التعليق على تفسير القرطبي - سورة الروم (01)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

تفسير سورة الروم سُورَةُ الرُّومِ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وهي ستون آية.

قَوْلُهُ تَعَالَى: الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ" رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ فَنَزَلَتْ {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} إِلَى {قَوْلِهِ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ} قَالَ: فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِظُهُورِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. هَكَذَا قَرَأَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ" غَلِبَتِ الرُّومُ". وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَتَمَّ مِنْهُ."

على هذا السياق الذي ذكره المؤلف وأن الانتصار كان يوم بدر فالغلبة للروم لأن غلبة فارس كانت والنبي -عليه والصلاة والسلام- بمكة وقت الرهان بمكة وغلب الروم حينما غلبوا بعد الهجرة على خلاف على ضوء ما جاء في الروايات منها أنه كان الغلب وقت غزوة بدر ومنها أنه وقت الصلح صلح الحديبية على ما سيأتي ذكره في الروايات لكن على سياق الترمذي لا بد أن تكون القراءة غَلبت الروم لأنها غُلبت والنبي-عليه الصلاة والسلام- بمكة ولذا قال الترمذي هذا حديث غريب من هذا الوجه.

تكلم عليه؟

طالب: قال المحقق ضعيف جدًّا أخرجه الترمذي والواحدي والطبري من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد وإسناده ضعيف جدا لأجل عطية فإنه روى أحاديث عن الكلبي فيقول عن أبي سعيد فيظن الناس أنه الخدري وليس كذلك فإن الكلبي يكنى بأبي سعيد انظر ترجمته في الميزان ثم إن المتن منكر.

يدلِّسه يدلِّسه، نكارة المتن ظاهرة، وش قال؟

طالب: ثم إن المتن منكر فإن الآيات تدل على أن نصر الروم على الفرس لم يقع بعد ويؤيد ذلك مخاطرة أبي بكر للمشركين في ذلك أضف إلى ذلك أن السورة كلها مكية بالاتفاق وعطية العوفي يَذكر في حديثه يوم بدر وقد ذكره الألباني في صحيح الترمذي وهمًا منه فتنبه -والله الموفق-.

"وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَتَمَّ مِنْهُ قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} قَالَ: غَلَبَتْ وَغُلِبَتْ."

يعني غُلبت في أول الأمر وقت الرهان وغَلبت بعد ذلك.

 قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ أَهْلُ فَارِسَ عَلَى الرُّومِ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، فَذَكَرُوهُ لِأَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهُمْ فَقَالُوا: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ أَجَلًا، فَإِنْ ظَهَرْنَا كَانَ لَنَا كَذَا، وَإِنْ ظَهَرْتُمْ كَانَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَجَعَلَ أَجَلَ خَمْسِ سِنِينَ، فَلَمْ يَظْهَرُوا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ألا جعلته إِلَى دُونٍ» أَرَاهُ قَالَ الْعَشْرَ."

يعني إلى دون العشر يعني تسع ثمان سبع لأن البضع يحتمل هذا كله كل ما دون العشر يقال له بضع من الثلاث إلى ما دون العشر إلى التسع يقال له بضع.

"قَالَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَالْبِضْعُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ. قَالَ: ثُمَّ ظَهَرَتِ الرُّومُ بَعْدُ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ} إِلَى قَوْلِهِ {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ} قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُ أَنَّهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ."

خُرِّج؟

طالب: قال أخرجه الترمذي من حديث نيار بن مكرم وقال صحيح حسن غريب من حديث نيار انتهى الكلام وإسناده على شرط مسلم إلا أن عبد الرحمن بن أبي دينار صدوق تغير حفظه بأخرة وقول في آخره وأسلم عند مالك ناس كثير فيه نظر حيث لا يتابع عليه والحديث في أصله صحيح لشواهده اللي صحح هنا أحسن الله إليك قال قال أبو سعيد ذكر في الحاشية قال كذا وقع في الأصل في سنن الترمذي ووقع عند أحمد والطبري وسعيد بن جبير وهو الصواب وهو عند بن كثير سعيد بن جبير.

ابن عباس هو الذي يروي عن ابن عباس ظاهر هذا.

 "وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ نِيَارِ بْنِ مُكْرَمٍ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ} وَكَانَتْ فَارِسُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَاهِرِينَ لِلرُّومِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ ظُهُورَ الرُّومِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} وَكَانَتْ قُرَيْشُ تُحِبُّ ظُهُورَ فَارِسَ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلَا إِيمَانٍ بِبَعْثٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَصِيحُ فِي نَوَاحِي مَكَّةَ {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ} قَالَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِأَبِي بَكْرٍ: فَذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، زَعَمَ صَاحِبُكَ أَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ فَارِسَ فِي بِضْعِ سِنِينَ! أَفَلَا نُرَاهِنُكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: بَلَى. وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّهَانِ، فَارْتَهَنَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُشْرِكُونَ وَتَوَاضَعُوا الرِّهَانَ. وَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ: كَمْ تَجْعَلُ الْبِضْعَ؟ ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ؟ فَسَمِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ وَسَطًا تَنْتَهِي إِلَيْهِ، قَالَ فَسَمُّوا بَيْنَهُمْ سِتَ سِنِينَ، قَالَ: فَمَضَتِ السِّتُّ سِنِينَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرُوا، فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ رَهْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا دَخَلَتِ السَّنَةُ السَّابِعَةُ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَعَابَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْمِيَةَ سِتِّ سِنِينَ، قَالَ: لَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فِي بِضْعِ سِنِينَ} قَالَ: وَأَسْلَمَ عِنْدَ ذَلِكَ نَاسٌ كَثِيرٌ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى الْقُشَيْرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَاتُ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ بِهَا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: أَسَرَّكُمْ أَنْ غَلَبَتِ الرُّومُ؟ فَإِنَّ نَبِيَّنَا أَخْبَرَنَا.."

أو أن غُلِبت؟

فاتحها الغين عليها فتحة لكن السياق يقتضي غُلبت لأنه يخاطب المشركين والمشركون يَسرهم أن يُغلب الروم وأن ينتصر الفرس لما يشتركون فيه من عبادة الأوثان.

"فَقَالَ: أَسَرَّكُمْ أَنْ غُلِبَتِ الرُّومُ؟ فَإِنَّ نَبِيَّنَا أَخْبَرَنَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ فَقَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَأُمَيَّةُ أَخُوهُ -وَقِيلَ أبو سفيان ابن حَرْبٍ-: يَا أَبَا فَصِيلٍ! يُعَرِّضُونَ بِكُنْيَتِهِ يَا أبا بكر."

كنيته أبو بكر والبكر والفصيل واحد البكر ولد الناقة والفصيل ولد الناقة جرت عادة المشركين بمثل هذا يسمون النبي -عليه الصلاة والسلام- بدلا من محمد مذمم ويوجد الآن كثير من شباب المسلمين من يقلب الأسماء يذكر الشيء بمرادفه أو يذكره بضده أو يذكره إذا أراد شيئًا يذكره بضده وهنا الفصيل هو البكر يسمى ولد الناقة فصيل ويسمى أيضا بكر كما أنه يسمى أيضا قعود.

"فلنتناحب أي نتراهن فِي ذَلِكَ فَرَاهَنَهُمْ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ قَتَادَةُ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ الْقِمَارُ، وَجَعَلُوا الرِّهَانَ خَمْسَ قَلَائِصَ وَالْأَجَلَ ثَلَاثَ سِنِينَ. وَقِيلَ: جَعَلُوا الرِّهَانَ ثَلَاثَ قَلَائِصَ. ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «فَهَلَّا احْتَطْتَّ، فَإِنَّ الْبِضْعَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالتِّسْعِ وَالْعَشْرِ! وَلَكِنِ ارْجِعْ فَزِدْهُمْ فِي الرِّهَانِ وَاسْتَزِدْهُمْ فِي الْأَجَلِ» فَفَعَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلُوا الْقَلَائِصَ مِائَةً وَالْأَجَلَ تِسْعَةَ أَعْوَامٍ، فَغَلَبَتِ الرُّومُ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: فَظَهَرُوا فِي تِسْعِ سِنِينَ. قال الْقُشَيْرِيُّ: الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ أَنَّ ظُهُورَ الرُّومِ كَانَ فِي السَّابِعَةِ مِنْ غَلَبَةِ فَارِسَ لِلرُّومِ، وَلَعَلَّ رِوَايَةَ الشَّعْبِيِّ تَصْحِيفٌ مِنَ السَّبْعِ إِلَى التِّسْعِ مِنْ بَعْضِ النَّقَلَةِ."

 أكثر المفسرين على السبع كما قال في قوله -جل وعلا- {فلبث في السجن بضع سنين} يعني سبع سنين عند أهل العلم وهنا لكن البضع لا يتحدد بالسبع كما قال أهل العلم من الثلاث إلى العشر أو التسع الخلاف بينهم في العشر هل تعد من البضع أو لا؟ على كل حال أكثر المفسرين على أنها سبع كما في سورة يوسف.

"وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهُ جَعَلَ الْقَلَائِصَ سَبْعًا إِلَى تِسْعِ سِنِينَ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ آخِرُ فُتُوحِ كِسْرَى أَبْرَوِيزَ فَتَحَ فِيهِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ حَتَّى بَنَى فِيهَا بَيْتَ النَّارِ، فَأخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ. وَحَكَى النَّقَّاشُ وَغَيْرُهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعَلَّقَ بِهِ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَقَالَ لَهُ: أَعْطِنِي كَفِيلًا بِالْخَطَرِ إِنْ غُلِبْتَ، فَكَفَلَ بِهِ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا أَرَادَ أُبَيٌّ الْخُرُوجَ إِلَى أُحُدٍ طَلَبَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِالْكَفِيلِ فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا، ثُمَّ مَاتَ أُبَيٌّ بِمَكَّةَ مِنْ جُرْحٍ جَرَحَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَّةَ عَلَى رَأْسِ تِسْعِ سِنِينَ مِنْ مُنَاحَبَتِهِمْ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمْ تَمْضِ تِلْكَ الْمُدَّةُ حَتَّى غَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ، وَرَبَطُوا خَيْلَهُمْ بِالْمَدَائِنِ، وَبَنَوْا رُومِيَّةَ، فَقَمَرَ أَبُو بَكْرٍ أُبَيًّا وَأَخَذَ مَالَ الْخَطَرَ مِنْ وَرَثَتِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَصَدَّقْ بِهِ» فَتَصَدَّقَ بِهِ."

تصدق يعني تخلص منه لأنه مال محرم اللهم إذا كان المقصود من الصدقة به أنه ملكه في وقت حِل الرهان لكن القبض إنما حصل بعد ذلك ولعل المراد بالصدقة هنا التخلص منه كما فعل أبو بكر -رضي الله عنه- في المال الذي تُكهن له فيه بالجاهلية قاءه -رضي الله عنه وأرضاه-.

"وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ إِنَّ سَبَبَ غَلَبَةِ الرُّومِ فَارِسَ امْرَأَةٌ كَانَتْ فِي فَارِسَ لَا تَلِدُ إِلَّا الْمُلُوكَ وَالْأَبْطَالَ، فَقَالَ لَهَا كِسْرَى: أُرِيدُ أَنْ أَسْتَعْمِلَ أَحَدَ بَنِيكِ عَلَى جَيْشٍ أُجَهِّزُهُ إِلَى الرُّومِ، فَقَالَتْ: هَذَا هُرْمُزُ أَرْوَغُ مِنْ ثَعْلَبٍ وَأَحْذَرُ مِنْ صَقْرٍ، وَهَذَا فَرُّخَانُ أَحَدُّ مِنْ سِنَانٍ وَأَنْفَذُ مِنْ نَبْلٍ، وَهَذَا شَهْرَبَزَانُ  أَحْلَمُ مِنْ كَذَا، فَاخْتَرْ، قَالَ فَاخْتَارَ الْحَلِيمَ وَوَلَّاهُ، فَسَارَ إِلَى الرُّومِ بِأَهْلِ فَارِسَ فظهر على الروم. قال عكرمة وغيره: إن شهربزان لَمَّا غَلَبَ الرُّومَ خَرَّبَ دِيَارَهَا حَتَّى بَلَغَ الْخَلِيجَ، فَقَالَ أَخُوهُ فَرُّخَانُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي جَالِسًا على سرير كسرى، فكتب كسرى إلى شهربزان أَرْسِلْ إِلَيَّ بِرَأْسِ فَرُّخَانَ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَكَتَبَ كِسْرَى إِلَى فَارِسَ: إِنِّي قَدِ اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ فرخان وعزلت شهربزان، وَكَتَبَ إِلَى فَرُّخَانَ إِذَا وَلِيَ أَنْ يَقْتُلَ شهربزان، فأراد فرخان قتل شهر بزان فأخرج له شهربزان ثَلَاثَ صَحَائِفَ مِنْ كِسْرَى يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ فَرُّخَانَ، فقال شهربزان لِفَرُّخَانَ: إِنَّ كِسْرَى كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أَقْتُلَكَ ثَلَاثَ صَحَائِفَ وَرَاجَعْتُهُ أَبَدًا فِي أَمْرِكَ، أَفَتَقْتُلُنِي أَنْتَ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ؟ فَرَدَّ الْمُلْكَ إِلَى أَخِيهِ، وكتب شهربزان إِلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ فَتَعَاوَنَا عَلَى كِسْرَى، فَغَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ وَمَاتَ كِسْرَى. وَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فَفَرِحَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {الم غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} يَعْنِي أَرْضَ الشَّامِ. قال عِكْرِمَةُ: بِأَذْرِعَاتٍ، وَهِيَ مَا بَيْنَ بِلَادِ الْعَرَبِ وَالشَّامِ. وَقِيلَ: إِنَّ قَيْصَرَ كَانَ بَعَثَ رَجُلًا يُدْعَى يَحَنَّسَ وَبَعَثَ كسرى شهربزان فَالْتَقَيَا بِأَذْرِعَاتٍ وَبُصْرَى وَهِيَ أَدْنَى بِلَادِ الشَّامِ إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ. قال مُجَاهِدٌ: بِالْجَزِيرَةِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ. وقال مُقَاتِلٌ: بِالْأُرْدُنِ وَفِلَسْطِينَ. و" أَدْنَى" مَعْنَاهُ أَقْرَبُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَإِنْ كَانَتِ الْوَاقِعَةُ بِأَذْرِعَاتٍ فَهِيَ مِنْ أَدْنَى الْأَرْضِ بِالْقِيَاسِ إِلَى مَكَّةَ، وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي قَوْلِهِ:

تَنَوَّرْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتٍ وَأَهْلِهَا

 

بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِ

وَإِنْ كَانَتِ الْوَاقِعَةُ بِالْجَزِيرَةِ فَهِيَ أَدْنَى بِالْقِيَاسِ إِلَى أَرْضِ كِسْرَى، وَإِنْ كَانَتْ بِالْأُرْدُنِ فَهِيَ أَدْنَى إِلَى أَرْضِ الرُّومِ. فَلَمَّا طَرَأَ ذَلِكَ وَغُلِبَتِ الرُّومُ سُرَّ الْكُفَّارُ فَبَشَّرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِأَنَّ الرُّومَ سَيَغْلِبُونَ وَتَكُونُ الدَّوْلَةَ لَهُمْ فِي الْحَرْبِ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ. وَقَرَأَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ" غُلِبَتِ الرُّومُ" بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاللَّامِ. وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي طَرَأَ يَوْمَ بَدْرٍ إِنَّمَا كَانَتِ الرُّومُ غَلَبَتْ فَعَزَّ ذَلِكَ عَلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، فَبَشَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ أَنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ أَيْضًا فِي بِضْعِ سِنِينَ."

يعني يغلبون مرة ثانية غير الأولى والغلبة في المرتين كلتيهما للروم لكن السياق والنصوص وأقوال المفسرين والمؤرخين كلهم يتفقون على أن الغلب الأول لفارس والثاني للروم وأن قراءة غُلبت هي الصواب.

" ذَكَرَ هَذَا التَّأْوِيلَ أَبُو حَاتِمٍ. قَالَ أَبُو جعفر النحاس: قِرَاءَةُ أَكْثَرِ النَّاسِ" غُلِبَتِ الرُّومُ" بِضَمِّ الْغَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سعيد الخدري أنهما قرأ" غَلبت الروم" وقرأ" سَيُغْلَبُونَ". وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ أَنَّ عِصْمَةَ رَوَى عَنْ هَارُونَ: أَنَّ هَذِهِ قِرَاءَةُ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ يَقُولُ: إِنَّ عِصْمَةَ هَذَا ضَعِيفٌ، وَأَبُو حَاتِمٍ كَثِيرُ الْحِكَايَةِ عَنْهُ."

لو كانت هذه القراءة ما كان لقوله {ويومئذ يفرح المؤمنون} لأنهم لا يفرحون بكون الروم يُغلبون إنما يفرحون بكونهم يَغلبون لأنهم مثلهم أهل كتاب فالقراءة مقلوبة هذه.

"وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أنَّ الْقِرَاءَةَ" غُلِبَتْ" بِضَمِّ الْغَيْنِ، وَكَانَ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ دَلِيلٌ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لِأَنَّ الرُّومَ غَلَبَتْهَا فَارِسُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا --صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ فَارِسَ فِي بِضْعِ سِنِينَ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَفْرَحُونَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الرُّومَ أَهْلُ كِتَابٍ، فَكَانَ هَذَا مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ عَلِمُوهُ وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُرَاهِنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْ يُبَالِغَ فِي الرِّهَانِ، ثُمَّ حُرِّمَ الرِّهَانُ بَعْدُ وَنُسِخَ بِتَحْرِيمِ الْقِمَارِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْقِرَاءَةُ بِضَمِّ الْغَيْنِ أَصَحُّ، وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى" سَيَغْلِبُونَ" أَنَّهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ، يُرَادُ بِهِ الرُّومُ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ أَيْضًا بِضَمِّ الْيَاءِ فِي" سَيُغْلَبُونَ"، وَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَلْبٌ لِلْمَعْنَى الَّذِي تَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ بِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَمَنْ قَرَأَ" سَيُغْلَبُونَ" فَالْمَعْنَى عِنْدَهُ: وَفَارِسُ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ، أَيْ مِنْ بَعْدِ أَنْ غَلَبُوا، سَيُغْلَبُونَ. وَرَوي أَنَّ إِيقَاعَ الرُّومِ بِالْفُرْسِ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ، وَرَوي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّ الْخَبَرَ وَصَلَ يَوْمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي كِلَا الْيَوْمَيْنِ كَانَ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ ذَكَرَ النَّاسُ أَنَّ سَبَبَ سُرُورِ الْمُسْلِمِينَ بِغَلَبَةِ الرُّومِ وَهَمِّهِمْ أَنْ تُغْلَبَ إِنَّمَا هُوَ أَنَّ الرُّومَ أَهْلُ كِتَابٍ كَالْمُسْلِمِينَ، وَفَارِسَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَقَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَوْلَى أَنَّ فَرَحَهُمْ إِنَّمَا كَانَ لِإِنْجَازِ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى، إِذْ كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا يَكُونُ فِي بِضْعِ سِنِينَ فَكَانَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُعَلَّلَ ذَلِكَ بِمَا يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ مِنْ مَحَبَّةِ أَنْ يَغْلِبَ الْعَدُوُّ الْأَصْغَرُ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ مَئُونَةً، وَمَتَى غَلَبَ الْأَكْبَرُ كَثُرَ الْخَوْفُ مِنْهُ، فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَعْنَى، مع ما كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَجَّاهُ مِنْ ظُهُورِ دِينِهِ وَشَرْعِ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَهُ بِهِ وَغَلَبَتِهِ عَلَى الْأُمَمِ."

يعني العدو الأكبر إذا انتصر لا شك أنه تزيد أطماعه فيمن حوله وأما العدو الأصغر إذا غلب انكسرت شوكة العدو الأكبر وضعف الأصغر أيضا لأنه مهما كان غلبه ومهما كان نصره إلا أنه سوف يخسر ثم يكون الغلبة عليه أيسر.

"وَإِرَادَةِ كُفَّارِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ اللَّهُ بِمَلِكٍ يَسْتَأْصِلُهُ وَيُرِيحُهُمْ مِنْهُ. وَقِيلَ: سُرُورُهُمْ إِنَّمَا كَانَ بِنَصْرِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ، حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُرُورُهُمْ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ ذَلِكَ، فَسُرُّوا بِظُهُورِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَبِظُهُورِ الرُّومِ أَيْضًا وَبِإِنْجَازِ وَعْدِ اللَّهِ."

لا مانع أن يكون للفرح أكثر من سبب لكن السبب المنصوص عليه في الآيات في السورة لا شك أنه غلبة الروم.

"وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ الشَّامِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْقَعِ" مِنْ بَعْدِ غَلْبِهِمْ" بِسُكُونِ اللَّامِ، وَهُمَا لُغَتَانِ، مِثْلُ الظَّعْنِ وَالظَّعَنِ. وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الْأَصْلَ" مِنْ بَعْدِ غَلَبَتِهِمْ" فَحُذِفَتِ التَّاءُ كَمَا حُذِفَتْ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِقامَ الصَّلاةَ} وَأَصْلُهُ وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ. قَالَ النَّحَّاسُ:" وَهَذَا غَلَطٌ لَا يُخَيَّلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ النَّحْوِ."

لأن القاعدة خلاف ما ذكر وهذا الكلام لا يشكل على القاعدة.

"لِأَنَّ" إِقامَ الصَّلاةَ" مَصْدَرٌ قَدْ حُذِفَ مِنْهُ لِاعْتِلَالِ فِعْلِهِ."

الأصل أقام يقيم إقْوامة أو إقَوامة كما يقولون تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا فصارت إقامة ثم حذفت التاء لما ذَكر لأن فيه اعتلال.

"فَجُعِلَتِ التَّاءُ عِوَضًا مِنَ الْمَحْذُوفِ، وَ" غَلَبَ" لَيْسَ بمعتل ولا حذف منه شيء. وَقَدْ حَكَى الْأَصْمَعِيُّ: طَرَدَ طَرَدًا، وَجَلَبَ جَلَبًا، وَحَلَبَ حَلَبًا، وَغَلَبَ غَلَبًا، فَأَيُّ حَذْفٍ فِي هَذَا، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيَّ أَكَلَ أَكْلًا وَمَا أَشْبَهَهُ: حُذِفَ مِنْهُ"؟ {فِي بِضْعِ سِنِينَ} حُذِفَتِ الْهَاءُ مِنْ" بِضْعِ" فَرْقًا بَيْنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ فِي" يُوسُفَ" وَفُتِحَتِ النُّونُ مِنْ" سِنِينَ" لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُسْلِمٌ."

مُسَلَّم يعني سالم.

"لأنه جمع مُسَلَّم."

وإن لم يكن سالما إلا أنه ملحق به والملحق بجمع المذكر السالم سنين جمع سنة وإلا فالأصل أن جمع المذكر إنما يكون لعاقل فهذا ملحق بجمع المذكر عند من يقوله بالواو إذا وقع في محل رفع جاءت السنون أما من يلزمه الياء فلا، فيعربه بالحروف.

" وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ" فِي بِضْعِ سِنِينَ" كَمَا يَقُولُ فِي" غِسْلِينٍ"."

يعيني يُلزِمه الياء ولا يكون إعرابه إعراب الجمع.

"وَجَازَ أَنْ يُجْمَعَ سَنَةٌ جَمْعَ مَنْ يَعْقِلُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ والياء والنون، لأنه قد حذف منها شيء فَجَعَلَ هَذَا الْجَمْعَ عِوَضًا مِنَ النَّقْصِ الَّذِي فِي وَاحِدِهِ، لِأَنَّ أَصْلَ" سَنَةٍ" سَنْهَةٌ أَوْ سَنْوَةٌ، وَكُسِرَتِ السِّينُ مِنْهُ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ جَمْعَهُ خَارِجٌ عَنْ قِيَاسِهِ وَنَمَطِهِ، هَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ. وَيُلْزِمُ الْفَرَّاءُ أَنْ يَضُمَّهَا لِأَنَّهُ يَقُولُ: الضَّمَّةُ دَلِيلٌ عَلَى الْوَاوِ وَقَدْ حُذِفَ مِنْ سَنَةٍ وَاوٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَا يَضُمُّهَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ."

يعين في أحد القولين الذي تقدم ذكرهما سَنَة سَنْهَة أو سَنَهَة أو سَنَوَة بالهاء أو بالواو.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} أَخْبَرَ تَعَالَى بِانْفِرَادِهِ بِالْقُدْرَةِ وَأَنَّ مَا فِي الْعَالَمِ مِنْ غَلَبَةٍ وَغَيْرِهَا إِنَّمَا هِيَ مِنْهُ وَبِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فَقَالَ" لِلَّهِ الْأَمْرُ" أي إنفاذ الأحكام." مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ" أَيْ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْغَلَبَةِ وَمِنْ بَعْدِهَا."

طالب: إنفاذ الأحكام من الأمر شيء من التأويل.

لله الأمر يعني الحكم والقضاء يأتي الأمر بمعاني فله الحكم وله القضاء النافذ.

طالب: ألا له الخلق والأمر.

لا يراد به الأمر الذي هو أحد أحكام التكليف المقتضي للوجوب أو الاستحباب وله ذلك له الحكم كله بجميع ما يقتضيه خطابه ولكن هنا المراد لله الأمر يعني الحكم والقضاء أوله وآخره وإن كان القضاء يحصل بأمر فيه إلزام وفيه تكليف لأنه وقع بكن فهو أمر ويشتركان يعني الأمر القضائي والأمر الشرعي يشتركان في ما يكون في الأمر بالقضاء الأمر القضائي فيه بكلمة بفعل الأمر الذي يؤخذ منه الالتزام بتنفيذه ومثل الأمر والقضاء {فقضاهن سبع سماوات} لا شك أن هذا القضاء وهذا الأمر بكلمة كن لكنه في الأصل لا يعني أنه تكليف لأن الأمر يأتي بعدة معاني وإلا فالأمر أصله بكلمة أصله فعل الأمر أو المضارع المقترن بلام الأمر وهو من كلامه -عز وجل- وصفة الكلام ثابتة لله -جل وعلا- والأمر القضائي أيضا يكون بكن وهي أيضا من كلامه -عز وجل-.

طالب: ما يأتي بمعنى الشأن لله الأمر والشأن أو الحالة.

المقصود أن الأمر له معاني كثيرة منها هذا.

"مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ" أَيْ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْغَلَبَةِ وَمِنْ بَعْدِهَا وَقِيلَ: مِنْ قَبْلِ كل شيء ومن بعد كل شيء. وَ" مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ" ظَرْفَانِ بُنِيَا عَلَى الضَّمِّ."

لأنهما حذف المضاف إليه فيهما مع نيته، وقبل وبعد والجهات الست كلها إذا حذف المضاف مع نيته فإنها تبنى على الضم وإذا حذف مع قطع عن الإضافة مع عدم النية فإنه يعرب منونًا وإذا أضيف يعرب بالحركات كما هو معروف.

"لِأَنَّهُمَا تُعْرَفَا بِحَذْفِ مَا أُضِيفَا إِلَيْهِمَا وَصَارَا مُتَضَمِّنَيْنِ مَا حُذِفَ فَخَالَفَا تَعْرِيفَ الْأَسْمَاءِ وَأَشْبَهَا الْحُرُوفَ فِي التَّضْمِينِ فَبُنِيَا، وَخُصَّا بِالضَّمِّ لِشَبَهِهِمَا بِالْمُنَادَى الْمُفْرَدِ فِي أَنَّهُ إِذَا نُكِّرَ وَأُضِيفَ زَالَ بِنَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ هُمَا فَضُمَّا. وَيُقَالُ: مِنْ قَبْلٍ وَمِنْ بَعْدٍ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَسَدٍ" لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ"."

في هذا تلفيق بين اللغتين.

"الْأَوَّلُ مَخْفُوضٌ مُنَوَّنٌ، وَالثَّانِي مَضْمُومٌ بِلَا تَنْوِينٍ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ" مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ" مَخْفُوضَيْنِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ. وَأَنْكَرَهُ النَّحَّاسُ وَرَدَّهُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي كِتَابِهِ: فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءٌ كَثِيرَةٌ، الْغَلَطُ فِيهَا بَيِّنٌ، مِنْهَا أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ يَجُوزُ" مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد" وَإِنَّمَا يَجُوزُ" مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد"

ولا يزعم أن القرآن الذي هو كلام الله فيه غلط وإنما إعراب أهل العلم للقرآن في بعضه غلط فالغلط منسوب إلى المُعربين لا إلى القرآن نفسه وبيانه في بقية كلامه وإلا قوله في القرآن أشياء كثيرة الغلط فيها بيِّن هذا لا يقوله مسلم بل القرآن هو الأصل وما عداه يصحح عليه لكن ممن أعرب القرآن وقع في أغلاط هذا ظاهر لأنهم ليسوا بمعصومين.

"مِنْهَا أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ يَجُوزُ" مِنْ قَبْلِ وَمِنْ بَعْدِ" وَإِنَّمَا يَجُوزُ" مِنْ قَبْلٍ وَمِنْ بَعْدٍ عَلَى أَنَّهُمَا نَكِرَتَانِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى مِنْ مُتَقَدِّمٍ وَمِنْ مُتَأَخِّرٍ. {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. {يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ} يَعْنِي مِنْ أَوْلِيَائِهِ، لِأَنَّ نَصْرَهُ مُخْتَصٌّ بِغَلَبَةِ أَوْلِيَائِهِ لِأَعْدَائِهِ، فَأَمَّا غَلَبَةُ أَعْدَائِهِ لِأَوْلِيَائِهِ فَلَيْسَ بِنَصْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْتِلَاءٌ وَقَدْ يُسَمَّى ظَفرًا. {وَهُوَ الْعَزِيزُ} في نقمته "

الكلام الذي المفسر جيد -رحمه الله- يقول إن غلبة المسلمين لغيرهم نصر من الله -جل وعلا- وأما بغلبة غيرهم لهم فليس بنصر للأعداء وإنما هو ابتلاء للمسلمين لأن مثل هذا وقع ابتلاء وامتحان بسبب مخالفاتهم وأما الكافر فلا ينتصر لأنه أشد مخالفة من المسلم المخالف فليس بنصر على أي حال لكنه ابتلاء للمسلمين.

" {وَهُوَ الْعَزِيزُ} في نقمته {الرَّحِيمُ} لأهل طاعته"

لأن الله -جل وعلا- قال {ولينصرن الله من ينصره} {إن تنصروا الله ينصركم} والكفار ما نَصروا الله -جل وعلا- فكيف ينتصرون؟ فغلبتهم ليست بنصر.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} لِأَنَّ كَلَامَهُ صِدْقٌ. {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} وَهُمُ الْكُفَّارُ وَهُمْ أَكْثَرُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مُشْرِكُو مَكَّةَ وَانْتصبَ {وَعْدَ اللَّهِ} عَلَى الْمَصْدَرِ: أَيْ وَعَدَ ذَلِكَ وَعْدًا. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى مِقْدَارَ مَا يَعْلَمُونَ فَقَالَ: {يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا} يَعْنِي أَمْرَ مَعَايِشِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ: مَتَى يَزْرَعُونَ وَمَتَى يَحْصُدُونَ، وَكَيْفَ يَغْرِسُونَ وَكَيْفَ يَبْنُونَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ."

العلم الذي يعرفه الكفار لا يسمى علم في الحقيقة لأنه قال {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الكفار لا يعلمون فالعلم منفي عنهم وإن علموا شيء من أمور دنياهم فإن هذا لا يسمى علم في الحقيقة فعلمهم بأمور دنياهم لا يسمى علم العلم إنما هو العلم بالله جل وعلا والعلم بأحكامه أما علم أمور الدنيا فليس بعلم وإن تواطأ الناس على تخصيص لفظ العلم به هم يقولون هذا تخصصه علمي هذا أدبي علمي يعني تجريبي من علوم الدنيا البحتة وهذا مخالفة لما جاء في النصوص فالعلم العلم قال الله قال رسوله وهذا في ميزان الشرع أما في ميزان أهل الدنيا فليسموه ما سموه، علومهم بأمور دنياهم لا يسمى علمًا ولا تدخل في النصوص إلا بقدر ما تورثه من خشية الله -جل وعلا- ومعرفة لأن بعض العلوم وإن كانت دنيوية إلا أنها فيها شيء مما يورث الخشية لله -جل وعلا- عند التدبر والتأمل والتفكر والنظر والاعتبار ولذا يوجد من بعض الأطباء يوجد من بعض المهندسين يوجد من بعض أصحاب العلوم الأخرى  عندهم شيء من الاستقامة والالتزام بسبب ما أثر فيه علمهم من خلال النظر والتفكر والتدبر  وإلا فأصل علومهم ليست بعلم في ميزان الشرع ولا تدخل فيما أعد الله -جل وعلا- لأهل العلم في الدنيا والآخرة أبدا بل شأنها شأن الصناعات والأعمال الأخرى والزراعة والحراثة كلها أمور دنيا ومثلها الطب والهندسة والجيولوجيا والكيمياء وغيرها.

طالب: ..........

لا.

طالب: ...........

لا، {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

طالب: ...........

يعلمون هذا العلم الذي هو علم الدنيا علم الدنيا الذي هو خلاف الجهل هذا خلاف الجهل أما العلم الذي يورث الخشية الذي جاء مدحه في النصوص لا يعلمونه وهو العلم الحقيقي ولذلك المرجَّح أن ما يحمله الفساق ليس بعلم وإن كان بقال الله وقال الرسول {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} هل نقول أن الفاسق إذا كان يعرف الحكم لا تقبل توبته؟! إذا شرب الخمر ويعرف أن الخمر حرام تقبل توبته أو ما تقبل؟ الحصر عدنا {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} فدل على أنه كل من عصى الله فهو جاهل وليس بعالم ولا يجتمع علم وجهل في آن واحد فهو جاهل قال كثير من السلف كل من عصى الله فهو جاهل وهو مفاد الآية فضلا عن الكافر، جاء في الحديث المختلف في صحته «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله».

"{يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا} يَعْنِي أَمْرَ مَعَايِشِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ: مَتَى يَزْرَعُونَ وَمَتَى يَحْصُدُونَ، وَكَيْفَ يَغْرِسُونَ وَكَيْفَ يَبْنُونَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ بُنْيَانُ قُصُورِهَا، وَتَشْقِيقُ أَنْهَارِهَا وَغَرْسُ أَشْجَارِهَا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقِيلَ: هُوَ مَا تُلْقِيهُ الشَّيَاطِينُ إِلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا عِنْدَ اسْتِرَاقِهِمُ السَّمْعَ مِنْ سَمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقِيلَ: الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ" أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ". قُلْتُ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"

نعم الكفار وإن علموا الدقائق والخفايا من علوم الدنيا إلا أن هذا ظاهر وليس بحقيقي ليس بالعلم الباطن الذي يورث الآثار المترتبة عليه لأنهم لو علموا علما حقيقيا باطنا لأسلموا لأنه لا شيء في هذا الوجود إلا ويدل على عظمة الخالق ولا شيء إلا يسبح بحمده ولا شيء إلا يدل على حكمته وتفرده بالخلق والإيجاد فمادام ما انتفعوا فعلمهم ظاهري وليس بباطن.

"حَتَّى لَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ: بَلَغَ وَاللَّهِ مِنْ عِلْمِ أَحَدِهِمْ بِالدُّنْيَا أَنَّهُ يَنْقُدُ الدِّرْهَمَ فَيُخْبِرُكَ بِوَزْنِهِ وَلَا يُحْسِنُ أَنْ يُصَلِّيَ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَردُ: قَسَّمَ كِسْرَى أَيَّامَهُ فَقَالَ: يَصْلُحُ يَوْمُ الرِّيحِ لِلنَّوْمِ، وَيَوْمُ الْغَيْمِ لِلصَّيْدِ، وَيَوْمُ الْمَطَرِ لِلشُّرْبِ وَاللَّهْوِ، وَيَوْمُ الشَّمْسِ لِلْحَوَائِجِ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: مَا كَانَ أَعْرَفَهُمْ بِسِيَاسَةِ دُنْيَاهُمْ، يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. {وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ} أَيْ عَنِ الْعِلْمِ بِهَا وَالْعَمَلِ لَهَا {هُمْ غافِلُونَ} قَالَ بَعْضُهُمْ:

وَمِنَ الْبَلِيَّةِ أَنْ تَرَى لَكَ صَاحِبًا

 

فِي صُورَةِ الرَّجُلِ السَّمِيعِ الْمُبْصِرِ

فَطِنٍ بِكُلِّ مُصِيبَةٍ فِي ماله

 

وإذا يصاب بدينه لم يشعر

يعني إذا عرفوا أمور السياسة أمور السياسة معرفتهم لها على قدر حاجتهم وحاجة أتباعهم يعني سياستهم مناسبة لما هم عليه من كفر وفجور لكن هل يصح أن نستمد منهم ما عرفوه من أمور السياسة وأن ندرس كتبهم أو ندرس في مدارسهم ونقول أنا نستفيد السياسة منهم لأنهم عرفوا أمور السياسة وهم أعرف بها منا؟ الصحابة -رضوان الله عليهم- حينما فتحوا الأقاليم والبلدان والأمصار وصاروا أمراء عليها ما احتاجوا إلى تعلم غير علم الكتاب والسنة وقادوا العالَم وسادوا الناس بالعدل والحكمة والمعرفة بمراد الله -جل وعلا- من كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ما درسوا شيء ولذلك كون الإنسان يريد أن إذا أراد عملا يدرس مقدماته كأن مثلا إدارة أو سياسة أو وزارة أو ما أشبه ذلك إذا عرف نصوص الكتاب والسنة وقد آتاه الله -جل وعلا- فهما ثاقبا بهما ما يحتاج إلى شيء.

الآن لا يوجد شيء إلا ويُدرَس دراسة حتى الخدمة في المطاعم يسمونها السفرجية هذه لها مدراس وكيف يدرس؟ يدرس كيف يفرش ما يوضع عليه الطعام؟ وكيف يضع الطعام عن يمين الآكل أو عن شماله؟ وكيف يرتب المقبِّلات؟ وكيف يفعل كذا؟ هذه تُدرَس عندهم ويكثر السؤال حينما تكون هذه الدراسة على خلاف ما جاء في الشرع يقولون درسنا أمور السفرجة هذه وخدمة الزبائن بأن نضع كل شيء عن يساره حتى الملعقة والشوكة عن يساره باعتبار أن هذه الدراسات كلها معتمدة على هذا من أجل أن يأخذ الملعقة بشماله ويأكل بشماله من أجل أن ييسر أمره ولو وضعها عن يمينه طرده صاحب المطعم لأنه ما طبق ما تعلم هذه أمور حقيقة في ديننا لا حاجة لنا بها الإنسان يعرف كيف يضع الطعام؟ وكيف يصنع الطعام؟ وكيف يأكل الطعام؟ ما تحتاج إلى شيء ووقت المسلم أهم وأغلى من أن يضاع بمثل هذه الأمور وهذه أمور تؤخذ بالخبرة لا تؤخذ بالدراسة مثل قيادة السيارة الآن لها مدارس لكن هل معرفة من تعلم في هذه المدارس وحفظ كتبها وقوانينها أعرف بالقيادة من شباب المسلمين الذين تعلموا  على سيارات آبائهم من غير علمهم صاروا يديرونها إدارة فائقة؟ فضلا عن العلوم الشرعية مثل تخريج الأحاديث له كتب لكن أي هذا ولا معاناة الكتب واستخراج النصوص من بطونها؟ أيهم الذي يربي طالب علم؟ يعني لو جمعت فهارس الدنيا عندك في الكتبة وتيسر عليك أي حديث تريده أو آية أو أي قول من خلال هذه الآيات أي هذا أفضل أو أن تتعلم من بطون الكتب وتتمرن عليها وتكون لا حاجة لك بهذه الفهارس؟ هذه العلوم لا شك أنها طارئة يعني ما تجد في كتب المتقدمين كتب تخريج يعني تخريج نظري ما هو تخريج عملي تخريج نظري يعني قواعد التخريج أما الكتب التخريج العملي الذي هو تخريج الكتب وعزوه إلى.. هذا موجود عندهم -والله المستعان-.

"قوله تعالى {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ} قَوْلُهُ:" فِي أَنْفُسِهِمْ" ظَرْفٌ لِلتَّفَكُّرِ وَلَيْسَ بِمَفْعُولٍ، تَعَدَّى إِلَيْهِ" يَتَفَكَّرُوا" بِحَرْفِ جَرٍّ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا أَنْ يَتَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ أَنْفُسِهِمْ، إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَسْتَعْمِلُوا التَّفَكُّرَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَنْفُسِهِمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ..."

{أولم يتفكروا في أنفسهم} كأن المفسر يرى أن قوله {في أنفسه} يعني بدون واسطة يعني يتفكروا بأنفسهم هم الذين يتفكرون لا يجعلون هناك واسطة بينهم ويتفكرون ما خلق الله السموات والأرض يعني يتفكرون في خلق السماوات والأرض مع أنه لا يوجد ما يمنع بل يطلب شرعا أن يتفكر الإنسان في خلقه {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} في نفسك العجائب لو تفكرت فيها لكفتك فضلا عما هو بجوارك فضلا عما بعُد عنك من خلق السماوات والأرض على عظمهم {إن في خلق السموات واختلاف الليل والنهار والأرض لآيات لأولي} الألباب لكن ما كل الناس لهم ألباب يعقلون بها عن الله -جل وعلا- مراده.

"إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَسْتَعْمِلُوا التَّفَكُّرَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَنْفُسِهِمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ وَغَيْرَهَا إِلَّا بِالْحَقِّ. قَالَ الزَّجَّاجُ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، أَيْ فَيَعْلَمُوا، لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ دَلِيلًا عَلَيْهِ {إِلَّا بِالْحَقِّ} قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ إِلَّا لِلْحَقِّ، يَعْنِي الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَقِيلَ: إِلَّا لِإِقَامَةِ الْحَقِّ. وَقِيلَ:" بِالْحَقِّ" بِالْعَدْل وَقِيلَ: بِالْحِكْمَةِ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَقِيلَ:" بِالْحَقِّ" أَيْ أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ وَلِلْحَقِّ خَلَقَهَا، وَهُوَ الدَّلَالَةُ على توحيده وقدرته. {وَأَجَلٍ مُسَمًّى} أي للسموات والأرض أجل يَنْتَهِيَانِ إِلَيْهِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الْفَنَاءِ، وَعَلَى أَنَّ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ أَجَلًا، وَعَلَى ثَوَابِ الْمُحْسِنِ وَعِقَابِ الْمُسِيءِ. وَقِيلَ:" وَأَجَلٍ مُسَمًّى" أَيْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فِي وَقْتٍ سَمَّاهُ لِأَنْ يخْلقَ ذَلِكَ الشَّيْءَ فِيهِ."

ولا شك أن كل شيء من خلق الله محدد، محدد بدايته ومحدد نهايته كل شيء محدد والأجل إنما يضرب للاحق غالبا فله أجل قبل أن يُخلق لخلقه وله أجل بعد خلقه لنهايته.

"{وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ} اللَّامُ لِلتَّوْكِيدِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَكَافِرُونَ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ، عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، أَيْ لَكَافِرُونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَتَقُولُ: إِنَّ زَيْدًا فِي الدَّارِ لَجَالِسٌ."وَلَوْ قُلْتَ: إِنَّ زَيْدًا لَفِي الدَّارِ لَجَالِسٌ جَازَ."

اسمها لام التوكيد تدخل على المبتدأ فلما أكدت الجملة بإنَّ زُحلقت هذه اللام إلى الخبر كما في الآية {وإن كثير من الناس بلقاء ربهم لكافرون} يسميها النحاة اللام المزحلقة.

"فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ زَيْدًا جَالِسٌ لَفِي الدَّارِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ اللَّامَ إِنَّمَا يُؤْتَى بِهَا تَوْكِيدًا لِاسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا."

والجار والمجرور ليس باسم ولا خبر إن زيدًا، زيدًا اسم إن وجالس خبرها لماذا تؤكد بعد الجملة؟ إذا انتهت الجملة ما تحتاج إلى تأكيد.

"وَإِذَا جِئْتَ بِهِمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَأْتِيَ بِهَا. وَكَذَا إِنْ قُلْتَ: إِنَّ زَيْدًا لَجَالِسٌ لَفِي الدَّارِ لَمْ يجز.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا} بِبَصَائِرِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ. {كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ} أَيْ قَلبُوهَا لِلزِّرَاعَةِ، لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ حَرْثٍ، قال الله تعالى {تُثِيرُ الْأَرْضَ} البقرة: 71 {وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها} أَيْ وَعَمَرُوهَا أُولَئِكَ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا هَؤُلَاءِ فَلَمْ تَنْفَعْهُمْ عِمَارَتُهُمْ وَلَا طُولُ مُدَّتِهِمْ {وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ} أَيْ بِالْمُعْجِزَاتِ. وَقِيلَ: بِالْأَحْكَامِ فَكَفَرُوا وَلَمْ يُؤْمِنُوا. {فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} بِأَنْ أَهْلَكَهُمْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَلَا رُسُلٍ وَلَا حُجَّةٍ. {وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالشرك والعصيان."

طالب: ... في قصة إبليس ذكر... سليمان والله -جل وعلا- أعطى سليمان أعطى...

لا ينبغي لأحد من بعده.

طالب: والله –عز وجل-... {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت}...

طيب.

طالب: وذكر في آية أخرى {إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد} كيف الجمع...؟

الجمع أن التفضيل من وجه لا يقتضي التفضيل المطلق لا يقتضي التفضيل المطلق يعني لو نظرت إلى مُلك ملوك الدنيا الآن أمريكا أو بريطانيا أو كذا ويقول لك واحد هذا أعظم من ملك سليمان والله -جل وعلا- أجاب دعوته وأعطاه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده يعني فيه شيء من الآيات لا ينبغي لأحد من بعده وهؤلاء صار لهم شيء لم يملكه من تقدمهم فهل الريح الآن تخدم أحد من ملوك الأرض؟! تخدمه كيفما يشاء يسيرها؟! هل الشياطين تخدم أحد من ملوك الأرض بدون شرك؟! تخدمه كيفما شاء؟! تُحضِر له العرش قبل أن يرتد إليه طرفه؟! هذا الملك لا ينبغي لأحد من بعده وغير ذلك مما كان في ملك سليمان فكونهم يخترعون أمورًا ليست مثل يعني الطائرات هذه ما هي أكثر حوادثها بينما الريح التي يسيرها سليمان في ساعة تذهب إلى الهند وترجع بدون حوادث وبدون شيء {رخاء حيث أصاب} حيث أراد وكيفما شاء هذا ملك حصل لأحد بعد سليمان؟! يعني شياطين الإنس والعفاريت والذي عنده علم يأتي بالشيء قبل أن يغمض قبل أن يرتد إليك طرفك هذا ما يصير لأحد الشياطين قد يخدمون بعض الإنس إذا أشركوا بهم وليست الخدمة من كل وجه يعني يخدمونه في شيء في مقابل شركهم لكن هل هذا مثل ملك سليمان؟! لا لا، ما يقوله أحد.

طالب: .. سماع كلام الحشرات.

نعم يسمع كل شيء يسمع..

طالب : .....

لا أمور، أمور لو تؤملت لا يوجد ملك مثل ملك سليمان.

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ.. قوله على أن لكل مخلوق أجل استثنى منها يا شيخ الجنة والنار والعرش؟

أين؟

طالب: في الآية السابقة، وعلى أن لكل مخلوق أجلا.

لا شك أن هناك أشياء لا تفنى هناك أشياء لا تفنى.

ثمانية حكم البقاء يعمها

 

من الخلق والباقون في حيز العدم

هي العرش والكرسي نارٌ وجنةٌ

 

وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم

ثمانية أشياء ما تفنى أما البقية كلها تفنى.

"قوله تعالى: {ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُوا السُّوأى} السُّوأَى فُعْلَى مِنَ السُّوءِ تَأْنِيثُ الْأَسْوَأِ وَهُوَ الْأَقْبَحُ، كَمَا أَنَّ الْحُسْنَى تَأْنِيثُ الْأَحْسَنِ. وَقِيلَ: يعْنى بِهَا هَاهُنَا النَّارَ، قَالَهُ ابْنُ عباس. ومعنى" أَساؤُوا" أَشْرَكُوا، دَلَّ عَلَيْهِ" أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ"." السُّوأى ": اسْمُ جَهَنَّمَ، كَمَا أَنَّ الْحُسْنَى اسْمُ الْجَنَّةِ. {أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ} أَيْ لِأَنْ كَذَّبُوا قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَقِيلَ: بِأَنْ كَذَّبُوا وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو" ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ" بِالرَّفْعِ اسْمُ كَانَ، وَذُكِّرَتْ لِأَنَّ تَأْنِيثَهَا غير حقيقي. و" السوأى " خَبَرُ كَانَ. وَالْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى خَبَرِ كَانَ و" السوأى " بِالرَّفْعِ اسْمُ كَانَ."

مثل قوله تعالى {ليس البر أن تولوا} والرب خبر ليس وأن وما دخلت عليه في تأويل المصدر اسم ليس وهنا ثم كان عاقبة خبر كان أن كذبوا يعين تكذيبهم اسم كان مؤخر.

 "وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُهَا التَّكْذِيبُ، فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ: ثُمَّ كَانَ التَّكْذِيبُ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا وَيَكُونَ السُّوأَى مَصْدَرًا لِأَسَاؤُوا، أو صفة لمحذوف، أي الخلة السوأى. وَرُوِيَ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَرَأَ" ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءُ" بِرَفْعِ السُّوءِ. قَالَ النحاس: السوء أشد الشر، والسوأى الْفُعْلَى مِنْهُ {أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ} قِيلَ بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ وقال مُقَاتِلٌ: بِالْعَذَابِ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ. وقال الضَّحَّاكُ: بِمُعْجِزَاتِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ}."

وما ذكر هي مجرد أمثلة لآيات الله وإلا فهي أكثر من ذلك فقد كذبوا بها كلها.

طالب: ......

كل شيء له تعريفه، لكن يتداخلان أحيانا آية وعلامة ومعجزة وأمارة كلها تأتي بمعنى واحد لكن بالتعريف الخاص كل له ما يخصه دلائل النبوة معجزات النبوة ما يدل عليها.

"قوله تعالى {اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ} قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ" يُرْجَعُونَ" بِالْيَاءِ. الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ. {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ" يُبْلَسُ" بِفَتْحِ اللَّامِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ: أَبْلَسَ الرَّجُلُ إِذَا سَكَتَ وَانْقَطَعَتْ حُجَّتُهُ، وَلَمْ يُؤملْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ وَقَرِيبٌ مِنْهُ: تَحَيَّرَ، كَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ:

يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسًا

 

قَالَ نعم أعرفه وأبلسا

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ إِبْلِيسَ مُشْتَقٌّ مِنْ هَذَا، وَأَنَّهُ أَبْلَسَ لِأَنَّهُ انْقَطَعَتْ حُجَّتُهُ قال النَّحَّاسُ: وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَوَجَبَ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ. قال الزَّجَّاجُ: الْمُبْلِسُ السَّاكِتُ الْمُنْقَطِعُ."

في القرآن غير منصرف لأنه أعجمي ولو كان مأخوذ من المادة أبلس وهي مادة عربية لانصرف.

"قال الزَّجَّاجُ: الْمُبْلِسُ السَّاكِتُ الْمُنْقَطِعُ فِي حُجَّتِهِ، الْيَائِسُ مِنْ أَنْ يَهْتَدِيَ إِلَيْهَا. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ} أي ما عبدوه مِنْ دُونِ اللَّهِ {شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ} قَالُوا لَيْسُوا بِآلِهَةٍ فَتَبَرَّؤُوا مِنْهَا وَتَبَرَّأَتْ مِنْهُمْ، حسبما تقدم في غير موضع.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} يعني المؤمنين من الكافرين. ثم بين كيف تفريقهم فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} قَالَ النَّحَّاسُ: سَمِعْتُ الزَّجَّاجَ يقول: معنى" أَمَّا" دَعْ مَا كُنَّا فِيهِ وَخُذْ فِي غَيْرِهِ. وَكَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنَّ مَعْنَاهَا مَهْمَا كُنَّا في شيء فَخُذْ فِي غَيْرِ مَا كُنَّا فِيهِ."

يعني كلٌ له سبيله ويكون المجموع إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير هؤلاء يعرفون سبيلهم وأولئك يعرفون سبيلهم.

"{فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} قَالَ الضَّحَّاكُ: الرَّوْضَةُ الْجَنَّةُ، وَالرِّيَاضُ الْجِنَانُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الرَّوْضَةُ مَا كَانَ فِي تَسَفُّلٍ، فَإِذَا كَانَتْ مُرْتَفِعَةً فَهِيَ تُرْعَةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَحْسَن مَا تَكُونُ الرَّوْضَةُ إِذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ غَلِيظٍ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:

مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْحَزْنِ مُعْشِبَةٌ

 

خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ

يُضَاحِكُ الشَّمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شَرقٌ

 

مُؤَزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ

يَوْمًا بِأَطْيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ

 

وَلَا بِأَحْسَنَ مِنْهَا إِذْ دَنَا الْأصلُ

إِلَّا أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهَا رَوْضَةٌ إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهَا نَبْتٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَبْتٌ وَكَانَتْ مُرْتَفِعَةً فَهِيَ تُرْعَةٌ. وَقَدْ قِيلَ فِي التُّرْعَةِ غَيْرُ هذ قال الْقُشَيْرِيُّ: وَالرَّوْضَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَا يَنْبُتُ حول
الْغَدِيرِ مِنَ الْبُقُولِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْعَرَبِ شيء أَحْسَنُ مِنْهُ قال الْجَوْهَرِيُّ: وَالْجَمْعُ رَوْضٌ وَرِيَاضٌ، صَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرِ مَا قَبْلَهَا وَالرَّوْضُ: نَحْوٌ مِنْ نِصْفِ الْقِرْبَةِ مَاءً. وَفِي الْحَوْضِ رَوْضَةٌ مِنْ مَاءٍ إِذَا غَطَّى أَسْفَلَهُ. وَأَنْشَدَ أَبُو عَمْرٍو:

وَرَوْضَةٍ سَقَيْتُ مِنْهَا نِضْوَتِي

 

...................................

 (يُحْبَرُونَ) قَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ عَبَّاسٍ: يُكْرَمُونَ. وَقِيلَ يُنَعَّمُونَ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ يُسَرُّونَ السُّدِّيُّ: يَفْرَحُونَ. وَالْحَبْرَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ: السُّرُورُ وَالْفَرَحُ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْحَبْرُ: الْحُبُورُ وَهُوَ السُّرُورُ، وَيُقَالُ: حَبرَهُ يَحْبُرُهُ (بِالضَّمِّ) حَبْرًا وَحَبَرَةً، قَالَ تَعَالَى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} أَيْ يُنَعَّمُونَ وَيُكْرَمُونَ وَيُسَرُّونَ. وَرَجُلٌ يَحْبُورٌ يَفْعُولٌ مِنَ الْحُبُورِ. قال النَّحَّاسُ: وَحَكَى الْكِسَائِيُّ حَبَرْتُهُ أَيْ أَكْرَمْتُهُ وَنَعَّمْتُهُ. وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَلَى أَسْنَانِهِ حَبْرَةٌ أَيْ أَثَرٌ، فَيُحْبَرُونَ يَتَبَيَّنُ عَلَيْهِمْ أَثَرُ النَّعِيمِ. وَالْحَبْرُ مُشْتَقٌّ مِنْ هَذَا. قَالَ الشَّاعِرُ:

لَا تَمْلَأُ الدَّلْوَ وَعَرِّقْ فِيهَا

 

أَمَا تَرَى حَبَارَ مَنْ يَسْقِيهَا

وَقِيلَ: أَصْلُهُ مِنَ التَّحْبِيرِ وَهُوَ التَّحْسِينُ، فَيُحْبَرُونَ يُحَسَّنُونَ."

مثل ما قال أبو موسى للنبي-عليه الصلاة والسلام- لما علم أنه يسمع قراءته وما علم أثناء القراءة لكن علم بعد ذلك فقال لو علمت لحبرت تحبيرا يعني حسنته وزدت في تحسينه.

"يُقَالُ: فُلَانٌ حَسَنُ الْحَبْر وَالسَّبْر إِذَا كَانَ جَمِيلًا حَسَنَ الْهَيْئَةَ وَيُقَالُ أَيْضًا: فُلَانٌ حَسَنُ الْحَبْرِ وَالسَّبْرِ."

الأولى بالكسر الحِبْر والسِّبْر والثانية بالفتح.

"فُلَانٌ حَسَنُ الْحِبْر وَالسِّبْر إِذَا كَانَ جَمِيلًا حَسَنَ الْهَيْئَةَ وَيُقَالُ أَيْضًا: فُلَانٌ حَسَنُ الْحَبْرِ وَالسَّبْرِ (بِالْفَتْحِ)، وَهَذَا كَأَنَّهُ مَصْدَرُ قَوْلِكَ: حَبَرَتْهُ."

حَبَرْتُه.

"حَبَرْتُهُ حَبْرًا إِذَا حَسَّنْتُهُ.

حسنتَه.

"وَالْأَوَّلُ اسْمٌ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ النَّارِ ذَهَبَ حِبْرُهُ وَسِبْرُهُ»."

مخَرَّج؟

طالب: قال ذكره ابن الجوزي في غريب الحديث والزمخشري في الفائق وابن الأثير في النهاية ولم أره في مسندًا..."

نعم.

"وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ {فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} قَالَ: السَّمَاعُ فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: إِذَا أَخَذَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي السَّمَاعِ لَمْ تَبْقَ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا رَدَّدَتِ الْغِنَاءَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْ إِسْرَافِيلَ، فَإِذَا أَخَذَ فِي السَّمَاعِ قَطَعَ على أهل سبع سموات صَلَاتَهُمْ وَتَسْبِيحَهُمْ. زَادَ غَيْرُ الْأَوْزَاعِيِّ: وَلَمْ تَبْقَ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا رَدَّدَتْ، وَلَمْ يَبْقَ سِتْرٌ وَلَا بَابٌ إِلَّا ارْتجَّ وَانْفَتَحَ، وَلَمْ تبق حلقة إِلَّا طَنَّتْ بِأَلْوَانِ طَنِينِهَا، وَلَمْ تَبْقَ أَجَمَةٌ مِنْ آجَامِ الذَّهَبِ إِلَّا وَقَعَ أُهْبُوبُ الصَّوْتِ فِي مَقَاصِبِهَا فَزَمَرَتْ تِلْكَ الْمَقَاصِبُ بِفُنُونِ الزَّمْرِ، ولم تبق جارية من جوار الْحُورِ الْعِينِ إِلَّا غَنَّتْ بِأَغَانِيهَا، وَالطَّيْرُ بِأَلْحَانِهَا، وَيُوحِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنْ جَاوِبُوهُمْ وَأَسْمِعُوا عِبَادِيَ الَّذِينَ نَزَّهُوا أَسْمَاعَهُمْ عَنْ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ فَيُجَاوِبُونَ بِأَلْحَانٍ وَأَصْوَاتٍ رُوحَانِيَّيْنِ فَتَخْتَلِطُ هَذِهِ الْأَصْوَاتُ فَتَصِيرُ رَجَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: يَا دَاوُدُ قُمْ عِنْدَ سَاقِ عَرْشِي فَمَجِّدْنِي، فَيَنْدَفِعُ دَاوُدُ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ بِصَوْتٍ يَغْمُرُ الْأَصْوَاتَ وَيُجْلِيهَا وَتَتَضَاعَفُ اللَّذَّةُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ رَحِمَهُ اللَّهُ."

تفرد الحكيم به دليل على ضعفه ولبعضه شواهد جاء ما يدل على أن من سمع الغنا في الدنيا لم يسمعها في الآخرة.

"وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ -اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُذْكِّرُ النَّاسَ، فَذَكَرَ الْجَنَّةَ وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ وَالنَّعِيمِ، وَفِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ سَمَاعٍ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ يَا أَعْرَابِيُّ! إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَنَهْرًا حَافَّتَاهُ الْأَبْكَارُ مِنْ كُلِّ بَيْضَاءَ خمْصَانِيَّةٌ يَتَغَنَّيْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ تَسْمَعِ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهَا قَطُّ فَذَلِكَ أَفْضَلُ نعيم الجنة» فسأل رجل أبا الدرداء: بماذا يَتَغَنَّيْنَ؟ فَقَالَ: بِالتَّسْبِيحِ وَالْحمْصَانِيَّةُ: الْمُرْهَفَةُ الْأَعْلَى."

الخمصانية.

"وَالْخمْصَانِيَّةُ: الْمُرْهَفَةُ الْأَعْلَى الْخُمْصَانَةُ الْبَطْنِ، الضَّخْمَةُ الْأَسْفَلِ."

لكن كما جاء في الأحاديث الصحيحة أن أفضل نعيم أهل الجنة النظر إلى وجه الله -جل وعلا- النظر إلى الله -جل وعلا-.

قال عنه شيء؟

طالب: قال ضعيف جدا ذكره الزمخشري في تفسيره وقال الحافظ فيه سليمان بن عطاء منكر الحديث.

نعم.

"قُلْتُ: وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ النَّعِيمِ وَالسُّرُورِ وَالْإِكْرَامِ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ تِلْكَ الأقوال وأين هذا من قوله الْحَقِّ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] عَلَى مَا يَأْتِي. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» وَقَدْ رُوِيَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَأَشْجَارًا عَلَيْهَا أَجْرَاسٌ مِنْ فِضَّةٍ، فَإِذَا أَرَادَ أَهْلُ الْجَنَّةِ السَّمَاعَ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ فَتَقَعُ فِي تِلْكَ الْأَشْجَارِ فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الْأَجْرَاسَ بِأَصْوَاتٍ لَوْ سَمِعَهَا أَهْلُ الدُّنْيَا لَمَاتُوا طَرَبًا» ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا} تَقَدَّمَ الْكَلَامِ فِيهِ {وَلِقاءِ الْآخِرَةِ} أَيْ بِالْبَعْثِ {فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ} أَيْ مُقِيمُونَ وَقِيلَ: مَجْمُوعُونَ وَقِيلَ: مُعَذَّبُونَ وَقِيلَ: نَازِلُونَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} أَيْ نَزَلَ بِهِ، قَالَهُ ابْنُ شَجَرَةٍ، وَالْمَعْنَى متقارب."

بركة.

اللهم صل وسلم...

طالب: الجمعة إن شاء الله؟

إن شاء الله.

 

 

"