي وهو ما يحتمل النقيض، فماذا عن قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] هذا ظن ويكفي هذا الظن، نقول: الظن هنا بمعنى اليقين، الظن هنا عند أهل العلم بمعنى اليقين والاعتقاد الجازم، وإلا فمن يشك في لقاء الله، أو يتردد في لقاء الله، أو هناك نسبة ولو يسيرة في احتمال أنه لا يلاقي ربه هذا لا يصح إيمانه.

الإخلاص المنافي للشرك، الإخلاص لا بد منه، وهو شرط لكل عبادة، فلا عبادة مقبولة إلا مع الإخلاص، ولا بد من إضافة شرط ثان وهو المتابعة، لا بد أن يكون العمل ومنه ما نحن بصدده أن يكون خالصاً لوجه الله -سبحانه وتعالى-، يقول: "لا إله إلا الله مخلص لله" لا بتأثير قريب أو بعيد، كبير أو صغير، متبوع رئيس، قل: لا إله إلا الله..!، من الطرائف: وجدنا شخصًا ممن يقود السيارات لبعض الأسر في المسجد يصلي، سئل هل هو مسلم؟ لأنهم يغلب على ظنهم أنه ليس مسلم، قال: بابه مسلم، كفيله مسلم، هذا لا ينفعه مثل هذا، لا بد أن تكون أنت مسلم، وأن تكون صلاتك خلاصه لله -سبحانه وتعالى-، فالذي ينافي الإخلاص الشرك.

والصدق المنافي للكذب: أن يقول هذه الكلمة صادقاً في قولها، مصدقاً بها، عاملاً بمقتضاها، المحبة المنافية للبغض، محبة الله -سبحانه وتعالى-، وما يصدر عن الله، أما من يحب أحداً كحبه لله هذا شرك، هذا شرك أو يبغض ما جاء عن الله، سواء أبغض الله أو ما جاء عن الله، فهذا ينقض لا إله إلا الله؛ لأن هذه المحبة شرط من شروط لا إله إلا الله، من شروط صحتها، ونفعها للمكلف، وإلا إذا أبغض ما جاء عن الله في كتابه أو على لسان رسوله، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا} إيش؟

طالب: {مَا أَنزَلَ اللَّهُ}

{فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [(9) سورة محمد] فكراهية الله، أو كراهية ما جاء عن الله، أو كراهية الدين، أو كراهية الرسول، أو كراهية دين الرسول، أو بعض ما جاء عن الرسول هذا منافي لقول: لا إله إلا الله، قد يقول قائل: نرى كثيرًا من الناس يكره بعض الشعائر، أو بعض من يأمره بالشعائر، بعض الناس يكره اللحية، ويتقزز من رؤيتها وحاملها، هذا على خطر عظيم، لأن هذه سنة المصطفي -عليه الصلاة والسلام-، بعض الناس يكره الذين يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر؛ لأنهم يأمرونه بتطبيق دين الرسول -عليه الصلاة والسلام-، هذا على خطر عظيم، إذا كان يكرههم للأمر والنهي، أما إذا كان يكره شخصًا من الناس من أهل الحسبة؛ لأنه حصل بينه وبينه قضيه هذا الأمر سهل ثاني غير الأول، أما إذا كرهه وأبغضه لأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هذا على خطر عظيم بلا شك.

الانقياد المنافي للترك، لا بد أن ينقاد المسلم ويستسلم لله -سبحانه وتعالى-، فالإسلام هو الاستسلام والانقياد والإذعان، وإلا فما معنى مسلم لا ينقاد لأوامر الله، ولا يستسلم لأوامره، قد يقول قائل: كثير من المسلمين لا ينقادون، هل معنى هذا أنهم غير مسلمين؟ إذا كانوا لا ينقادون مع اعترافهم بأنهم مخالفون، هؤلاء ارتكبوا معاصي، لكن إذا استحلوا الترك والمأمور به دليله قطعي يخرجون من الدين، إذا أنكروا أمراً معلوم من الدين بالضرورة، إذا قيل له: صلِّ، قال: ما أنا مصلي، إذا قيل: قل: لا إله إلا الله، قال: ما أنا بقائل، هذا تارك، لكن هل تركه للصلاة مع جحد وجوبها يكفر قولاً واحداً، إذا كان تركه للصلاة تكاسلاً وتهاونًا، هذه المسألة خلافية، والمفتى به، والمعمول به عند جمع من أهل التحقيق أنه يكفر إذا ترك ولو أقر بوجوبها، لكن نفترض في مسألة ثانية قيل له: صم رمضان، قال: ما أنا بصائم، لماذا؟ قال: والله الصيام ما هو بواجب، قلنا: كافر؛ لأن وجوب الصيام معلوم من الدين بالضرورة، لكن لو قال: والله حر، وأنا عندي عمل، وعندي أسرة أنفق عليهم، ما أنا بصائم في رمضان، ارتكب أمراً عظيماً، وعلى خطر كبير، من أهل العلم من يرى أنه يكفر بترك الأركان، لكن المعتمد عندهم أنه لا يوجد ما يكفر به إلا ترك الصلاة من الأركان.

القبول المنافي للرد: لا بد أن تقبل لا إله إلا الله، وأن تقبل جميع ما تلزمك به لا إله إلا الله، فلا ترد شيئًا من مقتضيات لا إله إلا الله.

والكفر بما يعبد من دون الله: هذا الثامن، الكفر بما يعبد من دون الله، هذا هو الشرط الثامن، ولذا جاءت هذه الشروط مجموعة في بيتين:

علم يقين..، السبعة في بيت واحد، والثامن في البيت الثاني.

علم يقين وإخلاص وصدقك مع

 

محبة وانقياد والقبول لها 

علم، يقين، إخلاص، صدق، محبة، انقياد، قبول، سبعة.

وزيد ثامنها الكفران منك بما

 

سوى الإله من الأوثان قد أُلِها

لا بد أن يكفر بما يعبد من دون الله، لا يتصور أن شخصاً يعبد الله بهذه الشروط السبعة، ويقول: لا إله إلا الله ولا يكفر بما يعبد من دون الله، لا بد من الإيمان بالله، والكفر بالطاغوت، هما ركنا الإيمان، هما ركنا لا إله إلا الله، ولا تصح شهادة أن لا إله إلا الله إلا بالكفر بجميع ما يعبد من دون الله كائناً من كان، مهما كانت منزلته عند الله -سبحانه وتعالى-.

الدرس الثالث: أركان الإيمان:

ثم ذكر الشيخ -رحمه الله تعالى- في الدرس الثاني الشهادتين، ومعناهما، وشروط لا إله إلا الله، ثم في الدرس الثالث ذكر -رحمه الله تعالى- أركان الإيمان، وقال: "هي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الأخر وتؤمن بالقدر خيره شره من الله تعالى"، أولاً: الإيمان في الأصل هو: التصديق الجازم، وهو في الشرع: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، وهو عند المحققين يزيد وينقص، كما قرره سلف هذه الأمة، والأركان المتعلقة بالإيمان ستة: ذكرت في مواضع من القرآن، وأجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- بها في تعريف الإيمان لما سأله جبريل عن الإيمان قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وتؤمن بالقدر)) الإيمان بالله أن تعترف بوجود لله، وأن تقر وتعتقد اعتقاداً جازماً أنه موجود، وأنه هو المستحق للعبادة وحده دون من سواه، وأن تذعن لأوامره، وأن تجتنب نواهيه، والإيمان بالملائكة أن تعتقد اعتقاداً جازماً لا يساوره أدنى شك بان لله ملائكة جاء وصفهم في الكتاب والسنة بأنهم لا يعصون الله -سبحانه وتعالى-، وأنهم في عبادته وخدمته، وأنهم عدد كبير وجم غفير، فنؤمن بمن نعرف اسمه من الملائكة، ونؤمن بالبقية إجمالاً, وأن لله -سبحانه وتعالى- ملائكة عدد كبير، كما جاء في الأخبار في حديت الأطيط: ((أطت السماء وحق لها أن تئط فما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو قائم)) والبيت المعمور يدخله في اليوم سبعون ألف ملك، كل يوم يدخله سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم.

  فالملائكة خلق نوراني، خلق من نور، خلقهم الله -سبحانه وتعالى- لخدمته وعبادته، والمقصود بالخدمة لا يعني أنها من حاجة، فالخلق كلهم خلقهم الله -سبحانه وتعالى- من غير حاجة إليهم، ولا يزيدون في ملكه، ولا ينقصون منه شيئاً، فلو كان الخلق كلهم جنهم وإنسهم، حيهم وميتهم، قديمهم وحديثهم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما ضر من ملك الله شيء، وبالعكس لو كانوا على أتقى قلب رجل، فليس خلق الله –سبحانه وتعالى- للملائكة ولغيرهم من المخلوقات لحاجة إليهم، بل هو الغني الغنى المطلق.

  والإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان لا يتم الإيمان إلا به، فنعتقد اعتقاداً جازماً، ونوقن يقيناً لا يساوره أدنى شك بأن الله -سبحانه وتعالى- أرسل الرسل إلى الأمم ليحذروهم وينذروهم، وأن عددهم كما جاء في حديث أبي ذر على ما فيه من الكلام أكثر من ثلاثمائة، وأما الأنبياء فجم غفير، ونؤمن بمن عرفنا اسمه من هؤلاء الرسل، وعلينا أن نؤمن بالرسل كلهم، سواء عرفنا أسماءهم أو لم نعرف أسماءهم، ووظيفة الرسول أنه يأمر الخلق بطاعة الله -سبحانه وتعالى- وبعبادته، بعبادته -عز وجل-، وليس عليهم إلا البلاغ، ولا يجوز أن يصرف لهم أي حق من حقوق الله -سبحانه وتعالى-، وأفضل الرسل كما هو معروف محمد -عليه الصلاة والسلام-، وهو رسول مرسل من عند الله -سبحانه وتعالى-، وهو أيضاً في الوقت نفسه عبد من عباد لله، ذكره الله -سبحانه وتعالى- بالعبودية في أشرف المقامات {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [(1) سورة الإسراء] {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [(19) سورة الجن] إلى غير ذلك، فلا يجوز أن يصرف له، ولا لغيره من الرسل والأنبياء أي شيء مما يجب صرفه لله -سبحانه وتعالى-، فهم خلق من خلقه، نعم لهم مزية على بقية الخلق، شرفهم الله بحمل هذه الرسالة، لكن لا يجوز أن يصرف لهم شيئًا من حقوق الله -سبحانه وتعالى-، والإيمان بالرسل ولا سيما نبينا -عليه الصلاة والسلام-، يستلزم الإيمان به: طاعته فيما أمر، وتصديقه بما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع -عليه الصلاة والسلام-.

وباليوم الآخر: نؤمن بأن هناك يوم آخر، وأنه بعد الموت بعث، لا بد من الإيمان بالبعث بعد الموت، نؤمن به كما جاء في النصوص، وأن الله -سبحانه وتعالى- يعيد الخلق بعد موتهم، والإيمان بالقدر خيره وشره من الله -سبحانه وتعالى-، وأن كل شيء بقدر، وأنه لا يصيب الإنسان، ولا يصيب الشعوب والأمم إلا شيء كتبه الله -سبحانه وتعالى- عليهم، لا يكون في خلقه ما لا يريده -سبحانه وتعالى-.

 الإيمان بالقدر أن تعلم وتوقن وتجزم بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الأمم لو اجتمعت عليك ليضروك بشيء لم يكتبه الله -سبحانه وتعالى- عليك فإنهم لا يستطيعون ذلك، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يقدره الله لك ولم يكتبه لك لم يستطيعوا ذلك.

الدرس الرابع: أقسام التوحيد:

الدرس الرابع: أقسام التوحيد، وهي ثلاثة: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.

توحيد الألوهية هو: توحيد الله -سبحانه وتعالى- وإفراده بالعبادة، هذا توحيد العبد وإفراده ربه -عز وجل- بعبادته بأن لا يصرف لغيره شيئاً مما يختص به -سبحانه وتعالى-، فلا يجوز أن يعبد ولا يؤلّه غير الله -سبحانه وتعالى-، فلا ينذر إلا له، ولا يستغاث إلا به، ولا يُدعى سواه، ولا يصلى إلا له، وهكذا جميع أنواع العبادة لا يجوز صرف شيء منها لغير لله -عز وجل-، وبهذا يتم تحقيق توحيد الألوهية.

وأما توحيد الربوبية والإقرار بوجوده، وأنه الرب الخالق الرازق المتصرف الذي لا شريك له في هذا الباب في الخلق ولا في الرزق، والإقرار به والاعتراف بتوحيد الربوبية لا يكفي وحده دون تخليص توحيد الألوهية من الشوائب؛ لأنه لو كان كافياً لما قاتل النبي –عليه الصلاة والسلام- الكفار حتى يقولوا: لا إله إلا الله، هم يعترفون بوجود الله، وأنه لا خالق غيره، وأنه لا رازق سواه، ولكنهم يشركون معه غيره.

وأما توحيد الأسماء والصفات: فالله -سبحانه وتعالى- له الأسماء الحسنى وله الصفات العلى، يجب الإيمان بجميع ما جاء عن الله -سبحانه وتعالى- في كتابه، وعلى لسان رسوله -عليه الصلاة والسلام- كما جاءت، ولا نتعرض لتأويلها ولا تحريفها ولا التكييف، نؤمن بأن الله -سبحانه وتعالى- له الأسماء الحسنى، ونؤمن بجميع ما جاء في النصوص مما صح عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، كما يليق بجلاله وعظمته، ونؤمن بأن له الصفات العلى الكاملة الكمال المطلق الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه، وكذلك الإيمان بالصفات يكون توقيفياً، فلا نصف ولا نسمي الله -سبحانه وتعالى- إلا بما سمى به نفسه، أو وصفه بها، ثم ذكر -رحمه الله- أقسام الشرك، وأنها ثلاثة: شرك أكبر، وشرك أصغر، وشرك خفي، الشرك الأكبر: أن تعبد مع الله -سبحانه وتعالى- غيره، وهذا الشرك هو المحبط للعمل، وهو الذي يوجب الخلود في النار، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر]، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]، وأما الشرك الأصغر فأمره أسهل من الشرك الأكبر، وإن كان خطراً عظيماً، وإن كان الشرك الأصغر خطراً عظيماً حتى قال بعضهم: إنه لا يغفر، ولا يدخل تحت المشيئة كالكبائر، كبائر الذنوب التي يقترفها المسلم داخلة تحت المشيئة إن شاء الله -سبحانه وتعالى- عذبه، وإن شاء غفر له، لكن الشرك الأصغر إطلاق الشرك عليه يقتضي أنه لا يغفر، بل يدخل في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]، وعلى كل حال هو لا يقتضي الخلود في النار، ولا يخرج من الملة، فصاحبه إذا عُذب ونقي من هذا الشرك فإن مآله إلى الجنة -إن شاء الله تعالى-، الشرك الخفي وهو الرياء، من أمثلة الشرك الأصغر: الحلف بغير الله -سبحانه وتعالى-، وقول: ما شاء الله وشاء فلان، ولولا الله وفلان، هذا شرك أصغر.

   والشرك الخفي هو الرياء، مرآة الغير بعمل الخير، تطيل الصلاة، تسكن في صلاتك، تخشع في قراءتك لما ترى من نظر غيرك إليك، هذا نسأل الله العافية من أنواع الشرك، وهو في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، وله كفارة كما جاء في الخبر تقول: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم" هذا فيما تخشى أن تقع فيه؛ لأنه خفي، والشيطان حريص على إحباط أعمال الإنسان، وهذا الرياء وهذا الشرك إذا خالط العمل الصالح إن لم يبطله ويحبطه نقص ثوابه، فإن قارنه من أوله إلى أخره فلا شك في بطلانه، وإن طرأ على المصلي أو على الصائم أو على الحاج أو غير ذلك ثم قاومه فإنه لا يضره -إن شاء الله -سبحانه وتعالى-.

من أنواع الشرك ما يسمى بالتشريك في العبادة، تعمل العمل لله ولغيره، نعم هذا تشريك في العبادة، أن تعمل لله ولغيره، فمن التشريك ما يضر بالعبادة، ومنه ما لا يضر، إذا شركت في العبادة أمراً محرماً ضر، وأن شركت بها أمراً مباحاً فالأمر أسهل، وأن شركت عبادة بعبادة فالأمر -إن شاء الله- لا شيء فيه، لو قدر أن شخصًا تزوج لقضاء الوطر، نقول: يؤجر، وهو في عبادة، وإن كان تزوج من أجل قضاء شهوته كما جاء في الحديث: ((وفي بضع أحدكم صدقة)) قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ((نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام)) فإذا شرّك العبادة بغيرها طاف بالبيت ويقصد بذلك ثواب هذا الطواف، ويقصد مع ذلك التخفيف، نصحه الأطباء بأن يمشي، يكثر المشي مثلاً، فقال: بدلاً من أن أمشي في الأسواق والطرقات أمشي في المطاف له أجر وإلا ليس له أجر؟ نعم، له أجر، يؤجر -إن شاء الله تعالى- لأن عدوله من المشي في الطرقات إلى المطاف لا شك أنه عدول إلى خير، لو أمر بحمية، فقال: أصوم بدلاً من أن أفطم نفسي بدون أجر، أصوم وأحتمي في الوقت نفسه يؤجر -إن شاء الله تعالى- لأن عدوله إلى هذه العبادة خير له، لكن من خلصت نيته للعبادة لا شك أنه أعظم أجراً، تطويل الركوع من أجل الداخل هذا تشريك في العبادة لكن فيه مصلحة لأخيك المسلم من أجل أن يدرك الركعة، فلا شيء فيه عند أهل العلم ما لم يضر بالمصلين، وإن قال القرطبي ونقل عن المالكية: أنه من التشريك المذموم.

يقول الشيخ -رحمه الله-: فالشرك الأكبر يوجب حُبوط العمل، والخلود في النار، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [(88) سورة الأنعام] وقال سبحانه: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [(17) سورة التوبة] لا شك أن عمارة المساجد من أفضل الأعمال، لكن لا بد أن يقترن بالعمارة الحسية العمارة المعنوية {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ} [(18) سورة التوبة] قد يقول قائل: لماذا هذا الحصر؟ ما المانع مثلاً أن يتبرع كافر ببناء مسجد؟ نقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ} [(18) سورة التوبة] أما عمارة الكافر للمسجد فإنها لا تنفعه، بل هي حابطة؛ لأنه مشرك، وبعض الناس يذم من يعمر المساجد ويقول: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ} [(19) سورة التوبة]  يرددها بعض الناس، ويقول: إن عمارة المسجد الحرام..، نعم هي ليست كمن آمن بالله، لكن إذا قارنت الإيمان فهي من أفضل الأعمال، أما إذا صارت قسيماً للإيمان عمارة المساجد أو الإيمان بالله، فعمارة المساجد وسقاية الحاج لا خير فيها دون الإيمان، ولا أجر فيها ولا ثواب بدون الإيمان؛ لأن الإيمان شرط لقبول جميع الأعمال، وهذا عمل من أعمال الخير. يقول: "وإن من مات عليه فلن يغفر له، والجنة عليه حرام، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] وقال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [(72) سورة المائدة] نسأل الله العافية.

يقول الشيخ: "ومن أنواعه: دعاء الأموات والأصنام، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم، ونحو ذلك" وغير ذلك من أنواع العبادة التي لا يجوز صرف شيء منها لغير الله -سبحانه وتعالى-، التوكل على غير الله، السجود لغير الله، نسأل الله العافية كل هذا من الشرك الأكبر.

أما الشرك الأصغر يقول: "فهو ما ثبت بالنصوص من الكتاب والسنة تسميته شركاً، ولكنه ليس من جنس الشرك الأكبر كالرياء في بعض الأعمال، والحلف بغير الله، وقول: ما شاء الله وشاء فلان، ونحو ذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)) فسئل عنه فقال: ((الرياء)) رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي عن محمود بن لبيد الأنصاري -رضي الله عنه- بإسناد جيد، ورواه الطبراني بأسانيد جيدة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" مرة يروى عن محمود بن لبيد بدون واسطة ومرة بواسطة رافع بن خديج، ومحمود بن لبيد معروف أنه صحابي صغير جداً عقل المجة التي مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه وهو ابن خمس سنين، فلا يبعد أن يروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بواسطة.

"وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حلف بشيء دون الله فقد أشرك)) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ورواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان)) أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-"، وهذه أمثله للشرك الأصغر، يقول -رحمه الله-: "وهذا النوع لا يوجب الردة، ولا يوجب الخلود في النار، ولكنه ينافي كمال التوحيد الواجب" هذا النوع لا يوجب الردة، ولا يوجب الخلود في النار، لا يحبط العمل، ولا يلزم منه أن يخلد، يبقى خالداً في النار لا يخرج منها، والجنة ليست عليه حرام، إنما يعذب بقدر شركه هذا الأصغر، ثم فإذا نقي يدخل الجنة -إن شاء الله تعالى-.

"أما النوع الثالث: وهو الشرك الخفي، فدليله قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه)) رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري" هذا هو الرياء، هذا هو إيش؟ الرياء الذي هو نوع من أنواع الشرك الأصغر، وهذا الخفي مع دقته وخفائه على المسلم أن يلاحظه، وأن يراقب قلبه، فلا يجعله يشرد ويذهب يميناً وشمالاً، بل عليه أن يخلص وجه لله -سبحانه وتعالى-.

"ويجوز أن يقسم الشرك إلى نوعين فقط: أكبر وأصغر، فأما الشرك الخفي فإنه يعمهما" يعني يدخل في الأكبر والأصغر "فيقع في الأكبر كشرك المنافقين؛ لأنهم يخفون عقائدهم الباطلة، ويتظاهرون بالإسلام رياءً وخوفاً على أنفسهم، ويكون في الشرك الأصغر كالرياء كما في حديث محمود بن لبيد الأنصاري المتقدم، والله أعلم".

مقصود الشيخ -رحمه الله- أن الشرك يقسم إلى ثلاثة أنواع أكبر أصغر وخفي، ويكمن أن يجعل الخفي من النوعين، قسم من النوع الأول، وقسم من النوع الثاني، داخل في النوع فما ظهر من الشرك الأكبر يكون شركًا جليًّا، وما خفي من الشرك الأكبر يكون شركاً خفياً، وما ظهر من الشرك الأصغر يكون شركًا أصغر جليًّا وما خفي منه يكون شركاً أصغر خفيًّا، وعلى كل حال فالتقسيم مجرد اصطلاح، والحصر مردّه الاستقرار.

الدرس الخامس: أركان الإسلام:

بعد هذا تعرض الشيخ -رحمه الله- في الدرس الخامس لأركان الإسلام، وهي خمسة، جاءت في الصحيحين وغيرهم من حديث ابن عمر: ((شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً))، وفي الصحيح من حديث ابن عمر يقول: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً))، وفي صحيح البخاري: ((وحج البيت، وصيام رمضان)) بتقديم الحج على الصيام، وعلى كل حال هذه أركان خمسة، شأنها عظيم، شأنها عظيم جداً، من ترك شيئاً منها فهو على خطر عظيم، أما من ترك الشهادتين فإنه ليس بمسلم أصلاً، ومن ترك الصلاة وإن اعترف بوجوبها وأقر به فإنه كافر عند جمع من أهل التحقيق، وأما إيتاء الزكاة فإنه إذا اعترف بوجوبها ولم يدفعها فإنه لا يكفر عند جمهور العلماء، وإن قيل بكفره ككافر تارك بقية الأركان، فالقول بكفر تارك الأركان الخمسة أو واحد منها قول معتبر عند أهل العلم، وهو قول في مذهب الإمام أحمد، يكفر بترك الزكاة، يكفر بعدم صيام رمضان وإن اعترف بوجوبه، يكفر بترك الحج، وعلى كل حال هذه دعائم الإسلام، لا يقوم الإسلام إلا عليها؛ ولذا بني عليها الإسلام، وأي بناء دون أركان فإنه لا يثبت، فتارك شيء منها على خطر عظيم، فمن ترك هذه الأركان فعليه أن يبادر بالتوبة والاستغفار، وأن يؤديها على الوجه المطلوب؛ لأن الكفر شأنه عظيم، وأمره خطير، المعاصي تحت المشيئة بلا شك، وهي أيضاً بريد إلى الكفر، لكن أمرها أخف من الكفر الموجب للخلود في النار، فترك الصلاة المقرر عند أهل العلم المحققين منهم أنه كفر، فمن يترك الصلاة فهو كافر وإن اعترف بوجوبها، أما بقية الأركان الثلاثة فقيل بكفره، والجمهور على أنه لا يكفر، لكنه على خطر عظيم، وجاء الوعيد الشديد لمن أعطاه الله من المال ما يقوم به، أو ما تقوم به حياته ومصالحه ومع ذلك يبخل بالقدر اليسير الذي فرضه الله عليه، ومن عافاه الله في بدنه وأقره في وطنه ولم يصم في رمضان فهذا أيضاً على خطر، من أفطر في يوم من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر وإن صامه، فالأمر جد خطير، وحج البيت جاء الوعيد الشديد فيمن ترك الحج مع القدرة عليه، وجاءت الآثار والأخبار المرفوعة والموقوفة في التشديد بالنسبة لمن تركه مع القدرة عليه، عمر بن الخطاب كتب إلى الآفاق أن ينظروا من كان ذا جدة ولم يحج فليضربوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بـ..؛ ولذا ذيل الله -سبحانه وتعالى- آية وجوب الحج: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران] من كفر يعني لم يحج، هذه من أدلة من يقول بكفر تارك الحج.

الدرس السادس: شروط الصلاة:

 يقول -رحمه الله-: "الدرس السادس: شروط الصلاة، شروط الصلاة تسعة، الإسلام، والعقل، والتمييز، ورفع الحدث، وإزالة النجس، وستر العورة، ودخول الوقت، واستقبال القبلة، والنية" الشرط: ما يلزم من عدمه العدم، فإذا عدم الشرط عدم المشروط ولو وجدت صورته، لو صلى شخص غير مسلم، ماذا نقول؟ الإسلام شرط لصحة الصلاة، لكن هم يقولون: إن صلى فمسلم حكماً؛ لأن الصلاة متضمنة للشهادتين، يكون قد تشهد، فكيف يكون الإسلام شرط لصحة الصلاة، وهم يقولون: من صلى فمسلم حكماً؟ نقول: هو مسلم حكماً يعامل معاملة المسلمين، وليس مسلمًا حقيقة إن استمر فله ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، وإن نقض مقتضى هذه الصلاة فأنه يقتل مرتداً، وأمره أعظم من المشرك الذي لم يصلِّ، المشرك الكافر الأصلي المرتد أشد، فالإسلام لا شك أنه شرط، والعقل أيضاً شرط لصحة الصلاة؛ لأن غير العاقل سواءً كان مجنوناً أو صغيراً لا يميز فإنه لا يعقل هذه الصلاة، ولا يمكن أن يؤديها على الوجه المطلوب.

والتمييز: التمييز شرط لصحة الصلاة أيضاً، فعدم المميز داخل في حكم من لا يعقل؛ ولذا جاء الحديث: ((رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصبي -الصغير- حتى يبلغ)) هؤلاء رفع القلم عنهم، فالنائم رفعه مؤقت حتى يستيقظ، والمجنون كذلك حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ، كيف يقولون: حتى يبلغ ويكلف وهنا الذي يشترط للصلاة التميز وليس البلوغ؟ هذا شرط صحة، وذاك شرط وجوب، فالصبي إذا ميز، بلغ سبع سنين يأمر بالصلاة للتمرين عليها، لكنه لا يأثم بتركها، فليس بشرط للوجوب، والتميز يكون بسبع سنين، وإن ميز وعرف قبل السابع بأن كان عمره خمس سنين ويفهم، يفهم السؤال ويرد الجواب المطابق، لكنه لا يأمر بالصلاة حتى يتم له سبع سنين؛ لأن هذا تشريع عام ولو ترك للناس ولتميز كل واحد بحسبه ما انضبطت الأمور، تجد الناس من شفقتهم على أولادهم قد يتم عشر سنين، وإذا قيل له: ابنك لماذا لا يصلي؟ قال: ما بعد ميّز، لكن ربط بسبع سنين؛ لأن هذا تشريع عام يعم الناس كلهم، ومثله البلوغ ربِط بعلامات ظاهرة.

ومن شروط الصلاة رفع الحدث سواءً كان أكبر أو أصغر، فالحدث الأكبر يرفع بالغسل والحدث الأصغر يرفع بالوضوء، ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] إزالة النجاسة {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [(4) سورة المدثر] لا تصح الصلاة ممن على بدنه أو ثوبه نجاسة أو بقعته التي يصلي عليها، لا بد من تطهير المكان، ولا بد من تطهير الثواب، ولا بد من تطهير البدن من هذه النجاسة، لكن لو نسي وصلى قبل أن يرفع الحدث، هذا شخص نسي الوضوء فصلى، وآخر نسي النجاسة التي على ثوبه أو بدنه فصلى، هل هناك فرق أو ما في فرق؟ كلهما شرط، فعندنا اثنان: شخص صلى من غير طاهرة ناسياً، وآخر على بدنه أو ثوبه نجاسة نسي فصلى بهذه النجاسة، الصلاة صحيحة وإلا باطلة؟ هم يقولون: رفع الحدث وإزالة النجاسة شرط، والناسي له حكم، {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] فهل نقول: إنه ما دام ناسيًا تصح صلاته ولو صلى بغير طاهرة ولو صلى وعلى بدنه نجاسة؟ أو نقول: إن هذا إن شرط لا بد من تحققه فلا تصح الصلاة من غير طاهرة كما قال -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) كما أنها لا تصح صلاة من على ثوبه أو بدنه نجاسة حتى يتخلص من هذه النجاسة؟ أو هناك فرق بين المسألتين؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما صلى بالنعلين وفيهما نجاسة أعاد الصلاة وإلا أمر بخلعهما؟ أُمِر بخلعهما، فدل أن الصلاة صلاة الناسي مع النجاسة صحيحة، وإلا لو كانت باطلة لأمر بإعادتها؛ لأن النسيان يقرر أهل العلم أنه ينزل الموجود منزلة المعدوم، هذه النجاسة الموجودة نسياناً تنزل منزلة المعدوم كأنها غير موجودة، أما المعدوم الذي هو الوضوء معدوم، فإن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، وعلى هذا لو صلى بغير طاهرة لا بد أن يعيد هذه الصلاة، ولو صلى ناسياً وعلى بدنه نجاسة فلا يلزمه إعادتها، المسألة عند الحنابلة كما هو المعروف والمشهور عندهم أنه إن علمها ثم جهلها أو نسيها أعاد، هذا المقرر عندهم، لكن الصوب أن النسيان كما قال الله -سبحانه وتعالى- في آخر البقرة: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] وقال: ((قد فعلت)) وفي حديث: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)).

ستر العورة شرط لصحة الصلاة، والعورة بالنسبة للرجل من السرة إلى الركبة، فإذا صلى وقد بدا شيء من هذا القدر فإن صلاته لا تصح، من السرة إلى الركبة، ويجب عليه ستر المنكبين أو أحدهما، لحديث: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) إذاً كيف يقولون: إن العورة من السرة إلى الركبة ولا يدخلون أحد المنكبين؟ نقول: فرق بين أن يكون الشيء واجباً وبين أن يكون شرطاً، فإذا كان واجباً وصلى بدونه صلاته صحيحة لكن يأثم، أما إذا قلنا: إنه شرط فإن الصلاة لا تصح، فيجب على الرجل أن يستر المنكبين، كما جاء في بعض الروايات: ((ليس على منكبيه منه شيء)) أو أحدهما، كما جاء في الروايات الأخرى: ((ليس على منكبه منه شيء)) على كل حال لا بد أن يستر المنكبين أو أقل الأحوال أحد المنكبين، فأما العورة المشترط سترها للصلاة بالنسبة للرجل من السرة إلى الركبة، أما بالنسبة إلى المرأة فجميع بدنها عورة إلا الوجه إذا لم يكن لديها رجال أجانب فإنها تصلي كاشفة الوجه، لا بد أن تكشف وجهها، أما إذا وجد هناك رجال أجانب فإنها يجب عليها أن تستر وجهها، وقال بعضهم: بأن الكفين لهما حكم الوجه، فلو كشفت كفيها فلا بأس حينئذٍ، وألحق بعضهم وهو مذهب الحنفية ويميل إليه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- الرجلين، يعني لو صلت وبطون قدميها أو قدميها ظاهرتين يعني يتجاوز في ذلك، لكن الأحوط أن تستر جميع بدنها لا يخرج منه شيء، هذا هو الأحوط، أن تستر جميع بدنها لا يخرج لا يدين ولا رجلين، ولا يخرج ولا يظهر إلا الوجه، على كل حال هذه المسألة..، بالنسبة لليدين والرجلين الأمر أخف، لكن ما عدا ذلك لا بد من ستره، نعم.

طالب:.......

هذا عند النساء، هذا قالوا عند النساء، مع أنه قول مرجوح، كما هو معروف، بل عورة المرأة عند النساء كعورتها عند محارمها، يعني عند أخيها تكشف من السرة إلى الركبة؟ يجوز أن تكشف لأخيه من السرة إلى الركبة؟ لا يجوز، ولذا النساء أو نسائهن في الآية عطفت على المحارم.

ودخول الوقت شرط لصحة الصلاة، {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] يعني مفروضاً في الأوقات، والصلوات الخمس لها أوقات محددة، لها أول ولها آخر، فأول وقت صلاة الظهر التي هي الصلاة الأولى من زوال الشمس إلى مصير ظل الشيء مثله، إلى أن يكون ظل الشيء مثله، ووقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس، كل هذا الوقت يشمل الاختيار والضرورة ووقت صلاة المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، ووقت صلاة العشاء من مغيب الشفق إلى منتصف الليل، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ويدل على هذا حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم، ومن الأدلة على المواقيت حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر، نعم فيه اختلاف يسير بين حديث إمامة جبريل وحديث عبد الله بن عمرو؛ لأن في حديث عبد الله بن عمرو ينتهي وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، وفي حديث إمامة جبريل إلى ثلث الليل، وعلى كل حال حديث عبد الله بن عمرو متأخر، وهو أقوى منه؛ لأنه في الصحيح وذاك في السنن، والمقصود أن هذه أوقات الصلوات إجمالاً، ولا تصح الصلاة قبل وقتها بحال، بل يجب على من صلى الصلاة قبل دخول وقتها أن يعيد الصلاة، ما لم يكن ممن يسوغ له جمع التقديم، كما أنه لا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها، يحرم عليه أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا لعذر، أما إذا لم يكن ثمَّ عذر فإنه قد ارتكب أمر عظيماً حتى قال جمع من أهل العلم: إنه إذا أخرجها عن وقتها عمداً فإنه لا يصلي، لا تنفعه صلاته، كما لو صلاها قبل دخول الوقت، لكن قول جمهور العلماء أنه يجب عليه قضاء هذه الصلاة، إذا خرج وقتها يجب عليها قضاؤها، وهو الأحوط.

استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة، لا تصح الصلاة إلا مع استقبال القبلة، والمقصود باستقبال القبلة جهة الكعبة، المقصود جهتها لا عينها، وإن قال بعض أهل العلم: إن المطلوب استقبال عين الكعبة، وهذا فيه مشقة شديدة، وأما استقبال الجهة فهو كافي لحديث: ((بين المشرق والمغرب قبلة)) دل على أن الاختلاف اليسير أمره يسير -إن شاء الله تعالى-، بل على الإنسان أن يتحرى أن يصيب الجهة، ولا يستثنى من ذلك إلا التطوع في السفر على الراحلة، إذا كان الإنسان مسافرًا وعلى راحلة فله أن يتطوع ولو إلى غير جهة القبلة، ويخصه الجمهور بالسفر، ولعل في حكمه الحضر إذا طالت المسافة يعني إذا كان هناك سرة في السيارة وإلا شيء، ويعرف أنه يمكن يصلي ركعتين قبل أن تنفك السرة، إيش المانع؟ يلحق بالسفر -إن شاء الله تعالى-، والتطوع في هذا الباب أمره واسع، أما الفريضة فلا، لا تصح إلا مع الاستقبال، نعم؟

طالب:.......

المريض الذي لا يستطيع مع الإمكان المقصود بالإمكان، إمكان الاستقبال، أما مع عدم الإمكان فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لو مريض مربط إلى سرير ووجهه إلى الشرق يصلي، يصلي حسب حاله.

والنية: النية شرط لصحة الصلاة، فلا تصح الصلاة إلا بنية، كما أنه لا يصح سائر الأعمال المشروعة إلا بنية لحديث عمر -رضي الله عنه- في الصحيحين وغيرهما: ((إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هجر إليه))

الدرس السابع: في أركان الصلاة:

والآن في الدرس السابع في أركان الصلاة:

والركن كالشرط لا تصح الصلاة إلا به، لكن الفرق بين الركن والشرط أن الركن داخل الماهية، داخل الصلاة والشرط خارج الماهية يعني خارج الصلاة، ولا يمنع من استمراره كونه شرط لا يمنع من الاستمرار، لكن الأصل أن وجوده خارج الصلاة، فشروط الصلاة التي تقدمت تسعة، وأركانها أربعة عشر، أول هذه الأركان القيام مع القدرة، فالقيام بالنسبة للقادر المستطيع ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا به، والمقصود بذلك صلاة الفريضة، لقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث عمران بن الحصين: ((صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) فلا تصح صلاة أعني الفريضة من قعود بالنسبة لمن يستطيع القيام، ولا على جنب بالنسبة لمن يستطيع القعود، هذا كله بالنسبة للفريضة، أما النافلة فتصح من قعود مع الاستطاعة، لكن على النصف من أجر صلاة القائم، الشخص الذي يصلي قاعداً وهو يستطيع القيام إن كانت الصلاة فريضة فصلاته باطلة، وإن كانت الصلاة نافلة فصلاته صحيحة، لكن له نصف الأجر فقط، وجاء في الحديث الصحيح: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وهذا محمول على النافلة لما تقدم في حديث عمران بن حصين، ولما جاء في سبب ورود الحديث الثاني أن النبي –عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة، يعني فيها شيء من الحمى، والناس يصلون من قعود، دخل المسجد وهم يصلون من قعود، فقال –عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل سبب الورود على أن هذه الصلاة نافلة؛ لأن صلاة الفريضة لم يكونوا يفتاتون عليه -عليه الصلاة والسلام- ويصلون قبل حضوره، إلا في حالات خاصة، مع علمهم بأنه سوف يتأخر، بل أناب من يصلي عنه، وأيضاً النص خاص بمن يستطيع القيام، بدليل قوله: "فتجشم الناس الصلاة قياماً"، وأما الذي يصلي النافلة من قعود وهو لا يستطيع القيام أجره تام -إن شاء الله تعالى-.

وتكبيرة الإحرام أيضاً ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا به، هذا قول جماهير أهل العلم أن تكبيرة الإحرام ركن، وعند الحنفية كما هو معروف شرط، قد يقول القائل: إيش الفرق بين مذهب الحنفية وقول الجمهور؟ الصلاة لا تصح بدون تكبيرة الإحرام سواءً قلنا: ركن أو شرط ما الفرق؟ ألمحنا سابقاً أن الركن داخل الماهية والشرط خارج الماهية، وعلى هذا لو كبر تكبيرة الإحرام وهو حامل نجاسة فوضع النجاسة مع نهاية التكبير صلاته عند الجمهور إيش؟ صحيحة وإلا باطلة؟ باطلة؛ لأنه حمل النجاسة وهو داخل الصلاة، وصلاته عند الحنفية صحيحة؛ لأن حمله للنجاسة خارج الصلاة، أيضاً لو قلب نيته قبل نهاية التكبير إلى فرض أو إلى نفل صحت عند الحنفية، ولا تصح عند الجمهور، تكبيرة الإحرام بأن يقول: الله أكبر، لا يصح، ولا يجزئ غير هذا اللفظ، فلا يصح: الله الأكبر، أو الله الكبير كما يقول الشافعية، أو الله الأعز، أو الله الأجل كما يقول الحنفية، لا بد من الإتيان بهذا اللفظ؛ لأنه هو المأثور والمتواتر عنه -عليه الصلاة والسلام- وعن خلفائه من بعده، ولو جاز غير هذا اللفظ لفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو مرة واحدة لبيان الجواز، فلما واظب عليه ودوام عليه وخلفاؤه من بعده دل على أنه لا يجزئ غيره.

وقراءة الفاتحة: ركن من أركان الصلاة في حديث عبادة بن الصامت: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتب)) فالذي يصلي ولا يقرأ بفاتحة الكتاب صلاته غير صحيحة، ويستوي في ذلك الإمام والمأموم والمنفرد، على الجميع أن يقرأ بفاتحة الكتاب دون المسبوق، المسبوق الذي دخل والإمام راكع، أو لم يتمكن من قراءة الفاتحة قبل الركوع هذا لا يلزمه أن يقرأ الفاتحة، ولم يستثنَ من النص إلا هذا، بدليل حديث أبي بكرة، حينما ركع دون الصف دخل والنبي -عليه الصلاة والسلام- راكع فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، وهو راكع، هنا لم يأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإعادة فدل على أن المسبوق لا تلزمه الفاتحة.

والركوع: الركوع ركن من أركان الصلاة لا تدرك الركعة إلا بإدراكه، يعني لو فات القيام وفاتت قراءة الفاتحة وأدرك الركوع مع الإمام..، الركوع ركن عظيم تُدرك به الركعة، بمعنى أن يستوي المأموم راكعاً قبل أن يشرع الإمام في الرفع من الركوع، والرفع منه كذلك، بعد قوله: "سمع الله لمن حمده" ينهض من الركوع هذا أيضاً ركن، والاعتدال بعد الركوع يعني لا يكفي أن ينهض ثم يسجد مباشرة، بل لا بد أن يعتدل قائماً، كما في حديث المسيء، قد يقول قائل: لماذا جعل الرفع والاعتدال ركنين ولم يجعلهما ركن واحد؟ قد يحصل الرفع من الركوع بأدنى ما ينطبق عليه هذا اللفظ، لكن لا يحصل منه الاعتدال بعد الركوع، فلا بد من فصل أحدهما عن الآخر.

والسجود على الأعضاء السبعة ركن من أركان الصلاة، لا تتم الصلاة إلا به، ولا بد من تمكين الأعضاء السبعة على ما يسجد عليه، الأعضاء السبعة: الجبهة مع الأنف، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، لحديث: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) وأشار بيده إلى جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وأطراف قدميه، وكثير من الناس إذا سجد يرفع رجليه، أو يرفع واحدة، هذا صلاته فيها خلل كبير، مقتضى هذا القول أنها لا تصح صلاته، صلاته باطلة، لكن لو رفعها رفعاً يسيراً رفع إحدى رجليه أو رجليه ثم أعادهما هذا لا يؤثر، لكنه حركة لا تنبغي أن توجد في الصلاة إلا لحاجة، احتاج أن يحك إحدى رجليه بالأخرى اضطر إلى ذلك، لكن عليه أن يعود إلى تمكين أطراف القدمين من الأرض.

والرفع منه: الرفع من السجود أيضاً ركن من أركان الصلاة، والمقصود بالسجود القدر المطلوب منه، يكفي أن يقال: سبحان ربي الأعلى، ومثله الركوع إذا استوى راكعاً ومكن أعضاءه السبعة من الأرض وقال: سبحان ربي الأعلى ولو مرة واحدة أجزأه مثل هذا السجود، وما عدا ذلك فهو سنة يأتي بيانه في السنن -إن شاء الله تعالى-.

والجلسة بين السجدتين أيضاً ركن، لا تتم الصلاة إلا به والطمأنينة في جميع الأفعال، كما علم النبي -عليه الصلاة والسلام- المسيء في صلاته ((اركع حتى تطمئن راكعاً)) ((ارفع حتى تطمئن)) ((اسجد حتى تطمئن)) لا بد من الطمأنينة، فالطمأنينة ركن من أركان الصلاة.

التشهد الأخير والجلوس له، التشهد الأخير ركن لا تصح الصلاة إلا به، بخلاف التشهد الأول، التشهد الأخير يراد به الذكر الذي يقال عندما يجلس الشخص في نهاية الصلاة في آخر الصلاة، هذا هو التشهد الأخير؛ ولذا قالوا: التشهد الأخير والجلوس له، فالتشهد الأخير غير الجلوس للتشهد، فالتشهد هو الذكر، وأما التشهد الأول فسيأتي في الواجبات.

والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ركن عند جمع من أهل العلم، وإن كان جمع أيضاً من أهل العلم يقول: بوجوب الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- دون أن تكون ركناً، كما في قوله: سبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى.

والتسليمتان أيضاً ركن، وهي العلامة على انتهاء الصلاة، وهي تحليل الصلاة، ((تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)) وقول: السلام عليكم ورحمة الله من جهة اليمين وجهة الشمال، مرتين على اليمين وعلى الشمال ركن على هذا الكلام، على كلام الشيخ، وهو المعتمد عند الحنابلة، وإن كان جمع من أهل العلم يرون أن التسليم يتم بواحدة، والثانية سنة، لكن لا شك أن الأحوط قول: السلام عليكم ورحمة الله على اليمين، والسلام عليكم ورحمة الله على جهة الشمال.

من واجبات الصلاة الفرق بين الواجب والركن، الركن لا بد أن يؤتى به، ومن شك فيه فكأنه تركه، شك في قراءة الفاتحة، شك في الركوع، شك في السجود، لا بد أن يأتي به، وإذا فات محله بطلت الركعة التي هو منها، وإذا طال الفصل بطلت الصلاة كلها، يعيد الصلاة من جديد، لو قال شخص: أنا نسيت سجدة من الركعة الثالثة من الصلاة تأتي بركعة كاملة، أما إذا طال الفصل فتأتي بالصلاة كلها، لكن لو قال: نسيت تكبيرة من التكبيرات، كبر للركوع فنسي أن يكبر، هوى للركوع من غير تكبير، هوى للسجود من غير تكبير، نسي التشهد الأول، نسي أن يقول: سبحان ربي العظيم، نقول: لا تعيد الصلاة، بل عليك أن تسجد للسهو، فالواجب يجبر بسجود السهو بخلاف الركن والشرط.

 

والله أعلم.