شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1428 هـ) - 12

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى لقاء جديد في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زال الحديث في باب صيام يوم عاشوراء، وتوقفنا عند الحديث عن لفظة: عاشوراء، نستكمل، أحسن الله إليكم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فقد ذكرنا في الحلقة السابقة كلام أهل اللغة في اشتقاق اللفظة، وفي زنتها، والآن في المراد بيوم عاشوراء.

يقول الزين بن المنير فيما نقله ابن حجر: الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية، وقيل: هو اليوم التاسع، فعلى الأول، فاليوم مضاف لليلة الماضية، وعلى الثاني، هو مضاف لليلة الآتية -إلى أن قال: روى مسلم من طريق الأعرج، من طريق الحكم بن الأعرج، قال: انتهيت إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو متوسد رداءه، انتهيت إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو متوسد رداءه، فقلت: أخبرني عن يوم عاشوراء، فقال: إذا رأيت هلال المحرم، فاعدد وأصبح يوم التاسع صائمًا، قلت: أهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصومه؟ قال: نعم، فانتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه، فقلت: أخبرني عن يوم عاشوراء، فقال: إذا رأيت هلال المحرم، فاعدد وأصبح يوم التاسع صائمًا، قلت: أهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصومه؟ قال: نعم، وهذا ظاهره أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع، هو اليوم التاسع.

يعني هل لقائل أن يقول: إن ابن عباس يريد العاشر، وأنك لن ترى الهلال في ليلة الأول، فقد تراه في ليلة الثاني، ليلة اليوم الثاني، ثم تعدد تسعًا وتصوم العاشر؟

المقدم: يستبعد هذا.

بعيد.

أو يقال مثلًا: إن ابن عباس قصده أن تصوم التاسع إلى العاشر؟

المقدم: كان ما يسميه عاشوراء.

قلت: أهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصومه؟ قال: نعم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، وما بقي إلى قابل، إذًا الظاهر من كلام ابن عباس أن المراد بيوم عاشوراء هو التاسع، لكن هل أخذه من الاشتقاق واستعمال العرب الذي سبق أن ذكرناه في الحلقة السابقة أنهم يستعملون اللفظة في ورد الإبل، في اليوم الثامن، يقولون: تسع، وفي اليوم التاسع يقولون: عشر، وهكذا على ما تقدم، فهل نقول: إنه أخذه من هذا، فجعل عاشوراء التاسع؟ أو من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، وظن أنه يقتصر عليه دون العاشر؟

المقدم: أيضًا هذا يستبعد.

إذًا كيف يقول ابن عباس: إن عاشوراء هو اليوم التاسع؟ أصبح يوم التاسع صائمًا، قلت: أهكذا كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يصومه؟ قال: نعم، وهذا ظاهره أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع.

على كل حال الإشكال قائم، وكلام أهل العلم كثير جدًّا، ولو ذهبنا ننقل كل ما قاله أهل العلم في هذه المسألة لطال بنا الكلام، لكن نقتصر على بعض كلامهم مما يتضح منه المراد -إن شاء الله تعالى-.

لكن قال الزين بن المنير: قوله: إذا أصبحت من تاسع، من تاسعة فأصبح يشعر بأنه أراد العاشر؛ لأنه لا يصبح صائمًا بعد أن أصبح من تاسعة إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة، وهي الليلة العاشرة، تكلف؟ يقول ابن المنير: قوله: إذا أصبحت من تاسعة فأصبح، إذا أصبحت من تاسعة.

المقدم: فأصبح يعني من بكرة، تصير العاشر.

من الغد، يشعر بأنه أراد العاشر؛ لأنه لا يصبح صائمًا بعد أن أصبح من تاسعة، هو أصبح من تاسعة ما صام.

المقدم: والله تكلف يا شيخ.

فأصبح يشعر بأنه أراد العاشر؛ لأنه لا يصبح صائمًا بعد أن أصبح من تاسعة إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة، وهي الليلة العاشرة.

المقدم: يبعد.

لأنه يقول: فاعدد وأصبح يوم التاسع صائمًا، يوم التاسع صائمًا، صائمًا حال في اليوم نفسه، هذا ظاهر من الحال.

قلت -القائل ابن حجر-: ويقوي هذا الاحتمال ما رواه مسلم أيضًا من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، فمات قبل ذلك.

هل يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصوم التاسع؟

المقدم: أبدًا.

وابن عباس يقول: أصبح يوم التاسع صائمًا، قلت: أهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصومه؟ قال: نعم.

ما صامه النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه ما بقي إلى قابل ليصوم التاسع.

«لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، فمات قبل ذلك، فإنه ظاهر في أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم العاشر، وهم بصوم التاسع فمات قبل ذلك.

هذا كلام ظاهر وصريح بالنسبة لفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن بالنسبة لتوجيه ابن عباس ليس بظاهر، لتوجيه كلام ابن عباس السابق.

ثم ما همّ به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه، بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطًا له وإما مخالفة لليهود والنصارى، وهو الأرجح، وبه يشعر بعض روايات مسلم، ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعًا: «صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، صوموا يومًا قبله ويومًا بعده»، وكان هذا في آخر الأمر، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة، واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب؛ لأنه بين أن يوافق أهل الكتاب ويخالف أهل الأوثان أو العكس.

المقدم: وأهل الكتاب أقرب؟

بلا شك؛ لأن عندهم...

المقدم: كتابًا.

كتابًا، وهم أقرب على كل حال من أهل الأوثان.

المقدم: فأراد أن يخالفهم بعد فتح مكة.

بعد فتح مكة، نعم.

المقدم: زال الشرك.

زال الشرك فصار...

المقدم: مخالفة أهل الكتاب صارت مطلبًا الآن.

يعني تحدد الجهة، تحدد، ما صار فيه تردد بين اثنين.

وكان هذا في آخر الأمر، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يحب موافقة أهل الكتاب فيما لا يؤمر فيه بشيء، ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة، واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضًا كما ثبت في الصحيح، فهذا من ذلك، فوافقهم أولًا وقال: «نحن أحق بموسى منكم».

أيضًا موافقة أهل الكتاب في أول الأمر من باب التأليف، فلما آيس منهم -عليه الصلاة والسلام- خالفهم.

فوافقهم أولًا، وقال: نحن أحق بموسى منكم، ثم أحب مخالفتهم، فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافًا لهم، ويؤيده رواية الترمذي من طريق أخرى بلفظ: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصيام عاشوراء يوم العاشر.

نص في المراد.

وقال النووي في شرح مسلم: يعني النصوص كلها تدل على أن عاشوراء هو اليوم العاشر، اللهم إلا ما جاء عن ابن عباس: وأصبح يوم التاسع صائمًا، قلت: أهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصومه؟ قال: نعم، هذا هو المورد، مورد الإشكال.

يقول النووي في شرح مسلم لما ذكر حديث ابن عباس الدال على عاشوراء، على أن عاشوراء هو تاسع المحرم، قال: هذا تصريح من ابن عباس بأن مذهبه أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم، ويتأوله على أنه مأخوذ من إظماء الإبل، فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيام الورد ربعًا، وكذا باقي الأيام على هذه النسبة، فيكون التاسع عشرًا.

فيه إشكال كلام النووي؟

المقدم: .......

كيف؟ يعني مقتضى تسميتهم التاسع: عِشْر أن يكون الخامس ربعًا أو سِدسًا؟

المقدم: سدس.

نعم؛ لأنهم يجبرون بقية اليوم الأول والأخير، على ما تقدم تقريره في كلام أهل اللغة.

على كل حال عاشوراء على رأي ابن عباس، حتى على هذا الكلام يقول النووي لما ذكر حديث ابن عباس الدال على أن عاشوراء هو التاسع من المحرم، قال: هذا تصريح من ابن عباس بأن مذهبه أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم، ويتأوله على أنه مأخوذ من إظماء الإبل، فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيام الورد ربعًا.

يعني الطرد لكلام اللغويين السابق أن يكون الثالث ربعًا؛ كما يقول: وكذا باقي الأيام على هذه النسبة، فيكون التاسع عشرًا، إذا كان الخامس ربعًا، يكون التاسع ثمنًا، لكن إذا كان التاسع عِشرًا، فيكون الخامس سِدسًا، والرابع خِمسًا.

يقول: وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وممن قال ذلك: سعيد بن المسيب، والحسن البصري، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وخلائق، وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ، وأما تقدير أخذه من الإظماء فبعيد، ثم إن حديث ابن عباس الثاني يرد عليه؛ لأنه قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم عاشوراء، فذكروا أن اليهود والنصارى تصومه، فقال: إنه في العام المقبل يصوم التاسع، وهذا تصريح بأن الذي كان يصومه ليس هو التاسع، فتعين كونه العاشر.

ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد أطال في إيراد إشكالات على أحاديث عاشوراء، لكن هنا ننقل كلامه عن الإشكال في كلام ابن عباس، ونرجئ بقية كلامه إلى آخر الكلام عن عاشوراء.

في زاد المعاد أجاب ابن القيم عن إشكال قول ابن عباس: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم التاسع مع قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، وأنه تُوفي قبل العام المقبل، فإن ابن عباس روى هذا وهذا، وصح عنه هذا وهذا، يقول: ولا تنافي بينهما؛ إذ من الممكن أن يصوم التاسع، ويخبر أنه إن بقي إلى العام القابل صامه، يعني قوله: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، هذا الذي فهم منه عامة أهل العلم؟

المقدم: أنه ما صامه.

أنه ما صام التاسع، أنه أراد مخالفة أهل الكتاب، فيصوم التاسع إضافة إلى...

المقدم: العاشر.

العاشر، ظاهر اللفظ يقتضي أنه ما صام التاسع، وأنه توفي قبل ذلك.

ابن القيم يقول: ولا تنافي بينهما؛ إذ من الممكن أن يصوم التاسع، ويخبر أنه إن بقي إلى العام القابل صامه، يعني من باب التأكيد وأنه لن يتركه.

المقدم: أو من باب إخبار الناس بالمخالفة.

يعني إشهار المخالفة.

المقدم: إشهارها.

نعم، أو يكون ابن عباس أخبر عن فعله مستندًا إلى ما عزم عليه ووعد به.

يعني هكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصومه؟ قال: نعم، باعتبار أنه هم بصيامه، والهم عند أهل العلم من النبي -عليه الصلاة والسلام- من السنة؛ لأنهم زادوا الهم، بعضهم زاد الهم في تعريف السنة، في تعريف الحديث قالوا: ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف، وزاد بعضهم: أو هم، فيكون من السنة.

 فمثلًا حديث: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، وأن أذهب برجال معي فآتي بحزم من حطب فأحرق على بيوت هؤلاء الذين يتخلفون عن الصلاة، أحرق عليهم بيوتهم بالنار»، يعني استدل به أهل العلم على وجوب صلاة الجماعة، ومنهم من قال: إنه يدل على الجمعة، على وجوب صلاة الجمعة، على كل حال هو يدل على وجوب صلاة الجماعة؛ لأن الكلام كله في الجماعة؛ لأنهم يتخلفون عن الصلاة معه- عليه الصلاة والسلام-، فهذا الهم يعني هل قال أحد من أهل العلم: أنه هم ولم ينفذ؟ فليس بحجة؛ لأنه مجرد هم، نعم قد يقول قائل: إنه هم ولم ينفذ فصار منسوخًا لكن ما قال أحد: إنه ليس بحجة؛ لأنه مجرد هم، فالهم سنة، فما دام هم بالتاسع، فهو سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-.

لكن هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصومه؟ يعني ليس هذا مجرد إضافته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- على أنه من السنة، نعم إضافته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من السنة، ولو لم يصمه؛ لأنه هم به، لكن كونه يصومه، يعني بالفعل، هكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصومه؟ قال: نعم، هل هذا يمكن أن يطلق على الهم؟ مجرد الهم؟ أو الصوم بالفعل؟ أيهما؟

المقدم: إطلاق.

الآن ابن القيم يقول: إذ من الممكن أن يصوم التاسع ويخبر أنه إن بقي إلى العام القابل صامه، أو يكون ابن عباس أخبر عن فعله مستندًا إلى ما عزم عليه ووعد به؟ يعني يستند إلى أنه عزم، وهم بصيام التاسع، ثم يسأل: أهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصومه؟ قال: نعم، يمكن يكون هذا؟

المقدم: ما يمكن.

ما يمكن إلا أن يكون صامه بالفعل.

ويصح الإخبار عن ذلك مقيدًا، أي كذلك كان يفعل لو بقي، أي كان ذلك..، أي كذلك يفعل لو بقي، أو مطلقًا إذا علم الحال.

على كل حال من الاحتمالين، فلا تنافي بين الخبرين؛ لأن كلا الخبرين صحيح ثابت عن ابن عباس، «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، ظاهر اللفظ أنه ما صام التاسع وإنما كان يصوم العاشر، وقول ابن عباس: اعدد، إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائمًا.

المقدم: هذا أيضًا ثابت؟

ثابت عنه، فلا شك أن مثل هذا التعارض يحتاج إلى توفيق، وابن القيم -رحمه الله- يرى أنه لا تنافي بينهما، فأخبر مقيدًا أنه كذلك كان يفعل، يعني لو بقي، ومطلقًا إذا علم الحال، وعلى كل حال؛ يعني إذا علم الحال، يعني علم أنه يصوم، ومع ذلك تمنى أن لو بقي أن يصوم، وهم إن بقي، تأكيدًا لفعله؛ «لئن بقيت إلى قابل لأصومن»، لا شك أن ظاهر اللفظ يدل على أنه ما كان يصومه.

يقول: ومطلقًا إذا علم الحال، وعلى كل واحد من الاحتمالين فلا تنافي بين الخبرين، وأما قول ابن عباس: اعدد تسعًا، وأصبح يوم التاسع صائمًا، فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس تبين له زوال الإشكال وسعة علم ابن عباس، فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس تبين له زوال الإشكال وسعة علم ابن عباس، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع، بل قال للسائل: صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر، واضح؟

المقدم: نعم.

يقول: أما قول ابن عباس: اعدد تسعًا، وأصبح يوم التاسع صائمًا، يقول: فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس تبين له زوال الإشكال وسعة علم ابن عباس، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع، بل قال للسائل: صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه، وأخبر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصومه كذلك، فإما أن يكون فعل ذلك هو الأولى، وإما أن يكون حمل فعله على الأمر به، وعزمه عليه في المستقبل، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى: «صوموا يومًا قبله ويومًا بعده»، يعني كأن هذا السائل؟

المقدم: عنده خبر عن صوم عاشوراء.

هو ما فيه إشكال صوم يوم عاشوراء.

المقدم: فأعطاه تاسوعاء.

لكنه كأن ابن عباس فهم منه أنه أراد أن يفرد يوم عاشوراء، هو ما تردد في يوم عاشوراء، لكن كأنه يريد أن يفرد يوم عاشوراء، لا يريد أن يصوم يومًا قبله ولا بعده، قال له ابن عباس: اعدد تسعًا، أصبح اليوم التاسع صائمًا، فقال: أهكذا كان يصوم رسول الله؟ قال: نعم، واستدل بهمه على أنه لو بقي فعله، يعني على سبيل التجوز والتوسع في الكلام، باعتبار أن الهم من السنة.

وهو الذي روى: «صوموا يومًا قبله ويومًا بعده»، وهو الذي روى أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصيام يوم عاشوراء، يوم العاشر، وكل هذه الآثار عنه يصدق بعضها ويؤيد بعضها بعضًا، فمراتب صومه ثلاثة، فمراتب صومه ثلاثة -يقول ابن القيم: أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم -يعني يصام ثلاثة أيام-، يقول: مراتب صوم عاشوراء ثلاثة: أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم، وأما إفراد التاسع دون العاشر، فمن نقص فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع، والله الموفق للصواب.

يعني كأن من فهم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، قال: هذه أمنية النبي -عليه الصلاة والسلام- أنا أحققها.

المقدم: ويكتفي به.

ويكتفي به باعتبار أنه عدل عن العاشر إلى التاسع.

المقدم: هذا بعيد.

بعيد جدًّا، يقول: بعيد، يقول: فمن نقص فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع، والله الموفق للصواب.

يقول ابن القيم: وقد سلك بعض أهل العلم مسلكًا آخر، فقال: قد ظهر أن القصد مخالفة أهل الكتاب، ظهر أن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها، وذلك يحصل بأحد أمرين: إما بنقل العاشر إلى التاسع، إما بنقل العاشر إلى التاسع، أو بصيامهما معًا، وقوله: إذا كان العام القابل صمنا التاسع يحتمل الأمرين.

يحتمل النقل من العاشر إلى التاسع مخالفة لأهل الكتاب، لكن هل تتم أحقية النبي -عليه الصلاة والسلام- بموسى بالنقل؟

المقدم: أبدًا.

ما تتم، يقول: وقد سلك بعض أهل العلم مسلكًا آخر، فقال: قد ظهر أن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها، وذلك يحصل بأحد أمرين: إما بنقل العاشر إلى التاسع، أو بصيامهما معًا، وقوله: إذا كان العام القابل صمنا التاسع يحتمل الأمرين، فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يتبين لنا مراده، فكان الاحتياط، فكان الاحتياط صوم الأمرين معًا، يعني صوم اليومين معًا، والطريقة التي ذكرناها أصوب -إن شاء الله-، ومجموع أحاديث ابن عباس عليها تدل؛ لأن قوله في حديث أحمد: «خالفوا اليهود، وصوموا يومًا قبله ويومًا بعده»، وقوله في حديث الترمذي: أمرنا بصيام عاشوراء يوم العاشر، يبين صحة الطريقة التي سلكناها، والله أعلم.

المقدم: أحسن الله إليكم، لعلنا نستكمل -بإذن الله- ما تبقى في حلقة قادمة من شرح وذكر أحكام هذا الحديث، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. لقاؤنا بكم -بإذن الله- في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب المتابعة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.