التعليق على الموافقات (1434) - 15

طالب: أحسن الله إليك. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد، إتمامًا للمسألة الرابعة، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ومنها: النظر إلى مجال الاجتهاد الحاصل بين الطرفين الواضحين، وهو الذي تبين في كتاب الاجتهاد من هذا المجموع، ومجال القياس الدائر بين الأصول والفروع، وهو المبيَّن في دليل القياس. ولنبدأ بالأول: وذلك أنه يقع في الكتاب النص على طرفين مبيَّنين فيه أو في السنة كما تقدم في المأخذ الثاني، وتبقى الواسطة على اجتهاد، والتباين لمجاذبة الطرفين إياها، فربما كان وجه النظر فيه قريب المأخذ، فيُترك إلى أنظار المجتهدين حسبما تبيَّن في كتاب الاجتهاد، وربما بعُدَ على الناظر".

فيحتاج في مثل هذا أن يُستعمل قياس الشبه، فيلحق بالأقرب، يُستعمل قياس الشبه. الرقيق هل يلحق بالحيوان؛ لكونه يباع ويشترى، أو يلحق بالإنسان؛ لأن له إرادة وله خصائص الإنسان؟ يلحق بأكثرهما شبهًا. {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، إذًا الطيبات حلال والخبائث حرام، هناك أمور وأشياء فيها نوع طيب ونوع خبث، فهل تلحق بهذا أو تلحق بهذا؟ سيأتي في كلام المؤلف -رحمه الله-.

طالب: "وربما بعُدَ على الناظر أو كان محل تعبُّد لا يجري على مسلك المناسبة، فيأتي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه البيان، وأنه لاحق بأحد الطرفين أو آخذ من كل واحد منهما بوجه احتياطي أو غيره، وهذا هو المقصود هنا. ويتضح ذلك بأمثلة؛
أحدها: أن الله تعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث، وبقي بين هذين الأصلين أشياء يمكن لحاقها بأحدهما، فبيَّن -عليه الصلاة والسلام- في ذلك ما اتضح به الأمر، فنهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، ونهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية، وقال: «إنها ركس»"
.

وهذه زيادة عما في كتاب الله، وهذه زيادة عما في كتاب الله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145]. جاءت هذه المحرمات في السنة، فهي زيادة على ما في كتاب الله، يسميها الحنفية الزيادة على النص نسخًا عندهم.

طالب: "وسئل ابن عمر عن القنفذ، فقال: «كُلْ»، وتلا: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145] الآية".

مستصحبًا أن الأصل الإباحة.

طالب: "فقال له إنسان: إن أبا هريرة يرويه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول: «هو خبيثة من الخبائث». فقال ابن عمر: إن قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو كما"؟

"قال".

طالب: "«فهو كما قال»".

العلماء في هذا الباب يختلفون في الأصل: هل هو الحل أو الإباحة؟ هل الأصل الحل فلا يُحرم ولا يُمتنع من أكله إلا ما جاء الدليل بالمنع منه، أو الأصل الحظر فإذا رأيت شيئًا ما عندك فيه دليل لا تأكل، وكل على أصله، فمنهم من يقول: الحلال ما أحله الله، ومنهم من يقول: الحرام ما حرمه الله. يعني هل بين العبارتين تناقض؟ إن نظرت إليهما فكلام صحيح، الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، اللي يحل ويحرم هو الله -جل وعلا-. لكن يريدون من ذلك الاختصار على أحد شقي الكلام. الحلال ما أحله الله، يعني لا تأكل حتى تجد نصًّا يدل على أن الله أحل لك هذا المأكول. ومن يقول: الحرام ما حرمه الله، يقول: كُلْ كلَّ شيء إلا إذا وجدت نصًّا يمنع من هذا.

الآن في محلات العطارة التي تباع على أنها أدوية وعلاج من حشائش وحيوانات وحشرات، عندهم أشياء يجيء لك بحيوان أو من الزواحف يقول: هذا علاج لكذا وكذا وكذا، وأنت ما تدري هو حلال أم حرام، تأكل أم ما تأكل؟

طالب: .......

كلٌّ على أصله، إذا كنت ممن يقول: الحرام ما حرمه الله، تأكل. الذي قال لك: فيه دليل. مثل ابن عمر في القنفذ.

طالب: .......

من؟

طالب: .......

طالب: ابن عمر.

من؟

طالب: .......

ابن عمر، نعم. نعم. ومثل هذا كثير، وهذا مطرد، ووقفت على كتاب محقق يبحث هذه المسألة باختصار وقال: مثل الحشيشة، وجاء المحقق في ثلاث صفحات أو أربع صفحات يقول: كيف تدخل الحشيشة في مثل هذا الخلاف؟ وجاء بأدلة التحريم والخمر، وأن الحشيشة حرام بالإجماع وكذا وكذا. ماذا يعني المؤلف؟

طالب: العشب.

العشب الذي بالبر! وجدت حشيشة بالبر رائحتها أعجبت تأكل أم ما تأكل؟ إن كان عندك دليل يدل على الحل فكلْ، وإن صار عندك دليل يدل على، وكلٌّ على أصله، إن كنت ممن يقول: الحلال ما أحله الله، فلا تأكل إلا بدليل. وإن كنت تقول: الحرام ما حرمه الله، فلا تمتنع إلا بدليل.

طالب: أيهما أصح؟

ماذا؟

طالب: أيهما أصح؟

واللهِ أنت تعرف الأكل وبناء الجسد والإنسان يتحرى في ذلك، ويرجو استجابة الدعوة، يتحرى في مثل هذا.

طالب: "وخرَّج أبو داود: «نهى -عليه الصلاة والسلام- عن أكل الجلالة وألبانها»؛ وذلك لما في لحمها ولبنها من أثر الجلة والعذرة. فهذا كله راجع إلى معنى الإلحاق بأصل الخبائث، كما ألحق -عليه الصلاة والسلام-".

وإن كان الخبث طارئًا، الأصل فيها أنها إما من الغنم أو من الدجاج أو ما أشبه ذلك تأكل الجلة، النجاسات. تأثَّر لحمها بهذه النجاسة، مثل هذه يقال: خلاص خبيثة وتترك بالكلية، أو يقال: أصلها طيب فلا مانع من أكلها؟ تُحبس ثلاثة أيام حتى يطيب لحمها؛ لأن الخبث طارئ. ورؤي الشاعر رؤبة بن العجاج يأكل الفأر، فقيل له: يا رؤبة ماذا الذي تأكله هذا؟ حرام، فويسقة تقتل في الحل والحرم؟ قال: والله إنها خير من دجاجكم! هذه تأكل البر والسمن؛ لأنها ما تستأذن، تدخل المستودعات وتأكل على كيفها. هذه تأكل البر والسمن، ودجاجكم ينتشر في الأرض ويأكل ما تعرفون. ليس هذا بمبرر لجواز أكل الفأر والمنع من أكل الدجاج، إلا أنها طرأ عليها هذا الخبث فتحبس حتى تطيب.

طالب: "كما ألحق -عليه الصلاة والسلام- الضب والحبارى والأرنب وأشباهها بأصل الطيبات.

والثاني: أن الله تعالى أحل من المشروبات ما ليس بمسكِر، كالماء، واللبن، والعسل وأشباهها، وحرم الخمر من المشروبات؛ لما فيها من إزالة العقل الموقع للعداوة والبغضاء، والصد عن ذِكر الله وعن الصلاة، فوقع فيما بين الأصلين ما ليس بمسكِر حقيقة، ولكنه يوشك أن يسكر، وهو نبيذ الدباء، والمزفَّت، والنقير وغيرها".

"نبيذ الدباء والمزفت والنقير"، هذه أوعية، وليست أجناسًا يُعتصر منها أو يُستخرج النبيذ، هذا وعاء. الدباء: القرع، يُستخرج لبه ويبقى قشره حتى يصلب فيكون وعاءً يُنتبذ فيه من التمر أو من العنب أو من غيرهما أو من الشعير مما يُنتبذ. النقير: المنقور، يعني أصل الشجرة أو النخلة يؤخذ ما في جوفها وتكون كالإناء. المُزَفَّت: المطلي بالزفت. والمقير: المطلي بالقار. هذه أوعية نُهي عن الانتباذ بها، يعني تأتي بتمر تضيف إليه الماء وتجعله كالعصير أو من العنب أو من غيره، تجعله في هذا الإناء وتقفل عليه، بعد ثلاثة أيام يغلي ويقذف الزبد ويصير خمرًا وأنت ما تدري، يمكن تشربه وأنت ما تدري. نُهي عن الانتباذ فيها، ووُجِّه إلى الانتباذ في الأسقية من الأدم. الأدم: إذا تغير ما في جوفها انتفخت، وإذا زاد التغير تشقَّقت. فيؤمن أن يُشرب منها بعد التغير. أما الأوعية الصلبة، فقد تشرب من شيء متغير وأنت ما تدري. ثم تقرر تحريم الخمر وعرفه الناس وهابوه وتركوه وابتعدوا عنه واحتاطوا له، فنسخ النهي عن الانتباذ فيها.

طالب: "فنهى عنها إلحاقًا لها بالمسكرات تحقيقًا، سدًّا للذريعة، ثم رجع إلى تحقيق الأمر في أن الأصل الإباحة كالماء والعسل، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «كنت نهيتكم عن الانتباذ، فانتبذوا»، و«كل مسكر حرام»، وبقي في قليل المسكر على الأصل من التحريم، فبيَّن أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، وكذلك نهى عن الخليطين للمعنى الذي نهى من أجله عن الانتباذ في الدباء والمزفَّت وغيرهما، فهذا ونحوه دائر في المعنى بين الأصلين، فكان البيان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعيِّن ما دار بينهما إلى أي جهة يضاف من الأصلين. والثالث: أن الله أباح من صيد الجارح المعلَّم ما أمسك عليك، وعُلِم من ذلك أن ما لم يكن معلَّمًا فصيده حرام؛ إذ لم يمسك إلا على نفسه، فدار بين الأصلين ما كان معلَّمًا ولكنه أكل من صيده".

نعم. ففيه شوب مما أُذن لصيده واقتنائه، وفيه شوب مما مُنع من صيده واقتنائه. نعم.

طالب: .......

نعم، يعني أنك إذا شككت في شيء امتنع لتتحقق أن ذمتك برأت خرجت من العهدة بيقين. نعم.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

لا، أين.

طالب: .......

أين؟ أي سطر هذه؟

طالب: بعد "المزفت".

"فنهى عنها إلحاقًا لها بالمسكرات تحقيقًا سدًّا للذريعة"، الآن نهي عن الانتباذ في هذه الأوعية الصلبة؛ لأنها يُضرب لها أمد، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يُنتبذ له، ويشربه إذا مضى عليه ليلة، أما ليلتين فهذا مشكوك فيه، ثلاث ليال تحقيقًا أنه مسكر.

طالب: "فالتعليم يقتضي أنه أمسك عليك، والأكل يقتضي أنه اصطاد لنفسه لا لك، فتعارض الأصلان، فجاءت السنة ببيان ذلك، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه»، وفي حديث آخر: «إذا قتله ولم يأكل منه شيئًا، فإنما أمسكه عليك»، وجاء في حديث آخر: «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله، فكل وإن أكل منه» الحديث. وجميع ذلك رجوع للأصلين الظاهرين".

تعارض الأصل مع الظاهر، يعني أنت عندك الأصل مثلاً الإباحة، والظاهر من حقيقة هذه الواقعة يستروح منه ويشم منه المنع، وأنا أضرب مثالًا: يعني دخلت مكتبة زميلك، واحد من زملائك دخلت مكتبته فوجدت كتابًا عليه اسمك من كتبه عليه اسمك، وهو في مكتبته، الأصل أنه لك، ما دام عليه اسمك، والظاهر أنه تحت يديه وتحت ولايته وفي مكتبته أنه له، فهل يُقدم الأصل أو الظاهر؟  

طالب: القرائن.

بالقرائن نعم. بالقرائن، يعني تعرف نفسك أنت: هل أنت ممن اعتاد البيع من كتبك؟ أنت معتاد للبيع من كتبك وبعت كتبًا ونسيت؟ فتعتمد هذا في معارضة الأصل؛ لأنه أقوى ودلت عليه القرينة. إذا كنت ممن يُعير، ولا يمكن أن تبيع، يرجح الأصل في هذا. عندي كتاب اسمه تاريخ نجد لابن غنام جزأين، كان عندي من الثانوي، وهو مجلد وعليه ختمي، قبل ثلاث سنوات وجدته عند مكتبة هنا هو هو، لكنه مجلد تجليدًا فاخرًا بمصر، كيف راح وكيف جاء وعليه ختمي، وعندي من أربعين سنة أو أكثر؟ كيف يكون هذا؟ الأصل أنه لي، وكونه ذهب هذه المسافات، ومكث مدة طويلة، وأنا نسيت أنا بعته أو أهديته أو أعرته، أنا نسيت، فكيف أدعي على صاحب المكتبة أنه لي؟ فيه تعارض.

طالب: يأخذ بالظاهر.

الأصل مع الظاهر.

طالب: .......

نعم؟

طالب: اشتريته؟

اشتريته ماذا أفعل!

طالب: "والرابع: أن النهي ورد على المُحرِم أن لا يقتل الصيد مطلقًا، وجاء أن على من قتله عمدًا الجزاء، وأبيح للحلال مطلقًا، فمن قتله فلا شيء عليه، فبقي قتله خطأً في محل النظر، فجاءت السنة بالتسوية بين العمد والخطأ، قال الزهري: جاء القرآن بالجزاء على العامد، وهو في الخطأ سُنة، والزهري من أعلم الناس بالسنن".

نعم. حينما يقول الحنابلة والشافعية وجمهور أهل العلم وينقل عن الصحابة أن في قتل الصيد خطأً الجزاء، والله -جل وعلا- يقول: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95]، يدل على أن الخطأ ما فيه شيء.

طالب: ....... القياس.

ماذا؟ لكن السنة جاءت بأن فيه الجزاء.

 قف على "الخامس".

طالب: .......

لا لا، هذا من الحكمة ضالة المؤمن، يعني شخص يستدل يقول كلامًا حقًّا فيستدل له بدليل صحيح، ترد حتى...