شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 25

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحّب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: قال المصنف -رحمنا الله وإياه-: عن البراء -رضي الله عنه- قال: كان أصحاب محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- إذا كان الرجل صائمًا، فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه، حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعامٌ؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبةً لك، فلما انتصف النهار غُشي عليه، فذكر ذلك للنبي –صلى الله عليه وسلم- فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ} [سورة البقرة 187] ففرحوا بها فرحًا شديدًا، ونزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [سورة البقرة 187].

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

راوي الحديث البراء بن عازب بن الحارث بن عديٍ الأنصاري الأوسي، صحابي بن صحابي، استصغر يوم بدر. 

المقدم: عازب صحابي؟

نعم، في قصة الهجرة قصةٌ معروفة، نزل الكوفة، ومات سنة اثنتين وسبعين، وتقدم التعريف به في باب الصلاة من الإيمان، والحديث ترجم عليه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، بقوله: باب قول الله -جل ذكره-: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ} [سورة البقرة 187]. 

يقول ابن حجر: المراد بهذه الترجمة بيان ما كان الحال عليه قبل نزول هذه الآية، بيان ما كان الحال عليه قبل نزول هذه الآية؛ لأن القصة، قصة قيس بن صرمة، تبين ما كان عليه الأمر قبل نزول الآية، ولما كانت هذه الآية منزلةً على أسبابٍ تتعلق بالصيام، عجل المصنف بها، وقد تعرض لها في التفسير أيضًا كما سيأتي؛ يعني مناسبتها لكتاب الصيام: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} [سورة البقرة 187] ظاهرة.

وإن كان سبب النزول الأصل أن يذكر في كتاب التفسير، لكن البخاري يذكر الخبر في الباب والكتاب لأدنى مناسبة، فكيف بهذه المناسبة الظاهرة؟ ويؤخذ من حاصل ما استقر عليه الحال من سبب نزولها ابتداء مشروعية السحور، وهو المقصود في هذا المكان؛ لأنه جعل هذه الترجمة مقدمة لأبواب السحور {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ} [سورة البقرة 187] يعني وما يتبعه مما كان ممنوعًا كالأكل والشرب، وهذا إيماء، بل مقدمة لأبواب السحور التي سترد تباعًا.

يقول العيني: مطابقته للترجمة من حيث إنه يبين سبب نزول الآية، وذكر الواحدي في أسباب النزول قال ابن عباس: في رواية الوالبي، وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان، إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء، والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن ناسًا من المسلمين أصابوا من الطعام، والنساء في شهر رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فشكوا ذلك إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله هذه الآية، أصابوا من الطعام في قصة؟ قيس بن صرمة، هو أصاب أم ما أصاب؟

المقدم: ما أصاب.

ما أصاب، إن ناسًا من المسلمين أصابوا من الطعام والنساء.

المقدم: كان يقصد عمر بن الخطاب؛ لأنه أشار إليه قبل؟

عمر أصاب من النساء، حين قالت: نامت، سيأتي كلام فيه، {عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ} [سورة البقرة 187] في هذا، وفي هذا، فلابد من وجود من أصاب من هذا، ومن هذا، فوقع الحرج، والحرج واقع سواءٌ كان ممن حصل منه هذا الأمر، من اختيان النفس، أو ممن لم يحصل منه ونفسه تتشوف إليه، فشكوا ذلك إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله هذه الآية.

وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قول الله تعالى-جل ذكره-: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ} [سورة البقرة 187] وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان، إذا صلوا العشاء حُرم عليهم النساء والطعام، إذا صلوا العشاء حُرم عليهم، يعني فترة الأكل من غروب الشمس إلى صلاة العشاء فقط، فإذا صلوا العشاء، أو نام أحدهم، ولو كان نومه قبل صلاة العشاء، حُرم عليه ذلك، كما في حديث الباب؛ لأنه لما جاءته بالطعام.

المقدم: جاءته وقد نام.

 فجاءته، وغلبته عيناه فنام.

المقدم: يعني المقصود أنهم إذا أدركوا الإفطار، أو يبدأ فترة المنع في فترة الإفطار، إذا لم يدركه يبدأ المنع؟

الآن، وقت الإفطار بغروب الشمس.

المقدم: طيب إذا حضر الإفطار، وهو مستيقظ أبيح له الأكل؟

 يأكل حتى ينام، إلى الأقرب، من النوم، أو صلاة العشاء.

المقدم: يعني العشاء جاءت حدًّا؟

جاءت حدًّا نعم للأكل.

المقدم: وهل ورد فيها نص؟

 ذكر الواحدي في أسباب النزول، قال ابن عباس في روايته: وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان، إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام، وهنا أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة ابن عباس -رضي الله عنه- في قول الله- تعالى ذكره-: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ} [سورة البقرة 187] وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان، إذا صلوا العشاء حُرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن ناسًا من المسلمين أصابوا الطعام، والنساء، في رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله: {عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [سورة البقرة 187] يعني يقول: انكحوهن، {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [سورة البقرة 187] على كل حال علي بن أبي بطلحة، لم ير ابن عباس، فهو منقطع.

وأخرج أيضًا عن الطبري من طريق ابن لهيعة قال: حدثني موسى بن جبير مولى بني سلمة، أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه- كعب بن مالك أحد الثلاثة- قال: كان الناس في رمضان، إذا صام الرجل، فأمسى، فنام حُرم عليه الطعام والشراب. في الأثرين السابقين: إذا صلوا العشاء، وهذا: كان الناس في رمضان، إذا صام الرجل، فأمسى، فنام، يعني مثل ما في قصة الباب قيس بن صرمة حُرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد، فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي –صلى الله عليه وسلم – ذات ليلة، وقد سمر عنده، فوجد امرأته قد نامت، فأرادها فقالت: إني قد نمت، فقال: ما نمتِ، ثم وقع بها، تصور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، أنها تريد أن تتخلص منه، فادعت النوم، وغلب على ظنه أنها ليست بصادقة مع الرغبة، ثم وقع بها، وصنع كعب بن مالك مثل ذلك، فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فأنزل الله- تعالى ذكره-: {عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [سورة البقرة 187] هذا أمثل مما سبق؛ لأن ما سبق فيه الانقطاع، وهنا فيه ابن لهيعة، عبد الله بن لهيعة، الكلام فيه لأهل العلم قوي، وهو مضعف من قبل جمعٍ منهم، لكن في مثل هذا يقبل؛ لأنه حُكم عليه بأنه ضعيف، وحُكم عليه بأنه صدوق، في مثل هذه الأمور يقال: لا سيما فيما يتعلق بأسباب النزول، والتفسير يتسامح فيها الأئمة، يتسامحون في رواتها؛ لأنها ليست مثل الأحكام، فيقبلون خبر ابن لهيعة في مثل هذا، كما قبلوا خبر ابن إسحاق في المغازي وغيرها. 

كان أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أي في أول افتراض الصيام، كما بين ذلك ابن جرير من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلاً. قال ابن بطال: ذكر إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن زيد بن أسلم، وإبراهيم التيمي قالا: كان المسلمون في أول الإسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب، إذا نام أحدهم لم يطعم، حتى تكون القابلة، فنسخ الله ذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [سورة البقرة 183] يعني مقتضى التشبيه المطابقة، وما دام عندهم أنهم إذا نام أحدهم لم يطعم، فلاشك أن الصيام في أول الأمر على ما كُتب عليهم، لكن على القول بأن شرع من قبلنا شرعٌ لنا، لكن التنصيص على أنه كتب علينا، كما كتب على من قبلنا من أهل الكتاب وغيرهم يدل على المطابقة إلا ما استثني في شرعنا، فكان الصيام مطابق لصيام من تقدم من أهل الكتاب، ثم نسخ ذلك تخفيفًا على هذه الأمة، وإلا فالصيام في أول الأمر مثل ما كتب على من قبلنا، إذا نام أحدهم لم يطعم، حتى تكون القابلة، ثم بعد ذلك خُفِّف عنا.    

وقال مجاهد: كان رجال من المسلمين يختانون أنفسهم في ذلك، فعفا الله عنهم، وأحل لهم الأكل والشرب والجماع بعد الرقاد، وقبله في الليل كله، صار ظرف الصيام النهار من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب الشمس، والليل ليس محلاًّ للصيام، إذا كان الرجل صائمًا، يعني منهم قبل النسخ، فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته، كذا جاء حل الأكل مقيدًا بالنوم، وفي رواية الزهير: كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئًا، ولا يشرب ليله ويومه، حتى تغرب الشمس، وهذا هو المشهور.

المقدم: إذا حضر الإفطار الأولى أن نقول: الإفطارُ، ولا يجوز أن يقول: الإفطارَ، باعتبار أن الحضور من الشخص؟

حضر الإفطارَ يعني حضر الشخص الإفطارَ، أو حضر الإفطار يعني وقته.

المقدم: نعم.

في قوله: فحضر الإفطار، الإفطارُ، أو الإفطارَ، نعم ضبطها أيش عندك؟

المقدم: عندي أنا ضبطتها بالضم، الفاعل الإفطار.

نعم الذي حضر الإفطار، ويحضر على سبيل التجوز، وإلا فهو يُحضر، وهو المراد الوقت.

المراد وقته، أو حضر الصائمُ الإفطارَ، وهذا نظير «عُفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت بها أنفسها» أنفسها تأتي على أنها تأكيد، أنفسها...، تأكيد أم النفس محدِثة أو محدَثة؟

المقدم: يعني إذا قال: أنفسها كأن النفس هي المحدثة.

المؤكدة «حدثت أنفسها»، وإذا قلنا بالنصب وهو القول الأكثر.

المقدم: النفس محدَّثة.

نعم، فالإنسان يحدث نفسه.

يقول: فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته، كذا جاء حل الأكل مقيدًا بالنوم، وفي رواية الزهير: كان إذا نام قبل أن يتعشى، لم يحل له أن يأكل شيئًا، ولا يشرب، في رواية الزهير: كان إذا نام قبل أن يتعشى، لم يحل له أن يأكل شيئًا، ولا يشرب ليله ويومه، حتى تغرب الشمس، وهذا هو المشهور. 

ما الفرق بين رواية الباب ورواية الزهير... فنام قبل أن يفطر؟ ما الفرق بينهما؟ وأيضًا لأبي الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون، ويشربون، ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا، لم يفعلوا شيئًا من ذلك إلى مثلها. فاتفقت الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيدًا بالنوم، وهذا هو المشهور في حديث غيره، وقُيِّد المنع في حديث ابن عباس بصلاة العتمة، أخرجه أبو داود بلفظ: كان الناس على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام، والشراب، والنساء، وصاموا إلى القابلة. ما عندنا في حديث الباب (فنام).  

وفي رواية أبي داود: كان الناس على عهد... إذا صلوا العتمة.

يعني مثل ما أشرنا سابقًا.

المقدم: يعني مثل ما قلنا: إما إذا صلى، وإما إذا نام قبل.

الأول منهما.

المقدم: نعم.

الأول منهما.

المقدم: يعني معنى ذلك أنه لم يكن يسمح لهم بالأكل إلا فترة ما بين المغرب والعشاء.

هذا على أبعد تقدير، لكن إذا نام قبل العشاء مُنع.

قال ابن حجر: يحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء؛ لكون ما بعدها مظنة النوم غالبًا، يعني ليست لذاتها؛ يعني صلاة العشاء غير مقصودة في الخبر، لكن في الغالب أن الناس ينامون بعد صلاة العشاء مباشرة، والتقييد في الحقيقة، إنما هو بالنوم، كما في سائر الأحاديث، ونقل في عون المعبود عن فتح الودود، وقد يقال: لا منافاة بينهما، فيجوز تقييد المنع بكلٍّ منهما، فأيهما تحقق أولاً، تحقق المنع، يعني أقربهما، الأول منهما يتعلق به المنع، وإن كان ميل ابن حجر إلى أن النوم هو الحد، هو الحد، وذكر صلاة العشاء؛ لكون ما بعدها مظنة النوم، لكن ما الذي يمنع إذا صح الخبر؟ كان الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام.

المقدم: نعم، لكن هنا -أحسن الله إليك-، نحن لم نأتِ أيضًا إلى شرح قصة قيس بن صرمة، حتى نسأل فيها، فيما يتعلق بنومه، هل كان قبل الإفطار، ولا وقت حلول الإفطار؟ بمعنى لو نام الإنسان قبل المغرب، وأخذه النوم، ولم يستيقظ إلا قبل العشاء بساعة، هل له أن يأكل؟ يعني، هل يتحقق في حقه الآن أنه أقرب إليه النوم من صلاة العشاء، فلو استيقظ قبل العشاء بساعة يجوز له أن يفطر، يأكل؟ هذا موضع السؤال. 

يقول: فحضر الإفطار.

المقدم: معناها أنه دخل الوقت.

نعم، قبل أن يفطر.

المقدم: نعم.

(لم يأكل ليلته) أي الليلة التي نام فيها قبل الأكل، ولا يومه الذي يليها، (حتى يمسي) أي حتى مغيب الشمس لا قبل ذلك؛ لأن قوله: حتى يمسي، الغاية هذه المساء يبدأ من زوال الشمس، فهل معنى هذا إلى أن تزول الشمس لا يأكل؟

المقدم: لا.

أو إلى أن تغيب الشمس.

المقدم: وقت الإفطار.

نعم وقت الإفطار المغيب، حتى مغيب الشمس لا قبل ذلك؛ لأن يمسي تعني دخل في المساء، والمساء من بعد الزوال، لكن هذا ليس بمراد إجماعًا.

وأن قيس بن صرمة بكسر الصاد المهملة وسكون الراء، هكذا سمي في هذه الرواية، ولم يختلف على إسرائيل فيه، إلا في رواية أبي أحمد الزبيري عنه، فإنه قال: صرمة بن قيس، والذي عندنا.

المقدم: قيس بن صرمة.

قيس بن صرمة، قال: قيس بن صرمة أخرجه أبو داود، وفي الإصابة لابن حجر: قيس بن صرمة، وقيل: صرمة بين قيس، ويقال: قيس بن مالك أبو صرمة، ويقال: قيس بن أنس أبو صرمة، وفرّق ابن حبان بين قيس بن مالك، وقيس بن صرمة، فقال: في كل منهما له صحبة. أحيانًا الواحد يُجعل اثنين، وأحيانًا الاثنان يجعلون واحدًا، وهذا يسمونه الجمع والتفريق، وفيه كتاب من أنفس ما دُوِّن في هذا الباب كتاب الخطيب موضح أوهام الجمع والتفريق، موضح أوهام الجمع والتفريق، البخاري يجعل الراوي الواحد اثنين، يقول أبو حاتم: هما واحد أو العكس، الخطيب درس أقوال كل من تقدم، وأبدى براعةً فائقة في هذا، ولما خشي أن يُظن به أنه جعل نفسه حكمًا على الأئمة، قدَّم بمقدمة يحتاج إليها كل طالب علم، فيها غاية الأدب مع الكبار، وإلا فكيف الخطيب يحكم بين البخاري وأمثال البخاري؟ لأن موضوع الكتاب شبه محاكمة، لكن كل طالب علم عليه أن ينظر في مقدمة هذا الكتاب؛ ليتأدب بهذا الأدب مع الكبار.   

وقال ابن حجر: في الإصابة قبل ذلك في ترجمة صرمة بن مالك الأنصاري، ذكره ابن شاهين، وابن قانع في الصحابة، وأخرج من طريقه هشيم بن حصين بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن رجلاً من الأنصار يقال له: صرمة بن قيس، وكان شيخًا كبيرًا، فجاء أهله عشاءً، وهو صائم، وكانوا إذا نام أحدهم قبل أن يفطر، لم يأكل إلى مثلها، والمرأة إذا نامت، لم يكن لزوجها أن يأتيها، حتى مثلها، فلما جاء صرمة إلى أهله دعا بعشائه فقالوا: أمهل حتى نجعل لك سخنًا تفطر عليه، الخبر. وعند النسائي: أبو قيس بن عمرو.

قال ابن حجر في الإصابة: فإن حمل في هذا الاختلاف على تعدد أسماء من وقع له ذلك، وهذه طريقة لبعض أهل العلم، إذا وجد اختلاف في الاسم قال: قصة ثانية، فصرمة بن قيس، غير قيس بن صرمة.

المقدم: بالتالي القصة وصلت مرتين.

خمس مرات على تعدد الأسماء، هذا منهج لبعضهم، وهذا في الغالب هي طريقة من لا يجرؤ على توهيم الرواة، وإلا فالأئمة الكبار يحكمون للراجح منها بأنه هو المحفوظ، وما عدا يحكم عليه بالشذوذ، وعند النسائي: أبو قيس بن عمرو.

قال ابن حجر في الإصابة: فإن حمل في هذا الاختلاف على تعدد الأسماء، من وقع له ذلك، وإلا فيمكن الجمع برد جميع الروايات إلى واحد، فإنه قيل فيه: صرمة بن قيس، وصرمة بن مالك، وصرمة بن أنس، وقيل فيه: قيس بن صرمة، وأبو قيس بن صرمة، وأبو قيس بن عمرو، فيمكن أن يقال: إن اسمه صرمة بن قيس.  

المقدم: لكن اختلف في اسمه.

صرمة بن قيس، فمن قال فيه: قيس بن صرمة، قلبه.

المقدم: أخطأ، قلبه.

كثرت الأقوال في اسمه، على ما سمعنا، فيمكن أن يقال: إن كان اسمه صرمة بن قيس، فمن قال فيه: قيس بن صرمة قلبه، كما يُقلب كعب بن مرة، مرة بن كعب.

المقدم: مثل البخاري قلبه؟

حكموا بأن رواية البخاري بعضهم قال: إنها غير محفوظة، فمن قال فيه: قيس بن صرمة قلبه، مثل ما يقال: في كعب بن مرة، ومرة بن كعب، ونصر بن علي، وعلي بن نصر، القلب معروف في أسماء الرواة، وإنما اسمه صرمة، وكنيته أبو قيس، أو العكس، اسمه قيس بن صرمة، وقلبه بعضهم وقال: صرمة بن قيس، وأما أبوه فاسمه قيس أو صرمة على ما تقرر من القلب، وكنيته أبو أنس، ومن قال فيه: أنس حذف أداة الكنية، ومن قال فيه: ابن مالك نسبه إلى جدٍّ له، والعلم عند الله تعالى، يعني هذا توفيق بين الروايات.

ونقل العيني عن أبي جعفر أحمد بن نصر الداودي، وابن التين، الداودي، وابن التين، من شراح البخاري، يخشى أن تكون رواية البخاري غير محفوظة، إنما هو صرمة، يعني وهذا يقتضي صنيع ابن حجر؛ لأنه ترجم له وأطال في حرف الصاد، وفي حرف القاف قيس أحال إلى حرف الصاد، فكأنهم يميلون إلى أن رواية البخاري غير محفوظة، لكن لا شك أن الأمة تلقت البخاري بالقبول، فالأولى أن يحكم له بالضبط والإتقان وما عداه غير محفوظ؛ لأن توهيم غير البخاري أسهل من توهيمه.

المقدم: صح.

جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم، لعلنا نستكمل بإذن الله ما تبقى في ألفاظ هذا الحديث، وما جاء فيه من أحكام في حلقةٍ قادمة بإذن الله.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، شكرًا لطيب متابعتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.